تشغيل الوضع الليلي

عروس الراعي

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 672

بقلم: تمارة أحمد
في بلادِ وادي الرافدينِ، بلادٌ لا تجدُ في غَيرِها مِنْ جَنتين، بلادُ العلمِ ومَسعى لِمن لَه طالبون، في ريفِ حِدودِها وتحت قَمر السَاهِرين، حكاياتٌ تَداولَتها ألسِنةُ المُسنين، فقالَ الجدُ لأطفالِ الحارتين :
_اسمَعوا لِما أقول، قِصةُ فتاةٍ أسرت العُقول، فتاةُ ريفٍ في البُستانِ تَجول، تَجرُ خَلفَها سَعف النَخيل، ومَنظرها لَنْ تَجِدَ لَهُ مَثيلًا.
فَحلَ سِكوتٌ لا يَكسرهُ سِوى النَسيم، والعيونُ تَلمعُ مُترقبةً كَلام الجدِ نَعيم، فَنمت ابتِسامةٌ قَبل أن يَردِفَ مِنْ جَديد، كَأن الرَبيعَ زارهُ مِنْ الماضي البَعيد:
_خِيوطُ الذَهبِ تَنسدلُ مِنْ وِشاحِ الحَرير، والشَواطئ بَين جَفنيها لَيسَ لَها نَظير، وبَساتين الزُهور لِوجنَتيها استَوطَنت لا غَير، كَأنها أميرةٌ هَاربةٌ مِنْ واقعٍ مَرير، فَهل يُلامُ مَن بِحُبِها يَقعُ كَالراعي الفَقير؟
فَقال فَتى بِعمرِ العشرِ سِنين، بِسؤال الجدِ كَأنه ابن العِشرين:
_لا يُلامُ يا جَدي، فتاةٌ بِحسنِها حلمُ كل رجلِ، ولِكل أميرةٍ فَارسُها المُضَحي، فَأسمِعنا مَاذا فَعل الرَاعي؟
فَقالت فَتاةُ التِسع سِنين، لِكلامِ صَديقِها نَاكرة كَلامه بِحين:
_لَكن الرَاعي لَيسَ فَارِسًا، فَهوَ فَقيرٌ ولا يَفقهُ بِالفروسيةِ شيئاً، أرأيتَ يوماً نَملةً تَحملُ رَغيفَ خُبزٍ؟
فَابتَسم الجدُ لبَديهةِ أطفالهِ، فَقالَ مُردِفاً يُصورُ حَال الرَاعي:
_لَم يَكن الرَاعي كَما تَظنون، أسرتهُ الفَتاة وأرادَ أن يَعرِفها فَاخبرَ صَديقه بَعد حَين، أنهُ لَمحَ فَتاة البُستانِ فَأحبتها العُيون، فَابتَسمَ صَديقهُ واخبرهُ أنَها حَنان، مَحبوبةُ أهلِ القريةِ دُونَ نُكران.
أعجبَ الرَاعي ما يَسمع، ولَم يَنكر شَعبيةَ مَنْ لَها وَقع، فَلمحَ صَديقه عَينه تَلمع، فَخطرَت لِبالهِ فِكرةٌ لِصالحِ صَديقهِ تَقع، فَلم يَطل بِالأمرِ و أستأذَن لِشربِ الماءِ ويَرجِع، بَحثَ عَن والدَة الرَاعي واخَبرها ما سَمع، فَهلّ وَجهُ والدة الرَاعي لخبرٍ جَعلَ لِأحلامِها وَاقعًا.
فَعادَ صَديقهُ واستأذنَ مِنْ فَوره، فَقد حَل المَساءُ والرَاعي غَارقٌ بِفكره، وَدعَ صَديقه ولِلعشاءِ أمهُ تَنده، ذَهبَ اليها وتَناولَ بَعضاً مِنه وغَرقَ بِأفكارِه، والشَوكةُ تُداعبُ الطَعامَ في يَده، فَابتَسمت والِدتُه وقَالت عَلى مَسامعه:
_بُني تَعلمُ أني كَبرتُ في السِن واحتاجُ مَنْ تُساعِدُني، وأُرِيدُ ان ارى احفادي قَبل رَحيلي لِيرتاح فؤادي، فَهل تُحققُ لِي طَلبي سَريعاً يا وَلدي؟
فَنظرَ الرَاعي لِوالدتهِ نَاكرًا، ومَسكَ يَدها ليقولَ مُردفًا:
_لا تَقولي هَكذا يا أمي، عُمركِ مَديدٌ إن شاء الله و روحي فِداكِ، لَن يُصيبكِ خَدشٌ مَا حَييتُ فَلا تَخافي، أنا مَعكِ ولَن تُجهدي نَفسكِ بِالعمل وارتاحي، سَأتولى أعمالَ الحَقلِ بِمفرَدي فَلا تَقلَقي، فَقط لا تُكرري أمرَ الرَحيل فَتكسِري ظهري.
ابتَسمت والدَتهُ وقَبلتْ يَدهُ لِتقولَ بِأملِ الموافَقة، لتَردفَ مِنْ فَورِها بِعيون رَاجية:
_لا أشكُ بِكلامِكَ صَدقني، لَكن لا أضمَنُ نَفسي لاحِقا فَسمَعني، أخبرني إذا تُحبُّ إحداهُنّ لأطلِبها لَكَ عَزيزي، حَقق لِي هَذا الأمر فَقط لا تَرُدَني بُني، حُلمي أن أراكَ مُستقِرًا وأطفالُكَ حَولكَ يَا قُرةَ عَيني، فَما رَأيكَ أسَتَرُدَني؟
تَنهدَ الرَاعي وهوَ يُغمضُ عَينيهِ لِوهلة، لِيفتَحها وقَبّل جَبينَها فَقالَ لَيهلَ وجهُ والدَتهِ بِسَعادةٍ غَامِرة:
_لَن يَردكِ سِوى الظَالمُ يا نُورَ عَيني، لَكِ مَا تُريدين فَلا تَحزني .
فقالت والدته بسعادة ابتسم الراعي بسببها، وافرح قلبه رؤية سعادة من ربته طوال عمرها:
_مَا رَأيكَ بِحنان ابنة جَارَتِنا هَل أطلُبها لكَ؟ سَتكون خَيرَ عَون وسَند مَا رأيكَ؟
لِيقولَ خَاتمًا حَديثَهما، ولِسعادةِ والدتهُ يَبتسمً وقَلبهُ يَرقصُ طَربًا:
_افعَلي ما تَرينهُ مُناسبًا ولا تسأليني، فَأنا أعلمُ أنكِ سَتُحسنينَ الاختيارَ أفضلَ مني.
لِتَحضِنهُ والدَتهُ وتُقبلَ جَبينهُ، وَهي تَبتسمُ لِتقولَ لهُ:
_سَأخبِرُ والِدَتها اننا سَنزورهُم غَدًا، لابدَ انَهنّ عِند النَهرِ يَتبادلنَّ السَمر و الشعر حينًا، لا تُطلْ مَع أصدِقائكَ وعُد سَريعًا، سَأذهبُ الآن أراكَ قريبًا.
ذَهبت والدتهُ إلى النَهر وحَدثَ مَا تَوقَعتْ تَبادلنَّ السَمر و الشِعر، ويَطربنَ بِالألحانِ الشَجية والنَسيمُ يُداعبُ بَشرتهنّ تَحتَ مُداعباتِ ضَوء القَمر، فَطلبتْ مِن وَالدة حَنان أن تُكلِمها في أمر، وقَالت لَها طَلبها فَوافقت أُم حَنان طَلب الزِيارةِ بِرحابةِ صَدر، فَأخبَرتها أنها سَتزورُهم مع ابنِها عِند حُلولِ العَصر.
انتَهت حَفلةُ سَمَرهنّ وَعدنَ لِمنازِلهنّ بِسعادة غَامِرة، لِتخبرَ والِدَة حَنان ابنَتِها بِطلبِ جَارَتِها، فَاكتَفتْ حَنان بِابتِسامةٍ خَجلة، وعدنَ لِمنزلِهنّ بِأحاديثهنّ المَازِحة، وَرأت أُم الرَاعي ولدها يَنتظِرُها عِندَ البابِ برجولةٍ طَاغية، لِتومئ لَه لِيعرفَ مَا تَقصدُ وَيكتَفي بِالابتسامِ لِضحكَتها السَاحرة.
مَضى اليَومُ وجاءَ العَصر لِيغادرَ الرَاعي مَع والدَتهِ وخَالهِ لِبيتِ الجَارة، لِتستقبِلهم والدةُ حَنان وخَالُها بِابتسامتِها ويِجلسون في غُرفة المَعيشة، لتَدخُل بَعدهم بِقليل حَنان وفَناجين الشَاي بِيدها بِحياءٍ و أنوثةٍ طاغية، لتُضيّفَهم وعلى وجهِها ابتسامةٌ، أقسَم الرَاعي إنَها لَوحةُ فنانٍ لا تَشوبُها شَائِبة.
عَرض خَالُ الرَاعي طَلبهُم وتَمت المُوافقة بِرحَابة صَدر لِسُمعة الرَاعي الطَيبة، وتَم الزِفاف بَعد اسبُوع وحَضرهُ أهلُ القَرية بِسعادةٍ غَامِرة، لِيعلم الرَاعي لاحقًا أن زَوجتهُ هي أميرةُ البِلاد، ومَا البستانُ إلّا لِقضاء إجازةٍ لِلراحة، والحُراس يَسكنون كَمزارعين في القَريةِ في فَترة إجازةِ الأميرة.
بَعد مُرورِ سنةٍ مِنْ زَواجِهما في حَديقة القَصر الوَاسِعة، بَعد أن انتَقلوا لِلعيشِ فِيه بِمدةٍ لَيست بِقليلة، في لَيلةٍ رَبيعية ونَسيم عَليل يُداعبُ بَشرتِهم لِتقول حَنان بِرغبةٍ قَوية، وَهي تَنظرُ لِطفلِهم الذِي يَلعبُ مَع جَدتَيه بِسعادة:
_أرِيدُ ان أطلُب مِنكَ شَيئاً أرجو أن لا تَردَني يا عَزيزي، تَعلمُ أنَنا التَقينا في الرِيفِ وغدًا هي ذِكرى زَواجِنا الأولى دَعنَا نَذهبُ لِلبُستانِ عَزيزي.
لِيبتَسم الرَاعي لَها ويُقبلَ يَدها، لِتخجَل مِنْ تَصرفهِ لِيجيَبها:
_وهَل لِي أن أرفًضَ لأميرَتي طَلبًا، قُولي كُل مَا تَرغَبين فِيهِ وانا لِطلباتكِ محقق، فلا تَسأليني أبدًا، وأمُريني وانا وقَلبي لأوامركِ مجيب، وسَنزورُ الريف كُل فَترةٍ ان أردتي فَكوني مُرتاحةً دومًا.
لينهي الجد قصته خاتمًا، وأطفاله يستمدون عبرة:
_لا تَحكموا عَلى الناسِ حَسب ظُنونِكم، ولا تَحكُموا عَلى الانسانِ وان كَان فَقيرًا امَامكُم، فَالجميعُ اغنياء والفقرُ الحَقيقي هوَ فَقرُ العِلم.
لِيُغادِر الأولادُ بَعد أن هَمست طِفلة بِأذنِ الجد نَعيم لِتلحق رِفاقِها وهُم يَنتظرون قِصة يَوم غَد بِفارغ الصَبر، لِتجلس بِجانِبهِ زَوجتهُ فَتقول بِفَخر:
_هَل رَويتَ لَهم قِصَتنا يَا نَعيم، هَل عَلِموا أَنكَ الرَاعي الحَكيم؟
لِيَقول نَعيم بِابتسامةٍ بَعد جِلوس حفيده وسيم في حضنهِ:
_أجل عَلمت طِفلةٌ ذَكية يَا حَنان، فَمن لا يَعرفُكِ هُنا يا اميرةَ الرَافِدين، وعَيناكِ تَسقي كُل عَطشٍ و ظَمئان.

اخترنا لكم

خاتمٌ من دموع

بقلم: شفاء طارق الشمري لم يكن خاتمُه من فضة، بل كان من دموعه الفضية التي كانت تسقط من عينيه البُنيتين، لقد صنع خاتمًا من دموع، وجعله خاتم الحياة، فكُلما نظر إليه يردد كلماتٍ لا يفهمها إلا العاشقون في السماء، إنَّ لذلك الخاتم ألف حكايةٍ وحكاية، كلُّ دمعةٍ سقطت عليه تروي لك حكاية.. شدَّ انتباهها ذلك الخاتم وكيفية تعامله معه؛ إذ كلما أراد ارتداءه أو خلعه تمتم بعبارةٍ ما، وقد تكرر هذا الموقف عنده كثيرًا، وفي كلِّ مرةٍ يقرع أبواب فضولها.. كانت كثيرًا ما تتساءل: ماذا يقول هذا العاشق لخاتمه الذي أحبه أكثر من كلِّ جواهر الدنيا؟ في أحد الأيام بينما كانت تتهيأ لمجلس العزاء الذي تُقيمه كلَّ عامٍ في ذكرى وفاةِ السيدةِ زينب (عليها السلام) وإذا به يطرق الباب، فتحت له الباب واستقبلته وجلسا في حديقة المنزل... هي: أيُّها الفارس الذي شقَّ طريقه نحو السماء ليصل إلى مراتب شهادة العشق .. هو: أرى لأميرتي حديثًا طويلًا وأسئلة تُحيّرها. هي: نعم، أودُّ أنْ أسأل لكن هل أسألك أنت أو خاتمك هذا؟ هو: ماذا؟ هي: ماذا تُتمتم مع هذا الخاتم عند نظرك إليه أو ارتدائك أو خلعك له؟! ابتسم ذلك الفارس ابتسامة مقاتلٍ مُهاجرٍ: عند ارتدائي وخلعي لهذا الخاتم أقول: (السلام عليك يا أبا عبد الله، اللهم العن من ظلمه) هي وقد بانت على وجهها علامات الاستغراب: ولماذا ؟! هو: لأنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) بعدما قُتِل وصُرِع على صحراء الغربة وعلى رمالٍ حارقة سلبوه ثيابه وكلَّ ما كان يرتدي حتى خاتمه، وورد في الروايات الشريفة أنَّ "بجدل بن سليم الكلبيّ" لعنه الله لم يجد شيئًا يسلبه من جسدِ الإمام الحسين (عليه السلام) غير الخاتم الذي كان في خنصره، وبعد فشله بمحاولاتٍ متكررةٍ لانتزاع الخاتم، تناول سيفًا إلى جانبه، وصار يحزُّ بها إصبع الحسين (عليه السلام) حتى فصل الإصبعَ وأخذ الخاتم. وأنا يا أميرتي منذُ أنْ سمعتُ بهذه الحادثة كُلّما رأيتُ خاتمًا أو ارتديتُ أو خلعتُ خاتمًا أتذكر هذه القصة فأُسلِّم على الإمام الحسين (عليه السلام).. ولهذا الخاتم حكاية، فقد قدّمه إلي صديقي الشهيد قبل أنْ يستشهد وقال: إنَّ هذا الخاتم كان معه في صلواته ورحلة دعائه وكان كثيرًا ما يبتل بدموع مناجاته وأنا منذُ ذلك الحين أرتدي هذا الخاتم الذي امتزج بدموع الشهيد وقصة كربلاء.. اعلمي أيتها العزيزة، أنَّ أهلَ البيت (عليهم السلام) ظُلِموا في كربلاء، وقصة خاتم الإمام الحسين (عليه السلام) قطرةٌ في بحر الأحداث التي جرت فيها، فلا معركة كمعركة كربلاء، ولا حادثة كحادثة الطف، إنَّ أيَّ إنسانٍ يسمعُ بقصص كربلاء لا يصدق، فما بالكِ بمن يرى ويشاهد تلك الحوادث؟! أقصد السيدة زينب (عليها السلام) التي شاهدت رؤوس خير الناس وأصدقهم مرفوعةً على رماح الغدر منحورةً بسيوف الغدر، لقد تحمّلت السيدة عبئًا ثقيلًا، إذْ أخذت على عاتقها تحمل طعنات كلام الشاميين وهي تصفها بالخارجية وتسبها، كما تحملت مسؤولية الحفاظ على حياة الإمام السجاد (عليه السلام) والنساء والأطفال، وكلُّ ذلك في كفةٍ وتحملها عبءَ الرسالة وإيصالها إلى العالم أجمع في كفةٍ أخرى، إذ ترفع صوتها الذي يصدحُ في سماء الحرية أنْ (قُتِلَ الحُسين مظلومًا)، إنَّ لكربلاءَ وقفاتُ تأملٍ أبكت التاريخ والعظماء. رفع رأسه وإذا به يشاهد أثر كلماته على وجدانها الذي تجسّد في عينيها إذ اغرورقتا بالدموع حتى احمرتا.. فأكمل قائلًا: إنَّ الذي أقام الدين وحفظ القرآن الكريم هو سيد الشهداء (عليه السلام) بما قدّمه من تضحياتٍ جسامٍ، ورغم كلِّ ذلك نرى امرأةً شامخةً هزّت عروش الظالمين وأوقعت بعروشهم وأرعبت سطوتهم، تُرى أيّ أختٍ تتحمل أنْ تسمع أخاها يُناجي الله (تعالى) بصوتٍ حزين يُفتِّت الحجر ويفلق الجبل قائلًا: سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى إذا ما نوى حقّــًا وجاهد مسلمـــــًا وواسى الرجالَ الصـالحين بنفسـه وفارق مثبورًا وخالــف مجرمــًـا فإنْ عشـتُ لم أندمْ وإنْ متّ لم أُلَمْ كفى بـــك موتـــًا أنْ تُذلّ وتُرغمًا أم أيّ أختٍ تتحمل أنْ يُقدمَ لها أخوها رضيعًا لم يتجاوز الستة أشهر مضمخًا بالدماء ليكون أصغرَ قربانٍ إلى السماء. هي: سلامُ اللهَ عليك يا أبا عبد الله. هو: يا عزيزتي هل ستكون لكِ قدوةً بالعقيلةِ (عليها السلام)؟ وهل ستواسينها إنْ أحضروني شهيدًا يومًا؟ هي: وكيف بعدما سمعت قصص عشق الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)، هل أتجرأ أنْ أجزع؟ هو: سألتحق غدًا يا رفيقتي وادعي لي أنْ أحظى هذه المرة بالالتحاق بركب العشق الحسيني. هي وقد سالت دموعها: وداعًا يا رفيقي، لكن عدني أنْ تلتقيني عند جنة الإمام الحسين (عليه السلام) وتأخذ بيدي هناك. هو: أعدُكِ يا رفيقتي، ولن يكون هناك وداع بيننا، فالشهداء أحياءٌ يرزقون وسأكونُ معكِ يا رفيقتي حتى نلتقي. هي: أبلغ سيدي الحسين مني السلام إنْ التقيته في جنة الفردوس. هو: سأبلغه سلامكِ، لقد اجتزتِ أبواب الزمن لتتحدثي بحديث الشهداء. هي: أنت من علّمني حديث أهل السماء. قام الرفيق وودّع رفيقته ووصل عند الباب ونظر إليها آخر نظرة وكأنّه يعلمُ أنَّه آخر لقاء بينهما وكان فعلًا هذا الوداع الأخير الذي ختمه كلام العيون. ومضتِ الليالي الحزينة بفراق الحبيب، واشتدّ الحزن عليها بحلول أيام شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام). وفي صباح يوم حزين على الجميع صباح الخامس والعشرين من شهر رجب سمعت أصواتًا وضجيجًا في الشارع فعلمت أنَّ الحبيب قد قدِمَ ليُخبرها أنَّه قد أبلغ سلامها للإمام الحسين (عليه السلام)، نظرت إلى نعشه وابتسمت: كفاني فخرًا أنْ أكون زوجةَ رجلٍ اتخذ من الحسين (عليه السلام) أسوةً.. هكذا كانت تردد في قلبها . تقدّم إليها أحد أصدقائه: عظّم اللهُ لكِ الأجر، لقد كان يقول: إنَّه سيبلغ سلامكِ وقد أبلغه، وترك لك عندي هذه الورقة وهذا الخاتم. نظرت إلى الخاتم فابتلَّ الخاتم بدموعها ورددت في قلبها: (السلام عليك يا أبا عبد الله). فتحت الورقة لتقرأ ما كتب: (أيّتُها الحبيبة لا أريدُ أنْ أسمع آهاتكِ، تصبّري ولا تجزعي وتذكري حديثنا عن العقيلة، وأبقي هذا الخاتم في يديكِ ولا تخلعيه حتى نلتقي ... عندما كنتُ أرى بقلبي الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يستقبل الشهداء أقولُ: ليس هناك ثمة ما يدفعنا لأن نبقى أحياء، وأنا لا أرى الموت إلا سعادةً ..لقد غلى في عروقي حبُّ الشهادة وحب الدفاع عن وطني فأنا عندما أرى النساء والأطفال يهاجرون بيوتهم وهم يتصارخون بسبب أناسٍ، من الجُرم في حق الإنسانية أن ننسبهم إلى الناس، عندما أرى تلك النساء والأطفال أعود إلى كربلاء الحُسين (عليه السلام)؛ لذا عليكِ أنْ تفخري بي وترفعي رأسكِ، ولا تبكي يا عزيزتي فغدًا سنلتقي.. وداعًا يا رفيقتي والمُلتقى عند الحسين (عليه السلام)).

اخرى
منذ 4 سنوات
891

الإمام الصادق (عليه السلام) وفكر الآخر (٢)

بقلم: عبير المنظور مفردات منهج الإمام الصادق (عليه السلام) في حوار الآخر لا زالت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) ونهجها المتفرد هي الاولى في الرد على المسائل الكلامية التي أثارت جدلًا واسعًا بين الأوساط الإسلامية ووضع الحدود الفاصلة لتلك المسائل، وكذلك هي الأولى في التصدي للتيارات الفكرية المنحرفة من خوارج وأيضًا زنادقة وملحدين أو ما يسمون بالدهريين. ولأن عصر الإمام الصادق (عليه السلام) -كما ذكرنا في المقدمة التاريخية في الجزء الأول من هذه السلسلة- كان زاخرًا بالمتغيرات السياسية والاجتماعية والفكرية بسبب تكالب الحزبين الأموي والعباسي على الخلافة وسيطرة العباسيين على الحكم ومحاولتهم إشغال العوام عن ذلك الصراع الدموي وتثبيت دعائم حكمه، باستغلال بعض المسائل الكلامية التي اختلف فيها المعتزلة والأشاعرة، كمسألة الجبر والتفويض وخلق القرآن التي أخذت مساحة كبيرة في الساحة الإسلامية وسيّستها لصالحها، وإن كانت مسألة خلق القرآن في عهد الإمام الصادق (عليه السلام) لا تعدو كونها اختلافًا كلاميًا بين المدارس الكلامية، لكنها خلقت أزمة حقيقية في عهد المأمون العباسي القائل بخلق القرآن على رأي المعتزلة وفرض ذلك الرأي بقوة السلطان على الأمة. إضافة إلى الفتوحات الإسلامية التي ساهمت بشكل كبير في تداخل وامتزاج أفكار غير صحيحة مع الأفكار الإسلامية الصحيحة، مما شوه تلك الأفكار وأعطاها خطًا آخر مختلفًا عن الأصل الإسلامي، خاصة مع اهتمام العباسيين بحركة النشر والترجمة التي أدخلت الثقافات الدخيلة إلى المجتمع الإسلامي دون تحصين المجتمع الإسلامي وزرع الوعي فيه في ظل الفقر والعوز الذي عانت منه الأُمة، بسبب الحروب والتكالب على السلطة، إضافة إلى تدنّي مستوى الوعي لدى العوام من الرعية، مما يسهل انجرارهم نحو الاتجاهات الفكرية المنحرفة وترديد إشكالاتهم دون علم ومعرفة _وما أكثرهم حتى في وقتنا الراهن _. كما كان على مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) أن تواجه جميع هذه الاتجاهات وعلى أكثر من جبهة في نفس الوقت، مع الأخذ بنظر الاعتبار تحصين المجتمع من خطر تلك التيارات الفكرية الضالة، ورفع مستوى وعي العوام والخواص، وطبعًا كل حسب علمه وامكانياته واستعداده، وإنها لعمري من أصعب المهام وأكثرها تعقيدًا في ظل هذا الظرف الصعب. وحتى تكون مفردات نهج الإمام الصادق (عليه السلام) قادرة على مواجهة تلك التيارات والرد على شبهاتهم وتوضيحها على مستوى عال من تحجيم الفكر المخالف واتساع رقعة الفكر الصحيح وتمييزه عن السقيم، كان على الإمام أن يتخذ أكثر من أسلوب حسب الاختلافات المذكورة سابقًا، بأن تكون على مستوى واحد من الارتقاء أفقيًا وعموديًا بالمجتمع بخلق حالة من التوازن النسبي في مواجهة الفكر المنحرف وتقويمه وتصحيح السقيم منه وتقوية جانب الفكر السليم وتحصين أفراد المجتمع في الوقت ذاته. وبلحاظ ما تقدم فقد تعددت مفردات ذلك المنهج لضمان تأثيره في المجتمع من وقاية وعلاج، ومن هذه المفردات والخطوط الأساسية العريضة في التصدي والمواجهة: ١- احترام الجوانب الايجابية في فكر الآخر: إن رددنا على فكر معين في بعض المسائل الخلافية، فهذا لا يعني أننا نرفض ذلك الفكر جملة وتفصيلًا، مهما كانت هوية ذلك الفكر إسلامية أم غير إسلامية، عربية أم غربية، فمثلًا هناك العديد من ردود الإمام الصادق (عليه السلام) حول بعض المسائل الكلامية للمعتزلة، فهذا لا يعني أنه يرفض فكرهم جملة وتفصيلًا، وإنما هناك مشتركات كثيرة بين فكرهم وفكر أهل البيت (عليهم السلام)، وكذلك الحال في الفكر غير العربي كالفلسفة اليونانية أو الإغريقية مثلًا، وإن كان هناك اختلافات كثيرة إلّا أن هناك مشتركات أيضًا، وفي حال الرد على مسالة خاطئة، فهذا لا يعني نسف الفكر كله بسبب رفضنا فكرة واحدة مثلًا وهكذا. احترام الجوانب الايجابية لفكر الآخر هي النظرة الايجابية والانفتاحية للفكر الإسلامي بشكل عام. فالفكر الإسلامي منفتح على جميع الثقافات والايديولوجيات، ويحترمها طالما أنها ضمن حدود احترامها للمجتمع الإسلامي وخصوصيته فكرًا وسلوكًا، وهذا الأمر لا يعني أن الفكر الإسلامي منغلق على نفسه، بل بالعكس هو فكر منفتح في ظل ثقافة التعايش والحوار مع الآخر، ولكن -كما أسلفنا في الجزء الأول- ضمن أطر محددة حسب كل زمان ومكان للحفاظ على سلامة المجتمع الإسلامي من حيث الفكر والسلوك. ومن هذه الخاصية من مفردات منهج الإمام الصادق (عليه السلام) في الرد على الشبهات والفكر المخالف نتعلم -ونحن في عصر التقدم العلمي والمعلوماتية والذي كثرت فيه مع الأسف التيارات الفكرية المتأسلمة المنحرفة عن الإسلام الصحيح، إضافة إلى انتشار التيار العلماني والإلحادي بشكل كبير، بالإضافة إلى تقليد مجتمعاتنا الإسلامية للمجتمعات الغربية البعيدة كل البعد عن قيمنا ومبادئنا وثوابتنا الإسلامية- أنه علينا في بادئ الأمر أن نوضح أننا لسنا ضدهم وضد فكرهم عامة، وإنما نرفض ما يسيء إلى ثوابتنا وهويتنا الإسلامية وكل ما يؤثر على سلامة أفراد مجتمعنا، وهو من باب معالجة الخطأ المتفشي في المجتمع ووقاية أفراده من الانجرار خلف الشعارات البراقة لتلك التيارات المنحرفة، أما إذا كانت بعض الأفكار صحيحة وتعتمد على الأسس المنطقية والإنسانية والفطرية، فنحن نرحب بها في مجتمعاتنا كثيرًا ونشجع عليها، مثلًا: ليس كل ما يأتي من الفكر الغربي هو ضد ثوابتنا الإسلامية، فالمسالة ليست عدوانية بقدر ما هي مخالفة الفكر السقيم ومعالجته لتحصين المجتمع بالفكر السليم. ٢- اهمية التخصص في مواجهة فكر الآخر: وهو المنهج العلمي الصحيح المتبع حتى وقتنا الحاضر، فلكل علم متخصصون به وهم أولى الناس بالمحاجّة ودحض الشبهات في تخصصهم، فلا يصح مثلًا أن يتصدى الطبيب للمسائل الفلسفية كما لا يصح تصدي المهندسين لعلم الفقه وهكذا، لا يصح التصدي لإشكالات أي مجال ما لم يكن التخصص فيه هو الفيصل في الحكم النهائي. والإمام الصادق (عليه السلام) اعتمد على التخصص في كل المجالات في مدرسته المميزة، فوجدنا فيها علوم الفقه والحديث والسيرة والكلام والفلسفة والنظريات والطب والكيمياء والرياضيات وغيرها. كما خرّج العديد من الطلاب في شتى مجالات العلوم والآداب والمعارف، كما أنه (سلام الله عليه) كان قد خصّص النوابغ والمتميزين من طلابه -كل حسب تخصصه- في الرد على المسائل المتعلقة بعلم كل منهم وتصدرهم مجال علمهم (كهشام بن الحكم الذي تخصص في المباحث النظرية، وتخصص زرارة ومحمد بن مسلم واشباههم في المسائل الدينية، كما تخصص جابر بن حيان في الرياضيات وعلى هذا الترتيب). (١) فالتصدي لأي مجال من المجالات دون خلفية معرفية وتخصص قد يضر أكثر مما ينفع، وهو درس لنا نتعلمه من منهج الإمام الصادق (سلام الله عليه) في وقتنا الراهن، حيث كثرت شبهات التيار الإلحادي ولغطهم وإشكالاتهم الملتوية، فلا يصح أن يتصدى لهم من لم يكن متخصصًا في الرد على شبهاتهم العقائدية، وإلّا فسيكون ضرره على الخط الإسلامي أكثر من نفعه؛ لأنه سيتخبط في متاهات معرفية لا يضاهي آفاقها الواسعة. ٣-الالتزام بآدب النقاش والحوار والمناظرة: وهذا واضح جدًا من خلال ما عُرف عن تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث أدّبهم على الالتزام بأدب الحوار والمناظرة، وهذا ما لمسناه واضحًا في محاورة ابن أبي العوجاء مع المفضل بن عمر، وإشادة ابن أبي العوجاء -وهو من كبار الملحدين- بالتزام الإمام الصادق (سلام الله عليه) وتلامذته بأدب الحوار والنقاش بقوله للمفضل: (يا هذا، إن كنت من أهل الكلام كلمناك، فإن ثبتت لك حجة تبعناك، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا تخاطبنا، ولا بمثل دليلك تجادل فينا، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا ولا تعدى في جوابنا، وأنه الحليم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا ويصغي إلينا، ويتعرف حجتنا، حتى إذا استفرغنا ما عندنا وظننا إنا قطعناه، دحض حجتنا بكلام يسير وخطاب قصير، يُلزمنا به الحجة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردًا، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا مثل خطابه) (٢) ومن هنا يجب علينا الالتفات إلى هذه النقطة الجوهرية في الحوار والنقاش مع الفكر الآخر، بأنه مهما كان الشخص يبلغ من الدرجة العلمية في تخصّصه، فإنه لا ينفع للمناظرات والنقاش ما لم يتحلّ بآداب الحوار والمناظرة، لأنه قد يضر أكثر مما ينفع، خاصة عندما يستفزه الطرف الآخر، فلا يتحكم بأعصابه فينفعل، أو يهمش الطرف الآخر أو يلغيه أو يستهزئ به وبفكره، فإنه يقطع طريق الحوار وهداية الطرف الآخر ويعكس صورة سلبية لفكره الصحيح والهدف من المناظرة. ٤- تأليف الكتب والرسائل في الرد على الشبهات: ومن الواضح أهمية نشر الكتب والرسائل في رد شبهات واشكاليات تلك التيارات الفكرية المنحرفة وفي زرع الوعي في المجتمع وكشف ما يخلطون من الأوراق على العامة، وكشف ثغراتهم وخواء فكرهم القائم على الالتباس وخلط الأوراق مع بعضها، وهو بدوره يعمل على تحصين فكرنا الإسلامي الصحيح وأفراده، ولهذا كانت ردود الإمام القمة السامقة في الحجة والبرهان، وخاصة تأليفه لكتاب (توحيد المفضل) الذي كان من أسبابه الرئيسية محاورة ابن أبي العوجاء مع المفضل بن عمر -التي أشرنا إليها في النقطة السابقة- حيث يُعدّ من أرقى الكتب الاستدلالية في العقائد وعلم الكلام حتى وقتنا الحاضر، وكذلك كتابته للرسالة المسماة بـ (الاهليلجة) مع عظم قيمتها العلمية والطبية، إضافة الى العقائدية دليل على استخدام أدب الحوار والنقاش الذي ينظر إلى الخلفية العلمية للمشكلين وتخصصهم بحيث يلزمهم الحجة بما يتقنون ،وسنأتي في الأجزاء اللاحقة من هذه السلسلة –إن شاء الله تعالى- إلى بيان اهمية كتاب توحيد المفضل ورسالة الاهليلجة بشئ من التفصيل. وقراءتنا لأسلوب الإمام في التصدي بتأليف الكتب والرسائل توحي لنا بأهمية تكثيف النشر لتحصين المجتمع من سمومهم الفكرية، التي يبثونها في جميع وسائل الاعلام المقروءة والسمعية والمرئية، وتعرية فكرهم الضحل الذي صوره لنا الإعلام المضاد بمظاهر الحداثة والتطور كسلاح قوي في الحرب الناعمة، التي هي أخطر بكثير من الحرب العسكرية، للسيطرة على العقول التي لا تعي حجم المؤامرة التي تتعرض لها، وتردد بلا فهم عميق إشكاليات التيار الحداثوي، ولهذا علينا أن نعي بشكل حقيقي أهمية الإعلام وتكثيف النشر لعلوم أهل البيت (عليهم السلام) في الرد على تلك الشبهات، فأصل الشبهات واحدة على مر العصور، وحتى الطرف الآخر نفسه وإن تعددت مسمياته أو اختلفت حسب كل عصر. ٥- عقد المناظرات والمؤتمرات والندوات: التي من شأنها تشخيص الأدواء الفكرية ومعالجتها، إضافة إلى وقاية المجتمع من آفاتها والتقرب إلى أفراد المجتمع بشكل أقرب، والاستماع لطبيعة المغريات التي تستدرجهم للوقوع في فخاخ التيارات الفكرية، والعمل وفقها على تحصين مجتمعاتنا وشبابنا من الانجرار والتأثر بها. ____________________ (١) النبي واهل بيته قدوة واسوة، ج٢ ، ص٦٨. (٢) توحيد المفضل، ص ٢.

المناسبات الدينية
منذ 4 سنوات
4131

زَغَبُ المُراد

بقلم: غدير البغدادي يا فُطرُس... وأنتَ تجول في دهاليز التّنائي؛ تصفعُكَ مَتاريس الجزيرة سبعمائة عام. عيناكَ المزروعتان على سقف السّماء، تُدحرِجُ دموع التّوبة، تَغزِلُ ثوبَ الإنابة والرّجاء، تُسرِجُ قناديل البُكاء، تخرِم عظام النّدم، تصك سمع الملكوت.... أُسكُب ماء عينيكَ في أكؤس الدُّعاء، لن تمكُثَ طويلًا... لن يطول كَسرُ جناحك، والجراح. يا فُطرُس... يختلِسُكَ المُنى، تتسرّب قطراته في أهدابك، تعلّقها صورةً للعرش على أنصال رمشك. وأنت تتمعّن بِرقّة بَريقهِ ورونقهِ البهيّ، ارجع البصر إلى يمين ساقه ..."ان الحُسينَ مصباحُ هُدىً وسفينة نجاة، وإمام خيرٍ ويُمن..." تستذكر بهاء الأنوار المُحدقة بعرش الله استفزّ فضولك الصّبا، ورُحتَ تطيرُ في هوى هواهُم..؟ تحاول أن تقنُص ضياءهُم بنظرة، تصطدم بسطوعهم ولم تسطع عليه صبرًا! وأنتَ تتأملُ حروفهم المُشعّة تتمايلُ حُبًا... أتذكر ماذا حدث عندما نطق آدم اسم الخامس منهم؟ ألا زلتَ لا تعلمُ سر أديم تلك اللّيلة وما أُحجية ذلك العزاء.>> يا فُطرُس... أسرابُ الملائكة تغدو، قُم وانبذ إجدابكَ الأجرَد أما أرهقكَ الطّرد! وعتمة الإقصاء؟ ألا تتوقُ لمعارج الكبرياء التّي غُيِّبتَ عنها يا أيُّها المهيض، ألا ترى القطوف الدّانية والأعذاق القانية في خوان البُشرى تلمعُ في وجوه الآمِلين. أنسل خُيوطَ بُردة الدُّجى فاليوم ميلادُ الضِّياء! غيثُ الفرج ينهمر، يُغرِق قلبكَ الذّائب، يغسلهُ بكاء الهيام يرفُعكَ جبريل إليه، يحملكَ عن جوى الهجر كذات الألواح والدُّسُر... يا فُطرُس... الأعتاب تَشِع، الزّوايا تتوهّج... تلف الحور المولود بخلع الجناّت، تُزغرِد بلحن الشّهادة، تنثِر الأُقحوان، وتعبق الطُّرُقات بريحِ التُّفاح... أدن لنُسخة المُنتقى، المُجتبى، تمسّح بتخت البَخْت، مهد اللّاهوت ابن ماء السّماء وعروق الثّرى، اقطِف الثّمار الدّالية من شَجرةّ السِّدر، اسقِ قِفرك القاحل.. اركب الغيوم، باهِ العالمين حلّق في الأُفق المُطلق، تخطّر فِجاج الأيام، أبلغهُ سلامنا يا عتيق الحسين.

المناسبات الدينية
منذ 4 سنوات
484

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70187

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51246

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41395

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35849

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32648

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32193