تشغيل الوضع الليلي

جزءٌ من اُنثى

منذ 3 سنوات عدد المشاهدات : 401

بقلم: أمل نصير
أحضر مؤيد صديقه إلى منزله بخُطى ثقيلة وخائفة، فهو مُترددٌ من إحضاره إلا أنَّ الموقف استدعاهُ إلى ذلك ...آه ...عليَّ أنْ أكون حذرًا... فقد تخرج أمّي وتُفسد الأمر كعادتها، فهي ما برحت تُفسد أشيائي الجميلة... لكنه فوجئ بوجود أخته داخل صالة استقبال الضيوف فصرخ في وجهها: هذه أنتِ؟! لماذا تجلسين هنا؟ لعنة الله على النساء فلا يأتي منكن إلا المتاعب، أخرجي بسرعة فصديقي يُريد الدخول ..
خرجت أخته مُسرعةً وهي تُلملم ما سقط من يدها من كتب ..آهٍ يا ربي .. لماذا خلقتني أنثى؟ فالجميعُ في هذا البيت يجدُني عارًا، والله لو كنتُ رجلًا لقابلتُ كلَّ من يتخطى حدوده معي بالضرب والتعنيف، فالجميعُ هنا لا يعرف إلا لغة العنف ... سمعها مؤيد فقابلها بابتسامةٍ ساخرة ..
ــ احلمي يا عزيزتي ولكن ليس لكِ سوى الأحلام، هذهِ هي حقيقتكن أنتن أيتها النساء الضعيفات، عاجزات .. مُخربات .. اللعنةُ عليكن جميعًا ..
هيّأ المكان وأدخل صديقة في صالةِ الضيوف ثم جال في أرجاء المنزل بحثًا عن أمّه ..
ــ وأخيرًا.. وجدتُكِ .. أين كنتِ يا امرأة؟ هيا هيا بسرعة أعدي العشاء، فصديقي موجود معي في غرفة الضيوف ورجاءً حاولي السيطرة على أطفالكِ؛ فهم يضعونني بمواقف محرجة أمام صديقي وأرجو أنْ لا ترفعن أصواتكن أنتِ وأختي حتى لا يسمع صديقي .. فصوتكن عورة. وخرج وهو يتمتم بداخلهِ وجودكن كله عورة ...الله يأخذكن جميعًا ...
التقى بوالده وهو يدخل المنزل فما لبث حتى هرع إلى يديه يُقبلهما
ــ أهلًا وسهلًا يا أبي أنرت البيت، وكالعادة لم يتكلم معه أبوه إلا أنّه رمقهُ بنظرةٍ وهو يُعطيه ما أحضر من مواد ..
ــ خُذها إلى أمك وأطلب منها أنْ تُحضّر الطعام لأنني أكاد أسقط من التعب..
وما إنْ سمعت الأمُّ صوته حتى ركضت واستقبلته وأخذت من يده وشكرت الله تعالى على سلامته ودعت له أنْ يحفظه لها وهو على عادته يستمعُ إلى دعائها وكأنّه يصنعُ لها معروفًا إنْ سمح لها بذلك، فهو سيّد البيت ولها كلّ الشرف بخدمتهِ ..
رجعت الأمُّ مُسرعةً إلى المطبخ وأعدّت أشهى الأطباق بسرعةٍ تكاد تكون جنونية؛ لأنّها لا تريد أنْ تقع تحت مرمى العتب واللوم من زوجها وابنها، تقريبًا أنهت كلَّ شيءٍ، فقد جهَّزت الطعام والفاكهة والحلويات وجهَّزت حتى الشاي، وهي تدعو: يا رب يعجبهم الطعام فقد تعبت في إعدادهِ ..
وما إنْ قدمت لهم الطعام حتى شرعت بتنظيف البيت للمرةِ العاشرة، فالجميعُ يعتمدُ عليها وكأَنّهم يمنون عليها بوجودهم؛ لأنها امرأة! وهذا عملها .. تنظفُ ما يُخلف الجميع حتى أنَّ ابنها الصغير يكادُ ينام بحذائهِ لولا أنْ تخلعها هي من أقدامهِ ..آه .. يا رب زوِّدني بالطاقة حتى أتحمل وأعنّي يا خالقي من أجل زوجي وأولادي، فأنّهم لا يدبرون شيئًا من دوني ..يا رب لا تأخذ عمري حتى أطمئن عليهم .. يا رب اعطني الصحة حتى أتمكن من أنْ أوفر لهم ما يحتاجون ...
وبينما هي تدعو وإذا بصوتِ زوجها يشقُّ طمأنينة مناجاتها ...
ــ هيه .. أنتِ .. أين ذهبتِ؟ هيا هيئي لي الحمام لكي أستحم وأنام، فأنا بانتظار يوم عملٍ شاق وليس كجنابكِ تأكلُين وتنامين ...
ــ حاضر حاضر .. تأمر يا زوجي العزيز .. صدقتَ والله، فنحن من دونك نموت، وأسرعت وهيأت له الحمام والمنام وكل ما يجعل المرء ينام في سلام .. وخرجت من الحجرة وكأنّها تضع رضيعها على السرير وتسير على أطراف أقدامها حتى يتمكن من النوم، وأسرعت إلى تنظيف المطبخ فالعشاء كان فخمًا والطعام كثير ولله الحمد ..
ــ ها حبيبي، يا بُني هل أكل صديقك جيدًا؟ هل أعجبه الطعام؟ هل شربتم الشاي؟ هل تحتاجون لشيءٍ آخر؟
ــ رفع مؤيد صوتهُ: أمّي أكلنا والحمد لله أنا خارجٌ مع صديقي ..
ــ اذهب يا ولدي، رعتك عين الرحمن ..
وما لبِثتْ حتى أكملت عملها وثيابها تكادُ تقطر من البلل وأصابعها ترتعش من برودةِ الماء فهي لا يطيب لها التنظيف حتى تغسل البيت من أوله إلى آخره، وكأنه فردٌ من أفراد عائلتها ... تفقدت الجميع ..
ــ حبيبي وسام هل شبعت يا نور عيني؟ متى تنام؟ أترك هذا الجهاز جانبًا فإنّه مضرٌ بعينيك هيا يا نور عيني حاول النوم ..حبيبتي ملاك حاولي النوم يا ابنتي حتى تحافظي على جمال بشرتك ..
دخلت حجرتها وبدلت ملابسها وأرادت الاسترخاء قليلًا، فكلُّ عظمةٍ من عظامها تشتكي ألمًا، فهي تكاد لا تجلس من الصباح وحتى المساء، وما إن وضعت جسدها على السرير حتى سمِعت صوتَ زوجها ..كنتُ بانتظاركِ .. وواصل طلباته .. وهي تستمع ولا تستطيع أنْ تقولَ لهُ: أنا متعبةٌ مثلك .. أنت تعمل وأنا أعمل، وكما إنَّك تريد أن ترتاح أنا كذلك أتمنى أنْ أرتاح حتى أستجمِع القوة لمواجهةِ يومٍ آخر معكم، لكنها نهضت من السرير وكأن الراحة لم تُكتب لها ... وبعد ساعتين تقريبًا وبعد أن نام الزوج العزيز سمعت الباب تُغلق .. أسرعت وإذا به مؤيد ... حبيبي أهلًا بعودتك يا نور عيني .. سمعها وانصرف حتى إنَّه لم يُكلف نفسه عناء الرد على سلامها ولكنها وجدت له العذر في داخلها فقلبها الكبير يضع التفاسير لكلِّ شيء ويُبرر أخطاءهم بحقها ...
ما إنّ حلَّ ألصباح حتى نهضت الأم مبكرًا لإعداد الفطور وتجهيز الأولاد للذهاب إلى المدارس، لكنَ مهمتها العظمى إن يخرج زوجها راضيًا، فكلُّ ما تريدهُ هو رضاه وهو يعلم ذلك جيدًا؛ ولذا يحاولُ ابتزازها بكلماتهِ الجارحة وكأنّه واجبٌ عليها إرضاء الجميع لأنها أم! ولابد لها من التحمل وهي تحاول أنْ تتغاضى عن إزعاجهم لها وتحاول تحقيق طلباتهم ...
ــ حبيبي وسام أنت أصبحت ولدًا كبيرًا، اغتسل وكُل فطورك ...
ــ لا لا اُريد ...اُريد أن أنام ..
ــ مؤيد حبيبي تأخرت، انهض لتفطر وتذهب إلى الجامعة ..
ــ أمي اتركيني نائمًا، وايقظيني بعد نصف ساعة.. ..
ــ ملاك يا ابنتي ..تعالي كُلي فطوركِ ..
ــ لا يا أمي، أنا مُتأخرة، سوف تأتي حافلة المدرسة ..
ــ لماذا يا حبيبتي هذا التأخير؟ أ لم أنبهكِ في ساعةٍ مبكرة؟ ..آه .. قولي ماذا ينقصك لأُساعدُك؟
ــ أمي أريدُ حجابي الأسود الجديد، هيّا ابحثي عنه ..
ــ حسنًا حسنًا يا ابنتي، خذي هذا الحجاب وهذه الأموال اجعليها تحت تصرفُك؛ لأنك لم تفطري أرجوكِ يا ابنتي أريحي قلبي وقولي إنّكِ ستشترين شيئًا تأكلينه في المدرسة... ركضت ملاك إلى الحافلة مُسرعةً وهي تقول: حسنًا حسنًا ..
.. آه .. عليَ إيقاظ مؤيد ..
ــ حبيبي مؤيد انهض يا نور عيني سوف تتأخر ....
ــ حسنًا ها قد نهضت .. ماذا تريدين؟ لماذا تحاولين إزعاجي ..؟
ــ حبيبي عندك دوام .. لابُد أنْ تنهض ..
ــ أوووه... احضري لي ملابسي وهيئي الفطور ..
ــ يا ولدي فقط انهض كلُّ شيءٍ جاهز ...
خرج الجميع وبقيت وحدها في المنزل وهي تنظر إلى ما خلّفه الجميع من فوضى .. حاولت مساعدة نفسها استخرجت هاتفها ورفعت صوت القرآن وكأنّها تطلب منه العون والمساعدة فقد انتهت وجبة الفطور وما ينتظرها في وجبة الغداء له قصةٌ أخرى، فعند المساء يرجع الجميع وكأن بطارياتهم تنفد بمجرد دخولِهم عتبةَ المنزل، فالجميع يتسابق في رمي أغراضه هنا وهناك، على الرغم من أنَّهم رأوا نظافة المنزل وشموا رائحتهُ العطرة وحتى إنْ حاول ضميرهم أنْ يؤنبهم للحظة يستدركون قائلين: لا، هذا واجبها نحن منهكون من الدوام والعمل، فالأب كان في محل العمل وهو يجلس أمام بضاعته يُهيئ البضاعة منذ الساعات الأولى وبعدها يجلس على كرسيهِ ينتظر رزق الله تعالى، والابن الأكبر في الجامعة وهو يتعب؛ لأنه لا يترك شبرًا واحدًا في الجامعة لا يمشي فيه لذلك يعود منهكًا، وحتى ملاك فإنَّها في مدرستها تُنهك نفسها باللعب والصعود والنزول على سلالم المدرسة، أما وسام فحدِّث ولا حرج .. فهو يحتاج إلى التدليك لكثرة اللعب..
أما الأم فهي الكائن الخارق الذي لا يجب أنْ يشتكي وحتى وإنْ اشتكى لا أحد يُصغي إليه، فأهميته في البيت مرتبطة براحة بقية أفراد الأسرة، فكلما كان عملها في إرضاء الجميع أتم فهي أمٌ بارةٌ صالحة، وأما إذا أخلت بشيءٍ فلا .. هنا تنزل الطامة الكبرى ولا يمضي يوم العائلة بسلام ..
فسلامٌ سلامٌ وألف سلامٌ إلى المرابطات في ساحات وغى المنازل المجاهدات في تسيير خطة عمل البيوت والمشرفات على تجهيز المدارس والدوائر بالأشخاص لا السلع .. سلامٌ على أيديهن المعطاءة، سلامٌ على قدميهن الساعيتين، سلامٌ على قلوبهن الحنونة، سلامٌ على شكواهن والأنين، سلامٌ على تحملهن لنا على طول السنين، يا عطور النرجس والياسمين، يا هدية الله رب العالمين، يا مجهولات القدر حتى يغِبن…

اخترنا لكم

عندما تغيب المسؤوليات... تُولَد الأزمات

بقلم: العلوية الموسوي كلنا قرأ وسمع الحديث الشريف الذي روي عن الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله): (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) هذا الحديث الذي لا يستثني منا أحدًا -رجالًا ونساء صغارًا وكبارًا- وباختلاف مواقعنا الشخصية والاجتماعية، ففي النهاية الكل يجب أن يتحمل مسؤوليته التي تقع على عاتقه، وإذا تخلى عنها وتنصل فحتمًا ستحصل مشكلة وقد تتطور إلى أزمة يصعب حلها وتفاديها... فنحن مسؤولون شئنا أم أبينا. ولكن يا ترى لِمَ الكثير منا يتنصل عن مسؤولياته ويكون أداؤه لها بصورة ناقصة ليست كما ينبغي؟ ما أسباب ذلك؟ هل الأمر متعلق بالتربية والتنشئة؟ أو هي اللا مبالاة التي تصيب الكثير فتفقده شعوره بالمسؤولية وماذا يتوجب عليه من واجبات تجاه نفسه والآخرين؟ لو تأملنا حياتنا بتفاصيلها بدءًا بالأسرة فالتجمعات الأكبر فالأكبر، لوجدنا أن أي نقص أو تقصير في مسؤولية ما، سينتج عنه مشكلة وخللٌ ما، وعند تطور المشكلة أكثر وتفاقمها، ستتحول لأزمة غالبًا ما تواجهنا صعوبة في الحل والعلاج والسيطرة عليها، وهذا هو واقعنا المؤلم مع بالغ الأسف، فما أكثر العوائل التي تواجه أزمات تلو الأزمات، وكلها نتيجة اهمال أفرادها لمسؤولياتهم ومهامهم تجاه بعضهم البعض. فكم من الآباء الذين أهملوا أولادهم حتى أصبحت هناك حواجز وفجوات تمنع من التواصل والتآلف والانصهار معهم؟ بل حتى بعض الأمهات ونتيجة لعدم إدراك دورهن تجاه بناتهن مما أدى بهن إلى أن ينحرفن ويسلكن مسالك أخرى تسيء لهن أيما إساءة... وما أكثر القصص المبكية والتي في آخر المطاف ينتبه الوالدان على نفسيهما وشدة تقصيرهما في التربية والتنشئة... حينها لا ينفع الندم والتقريع...

اخرى
منذ 4 سنوات
1831

إذا ثَبتَ العمود نفعتْ الأطناب

الصلاة هي تلك الصلة بين العبد وربه وهي من أساسيات الدين الإسلامي وأولى واجباته العبادية وأهمها لأنها محور قبول الأعمال الأخرى، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: أول ما يحاسب به العبد (على) الصلاة فإذا قِبلتْ قُبلَ (منه) سائر عمله وإذا رُدَّتْ عليه رُدَّ عليه سائر عمله)(١). من هذا الحديث يتبين لنا أهمية الصلاة ودورها في قبول الأعمال وردِّها، ولهذا شُبِّهتْ الصلاة في الاحاديث والروايات بالعمود في التفاتة بلاغية دقيقة لأهمية العمود في إقامة البناء وبخلافه تضعضعه وانهياره ، فعن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :(مَثَلُ الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبتَ العمود نفعتْ الأطناب والأوتاد والغشاء وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء)(٢). ورغم أهمية الصلاة ومحوريتها في قبول بقية الأعمال الأخرى في الإسلام، نجد ظاهرة ترك المراهقين للصلاة تنتشر بكثرة في مجتمعاتنا الملتزمة منها وغير الملتزمة، ولا نغالي إن قلنا بأن ظاهرة ترك الصلاة انتشرت بين البالغين أيضاً ولكن النسبة بين المراهقين أكثر بكثير من البالغين ، وتعود أسباب هذه الظاهرة إلى طبيعة المراهقين أنفسهم في هذه المرحلة العمرية وتمرّدهم على العديد من المفاهيم التربوية والواجبات الدينية في محاولة منهم لإبراز شخصيتهم وتفرّدها بعيداً عن سلطة الأبوين، وغالباً ما تكثر هذه الظاهرة في حالة إهمال الوالدين للأبناء او اختلاف طرق التربية بين الوالدين أنفسهم مما يخلخل المنظومة القيمية للطفل، وفي غالب الأحيان يعود سببها إلى اتخاذ الوالدين الأساليب غير الصحيحة للتربية، فنجدهممثلاً يستغرقون في أسلوب الترهيب والتخويف والإجبار في تعليم الأبناء للصلاة منذ الطفولة مما يشكّل للطفل حالة عقدة من الصلاة وعدم الارتباط بها روحياً، أو يتبعون أسلوب الترغيب فقط بالهدايا أو النقود فقط مما يجعل الطفل يستغل أداء الصلاة للكسب المادي فقط، أو إنهم يعوّدون الطفل على أداء الصلاة كعادة لا كعبادة، وكلها تصب في عدم توجيه الطفل منذ الصغر نحو أهمية الصلاة والارتباط بها ارتباطاً روحياً وثيقاً. ولا ننسى تأثير أصدقاء السوء على المراهقين وكذلك العولمة وسوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حيث اتخذها أعداء الإسلام كوسيلة لدس السم في العسل لتوهين عقيدة الناشئة من أطفال ومراهقين وحتى البالغين أيضاً بهجمات موجهة ضمن عمل مؤدلج في حرب باردة وبأساليب برّاقة وتحت مسميات حضارية يؤثّرون بها على فئة المراهقين وانجرارهم خلف تلك المسميات والايديولوجيات، لتسلخهم من دينهم وصلاتهم التي هي أساس وعمود دينهم. ومن الأسباب الأخرى لترك المراهقين والشباب للصلاة هو: السلوك الخاطئ لبعض رجال الدين الأمر الذي يعمّم على بقية التيار الديني الملتزم خاصة مع ما توظّفه وسائل الإعلام المضادة من رصد لهذه الهفوات والسلوكيات والتحشيد عليها بهجمات شرسة قد لا يقوى الإعلام الديني الملتزم على الرد عليها جميعاً، لكثرة أساليبهم وتنوّعها وتعدّد الجهات التي يتوّجب على إعلامنا الديني مجابهتها، خاصة إذا ما اتصف أغلب أفراد المجتمع بضعف الوازع الديني، مما يجعل الشخص يستسهل ترك الصلاة ثم بقية الواجبات شيئاً فشيئاً. ولعله من أسباب ترك المراهقين للصلاة أيضاً هو سماع الانتقادات والاستهزاء والتهكم وأسلوب النصح الخاطئ والنقد اللاذع من قبل بعض الملتزمين الذي ينفّر الشباب من الدين بشكل عام والصلاة بشكل خاص. وكنتيجة منطقية لما ذكرنا من أسباب، سيخسر الشاب نفسه عند انجراره مع التيارات الفكرية المضادة وتضيع هويته الدينية بترك الصلاة، وهي أهم الفرائض والواجبات، مما ينعكس حتماً على علاقته بأسرته، خاصة إذا كانت الأسرة غير واعية لخطورة هذه الظاهرة وتلك المرحلة على الأبناء وسلوكهم في المستقبل، مما يؤدي الى حصول شرخ واضح في المجتمع وضياع هويته الإسلامية، وغياب الهوية الاسلامية في المجتمع سيعطي مساحة فراغ كبيرة تسهّل كثيراً احتضان واحتواء أي ايديولوجيات وعادات غريبة عن واقعنا الإسلامي، وتندمج في مجتمعاتنا بدون رادع مجتمعي مما يعطي الصورة المشوّهة للإسلام والمسلمين، التي تتصيّدها التيارات العلمانية والإلحادية للطعن بالأديان مما يفكّك المجتمع ووحدة أبنائه. ومحاولة علاج ما تم ذكره من أسباب ونتائج تنطلق على مستويين: مستوى فردي وأسري ومستوى اجتماعي. فعلى المستوى الفردي الأسري: تتعدد أساليب المعالجة منها: توعية الوالدين للأبناء توعية دينية ملتزمة منذ الطفولة، وخاصة في مسألة أداء الصلاة، كتخصيص مساحة صغيرة من المنزل، كمحراب للصلاة. وكذلك أسلوب الاقتداء بالقدوة الصالحة من المعصومين (عليهم السلام) او الوالدين او الأقارب أو الشخصيات العامة، وتحبيب سلوكهم الملتزم إلى الطفل باستخدام التلقين تارة، وتارة أخرى بالأسلوب القصصي المحبّب للأطفال، خاصة عندما نقص عليهم مثلاً أن الإمام علي (عليه السلام) قتل وهو يصلي في المحراب، أو نقص عليهم كيف أن الإمام الحسين وأصحابه (عليهم السلام) التزموا بأداء الصلاة وهم بين قعقعة السلاح وصليل السيوف ووابل السهام التي تتراشق عليهم عند صلاتهم، كما لا يخفى تأثير قصة رقية بنت الحسين (سلام الله عليهما) على الأطفال عندما نخبرهم كيف كانت تهيئ المصلاة لأبيها، أو كيف كان ولدا مسلم بن عقيل يصليان وهما في السجن، وحتى قبل أن يذبحا على شاطئ الفرات طلبا من قاتلهما أن يصليا لله ركعتين. قصص الأطفال مع الصلاة لها تأثير كبير في نفسية الطفل أكثر من قصص الكبار . إضافة الى الموازنة بين أسلوب الترغيب والترهيب. وكذلك الحرص على مشاركة الأطفال والمراهقين للوالدين أو الأخوة في أداء الصلاة معاً أو اصطحابهم الى صلاة الجمعة او صلاة العيد وتعويدهم على ارتياد المساجد والحسينيات لأداء الفرائض جماعة لتعزيز مفهوم الصلاة وحقيقتها عند الطفل بتأثير السلوك العبادي الجمعي في تفكير الطفل، وتوجيهه توجيهاً صحيحاً منذ الطفولة حتى مرحلة المراهقة، التي تستلزم النصح والارشاد بالحكمة والموعظة الحسنة، لأنه بكثرة الضغط والشد على المراهق ستطغى لغة العناد على أقوالهم وأفعالهم، أو نجدهم يتشبثون بحجج واهية كتقصير بعض الأفراد الملتزمين مما يجعل المراهق يعمّم هذه الحالة على التيار الملتزم بأكمله، وهنا يتوجب على الوالدين أنْ يربّوا أولادهم على أن البشر خطّاؤون وليسوا معصومين وأن يتّبعوا منهج أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يعرفوا الرجال بالحق ولا يعرفوا الحق بالرجال. ولا نغفل عن الدور الكبير للوالدين في متابعة أصدقاء أولادهم لتأثيرهم الشديد عليهم وعلى سلوكياتهم، مع ملاحظة أهمية الدور الرقابي للأهل على مواقع التواصل الاجتماعي لأبنائهم من بعيد وباعتدال أي بكلمة أخرى لا نشدّد الرقابة عليهم ولا نهملها. وكذلك غرس مبادئ التربية الإيمانية للأبناء وتقويتها من خلال الاستماع للقرآن الكريم وتفسيره أو الاستماع إلى المحاضرات القيمة وحضورها والبرامج الهادفة التي تصنع فرداً متكاملاً وأمة واعية تعي جيداً أن ظاهرة ترك الشباب للصلاة ليست حالة حضارية أو مواكبة للتطور، كما يروّج المغرضون. وهنا تتجلى أهمية الوعي والإدراك لدى الوالدين والمربين بشكل عام، لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي أخذت بالانتشار والتجذّر في مجتمعنا، وتفعيل دور المساجد في صناعة أفراد الأمة الرساليين، كما فعل رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) حينما جعل من المسجد النبوي محطة لانطلاق رسالته باتخاذه مقراً للصلاة وتجمّع الأمة فيه، مما أسهم كثيراً في تربية جيل إسلامي متميز ومتين عقائدياً وفكرياً وروحياً. وبتظافر الجهود الفردية للآباء والمربين مع مؤسسات المجتمع الدينية منها والحكومية لتعزيز الوالدين والمربين بصورة عامة والمراهقين بالثقافة التربوية الصحيحة من خلال قنوات الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أو من خلال مؤسسات الإرشاد الأسري بإقامتها للندوات والدورات التثقيفية في هذا المجال، مما يستلزم منا تقوية إعلامنا الديني الملتزم وتطوير أساليبه وانتشاره وتسويقه ليواكب مسيرة التقدم في مجتمعاتنا الإسلامية، في زمن العولمة، للحفاظ على مبادئنا وأسسنا الاسلامية وبناء جيل إسلامي على أسس رصينة لا يتأثر بالتيارات الفكرية المناهضة للفكر الدين،ي وليعيد نهضة الأمة ومجد الاسلام بعد هذا التراجع والتقهقر لنمهّد بذلك لدولة العدل المنتظر مع إمام الزمان روحي له الفداء. ________________________ (1) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، ج1 ، ص209 ، باب فضل الصلاة ، حديث 626 (2) الكافي للكليني ، ج3 ، ص320 ، حديث 9 عبير المنظور

اخرى
منذ 5 سنوات
1672

نجومٌ عاشورائية (12) القرآنُ والأصحاب/ الجزء الثاني

بقلم: يا مهدي أدركني الثانية: تِلاوةُ القرآنِ من صفاتِ المؤمنين أكّدتِ الرواياتُ الشريفةُ فضلًا عن الآياتِ القرآنية على مُلازمةِ القرآنِ الكريم للمؤمنين، وهُنا لا بُدَّ من الإشارةِ إلى نكتةٍ مهمةٍ جدًا، وهي: إنَّ التلاوةَ هنا ليس المرادُ بها مُجرد القراءةِ من دونِ تدبرٍ، وهذا الأمرُ واضحٌ جليٌ؛ فإنّ المؤمنَ عندما يقرأ القرآنَ الكريم تكونُ غايتُه الأساسية هي الغوص في أعماقه، والتزوّد من كنوزه؛ ليكونَ لها أثرٌ في سلوكياته من جهةٍ، وزادٌ له في الآخرةِ من جهةٍ أخرى، فقد قال الله (تعالى) في كتابه الكريم: "الَّذِين آتَيْناهُم الْكِتاب يَتْلُونَه حَق تِلاوَتِه أُولئِك يُؤْمِنُون بِه"[البقرة 121] وفي الروايةِ المذكورة عن أبي جعفرٍ الباقر (صلواتُ الله وسلامُه عليه) أنّه قال: يا أبا المقدام، إنّما شيعةُ علي (صلوات الله عليه) الشاحبون، الناحلون، الذابلون، ذابلةٌ شفاههم من القيام، خميصةٌ بطونُهم، مُصفرةٌ ألوانُهم، مُتغيرةٌ وجوههم. إذا جنّهم الليلّ اتخذوا الأرضَ فراشًا، واستقبلوها بجباههم، باكيةً عيونهم، كثيرةً دموعهم، صلاتُهم كثيرةٌ، ودعاؤهم كثيرٌ، تلاوتُهم كتابُ الله)(1) لذا نجدُ أنّ أهلَ البيت (صلواتُ الله وسلامُه عليهم) حثّوا شيعتهم على المواظبةِ على القراءة؛ لما فيها من الأجرِ العظيم والثوابِ الجزيل. الثالثة: وسوسةُ الشيطانِ اللعين لترك القرآن الكريم لما تقدّمَ من الفضلِ العظيمِ من قراءةِ القرآنِ الكريم نجدُ أنّ الشيطانَ يعملُ جاهدًا ليمنعَ الإنسانَ من تلاوةِ القرآن الكريم، فيبدأ باختلاقِ الأعذار التي تكون مانعًا دونه.. إنّ اللهَ (تعالى) جعل من أحدِ آدابِ قراءة القرآن الكريم هي الاستعاذة من الشيطان الرجيم، لتكون للمؤمن حجابًا يصدّه عن أنْ تتخلّلَ وساوسه إلى نفسه ليبعده عن إتمام قراءته. وقد ورد عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه ) أنّه قال: "البيتُ الذي يُقرأ فيه القرآنُ، ويُذكرُ اللهُ (عزَّ وجل) فيه تكثرُ بركتُه، وتحضرُه الملائكةُ، وتهجرُه الشياطينُ، ويُضيئُ لأهلِ السماءِ كما تُضيئُ الكواكب" وبعد أنْ بيّنا بعضَ النقاطِ المهمة حولَ تلاوةِ القرآنِ الكريم، ننتقلُ إلى خيامِ النور التي كانت تُزهرُ لأهلِ السماء بتلك التلاوةِ المُعطرة، وعن سرِّ تلك التلاوة في تلك الليلة بالتحديد. إنَّ التوفيقَ الإلهي منه ما هو عامٌ لكُلِّ البشر، بل لكُلِّ الموجودات، ومنه ما هو خاصٌ ببعضِ الموجودات دون الأخرى، ومنه ما هو خاصٌ بفئةٍ قليلةٍ معينةٍ ممن خاضوا حروبًا طويلة في جهادِ النفسِ؛ ليُحققوا نصرًا عظيمًا، فينالوا بذلك اللطفَ المُقرِّبَ ليرتقوا فيه سلالم التكامل.. ولكُلِّ درجةٍ من تلك الدرجات عنوانٌ معينٌ ومختلفٌ من شخصٍ لآخر حسبَ الظروفِ الموضوعية والاجتماعية التي يتعرضُ لها، فتكون على شكلِ ابتلاءاتٍ خاصةٍ يصبرُ عليها ذلك المؤمن، ومنها ما هو له عنوانٌ عامٌ كبِرِّ الوالدين، وحُسنِ الخُلُقِ، والصبرِ على المعصية أو الطاعة وما إلى ذلك من عناوينَ عديدةٍ لا يُمكنُ حصرُها؛ وذلك لأنّ سُلّمَ التكاملِ غيرُ متناهٍ. ومما لا شكَّ فيه أنّ من توفقَ لنيلِ شرفِ لقبِ (صاحب الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)) لا بُدّ أنْ يكونَ قد كابدَ كثيرًا حتى وصلَ إلى تلك الدرجةِ العالية. ومن سَلَكَ هذا الطريق لا تخفى عليه أهميةُ تلاوةِ القرآنِ الكريم، بل كانَ الكثيرُ منهم من حفظةِ القرآنِ الكريم وممن يختمونَ القرآنَ في ليلةٍ واحدةٍ، وخيرُ شاهدٍ على ذلك قولُ الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) بعد استشهادِ شيخِ الأصحاب حبيب بن مظاهر الأسدي (رضوانُ اللهِ (تعالى) عليه): "رحمك اللهُ يا حبيبُ؛ فقد كُنتَ فاضلًا، تختمُ القرآنَ في ليلةٍ واحدة" لذا فهم لم يفوتوا ذلك الفضلَ العظيم، بل حاولوا أنْ يتزوّدوا حتى في ليلتِهم الأخيرةِ بتلك التلاوة وفضلّوها على النومِ؛ لشحذِ هممِهم والتقرُّبِ إلى عالمِ الملكوت ليغترفوا من حياضِ الرحمة الإلهية، وليزيدوا من رصيدهم في الآخرة (رضوانُ الله (تعالى) عليهم). فائدة: مما تقدَّمَ يُمكِنُ لنا أنْ نخرجَ بما يأتي: يجبُ أنْ نضعَ نصبَ أعينِنا أنَّ القرآنَ الكريم من أعظمِ الوسائلِ التي بها نُجابهُ الصعاب، ولتكنْ لنا عادةٌ مستمرةٌ تأنسُ بها النفسُ، وليس فقط عند نزول البلاء. ولتكنِ القراءةُ لا لأجلِ ختمِ القرآن الكريم فقط، وإنّما لتكنِ الغايةُ أعظمَ من ذلك، وهي التدبُّرُ في آياته. فليستِ العبرةُ بعددِ المرات التي نختم بها القرآنَ الكريم، ونحنُ نمرُّ على آياتِ النهي عن الغيبة ونستغيبُ الآخرين، ونُرتِّلُ آياتِ العفةِ والحجاب ثم نتزينُ ونخرج، ونقرأُ آياتِ البرِّ بالوالدين ونعقّهما، وما إلى ذلك من أمثلةٍ عديدة. نسألُ اللهَ (تعالى) أنْ يجعلَنا وإياكم ممن يقرؤون القرآن، ويتدبرون آياته ويعملون بها. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- صفات الشيعة، الشيخ الصدوق، ص 10 2- الكافي، ج 2، الشيخ الكليني، ص 610 3- المنهج العبادي ص16

اخرى
منذ 3 سنوات
262

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70184

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51238

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41395

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35843

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32630

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32193