تشغيل الوضع الليلي

رغمَ أنفِ الزمن، يبقى الأمل.. فلنحيَ بالأمل

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 565

بقلم: فاطمة فاضل مجيد
على وفاءِ جرسِ تنبيهِ الساعة أستيقظ كلَّ صباح، أغسلُ وجهي، وأرتدي ملابسي، وأحمل حقيبتي، أجري مسرعةً؛ لأحتضن أمّي، هذه هي تحيةُ الصباحِ الخاصة بي لوالدتي، فتبادلني بالحضن. وأقبل جبينَ والدي، ذي العينين الناعستين. أغلق الباب على عجلٍ وأجري مع أنَ الوقت مبكرًا، لكن ما في داخلي من النشاط لا يسمح لي بالتباطؤ في سيري. أصل إلى صفي وأجلس في مقعدي وبجواره مقعدٌ يتيم مهلهل، اعتقادي يقول: إن شدة الحرارة المنبثقة من الحيوية التي سبحت في دمِ عروقي، تخشى الفتيات أنْ يحترقنّ بها، لاسيما وقد أحطنَ أنفسهنَّ بحطبِ الحسد.
لا بأس، لم يُثِر ذلك في نفسي أي انزعاج، يجري اليوم وأسابقه باجتهادي، وتمجيد المعلمات إيّاي، ومساعدتي لمن تحتاج العون. قد أكون جالسةً لوحدي لكن طابع الفتاة المنعزلة ليست من صفاتي.
مرّتِ الأيام والشهور والسنون ومعها وصلَ عمري إلى الثامنة عشرة، مع مضي ما مضى ووصولي لما وصلت، لم يحلُ لي إلا أن يأتي يومٌ أصبحُ فيه أنا صنديدة أقراني.
ذات يومٍ كنت عائدةً من المدرسة الإعدادية في الواحدة والنصف ظهرًا، ومع اقترابي للبيت يعلو صوت سيارة الإسعاف، بوصولي رأيتها فأيقنتُ أنَّ أمرًا حلَّ بدارنا، جريتُ مسرعةً منادية: بابا...ماما ..
وإذا بي أرى نقالة الإسعاف تنقلُ جسدَ إنسانٍ وتخرج من مطبخنا، اقتربتُ إليها وإذا بأبي يُمسكني من رسغ يدي وبقوة يحتضنني.
ــ بابا........ أين ماما؟
لم ينبس أبي ببنت شفة، لا تتكلم يا أبي، فدموعك والضياع والخوف في نفسي يضطرمُ تكفي لأعرف!
لقد توفيت والدتي بغتةً، لتكون ولادتي أنا جلية...
مضت أيام التعزية ومواساة الأقارب إيّانا، فأصبح البيت خاويًا كقلبي لا يفترق عنه إلا بوجود الدم.
أستيقظُ وأنام وصورتها لا تفارق عيني، وحيوتي قد غرقت مخنوقةً في دمي فلم يُنجدها أحد، روحي يعتصرها الألم بعد أن قبرت غنجي وزقزقتي. أما من حولي فكان يشجعني على الموتِ.. (ففي جميع المجتمعات النامية والمتحضرة تقريبًا يُرفع شعارٌ بوجه اليتيم "لا حياة بعد الأم أو الأب"
لكني هنا سأثبت العكس، وسأصدحُ بصوتي: "الحياة حقٌ للجميع، مجرمٌ من يحاول سلبها".
وذات صباحٍ ذهبتُ إلى مدرستي، أجرُّ بقدميَّ، كنتُ أسابق اليوم بملءِ روحي بالحزن، والسماح للكآبة أن ترسم ملامح وجهي! لقد نسيتُ معاني الحيوية والنشاط، لكن بقيتُ أحتفظ برقةِ قلبي وفطنةِ عقلي..
عدتُ إلى البيتِ في الواحدةِ والنصف لأجد أبي جالسًا على الكرسي على غير عادته ينتظرني، ما إن رآني حتى ناداني، ليخبرني بفرحته: أنْ وجد له عروسًا! عندها نفذَ الحزن إلى نفسي بصورةٍ شديدة، وأحسستُ أنَّ قلبي جراءها قد انقبض بقوة، لم أُبادله الابتسامة، فما كان منّي أمامه سوى التزام الصمت وخسف الأرض بنظري.
الثلاثاء في السابعة صباحًا دخلت عروس البيت بابتسامتها وضحكاتها المتعالية، ما إن وقع نظرها عليّ حتى حيّتني بكلِّ ودٍ وحنانٍ أمامه، رددتُ تحيتي بكلِّ ما تحمله معالم البراءة، هي تمازحني وتداعبني فسعدتُ بذلك ، وظننتُ أنَّ أمّي عادت إليّ في الوهلةِ الأولى.
الخميس في السادسة صباحًا، استيقظت على صوتها: قومي، فلديكِ أعمالٌ يجب أنْ تُنهيها اليوم.. قالتها بأقصى درجاتِ العجرفة.
ــ والمدرسة؟
كصاعقةٍ أردفت: لا دوامَ بعد الآن ..
جريتُ هاربةً لقطعِ طريق أبي كالسهم، فأخبرته، وإذا به يرد أنْ لا دوامَ، يجب عليَّ خدمة عروسهِ .. فصرختُ بكلِّ ما أوتيتُ من هم: لا...لن أقبل بذلك ..
فأعاد أبي كلامه بغضبٍ شديد، كلامه .. نظراتها .. كسمومٍ أحرقت رئتيّ، لأجد نفسي على الكرسي، فيبادر أبي لكسب الرضا بلطم خدي (وهل كنت أمثل أنا يا والدي!)، فهويت أحتضن الأرض لعلها تمدني ولو بالقليل من الحنان ليتيمةٍ فقدت قريبًا أمها، لكن لم أجد إلا القسوة... يا أرض لقد زدتِ آلامي.
ذهب هو إلى عمله، وذهبت هي إلى غرفتها، تركاني بخدي الأحمر ونفسي الضيّق، فمضى يومي أسابقه بشكوى ورفع أمري إلى قاضي القضاة ربّ الجلال.
وفي يومٍ من الأيام، أعددتُ العشاء بكلِّ حبٍ وحنانٍ لوالدي متناسيةً ما أمر به وما فعله،
فجاءت هي تنعقُ: ارجعي إلى المطبخِ .. وأما هو فقد أشار بسبابته بلزوم التنفيذ ..
في المطبخِ جلست أسمع صوت غناء الملاعق الفرحة، وهي تثير صوت معدتي الحزينة! فقد كانت الأوامر الجديدة تقضي بأنْ لا آكل حتى ينتهيا هما من طعامهما، فيسمحا لي بأكلِ ما تبقى بكلِّ مَنٍ وذل! أنا لا أريد ولا أستطيع أنْ أصدق أنَّ القسوة هي حالة طبيعية للإنسان.
وبذات الليلة أستقرَّ جسدي على سرير غرفتي شاكيًا تعبه لربي، لم أذكر أمّي وأبكيها أو أرثيها هذه المرة، فلم أفعل إلا الصمت، والتقلب يمينًا ثم يسارًا، حتى هدأت، فسددتُ النظر إلى رفِّ كتبي تبسمتُ ثم تبسمتُ أكثر.. كان نظري على كتابٍ بعنوان "كنِ العاصفة" فتذكرتُ أنَّه هديةُ أمي في عيد ميلادي الأخير. قفزتُ مسرعةً متناسيةً شكوى الجسد، أروم فتح الكتاب، وإذ بي أفتحه فيخطف نظري نص:
(إرادة المؤمن أقوى من الجبل؛ لأن الجبل تحطمهُ الفؤوس، بينما لا تنال من إرادة المؤمن شيئًا)..
هذا ما قرأته، فرمى طوف النجاة للحيوية التي غرقت في عروقي، وأعاد لها نفسها فتحيى من جديد. عقدتُ العزم على استعادة قوتي، فلقد آنَ لي أنْ أزهِر كما كنت سابقًا..
يُقال: إنَّ الإنسان هو كتلةٌ من الفرص، فأقول لمن قال المقال: لقد صدقت.
وفي صباح اليوم التالي نهضتُ بكلِّ نشاطٍ من سريري، وبعجلةٍ ارتديتُ ملابسي، وأعددتُ الفطور لهما، فأتيا وهذه المرة لم أسمح لها أنْ تنعق. بابتسامةٍ خفيفة:
ــ تفضّل يا أبي، قلت له، وإذا احتجت إلى أيّ شيء فأنا في المطبخ. وأسرعت أغسل الأواني والملابس ومسحتُ الأرض وسقيتُ أزهار الحديقة وأنهيتُ أعمالي بإخلاص من دون كللٍ أو مللٍ. وبعد ذلك جريتُ إلى المطبخ حيث الكرسي جلستُ وبدأتُ أقرأ وأغذي عضلةَ عقلي وأشغلُ روحي بالإيمان بالله تعالى.
ولم أكتفِ بكتابٍ، فكنتُ أنهي واحدًا تلو الآخر.
أما زوجة أبي فقد أشبعت روحها بالجروحِ إثر ضربات الحقد؛ لم ترقها حالي الجديدة، فبدأت تخطط لطردي وتشريدي في الشوارعِ، فبدأت تنفذ خططها وأنا بإيماني بالقادر القدير وذكائي أفشلت كلَّ خططها. أما أبي كان كالصليب لا يبالي بشيء.
وفي الأربعاء في العاشرة صباحًا، طُرِق بابُ بيتنا بقوة، وما إنْ فتحت الباب، حتى سمعتُ عويلها، فأتيتُ مسرعةً إلى باب الدار، فوجدتُ رجال الشرطة يبلغونها أنَّ أبي قد عمل حادث سيرٍ أدى إلى نقله إلى المشفى! لأنَّ إصابته بليغة سببت له كسرًا في عظام القدم، فاستقبلتُ الخبر بشجاعةِ وحمدتُ الله تعالى أنه لم يفارق الحياة.
بعد رقوده لمدة أسبوعٍ في المشفى، عاد إلى البيت بكرسيٍ متحرك، كان لا يستطيع القيام بشيء، فلم تتحمل وضع أبي ولم تُطِق تقديم الخدمة له، فأسرعت تلملم أغراضها وطلبت الطلاق، وعادت إلى بيت أهلها ولم نسمع عنها شيئًا بعد ذلك، وكانت معالم الحزن والندم واضحةً في عيني أبي..
أما أنا فسكبتُ على أبي كلَّ معاني الحب والحنان، ساعدته في كلِّ شيءٍ حتى استطاع النهوض من كرسيه بعد شهرين، لقد تعجب الجميع من شفاء أبي السريع.
وذات يومٍ بكى أبي باندفاعٍ شديد لا حدود له، ثم وشوش لي: سامحيني يا ابنتي، وقبَّل خدي الذي لطمه عدة مرات. فغفرتُ لأبي، وعدتُ إلى مدرستي بكلِّ تميزٍ...
وعشنا حياة هنيئة.

اخترنا لكم

موعظةٌ من الطبيعةِ

بقلم: شيماء المياحي حتى الطبيعة شمّرتْ عن سواعِدِها لأداءِ فريضةِ الوعظِ والإرشادِ -لمن أرادَ أنْ يتعظ- من خلالِ لهيبِ الحرارةِ التي ارتفعتْ درجاتُها إلى نصفِ درجةِ الغليان في بعض المدن، وكأنّ لسانَ حالِها يقولُ: - يا أُيُّها العبدُ الضعيف!، هذا شيءٌ يسيرٌ من عظمةِ وقدرةِ الباري (جلَّ وعلا) وفي يومٍ لم يُعدُّ للحسابِ، وفي يومٍ فيه خياراتٌ لك للتخفيفِ عن نفسِك من لهيبِ حرارةِ الجو، فكيف بكَ أيُّها العبدُ الضعيف؛ إذا وقفتَ للحسابِ بين يديّ جبارِ السمواتِ والأرض؟! وكيف بكَ إذا لم يكنْ لك خيارٌ غيرَ حُكمِ الباري(جل وعلا)؟! وكيف بكَ إذا سُجّرتْ نيرانُ جهنم، وسمعتَ لها تغيُّظًا وزفيرًا -نستجير بالله منها-؟! فهلّا اتعظتَ قبلَ حلولِ يومٍ لا ينفعُ فيه الندم..

اخرى
منذ 4 سنوات
356

ما كذَّب الفؤادُ ما رآى

حينما عُرج برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) إلى السماء رأى ما لم يره ملك مقرّب، ولا نبي مرسل، حتى أخذ البعض يماريه على ما رآه، كما تخبرنا سورة النجم المباركة. وهنا تنقدح عدّة أسئلة في ذهن قارئ القرآن حينما يقرأ تلك السورة، ومن هذه الأسئلة: -كيف رأى النبي ربّه؟ -هل الله تعالى في السماء؟ -ماذا فوق السماء السابعة؟ -ما معنى الآية {ولقد رآه نزلةً اخرى}؟ -وهل يمكن أن نرى الله تعالى؟ -ماذا لو قلنا: إنّ الله تعالى جسم لا كالأجسام؟ ففي مقام الجواب نقول: نعم النبي محمد (صلى الله عليه واله) رأى ربّه لكن رؤية قلبية وليست بصرية. وركزت الروايات على السماوات؛ لأن فيها ملكوت الله تعالى، وملائكته المختصة بشؤون مخلوقاته، وليس الله سبحانه بذاته موجود فيها؛ فهو سبحانه موجودٌ في كلّ مكان، وهذه عقيدة الشيعة الامامية فقط، بدليل الآية الكريمة: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}(١). وجاء في التوحيد، بإسناده إلى محمد بن الفضيل قال: "سألت أبا الحسن (عليه السلام) هل رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أ مَا سمعت الله عز وجل يقول: ﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد"(٢). فالدليلان متعاضدان يؤديان معنى واحداً مفاده: نفي كون الله تعالى في السماء، ونفي رؤيته رؤية بصرية؛ لأنّه لو كان في السماء للزم أن لا يكون في الأرض، وهذا ينافي صريح آية (وهو معكم أينما كنتم). بل يلزم منه الجسمية والمحدودية، وهي خلاف وجوب الوجود. وهكذا لو أمكن رؤيته بصرياً للزم أن يكون جسماً، والجسم مركب من أجزاء، وبالتالي يكون محتاجاً لأجزائه، والاحتياج صفة المخلوقات وليس من صفات الخالق الغني المطلق. ويقول العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) في تفسيره: "ثم أنّه لا بدع في نسبة الرؤية (وهي مشاهدة العيان) إلى الـفؤاد، فإنّ للإنسان نوعاً من الإدراك الشـهوديّ وراء الإدراك بإحدى الحواس الظاهرة والتخيّل والتفكّر بالقوى الباطنة كما إنّنا نشاهد من أنفسنا أنّنا نرى، وليــــست هذه المشاهدة العيانيّة إبصاراً بالبصر ولا معلوما ًبالفكر، وكذا نرى من أنفسنا أنّنا نسمع ونشم ونذوق ونلمس، ونشاهد أنّنا نتخيل ونتفكّر، ولــــيست هذه الرؤية ببصر أو بشيء من الحواس الظاهرة أو الباطنة. فإنّا كما نشاهد مدركات كل واحدة من هذه القوى بنفس تلك القوة كذلك نشاهد إدراك كل منّا لمدركها وليس هذه المشاهدة بنفس تلك القوة بل بأنفسنا المعبّر عنها بالفؤاد. كما أنّه ليس في الآية ما يدل على أنّ متعلّق الرؤية هو الله سبحانه وأنّهُ المرئيٌّ للنبي (صلى الله عليه وآله)، بل ما رآه النبي (صلى الله عليه وآله) هــو الأفـق الأعلى والدنو والتدلي"(٣). وقد يشتبه قارئ القرآن بقرائته لقول الله تعالى: ﴿ولقد رآه نزلة أخرى﴾ بأنّ هذه الآية كررت رؤية النبي (صلى الله عليه وآله) لربه مرة اخرى، إلاّ أنّ اشتباهه في غير محله، ولابد من الرجوع إلى التفاسير المعتبرة والاستضاءة بمراد الله سبحانه من كل كلمة في كتابه. جاء في تفسير :النزلة بناء مرة من النزول فمعناه نزول واحد، وتدل الآية على أن هذه قصة رؤية في نزول آخر والآيات السابقة تقص نزولًا آخر غيره [غير النزول الأول لجبرائيل على النبي عليهما السلام وعلى الآل الكرام]. فالنزلة نـزول جـبريل عليه (صلى الله عليه وآله) ليعرج به إلى السماوات"(٤). ولعل سؤال السائل انطلق من آية: ﴿عند سدرة المنتهى﴾ ظناً منه أنّ منتهى السماء السابعة مكان يوجد فيه الله تعالى وهو ما يسمى بسدرة المنتهى ! لكن ظنه يمكن أن يؤدي به إلى نسبة الجسمية لله تعالى حينما يقول (عند سدرة المنتهى)، وهذا ضربٌ من ضروب الكفر بالله تعالى والعياذ به، بل روي "عن أبي جعفر الجواد عليهما السلام أنه قال: من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة ولا تصلوا وراءه"(٥). وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام): "أنه ليس منا من زعم أن الله عز وجل جسم ونحن منه براء في الدنيا والآخرة"(٦). لذا نكرر ونقول: لابد من الرجوع إلى تفسير الآيات، وعدم أخذها على ظاهرها. جاء في تفسير الآية: ﴿عند سدرة المنتهى﴾ حيث فسرت العندية بأنها "ظـرف للـرؤية لا للنزلة، والمراد برؤيته رؤيته [جبرائيل] وهو في صورته الأصلية. والمعنى: أنّه [جبرائيل] نزل عليه [النبي] (صلى الله عليه وآله) نزلة أخرى وَعــَرج به إلى السماوات وتراءى له (صلى الله عليه وآله) عند سدرة المنتهى وهو في صورته الأصلية. وقوله تعالى: ﴿عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى﴾ السدر فسر في الروايات أيضا بأنّها شـجرة فـوق السماء السابعة إليها تنتهي أعمال بني آدم. وقوله: ﴿عندها جنة المأوى﴾ أي الجنة التي يأوي إليها المؤمنون وهي جنّة الآخرة"(٧). ___________________ (١) الحديد: ٤. (٢) التوحيد: للشيخ الصدوق، باب الرؤية، ح١٧. (٣) الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، سورة النجم. (٤) المصدر نفسه. (٥) التوحيد: للشيخ الصدوق، باب الرؤية، ح١١. (٦) المصدر نفسه، ح٢٠. (٧) الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، سورة النجم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ والصفوة الميامين. علوية الحسيني

اخرى
منذ 5 سنوات
5056

أختي الزائرة

عادَ الركبُ الحُسيني إلى كربلاء، باستثناءِ صغيرةٍ كانتْ تفرشُ المُصلّى لأبيها الحُسين، اذكريها عندَ كُلِّ صلاةٍ والعني من قتلَ الصلاةَ والمُصلّي..

اخرى
منذ 4 سنوات
361

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76836

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56650

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44098

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43539

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40339

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33539