تشغيل الوضع الليلي

مفتاح السعادة

منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 1993

خرجت أبرار من غرفتها و قد حزمت حقيبتها و هي ترتجف من الغضب، وتردد كلمات طالما رددتها من قبل: " لا يستحق ما أقوم به... لا يستحق ما أقدمه له ... هل هذا جزاء صبري معه ؟ ... هل هذا جزاء تضحيتي ؟ ... " و ما إن وصلت الى مخرج المنزل حتى تذكرت أنها لم تأخذ معها مفتاح منزل أبيها الذي خلا منذ مدة، فعادت مسرعة وهي تبحث عنه فسألتها زهراء: عمّ تبحثين؟
أجابتها : أبحث عن مفتاح منزل أبي لأعيش فيه وأرتاح فيما بقي من عمري من هم أخيك .
تبسمت زهراء قائلة : استهدي بالله .
فصرخت بوجهها وقالت: لن أكون نسخة مكررة منك... تعانين من فقر زوجك ومع هذا تصبرين على سوء خلقه وتعاملينه بالحسنى وكأنه أفضل زوج على هذه المعمورة
تبسمت زهراء ثانية و أرادت أن تلفت انتباهها فقالت : لقد وجدت المفتاح ..
أقبلت عليها أبرار قائلة: إذن أعطيني إياه لأرحل عن أخيك الناكر للمعروف و الجاحد للجميل
أجابتها زهراء: لم أقصد مفتاح منزل أبيك بل قصدت الأهم منه!
قالت أبرار: أي مفتاح تقصدين؟
أجابتها بكل ثقة: مفتاح السعادة... ألا يهمك أكثر من مفتاح المنزل؟
قالت بحسرة: يهمني... ولكن أين أجده؟.... مع أخيك؟!
قالت: نعم
أجابتها باستهزاء : وكيف ذلك يا فيلسوفة؟ وأنا معه منذ سنوات ولم أجده؟
قالت زهراء : لم تجديه لأنك تقدمين كل ما تقومين به طوال هذه السنين لأخي، وأنت تعرفين أنه لا يجازيك بالحسنى... فلمَ تقدمين له؟ ولمَ تطالبيه بالجزاء؟
أضعتِ جهودك وسبّب لك ذلك التعاسة ... ألم تفكري يوماً أن تتقربي بكل ما تقدمينه لزوجك وأسرتك إلى الله ( تعالى ) وتطلبين منه الجزاء. قال تعالى: " يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ " (1). وقال أيضا: " وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " (2) وقال: " قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " (3). عزيزتي أبرار: لا تهدمي هذا البناء المقدس بطريقة تفكيرك هذه، ولا تكدري حياتك بل استثمري وضعك الذي أنت فيه للتقرب إلى الله.. ولا تنتظري جزاء من أحد فإن جزاء الله خير الجزاء.. لا يعدله جزاء الناس أجمعين.. فكري بهذه الطريقة تهدأ نفسك ويرتاح بالك و ينشرح صدرك و ستحصدين الثواب الجزيل و سيجازيك عليها الرب الكريم " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ " (4)
سرَتْ كلمات زهراء في قلب أبرار وهدّأته فسادَ فيه الاستقرار والاطمئنان .. و ما إن أنهت زهراء كلامها حتى جلست أبرار على سريرها، وقالت: الآن عرفت سر سعادتك وسكينتك، رغم ما تكابدينه من الألم وتتجرعينه من الحزن. وددتُ لو أنك قلت لي ذلك قبل سبعة عشر عاماً، لكان كل ما قدمته لأخيك من خير في ميزان حسناتي، ولما تنغصت عيشتي طوال تلك السنين، ولما ملأ شعري شيباً... بل ولتمتعت بحياتي.. نعم لكنت أشعر بالسعادة عندما أقدم لهم خدماتي، لأني أقدمها بأجر باهض مودع عند أمين مقتدر، يردها لي يوماً أحوج ما أكون فيه إلى الجزاء والثواب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران 171
(2) هود 115
(3) يوسف 90
(4) الزلزلة 7

اخترنا لكم

الإمام الهادي (عليه السلام) يحل الاختلاف الفكري

بقلم: علوية الحسيني الاختلاف الذي حلّه الإمام (عليه السلام) كان اختلافًا عقديًا؛ حيث ساد عصره انحراف فكري بنشر الفرق المنحرفة عقائدهم، وبثهم للشبهات الموجهة نحو العقيدة الحقة؛ حيث سادت شبهات كثيرة من أهمها التجسيم، وخلق القرآن، والجبر. فروي عن بشر بن بشّار النيسابوريّ أنّه قال: كتبت إلى الرَّجل [يقصد الإمام الهادي] (عليه السلام): إنّ من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول: هو [الله سبحانه] جسم، ومنهم من يقول: هو [سبحانه] صورة. فكتب إليَّ: سبحان مَن لا يحدُّ ولا يوصف ولا يشبهه شيء وليس كمثله شيء وهو السميع البصير"(1) فنجد أنّ الإمام (عليه السلام) قد شحذ سيف توحيده، ولبس درع توكله، لم يخش ظلم الحاكم آنذاك والخوف من قمعه وتنكيله، وابتدأ جوابه بنقضٍ ضمني، ثم تصريح معرفي. *فقوله (عليه السلام): " سُـــبحانَ مَن" إشارة منه إلى تنزيه الله تعالى، فسبحان تعني تنزيه؛ بدليل ما روي أن هشام الجواليقي سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (سبحان الله) ما يعني به؟ قال: تنزيهه"(2). *وقوله (عليه السلام): "لا يحدُّ" إشارة منه إلى كونه تعالى موجودًا مطلقًا لا حد له في ذاته وصفاته وأفعاله، فهو الكمال المطلق الذي لا حدّ له، وهكذا هو تعالى (ولا يوصف) بالصفات المحدودة من صفات الممكنات. ويمكن التعبير عنه بأنه (عليه السلام) ينفي عن الباري جل وعلا الحد بالمعنى المنطقي والحد الزماني والمكاني. أما الحد التعريفي، فهو: مصطلح متعارف عند المناطقة يطلق على تعريف شيء بالحد أو بالرسم، فيقال حد الشيء، أو رسم أي تعريفه، "فالتعريف حدٌ ورسم"(3). والحد إما تام أو ناقص، فالحد التام: "هو التعريف بجميع ذاتيات المعرَّف (بالفتح) ويقع بالجنس والفصل القريبين لاشتمالهما على جميع ذاتيات المعرف فاذا قيل: ما الانسان؟ فيجوز أن تجيب أولاً بأنه: (حيوان ناطق)... ويجوز أن تجيب... بأنه: (جوهر قابل للأبعاد الثلاثة نام حساس متحرك بالإرادة ناطق)" (4). أما الحد الناقص: "هو التعريف ببعض ذاتيات المعرَّف (بالفتح) ولابد أن يشتمل على الفصل القريب على الاقل، ولذا سمي (ناقصاً). وهو يقع تارة بالجنس البعيد والفصل القريب وأخرى بالفصل وحده. مثال الأول: تقول لتحديد الانسان (جسم نام ... ناطق)، فقد نقصت من الحد التام المذکور في الجواب الثاني المتقدم صفة (حساس متحرك بالإرادة) وهي فصل الحيوان وقد وقع النقص مکان النقط بين جسم نام وبين ناطق فلم يکمل فيه مفهوم الانسان. ومثال الثاني تقول لتحديد الانسان أيضاً: (... ناطق) فقد نقصت من الحد التام الجنس القريب کله. فهو أکثر نقصاناً من الاول کما ترى"(5). ■تــوضيحٌ وتــصريح: 1- المراد من (الجنس) "هو تمام الحقيقة المشترکة بين الجزئيات المتکثرة بالحقيقة في جواب (ما هو؟)"(6). فالإنسان مثلاً جنسه (حيوان)، فجميع أفراد الإنسان من زيد وخالد مشتركون في حقيقة واحدة، فحينما نسأل عن حقيقة زيد ونقول: ما هو زيد؟ يقال: هو حيوان. وحينما نسأل عن حقيقة خالد: ما هو خالد؟ يقال: هو حيوان. وبالنسبة لله تعالى لا يمكن أن نسأل عن حقيقته وجنسه؛ لأنّه ليس نوعًا يشترك مع أنواع اخرى تشابهه في حقيقةٍ معينة؛ فــلو كان له تعالى جنسٌ لكانت له سبحانه حقيقة مشـتركة بينه وبين الموجودات، فالتالي باطل والمقدم مثله بالبطلان. - بيـان الملازمة: لو كان هناك موجود له حقيقة واجبية الوجود لوجب أن يشترك مع الله تعالى في هذه الحقيقة، فيكون ذلك الموجود وجوده نابع من ذاته، وأدلة التوحيد تنفي وجود واجب وجود ثانٍ كما ذُكر في محله. 2- والمراد من الفصل: "جزء من مفهوم الماهية ولکنه الجزء المختص بها الذي يميزها عن جميع ما عداها"(7). فالإنسان مثلاً له فصل يميزه عن غيره من الموجودات التي تشترك معه في حقيقة الحيوانية؛ فالإنسان حيوان، والحصان حيوان، لكن بالفصل يميّز الإنسان، فحينما نسأل: ما هو الإنسان؟ نقول: حيوان ناطق. وحينما نسأل: ما هو الحصان؟ يقال: حيوانٌ صاهل. والله سبحانه ليس له حقيقة يشترك بها مع الموجودات حتى نقول: إنه لابدّ له من فصل يميزه عما يشاركه حقيقةٍ ما، فاذا انتفى الجنس عنه انتفى الفصل من باب أولى. إذاً الحدّ التعريفي بــقسميه ممتنع على الله تعالى. *أمّا الحد الزماني والمكاني فممتنعٌ عليه تعالى أيضًا. فالحد الزماني: وهو أن يكون الله تعالى موجودًا في زمنٍ دون آخر، فممتنع؛ بمقتضى الآية الكريمة: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِر وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}(8). والحد المكاني: وهو أن يكون الله تعالى موجودًا في مكانٍ دون آخر، فممتنع؛ بمقتضى الآية الكريمة: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}(9). على أن الحد الزماني والمكاني يلازم المادة، وبالتالي التركيب، وأدلة التوحيد تنفي المادة والتركيب عن واجب الوجود جل وعلا. نكتة ملكوتية: إنّ المتأمل في الآيتين اللتين تنفيان إحاطة الزمان والمكان بالله تعالى، يجد أنهما أشارتا إلى أنّه تعالى هـو المُحيط بها بـــعلمه؛ فالآية الاولى قالت: {وهو بــكل شيءٍ عـــليم}، والآية الثانية قالت: {والله بما تعملون بـــصير} وصفة البصر لله تعالى ليست بالعين الجارحة التي نبصر بها نحن المخلوقين، بـل كونه بصيرًا هو بمعنى أنه تعالى عالم بالمبصِرات والمبصَرات، فبعلمه أحاط بكل شيء زمانيًا ومكانيًا.... *وقوله (عليه السلام): "ولا يوصف" عطفٌ منه بالحكم بتنزيه الله تعالى عن أن يكون له وصف إمكاني، كما تنزّه عن أن يكون له حد. فالوصف الإمكاني ممتنع عليه سبحانه؛ لأنه لم ولن تره العين حتى تصفه، وإلاّ كان تخيّلاً أو توهمًا، والحال أنّ جميع ذلك باطل. فكيف تصف الألسن شيئاً لم تره؟! •مثال توضيحي يدل على امتناع وصف الله تعالى: لو طلب منك أحد أن تصف له روحك، فلابد أن تراها أولاً ثم تصفها له، وحيث إنك لم تر الروح فإنك عاجز عن وصفها. فهكذا الكلام حول الله عزّ وجل. فالإمام الهادي (عليه السلام) نفى الوصفية -رؤيةً وتوهمًا-عن الله تعالى انتهاجًا منه لعقيدة أجداده (عليهم السلام)؛ حيث روي "عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال: أما تقرأ القرآن؟! قلت: بلى. قال: أما تقرأ قوله عز وجل: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)؟ قلت: بلى. قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى. قال: وما هي؟ قلت: أبصار العيون. فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام"(10). *وقوله (عليه السلام): "ولا يشبهه شيء وليس كمثله شيء" تنزيه لله تعالى عن الشبيه باستعمال (لا النافية)، ثم (ليس)، ولعله تأكيد منه على نفي الشبيه عن الله سبحانه. *وقوله (عليه السلام): "وهو السميع البصير" إشارة منه إلى نكتة مهمة جداً وهي: حيث إن صفتي السميع البصير عند الله تعالى هي عـــلمه بالمسموعات والمبصرات، فهذا ما يكشف عن حياطته سبحانه بالمحدودات والموصوفات والمتشابهات، مخلوقاته الممكنات، لا أن تحيط هي به؛ فالمحاط لا يحيط بالمحيط؛ بل المحيط يحيط بالمحاط. فالإمام الهادي (عليه السلام) بتلك المفردات أفهم ما يعزّ على عالمٍ افهامه، وما يصعب على أهل البلاغة بيانه. _________________________ (1) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى، ح5. (2) التوحيد: للشيخ الصدوق، باب معنى سبحان الله، ح3. (3) راجع الحاشية: ص50، وشرح الشمسية: ص78، وشرح المنظومة: ص30، وشرح المطالع: ص 100، والجوهر النضيد ، ص 194_188، 164، والإشارات وشرحه: ص95. (4) منطق المظفر: ج1، ص117. (5) المصدر نفسه، ص118. (6) المصدر نفسه، ص87. (7) المصدر نفسه، ص88. (8) الحديد:3. (9) الحديد: 4. (10) التوحيد: ب8، ح10. وسلامٌ على الولي الناصح، والطريق الواضح، والنجم اللائح، عليّ بن محمد الهادي ورحمة الله وبركاته.

اخرى
منذ 5 سنوات
2945

الغزو الثقافي وتداعياته على الفئة الشابة/ الجزء الثاني

بقلم: دعاء الربيعي إنّ المُتتبع لوسائل الإعلام المُعادية التي تهدف إلى إشاعة المنكر والفاحشة بين الاوساط الاجتماعية وزعزعة الفكر والعقيدة الإسلامية وتشويه المعتقدات والإساءة إليها بشتى الطرق والوسائل يرى أنّها تُقدِّم نفس الفكرة المسمومة والمدسوسة ولكن بقوالبَ مختلفةٍ وهيئاتٍ مغايرة. وقد حققت أهدافها -مع الاسف- وأكبر دليل على ذلك ازدياد نسب الطلاق في البلاد العربية والإسلامية خصوصًا ما نشهده في بلدنا العراق اليوم. فلقد أشار سماحة المتولي الشرعي للعتبة الحسينية (الشيخ عبد المهدي الكربلائي) إلى ذلك في خطبة صلاة الجمعة حيث قال: إنّ (الإحصائيات الصادرة من السلطة القضائية الاتحادية إلى تصاعد حالات الطلاق في العراق بصورةٍ لم تكن مسبوقة من قبل، فبلغت أكثر من (5200) حالة في حين بلغت حالات الزواج التي سُجلِت رسميًا لنفس الشهر (8341) حالة. ويُلاحظ بالإضافة إلى ذلك التصاعد في عددِ حالات الطلاق المُسجلة منذ عام 2004 ولغاية هذا العام بحيث ازداد العدد المسجل قضائيًا في كلِّ سنةٍ مقارنةً بما قبلها) وبلا شكَّ أنّ هذه الظاهرة تُعدُّ ظاهرةً خطيرة في المجتمع العراقي، تُهدِّد الكيان الأسري بالتفكك والانحلال وتُشكِّل خطرًا محدقًا على التماسك الاجتماعي، إضافة إلى ما تتركه من آثارٍ نفسيةٍ ومجتمعيةٍ وأخلاقية ذات أبعاد مُخيفة، كما تحدّث سماحته عن ضرورة دراسة الأسباب الحقيقية والأساسية لبروز هذه الظاهرة، وضرورة تظافر جهود جميع الجهات والمؤسسات القادرة على معالجتها والحدِّ من تصاعد حالات الطلاق. فهناك مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية تُحتِّم على المبلغين والخطباء ومؤسسات المجتمع المدني والآباء والأمهات وإدارات المدارس والجامعات أنْ تنهض بأداء مسؤولياتها في هذا المجال، وتُشمِّر عن ساعد الجدِّ لوضع خططٍ مناسبة للمساهمة في تضييق دائرة هذه الظاهرة وفي الحد الأدنى عدم السماح باستمرارها في التصاعد. ومن هذا المنطلق تقع علينا مسؤوليات جمّة كباحثين ومبلغين وإعلاميين أنْ نساهم بجديّةٍ وإخلاص ولو بالشكل البسيط لتعريف المجتمع بخطورة تلك الثقافات الدخيلة علينا، والمساهمة في إصلاح ذات البين بين الأسر؛ للتقليل من حالات الطلاق، ووضع حلول ناجعة في مواجهة تلك الظاهرة التي باتت كبيرةً تهدد المجتمع بأجمعه وتزعزع استقراره. إنَّ الكيان الأسري ليس امرأةً فقط، وليس رجلًا أيضا، إنّما هو كيانٌ متكامل، للمرأة وظيفة أنثوية وللرجل وظيفته المُكملة، ولو تعاضدا وتشاورا وأدى كلٌّ منهما رسالته المطلوبة منه لصلُحت الأسر، وبالتالي صلُح المجتمع. لكن -مع بالغ الأسف- نرى اليوم الدفق الهائل من السموم عبر "وسائل الاتصال الحديثة " التي تدعو إلى تمرُّد المرأة على الرجل وتهديم النظام الأسري الذي وضعه الله (سبحانه وتعالى), فتدعو إلى تحرير المرأة من الحجاب، والنكوص على الإعقاب بالتزيين، ولبس الملابس غير المحتشمة، والدعوة إلى الاختلاط المحرم. كما تدعو إلى نبذ فكرة الزواج المبكر للشباب والشابات، والدعوة إلى أنّها فكرةٌ دونية تحطُّ من مكانة المرأة وقيمتها، فيصورون الزواج على أنّه أغلالٌ وقيودٌ تُكبِّلُ الحرية وتحجز الإنسان عن الانطلاق وتحقيق الرغبات والأهداف في الحياة، فلوثوا عقول الشباب بأفكارهم التي تدعو إلى علاقاتٍ محرمة بحجةِ الزمالة والصداقة إلى غيره من المسميات. ومما يؤسف له حقًا أنّ هذه الأسر التي غزاها أعداء الإسلام مهددةٌ بالانهيار بسبب الجهل بمقاصد الزواج السامية, والحقوق الشرعية المتبادلة وفن التعامل، بحيث تصور تلك الأفكار الدنيئة صعوبة تهيئة الزوجين لتحمُّلِ مسؤولية الحياة وتبعاتها، والعيش وتكاليفه، فيكونُ السقوط السريع والمريع عند أولِ عقبةٍ في دروب الحياة؛ وذلك لأنهم يظنون أنّ الحياة تمتُّعٌ دائم لا ينقطع، وسرورٌ لا يُنغّص، وبهجةٌ لا تنطفئ مع أحلامٍ وردية, وأمانٍ ساحرة، مما تسبب في هذا السيل الجارف المحزن من حالات الطلاق بلا أسبابٍ مقنعة أو خلافاتٍ جوهرية. وهكذا يُكسر هذا الكيان الصغير الجميل بسهولة، والبيت الذي كانت تُظلّله سُحُب المحبة والوئام، يُكسر بمعاول الجهل والغرور، والمكابرة والعناد وهوج التفكير. والشيطان حين يُفلِحُ في فكِّ روابط الأسرة، لا يهدم بيتًا واحدًا، ولا يضع شرًا محدودًا، إنّما يوقعُ الأمةُ جمعاء في شرٍ بعيد المدى؛ ذلك أنَّ الأمة التي يقوم بناؤها على لبناتٍ ضعيفة، من أسرٍ مُخلخلة وأفرادٍ مُشردين لن تحقق نصرًا، ولن تبلغ عزًا، بل تتداعى عليها الأمم.. ولا يخفى عليكم أحبتي أنَّ وسائل التواصل الحديثة شغلت الناس، فباتوا بعيدين عن قراءة الكتب المفيدة، أو مشاهدة البرامج التلفازية الهادفة، أو سماع البرامج الإذاعية التوعوية ذات الفائدة. حتى صار شغلهم الشاغل هو الجلوس أمام أجهزتهم اللوحية التي تنوّعت في الشكلِ واتحدت في المضمون، فكانت بحق أحد أسلحة الغزو الثقافي إذا ما أسيء استخدامها كما هو الأعم الأغلب بين الناس بالوجدان. وكيف لا تكون أسلحةً بيد الأعداء، ولو تأملنا جيدًا بها أمثال (الفيس بوك) و(تويتر) وغيرها فلسوف نرى أنَّ الأعم الأغلب يستخدمها صغارًا وكبارًا، لكن هناك من أساء استخدمها وحقق من إنشائها غاياته الشيطانية. وتكمن خطورتها في أنَّ المستخدم لها وإنْ كان جالسًا في غرفته محاطًا بالجدران إلا أنه يستطيع أنْ يتحدث مع الأشخاص الآخرين في شتّى أنحاء العالم، ويمكنه إرسال الصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الكلامية ومشاركتهم حياته اليومية بكلِّ سهولةٍ وبساطةٍ وبسريةٍ تامة من غير أنْ يعرف أهله بذلك، فما هو إلاَّ زرٌ يُضغط ويرسل ما يريد، وآخر يمحو كلَّ أثرٍ لئلا يطلع عليه أحد. كلُّ ذلك تسبب في انحراف الكثير من الشباب والمراهقين خصوصًا الذكور، فهم مع بالغ الأسف يتجوّلون بين هذه التطبيقات مُتصفحين شتى أنواع الصور والفيديوهات التي وضعت خصيصًا لاستهدافهم واستدراجهم نحو الرذيلة. ولم يقتصر الأمر على ذلك وحسب بل اتجهوا إلى تكوين علاقاتٍ غير شرعية مع الفتيات المراهقات اللاتي وجدن في كلامهم المعسول ما يجذبهن نحو الخطأ والوقوع في شباك المجهول. وختامًا لهذا المبحث أقول: إنّ الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي يؤدي بالمجتمع الإسلامي إلى الانحراف عن جادة الحق، وبدلًا من ذلك يُمكننا استخدام هذه الوسائل وتوظيفها للمنفعة العلمية والفكرية والاجتماعية كونها وسيلةَ تواصل بين الأشخاص والإسراع في إيصال المعلومات بما ينفع المجتمع الإنساني.

اخرى
منذ 3 سنوات
241

خاطـــــرة

بقلم: سارة بدر منذُ الصغر بدأتُ أفقدُ ما أُحِبُّ .. الشيء تلو الآخر .. فقدتُ كلَّ شيءٍ تعلقتُ به حتى تصورت أنّي سأفقد نفسي يومًا ما وبدأتْ حياتي بالضياع، وتبعثرتْ روحي وعصفتْ بي رياحَ الانكسارِ لكن أحسستُ أنَّ هنالك يدًا خفيةً رفعتني ولملمت أشلائي التي كادت أن تكونَ في العدم هذه اليدُ لطالما رفعتْني عدّةَ مرات لكنّي كنتُ لا أُدرِكُ عظمتها

اخرى
منذ 3 سنوات
214

التعليقات

فلاح حسن عبدالرضا العزاوي

منذ 6 سنوات

أسأل الله تعالى لكم التوفيق ومزيد من الإبداع

رضا الله غايتي

منذ 6 سنوات

وإياكم أخي الكريم شكرا لمروركم الكريم

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
69423

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
50371

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41069

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
34915

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32057

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
31657