تشغيل الوضع الليلي
رحيلُ صاحبِ أعظم منهجٍ في التأريخِ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 402
بقلم: أم باقر الربيعي
قال (تعالى): "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ"(1).
لم يبعثِ اللهُ (تعالى) الأنبياءَ اعتباطًا ولا عبثًا، بل بعثَهم من بابِ اللُطف والرحمة للعباد لغايةٍ عُظمى وهدفٍ أسمى، وهو بلوغُ الكمالِ الروحي المعنوي والمادي، وهذا لا يتأتّى إلا من خلالِ الوظيفةِ الإلهيةِ المُكلّف بها صفوةٌ مُختارةٌ من البشر، انتخبَهم الباري ليكونوا دُعاةً للناس، ويوظِّفوا طاقاتِهم ويرسموا طريقَ الهدايةِ لمن كرّمَهم اللهُ (تعالى) على سائر الموجودات، فبيّنوا لهم سُبلَ النجاة وسُبُلَ المهالك، من خلالِ القوانين الإلهية المُترتبة على كُلِّ فعلٍ من أفعالِ المُكلفين..
وكُلُّ نبي من الأنبياءِ له شِرعةٌ خاصةٌ ومنهاجٌ، وهذا لا يتنافى مع وحدةِ الكلمةِ في الدعوةِ إلى الله (تبارك وتعالى) وتوحيده، وكُلُّ شِرعةٍ من شرائعِ الأنبياءِ تُكمِّلُها شريعةُ النبي الآخر، وكُلُّها تسيرُ في مسارِ التكاملِ الإنساني، إلى أنِ انتهتْ بالشريعةِ الخاتمةِ والمنهاجِ الأكمل والأصلح لبني البشر، وكأنّها رسالةٌ مُمنهجةٌ ومُبرمجةٌ للحياةِ الفرديةِ والاجتماعية، بل وجميعُ الأصعدةِ الحياتيةِ على كافةِ مُستوياتها، لمن سار على الخطِّ الإلهي ليسلك طريقَ الهدايةِ والفلاح..
وقد وقعَ الاختيارُ على أشرفِ شخصيةٍ في عالمِ الوجود، بحسبِ درجته الكمالية ومؤهلاته الروحية، ليختصَّ بأعظمِ منهجٍ تربوي عقائدي شرعي أخلاقي، فمُنذُ بعثته (صلوات الله وسلامه عليه) وهو يدأبُ لإصلاحِ المفاسدِ التي كانتْ تطغى على المُجتمعِ المكّي آنذاك، كعبادةِ الأصنامِ وشربِ الخمرِ ووأدِ البناتِ واستعبادِ الناسِ وظُلمِ المرأةِ وتوهينها، واستبدلها بعبادةِ اللهِ (تعالى) وتحريمِ الخمر وتكريم البنات، وساوى بين الحر والعبد وشرّف المرأة ورفع من قدرها ومكانتها، فاستطاعَ تحقيق ما لم يُحقِّقْه أيُّ نبي من الأنبياء من التغيير في مُجتمعاتِهم، ولم يأتِ هذا التغيير بلا عناءٍ أو مشقةٍ، فقد تعرّضَ الرسولُ الأكرمُ (صلى الله عليه وآله) للأذى والضرب بالحجارة واتهموه بالكذب والسحر والتكهن وما إلى ذلك من الاتهامات الباطلة، وكان في كُلِّ أحواله صابرًا داعيًا لأمّته بالهداية والصلاح، وفرض حُبَّه على الناس رغمًا عنهم؛ فكلامُه يُلامِسُ شغافَ القلبِ ويبعثُ على الهدوءِ والطُمأنينة في النفس، وكانَ له من العَظَمةِ ما لم تكن لقيصر ملكِ الروم وكسرى ملك الفرس؛ حتى أنّ أصحابَه يبتدرون ماء وضوئه تيمنًّا وتبركًا به.
وكان لابد من إكمالِ منهجِه بأمرٍ عظيمٍ به تتُمُّ دعوته، فبلّغَ بالإمامةِ وأعلنَ عن الإمامِ والخليفةِ من بعدِه، وكان يعلمُ ما سيؤولُ إليه أمرُ هذه الأمّة من بعدِه، فالعالمُ بأجمعِه مدينٌ لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، عاجزٌ مُقصِّرٌ عن إيفاءِ فضله..
وفي أيامِه الأخيرة وقد اشتدَّ المرضُ عليه، فساعةُ الفراقِ قد دَنَتْ والرحيلُ لابُدَّ منه، وها هو رسولُ الإنسانيةِ وعنوانُ الرحمةِ ورمزُ الصدقِ والأمانة، وصاحبُ الخُلُقِ العظيم مسجى على فراش الموت، وعلي والزهراءُ والحسنان يتزوّدون منه، ويجرون مدامعَ العيون لفراقه؛ لا لأنّه أخُ علي وأبُ الزهراء وجدُّ الحسنين فحسب، بل ولأنّه رحمةُ الله للعباد، وأمانُه في البلاد لمن عرف حقه ولم يجهله، وملائكةُ الرحمن مُختلفةٌ في النزول والعروج تحفُّ ببيتِ الرسول...
حتى في لحظاته الأخيرة لم يسلمْ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) من ألسُنِ القومِ السليطة حتى اتهمه أحدُهم أنّه يهجُر!
معاذ الله وحاشاه من ذلك الوصف المُشين، وهو القائلُ فيه ربُّ العزّة والجلالة: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى"(2).
وكأنّهم لم يقرؤوا القرآنَ ولم يتدبّروا آياته، وإذا برسولِ الله قد لفظ أنفاسه الأخيرة، وخرجت روحُه الطاهرةُ تحملُها الملائكةُ العظامُ لتكونَ في مقعدِ صدقٍ عندَ مليكٍ مُقتدِر، فارتفعَ البُكاءُ من أهلِ بيتِه وناحتْ ملائكةُ السماء، واظلمَّ الكونُ وماجتِ الأرضُ بأهلِها لهولِ الفاجعة...
القومُ يتنازعون فيمن يكونُ الخليفةِ من بعدِه، ورسولُ الله لم يُغسَّل بعد! وكأنّهم لا يعرفونَ خليفته، وكأنّهم لم يسمعوا رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) مرارًا وتكرارًا وهو يوصيهم بعلي وأهلِ بيتِه خيرًا، ومنذُ تلك اللحظة جهدوا لنصبِ العداء لعلي وآل علي (عليهم السلام) مُعلنين صراحةً مُخالفتهم لكتابِ اللهِ وسُنّةِ نبيه، وانقلبَ القومُ على أعقابِهم واشتعلتْ نارُ الفتنة من سقيفةِ بني ساعدة، وامتدَّتْ جذورُها لسلبِ خلافةِ الوصي وحرقِ بابِ الزهراء، وقتلِ الإمامِ علي في المِحرابِ حالَ الصلاة، وسم الإمامِ الحسن وقتلِ الإمامِ الحسين بكُلِّ وحشيةٍ وإجرامٍ، وطالَ شررها الإمامَ بعدَ الإمامِ؛ حتى ظهور الآخذ بالثأر الإمام المهدي (عجّل الله (تعالى) فرجه الشريف)، ولا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ العلي العظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-سورة آل عمران : آية 144.
2- سورة النجم : آية 3- 4.
اخترنا لكم
لتكن لكِ أهدافكِ
ميّزَ الله (تعالى) المرأة بعاطفة جياشة وبحنان كبير. ولولا تلك العاطفة لما استطاعت تحويل عُشها الزوجي إلى ملاذ دافئ يسوده الحب والوئام، يتنعم أفراده فيه بالود والاهتمام، ولولا ذلك الحنان الكبير الذي تكفّل بأن يُقلعها من سريرها الدافئ لتقوم على رعاية طفلها الصغير، مؤثرةً ما تتطلبه تلك الرعاية من جهد وفير وصبر كثير على التنعم بنوم هانئ عميق لعجزت عن رعاية أبنائها. وعلى الرغم من أهمية تلك العاطفة وذلك الحنان البالغة في رعاية الأسرة وترابطها إلا إن على المرأة الواعية أن تردفهما بجرعة من الحكمة وتنكههما بنكهة التعقل ولا تـُفرِط فيهما كثيراً؛ لأن كل شيء إن زاد على حده انقلب ضده، ولذا يجدر بها أن تتحكم بمقدارهما إذ كما إن التفريط بهما يُفقِد الأسرة أهم رافد من روافد الحب والحنان فكذلك الإفراط فيهما له آثاره السلبية أيضاً، ولعل أهمها أن تفقد المرأة حياتها الخاصة واهتمامها بذاتها، فتجدها منذ الصباح وحتى المساء لا همَّ لها سوى ماذا ينبغي عليها أن تقدم لأفراد أسرتها، بدءً بالزوج الحبيب وانتهاءً بأصغر أفراد الأسرة المُدللين، وقد يصل الأمر ببعض النساء -كما نرى وللأسف الشديد- أن تجمع جميع صلوات يومها الواجبة في وقت واحد! وعندما تسألها عن ذلك تُجيب وبكل برود: إن اهتمامي بالأسرة ومتطلباتها قد سلبني الاهتمام بنفسي ورعايتها، وهذا خطأ فادح له عواقب مريرة عليها أولاً وبالذات ومن ثم على باقي أفراد أسرتها. نعم، حُسن التبعل هو الجهاد الذي يتعين على المرأة أن لا تستخف به مطلقاً، وأن تمنحه ما ينبغي من وقتها وجهدها، ورعاية الأبناء كذلك أيضاً، ولكن وفي الوقت نفسه ينبغي على المرأة أن لا تنسى الاهتمام بذاتها ومنحها من الوقت والجهد أيضاً لما يكفي لتطويرها وعلى مختلف النواحي المهمة في الحياة: الروحانية، فتهتم بعبادتها وتعمل ما يمكنها من أجل تقوية صلتها بخالقها، فتخصص لذلك وقتاً خاصاً تنعم فيه بالهدوء بعيداً عن زحمة الحياة وصخبها، وكم هو جميل أن يكون ذلك الوقت فجر كل يوم حيث تكون صلتها بربها أولى أولوياتها، وتحتل المرتبة الأولى في جدول أعمالها، فتبتدئ يومها بمناجاة ربها وتلاوة كتابه، ولا يخفى ما لذلك من أثر إيجابي كبير على سائر مفاصل حياتها، فمن يبدأ يومه بهمِّ القرب إلى الله (تعالى) ونيل رضاه تـُراه كيف ستكون تفاصيل يومه ذاك؟ وكيف سيكون ختامه ومنتهاه؟ ومن النواحي التي لا ينبغي للمرأة إهمالها أيضاً: رعاية صحتها والاهتمام بما يحافظ على حيويتها ونشاطها، من تغذية متزنة، صحية قدر الإمكان بالكم والكيف، إلى ما يتيسر لها من رياضة وأيسرها رياضة المشي؛ لأن جميع أهداف المرأة ومن بينها رعاية الأسرة يصعُب أن تـُؤدى بجسم أنهكه العناء أو غزته الأدواء. كما إن من النواحي المهمة في حياة المرأة والتي لا ينبغي لها أن تهملها في حال من الأحوال هو تغذية عقلها بمطالعة الكتب والمجلات الهادفة، وتنمية ذاتها بتطوير مهاراتها وهواياتها النافعة، لأن حياة المرء لا يمكن أن تتسم بالتوازن إلا إذا تطورت في جميع مجالاتها المختلفة، وإلا غدت حياة معاقة قد طغى نمو بعض أطرافها على سائر الأطراف الأُخرى. ومما لا شك فيه أن اهتمام المرأة بتلك الأبعاد الثلاثة المهمة من حياتها سينعكس إيجاباً وبصورة تلقائية على بعدين آخرين لتحصل بذلك على حياة ناجحة متزنة، وهما: البعد الأسري والبعد الاجتماعي، ومما لا شك فيه أن الشخصية تطمئن عند اتصالها بخالقها، وترتقي بكثرة مطالعتها، وتهدأ عند سلامة صحتها وكل ذلك ينمي فيها الحكمة والتعقل، والمعرفة والتلطف، الأمر الذي يسهل عليها تكوين علاقات طيبة مع أفراد مجتمعها فضلاً عن أفراد أسرتها، كما تكون أكثر خبرة في سبل تطوير علاقتها بهم. بيدَ أن بعض النساء قد يهملن أغلب تلك النواحي المهمة في حياتهن الشخصية، وينجرفن كثيراً مع عواطفهن، بحيث يفقدن الشعور باستقلالية الذات وتقديرها أحياناً! فترى الزوجة أحياناً تعيش من خلال زوجها، فهو شغلها الشاغل، وهمها الأكبر، ولذا فمن الطبيعي أن تركز على كل واردة وشاردة فيه، قد يصل أحياناً ببعض النساء إلى أن تحصي عليه أنفاسه، فتتحول علاقتها به من علاقة يُفترض أن يملأها الحب والانسجام والتفاهم والاهتمام، إلى علاقة المحقق بمن أدمن على الإجرام! بل وقد تكون أسوأ لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته أما في علاقة هذا النوع من الزوجات بزوجها فهو مُدان حتى قبل ثبوت الإدانة في كثير من الأحيان! ومما لاشك إن لهذا اللون من التعامل آثاره السلبية على المرأة نفسها إذ تعيش القلق الدائم وتقتلها الغيرة المستعرة غير المبررة، كما تـُشعِر الزوج بالتقيُد والانزعاج، وبالتالي ينعكس سوء حالتهما النفسية بلا شك على الأبناء، فيُحاسبون وقد يُعاقبون على أتفه الأمور، وقد تُهمَل متابعتهم على أهمها مما يؤثر سلباً على نفسيتهم وتربيتهم. وليست المغالاة في العاطفة تجاه الزوج هي الخطأ الوحيد بل حتى تجاه الأبناء أيضاً، فقد تكون الأم هي السبب في فشل أبنائها، بسبب الخوف البالغ عليهم تارةً والذي يجردهم من الإحساس بالمسؤولية، أو بسبب الاهتمام البالغ بهم تارةً أخرى والذي يجعلهم يتوقعون ذلك من الجميع، وما أن يشتد عود بدنهم حتى يُصدمون بالكثير الكثير من المواقف التي قد تودي بهم إلى الانهيار أو الاكتئاب لضعف بُنية باطنهم ولقلة خبرتهم وضحالة معرفتهم. بل وقد تتسبب العاطفة المبالغ بها أحياناً بانحراف الأبناء حتى، فكم من فتاة تاهت في طرقات الحياة وأزقة الظلمات، وكم من فتى استسلم للتدخين والمخدرات نتيجة الحب المدمر والعطف المُخرب من قبل بعض الأمهات. فلابد من إضافة مقدار من الحزم إلى الحب، وشيئ من الشدة إلى جانب الليونة لينشأ الأولاد أقوياء ذوي مسؤولية صالحين مصلحين. ومن الآثار الوخيمة التي تترتب على العاطفة المفرطة تجاه الأبناء أيضاً أن تشعر الأم تدريجياً وكأنها تملكهم، ولأنها أهملت ذاتها وضحّت براحتها من أجلهم ترى أن من حقها أن تـُقابل بالمثل من قبلهم، وهذا ما يعسر تحقيقه غالباً لاسيما أن الأبناء في مقتبل أعمارهم وكل منهم بلا شك يروم تأسيس حياته والاستقلالية فيها، ولذا يمكن القول: إن ذلك من أبرز أسباب المشاكل التي تحدث بين الأم وزوجة الابن، بل وقد شاهدنا في بعض الحالات استئثار الأم بالأبناء إلى درجة حرمانهم من الزواج على الرغم من حاجتهم الماسة إليه مستخدمة في ذلك سلاح بر الوالدين، فهي تخير ولدها بين رضاها عنه وبين زواجه! إذن فأن تـُذيب المرأة شخصيتها واستقلاليتها في محيط الاهتمام بأسرتها، وأن تهمل استقلال ذاتها وتترك رعايتها بذريعة أنها تجد ذاتها فيهم إنما هو خطأ كبير لا تقتصر آثاره الوخيمة عليها وحسب بل وتشمل سواها أيضاً، وقد تمتد لتغطي جميع من ضحّت لأجله -كما تقدم- وعليه فلابد للمرأة الواعية أن تعمل على تطوير نفسها وذاتها ضمن الأطر الشرعية ودونما الإخلال بالواجبات الزوجية والأسرية. وقد تسعى بعض النساء إلى ذلك ــ وهو أمر يثلج الفؤاد ــ إلا أنهن قد يُخطئن في تشخيص السبل المؤدية إليه نتيجةً للثقافة المغلوطة التي يستمدنّها من شاشات التلفزة الهابطة ووسائل الإعلام الموجِهة التي تحاول جاهدةً أن تُرسِّخ في ذهن المرأة الظهور بأبهى طلة كما يعبرون، وسحر أعين جميع من إليها ينظرون، وإلفاتها لانتباه جميع من يحضرون، ووو ... إلى آخر تلك التفاهات، كمصاديق مهمة لتطور المرأة وغاية كبرى لتنمية ذاتها وإثبات شخصيتها، فتصور النساء وكأنهن بضاعة ينبغي أن ينافسن بعضهن البعض لاستقطاب أعلى درجة من استحسان من يـُعرَضن عليه، وأماء لابد أن يسحرن كل من يلتقين به، وفي الحقيقة هم لا يرومون من وراء كل ذلك إلا إرواء ظمأ جشعهم في النظر غير الشرعي، وتحسين اقتصادهم من خلال صنع سوقٍ نشيطة تـُصرِّف بضائعهم!!. ولا يُفهم من حديثنا أننا نذم التجمل أو نحارب التأنق، فمن الجميل أن تهتم المرأة بأناقتها وجمالها ولكن يجب أن يقتصر ذلك على من له حق التمتع فيهما فقط، بالإضافة إلى محارمها في حدود حدّدتها الكتب الفقهية، كما يجب أن يكون ذلك الاهتمام في ضمن الحدود المعقولة لا أن ترصد المرأة جـُلَّ وقتها وجهدها ومالها لأجل ذلك، بل يجب أن توازن بين اهتمامها بذلك واهتمامها بسائر عناصر إنسانيتها، كالعقل والتفكر والروح وتزكية النفس لتعيش حياة متوازنة تبعدها قدر الإمكان عن الوقوع في الأزمات أو التعرض للمشكلات، وإلا كانت أشبه ما تكون بالدمية الجوفاء، حسنة الشكل وجميلة المظهر، فارغة المخبر وضحلة الجوهر.
اخرىأميرة المؤمنات
بسم الله الرحمن الرحيم السلام على أم أبيها ومسند بنيها، وحامية شيعة زوجها وأبيها، السلام على فاطمة من مهد الحضارة، إلى موت الاحتضار، فهي الحضارة، وبقتلها كل العالمين احتضر، فهي الأميرة التي جمعت عاليها بدانيها، ودانيها بعاليها، فكانت هي باب الله الذي منه يؤتى... أميرة ليست كالأميرات لم تجلس على عرش الأمارة. ولم ترتدِ ملابس الأميرات، رغم أنها بنت خير البشرية، خير الأنام، زوجة اشجع الفرسان، وأم الائمة الكرام، وهذه الأميرة لم يراعوا حقها، لم يصونوا حجابها، رغم أنها لم تنازعهم على خزائن الدنيا وملذاتها، ولم تطلب شيئاً لها منهم، كأن الكون أصم... لم يسمع صوت فاطم وهي تنادي (وابتاه ومحمداه) شيئًا فشيئًا نقترب من الفاجعة الأليمة ... شيئًا فشيئًا نرى الظلام يحل في ذلك البيت الذي كان يسطع نوراً لأعنان السماء، يا ترى ما سبب هذا الظلام؟! ماذا حدث في هذا اليوم الحالك بالهموم؟! آه آه على بيت الوحي على أعتابه حطب وا أسفاه لبنت النبي… اليوم ألم الفراق يكابد قلب الحسنين، اليوم تصبح الحوراء حزينة ويتيمة، لوحدها لا تستطيع حمل هذا المصاب الفجيع... أن ترى ضلع أمها بالباب يكسر، وهي تنادي بأنفاس ثقيلة وصوت ضعيف: أيا فضة سنديني، فوالله قد اسقطوا جنيني، وترى القوم انتهكوا بيتهم، ولم يراعوا حقهم، ولم يرحموا حال الصغار حينما قاموا بحرق الدار… أما الوصي يا حزنُ فقد أطال مكوثه، فدمعه على الخد يراق، وكان الصوت يتردد وهي تقول: خلّوا عن ابن عمي... ما اسرع لحاقها بالرسول. ماذا أكتب أيها القلم؟ أ أكتب دموعًا وأشجانًا؟! أم أكتب آهات وأحزانًا ودمعات؟! أم أكتب لوعات ومصائب حلت بأهل بيت النبوة وموضع الوحي... اكتبي ولا تتردي، لإن كتبت عن أميرتك وسيدتك فأنني ارتقي لألوح أعنان السماء، وأنا أنثر أنقى الكلمات وأعطر الهمسات وأكون رقيقاً جداً كالتي كتبت في شأنها. اظن أنني سأكتب بك بالإشارة دون إمساكك، ولا اضغط عليك لأنك بذلك تنكسر كما كسر ضلعها، ومهما كتبت من أحرف وكلمات، وصغت فيها العبارات، فهذه الكلمات الممزوجات لا تستوفي حق الزهراء المزهرة في سماء الرحمة والعطاء، وما الرحمة إلا محمد (صلى الله عليه وآله) وما العطاء إلا هي وعلي (عليهما السلام): (إنا اعطيناك الكوثر)، فكانت هي كوثر النفس بالتنفيس عن هموم شيعتها ومحبيها، وكانت هي العقل الواعي في زمن الظلم والتدهور والتداعي، وكانت هي القلب القابل على الله بالنور والهداية، وكانت هي الروح الباقية من أمر الله تعالى، ولكن ما رعوها حق رعايتها، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولعن الله ظالميها من الآن إلى قيام يوم الدين. حنان الزيرجاوي
اخرىبناء شخصية الطفل
بقلم: قاسم المشرفاوي يحتاج الطفل الى رعاية واهتمام بالجانب المادي والروحي ليتم بناء شخصيته بشكل سليم، فالطفل لا يحتاج الى الغذاء والشراب فقط، وإنما يحتاج إلى حاجات نفسية لكي ينمو عاطفياً ونفسياً ويتناسب هذا النمو مع بناء جسده مادياً، فلا يمكن الاقتصار على تقديم الحاجات المادية للطفل واهمال الجانب الروحي كما يفعل بعض الآباء والأمهات، فشخصية الطفل يتم بناؤها منذ اللحظة الأولى لانعقاد النطفة مع البيضة، فالجنين يتأثر بكل الظروف التي تمر بها الأم، فيشعر بما تشعر به أمه من فرح وسرور وألم وحزن. فالطفل تنتقل له بعض الصفات الوراثية عن طريق العوامل الجينية بواسطة الكروموسومات كما ذكر ذلك العلم الحديث وأكدته الروايات الشريفة منذ وقت بعيد، فالصفات الخلقية والأخلاقية ممكن أن تنتقل إلى الأبناء، فالكرم والشجاعة والجبن والبخل والسخاء صفات ممكن أن ينتقل بعضها إلى الأبناء، وقد ذكر ذلك الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في أكثر من حديث حيث قال: "لا تسترضعوا الحمقاء…" وقال أيضاً: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس... فهذا دليل واضح على إمكانية انتقال الصفات النفسية إلى الأبناء عن طريق الوراثية ولكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن تعديل الصفات السيئة التي ورثها الأبناء، وإنما يمكن تعديلها وعدم السماح لها بالظهور إذا استخدم الأبوان الطرق الإيجابية في تربية الأبناء منذ اللحظات والسنوات الأولى، فالبيئة التي يعيش فيها الطفل وأسلوب الأبوين كفيلان بتعديل سلوك الطفل وتهذيبه نحو الأحسن. فطبيعة تفكير الوالدين وأفكارهما تنتقلان إلى الأبناء تلقائياً عن طريق التأثر البيئي، فالطفل يعيش في البيت ويتأثر بأفعال أبويه ومن يعيش معه من إخوانه، لذلك فإن الأسرة لها الدور الأول في صناعة شخصية الطفل وبلورتها. إن الأطفال في السنوات الأولى يحتاجون الى حاجات عديدة ليشعروا بالحب والأمان ،وحب الأهل لأبنائهم يجب ان تكون له مظاهر على ارض الواقع ليشعر الابناء بذلك ومن هذه المظاهر : 1/التقبيل: وهذا الأمر والتصرف مهم جداً ليشعر الابناء بأن لهم منزلة وحب في قلوب آبائهم وأمهاتهم فلا يكفي ان نقول لأبنائنا اننا نحبهم بدون ان نقبلهم ،فعن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) حيث قال: من قبّل ولده كتب الله له حسنة. وقال: أكثروا من قُبلة أولادكم فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام . 2/اللعب: وهو من الحاجات النفسية الضرورية التي تجعل الطفل يشعر بالراحة والاستقرار لأنها حاجة بيولوجية تساعد في توازن نمو الطفل العاطفي والنفسي، لذلك أمرنا النبي الكريم باللعب مع الأطفال والتصابي لهم حيث قال: من كان له صبي فليتصاب له. 3/ الاحتضان: فاحتضان الأطفال يجعلهم يشعرون بأن لهم مكانة وقيمة في نفوس آبائهم ويشعرهم بالاستقرار والتوازن العاطفي كما أنه يزيد من سعادتهم فالعلم الحديث أثبت افراز الجسم لهرمون الدوبامين اثناء عملية الاحتضان. 4/ الاحترام والتقدير: فالطفل تزداد ثقته بنفسه إذا شعر باحترام الكبير له، مما يزيد من تقدير الذات لديه وهذا ما يجعله يثق بقدراته وامكانياته أكثر، وهذا ما يجب على الآباء والامهات ان يفعلونه مع أبنائهم ،ومن مظاهر احترام الاهل لأبنائهم هو: - عدم مقاطعتهم اثناء الحديث وترك المجال لهم بإبداء آرائهم مهما كانت بسيطة.. - الاستماع والإنصات إليهم بشكل جيد عن طريق النظر في عيونهم والتواصل بإيماءات الوجه... - مناقشة أفكارهم بأسلوب يطور من قابليتهم على التحليل لتطوير قابليتهم على صياغة افكارهم بأسلوب أكثر نضوجاً... كل هذه الأشياء تساهم في بناء شخصية الطفل بشكل لائق يناسب البيئة والعصر الذي يعيشه مما يجعله يطور من قابلية التأقلم مع مختلف الظروف والتحديات العصرية التي تعصف بالمجتمعات بشكل سريع.
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى