تشغيل الوضع الليلي
دُعـاةٌ صادقون
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 2055
بسم الله الرحمن الرحيم {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبا}(1) صدق الله العلي العظيم.
إنّ طريق الدعوة إلى الله تعالى ببيان أركانه الثلاثة من اصول وفروع وأخلاق لـهو طريق الأنبياء والأولياء، وإنّ السالك فيه ينال من التشريف مالم ينله غيره، وفي قبال ذلك عليه أن يتحلى بما تحلّى به الأنبياء والأوصياء، مقتفياً للآثار، متجاوزاً الظروف والأقدار، راجياً رضا العزيز الجبار، مستغنياً عن مدح الصغار والكبار، متجنّباً ما للتكبر من آثار.
وخيرُ محلّ شاهدٍ على كلامنا هي دعوة الإمام الكاظم (عليه السلام) إلى دين الله تعالى وهو في أحلك الظروف.
حيث "كانت بعض الأقاليم الإسلامية التي تدين بالإمامة ترسل عنها مبعوثاً خاصاً للإمام (عليه السلام) حينما كان في سجن السندي، فتزوده بالرسائل، فكان (عليه السلام) يجيبهم عنها، وممن جاءه هناك علي بن سويد، فقد اتّصل بالإمام (عليه السلام) وسلّم إليه الكتب فأجابه (عليه السلام)"(2).
فما قدّمه لنا إمامنا الكاظم (عليه السلام)، يشير إلى أنّهُ (عليه السلام) تحدّى الصعاب، واستشعر عِظَم مسؤوليته الشرعيّة، وأهمية تثقيف عيال الله بما يحقق سلامة عبادتهم فيحلّقوا في سماء الفضيلةِ والرضوان بواسطتهم.
نعم- لكل فعلٍ ردّة فعل سلباً أو إيجاباً، وكما كان لحملة الرسالة السماوية اولئك أعداء، فلمن سار على نهجهم أعداء أيضا، لكن والله وبالله وتالله لايُباليَنَّ أحدنا بما يقوله البعض مِن تسقيطاتٍ وتشويهات، وسفاهاتٍ وترّهات، بحق الحوزة العلمية وعملها، بل المؤمّل هو وعد إمام الزمان بالسعي قدر المستطاع والتوفيق للتمهيد والنصرة.
فهناك من الدعاة مَن حملوا همَّ الدعوة، فتركوا الأهل والإخوان وملاذّ النفوس، وبذلوا الأموال والأوقات والجهود، بل وتركوا طعم الرقاد.
وإنّ كثيراً منهم ليدعو إلى الله سبحانه، ويجاهد في الدعوة إلى دينه جلّ شأنه، وهو يعاني من قلّة ذات يد، وكثرة عيال، وتكالب أشغال، وآلام مرض، وعتاب زوجة، وضياع مصالح، ورغم ذلك لا يبالون إلاّ بالدعـوة، هم مشغولون بكيفية إعداد الصفوة، فمنهم من يسجد شكراً لله على توبة أحد العصاة، وثاني يبكي حسرة على موت شاب على معصية، وثالث يعتنق أحد التائبين فيشاركه دموع التوبة ، ورابع لا يرى تجمعاً للشباب إلاّ وصار رفيقهم وناصحهم، وخامس ما يتناهى لمسمعه صوت غناء إلاّ بادر صاحبه بشريط ذكر ووعظ، وسادس ما ترك سجناً ولا دار رعايةٍ أو إصلاحٍ أو مدرسةٍ أو محفلٍ -حتى للمعاقين- إلاّ وبلّغ فيه، وسابع يسير ومعه أشرطة وكتيبات هداية يهديها لمن يلاقيه، وثامن وتاسع وعاشر... .
ولله درّ من سار على هذا النهج القويم، لما نراه اليوم من تفكك المجتمع وانسياب فكري لبعض أفراده، فيتوجب عقلاً وجود دعاة مصلحين صادقين في القول والفعل، يدعون إلى ربّهم بالحكمة والموعظة الحسنة، فكم من تائب تاب على أيديهم فغدا طالب علمٍ، أو إمام مسجدٍ، أو مؤذن جامعٍ، أو داعية خيرٍ، أو عالم أمةٍ، أو رب أسرةٍ مصلحٍ؛ لما في شخصية الدعاة من مقومات التأثير في الآخرين والتي منها:
1. الميل العاطفي والمحبة القلبية للعباد، ويؤيد ذلك القاعدة الكلية الشرطية التي جاءت في القرآن الكريم بقوله تعالى: { وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِك}(3) فالداعية لا يكسب قلب من يدعوه إلاّ إذا أحبه وشعر منه العطف والرفق وحب الخير له ابتداءً.
2. السيرة الحسنة، وهي اللبنة الأولية التي توجب التفاف الناس حول الدعاة وجذبهم إلى الخير، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم}(4).
3. الإقناع العقلي والحجة العلمية كلٌّ حسب درجة إدراكاته بالحكمة والموعظة الحسنة، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}(5).
4. مشاركة المجتمع همومه ومعالجة قضاياه، ويؤيد ذلك قول المعصوم: "من أصبح ولم يهتم بأُمور المسلمين فهو ليس بمسلم"(6).
5. الموازنة بين اسلوب الترغيب والترهيب، تماماً كما هو ديدن القرآن الكريم، ويؤيده ما عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لعبد الله بن جندب: "يَا ابْنَ جُنْدَبٍ يَهْلِكُ الْمُتَّكِلُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَا يَنْجُو الْمُجْتَرِئُ عَلَى الذُّنُوبِ الْوَاثِقُ بِرَحْمَةِ الله، قُلْتُ: فَمَنْ يَنْجُو، قَالَ: الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ فِي مِخْلَبِ طَائِرٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ الْعَذَابِ"(7).
6. احترام الآخرين وعدم الاستهزاء بمعاصيهم أو مواقفهم، فكلّ ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْم}(8).
7- الابتعاد عن تزكية نفسه، حيث قال تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ}(9) والحرص على إتقان أدب السماع والإصغاء لغيره، و إعطاء الفرصة للآخرين ليفصحوا عما في أنفسهم.
وأمّا عن فضل الدعوة في الجانب الروائي فأُذكّر نفسي وجميع طلبة العلم بهذه الروايات الشريفة التي تحث على نشر العلم، ومذاكرته، ومدارسته، وفضل نشره، التي هي دستور الدعاة الصالحين.
فقد حثَّ الإمام الباقر (عليه السلام) على نشر العلم وتعليمه للناس ، وإشاعته في الأوساط المختلفة ، ونهى عن كتمانه، بقوله (عليه السلام) : "من علّم باب هدى فله أجر من عمل به ، ولا ينقص اُولئك من اُجورهم شيئاً..."(10).
وقال (عليه السلام) : "رحم الله عبداً أحيا العلم... يذاكر به أهل الدين وأهل الورع"(11).
وجعل على العلم زكاة فقال : "زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله"(12).
كما جعل تذاكر العلم ومدارسته صلاة ، فقال : "تذاكر العلم دراسة ، والدراسة صلاة حسنة"(13).
وروي عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام أنّه قال: "لَـوْ لا مَنْ يَبْقى بَعْدَ غَيْبَةِ قائِمِكُمْ علَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ العُلَماءِ الدَّاعينَ إِلَيْهِ، وَالدَّالِّينَ عَلَيْهِ، والذَّابِّينَ عَنْ دينِه بِحُجَجِ اللهِ، وَالمُنْقِذينَ ضُعَفاءِ عِبادِ اللهِ مِنْ شِباكِ إِبْليسَ وَمَرَدَتِهِ، وَمِنْ فِخاخِ النَّواصِبِ، لـمّا بَقِيَ أَحَدٌ إلاّ ارْتَدَّ عَنْ دينِ اللهِ. وَلكِنَّهُمُ الذينَ يُمْسِكونَ أَزِمَّةَ قُلوبِ ضُعَفاءِ الشّيعَةِ كَما يُمْسِكُ صاحِبُ السَّفينةِ سُكَّانَها، أولئِكَ هُمُ الأَفْضَلونَ عِنْدَ اللهِ عز وجل"(14).
وروي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ :
"قَرَأْتُ فِي کِتَابِ عَلِيٍّ إِنَّ اللَّهَ لَمْ یَأْخُذْ عَلَى الْجُهَّالِ عَهْداً بِطَلَبِ الْعِلْمِ حَتَّی أَخَذَ عَلَی الْعُلَمَاءِ عَهْداً بِبَذْلِ الْعِلْمِ لِلْجُهَّالِ لِأَنَّ الْعِلْمَ کَانَ قَبْلَ الْجَهْلِ"(15).
وكفى بذلك دليلا.
_____________________
(1) الأحزاب: 39.
(2) حياة الإمام موسى الكاظم عليه السلام، 2 / 492.
(3) آل عمران: 159.
(4) القلم: 4.
(5) النحل: 125.
(6) أصول الكافي، باب الاهتمام بأمور المسلمين، ح1.
(7) مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج 11، ص 226.
(8) الحجرات: 11.
(9) النجم: 32.
(10) الكافي : 1 / 35 .
(11) المصدر السابق : 1 / 41 .
(12) المصدر السابق : 1 / 41 .
(13) المصدر السابق : 1 / .41.
(14) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام: ص344، ح225. الاحتجاج: ج1، ص18.
(15) اصول الكافي، ج1، ص42.
اللّهم وفّقنا وجميع المشتغلين للعلم والعمل الصالح، وأجرِ للناس على يدينا الخير ماحيينا، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمدٍ وآله الطاهرين.
علوية الحسيني
اخترنا لكم
حبـــةُ رمــــل
بقلم: شفاء طارق الشمري هُناكَ في صحراءٍ قاحلةٍ وحارقةٍ بشمسِ الأيامِ المؤلمةِ التي تفوحُ منها رائحةُ الدماءِ الطاهرة، رأيتُ المصيبةَ، رأيتُ الدمعةَ الساكبةَ على الوجناتِ، رأيتُ أنواعَ الآلامِ في كربلاء.. رأيت أُمّةً قتلت ابنَ بنتِ نبيها، رأيتُ أمّةً رفعتْ سيفَ الغدرِ بوجهه وهو سيّدُ الإباءِ والشهداء، رأيتُ قمةَ الحُزنِ في دموعِ تلك المرأةِ التي تقفُ في بابِ الخيمةِ، لم أعرفْ من هي إلا حين سمعتُ الإمامُ يناديها: أخيّة زينب! ولكن هل يُعقلُ أنْ تكونَ هذه زينب التي لم يكن لأحدٍ أنْ يرى ظلَّها أو يسمعَ صوتَها؟ هل يُعقلُ أنَّ زينبَ العقيلةَ ابنة علي وفاطمة تتجهّزُ لتودِّعَ أخاها الحسين وتستعدّ للسبي. لقد أحرقتْني الشمسُ بحرارتِها، وآلمتْني الأرضُ المُلطّخةُ بالدماءِ بدمائها، أسمعُ نحيبَ الأرضِ، وأقرأُ شجنَ دموعِها، وأرى السماءَ تبكي دمًا.. فالحُسينُ سقطَ صريعًا على الأرض، لم يجدْ من ينصرُه أو يُنهضه بعدَ أنْ سقطَ عن فرسهِ حين اجتمعوا حولَه بسيوفِ الشرِّ والكره، كم تعجّبتُ مما يقوله في آخرِ لحظاته: "اللهم أنتَ ثقتي في كُلِّ كربٍ ورجائي في كُلِّ شدة" يا الله! ما أعظمَ حروفِ ولائك ومناجاتِك للهِ يا حسين! للهِ درّك يا حسين! ما أروعَ الكلماتِ التي تنطقُ بها! قطعَ مناجاة الحسين مجيءُ الشمرِ اللعين، يحملُ السيفَ بيدِه وهو يقتربُ من الحسينِ ليحزَّ رأسه الشريف.. ما أقساكَ أيُّها اللعين! أتجلسُ على صدرِ الحسين وتنسى ما قالَ الرسول (صلى الله عليه وآله) في حقِّه؟! يسحبُ السيفَ ويضعُه على نحرِ الحسين ليحزّه تأتي زينبُ فيدفعَها فتسقطَ أرضًا، ففاضتْ روحُ الحسينِ الطاهرةِ إلى السماء.. كانتْ ليلةُ الحادي عشر قاسيةً عليهم، أتى صباحُ الحزنِ ليُعلِن موعد مغادرةِ ركبِ النساء والأطفال وهم مُقيّدون بالحبالِ يُضربون بالسياط.. لقد غادروا جميعًا، غادروا تاركينَ الأجسادِ على هذهِ الصحراءِ الحارقة، مضى يومٌ، اثنان، ثلاثُ.. بقيتِ الأجسادُ ثلاثَةَ أيامٍ في العراء لم تجف حينها الدماءُ في الصحراء! وهذه الرمالُ ما زالتْ تبكي على الحسين (عليه السلام) هدوءٌ خيّمَ لثلاثةِ أيامٍ؛ فلا تسمعُ فيه إلا صوتَ ملائكةٍ تبكي وتندبُ، مشعثة مغبرة. كسرَ هذا الهدوءَ صوتُ نساءٍ يبدو أنّهن أتينَ لأخذِ الماءِ من الفرات، أو لأمرٍ آخر.. وصلتِ النساءُ لترى الجثثَ على الأرضِ ملطخةً بالدماء.. لطمنَ على الوجوه وأجهشن بالبكاء، ثم رحلنَ مُسرعاتٍ... وبعد وقتٍ ليس بالطويل جاءَ جمعٌ من الناسِ وتوجّهوا نحوَ الجُثثِ وقد عرفوا أنّ ها هنا الواقعة.. بكوا ولطموا ثم قرّروا أنْ يدفنوا الأجسادَ الطاهرة ... أرادوا حملَ جسدِ الإمامِ الحسين (عليه السلام)، فاجتمعوا جميعًا لكنّهم لم يستطيعوا.. وبينما كانوا يُحاولون جاءَ أحدُهم ليقولَ: إنّ إعرابيًا قادم إلى هنا، فخافَ القومُ أنْ يكونَ من عصابةِ ابنِ زياد فاختبأوا، وصل الإعرابيُ مُلثمًا. وصل إلى جسدِ الحُسين (عليه السلام) فأجهشَ بالبُكاءِ حتى ابتلَّ لثامه... كانت دموعُه الحارقةُ تسقطُ كالمطرِ في ليلةٍ حزينة.. عَلِمَ القومُ أنَّ هذا الشخصَ يمتُّ إلى أصحابِ الجُثثِ بقرابةٍ... تقدّمَ القومُ ليُساعدوه بالدفنِ ... حفروا حفرةً لدفنِ الجسدِ الحُسيني، ووضعوا معه علي الأكبر والرضيع.... ثم بدأ يبحثُ الإعرابي في الأرضِ، ذهب يمينًا وشمالًا ... وعندما سألوه أجاب: أبحثُ عن خنصرِ الحُسين ... فأجهشَ القومُ بالبُكاء.. أذكرُ كيفَ جاءَ اللعينُ ليسلبَ الخاتمَ من يدِ الحسين (عليه السلام)... وعندما لم يستطعْ أخذه من إصبعِ الإمامِ قطعَ خنصرَه الشريف ... إنّها مشاهدُ قاسيةٌ على الحجرِ، فكيفَ بمشاعرِ البشر؟! كيفَ بمشاعرِ النساءِ والأطفال؟! كيف بمشاعرِ رقيةَ وهي ترى أباها مسلوبَ العمامةِ والرداء؟! كيف بقلبكِ سيّدتي زينب، وأنت ترين الحسينَ مقطعًا بسيوفِ الغدر والغل؟َ! ثم خط هذا الإعرابي بيدِه وكتبَ: (هذا قبرُ الحُسين بن علي المظلوم الشهيد). آهٍ.. وهل جاءَ اليومُ ليضعوا الترابَ عليك يا حسين؟ وهل يدفنُ الترابُ جودَك وذكرَك؟ لا والله، يدفن جسدك، وتبقى روحك واسمك عزاءً في قلبِ كُلِّ مُحبٍّ يذكرُك. ثم حفروا حفرةً ووضعوا فيها الشهداء.. ثم دفنوا حبيبَ بن مظاهر ... ودفنوا مسلمَ بن عوسجة وباقي الشهداء، ثم توجّهَ الإعرابيُ نحو العلقمي لدفنِ جسدِ وبقايا روح الكرمِ والجودِ والإيثار وهي حروفٌ في مدرسةِ الوفاء لسيّدِ الفضلِ العباس (عليه السلام).. وهل يضمُّ الترابُ جمالَك؟ حاشا فأنتَ قمرُ النورِ في سماءِ الولاء... تقدّمَ لدفنِ بطلِ العلقمي أبي الفضل، وخطَّ عليه: (هذا قبرُ العباس بن علي بن ابي طالب). وبعدَ دفنِ كُلِّ الأجسادِ توجّهَ الإعرابيُ بالرحيلِ فسأله بنو أسد عن هويته فقال: أنا عليُ بن الحسين.. آهٍ لهذا القلبِ كيفَ تحمّلَ هذه المشاهدَ؟! ساعدَ اللهُ قلبَكَ يا سيّدي كيف صبرَ على كُلِّ هذه المصائب؟! كيفَ تحمّلَ دفنَ الهواشم؟! كيف تحمَّلَ فقدَ الأحبةِ؟! ساعدَ اللهُ قلبَك يا سيّدي يا علي السجاد وبعدما خطّ الحسينُ حكايتَه التي خلّدَها بانتصارٍ بلونِ الدم فمن حكايةِ الطفِّ إلى حكايةِ دفنِ الأجسادِ ألفُ حكايةٍ وما بعدها ألف حكاية فها هو قبرُ الحسينِ (عليه السلام) اليومَ، قد اجتمعت حولهُ الملائكةُ، وحفَّتْ بقبرِه وانبعثَ نورٌ من قبرِ الحسين إلى السماء؛ ليُعانقَ نورَ القمرِ العباسي فولاءُ أبي الفضلِ للحسين (عليه السلام) حكايةٌ خالدةٌ وبدأتِ الكراماتُ والحكاياتُ تُسجّلُ من عندِ هذا القبرِ الذي بقيَ خالدًا على مرِّ الأزمانِ فنسمعُ ونشاهدُ ونقرأُ الكثير من الكرامات الحسينية وفضل زيارة قبر الحسين (عليه السلام). لقد أعطى الحسينُ كُلَّ شيءٍ لله (تعالى) فوهبَه اللهُ (تعالى) أعلى وأرفع الدرجات وبقيتْ حكايةُ الحسين (عليه السلام) ودفن جسده وأجساد الشهداء حكايةَ خلودٍ تُتناقلُ من جيلٍ إلى جيل ستقولُ: ومن روى هذه الحكاية؟! أقولُ: "رواها من رآها"، فأنا حبةُ رملٍ من تلك الصحراء التي تلطّختْ بدماءِ الأزكياء، في أرضِ الكرب والبلاء، أنا صوتُ حزنٍ ورثاءٍ ودمعٍ ودماءٍ، أنا حبةُ رملٍ رأتْ فروتْ، أنا حبةُ رملٍ رأتْ فبكتْ وعلمتْ أنّ الدنيا لم تخشعْ ولم تُكبِّرْ إلا للحُسين
اخرىخيرة النساء وظلم التاريخ (1)
خيرة النساء لقب أطلقه الإمام الحسين (عليه السلام) على ابنته سكينة التي أحبها حبا شديدا وأخذت بمجامع قلبه لقداستها وطهرها حتى وصفها (عليه السلام) بهذا الوصف لما وقف عليها يوم الطف، ورآها باكية نادبة، فقال : سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي منك البكاء إذا الحمام دهاني لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة ما دام مني الروح في جثماني فإذا قتلت فأنت أولى بالذي تأتينه يا خيرة النسوان ومما لا شك فيه أن المعصوم بأقواله وأفعاله هو الفاروق بين الحق والباطل، فلا يحب إلا من كان حبيبا لله (تعالى)، فكيف بمن يشتد حبه إليها ؟ بل وكيف بمن يصفها بالسمو والرفعة، بأنها من خيرة النساء ؟! والسيدة سكينة اسمها آمنة، وإنما لقبتها أمها الرباب بلقب (سَكينة) لهدوئها وسكونها. عاشت في كنف أبيها ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) متأثرة بأنفاسه القدسية وأخلاقه الإلهية فكانت شديدة الحياء، تستغرق في عبادتها لله (تعالى)، شهدت واقعة الطف وعاشت آلامها وحُفِرَ في ذاكرتها ما جرى في تلك الواقعة على بيت النبوة من قتل للأحرار وتمثيل بأجساد الأطهار الى نهب بنات الرسالة وسبي ربائب الوحي والتنزيل، حتى كانت تروي تلك القصص بمرارة شديدة وكأن الحدث لم يمر عليه إلا ثوانٍ، وقلبها يعتصره أسى المصاب، وأكتافها تستشعر ألم السياط وتكاد أحداقها تذرف عينيها بدل الدموع كلما شخصت صورة يزيد اللعين وهو يضرب بمخصرته ثنايا أبيها الحبيب، فكانت كأخيها الامام السجاد (عليه السلام) في بكاء دائم وكأمها الرباب في حزن لازم وكعمتها العقيلة زينب في عزاء قائم حتى توفيت (عليها السلام).. بيدَ إن الحسد الزبيري على البيت العلوي لم يكتفِ بتلك الآلام التي جرَّعها الحقد الأموي لهذه السيدة الجليلة في واقعة الطف الأليمة، فراح يؤلف الأكاذيب وينسج القصص مستهدفاً بها طهر هذا البيت وقداسته، والحط من رفعته، والنيل من كرامته، حسداً منه لأحقيته في الخلافة، فامتدت يده الخبيثة تعضدها أقلام ذوي النفوس الدنيئة التي حركها بريق الدنانير الذهبية، وأسال رنينها لؤم مدادها، فأشاعوا قصصاً مكذوبة وأقاويل مزورة، يمكن تصنيفها إلى ظلامتين بحقها (سلام الله عليها)، وهما من أبرز ظُلاماتها (عليها السلام) التاريخية بعد ظلم السبي الأموي. الظلامة الأولى: مجالستها الشعراء وتحكيمها بينهم واستماعها الغناء. الظلامة الثانية: حديث الأزواج. سنتناول كلاً منهما بشيءٍ من الإيجاز.. الظلامة الأولى: مجالستها الشعراء وتحكيمها بينهم واستماعها الغناء. كانت سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير صاحبة ملاحم عمر بن أبي ربيعة معروفةً بالميوعة والتهتك ومجالسة الشعراء والتحكيم بينهم والاستماع الى الغناء وما الى ذلك، وعوضاً من أن يصحح الزبيريون انحراف مسار ابنتهم فإنهم عمدوا الى نسبة كل ما كانت تقوم به الى السيدة الجليلة سكينة بنت الامام الحسين (عليهما السلام) مستغلين تشابه اسم بنت الزبيريين الفاجرة بلقب بنت الامام الحسين (عليه السلام) الطاهرة، فشرعوا في الخلط والتدليس وتزوير التاريخ، واخترعوا القصص الماجنة، ورموا بها شخص «آمنة» سكينة بنت الحسين (عليهما السلام). فقد وضعوا روايات تنسِب إلى هذه السيدة الفاضلة أنها كانت صاحبة مجالس شعرية تجالس فيها الشعراء وتتحدث اليهم وتستمتع بأشعارهم الغزلية وتحكم بينهم، وأن الشعراء كانوا يقولون فيها شعراً، نورد منها رواية رعايةً للاختصار وهي ما نقلها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني حيث قال (قال أبو الفرج: أخبرني علي بن صالح قال: حدثنا أبو هفان، عن إسحاق ،عن أبي عبدالله الزبيري قال: اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه، فتشوقن إليه وتمنينه، فقالت سكينة بنت الحسين: أنا لكن به، فأرسلت إليه رسولا وواعدته الصورين، وسمت له الليلة والوقت، وواعدت صواحباتها. فوافاهن عمر على راحلته، فحدثهن حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن، فقال لهن: والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة في مسجده، ولكني لا أخلط بزيارتكن شيئا، ثم انصرف إلى مكة من مكانه، وقال في ذلك: قالت سكينة والدموع ذوارف منها على الخدين والجلباب ليت المغيري الذي لم أجزه فيما أطال تصيدي وطلابي كانت ترد لنا المنى أيامنا إذ لا تُلام على هوى وتصابي(1) وهذه الرواية مفتراة على هذه السيدة الطاهرة، وموضوعة من قبل الأيادي الحاقدة، وذلك لسقوطها سنداً ومتناً: فأما سنداً، فقد حقق السيد محمد علي بن يحيى الحلو في كتابه (عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام الملقبة بسكينة) هذا الخبر من حيث السند وتوصل الى سقوطه عن الاعتبار لضعف رواته ومجهوليتهم. (2). وأما متناً فإن بصمات الوضع واضحة عليه ومن جهاتٍ عديدة: أولاً: قد ذكر أن «نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف اجتمعن»، أ فهل يُعقل أن تكون هذه الحادثة في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وفي عهد قريب من زمن الرسالة أيضاً؟ أم هل يُعقل أن تشتاق نسوة من أشراف الأسر إلى شاعر متهتك فاحش الشعر والغزل ويتمنينه ويجتمعن معه ليلة كاملة حتى أضاء الفجر! ثانياً: لِمَ أعرض الراوي عن تشخيص أولئك النسوة، ولم يذكر منهن ولو واحدة فقط سوى السيدة سكينة بنت الحسين (عليها السلام)؟ بالرغم من أنهن كما تذكر الرواية من بيوت اشراف المدينة ولسن من النساء المطمورات التي لا يعرفن أحد. فمن المفترض بالراوي أن يكون على علم ببعضهن على ادنى التقادير.. ثالثاً: اختيار الراوي في قصته الشاعر عمر بن أبي ربيعة دونما سواه ليكون بطلاً لهذه القصة لا يخلو من دلالة يقصدها، فهذا الشاعر معروف بمجونه وخلعه، حتى هشام بن عروة يصف عواقب أشعاره وفحشها بقوله :"لا ترووا فتيانكم شعر عمر بن أبي ربيعة لئلا يتورطوا في الزنا تورطا"(3). وهل يمكن عقلاً أن تتلاءم مجالسة السيدة سكينة (سلام الله عليها) لهكذا شاعر مع ما عرف عن البيت العلوي من العفة والطهارة والترفع عن أدناس الجاهلية ؟! فتخصيص عمر بن أبي ربيعة إذن في هذه القصة يستهدف قداسة البيت العلوي وكرامته ليس إلا. من كل ذلك يُعلَم أن الخبر وإن كان قد روي على أنه مجرد خبر يتناول شاعراً معروفاً آنذاك ويتحدث عن ظرافته وميل النساء إليه بكل براءة في حين انه حيكَ بمكر ولؤم ليلبس ما يروم إليه حقدهم وحسدهم وهو التعرض للسيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين بالسوء.. رابعاً: وردت هذه القصة في موضعين آخرين من نفس الكتاب (الأغاني) وبنقل نفس الكاتب إلا أنه يذكر في كلٍ منهما أسم سكينة فقط دونما نسبتها إلى الإمام الحسين (عليه السلام). وهذا التهافت من الكاتب إن دلّ على شيءٍ إنما يدل على أن هناك سكينة أخرى هي بطلة هذه القصة وليست بنت الامام (عليهما السلام) خامساً: من المعلوم أن السيدة سكينة (عليها السلام) عاشت بعد استشهاد والدها وزوجها عبد الله بن الحسن (عليهما السلام) في كنف عمها زين العابدين وسيد الساجدين (عليهما السلام) ومن بعد استشهاده (عليه السلام) انتقلت للعيش في كنف ابنه الامام الباقر (عليه السلام) فهل يقبل منطق أو يصدق عقل بأن من تعيش حياتها منذ ولادتها وحتى وفاتها متنقلة من ظل معصوم الى ظل معصوم آخر وتتنفس أنفاسهم القدسية وتحيطها رعايتهم وفي بيوتهم وتدخل الشعراء عليها وتستمع إليهم ، وتساهرهم حتى الصباح ؟ ولقد أحسن من قال : حدث العاقل بما لا يليق ، فإن صدق فلا عقل له . سادساً: عُلِمَ عنها (عليها السلام) أنها لم تكن حالها بعد واقعة الطف الأليمة كحالها في السابق فقد عزفت نفسها عن الحياة، و رفضت من تقدم لها من الأزواج، واتخذت الحزن خليلا والدمع أنيسا، إذ عاشت حياتها بين دمعة وحزن وتألم وشجن بل إن الاخبار تذكر أن ما من علوية امتشطت من واقعة الطف وحتى نهوض المختار وأخذه بثارات شهداء الطف .. فهل يعقل من تكون هذه حالها أن تمرح مع الشعراء أو تستطيب غزلهم أو تساهر المغنين أو تواعد المتخلعين ؟ أم يُعقل أن تعشق رجلاً هوايته الحديث العاطفي إلى النساء والتغزل بهن وتدمع عيناها عشقاً له، وهما اللتان كادتا أن تجفا لما سكبتا على فاجعة الطف؟! من كل ما تقدم يتضح زيف ما نسب الى هذه السيدة الطاهرة المطهرة ظلما وزورا.. الظلامة الثانية: حديث الأزواج تأتي.. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الأغاني ج1 ص171 (2) أنظر عقيلة قريش آمنة بنت الحسين (عليهما السلام) ج1 ص33 (3) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 1 : 281 رضا الله غايتي
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى