تشغيل الوضع الليلي

لا تُلبِّ كلّ رغبات أبنائك!

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 4844

إن تلبية كل ما يرغب به أطفالك يقع في خانة الحب المضطرب الذي يدل على عدم معرفة الأهل بأصول التعامل التربوية مع متطلبات الأطفال ورغباتهم!
توجد حاجات وتوجد رغبات كثيرة يرغب الأطفال في نيلها والحصول عليها!
لنضرب مثالاً على ذلك: لو كان أطفالك يمتلكون ملابس جديدة فلا داعي لشراء أخرى من باب العادة التي اعتاد عليها الكثير من الناس في كل مناسبة.
نعم ادخال السرور والفرح على العيال من الأمور المستحسنة التي حث عليها الشرع وفيها أجر وثواب ولكن كثرة الشراء وتلبية كل رغبات الطفل من الأشياء السلبية التي يفعلها الكثير من الأهل بدافع الحب والوقوع في العادات التي يتبعها المجتمع!
يمكن أن اشتري لمن يحتاج ملابس أو يحتاج أشياء ضرورية أخرى أراها مناسبة لسد رغبات الطفل من حين لآخر ولكن اتّباع عادات نمطية اجتماعية يكون دافعها العيب من الناس أو فعل الناس لها، هي من الأمور التي تدل على فقدان الثقة!
يجب أن يفعل الأهل الاشياء التي يرونها مناسبة لهم ولأبنائهم، تعويد الطفل على شراء أشياء كثيرة فيه مشاكل وسلبيات عديدة، فكثرة توفير الاشياء تفقدها قيمتها وأهميتها ورونقها.
يجب أن يعتاد الأبناء على سماع كلمة لا وكلمة نعم وفق ما تقتضيه المصلحة ليتعلموا الاتزان اليومي وليكونوا أكثر اتزانا في طلباتهم، وليتعلموا كيف ومتى يطلبون الأشياء.

فلو اعتاد الأطفال على تلبية كل ما يطلبون، فانهم سيضاعفون الطلبات وسيقع الأهل في حرج مادي واجتماعي أيضاً، ولن يتعلم الأبناء التفكير بمشاعر أهاليهم، لأن صفة الانانية ستنمو في نفوسهم وتتجذر شيئاً فشيئاً وبذلك فإن جُلّ تفكير الأطفال سيكون برغباتهم دون التفكير بقدرة الأهل على توفير مثل تلك الطلبات!

الحب لا يعني أن أعطي ولدي البالغ من العمر ٨ سنوات مصروفاً بقدر أكثر من الحاجة الفعلية له، إذ يمكن إعطاؤه مبلغاً متناسباً مع حاجته العمرية، ويمكن اعداد بعض الطعام له في البيت!
إعطاء الطفل مبلغاً كبيراً نسبياً من المال له سلبيات عديدة تجعله يشعر بأن من حقه أن يحصل على هذا المال كل يوم، ولن يقدّر أتعاب والديه مستقبلاً إطلاقاً بل سيكون ولداً طائشاً لا يقدر قيمة الاشياء التي يحصل عليها دون عناء ودون جهد يذكر.

فلا يمكن أن نجعل الطفل يشعر بأن الاشياء سهلة الحصول ومتوفرة في كل وقت!
يجب أن نجعل الطفل يشعر بقيمة ما يحصل عليه وهذا يتم بأن نجعل الطفل يشعر ببعض المعاناة ليفهم ويشعر بقيمة الأشياء وأهميتها!

في الحياة تحديات وصعوبات كثيرة وإذا قمنا بتوفير كل شيء بسهولة للأطفال فإننا لن نقوم بإعدادهم بشكل صحيح لمواجهة تحدياتها المختلفة، يجب أن نعدهم الاعداد القوي الذي يمكّنهم من الصمود أمام تقلبات الحياة وصعوباتها، وحرمان الأطفال من بعض الأشياء يجعلهم يشعرون بلذتها وقيمتها إذا قمنا بتوفيرها لهم بين الحين والآخر، ويجعلهم يفهمون الحياة أكثر ويدفعهم إلى التفكير المنطقي وتطور عملية التفكير بشكل إيجابي.

يمكن أن تتغير احوالك المادية نحو الأسوأ، فلا يكون بمقدورك أن توفر له مصروفاً عالياً، لذلك فإعطاؤك مصروفاً مناسباً يعلّمه القناعة منذ الطفولة ويدفع به إلى حسن التصرف مع المال.
ليس في الأمور المادية فقط، بل في تقديمنا المساعدات والإمكانيات لهم أيضاً، فإذا شاهدت ابنك وهو يسقط على الأرض فلا تبادر لمساعدته حتى وإن لجأ إلى البكاء والصراخ فهو يقول لك: تعال وساعدني إني بحاجة إليك. وأنت تقول له بتجاهلك لصراخه: باستطاعتك الاعتماد على نفسك فأنت لست بحاجة لي في هذا الموقف يا بني!

بهذه الحركة البسيطة التي قام بها الأهل (سقوط الطفل على الأرض وتجاهله) فإن الطفل سيتعلم بأن بإمكانه النهوض لوحده والاعتماد على نفسه، وبهذا فإنه سيعتمد على نفسه عندما يسقط لاحقاً على الارض. وهذا الموضوع على بساطته فإن كثيرًا من الأهل يفشلون به لأنهم لا يمتلكون المعرفة في تحليله بالشكل الصحيح، لذلك فهم يهرولون مسرعين لمساعدة أبنائهم.

الاشياء التي يستطيع الأطفال فعلها بأنفسهم من غير الصحيح أن نتدخل في مساعدتهم فيها، لأننا نقتل لديهم الدافعية ونضعّف من إمكانياتهم وقدرتهم على مواجهة صدمات الحياة، لذلك دع أطفالك يعانون بعض الشيء ليتعلّموا الاعتماد على أنفسهم، ولتُصقل شخصياتهم أكثر، ولتزداد قوتهم النفسية والروحية في كيفية مواجهة مصاعب الحياة منذ الصغر

قاسم المشرفاوي

اخترنا لكم

داءٌ مزمنٌ بعلاجٍ ممكن

بقلم: Abbas satar داء السكري مرضٌ مزمن، يحدث عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الأنسولين بكميةٍ كافية، أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعال للأنسولين الذي ينتجه، والأنسولين هو هرمون ينظّم مستوى السكر في الدم. يُعد فرط سكر الدم أو ارتفاع مستوى السكر في الدم من الآثار الشائعة التي تحدث جرّاء عدم السيطرة على داء السكري، ويؤدي مع الوقت إلى حدوثِ أضرارٍ وخيمة في العديد من أجهزةِ الجسم، ولاسيما الأعصاب والأوعية الدموية. أنواع داء السكري: 1-داء السكري من النمط (1) (الذي كان يُعرف سابقًا باسم داء السكري المعتمد على الأنسولين أو داء السكري الذي يبدأ في مرحلة الشباب أو الطفولة)، ويتميز بنقص إنتاج الأنسولين، ويقتضي تعاطي الأنسولين يوميًا. لا يُعرف سبب داء السكري من النمط 1، ولا يمكن الوقاية منه باستخدام المعارف الحالية. وتشمل أعراض هذا الداء فرط التبوّل، والعطش، والجوع المستمر، وفقدان الوزن، والتغيرات في البصر، والإحساس بالتعب، وقد تظهر هذه الأعراض فجأة. 2-داء السكري من النمط 2 يحدث هذا النمط (الذي كان يُسمى سابقًا داء السكري غير المعتمد على الأنسولين أو داء السكري الذي يظهر في مرحلة الكهولة)؛ بسبب عدم فعالية استخدام الجسم للأنسولين، وتحدث في معظمها نتيجةً لفرطِ الوزن والخمول البدني. وقد تكون أعراض هذا النمط مماثلةً لأعراض النمط 1، ولكنها قد تكون أقل وضوحًا في كثيرٍ من الأحيان؛ لذا فقد يُشخّص الداء بعد مرور عدة أعوامٍ على بدء الأعراض، أي بعد حدوث المضاعفات. 3-السكري الحملي هو فرط سكر الدم الذي تزيد فيه قيم كلوكوز الدم على المستوى الطبيعي، دون أنْ تصل إلى المستوى اللازم لتشخيص داء السكري، ويحدث ذلك أثناء الحمل. والنساء المصابات بالسكر الحملي أكثر تعرضًا لاحتمالات حدوث مضاعفات الحمل والولادة، كما أنهنَّ وأطفالهنّ أكثر تعرضًا لاحتمالات الإصابة بداء السكري من النمط 2 في المستقبل، ويُشخّص داء السكري الحملي عن طريق التحري السابق للولادة. أعراض الإصابة بداء السكري: -ازدياد عدد مرات التبول في اليوم الواحد. -العطش بصورة غير طبيعية. -شرب السوائل بشكلٍ كبير لتعويض ما يفقده الجسم من سوائل نتيجة لكثرة التبوّل. -الشعور بالإرهاق والتعب والضعف العام. -نقصان الوزن مع أنّ كمية الطعام التي يتناولها الفرد وعدد وجباته لم يتأثر. -زيادة الرغبة في تناول المزيد من الطعام بشكل ملحوظ -بطء شفاء الجروح. أسباب داء السكري: ١-العوامل الوراثية. ٢-السمنة المفرطة وتراكم الدهون في الجسم من أبرز أسباب الاصابة بمرض السكر حيث إنّه يسبب تغيرات وظيفية في خلايا الجسم. ٣-عدم ممارسة التمارين الرياضية، حيث إنّها تعمل على تعزيز صحة الجسم وحمايته من الأمراض وضبط مستوى السكر في الجسم ومحاربة السمنة. ٤-الإفراط في تناول الأطعمة التي تحتوى على نسبةٍ عاليةٍ من الدهون الضارة وخصوصًا الوجبات السريعة. ٥-تلف البنكرياس يسبب مشاكل صحية عديدة ومنها مرض السكر. ٦-الضغط النفسي والعصبي، فإنّه يزيد من فرص الإصابة بمرض السكري. مضاعفات داء السكري: -مضاعفات مزمنة: *أمراض القلب والأوعية الدموية: يزيد مرض السكري بشكلٍ كبير خطر حدوث مشاكل القلب والأوعية الدموية المختلفة، بما في ذلك مرض الشريان التاجي المصاحب لوجود ألم في الصدر، أو الإصابة بالذبحة الصدرية، أو النوبات القلبية، أو تصلب الشرايين. *تلف الأعصاب: يؤدي زيادة السكر إلى التأثير بشكلٍ سلبيّ على جدران الأوعية الدمويّة الصغيرة التي تُغذّي الأعصاب، ممّا يؤدي إلى إتلافها على المدى البعيد. *اعتلال الكلى: تحتوي الكلى على ملايين الشعيرات الدموية التي يُطلق عليها اسم كُبيبات الكلى، والتي تقوم بالتخلّص من النفايات الموجودة في الدم، إلا أنّ مرض السكريّ يمكن أنْ يُلحق بهذا النظام العديد من الأضرار، حيث يمكن أنْ يسبب الإصابة بالفشل الكلوي، الأمر الذي قد يتطلب لإجراء عملية غسيل الكلى أو زرع الكلى. *اعتلال الشبكية: يشكّل مرض السكري خطرًا على الأوعية الدموية الموجودة في شبكية العين، ممّا يؤدي إلى الإصابة بالعمى، حيث تُعرف هذه الحالة باسم اعتلال شبكية السكريّ، بالإضافة إلى أنّه من الممكن أنْ يؤدي إلى إعتام عدسة العين أو إصابتها بالزرق. *أضرار القدم: يُتلِف مرض السكريّ الأعصاب في القدمين، ومن الممكن أنْ يُضعف تدفّق الدم إليهما، مما يزيد خطر مضاعفات القدم المختلفة. *الأمراض الجلدية: يجعل مرض السكري الأشخاص أكثر عرضةً لمشاكل الجلد، بما في ذلك الالتهابات البكتيرية والفطرية. *إصابة السمع: تزيد مشاكل السمع عند الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري *مرض الزهايمر: يزيد مرض السكريّ من النوع الثاني خطر الإصابة بمرض الزهايمر. *السكتة الدماغية: لا بدّ من الحفاظ على مستويات طبيعية من ضغط الدم، وجلوكوز الدم، والكولسترول، وذلك لتجنب خطر الإصابة بالسكتة الدماغية. -مضاعفات حادة: ١-التبول المتكرر. ٢-العطش الشديد. ٣-الخمول والنعاس. ٤-الحامضة الكيتونية السكرية. كيف يمكن الوقاية من داء السكري؟ ١-تناول السَلَطات المختلفة. ٢-ممارسة الرياضة وخاصة المشي. ٣-تناول الحبوب الكاملة. ٤-شرب القهوة. ٥-الابتعاد عن التدخين. ٦- تجنب الوجبات السريعة. ٧-المحافظة على الهدوء وتجنب التوتر. تشخيص داء السكري: ١-الأعراض السريرية: كثرة التبول، العطش، الهزال، نقص الوزن، زيادة الشهية، التعب، عدم شفاء الجروح، الالتهابات المتكررة. ٢-مستوى السكر في الدم: تبلغ نسبة السكر الطبيعية في الدم 100ملغ/دل (المجال 70-110 ملغ/دل). ٣-كشف السكر في البول. ٤-اختبار تحمل الغلوكوز الفموي. علاج داء السكري: ١-تحسين النظام الغذائي والنشاط البدني. ٢-خفض مستوى الكلوكوز في الدم عن طريق اخذ الادوية. ٣-الإقلاع عن التدخين. ٤-ضبط المستوى الكلوكوز في الدم. ٥-ضبط مستوى ضغط الدم. ٦-رعاية القدمين. ٧-ضبط مستوى الدهون في الدم (لتنظيم مستويات الكولسترول).

اخرى
منذ 3 سنوات
448

الطفولة البريئة وتهديدات الاستخدام غير المبرمج للإنترنيت

حوار: حنان الزيرجاوي عالمُ الطفولة.. حيثُ البراءة والصفاء، ونقاء التخيلات، والأحلام الرائعة، إنَّه ذلك العالم الملكوتي الموشَّح بالغفلة والعفوية واللعب، وأولى محطات الانطلاق إلى الحياة الفسيحة. هم فلذاتُ الأكباد، وريحانةُ الحياة، وزهورُ العمر، وبلسمُ الجروح، أنَّهم كنزُ الإنسانية ومستقبلها، فعلينا أنْ نعمل على إعدادهم إعدادًا مناسبًا يتناسب مع حجم المسؤوليات المستقبلية التي ستُلقى على عاتقهم، كونهم بناةَ المستقبل. لذا كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور إبراهيم صفاء الصائغ / اختصاص الطب النفسي ومدير مكتب الصحة النفسية دائرة صحة ذي قار، فكان معه هذا الحوار: ــ هل إنَّ تأثير الشبكة العنكبوتية على الطفل مشابهٌ لتأثير التلفزيون؟ ــ الشبكةُ العنكبوتية تؤثر سلبيًا أكثر من التلفزيون؛ والسبب هو تنوع المواضيع المطروحة وغزارة الأفكار اليت يكون معظمها غير متلائم مع عمر الطفل، وقد تمَّ وضعها بالشبكة للفائدة التجارية والإعلامية، وتكون الأفكار المطروحة غير خاضعةٍ للرقابة وتحملُ بعضها طابعًا غير إنسانيٍّ أو عنيفاً أو إيحائياً. وكثرةُ وغزارةُ المواضيع في الشبكة يُسببُ حملًا فكريًا ونفسيًا وعاطفيًا على الطفل قد لا يتحمله، وبالتالي يُسبب الإجهاد والملل. أما التلفزيون فتكون مواضيعه مُنتقاة وأكثر هدوءًا ولا تحملُ غزارةً بالمواضيع، كما وإنَّ التلفزيون يكون معظم الأحيان بمشاركة الأبوين على عكس الشبكة التي يستطيع الطفل الدخول فيها والتجول خلالها خِلسةً. ــ هل أُجريتْ بعض البحوث التي أظهرت أنَّ التلفزيون لا تأثير سلبياً له مثلًا؟ أو ماذا؟ ــ ليس لديَّ معلومةٌ حول وجودِ بحوثٍ من عدم وجودها، لكن بالنسبةِ لأيةِ حالةٍ جديدةٍ يتمُّ عرضُها على المجتمع سيتمُّ مواجهتها باستغراب وانتقاد، وهذا ما حدث للتلفزيون سابقًا، ثم تبين أنَّ للتلفزيون فوائدَ كثيرةً منها نقلُ الأخبار، ومعرفةُ الطقس، ومشاهدةُ البرامج الترفيهية والمسلسلات والأفلام الهادفة. أما بالنسبة للإنترنت فلم يتم التخوّف منه وانتقاده في بادئ الأمر، وكان الجميعُ يتمنى وجوده في العراق، ولكن بعد سبع عشرة سنة من استخدامه في العراق بدأت تظهر الكثير من الانتقادات والتخوّفات من ظهور مشاكل على مستوى الأطفال من ناحية تغيُّر السلوكيات والأفكار وأساليب الحياة، وهناك أصواتٌ كثيرةٌ تتعالى لرفضه، علمًا أنّ الكثيرَ من الناس بدأوا يعتادون عليه. ــ من أشهر المقولات المعروفة: إنَّ الطفل يتعلّمُ عن طريق اللعب، كيف يتعلّم الطفل الآن مع غياب الطريقة الكلاسيكية للعب؟ هل تكفي الألعاب الإلكترونية للتعلّم وتغني عن اللعب مع الأطفال في الواقع؟ ــ بالضبط، كلامٌ غايةٌ في الدقة والأهمية، إنَّ اللعب على الكومبيوتر يكون وكأن الطفل يلعبُ مع شيءٍ جامدٍ مُعَدٍ مُسبقًا ومُبرمجٍ للعب، ولا يعكسُ تعابيرَ بشريةً أو ردودًا بريئةً. على خلاف اللعب مع الأطفال الذي يُساعد الطفلَ بدخول تجربةٍ فريدةٍ من حيثُ الاحتكاك جسديًا، ومعرفة قابلياته الجسدية، وحدوده الأدبية والأخلاقية باللعب، فإذا تخاصم الطفلان مثلًا سيتعلمان أنَّهما يجبُ أنْ يتصالحا ويكونا على علاقةِ صداقةٍ واحترامٍ لبعضهما، هذه العلاقة قد تمتدُّ لعشراتِ السنين وعلى ضوئها ستتحدد وسائل العيش، وتنفيذ الخطط المُلائمة مستقبلًا، يحدثُ كلُّ ذلك من خلال تكوين العلاقات الطبيعية مع سائر الأطفال والتي لا تحدثُ إلا عند اللعب الجسدي والواقعي اليومي. ــ هل تُعدُّ باقي الأجهزة الإلكترونية المُعَّدة للألعاب مثل الأتاري سابقًا أو (البلي ستيشن) حاليًا أو غيرها من الأجهزة متساويةً من حيث الضرر على الطفل مع ألعاب الإنترنت؟ -كلا بالطبع، فالجهاز المُخصص للعب فقط، مثل (البلي) يكون ضرره أقل؛ لأنّه يُتيح ألعابًا أقل، ومن الممكن أنْ يملَّ منها الطفل بعد فترةٍ قصيرةٍ. أما ألعاب النت فلا حصر لها، وهي تُتيح للطفل تنوعًا، وهذا التنوع هو منبع الخطورة في حال لم تتم مراقبة الطفل. ــ هل لاحظتم في الآونة الاخيرة من خلال تخصصكم النفسي كثرة انتشار الأمراض النفسية لدى الاطفال؟ وما هو السبب برأيكم؟ ــ نعم، هناك زيادةٌ بإصابة الأطفال بهذه الأمراض والأسبابُ كثيرةٌ، منها تعطيلُ المدارس، ابتعادُ الأبوين جسديًا ومعنويًا عن أطفالهما، والخلافات والمجادلات بين الأبوين، وانفصالهما، والأحداث الأخيرة وما سبّبته من فقدان الأمن.. حيثُ يحسُّ الأطفال بعدم الأمان عند سماع الإطلاقات النارية. ــ هناك الكثير من الدراسات والأبحاث توضحُ أنَّ الإنترنت سببٌ في إظهار أمراضٍ كثيرةٍ منها العزلة؟ كيف يُمكن مواجهة هذه الأمراض, ومن المسؤول عنها؟ ــ بالتأكيد الإنترنت وسيلةٌ فعّالة لجذب الأنظار وسرقة الوقت، وبإمكان الشخص قضاء ساعاتٍ على النت من دون الإحساس بالوقت، وهذا ما يُسبب له العزلة عن المجتمع والأصدقاء. وبما أنَّ تطور العلاقات والمهارات الاجتماعية متوقفٌ على قضاء أوقاتٍ يومية مع المجتمع وباستمرار، فيمكن علاج العزلة باستئناف الاحتكاك بالمجتمع بشكلٍ يومي. ــ يُلاحَظ أنَّ المواقع الإلكترونية التي تستهدف فئة المراهقين يفوق عددها المواقع الموجهة لسائر الفئات العمرية الأكبر سنًا، لماذا؟ ــ إنَّ المواقع الشبكية تستهدف فئة الشباب؛ وذلك بسبب حماستهم وانجذابهم للتكنولوجيا، ولا نلاحظ هذا الولع أو الاهتمام بالتكنولوجيا لدى كبار السن، علاوةً على أنَّ هناك وقتًا طويلًا وفراغًا كبيرًا لدى الشباب فيُساعدهم في أنْ يقضوه بالتصفح، على خلاف كبار السن الذين ربما لا يجدون ذلك الفراغ؛ بسبب انشغالهم بمواجهة مصاعب الحياة. ــ هناك جوانب سلبية على استخدام الأطفال للأجهزة الذكية, كيف يُمكن مواجهتها وجعلها جوانبَ إيجابيةً للأطفال؟ ــ يتمُّ ذلك عبر تقنين استخدام النت، كاتفاق الوالدين مع الأطفال على البرامج المسموح لهم بمتابعتها، وتحديد الأوقات المسموح لهم للقيام خلالها ذلك. ــ من أبرز ما استجدَّ من مشكلاتِ العصر بدخول الإنترنت هو طمس الكثير من العادات الاجتماعية كالتواصل مع الأصدقاء والأقارب والأهل، حيثُ اقتصر التواصل معهم عبر الشبكةِ العنكبوتية؟ كيف يُمكن معالجة هذه المشكلة؟ ــ هناك ثورةٌ من داخلِ نفوس الناس على الإنترنت ومشاكله، إذْ أصبح الكثير منهم على وعيٍ تام أنَّ النت ووسائل التواصل الاجتماعي قد جعلت منهم مُدمنين على استخدامها وفي نفس الوقت مُنزعجين منها. وهناك نداءاتٌ من الكثيرين بضرورة تقليل عدد ساعات الانشغال بالنت وغلقِ الهاتف الذكي، وترك استخدامه ولو لبعض الوقت؛ لأنَّ الإنسان بحاجةٍ إلى النظر إلى المجتمع بعينه الخاصة وليس بعين الفيس أو الواتس اب! ــ ماهي طبيعة الأخطار المترتبة على المراهقين بسبب انجذابهم إلى بعض الألعاب وارتيادهم المواقع التي لا تراعي الجانب الأخلاقي؟ ــ في كلِّ دولِ العالم هناك مخاطر ومخاوفُ من استغلال الأطفال والمراهقين من خلال استغلال رغباتهم واندفاعهم وقلّة وعيهم، فنسمع قصصًا كثيرةً عن الابتزاز والاستغلال الجنسي والمادي. ولعلَّ المشكلة الأكبر تكمن في أنَّ الأبوين لا يعيان حجم هذه الخطورة إلا بعد فوات الأوان، وعليه فلا بُدَّ من تنمية وعي الأبوين قبل وعي الأبناء. ومن ضمن هذه المخاطر هي جعل عقل المراهق أسيرًا لفكرة الألعاب الحربية، مما يدفعه ذلك لتطبيق هذه الأساليب غير المدنية ضد المجتمع. ــ يتم في مواقع التواصل الاجتماعي تداول مجموعة من المخاطر التي تُصيب الأطفال جرّاء استخدامهم المُفرط للإنترنت، ومنها على سبيل المثال: أولًا: التوحد؟ ــ هذا غيرُ صحيح، فمرض التوحد مرضٌ يكونُ مع الطفل منذ نشأته، ويظهرُ بعد عمر السنتين. نعم، يُسببُ الإنترنت زيادةَ شدة هذا المرض إذا كان موجودًا بالأصل، ولكن لا يسبب المرض نفسه. ــ ثانيا: التنمر؟ ــ نعم، من الممكن جدًا أنْ يُسبب التنمر، فالنت يشمل الفيس والمجموعات ومقاطع الفيديو التي تحمل بتفاصيلها إيماءاتٍ وإيحاءاتٍ بالعنف والتنمر، فيتصوّر المراهق بأنَّ الدنيا كلها أصبحت عنيفة، وأنَّ العنف واستغلال الآخرين أصبح أسلوبَ حياةٍ يومي عليه أنْ يختبره ويجربه ويطبقه. ــ تتعالى الأصوات والنصائح بمخاطر الإنترنيت على الأطفال، ويتمُّ ذكر عدد من الأمراض النفسية التي يُسببها إدمان الطفل على الألعاب الإلكترونية وشبكة الإنترنيت، ما هو رأيكم بذلك؟ وماهي أغلب تلك الأمراض؟ وبماذا تنصحون الآباء؟ ــ نعم، إدمان استخدام النت واردٌ جدًا عندما يُترك الطفل من دون رقابة، ومن دون تحديد وقتٍ معينٍ للاستخدام. وهناك عدةُ مشاكلَ تحصل للطفل منها: * تعلم التمرُد على الأبوين وعلى الكادر التدريسي. * فقدان الإحساس بجمال الحياة. * الابتعاد عن التواصل الاجتماعي. * الإحساس بالملل. * التعرض للابتزاز وما يُخلِّفه من صدماتٍ نفسية. * الاطلاع على أمورٍ قد تكون غير ملائمة للطفل، وأخرى غيرها. ــ أخيرًا، كيف يُمكننا حماية أجيالنا الجديدة من خطر الأفكار الشاذة التي تروج لها بعض المواقع الإلكترونية؟ ــ يتم ذلك من خلال الرقابة اللصيقة لاستخدام الطفل للنت، ومتابعته وتوجيهه باستمرار وعدم تركه وحيدًا طوال الوقت، وتعليمه مبادئ الاستخدام الصحيح قبل أنْ يستخدمه، وتحديد موعدٍ ووقتٍ للاستخدام، وتحديد الموضوعات المسموح بتصفحها عبر النت، وتربية الطفل منذ الصغر على الصراحة، وعدم الكذب والالتزام بالمبادئ والأخلاقيات العامة.

اخرى
منذ 4 سنوات
344

خاطرة

كم نحكم على أُناس من أول نظرة؟ هذا غير متعلم! وتلك امرأة مُسنة، ليس لنا حاجة بمرافقتهم! لكن في الحقيقة... وعند مجالستهم... فإنّ الحكمة تنطق بها أفواههم، والأمل ينبعث من أجسادهم.. ذلك لأن قلوبهم نقية مورقة.. ذكر الله تعالى لا يفارق شفاههم.. تلك القلوب هي التي تدعونا لنتعامل معها، #فتأمل

اخرى
منذ 3 سنوات
298

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70374

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51482

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41488

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36066

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32883

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32262