نحن مقبلون على شهر ذي الحجة الذي هو من الأشهر الحرم وهو شهر الحج ومنه جاءت التسمية بذي الحجة؛ لوقوع أعمال ومناسك الحج الفعلية فيه، مما يعني أن النفحات القدسية والبركات الربانية والثمرات المادية والمعنوية الناشئة بسبب الحج إنما تكون في هذا الشهر المبارك بدءً من الأيام المعلومات وانتهاءً بباقي الأيام المباركة في هذا الشهر كيوم التروية ويوم عرفة وعيد الأضحى ويوم الغدير...ولا يخفى على القاريء الكريم ما للحج من أسرار وآثار وفوائد .... ما اريد أن اسلط الضوء عليه هنا أنه ليس كل الناس موفقين لأداء مناسك الحج الفعلية، فمن غير المعقول أن يترك الله تعالى باقي المؤمنين غير الذاهبين للحج ولا يشملهم بألطافه وعفوه ورحمته التي وسعت كل شيء. لذلك فإنني أوجه كلامي الى الآلاف الذين لم يوفقوا للحج الفعلي في هذه السنة ــ وأنا أحدهم ــ أن نحاول التشبه معنوياً بالحاج، فما أحسن أن نحج لله (تعالى) حجة معنوية خالصة له (جل وعلا)، وذلك بأن نستحضر معاني بما يناسب من قبيل: إذا دخلت أول ليلة من ذي الحجة ننوي الاستعداد للدخول في شهر مبارك مليء بالأعمال المستحبة ونقبل على الله في سفرٍ زاده التقوى ومتاعه الطاعة، وهذه هي النية.. ثم نغتسل بنية الإغتسال من الخطايا والذنوب، والتطهر من الهفوات والعيوب، إستعداداً الى حضرة علام الغيوب. كما ننوي التنظف بنور التوبة الخالصة لله (عز وجل) وأن نُريق على انفسنا ماء الإستغفار والتوبة، وأن نعتبر عند كل فعل وننوي بذلك القربة من المحبوب الحقيقي. ثم نحرم ناوين أن نحرِّم على أنفسنا الذنوب والمعاصي وأن نخلع ثياب الدنيا المتلوثة وأن نتجرد من ملابس الرياء والأنانية والنفاق ومزالق الشبهات، وأن نرتدي ثياب الآخرة من تواضع وعفة وحياء وإستحضار الوقوف بين يدي الله (عز وجل)، ومن المفترض أن نحافظ على هذا النقاء طيلة أيام الحج كي نحافظ على تلك السمات الملكوتية في حضرة المعبود المحبوب، وليكتبنا الله (تعالى) في حجّاجه مفلحين منجحين مغفوري الذنب متقبلي العمل، فمن أحب عمل قوم أشركَ في عملهم. ثم نصلي ركعتين لله (تعالى) ننوي بها التقرب الى الله (تعالى) بأحب الأعمال إليه وأوفر الحسنات لديه (فالصلاة معراج المؤمن وقربان كل تقي) ثم نقول بصدق ونلبي (لبيك اللهم لبيك) وننوي عند التلبية التعرض والظهور للخالق (عز وجل)، وأن نؤدي حق هذه التلبية، فقد ورد عن أحد المعصومين (عليهم السلام) أنه كان يقول: اخشى أنني لو قلت (لبيك اللهم لبيك) أجابني ربي لا لبيك ولا سعديك. وإذا عقدنا حجنا المعنوي بالتلبية فقد عقدنا العهد مع الله (عزوجل) ووجب علينا أن نحلَّ كل عقدٍ لا يرضى به الله. ونستمر على ذلك، فمع الله (تعالى) تكون السعادة، ومعه (سبحانه) يتحقق الأمان والإطمئنان، ومعه وحده يكون كل عسرٍ يسراً... فإذا جاء يوم عرفة إعترفنا بتقصيرنا وبخطايانا وذنوبنا أمام الله (جل وعلا)، وإعترفنا بعبوديتنا للخالق (عزوجل) والإمتنان له على كل النعم والألطاف التي منَّ بها علينا. ولنحاول ما أمكننا أن نقصد زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة، فقد ورد في الحديث:"إن الله (تعالى) ينظر الى زوار قبر الحسين (عليه السلام) نظر الرحمة يوم عرفة قبل نظره الى أهل عرفات"، ولندعُ دعاء عرفة فإن الأصل في هذا اليوم الدعاء، أما الصوم فهو لمن لا يضعف عن الدعاء. ولنذبح أضحية مع الإمكان في يوم العيد ناوين بذلك القرب من الله (عزوجل). وبحلق الرأس ننزع عن رؤوسنا وساوس الشيطان وأفكار السوء وأثقال الدنيا وهمومها الفارغة... وبالطواف والسعي نسعي ونطوف على أرحامنا وأهلنا وذوينا وفقرائنا ومساكيننا، وأن نُعيد لكل ذي حق حقه وكل بحسبه.. ولندعُ الله كل آن بما نحب ونرجو فإنه (تعالى) يقول: "قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ"(1)، وهكذا يمكن أن نتصور عدة معانٍ لطيفة بأزاء كل منسك من مناسك الحج.. علي جابر الهلالي . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الفرقان 77
اخرى