بقلم: خادمة الزهراء (عليها السلام) كان هذا سؤال أُستاذة الأخلاق في الحوزة العلمية لطالباتها... هل تعرفين نفسك؟! وعرضت السؤال نفسه على كل واحدة من الطالبات، وكُل واحدة منهن أجابت بما يجول في خاطرها، وأنا بقيت متحيرة من هذا السؤال، بماذا سأُجيب؟ إلى أن حان دوري فسألتني، هل تعرفين نفسك؟! بالرغم من كونه جملة واحدة وكلماته قليلة ولكن المعنى كبير وعميق جدًا... فلو استطعنا أن نعرف قدر أنفسنا لما أصابنا العُجب والتكبر والرياء وحب الذات والأنا… فقلت لها: إننا لو أحطنا بالمساوئ المترتبة على ذنوبنا وقُبّحها وأحطنا ببواطن الأمور وبالآثار المترتبة عليها إحاطة كاملة لعرفنا حقيقة أنفسنا... ولكن لم تكن الإجابة وافية وشافية فرجعت إلى البيت وأنا أُفكر في هذا السؤال وبقيت أُفكر وأسألُ نفسي: من أنا؟ ومن أكون؟ وعدة اسئلة خطرت في ذهني من هذا السؤال... وتذكرت جواب إحدى الأخوات التي أجابت بالآية القرآنية (إن الانسان على نفسه بصيرة)... ولكن هل أنا صاحبة بصيرة حتى أتوصل إلى معرفة نفسي؟ نظرت إلى يدي وقلبتها، قلت: إن هذا ظاهر يدي والماديات التي تحتها لا يمكنني معرفتها... لحم وعظم ودم وملايين كريات دم حمراء وبيضاء تحتها لا يمكنني الإحاطة بها ورؤيتها، وهذه أمور مادية فكيف بالأمور الباطنية؟! روح ونفس وفكر وغيرها... وبعد التأمل في الآيات القرآنية وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ورواياتهم وصلت إلى نتيجة وهي: أن الإنسان كلما تأمل بعظمة خلق الله تعالى، عَظُمَ الخالق في نفسه، وكلما عَظم الخالق استصغر نفسه وذللها لخالقه، وكلما عرف رحمته مع جبروته وقدرته وسخطه مع لطفه وكرمه، وكلما جاهد نفسه لرضا معشوقه وهام به حبًّا استصغر نفسه، وكلما استصغر نفسه وذللها أمامه فتح الله بصيرته وعرفه نفسه ورفع مقامه بين الناس وجعله من عباده الصالحين، قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). وعليه فالعاقل يتأمل في عظمة خلق الله تعالى ليستدل على وجود الله تعالى فيفتح الله تعالى بصيرته لمعرفة الله تعالى، ومنها يستطيع معرفة نفسه. نجد في سيرة الأنبياء والأئمة والصالحين (عليهم السلام) أنهم عندما يتوجهون لعبادة الله تعالى فإنهم يتذللون أمامه، هذا لأنهم عرفوا من يعبدون، لذلك استحقروا أنفسهم في حضرته، وكل من عظم الخالق في نفسه عرف قدر نفسه، وكما ينسب للإمام علي (عليه السلام): دواؤك فيــك ومــا تشـــــعـــر***وداؤك منـــك فـــــلا تبصـــر أتـــزعــم أنــك جــرم صغـيــر***و فيــك انطوى العـالـــم الأكـــبر.
اخرىبقلم: خادمة الزهراء تَعلمتُ مِن زينب أنَّ صوتَ الحقِ لا يُخمد مهما استبدّ الاستكبار في طغيانه، وعَلا صوته وجال وصال وعاثَ في الأرضِ الفساد.. وتَعلمتُ مِن زينب أنَّ الكلمة في بعض الأحيان تكون أحدَّ مِن صَليلِ السيوف.. كما عَلَمَتني أنَّ نُصرَةَ الدَّين وإمام الزمان لَيست حِكرًا على الرجالِ، فرُبَّ امرأةٍ تقودُ ثورةً خَيرٌ مِن ألفِ رَجُل.. وَعَلَمَتْني أنَّ كُلَّ غالٍ ونَفيسٍ يَرخُصُ لِأجلِ إِعلاءِ كَلِمَةِ اللهِ (تعالى) ونُصرَةِ الدِّين وإِمامِ الزَمان (عجّل الله فرجه).. وأنَّ النَّفس والمالَّ والجاهَ والأولاد هُم مِن اللهِ تعالى وإِلى الله تعالى وإِنَّها تَرخُصُ لِأجلِ المبادئ السامية.. وأنَّ الصَّبرَ جميلٌ إِذا كانَ لله (جلّ شأنه)، فَالمُؤمِنُ الرسالي مَهما اشتدَ عليهِ البلاء، وضاق صَدرُه لا يمنَعُه حزنه من إيصال رسالته، ولا تحول المآسي التي تمر عليه دون تحقيق أهدافه، فهو مَعَ اللهِ تعالى والله تعالى مَعه، كيف لا، وقد قال أصدق القائلين: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ))(البقرة آية٥٣).. وكانت السيدة (سلام الله عليها) خَير مِصداقٍ لِهذِهِ الآية؛ إذ استعانت بالصبر حتى عجز الوصف والكلام عن صبرها، وحَيَّر كُنهَ العقول صُمودُها، واستعانَت بِالصَلاةِ فلم تترك حتى صلاة الليل المُستحبة في أصعب ليلةٍ تمرُّ عليه مع كُلِّ ماحَلّت بِها من رزايا عَظيمة، من فَقدٍ لِلأهلِ مِنَ الإِخوَةِ وَالأولادِ وبالأخص رزية فقد إمام زمانها شَريكِ روحها ورفيق دَربِها سِبطِ رَسولِ الله (صلى الله عليه وآله) الإمامِ الحُسين (عليه السلام).. نعم، لَقَدِ استَعانَت بِالصَبرِ والصَلاةِ فكان الله تعالى معها؛ لأن الله مع الصابرين... وتَعَلَمتُ مِن الصديقة زَينَب (عليها السلام) أنَّ حِجابَ المرأةِ وسترها وعفافها قضيةٌ رَسَخ الإسلام مَفهومَها، فلا قيمة لإيمانِ امرأة بلا عفاف وحِجاب.. وقد رَسَمت العقيلة زَينَب(سلام الله عليها) خَطًا واضِحًا لِمَن أَرادَتِ الاقتداءَ بِها مِنَ النِساء لِمَن تُريدُ أنْ تَكُونَ امرأةً ناجِحَةً وَتُريدُ الفوز بسعادة الدارين، وتُريدُ أنْ تَكُونَ في المَحل الذي اختارهُ الله لَها.. فَالمرأةُ في الوقتِ الذي يَتَطلبُ مِنها أَن تَكونَ فيهِ في البيتِ؛ لتؤدي رِسالتَها داخِلَ اُسرَتَها، إذ إنّها هي البِنتُ وَالزوجةُ والأُختُ والأمُ الصالِحة، فإنَّها لابُدَّ أن تؤدي وظيفتها الدينية وتنصر إمام زمانها (عليه السلام) في الميدان الذي يناسبها أو الذي تقتضيه ظروفها، فللمرأة دورٌ مهم في نشر الرسالة الإسلامية وفي تصحيح مسارها وفي المساهمة في استمرارها، وقد صدق المثل المعروف (وراء كلّ رجلٍ عظيم امرأة)، فكان للسيدة خديجة (عليها السلام) دورٌ فاعل في مساندة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولسيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) دورٌ فاعل في مساندة الإمام علي (عليه السلام) والدفاع عن إمامته، ولعقيلة الهاشميين زينب (عليها السلام) دورٌ فاعل في مساندة الإمام الحسين (عليه السلام) وفي إكمال مسيرته...
اخرىبقلم: خادمة الزهراء إن مكونات الشخصية الإنسانية تتكون من ثلاثة عوامل طبيعية: ١- الوراثة ٢- البيئة والمحيط ٣- الثقافة والتعليم وكل إنسان ينشأ على هذه الأمور الثلاثة فتتكون شخصيته، وأمير المؤمنين علي(عليه السلام) تكونت شخصيته من هذه الأبعاد الثلاثة... فإذا تحدثنا عن عامل الوراثة نجده ابن زعيم بني هاشم، وسيد البطحاء أبي طالب، من السباقين للإسلام والإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله) ودين الإسلام، وعرف في زمن الجاهلية باتباعه لدين إبراهيم الخليل موحدًا حنيفًا وما كان من المشركين، كما عرف بنبله وكرمه ورفيع أخلاقه. وأمه الطاهرة التي عرفت بإيمانها وتقواها وعفتها، حتى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قمصها بقميصه عند وفاتها وقال عنها: (أمي). وإن أردنا الحديث عن (البيئة والمحيط والثقافة والتعليم) فيكفينا القول بأنه تربى بين أحضان أشرف خلق الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وتتلمذ على يديه منذ طفولته إلى حين رحيله عن دار الدنيا... كما أن لأولياء الله تعالى بعدًا رابعًا تميّزوا به وهو (البعد المعنوي أو ما نعبر عنه بالبعد الروحي) وهذا البعد أشارت له الآية القرآنية: ((قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً)). فقوله تعالى (بشراً): إشارة إلى الأبعاد الطبيعية الثلاثة في الإنسان العادي وقوله تعالى (رسولا): إشارة إلى ذلك البعد الرابع وهو (البعد المعنوي) الذي ميز الله تعالى به انبياءه وأوصيائهم، ولعله لهذه الأبعاد الأربعة تميز علي (عليه السلام) بمناقب اختص بها ولم يشاركه فيها أحد، وإنّ القلم ليجف حبره، والعقل ليعجز عن إدراك كنهه، واللسان يبقى متحيرًا في اختيار الكلمات المستوفية لحق وصفه، من هو ذلك الرجل الذي أبهر عقول العالمين؟ حتى أنّ أعداءه ومن لا يدين بدين الإسلام شهدوا بفضائله... هذا الرجل الذي قال فيه عمر بن الخطاب: "عقمت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب" وقال فيه الكاتب المسيحي المعروف (جورج جرداق) "وماذا عليكِ يا دنيا لو اعطيتِ في كل زمان علياً بعقله وقلبه ولسانه وذي لفقاره" إنه علي بن أبي طالب، علي الذي لم يكرره الزمان مرتين، علي الذي تفرد في مناقبه، ذلك الرجل الذي تجلت قدرة الخالق في خلقه، وتجمعت فيه الفضائل كلها، وماذا أقول في وصف رجل ولد في أطهر بقعة من الأرض، ويحج إليها الناس ويقصدونها من كل فج عميق، نعم لقد ولد في البيت الإلهي، البيت الذي يرمز لتوحيد الله تعالى وكانت مشيئة الباري (جل وعلا) أن يولد سيد الموحدين في بيت توحيده، ليس هذا فحسب بل وكانت شهادته في بيت الله تعالى أيضًا، ورحل افضل رحيل عن الدنيا في أشرف قتلة، إنها الشهادة في سبيل الله، وفي بيت الله تعالى، وفي شهر الله وفي أشرف موضع يحب الله أن يرى فيه عبده (محراب الصلاة) وفي أفضل حال (حال الصلاة) لينطق بكلمة لم يرددها غيره على مر التاريخ ليتميز بها كعادته (فزتُ ورب الكعبة)، لينعاه جبرائيل في السماء بصوت ضجت له ملائكة السماوات وسكان الأرض (تهدمت والله أركان الهدى).
اخرى