Profile Image

علوية فاطمية حسينية مهدوية

همساتُ الأرز (الحلقة الأولى)

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية في صباحِ يومِ الاثنينِ، في الساعة العاشرة صباحًا، كنتُ حائرةً ماذا أطهو من الطعام للغداء، فكّرتُ مليًا، ثم التفتُّ فوقعَ نظري على كيس الأرز، أتصدقون شيئًا، أحسستُ أنّ الأرز يُكلِّمُني ويترجاني أنْ اقتربَ منه لأكلِّمه، فلم يكنْ بي إلا أنْ رضختُ لطلبه فجلبتُ إناءً وأخذتُ حفنةً منه؛ لأبدأ بتنظيفِه حبةً حبة. لكنّي اليومَ لم أشعرْ بالضجر أو الملل من تنظيفِه، كانتِ الأجواءُ جميلةً برفقتهِ، فقد كُنّا نتكلمُ سويًا، ونبثُّ شكوانا، ونُحلِّلُ الأمورَ بدقةٍ متناهيةٍ لنصلَ إلى الحلِّ بكلِّ هدوء. وبينما أنا على هذه الحالة وإذا بي أسترجعُ شريطَ حياتي برفقةِ العائلةِ الكريمة، تذكّرتُ مواقفَ أمّي وأبي، وكيف كانوا يعاملونَ الناسَ برحمةٍ وإنسانيةٍ، وكم كنتُ مشاغبةً في صغري، لكن لم ينمُ العداءُ في قلبي، بل ظلّتْ أمّي تنصحني من جانبٍ، وأبي من جانبٍ آخر حتى أشعرَ بالندمِ على ما اقترفت. كان غذائي الحُبَّ والتعاونَ، لم تكنْ تعليماتُهم مجردَ كلماتٍ بل كانوا يُطبقونها أمامَنا تارةً وخلفَنا تارةً أخرى، وكُنّا نسمعُ عنهما كلَّ جميل. كان نُصحُهم لنا بسلوكٍ عمليٍ أكثر مما هو كلامٌ نظري، حين يرون من يحتاج إلى العونِ كانوا سبّاقين لتقديم المساعدة، ومن وقعَ بشدّةٍ هم أولُ من يُنقذه, يواسونَ المحزون ويخففون عنه حزنه، وينفسون عن المكروب كربه. لقد كان بيتُنا محطَّ رحالِ الفقير والمحتاج، كانتِ الطيبةُ والإيمانُ يشعّان منه، فلم تقُلْ لي أمّي اقرئي دعاءً أو قرآنًا، بل رأيتُ دموعَها تنهمرُ وهي على سجادةِ الصلاة مُردِّدةً إلهي كيف أصبِرُ على فراقك، إلهي من لي غيرك. ولعشقِ مناجاةِ محبوبِها كانت تستيقظُ في ظلمِ الليالي لمناجاته والتكلم معه، كان حُسنُ ظنِّها بالمعبودِ الأوحد والتوكّل عليه في كلِّ أمورِها ديدنها. لم تسأمْ من نثرِ الحُبِّ والوئام، كأنّها نسمةُ هواءٍ لطيفةٍ، لم تخدعْ، ولم تغدرْ، وكذا كان السيّدُ الوالد.. كنتُ أرى رأفتهم وإحسانهم، وبالمقابلِ لم أرَ ردَّ جميلِهم إلا بنكرانه، لكن قلوبهم لم تقسُ وظلتْ تُردِّدُ: نحنُ نفعل لله، لا نريدُ جزاءً ولا شكورًا، كما كان يُردِّدُ عليٌّ (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) ... ما أجملَ ذاكَ البيتُ وأحلاه، كان يشعُّ بالنورِ المُستمَدِّ من نورِ بيتِ آلِ محمدٍ (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، ويُضيءُ لأهلِ السماء كما تُضيءُ النجومُ لأهل الأرض. فصرتُ أنا القمرُ المنيرُ في العُتمةِ بعدما اكتسبتُ أفضلَ الصفاتِ وأحلاها من أُمّي وأبي، وأصبحتُ بفضلِهم شخصًا سويًا، لا أعاني من أمراضٍ نفسيةٍ أو أخلاقيةٍ أو سلوكيةٍ، بل إنسانٌ مستقرٌ احترمُ الغيرَ وأعيشُ مع الناس كالوردِ الذي ينثرُ عطرَه أينما حلَّ ويُجمِّلُ المكان، ومع كلِّ ميلانٍ بين النسيم أردِّدُ: يا مهدي!. بعد كلِّ هذهِ الذكرياتِ الجميلة أدركتُ أنَّ الإقدامَ على الزواجِ ليس أمرًا سهلًا أبدًا قبل اختيارِ الشريكِ والبحث في الصفاتِ الجيّدةِ، كما لابُدَّ أنْ التفتُ لنفسي أولًا وأراقبَ سلوكياتي وأصححها، ومن ثم افكرُ لاختيار الأنيس. فالولدُ الصالحُ المطيعُ من يسعدُ مهدي روحي، لا ينشأ أو يتربى في الشارع والمدرسة، بل يتربّى بحجري وحجرِ رفيقِ الدرب، ومن خلالِ صفاتي وسلوكياتي سينشأ ويتغذّى على الصلاح والفلاح. إنْ أردتُ أنْ أعلّمَه على الصلاة فلابُدَّ لي أنْ أتذوقَ لذّةَ الأنسِ وأحِبُّ الكلامَ مع الطبيب، وحين يقتربُ موعدُ الأذانِ أتركُ كلَّ شيءٍ وأهرولُ للقاءِ المعشوق، وأبين لهم مدى حبي وشوقي للصلاة ومخاطبةً إلهي الحبيب، لابُدّ أنْ أعكسَ روحيةَ العبادةِ وأجعلهم يعيشون في جوٍ إيمانيِ ينبضُ بالحبِّ. إذنْ لابُدّ من التطبيقِ بحُبٍّ وشوقٍ، كي يقتنعَ الأبناءُ فيعبدون الله (تعالى) بحُبٍّ دون ضغطٍ أو تهديد، وليصدقوا بأنَّ أباهم هائمٌ بربِّ الوجودِ ولا يبتغي إلا رضاه والقرب منه، وأنّ صلاته قد قُبِلَت من المعبود؛ لأنّه قد صلّى بنيةٍ خالصةٍ لوجهِ الله (سبحانه)، والدليلُ على ذلك هو انعكاسها على أفعاله وتصرفاته، أ فليست الصلاةُ تنهى عن الفحشاء والمنكر؟! وكذا صلاتي تدلُّ على قبولها سيرتي الحسنة، فيفتخر بي أبنائي. وسأصِرُّ على بناءِ النفس، والاستزادةِ من العلمِ والمعرفةِ وأطوّرَ قدراتي، وأقرأ أنواع الكتب، ومن ضمنِها الخاصةُ بالأسرةِ وتربيةِ الأبناء؛ لأكونَ على قدر المسؤولية، وأحافظُ على الأمانةِ التي أعطيت لي من قبلِ الله (سبحانه وتعالى)، وشرّفني بها. ورحتُ أتأملُ بأبوّةِ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأميري علي (عليه السلام)، وكيفَ أنّهما ربّيا الناس وأنقذوهما من الضلالة، فها هما أبوا هذه الأمة قد نشرا الإسلام ورفعا راية( لا إله إلا الله) عاليًا رغم إحاطتهما بقلوبٍ قاسيةٍ أشدُّ قسوةً من الحجارة. فكيف لا أستطيعُ رفعَ الرايةِ عاليًا في بيتي وأنا أتعاملُ مع قلوبٍ رقيقة لم تُلوَّثْ بعدُ بالأرجاس؟! لا. .. يُمكنني ذلك ولكن لابُدَّ من الصبرِ والثباتِ وزيادةِ القرب من الله (تعالى). فالسرُّ في نجاحِ أبوّةِ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأمير علي (عليه السلام) هو طهارةُ النفسِ وسلامةُ القلب، وفعلُ كلَّ شيءٍ من أجله ولأجله.

اخرى
منذ 3 سنوات
287

حكاياتُ الأرز (الحلقة ٢)

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية أمّي أبي يا بلسمَ جراحاتي ... يا من تجسّدتْ بكم كلُّ معاني الرقةِ والإحساس ... يا دفءَ السنين وعطرَ الحياة الجميل ... كلُّ حسنةٍ أُحمَدُ عليها التفتُ إليكما بفخرٍ وأقول: اشكروا هؤلاءِ؛ فلهم الفضلُ في زرعِ كلِّ الخصالِ الحميدة. وكلُّ نقصٍ أو شائبةٍ وجدتموها عندي فهي بسببي أنا؛ فأنا لم أروِّض الأنا جيّدًا. هما قاما بدورهما وأديا ما عليهما، قد يقصرانِ في جانبٍ لاعن قصدٍ، بل عن صدقِ نيّةٍ وبدافعِ الحُبِّ والخوف، كلُّ ما يفعلانه من دلالٍ أو قسوةٍ كانا يظنانِ بأنَّ هذا التصرُّفَ كان لمصلحتي أو لبنائي، لم يفعلا للضررِ بل للنفع. وكم أحسستُ بفضلهما عليَّ ومدى تعبهما معي، كم سهرتْ أمّي الليالي وحرمتْ نفسَها الراحة ونسيتْ احتياجاتها من أجلِ أنْ تُلبّي احتياجاتي وتهتم بي. كم تحمّلَ أبي حرَّ الصيفِ وبرودة الشتاء، وخرج من الصباحِ الباكرِ؛ ليؤمِّنَ لي لقمة العيش. كم وكم تحملّا .... قد أنشآ جانبًا مني وتركا لي الجانب الآخر لأُكمِلَ البناء، فلا تلقوا جُلَّ أخطائكم على آبائكم فمن أنشأكم وأفنى عمره في سبيل راحتكم لا يستحقُّ أنْ تُجافوه و تعقّوه، وإنْ أخطآ بحقِّكم يومًا أو قصرا. ألا يليقُ بكم الآن أنْ تُقبِّلوا أقدامهما وتردوا لهما الجميل؟! لو لم يُقدِّما لكم إلا قُبلةً على الخدِّ ومسحَ دموعِ الحزن من العين؛ ليُشعراكم بالاطمئنان لكفى أنْ تُفنيَ حياتك خادمًا تحت قدميهما. أجرّبْتم يومًا تنظيفَ الأرزِ حبّةً حبّةً، كم كلّفكم ذلك من وقتٍ وجهدٍ، ووجعٍ بالرأسِ والرقبةِ، وألمٍ شديدٍ بالعينين. وهي دقائقُ قليلةٌ وعانيتم كلَّ هذا العناء. فكيف إذن من يُنشئ إنسانًا كاملًا ويسهرُ الليالي والأيام، كم يفقدُ من الصحةِ ويُصابُ بالإعياء؟! فصناعةُ الإنسانِ مُكلِفةٌ وليست بالأمرِ الهيِّن، وتحتاجُ من الوقتِ والجهدِ والصبرِ والتأني والإيمان الكثير. نشأتما رجلًا قادرًا وامرأةً مصونًا لا من هباءٍ منثورٍ، بل بجهدِ هذين الشيخ والشيخة، ولم تكن نشأتكما بالأمرِ السهلِ اليسيرِ كإعدادِ وجبةٍ من الأرز.

اخرى
منذ 3 سنوات
140

حكاياتُ الأرز (الحلقة ٣)

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية للأبِّ دورٌ كبيرٌ في بناءِ الطفلِ وتكامله، كذا للأمِّ دورٌ آخر، كلٌ منهما له دورٌ في حياةِ هذا الطفلِ؛ سواء كان مستقلًا عن الآخر أو مكملًا. ولا يوجدُ من يغفلُ عن هذهِ المعلومةِ أبدًا، لكن يقعُ الكلامُ والخلطُ في التطبيق، فمثلًا يغفلُ الوالدان أو المربون في بعض تصرفاتِهم، مما يؤدي إلى إحداثِ نوعٍ من عدمِ التوازن، وأحيانًا يخلقُ لدى الطفل حالةً من التمرد، والعدوانية، وقد ينطوي على نفسه. فيأتي الوالدان ويشكوان من أبنائهما، ابني لا يسمع الكلام، ابني متمردٌ وعدوانيّ وغيرها من الأمور التي هي بالأساسِ رواسبُ لتصرفاتِهم معه، أو ابنتي لا تُطيعني وتتصرفُ بعصبيةٍ وعنادٍ عندما أكلِّفُها بعملٍ ما قد تجدُ بعضَ الصعوبةِ في تطبيقه، والسببُ في تمرُّدِها قد يكونُ بسببِ تصرفِ الأمِّ أو الأبِّ وردّةِ فعلهم العنيفة تجاه ابنتهما عندما لا تُتقنُ العملَ أو تتلكأُ به، فبدلًا من تشجيعِها ومساعدتها يبدآنِ بالصراخ ونقدها فتتحطمُ معنوياتِها وتتهربُ من أيِّ عملٍ خوفًا من الفشلِ وردِّة الفعل العنيفة. لابُدَّ من العمل على تقويةِ ثقةِ أبنائنا بأنفسهم، والسعي لجعلهم يعتمدون على أنفسهم في أداءِ بعضِ الأعمال، وإنِ احتاجوا إلى مساعدةٍ لا يبخل الآباء في مدِّ يدِ العون لهم دون إشعارهم بالعجز لئلا تهتزّ ثقتهم بأنفسِهم ويتخوّفون من مواجهةِ الواقعِ لوحدهم. ومن الآثار الخطيرة التي يؤديها التهاونُ في هذا الدورِ العظيمِ للوالدين واستخدامه بشكل خاطئ خلقُ روحِ العدوانية وحُبِّ أذية النفس والآخرين. فنلاحظ في المدرسة أو الشارع أو عندَ زيارةِ الأقارب هنالك أطفالٌ يُحبّون أنْ يؤذوا أقرانهم، ويختلقون المشاكل دائمًا، زملاؤهم يشكون منهم، أحدُ الأسبابُ المهمة لهذا السلوك العدواني هو قسوةُ الأهل على هذا الطفل الذي جعلته يكرهُ من حولَه وربما حتى يكره نفسه، وقد يؤدي به الحال إلى أنْ يفكرَ الطفلُ بالهروب من المنزل. ويزداد الأمرُ سوءًا في حال استمرار تعامل الأهل القاسي مع الطفل إلى مرحلة المراهقة، والواقع يُثبتُ ذلك، فقد أخبرتني فتاةٌ بعمر الزهور سرًا، بأنّها تروم الزواج من شخصٍ ما والسفر معه خارج البلاد هروبًا من الأهل وقسوتهم. وكما للقسوة أثرٌ سلبي على الطفل أو المراهق فالدلالُ الزائدُ كذلك، حيثُ ينشأ إنسانًا اتكاليًا، لا يتحملُ المسؤولية، ملولًا ، عديمَ الثقةِ بنفسه ، أنانيًا، وغيرها من الآثار السلبية التي تنتج عن تربية الدلال. فتربيةُ الطفلِ كطبخِ الأرز الذي يحتاج إلى الاعتدال، فلا قلةَ في الماء تتسببُ في نشأته قاسيًا ولا كثرةَ فيه تتسببُ في نشأته ركيكًا، كما لا بُدَّ من الصبر والعناية به ومتابعته؛ بأنْ يُترك على نارٍ هادئة ولفترةٍ من الزمن هي الأخرى ينبغي أن لا تزيد ولا تنقص. ولا تتوقف الآثار السلبية للدلال الزائد أو القسوة المبالغ فيها عند مرحلة المراهقة بل تستمر إلى الزمن البعيد؛ حتى أنَّ معظمَ المشاكل الزوجية، والفشل في قيادة الأسرة إلى برِّ الأمان في كثيرٍ من الأحيان ترجعُ إليها، فيُصبِحَ الشخصُ عصبيًا يدخلُ إلى البيت فيُحيله إلى جحيم، أو قد يجلس بلا عمل ولا يتحمَّل المسؤولية ويرمي بالمسؤوليات كلها على عاتق زوجته. وعليه، فإنَّ الآباء مسؤولون عن بناءِ أجيالٍ كاملة وليس فقط هذا الجيل، وسيتحملون الآثام إنْ هم أساؤوا التربية، فكم من طلاقٍ أو خرابٍ لحق بعض العوائل بسبب سوء تربيتهم. فليدقق الآباء في تربيتهم كما ينبغي لهم الانتباه إلى كلامهم وتصرفاتهم معهم ولا يُقللوا من أهميتها، وقبل أنْ يشكو من الأبناءِ عليهم مراجعة أنفسهم والنظر إلى أخطائهم ومحاولة معالجة ترسباتهم التربوية التي تركت في قلوبهم الصغيرة بعض الغبار.

اخرى
منذ 3 سنوات
213

اقرأ بِصِدْقٍ لِتُبْصِر

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية اقرأ ثم اقرأ.. كُلّما وجدتَ كتابًا فأقرأهُ، وإنْ كنت لا تحتاجُ إلى محتواه الآن، واجعلْ لكَ خزينًا من العلم قد يكونُ معينًا لكَ من الغرقِ في بحرِ السُخفِ والجهلاءِ، أو قد تجدُ من يحتاجُ للإنقاذ، فتُدليِ له بدلوك لتُنيرَ ظُلمته بعد أنْ كانَ غارقًا بالظلام ... اقرأ بتمعُّنٍ وصفاء، ولتكن قراءتك نورًا وضياءً، مؤسِسًا بها طريقًا للنجاة، فأمامُك أنواعٌ من الفتنِ والبلاء، ولا مُنقذَ أو منجي منها إلا الكتاب، لكن لا أيَّ كتابٍ، بل هو الكتابُ النافعُ الذي ارتسم فيه طريق الضياء.. فإنْ كُنتَ باحثًا عن الحقِّ والحقيقة وتريدُ أنْ تعيشَ بسعادةٍ وهناء فاقرأ واقرأ، فبالقراءة تُصبِحُ إنسانًا وتضعُ الأمورَ بمواضعِها الصحيحةِ بسهولةٍ وسلام. أقرأ؛ ألم تكنِ القراءةُ هي الأداةُ التي دفعتْ إلى توفيقِ أولئك المستبصرين وجعلتهم يُبصِرون الطريق القويم ويتمسكون بنهج عليٍّ (عليه السلام)، إلى جانبِ نورِ الفطرةِ وشمسِ محمدٍ وآله الأطهار (عليهم السلام) التي لا تخفى على أحدٍ، وضياؤها الذي قد لاحَ في كلِّ الأرجاء، فنورُ العترةِ قد جذب من كانَ طاهرَ المولدِ ويقرأُ ويبحثُ بعناء. فاقرأ واقرأ.. يكفيكَ من فضلِ القراءة أنَّ ربَّ الجلالةِ قد قالَ لرسولِه الصادقِ الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) في مُحكمِ كتابه الحكيم: "اقرأ بسم ربِّك". فإنْ أردتَ أنْ تُبصِرَ وتتبصّر فاقرأ، فما أجملَ وما أحلى أنْ نقرأ ونقرأ.

اخرى
منذ 3 سنوات
201

كيفَ تستطيعُ أنْ ...؟ (١)

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية لم تُفلِحْ كلُّ محاولاتِك السابقة لتستقيم، وتتمسَّكَ بصلاتِك, وتُقدِّمها على جميع أعمالك! أنت الآن متألمٌ وتسألُ كيف وكيف؟ كيف تستطيعُ أنْ تُصليَّ صلواتِك بأولِ الوقت ولا تُؤخرها أو تتهاون فيها؟ الحلُّ بسيطٌ وسريعٌ .. اعلمْ علمَ اليقين بأنَّ أصحابَ الإمامِ المهدي (عجل الله فرجه الشريف) (٣١٣) لا يكونُ بينهم أحدٌ متهاونٌ في صلاته قط، فلا يليقُ بالأنصار إلا أنْ يُكتَبوا من المُصلّين الأبرار. ماذا أوصى أميرُ المؤمنين (عليه السلام) قُبيلَ الوفاة؟ ألم يَقُلْ: اللهُ اللهُ بالصلاة؟ وماذا فعل السبط الشهيد والأصحاب وهم مُحاطون بالأعداء من كلِّ صوب؟ كيف كان موقفُ العاشقين مع الصلاة؟ ألم يختموا الحياةَ بالكلامِ مع الحبيب وهم يعلمون بأنّهم سيلتحقون به عن قريب؟ بادرْ إلى صلاتك، وتذكّرْ هدفَك جيدًا، ولا تتراجعْ أبدًا، هرولْ إلى سجادةِ العشق والأمان، وإنْ كنتَ على السرير مُمددًا لا تقوى على فعلِ شيءٍ. ولا تنسَ الشمسَ التي خلفَ السحاب، وأدِّ صلةَ الأحبّة، بإيماءةٍ، برمشةِ عينٍ طاهرة، لم تقعْ قطّ إلا على جميل. كُنْ من الـ(٣13) بالتزامك بالصلواتِ، وقُلْ له: يا قرّةَ عينِ منتظريك، من أجلِك سأتغيّرُ وأحافظُ على صلواتي، وسأتخيّلُ وقوفي بينَ يديّ الحبيب (تعالى) أنّي أصلّي خلفَ أحبِّ الخلقِ إليه، وسأناجيهِ بدموعِ الحُبِّ والشوقِ لنيلِ رضاه، وسأتوسَّلُ لحبيبِ القلوب بصلواتي أنْ يُعجِّلَ لك الفرجَ ونحنُ على عافية. سلامًا سلامًا يا خاتمَ الأطهارِ.. سلامًا سلامًا يا نبضَ الفؤاد .. أعِدُكَ بأنّي لن أتخلى عن حُلُمي بالوصال .. وسأصمِّمُ بعقيدةٍ قويةٍ وإيمانٍ في القلبِ مُرتكز على أنْ أكونَ إحدى الـ(٣١٣) فأعنّي يا أملي.

اخرى
منذ 3 سنوات
188

كيفَ تستطيعُ أنْ ....؟ (٢)

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية السؤال: كيفَ تستطيعُ أنْ تلتزمَ بالطاعات، وتتجنبَ المحرمات؟ الجواب: أنت عاشقٌ لمهدي الروح (عجل الله فرجه) أليس كذلك؟ ومُستعدٌ لتُقدِّمَ له الغالي والنفيس لتُعجِّلَ ظهوره؟ لا تطلبُ من الله (تعالى) شيئًا سوى فرجِ الإمام (عجل الله فرجه الشريف)؟ قدّمتَ الدعاءَ له على كلِّ دعواتك؟ ناجيته خفيةً؟ بكيتَ الليالي والأيام على فراقه؟ تسألُ كيفَ عليَّ أنْ أُعجِّلَ فرجه؟ وغيرها من الأمور .. فاعلمْ، واتعظْ، وتَنَبَّهْ، وكُنْ على ثقةٍ بأنّ ذنبَك هو مما أخّرَ ظهور الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، وأدمى قلبه الحزين. تخيّلْ معي -يا من يُريدُ رسمَ البسمةِ على شفاهِ الغائب الطريد- أنّ من أسباب تأخيرِ الظهور هو ذنبُك، لا ذنبَ عمرٍو وزيدٍ، وأنّ الـ(٣١٣) أصبحوا الآن (٣١٢)، وهم بانتظار الفرد الـ(١٣) ليتجهّزوا للقاءِ الغائب بعد طولِ الغياب، فتقرّ العيون، وتفرح القلوب، ويستبشر الحضور، والفرد الوحيد الذي كان سببُ تأخير الظهور هو أنت. إمامُك بانتظارك، وأصحابُك يقفون على الأعتابِ؛ للتهليل والترحيب، فتجهَّزْ وحاربْ هوى النفس قبلَ أنْ يأتيَ من هو أحقُّ منك بهذا الشرف العظيم، ويأخذ السيفَ ليكون ضمن الأصحاب الخُلَّص. فتطغى أنت بإثمك وتتمادى حتى تُسجَّلَ ضمن الذين ختمَ اللهُ (تعالى) على قلوبِهم فلم يُبصِروا الطريق. تعالَ معي، وتأمّلْ بحالِك قبلَ أنْ يُغلقَ الطريق، ويُصبِحَ القلبُ ظلامًا في ظلام، لا تنسَ أنّك عاشقٌ منتظرٌ لإمامِ الزمان (عجّل الله فرجه الشريف)، وأنَّ ذنوبَك سببُ حزنه وسببُ تأخير الظهور. فكيف تُجازي صاحبَ القلبِ الرؤوفِ بجفاءٍ وعنادٍ، ثم جرحٍ بسهامِ الذنوب؟ ذنبُك الجارحُ تخيّلْه سهمًا أصاب كبدَ وقلبَ الإمام، كسهمِ حرملةَ حين رمى السبط الذبيح، فلا يكن بالحياة قدوتُك أعداءَ الحسين (عليه السلام)، وليكن عابس، وجون، وبرير، وحبيب، والحرُّ، وزهير، وكلّ أصحابِ الحسين (عليه السلام) قدوةَ الشيعي الأصيل. والأمرُ قريبٌ، هم حاربوا الإمامَ بالسيفِ وأنت بالذنوب، وأولئك نصروه بالسيف وأنت بإصلاح العيوب. فكما ذبحوا هوى النفس وتقدّموا كالأسود، تقدّمْ لجهادِ النفسِ بعزمٍ وثباتٍ، وارفعْ شعارَ النصرِ والأخذِ بثأرِ الحسين (عليه السلام) مع إمامِ زمانِك (عجّل الله فرجه الشريف). ولا تتركه غريبًا وحيدًا كما فعلوا بمسلم سفير الحسين (عليه السلام)، وأنا أعلمُ بأنّ قلبَك المُحبَّ لن يرضى بأنْ يؤذيَ إمامَه أو يكون سببًا في تأخير الظهور.

اخرى
منذ 3 سنوات
210

من لهُ حقُّ الفخر والتكلُّم بالإنسانيةِ والحقوق وهو صادق بالقول؟

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية أ تعلمُ متى صمَتُّ صَمْتَ المذهول؟ حين كشرتَ عن أنيابِك، ونزعتَ ثوبَ الإنسانية بكلِّ وقاحة. كنتَ تُمثِّلُ لي بأنّك إنسانٌ حكيمٌ، وتدّعي بأنّك لبيبٌ، تحملُ كلَّ معاني الرحمة والإنسانية، وتحترمُ الحقوق، وتتقبلُ النقد، ولا تكفِّرُ أو تتجاوزُ على من يختلف معك بالرأي، تُساعدُ الفقير، وترأفُ بالحيوان، وحياتُك مكرسةٌ لخدمةِ الإنسانية، وستكونُ للظالم خصمًا وللمظلوم عونًا .. لكنّك بموقفٍ واحدٍ كشفتَ ما خفيَ خلفَ الثيابِ المزخرفة المبهجة، بعدما كِدْتُ أنْ أصدِّقَ قولك، وأتبعُ خُطاك، لكن رحمةَ ربي ودعوةَ إمامٍ غريبٍ كانتا منقذي الوحيدين. لا أُحِبُّ أنْ أُعدِّدَ ماكنتَ تدعوني إليه يا ناكر الجميل، فكم دعوتني لتركِ الحجاب، والاستماع للغناء، ومتابعة الصفحات المشبوهة المُمولة من أقذر ما هو موجود.. كم زيّنْتَ لي الأمورُ، وقُلتَ لي: أنت حُرّةٌ، وأوضحتَ لي معنى الحريةِ بمنظارِ الظلام، أوهمتني بأنّي جاهلةٌ وأنت الدليل، لكن الآن بعدَ أنْ تفوَّقتُ عليك بدرجتين لا غير؛ فأنت (23) وأنا (٢٥)، قُمتَ منتفضًا بغيِر وجهِك الوديع رغمَ إنّك أعلى درجةً مني في جميع المواد الأخرى، وأنا فقط عند منصفةٍ واحدةٍ أعطتني المزيد، واعترضتَ وقلتَ بأنّك الأجدر وهذه لا تستحق العلو أو التفوّق والتميّز.. صدمتني أيُّها الخائن الخبيث، وأشكرك لأنّك أوضحتَ لي الطريقَ؛ فبظلامِ نفسِك قد بّينتَ الفرقَ بينك وبينَ من أسقطتَه بكلامِك يا نكرة. لا أحِبُّ الكلام، والرد بأسلوبِ التسقيط والتهريج كأسلوبك وأسلوب قادتك، فكلامي منطقيٌّ وبالدليلِ، لا أُزيّنُ الأكاذيب وأتقوّلُ على هذا وذاك؛ فمعتقداتي ومبادئي أشدُّ سطوعًا من الشمس والقمر، لكنّما هوى النفس والذنوب شوّشا الرؤية وصدقتك لأنّك عرفتَ هوى نفسي وقدمتَه لي. لكنني لن أقع في شباكك مرةً أخرى بعد لسانِك المسموم وعينِك الوقحة الحسودة. يا فاقد الإنسانية أينَ حُبّ الخير واحترامك للحقوق؟ أ هو مُجردُ كلامٍ على ورق؟ أحمدُ اللهَ ربي على نعمةِ الإسلام والتشيع وانتمائي تحت لواء المرجعية؛ فبهم وبطريقهم عرفتُ الحقَّ والحقيقةَ، وأحببتُ الغيرَ بصدقٍ، وقدّمتُ الغالي والنفيس؛ لمساعدةِ غيري كما فعل أبطال الحشد الأشاوس في فتوى الجهاد الكفائي وفتوى التكافل.. لي الفخر أنني شيعيةٌ ومرجعي قمرٌ مضيء، أعيشُ بحُبٍّ واطمئنانٍ، وأفهمُ معنى الحريةِ، وأُحاورُ بحكمةٍ وتعقلٍ، وأتقبّلُ النقد، ولا أسقِّطُ من اختلفَ معي بالرأي، بل أتعاملُ معه مثل ما أوصى الأميرُ (عليه السلام) مالكَ الأشتر، إذ قال له: لا تكنْ عليهم سبُعًا ضاريًا، فإنهما اثنان إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق. دينُنا دينُ الإنسانيةِ والتعقلِ، ومن حقِّنا أنْ نتكلمَ بالإنسانية ونفتخر بإنسانيتنا.

اخرى
منذ 3 سنوات
164

من بيتي أصلُ للجنةِ وأعيشُ بسلام..

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية صراخُ زوجي وغضبه في بعضِ الأحيانِ، علّماني كثيرًا من الأمور.. أصبحتُ أقوى وأكثرُ هدوءً.. علماني درسًا مهما قسى أنْ لا أقسو أبدًا؛ فقلوبُ الناسِ رقيقةٌ لا تحتملُ القسوة.. وبكلماته الجارحة هذّبَ لساني، وعرفتُ شدّةَ الجُرحِ الذي تُحدثْه بالقلب، فلم أجرحْ أحدًا أبدًا ... وإنْ جرحتُ أحدًا بكلماتٍ قد تكون من دون قصد، فإنّي أراجعُ كلامي، وأتعلّمُ كيفَ أداوي الجراحَ، وأبيّنَ قصدي بكلِّ وضوح.. وأما أطفالي وعنادهم وما يُسببونه لي من آلامٍ، فقد علّمني كثيرًا من الأمور، من ضمنِها الصبر والأخذ بالنصح .. عشتُ؛ لأجلهم وأعطوني معنى للحياة، وأصبحوا شغلي الشاغل، وكرّستُ أيامي لأنشأهم خيرَ أنصارٍ للدين.. فأنا باختصارٍ، حياتي كباقي الأسر لم تكنْ مثاليةً، وكما رسمتُها بمُخيّلتي، ورأيتُها بالمسلسلات .. لم تكنْ حياتي ورديةً كما أردتُ، بل كانت بين الحُبِّ والقسوة، والقرب حينًا والجفاء آخر.. لكنني كُنتُ أذكى فاستثمرتُ كلَّ ذلك لتربيةِ النفس والتهذيب .. فمع كُلِّ موقفٍ يمرُّ كُنتُ أعدّه رسالةً من ربِّ السماء، حتى الصفعةُ على خدي أرجعتني قليلًا للوراء؛ لأتذكرَ أنني قبلَ فترةٍ قد أغضبتُ ربَّ السماء .. فصُفِعْتُ هذه الصفعةُ ليوقظني من غفلتي، ولأرجع له، وأسجد وأناجيه في كلِّ آن .. أما علاقتي بإمامي فقد تحسّنتْ بفضلِ نكرانِ الزوجِ والأولادِ العطاءَ، كنتُ أغدِقُ عليهم بالحب والعطاء، وأتعبُ من أجلهم، وهم يقابلونني بالجفاء، وكذا بأنواع الأذية والعناء... فقلت لنفسي: كم أنا جاحدةٌ بمن هو سببٌ لخلقي ورزقي، وأنا أحارِبُه بأنواعِ المعاصي والذنوب! والآنَ رغمَ قلةَ ما أقدِّمهُ أنزعجُ لجفائهم، فكيف حاله الآن بعد قسوتي وجفائي؟! أما زواجُه الثاني، فقد كان كأنّه صعقةٌ كهربائيةٌ قد حلّت بي وغيّرتْ كياني ... بعدما أحببتُه بكلِّ كياني، ولم أرَ غيره في الحياةِ، فقد كان كلَّ شيءٍ لي، هو الأمانُ والسندُ حتى أنّي رفعتُ الأنفَ عاليًا، وسِرتُ مُتبخترةً كأنّي ملكة .. لكنني نسيتُ عدّةَ أمورٍ، فجاءتني رسالةٌ قويةٌ بزواجِه السعيد، ونبّهَتْني لكثيرٍ من الأمور .. ولتعلموا أنّ زواجه الثاني ليس لنقصٍ وُجِدَ عندي أو تقصير ... لا، بل كنتُ كفراشةٍ أسيرُ وأنثرُ الحُبَّ والعطور في كلِّ الأرجاء ... لكنّه أراد الزواج دون أنْ يملكَ الأسباب ... ورغم هذا لم أقلِلْ من مكانته أو أعامله بجفاء، بقيَ بنظري ذلك الفارسُ الشجاع .. قلبي الآن يسكنُه حُبُّ اللهِ (تعالى) والإمام المهدي (روحي له الفداء)، وعرفتُ أنّ التوكلَ لابُدّ أنْ يكون على اللهِ وحده فهو مصدرُ الأمان والعطاء ... بالمختصر.. حوّلتُ البيت الذي كان بنظري كجهنم إلى جنةٍ أعيشُ معها بهناء .. وبِتُ أراجعُ الحسابات وعلاقتي برب الوجود ... بعدَ ارتباطي بالله وتقويةِ علاقتي به بِتُ أنثرُ الحبَّ دون كللٍ أو مللٍ وإنْ قوبلتُ بالجفاء، فكلُّ قسوةٍ وصعوبةٍ بالحياةِ ستمرُّ، ولكن لأكن ذكيةً واستثمر الفرصةَ للبناء... هذه بالمختصر حياتي .. لم يعد بالبالِ ما يشغله إلا رضا الرحمن والقرب منه ... رأسي عندما أضعُه على الوسادة أُراجعُ الحسابات: هل أخطأتُ وعصيتُ؟ هل نسيتُ ذكرَ اللهِ في لحظةٍ ما؟ هذا كلُّ ما أفعلُه ولا أتذكرُ ما مررتُ به طوال اليوم من قسوةٍ وكلماتٍ قد تكونُ أشدَّ جرحًا من جرح الخنجر... ولا أخفيكم سرًا .. أنا أتألمُ كثيرًا، وأصلُ لمرحلةٍ أريدُ أنْ أفقدَ أعصابي وأصرخُ ..لكنني أتمالكُ نفسي وأركضُ لسجادةِ الصلاةِ، وأسجدُ سجدةً طويلةً أناجي فيها ربي وأجهشُ بالبكاء؛ هو اللهُ ربي مصدرُ قوتي وأماني.. لم أكن لأحتملَ لولا ساعاتِ اللقاء معه.. وكان أكثرُ اللقاء به (جل وعلا) في الليلِ، حيث لا يعلم سواه بحالي؛ سواء على السرير في بعض الأحيان أبكي وأناجي، أو على سجادة الصلاة .. ومع كلِّ دمعةٍ كنتُ أشعرُ بقوةٍ وطاقةٍ لا توصفان، فأستيقظُ صباحًا بوجهٍ مبتسم، وكأن لم يحدث شيءٌ في الأمس! هذه هي الحياة، لا راحةَ بها أبدًا، وكلُّ شخصٍ يُربيه الله (تعالى) بامتحانٍ حسبَ قدرتِه وقابليتِه، وأنا كان امتحاني بالأسرة. لم أُقارن حالي بغيري؛ لأنّي أعلمُ أنّ غيري أيضًا لديه امتحانٌ مختلفٌ عن امتحاني، وقد لا أحتمله إنْ وُضعت فيه ... هكذا أغفو على وسادتي براحةٍ واطمئنان، وأعلمُ أنّ هناك أجرًا ينتظرني عند من هو أرحمُ وأحنُّ ... تُصبحونَ على خيرٍ، ناموا بسعادةٍ وهناءٍ واحلموا بأنّكم بالجنان بجوار النبي وآله الأطهار (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

اخرى
منذ 3 سنوات
193

أقلامُنا تبكي دمًا وقلوبُنا تفطرّت حزنًا

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية منذُ أنْ هلَّ هلالُ الحزنِ ونشرتْ بضعةُ المختار (عليها السلام) قميصَ ولدِها الحسين (عليه السلام) مُلطخًا بدمائه الزكية، وقلوبُنا تئنُّ حزنًا، تكادُ تخرجُ من بينِ الأضلاعِ جزعًا من هولِ المصيبة.. إلهي أيُّ مخلوقاتٍ تلك التي تجرّأت على ارتكابِ مثل هذهِ الفاجعةِ الأليمة، فقد تجرّدوا من الإنسانيةِ بكُلِّ صورِها.. أقلامُنا ارتدتِ السواد وأعلنتِ الحداد حزنًا على السبطِ الشهيد، وأحبارُنا جفّتْ ولم يعُدْ بيدِنا سوى أقلامٍ تبكي دمًا وقلوبٍ حرّى وعقولٍ حيرى.. قبل أيامٍ من رؤيةِ الهلالِ كان قلمي واقفًا مستعدًا للكتابة، وفكري مزدحمًا بالأفكار، وما إنْ رأى قميصَ الذبيح منشورًا في السماء، وسمع صراخَ العيالِ وأنّاتِ أمِّ المصائبِ في جوفِ الليلِ بعد تهدئةِ الأطفالِ، حتى نادى قلمي وفكري وكُلُّ كياني: الآنَ انكسرَ ظهري، وتساقطت دموعُ عيني وتحوّلتِ الأفكارُ وترجمت إلى سلوكٍ عملي، وخاطبني قلمي بحِدّةٍ وحُرقةٍ ودموع: لن أسمحَ لكِ بالكتابةِ إنْ لم تحققي الهدفَ من ثورةِ الإمامِ الحسين (عليه السلام)، سأترككِ هذه الأيام تبكين وتبكين لترتقي سُلّمَ الكمال وترجعَ روحكِ صافيةً مستعدةً لتلقّي الفيوضات.. فخاطبتُ النفسَ مُنكسرةً: يا نفسي ابكي اليومَ بكاءِ الثكالى، يا عين لا تجمدي أو تملّي، اذرفي الدموعَ واغسلي القلبَ؛ ليعودَ صافيًا من جديد؛ فإنّها السرَّ يكمن في الدموع، واصرخي بأعلى صوتكِ واندبي حسينًا، ومع كُلِّ دمعةٍ تأمّلي جيدًا؛ فالفكرُ رقى، والقلبُ نقى بأقدسِ دمعة.. أحبوا الله وهيموا بعشقِه كما هامَ إمامُكم بحبِّه ولسانُ حاله يقولُ للعلي الأعلى مُخاطبًا: فلو قطعتني بالحبِ إربًا... لما مال الفؤادُ إلى سواكا كان يُقدِّمُ ويُقدِّمُ حتى وصل الأمرُ إلى روحه، قدّمها لمالكِها دون ترددٍ ولسانُ حاله يُعلنُ صرختَه الخالدة: إنْ كان دينُ مُحمدٍ لن يستقِم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني.. الحسينُ (عليه السلام) أحبَّ اللهَ حبًا جعله لا يرى ولا يفعل ولا يُقدِمُ على أمرٍ إلا للهِ وفي سبيل الله، نذر الروحَ والأهلَ والأصحابَ والأوطانَ لله (تعالى) وقدّمها فداءً لرضاه، إلهي رضا برضاك لا معبود سواك ... والسؤالُ الأهمُّ الذي لابُدَّ أنْ نطرحه بألمٍ على أنفسنا: هل نُحِبُّ اللهَ (تعالى) فعلًا؟ وهل نعرفه حقَّ معرفته كحُبِّ الحسين (عليه السلام) له ومعرفته به؟ لأنّه السؤالَ الذي علينا جميعًا أن نجيبَ عنه، والذي إنْ عملنا على تحقيقِه ستأتي الأمورُ الأخرى تباعًا، فلنكن مؤمنين صدقًا، ولا نكون مجرد مسلمين قولًا، ولنروِ النفس بحُبِّ الله (تعالى) ولنعرف من نعبد، حينئذٍ نتحلى بالشجاعة والتضحية والوفاء والغيرة والصبر وحسن الظن والبلاغة وإطاعة الإمام (عليه السلام)، وغيرها من الدروس والعبر التي يمكننا التحلّي بها، والتي كان الحسين (عليه السلام) وإخوته وأهل بيته وأصحابه يتحلّون بها، ولنقترب من اللهِ (تعالى) ولنعرفه أكثر ولنلمس حبه وسنحلق حينئذٍ في بحبوحةِ العشق الإلهي وسنكون كعابس وبرير وحبيب وزهير... ولا ننس أنَّ هناك إمامًا ينادي إلى الآن: ألا من ناصرٍ ينصرنا؟ فلنكن نحن الناصرين، ولنُسارع بالالتحاقِ بالركب الحسيني، فوحيدُنا إلى الآن غريبٌ ينعى جدَّه وحيدًا لا ناصر له ولا معين، فلننعَ الحسين (عليه السلام) مع إمامنا بإحيائنا مبادئ الإمام (عليه السلام). فهو الذي قال: لم أخرجْ أشرًا ولا بطرًا، إنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أمةِ جدي، لآمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المنكر.

اخرى
منذ 3 سنوات
219

قدوةٌ مُشعةٌ ووردٌ أحمر

بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية لا تظنون أنّنا رفعنا راياتٍ سوداءَ على أسطحِ المنازلِ وتوشّحتِ البناياتُ بالسوادِ وارتدينا الملابسَ السوداءَ لمجرَّدِ إعلانِ الحداد، ولا نصبنا المآتمَ وأجرينا دموعَ العين؛ لنُذكِّرَ العالمَ بهذه المصيبة.. لا؛ فالأمرُ أكبرُ وأعظمُ، دمُ حُسيننا ما زالَ يفورُ مُعلنًا ثورةَ الإصلاحِ في النفوس، وإصلاحُه لم يقتصرْ على ذاكَ الزمانِ فحسب، بل يشملُ كُلَّ زمانٍ وثورتُه في كُلِّ آن؛ لذا لن يستطيعَ أحدٌ محوَ آثارِ الإسلامِ، فمادامَ هناك حُسينٌ فلا خوف.. سمعتُكُم ذاتِ يومٍ تتحدّثون بحيرةٍ وحزنٍ شيطاني، بأنّكم ترمونَ شباكَ الضلالِ والخداعِ في كُلِّ آنٍ وتوقعون بالشباب والأطفال وأيضًا الكهول نساءً ورجالًا، تُلهونهم قليلًا؛ لينسوا ويبتعدوا عن الطريق، وتوشكونَ أنْ تنجحوا، ولكن في نهايةِ الطريقِ تفشلون وتعودون إلى أسيادكم خائبين.. السرُّ في ذكرِ الحُسينِ (عليه السلام) وإحياءِ شعائره، قلتموها مرارًا: ما دامَ هناك زينبٌ فلا نستطيعُ أنْ نوقعَ النساءَ إلا إذا غيّبنا القدوةَ وهذا أمرٌ مُحال، فقدوتهن بليغةٌ قويةٌ صابرةٌ، فقدتِ الأهلَ والأحبابَ، وضحّتْ بالابنِ والأخِ والأنصارِ، وظلّتْ صامدةً مُشعةً بوجهِ الظلام.. زينبُ ابنة علي كشعلةٍ سارتْ برحلةِ سبيها إلى الشام، وما زالتْ مُضيئةً إلى الآن، ونساءُ الأمّةِ تستمد النورَ والطهرَ والعفافَ والإصرار من مثلِ لبوةِ حيدرةٍ، سارتْ بقوةِ حيدرٍ وعفةِ فاطمٍ ببلاغةٍ وفصاحةٍ قرآنيةٍ قد أخرستِ الألسنَ بثباتٍ مُحمدي. أعلمتم الآنَ ما نعني أنّنا لن نتوانى عن إحياءِ الشعائرِ طرفةَ عينٍ أبدًا؟ وسنبكي بكاءَ زينبِ الحوراءِ... بكاءَ نصرٍ وعزةٍ وثبات. فببُكائنا وإحياءِ الشعائرِ سنحيى ونولَدُ من جديدٍ، وستذكرونَ من قدوتنا وسندنا، ولن تستطيعوا النيلَ ممن تربى في المجالسِ وصارتْ له كالهواء والغذاء.. سنُحيي شعائرَنا مهما كانتِ الظروفُ، حتى لو كُنّا تحتَ التُرابِ في القبور أو في عالمِ البرزخِ أو في الجنانِ أو في أيِّ مكانٍ سنُحيي شعائر من أحيا معالمَ الدين.. نعم، لوثتم العالمَ بالسموم وقد أصابنا بعضٌ منه، لكنّنا سارعنا للعلاجِ بمستشفى الحسين (عليه السلام)؛ فمحرمُ وصفرُ هو فترةِ العلاجِ، وسنخلعُ السوادَ ونرتدي الأبيضَ بعدَ شفائنا ونقائنا من السموم. لا يهمُّنا ما تفعلون؛ فالمستشفى الإلهي أبوابُه مفتوحةٌ على مصراعيها، ولا تستثني أحدًا أو تردَّ أحدًا، بل تهتفُ بالترحيبِ وتوزِّعُ الورودَ عند الأبوابِ، لكنَّ ورودَها حمراءُ صافيةٌ، ليس لها نظيرٌ، وعطرُها كأنّه عطرٌ من الجنان، ما إنْ تشاهدها العينُ وتستنشقُ عبيرَها حتى يرِقّ القلب، ويبكي بحُرقةٍ ولوعةِ طول الطريق، وهذه الوردةُ المقطوفةُ هي دواؤنا الوحيد.. فالشكرُ للهِ (تعالى) على نعمةِ الحُسين (عليه السلام) الذي شفانا وأعادنا لإنسانيتنا وأوضحَ لنا الطريق.. ومازالتِ القدوةُ أمّ الخدرِ زينب (عليها السلام)..

اخرى
منذ 3 سنوات
229