بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية وهبكَ اللهُ (تعالى) جوهرةً ثمينةً من خلالِها تتمكنُ أنْ تصلَ إلى الكمالِ وتنال الجنان، ومن خلالِها أيضًا يُمكِنُك أنْ تتسافلَ وتقبعَ بدركِ الجحيم. إنه العقل... فما عليك إلا أنْ تُغذّيه بالغذاءِ الصالح الطيب الزكي الرائحة، وتربيه كما تُربّي ابنَك الصغير؛ أبعدهُ عن كلِّ طالحٍ، ولا تُقحمه في الشبهات، دلِّلهُ بما لذَّ وطاب من الأطعمة المعنوية؛ بقراءةِ القرآن والسيرة وأحاديث أحبّ الخلق إلى الله (تعالى)، ثم عرِّجْ على سيرةِ العلماء والصلحاء، وآنِسْه بقراءة طرائفِ الحكم، واخزنْ العلمَ بتدوينِه، ولا تنسَ إمراره على القلب، وتجسيده بالأفعال. وما دمت حرًا طليقًا تهوى الخير وتُحِبُّ رفقةَ الأخيار، فاحذرْ أنْ تشتري غذاءً رخيصًا ذا رائحةٍ نتنةٍ يُفسِدُ جوهرتك، ويُعتم نور العقلِ بالظلام وذهاب الحكمة فتبقى حبيسَ الأوهام. وخذِ العلمَ من أهلِه، ولا تغفلْ عن بابِ علمِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، فمِن فيضِ عطائهم سترتقي بالفكرِ وتنال الجنان. وحافظْ على الحواس، ولا تقعْ فريسةَ الآثام، ولا تنظرْ لمُحرَّمٍ أو تمدَّ يدَك لسرقة، أو يلفظ لسانك سوءًا، أو تستمع أذنك لصوتِ غيبةٍ أو غناءٍ. والقلب فاحرسه لئلا يتلوث بغير الحلال؛ فحرَمُ اللهِ (تعالى) حافظْ على طهارتِه. واسعَ جاهدًا لطيبِ ما تأكلُ من الطعام بحلّيته، ولا تُسرف في الأكل، وحافظْ على روحِك وجسدِك، وأعطهما أشدَّ الاهتمام، فأيُّ تقصيرٍ سيُرَدُّ تأثيره على العقل بأسوأ الآثار، فبنظرةِ حرامٍ تفقدُ التركيز، وتتسبب في النسيان، وتتحرك لديك تخيُّلاتٍ تعيسةٍ تُفسِدُ لحظاتِ الوئام. أما كثرةُ الأكل وملءُ البطنِ بالحرام فيا لسوءِ آثاره التي تُصيب العقل وتسبب له الدمار. حافظْ على عقلِك الواعي، ولا تملِ على نفسك إلا الخير والسلام، وردِّد: أستطيعُ، وسأصلُ، وكُنْ إيجابيًا ومتفائلًا في كلِّ الأحوال؛ لخطورةِ ما سيخزن في عقلك الباطن إنْ لم تنتبه للأفعال والأقوال؛ فكلُّ ما يُلتقط بحواسكِ، بعقلك الواعي سينتقل إلى اللاواعي، وسيتحكمُ بك دون أنْ تعلم أو تلتفتَ لحالِك؛ لذا كم نُحذِّرُ من أنْ يرى الطفلُ في سنيّه الأولى ما يسيء أو يستمع إلى ما يضر، كما أكدنا على زيارةِ الأضرحةِ، وقراءةِ القرآن، وسماعه حتى قبلَ أنْ يولد، لما لذلك من تأثيرٍ، وتكوين الأساسات التي تُبنى عليها الأفكار، فمثلًا عندما تقول: (أنا فرحان) ستعيشُ بفرحٍ وسعادةٍ وإنْ كنتَ وسطَ الأحزان، ولو قلت: (أنا تعيس) فلن تفرحَ وتذوق طعم الراحة ولو كنت مُحاطًا بالأفراح! فابدأ بنفسك والأبناء، وبرمِجْ عقلَك، وازرعِ الوردَ والريحانَ؛ فعقولنا بأيدينا، وأفضل عقلٍ وأكرمه ولا يُقدّرُ بالأثمان ما عُبِدَ به الرحمن واكتُسِب به الجنان ... وازرعْ بعقلك هدفًا لا ترضى بغيره بديلًا وهو رضا الله (سبحانه)، والتمهيد للإمام (عجل الله فرجه الشريف)...
اخرىبقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية الجدُّ أبو محمد حسن شخصيةٌ لطيفةٌ ورائعةٌ أينما يذهبُ ينثرُ الوردَ، يُحِبُّه الجميعُ، لا ينطِقُ إلا حقًا، مواعظُه دُررٌ ثمينةٌ تُحاكي العقولَ وتخترقُ القلوب.. في أحدِ أيامِ الصيفِ الحارّة أرادَ أنْ يَعُدَّ أحفادَه، ويُبيّنَ لهم بعضَ الأمور لكن كعادته لا يستخدمُ الطُرقُ التقليدية؛ ليوصل إليهم الحقائق، بل يحاولُ أنْ يجعلهم يكتشفون الحقائقَ بأنفسِهم ويعيشوا الأحداث. في هذهِ المرّةِ قرَّرَ أنْ يأخذَهم برحلةٍ شاقةٍ إلى الصحراء في يومٍ شديدِ الحر، وطلب منهم أنْ يؤدّوا بعضَ الأعمال، شعروا بالتعبِ فأرادوا الرجوع، لكن لم يأذنْ لهم الجدُّ، ورفضَ طلبهم، ثم قالَ لهم: - فلنذهبْ إلى ذلك البيت الذي بنيتُه منذ فترة، وتحمّلتُ الصعابَ والمخاطرَ لأكمله من أجلكم، أنا أحبكم وأخاف عليكم؛ لذا بنيتُ هذا البيت ليحميكم.. ذهب الجميعُ للبيتِ الصغير في الصحراء وارتاحوا فيه وأكلوا وشربوا، وبقوا ثلاثة أيامٍ، وفي اليوم الثالث قرّر الجدُّ أنْ يُنفذَ خطته، بالاتفاق مع بعضِ الأشخاص الذين أحضروا مكبرات صوت وقاموا بتشغيل صوتِ ذئابٍ، كأنها تحومُ حولهم. لم يخف الصغار؛ لأنّ جدَّهم كان معهم، وبيده سلاحٌ يدافعُ عنهم فهم مطمئنون بجانبه. وفي هذه الأثناء قال لأحفاده الصغار: أنا اليوم يا أحبائي أشعرُ بتعبٍ شديدٍ وسأرتحلُ عنكم قريبًا، فصُدِموا بكلامه، ودخلهم الخوف، وأخذوا يفكرون بمصيرهم بين هذه الذئاب، ما الذي يفعلونه.. ثم قال لهم مطمئنًا إيّاهم بأنَّ يومَ غدٍ أنْ شاء الله (تعالى) سيُخبرهم بأمرٍ مهم جدًا وسيُنجيهم من الذئاب فلا يخافوا. وبعدَ أنِ انتهوا من العملِ الشاقِ الذي كلّفهم به أمرَ الجميعُ أن يصعدوا على سطح الدار، فصعد الجميع لسطح الدار وحرارة الشمس المحرقة جعلتهم يرفعون قدمًا ويضعون أخرى، لكن لأهمية الأمر لابُدَّ أنْ يجتمعوا ويستمعوا لما سيقوله جدهم، فتكلّم معهم وقال لهم: أنا أحبكم كثيرًا ومستعدٌ لأن أضحي بنفسي لإنقاذكم.. قالوا: نعلم بذلك يا جدّاه.. فقال لهم: كلُّ ما أقوله لمصلحتكم، ولابُدَّ لكم من طاعتي، وإلا ستأكلكم الذئاب. قالوا: نعم يا جداه؛ فأنت جدنا، وأهم شيءٍ لديك هو مصلحتنا وكل ما تقوله لضمان سعادتنا . نادى أحد أحفاده واسمه علي، وقال: تعالَ يا علي وقِفْ بجانبي، فقال لهم ممازحًا: أنا أحبُّ عليًا، وأثنى عليه، ثم قال لهم: انتهى الاجتماع. فأصابتهم خيبةُ الأمل، وقالوا له: يا جدّاه نعلمُ بمنزلةِ علي عندك وأنك تحبه، فقد أخبرتنا بذلك ومدحته في أكثر من موضع، فلِمَ جعلتنا نتحملُ حرارةَ الشمس فقط لأجلِ أنْ تخبرنا بأنّك تحبّ عليًا؟! ابتسم الجدُّ وقال لهم: أنا أمازحكم يا أعزائي، لم أقصد هذا الأمر سأخبركم بما أردته منكم.. علي هو أخوكم الأكبر، وقد أعطيتُه المفاتيح جميعها، وهو يعرف كلَّ الطرق التي ستنقذكم وتصل بكم إلى طريق النجاة، اشربوا يا أعزائي هذا العصير البارد لترووا عطشكم وتذوقوه، كم هو لذيذ لأكمل باقي الكلام.. شرب أحباؤه العصير البارد بهناءٍ، وكان حلوًا ذا طعمٍ لا يوصفُ لروعته. أكمل الجدُّ الكلام وقال لهم: إياكم أنْ تخالفوا أخاكم في أي أمرٍ، ونفذوا ما يأمركم به، وإلا فستُضلون الطريق، وتفترسكم الذئاب. علي لديه كل أسراري، وحفرنا سويًا الخندق، وسيقودكم إلى النجاة فلا تخافوا، وثقوا به كثقتكم بي.. قالوا له: سمعًا وطاعةً يا جداه، لن نخالف ما قلت، وسنتبعُ ما يأمرنا به علي، فأي أحمقٍ سيُخالفُ وهو يعلمُ أنَّه السبيل الوحيد للنجاة، وهو موضعُ ثقةٍ لدى الجميع؟ فرحَ الجدُّ كثيرًا من ردِّهم الرائع الذي يدلُّ على رجاحة عقولهم، وابتسم لهم وقال: أحسنتم كثيرًا يا وروداً زُرِعتْ بحُبِّ آلِ محمدٍ فأزهرت.. لقد نجحتم بالاختبار يا أيّتُها العصافير المُغردة. تعجَّبَ الأولاد وقالوا: ما الذي تقصده يا جداه... قال الجد: انا بأتمِّ الصحة والعافية، ولا توجد ذئاب..
اخرىبقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية لا أريدُ المرتبة الأولى في عيونكم أريد المرتبة الأولى في نظرِ الحبيب الغائب ... تعسًا لي؛ فقد وصلتُ إلى المرتبةِ الأولى في كلِّ شيءٍ، وكنتُ الأول والمميز في نظر الجميع، وكنتُ أنظرُ بعُجبٍ ودونيةٍ لغيري، فأنا في المرتبة الأولى دائمًا ... لكن هناك شيئاً واحداً، ومرتبة واحدة لم أصل إليها، فلم أكنِ الأول ولا حتى الأخير.. تلك المرتبة بعينِ عزيزِ قلبي؛ فهذه العين لم تنظر إليّ نظرةَ رضا وفخرٍ كعيون الجميع، ولم أكن مميزًا عندها.. بل كانت نظراتها نظراتِ حزنٍ ورأفةٍ لحالي، وسخطٍ على أعمالي ... ولهذا كانت هذه النظرات تُدمي قلبي الحزين وتزيده حزنًا ... اسمعوني أيّها الناس، نظراتكم لي كاذبة؛ إذ كيف استحقُّ التميّز وأكون في الصدارة وأنا من أدمى قلبَ الإمامِ بأعمالي؟! وصلتُ إلى الصدارة بغروري وخداعي وحقدي وتسقيطي للغير، فكيف لهذه العين أنْ تفرح وهي ناظرةٌ بعينِ الحسد للغير فلا تقنع ولا ترقى! باللهِ عليكم، كيف أستحقُّ الصدارةَ وأنا الخاسرُ الأكبر؟! إذ لم أصير إلى هذه اللحظة ضمن جُندِ الإمام، ولم أنل شرفَ الالتحاق بركبه! وا تعسًا! حتى في الصفوف الأخيرة لم تجدوني هناك ... أ أصرخ بأعلى صوتي يا قوم لتصدقوني؟! أ أصرخُ بأعلى صوتي يا نور عيني، أم تكفيك همسات قلبي لتنتشلني من الضياع؟! أقسمُ عليك بأمّك فاطمة، خُذْ بيدي، ولا تتركني أغرق في متاهاتي .. سيّدي من لي غيرك، وأنت أعلم بضعفي وقلة حيلتي ... أقسمُ بالله، اشتقتُ لمناجاتِك في جوفِ الليالي ... اشتقتُ إلى الإحساس بالأمان بقربك سيدي؛ لأشكو إليك كلَّ ما يؤلمني، شكوى الطفلة الصغيرة لأبيها العطوف.. تربِتُ على كتفي، فأهدأ، وأغمض عيني في سباتٍ عميق صرختُ، وصرختُ، وصرختُ .. اللهم ارحم هذه الصرخات التي تخرج من أعماقِ قلبي صدقًا تنتظر الخلاص ... لا أريدُ الدنيا، أريدُ القرب فقط .. هل أنا كاذبةٌ ام ماذا؟ رحماك ربِّ وإليك المشتكى...
اخرىبقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية أنا الآن أريد أنْ أقدمَ على الزواج، وأكون أبًا حقيقيًا، ولكي أكون أبًا حقيقيًا لابُدَّ أنْ أكونَ زوجًا جيدًا، لابُدَ أنْ أكونَ رجلًا يمكن الاستناد إليه، لابد أنْ أكون عملاقًا في الصفات الطيبة، وقويًا في الشخصية، متجذرة بي كافة الخصال النبيلة، متحليًا بروح المحبة والعطف لأنَّ الأبوّة هي الأمان.. لذا سأسعى للتحلّي بكلِّ هذه الصفات الحسنة، حتى تصبح جزءًا لا يتجزأ من كياني، وسأنبذُ أناي راميًا كلَّ الصفاتِ السلبية خلفي من عصبيةٍ ودلالٍ و...؛ لئلا تنتقل إلى أبنائي بالقوة. فدوري لا يمكن إلغاؤه؛ لعظيم أثري في الإسهام في مجال صياغة أبنائي. الزوجة والأولاد هم أمانةُ الله تعالى لديَّ، وسأتقبلُ هذه الأمانة بروحِ الرضا والرغبة في أدائها؛ لأنَّ الأبوّة كنزٌ قد لا يحصل عليه الجميع وأسأل الله (تعالى) أنْ أكون ممن يحصل عليها؛ فالذي لا يحصل على هذه الوظيفةِ الربانية فإنه يتمنى لو يدفع عمره ليصل إليه.... فنصيحتي لمن يقرأ كلماتي: فكِّر دائمًا في شكرِ النعمة بحُسنِ الاستعمال، وكُن أبًا حنونًا عطوفًا تبني ولا تهدم. فكم هو محرومٌ من يحرمُ نفسه من رؤيةِ أطفاله يخطون الخطواتِ الأولى، من الاستماعِ إلى كلماتهم الأولى، وإلى ضحكاتهم البريئة في أثناء ملاعبتهم، والاستمتاع بدفء أحضانهم الصغيرة.. إنَّ الأب الذي يريد أولاده مطيعين مؤدبين، عليه أولًا أنْ يضع في قلوبهم بذرةَ حبِّه والتعلق به، ليكونوا أشدَّ حرصًا على طاعته وبره وإسعاد قلبه، ولن تأتي فرحتُك بأولادك إذا تخليتَ عنهم وهم أشدّ ما يكونون حاجةً إليك في سنواتِ البذر والتعهد والرعاية.. الأبوّةُ ليست وظيفة هيّنة، ستتعب وتتألم وتعاني في ظلالِ أبوتك، ولكنه تعبٌ محببٌ وألمٌ له فيما بعدُ من راحةِ البالِ واطمئنانِ القلب، ومعاناةٌ ستدركُ قيمتها حينما تراهم يكبرون أمامك وهم يقدّرون جهدك معهم، ويشيرون إليك بفخرٍ ويقولون: هكذا علَّمنا أبونا... فلتملأ قلبَك يا عزيزي بمشاعر الأبوّة الحانية، ولتفض من معانيها الغالية على أولادك ما يُمكنهم من حياةٍ صحيحةٍ متوازنة، فتنعم مع أمتك بجيلٍ صالحٍ متميز .. فقبل أنْ تفكر في أنْ تصبح والدًا، عليك أنْ تعلم وتتيقن أنَّ الأبوة هي الأمان، فلا تتخلى عنهم وهم بأشدِّ الحاجة إليك؛ لأسبابٍ تافهة، ولا تسمح لغرائزك وأهوائك النفسية أن تقودك فتدمر العائلة وحياة هؤلاء الصغار.
اخرىبقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية عند حضوري في إحدى الدروس الأخلاقية، سمعتُ موعظةً، لا بُدَّ لي أنْ ألتفتَ إلى نفسي وأعتبر الخطاب موجهًا لي؛ لأنَّه هو فعلًا موجهٌ لي في جانبٍ من الجوانب .... بعدها أبدأ بالتفكير، وأفتشُ في أعماقِ نفسي في هذه اللحظة، مستعينةً بعينِ البصيرة، مُغمضةَ عين البصر عن الأغيار، فأخضِعُها لمحاكمةٍ عادلة، وأتّهِمُ هذه النفس بالتقصير والظلم، أتهمها بأمراضٍ أخلاقية شتى، فأما أنْ تُعالج أو تذهب إلى المنفى .... القرار لها ... فبإغماض عين البصر وفتح عين البصيرة، ستُفتَح أمامي آفاقٌ واسعةٌ، وسأعودُ لإنسانيتي وأرتقي سُلَّمَ الكمال، على عكس ما لو وجّهتُ كاميرا المراقبةِ بالاتجاه المعاكس فتتغير الإحداثيات، وعند كلِّ كلمةٍ ستنتقلُ إلى الغير، وتنتقدهم وتتهمهم بخصالٍ سيئةٍ ويُصبِحون محلًّا ومضربًا للأمثال، وأما بالنظر إلى النفس فستهوى في منزلقِ الغرور، تخالُ نفسها منزهةً قديسة كأنّها ملاكٌ نزلَ من السماء! والحقيقةُ أنَّ النفسَ كانت أشدّ ظلامًا ممن كان حولها، ورغم ذلك تتهم الأغيار! فيا ويح نفسٍ قد أدارت العينَ على الأغيار، ونظرت بطرفٍ علوًّا وافتخارًا، وغفلت عن عيوبها حتى هوت في النيران والأهوال ...
اخرىبقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية أخذتُ ذنوبي التي أثقلت كاهلي، وتوجهتُ إلى الكريم حبوًا ... وصلت إلى بابه منهكًا مكدرًا متعبًا، قد مزقتني ذنوبي وأعيت كاهلي ... فأطرقتُ إلى الأرض قليلًا ونظرتُ إلى النفس ببقعة ضوءٍ قد عكست صورتي وكأنّها مرآةٌ بباب الكريم تكشفُ حقيقة النفس وخباياها ... فذُهِلتُ لهول المنظر، وجثوتُ على ركبتي باكيًا مولولًا والرأس مطرقة خجلًا، والقلب بدأ يصرخ ويعاتب النفس مفصحًا عن تعبه لكثرة ما حُمِّلَ بالحقد والحسد حتى أصبح قاسيًا متجبرًا ... أردتُ الرجوع من حيث أتيت، فكيف أواجه الرب العظيم بأثقالٍ عظامٍ؟! فإذا بنسمةِ هواءٍ عليلة دخلت قلبي مسليةً، ففاض حبًا ورحمةً وشعَّت من صدري أنوارٌ جمّة... وهبّت رائحةٌ عطرة سقطت على الأذن والعين وأجزاء جسدي مُعلِنةً تطهيرها من شركِ الحسد والغيبة وسقت روحي عبيرًا طيبًا ... تقدّمت خطواتٍ بخفّةِ الريشة، وتغيّر المنظر أمامي ونسيتُ من آذاني أو أحزنني ... فسمعتُ صوتًا خفيًا من بين الأشجار مخاطبًا: الآن قد استحققت أنْ تكون داخل ساحة قدسي معلناً انتصارك على هوى النفس والشيطان ... بعد أن صفوتُ وتطهرتُ طرتُ مُحلِّقاً بخفةِ الريشة بل أكثرُ خفّةً ... بابُ الكريم مفتوحٌ دومًا لمن شاء القرب أيًا كان ذنبه... فإنْ ندمَ على ذنوبه بصدقٍ وأعلن التوبة، فإنَّ الله تعالى سيجازيه بنسيان الذنب، ولا يُطلع عليه أحدًا، يمحوه من سجله، بل وربما يحوّل سيئاته حسنات، معلنًا أنَّ العبد الحبيب قد عاد إلى الرب الرحيم بعد طولِ انتظار.. وطهّر النفس من أدرانها بنيران الحب ودموع الندم الصادقة، التي سقطت على جوارحه برائحةٍ فواحةٍ فامتلأت طيبًا وطهرًا... وبتمتماتٍ ومناجاة قد فاح نسيمُها مارّةً على القلب حاملةً أدرانه منقيةً مطهرةً معلنة حذف الماضي دون عودٍ وفتح أبوابٍ مستقبلة مستبشرة مُعلنةً توبة عبدٍ وطهارة نفسٍ في شهرٍ هو شهر التوبة.
اخرىبقلم: بقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية وداعًا يا من أعدت إحياء القلوب وأذقتها طعم الحب والقرب الإلهي.. وداعًا... عندما أسمع المآذن تنادي بقرب الرحيل للشهر الفضيل تبدأ دموعي بالهطول وبدني يرتجف.. ما الخطب يا ترى؟ أي شهر عظيم سنفارق؟! اخشى أن أبتعد عن ربي مجددًا أم ماذا؟! لكن يمكنني أن اجعل أيامي كلها كأيام شهر رمضان ولياليَّ كلياليه.. أنصت مجددًا لصوت المؤذن وهو يقرأ دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في وداع شهر رمضان المبارك.. وكأنه يودع شخصًا.. لقد ارتسمت مع تسارع نبضات قلبي عدة صور لهذا الوداع.. فصورة أنظر لنفسي وكأني الآن قد حُملت في جنازة وخلفي الأهل والأحباب مودعين صارخين وداعًا.. تساءلت: أيكون وداعي كوداع شهر رمضان؟ أكانت ليالي عمري المنصرم كلياليه يأنس بها ملائكة ربي لجمال مناجاتي وصدقي؟ أكانت أيامي أجمل الأيام بطاعة الرحمن؟ أكنت داعية إلى الله تعالى بغير لساني كشهر رمضان؟ أكانت أنفاسي وحركاتي وسكناتي وكل كلي لله وفي الله تعالى؟ أكنتُ محبوبًا لدى أولياء الله تعالى ونورًا يشع بالضياء يجذب من حولي ويهديه؟ أكنت خفيفة كالنسمة لا تؤذي أحدًا ويعز فراقي على أولياء الله تعالى؟ أكنتُ عظيمة بعين الله تعالى وأرسم البسمة على شفاه الإمام الغائب؟ فبين كل هذه التساؤلات هرولت للصحيفة السجادية وبدأت أتأمل الكلمات وأبكي بحرقة قلب.. وعاهدت النفس أن أكون كشهر الله تعالى عبدًا لله تعالى فعلًا.. الصورة الثانية التي تراءت أمامي: صورة فراق أحد المؤمنين.. هل استغليت وجوده بيننا؟ هل انتهلت من علمه ومعرفته وصفى قلبي كصفوة قلبه؟ آه لقد رجعت بي الذاكرة لأيام الشباب، كانت لي رفيقة كنت أنعتها بشتى الأوصاف لالتزامها ورقي أخلاقها، لنقص بي وجهلي وسوء حظي لم أفهم حينها لما تفعل هذا؟! لِمَ لا تتعطر وتتزين وتتكلم مع الرجال؟! لِمَ كل هذا الالتزام والحب الإلهي؟ كيف بها أن تصلي وتقوم الليل، لكنني آذيتها بكلماتي وتصرفاتي فقد كنت حقًّا جاهلة لم أفهم إلّا بعد أن تلطّف الله تعالى بي وقربني وذقت طعم قربه ووصاله.. وأتتني أيضًا صور علمائنا ومراجعنا تباعًا، هؤلاء العظماء الذين تكفلوا أيتام آل محمد بعد غياب أبيهم، ينبغي أن نعرف قدرهم ولا نجهله لكي لا نتحسر فيما بعد فنحن الخاسرون دون غيرنا لا محالة إن لم نعرف قدرهم بيننا ونتبعهم.. وكانت الآه والأنّة مختلفة للصورة الأخيرة التي أسقطت دموع الحب والفراق والغربة والتوبة.. إنّها صورة إمامي الغائب هذا الإمام الذي لولا وجوده لساخت بنا الأرض فالرحمة والبركة تعمنا وتأتينا من أجله ولأجله.. ودّعتك يا شهر الله تعالى بحزن وبكيت لفراقك ولكن ليس كحزني وبكائي لفقد ولي الله تعالى، فحزني لفقده وابتعادي عنه أعمق وأعمق حتى أُصبت بالجنون من فرط شوقي وحنيني فلم أعد أرى إلّا صورته ولم اسمع إلّا صوته وكأنه لم يعد في الوجود إلّا هو... أيكفيني كلاماً يا عزيز الزهراء؟ فكلامي لا يفيد ولا يطفئ لوعتي وحسرتي، فأنت أعلم بقلبي، وكلامنا كلام قلوب لا تستطيع أي لغة في العالم ترجمته، ولا يشعر به أي أحد سوى من ذاق حبك ولمس أياديك الحانية وعطفك، فلوعتي وحرقتي لفقدك كبيرة أشد من لوعتي وحرقتي لوداع شهر الله تعالى.. فوداعًا يا شهر الخير والبركات ويا لحسرتي ويا لخسارتي إن لم انتبه واتنبه...
اخرىبقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية انتظرتُ الليلَ ليُسدلَ ستاره ... لأسترقَّ النظر عبرَ نافذتي الكبيرة إلى النجوم المتلألئة في السماء ... جلستُ أعدُّها وأحسبُ المسافاتِ بينها ... فسألتُ نفسي سؤالًا: يا تُرى، لِمَ هناك نجومٌ متقاربةٌ مع بعضِها البعض؟ ولِمَ هناك نجومٌ مبتعدةٌ عن رفيقاتها؟ ما السرُّ في ظلامِ الليل وبريق نجومه اللامع؟ فتأملتُ وتأملتُ ... أيُعقلُ أننا كالنجوم؟ إذن ينبغي لنا أنْ نُضيء الكون ونُبدِّدَ الظلام من حولنا مهما كثر.. لكن كيف أضيء؟ وممن استمدُّ النور؟ فمرَّ نيزكٌ خاطفٌ بسرعةٍ وكأنّه دمعةٌ سقطت من إحدى النجماتِ، تحملُ جوابًا، حرقت قلبي وزادتني خجلًا وحسراتٍ ... جاءني الخطاب: أيُعقلُ أنْ تسألي نجمةً مسكينةً، وأنتِ من شرّفكِ الإله عليّ، وكنتِ خليفتَه في الأرض بأمانةٍ ثقيلةٍ صُعِقتْ لثقلها الجبال؟ هيّا استعملي كنزكِ المودع في أعماقكِ واستشيري العقل الذي بسببه ستدخلين النار أو تفلحين بالجنان؟ ابحثي عن شمسكِ وقمركِ ونجمك الوضّاء ... ولا تكلّي أو تحزني بسبب الظلام، واستمتعي بجمالِ السماء، إلى أنْ تظهر شمسكِ ضاحكةً بعد طولِ غياب ... فتنبهي وتيقظي، وإيّاكِ أنْ تتهاوني أو تضعفي؛ فظلامُ السماء لن يرحم الضعفاء، والنور لن يستمرَّ طويلًا إنْ لم ترتبطي بمصدره الأساس ... فأنا رغم جمالي وتألقي في السماء لن أنسى ثانيةً واحدةً أنْ أكون متصلةً بمصدر طاقتي الأساس، فأبقى أسبِّحُ خالقَ الوجود كي لا أُسلبَ كلَّ هذا الجمال .... فتفكري بيونس (عليه السلام) وهو في بطن الحوت ورددي ذكره العجيب في كلِّ نفسٍ يخرجُ من بين شفتيكِ ... لتزهري وتضيئي يا أجمل وأشرف مخلوق ... أنتِ تنظرين لجمالي وتألقي في السماء، وأنا أنظر لزهوكِ وضيائك الأخّاذ ... أتعلمين يا جميلتي، شمسكِ أحلى وأكمل من شمسي، وقمركِ أروع من قمري، ومنظرُ نجوم الأرض قد أفرح أهل السماء ... فأجبتُها بدموعِ عينيّ: ما أجملكِ من نجمة! ... والتفتُّ إلى شمسي وخاطبته: بنفسي أنت من عقيد عزٍ لا يُسامى، بنفسي أنت من أثيلِ مجدٍ لا يُجارى، بنفسي أنتَ من تلادِ نعمٍ لا تُضاهى، بنفسي أنتَ من نصيفِ شرفٍ لا يُساوى أنت القائلُ: نحنُ صنائعُ الله والخلقُ بعدُ صنائعنا.. فاصنعنا على عينك، واخترنا لنفسك، يا عزيز الزهراء...
اخرىبقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية كُنْ كالكتابِ، جوهرةٌ ثمينة لا تُعوَّض، إنْ قرأه أحدهم لا يقوم إلا بفائدة، يُنير له طريقه، يزرع في نفسه الأمل، يُسلّيه، يستثمر فراغه بفائدة، يُكسِبه معلومة، يجعله يتأمل ويفكر، يُثري قاموسه اللغوي، يُعلِّمه طريقة الكلام وأسلوب الحوار، يحكي له قصص الأمم والشعوب، يُعرِّفه تاريخه، يكون صديقًا وفيًا ومؤنسًا لا يمل، ويُنقذُ من الغرق في الجهل، يحفظ الأسرار، يوسِّعُ الأفق، يلتجئُ إليه الباحث عن الحقيقة فيعطيه المفتاح الذهبي ويشق طريقه بالهدى والضياء.. فكلُّ كلمةٍ ينطقها كأنّها وردةٌ زُرِعت في الطريق تنثرُ عطرها في كلِّ الأرجاء لتدلَّه على سواء السبيل.. فكُنْ حكيمًا مسليًا وداوِ جراحَ المتألم، وازرعْ الأمل في قلبِ اليأس، وأضئ الطريق لأفكارٍ مختلفةٍ، وأزِل غبار الهم والحزن ... وانظر ما يفعله الكتاب وافعل ... ولا تنتظر شكرًا أو جزاءً، وكُنْ أنت القيمة والهدية العظمى، ولا تبحث عن التقدير والقيمة في أعينِ الناس؛ فلا يعرف الكنز الخفي إلا من كان يحملُ صفاء القلب وطهارة الروح.. وأعطِ الحكمةَ لمن مررتَ به أيًا كان، ولتكُنْ كلمتُك الطيبة وعطرك الذي يبعث على الطمأنينة والحنان أرقى عنوانٍ يجذب إليك الأحباب والأصحاب، ولا تبخلْ بمدِّ يدِ العون وكُنْ أوفى صديقٍ وأحنَّ رفيق، وذا وجهٍ بشوش غير متناقض بالأقوال أو الأفعال ... يا شعلةَ نورٍ تُضيءُ الدرب ولا تنطفئ..
اخرىبقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية ترى الخطرَ يحفُّ ببيتك، وأنت تنظرُ بصمتٍ دون أنْ تُحرِّك ساكنًا! ما لكَ؟! أخبرني ألا توجد طريقةٌ لتنقذَ ما تبقى منه؟ لا تخفْ، وسارعْ لترميم بيتِك ما دام الأساسُ قويًا ولم ينهد. هناك نوافذُ وأبوابُ، حاولْ بشتى الطرقِ فتحها؛ لتصل لمُبتغاك وتُغيّر؛ فمهمتُكَ بناءُ البيت بصلاحِ الأبناء. لا تتحجج بالإنترنيت والتلفاز والأصدقاء، أو الموضة والتقدم، أنت ربُّ البيت والمسؤول عنه. ولا تنظر إلى الخطأ وتشجعه، بل كُنْ قدوةً لهم، ثم حاورْ وناقشْ بحُبٍّ واحترام، فبيتٌ أساسُه حبُّ عليٍّ وأولاده (عليهم السلام)، وينتظر الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ويدعوه للقيام، كيف ينهدُّ بربِّك؟! لا وربِّ المشرقين لن ينهد ولن يتمكنوا منه أبدًا، فقط انهض واستعن بالإمام، وسترى التوفيق والتسديد قد أحاط بك. اصلح من في الدار، وردِّد دائمًا عند الجلوس، وعند القيام، وحتى في المنام: يا غاية الخلق، بل يا أيُّها السبب المتصل بين الأرض والسماء! أصلح حالي، وأعنِّي على الإصلاح، وبناء جيلٍ واعٍ لنصرتك، يا قرة عين الزهراء (عليها السلام) أ أدركتَ مقامك يا عزيز؟ فما خُلِقْتَ عبثًا، ولم توكل إليك المسؤولية ببناءِ بيتٍ سُدى، ودون جدوى، بل كنتَ أهلًا لهذا البناء. فلا تتخاذلْ وتتراجع لأتفهِ الأسباب، ربِّهم منذُ الصغر وسيكونون أسودًا وخيرَ أنصارٍ، وإنْ كبروا فلم يَفُتِ الوقتُ بعد، طالما تغذوا حبَّ علي الكرار (عليه السلام) منذُ الصغر، وزرعتَ حبَّ الغائبِ الحاضرِ في قلوبِهم...
اخرىبقلم: علوية فاطمية حسينية مهدوية صورةٌ حيّرتني، ورسمتْ في مُخيّلتي ألف صورة ... من بينِ الصورِ التي لاحتْ في مُخيّلتي: صورةُ طفلٍ صغيرٍ في السادسةِ من العمر ... نطقَ كلماتِه التي نزلت على قلبي كصاعقةٍ فأدمتْه ... فكيفَ بقلبِ إمامي الرؤوف؟! قال: أمّاه، ما أوحشَ هذا العالم وأتعسه! ما للناسِ هكذا ظالمون! أهو حظكِ يا حبيبة، أم حظي، أم ماذا؟! أخبريني يا سلوة الفؤاد وأوضحي لي الأمر، فلا خبرةَ لي بالحياة.. أتعلمُ يا أخي ما سبب هذا الكلام؟ أو نسيت ابنك ذا الثلاثة أعوام الذي تركته بعد أنْ زرعتَ في قلبِه الصغير الألم والكره لكلمة الأب، وعاش بين يديك حياةَ الرعبِ والاضطهادِ... نعم، هو ابنك ذو الثلاثة أعوامٍ قد بلغ الستة الآن وقال ما قال ... يا أخي هل انتبهتَ لسوءِ الأفعال؟ وإلى ما قادتك إليه نظرة الحرام؟ فقد هدَّمت البيت باتباعك الملذات، ولم تُفكِّر سوى بالأنا والشهوات .. فطفلُ الستة أعوام قد اظلمَّتِ الحياةُ في عينِه، وحُرِمَ حنان الأب وتحمّل العناء .. فلا تتوقع أنْ ترتاحَ بالحياةِ، وستظلَّ تلهثُ وراءَ الأهواء دون أن تشبع أو تنال الأنس، وستمحق بيديك نعمةَ المودة والرحمة بينك وبين زوجتك. سأكتفي من الوعظ والإرشاد، وتكفيك كلماتُ الطفلِ ذي الثلاثة أعوام؛ لتراجعَ نفسك فتكفيك الآثام. ويا ليت قصتك تكون عبرةً لغيرك.. فيفكر قبل أنْ يُقدِمَ على خطوةِ الزواج وإنجاب الأبناء، ويترك نظرة الحرام وسماع الغناء..
اخرىبقلم: علويه فاطمية حسينية مهدوية باختصارٍ أقولُها لكَ ولكِ: ما ضربتما طفلكما أو آذيتما شعوره بكلمةٍ واحدة؛ إلا لضعفٍ في إيمانكما. لا تُنكروا عليّ ربطَ هذا بذاك؛ فصورةُ تعنيفكم وكلامكم الجارح ما زال في مُخيلتي، لا تختلقا الأسباب وتُبررا لنفسيكما، ضربتُ طفلي كونه أزعجني، أو لا يسمعُ الكلام، أو إنّه شديدُ العناد و... عجبًا ولمَ هو هكذا؟ أهو تقصيرٌ منه أو منكما؟! صفحةٌ ناصعةُ البياض وفطرةٌ سليمة، قد وضِعت بعضُ الخربشاتِ عليها فشوّشتها، فأراد تنبيهَك تعبيرًا عن تقصيرِك وسوءِ الرعايةِ للأمانةِ علّك تَدركُ عظمَ الأمانةِ وتهتمُّ بها وتغذيها بحبه (تعالى) ونبيه وآله الأطهار (عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام). فافهما هذا الكائن اللطيف جيدًا، ولتكنِ التربيةُ بإنصافٍ كما دعانا إليها الإسلام، ولا تتذرعا بحجةِ أنّكِ متعبةٌ بسبب تنظيف البيت، أو أنّكَ في العملِ وقد عدتَ إلى البيت مرهقًا، فأعصابكما متوترةٌ والصرخات تملأ المكان؛ فليس سبب عنائكما الصغير بل في عدة أمور قد غفلتما عنها بالتأكيد؛ فلو كان تنظيفُ البيتِ قربةً لله (تعالى)، وعلمت الأمُّ أنَّ لها بكلِّ قطرةِ عرقٍ وجهدٍ تبذله ثواباً من الله عظيماً، لتعاملت بأريحيةٍ واطمئنان، وساد هدوؤها البيت، وكانت بأتمِّ الاستقرار، ولو أدرك الأبُ ماله من منزلةٍ وثوابٍ لدخل للبيت بسلام واحتضن الأولاد ووزّع البسماتِ بدلَ الصرخات. ولا تدّعيا أنّكما محطما الأعصاب، فتبادران إلى ضرب الطفل حتى يتورم ظهره، وتحمر يداه، ويخضر كتفاه، أو تُمسكان بالمقص وتمزقا الثياب حديثة الاقتناء، وتخبرانه بأنَّكما ما فعلتما ذلك إلا لتربيته، ولتجعلا منه فتىً مطيعًا! لا يا أخي، ولا يا أختي، فأنتما واهمان، وقد دمرتما هذا الطفل بعمى قلبكما الآثم، ولو كنتما غضضتما البصر قليلًا، ولم تتبعا الشهوات والأهواء لكنتما حكيمين بتصرفكما ووجدتما حلًا لمشكلته؛ فلربما لم يُرِدْ شيئًا سوى ارتداء ملابسه الجميلة ليشاهده الأقران من أولاد الأعمام، لكنّه لم يكن يعلم بأنكما كنتما مشغولين بعزيزكما الجوال، هذه صورةٌ من جمعٍ من الصور لبراءةِ الأطفالِ وحشية الكبار. فقد –وللأسف البالغ- أصبح الموبايل أعزَّ من فلذات الأكباد، والعسلُ يقطرُ من اللسان في شبكات التواصل عليه، وأما في البيت فالعلقمُ أرحم وأحنُّ منكما في الطعم والكلام! يناديكما: أبتاه! أماه! اشتقتُ للعبِ معكما، فتردان عليه وأعينكما لا تفارق حبيبكما الجوال: اذهب والعب بعيدًا عني ولا تسبب لي الازعاج. ابتعدا يا عزيزي، يا عزيزتي، قليلًا عن الجوال والأجهزة الحاسبة والآيباد وتذكرا أنّكما مسؤولان عن عائلةٍ وبرقبتكما عدّةَ أطفالٍ يحتاجان إلى بعض الحنان لينشؤوا براحةٍ وسلامٍ أصحاء أسوياء. أما إن كنتما تؤذيانهما وتحبسانهما بحجة التقصير بالأعمال أو توقظانهما لصلاةِ الفجرِ بصرخاتٍ وركلاتٍ، فاعلما أنّكما لا تفلحان أبدًا وسينشؤون فاشلين متكاسلين، لا يؤدون الأعمال إلا بالضرب والصراخ، وسيُسيئون لمن أحسنَ إليهم لأنّهم نشأوا على الظلمِ والتعنيف. وأما الصلاةُ فسيتركونها والسبب أنتما، إذ يقفون على السجادةِ وقلوبهم تقطرُ حقدًا عليكما، ولربما لشدةِ الألمِ يعاندونكما ويؤديان حركات الصلاة من دون كلام! فهل تُفرحكما تلك النتيجة يا أحبائي؟ استحلفكما بالله لو كُنّا قد هذّبنا النفسَ، وأحسنّا الظنَ باللهِ تعالى وملأنا قلوبنا بحبِّ المهدي والزهراء (عليهما السلام) وعرفنا مسؤولياتنا وأدركنا أنّ الرزقَ بيدِ الله (تعالى)، وأنّ الدنيا دارُ ابتلاء، أفعلنا كُلَّ هذه الأخطاء؟ أكانت قلوبُنا قاسيةً لهذه الدرجة؟ أفعمت الأنظارُ ولم نعُدْ نشعرُ بألمِ الأطفالِ واحتياجاتهم؟ أم هل إنَّ دمعتهم الصادقة وتوسلاتهم الحزينة لم تؤثرْ فينا ولم تُحرِّكْ مشاعرنا أبدًا؟ وما أقولُ إلا إنَّ قسوة القلوب ما تأتي إلا من كثرةِ الذنوب، فراجعا نفسيكما وطهراها من الذنوب؛ لتريا براءة الأطفال.. وفي آخرِ الحديثِ تنبها لتصرفاتكما وكلماتكما مع الأطفال، سواء كان ابنكما أو غيره ممن هو تحت رعايتك، بل وإنْ كان مارًا في الطريق. وكونا كإمامكما علي (عليه السلام) باللطف والحنان، وإن استطعتما اكفلا يتيمًا وداويا جراحه، امسحا على رأسه، اشعراه بانكما الأب العطوف أو الحنون. ولا تفكر أخي الكريم في الطلاق لأدنى نزاع، فتتبع الأهواء وتترك الزوجة والأطفال، وارجع قليلًا للوراء وفكِّرْ بهؤلاء الأبناء، الذين باتوا يصرخون من ألمِ الضياع، وكأنّ لسان حالهما يقول: لو كان أبونا شهيدًا أو مات بمرضٍ ولا حلّت بنا لعناتِ الطلاق، أيُّ ذنبٍ قد اقترفناه ليُهدمَ بيتنا الذي كان أجمل ما في الكون بنظرنا رغم أنّه صغير! حتى صرنا نُمسك بيد أمنا الحنون بقوةٍ خشيةَ أن يأخذها منا القدر كما أخذ بيتنا الصغير.. أبتاه لِمَ لمْ تخفْ على شعورِ ابنتك وأنت الحنون؟ أهكذا أهواؤك أصبحت أعزَّ من ملاكك الصغير؟ أبتاه قد بكيتُ حين دخولي لأولِ مرةٍ لقاعةِ الانتظار وأنا أسمع صرخات الأطفال وراء عيون الأمهات الحائرات، لم أشعر بتلك اللحظة إلا بكسر الخاطر، وناديت إمامي الغائب (عجل الله فرجه) وقلت له: روحي لك الفداء عجّل لنا الظهور؛ فالظلمُ لا يُحتملُ وحلمُ الطفولةِ قد قُتِلَ عجِّل أيا نور العيون. فعلى كُلِّ من يؤذي طفلًا بكلامٍ أو نظرةٍ أو يدٍ أن يتذكر حين يجرؤ على أذيةِ أحباب الله تعالى وقفته بين يدي جبار السماوات والأرض، وهو أضعف وأذل من هذا الطفل الصغير ..
اخرى