بقلم: رعد الغريباوي في المناجيات الخمسة عشرة للإمام زين العابدين علي بن الحسين السجّاد (عليهما أفضل الصلاة والسلام) وفي مناجاة العارفين بالخصوص توجد جملة ظاهرها يفيد أنّ المؤمنين ينظرون إلى الله (عز وجل) بأعينهم ،وهذا مُحال علمياً وشرعياً ومنطقياً وعقلياً، وهي جملة ( وَقَرَّت بِالنَّظَرِ اِلى مَحبُوبِهِم اَعيُنُهُم ) فهذه الجملة تفيد رؤية الله (عز وجل) بالعين المجرّدة؛ إذ لو كان المقصود رؤية القلب لكانت الكلمة (رؤية) بدل (نظر) ولكانت كلمة (قلوبهم) بدل (أعينهم). وجواب السؤال: العبارة المسؤول عنها مقتطعة من نص مترابط لا يفهم المراد منه إلّا في ضمن السياق الواحد، وقد شرع الإمام (عليه السلام) في أول المناجاة بتنزيه الله (عز وجل) عن كافة انحاء النقص وأنكر أن تكون العقول قادرة على إدراك حقيقته وألزمها بالإقرار بالعجز عن معرفته، فإذا كانت العقول وهي أسمى من الحواس عاجزة عن إدراكه عز شأنه فمن باب أولى أن تكون الحواس عاجزة بما فيها الباصرة، قال (عليه السلام): (إلهي قصرت الألسن عن بلوغ ثنائك كما يليق بجلالك وعجزت العقول عن ادراك كنه جمالك ، وانحسرت الأبصار دون النظر إلى سبحات وجهك ، ولم تجعل للخلق طريقاً إلى معرفتك إلا بالعجز عن معرفتك...) الدعاء . أما قوله (عليه السلام): (وقرّت بالنظر إلى محبوبهم أعينهم) ففيه إشارة بليغة إلى ما جرت عليه عادة المحبين من قرة العين لدى النظر إلى جمال المحبوب، وإنما وردت العبارة بصيغة العموم لبيان كمال الأدب مع المولى تبارك وتعالى، ولما تقدم من التنزيه في أول الدعاء، فيكون المراد بالنظر هنا ما هو أعم من نظر البصر والفؤاد، أو أن المقصود هو الثمرة الحاصلة عقيب ذلك النظر ولكل بحسب مقامه، وهذه الثمرة هي سكون النفس بحضور وشهود المحبوب ووصاله. وقد ورد عند العرب تعبير (قرت العين) كقولهم لمن نال حظوة أو جاهاً أو مالاً أو ولداً: (قرت عينك)، والفعل (قرّ) بمعنى سكن أو حمد، ولو حمل معنى العبارة على الظاهر لكان معنى (قرت عينك) جمُدت، وهو غير مقصود بطبيعة الحال، أما النظر إلى المحبوب فلا يشترط فيه نظر العين ، بل يجوز فيه أيضاً نظر الفؤاد كقوله تعالى : (وجوه يومئذٍ ناظرةٍ . إلى ربّها ناظرة) (القيامة:22-23) وبعبارة مختصرة: فأنّ الإمام (عليه السلام) في هذه العبارة والعبارات التي قبلها كان في مقام التشبيه والتمثيل لمقامات المحبين.
اخرىبقلم: رعد الغريباوي ما هو التفسير العلمي لقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لما سُئل: (كم بين السماء والأرض؟) أجاب: (مد البصر ودعوة)؟ الجواب: المأثور أنه سئل (صلوات الله عليه): ((كم بين السماء إلى الأرض فقال: دعوة مستجابة، فقالوا: كم بين المشرق إلى المغرب قال: مسيرة يوم للشمس، ومن قال غير هذا فقد كذب)). وجوابه (عليه السلام) يشير إلى أنّ المسافة بعيدة جدًا بحيث لا يتسنى لأدوات الحساب والرصد الفلكي أن تقدر بالدقة البعد الذي يفصل بين السماء والأرض، لأن السماء إن كان المراد بها السماء الدنيا فقد أثبت العلم الحديث أننا لا نستطيع أن نعرف بالضبط ما هي حدودها لعدم تبيّن حدود لها بحسب ما يمتلكه العلم المعاصر من أجهزة لتقدير المسافة في الفضاء، ومعلوم أنّ أقرب النجوم إلينا وهو نجم النسر الواقع يبعد عن الأرض بملايين السنين الضوئية، فما بالك بأبعدها مع ثبوت الحقيقة القرآنية القائلة بأنّ السموات في اتساع مطّرد قال تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَينَاهَا بِأَيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذريات:47) ، كما اثبت ذلك العلم الحديث. وهذا يعني أنّ القياس الدقيق للمسافة المفترضة متعذر حتى بأدق الوسائل، وسوف لن يتوصل العلم إلى ضبط هذه المسافة مهما تقدمت أدواته وأجهزته إذ كيف يضبط حدود شيء لا يفتر عن الاتساع والامتداد؟ ولذلك فقد أجاب (عليه السلام) بجواب دقيق وإن لم يتفق مع مبنى علماء الفلك، فأشار إلى أنّ المسألة المطروحة لا تدخل في الواقع في باب علم الفلك والطبيعة، بل هي داخلة في علم ما وراء الطبيعية، ولا يتم الإجابة عنها بجواب إلا طبقًا لفلسفة الدعاء، فالدعاء يقطع هذه المسافة إن كان مستجابًا وإلّا فلا . وعلى رواية (مد البصر) فإنّ جوابه (عليه السلام) لعله يتفق مع ما توصل إليه العلم الحديث، فربما يشير بذلك إلى وحدة القياس المستعملة في ضبط المسافات بين الأجرام، وهي السنة الضوئية، فالضوء يسير في الفضاء بسرعة ثابتة تقدر بـ (300،000) كم /ثا والبصر يمتد إلى السماء بواسطة الشعاع المتصل بين السماء والعين، فعبّر عن المسافة التي يقطعها هذا الشعاع بمد البصر، نقول ربما، والله العالم. ومن الثابت علميًا أنّ الأرض تدور حول نفسها فينتج الليل والنهار (اليوم). فما الذي قصده الإمام (عليه السلام) من مسيرة يوم للشمس في الجواب السابق؟ حيث أنّ مسيرة الشمس حول نفسها تستغرق أكثر من يوم، كما أنّ ذلك لا ينتج عنه الليل والنهار؟ للإجابة عن ذلك نقول: المقصود من كلامه (سلام الله) عليه أنّ الشمس في عين من يراقبها لها مسيرة تقدر بيوم كامل، فلكي تقطع الشمس (بحسب المراقب) كل المسافة بين المشرق والمغرب تحتاج إلى يوم، علمًا أنّ العرب يطلقون لفظة يوم على ما يُقابل الليلة. وحينئذ نفهم كيف يكون مسيرة الشمس بين المشرق والمغرب هي يوم للشمس أي مقدار نهار.
اخرى