بقلم: خادمة الزهراء تقف الكلمات عاجزة ويجفّ الحبر من الأقلام إذا أرادت الكلام وتحتار عقول المفكرين في الكتابة عنها، من أين تبدأ؟ وأين تنتهي؟ وهل يستطيع إنسان عادي أن يصف سيدة أثنى عليها وامتدحها أئمة معصومون؟ عن ماذا يكتبون؟ عن صبرها، عن جلدها، عن تقواها؟ أبيضت عينا يعقوب حزنًا لفراق ولد واحد، ويعلم بأنه حي، ولديه من الأولاد أحد عشر غيره، أما هذه السيدة فلديها أربعة بدور تضيئ ظلمة الليالي الحالكة بنورهم، وأكبرهم سيدهم تدعو الله باسمه فيكشف الكرب وتقضى الحاجات، أنه ولدها العباس... وإذا ما حاولوا الكتابة عن تقواها وعبادتها، فإن كانت فضة خادمة في بيت علي والزهراء (عليهما السلام) بعد شهادة الزهراء لمدة عشرين عاماً لا تنطق بغير القرآن! فكيف بمن كانت زوجة لأمير المؤمنين وسيد العارفين والموحدين وتسمع مناجاته لربه حبيبه وأنيسه في ظلام الليل فكيف لا تذوب عشقًا وشوقًا لحبيب زوجها؟ وإن كان لخادم الحسين وزائره والباكي عليه من عظيم الأجر وعالي المقام عند الباري سبحانه، فكيف بمن أفنت وجودها وكيانها وأولادها للحسين (عليه السلام)؟ وإذا أرادوا وصف وفائها، فهل توجد تضحية أعظم من تضحية أمٍّ بأربعة، هم افلاذ كبدها؟ وتتمنى لو أن عندها أمثالهم أكثر لتقدمهم أضاحي لسيدها وابن سيدها وابن بنت رسول الله الحسين بن علي وفاطمة (عليهم السلام)؟! أما شرفها، فيكفيها فخراً وعزاً وشرفاً أنها زوجة سيد الوصيين وإمام المتقين وأمير المؤمنين، وتربت في داره وشاركت عليًا قرص الشعير، وجعلت من نفسها خادمة لأولاده الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم حتى ناداها الحسين بأمي وقبّلها بجبينها... لذلك لن يستطيع أحد أن يعبر بمجرد كلمات وحروف يسطرها ببضعة أسطر على ورق. فهذه المرأة الطاهرة العفيفة التقية النقية الصابرة المحتسبة رمز من رموز الوفاء والعز والفخر عند الشيعة هي فاطمة بنت حزام الكلابية المكناة بأم البنين (عليها السلام) توفيت عن عمر يناهز الستين عامًا، لتسعد روحها وتنال عظيم الأجر بما أعد الله من رفيع الدرجات للصابرين، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وخلدت حروف اسم اعتزت به، لأنه ذكرى بقيت لها من أمير المؤمنين، لتعرف به على مر العصور، وتكون بابًا لحوائج السائلين يتوسل المحتاجون باسمها عند الله فتقضى حاجاتهم... فسلام عليكِ يا سيدتي ومولاتي يا أم البنين ما بقي الدهر وعلى أولادك الميامين ولاسيما ولدك العباس يوم ولدتِ ويوم رحلت عن دار الدنيا ويوم تبعثين حية ورحمة الله وبركاته وهنيئاً لكِ هذا المقام الخالد في الدارين الدنيا والآخرة.
اخرىبقلم: خادمة الزهراء (عليها السلام) يجلس الرسول (صلى الله عليه وآله) بين أصحابه بعد سماعه لتفاهات القوم المنافقين بأنه أبتر... والسبب موت ولديه عبدالله والقاسم... يزداد حزن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفقد ولديه واستهزاء القوم... في هذه الأثناء يهبط الأمين جبرائيل فيخبره بالأمر الإلهي بالاعتكاف للعبادة أربعين ليلة والبعد عن زوجته وحبيبته خديجة... يشق على الرسول (صلى الله عليه وآله) الأمر فيمتثل لأمر حبيبه وأنيسه الأول وهو خالقه الباري (جل وعلا)... تحزن خديجة لفراق النبي (صلى الله عليه وآله) ... يقضي الرسول (صلى الله عليه وآله) أربعين ليلة قائماً ليله صائماً نهاره مستأنساً بذكر ربه ومناجاته... وفي الليلة الأربعين يسرى بالرسول (صلى الله عليه وآله) فيهنأ الأمين جبرائيل (عليه السلام) ويبشره أن حبيبه الذي ناجاه أتحفه بتحفة فيقطف جبرائيل ثمرة من الجنة فيقدمها للنبي (صلى الله عليه وآله) ويخبره أن هذه هدية ربك إليك... يشمها الرسول (صلى الله عليه وآله) ويقبلها ويضمها إلى صدره... يأمره جبرائيل بأكلها، فيأكلها (صلى الله عليه وآله) فتتحول إلى ماء في صلبه ينهي مدة الفراق والبعد عن خديجة بعد أربعين ليلة... يعود النبي (صلى الله عليه وآله) إلى خديجة التي كانت بانتظاره ومتلهفة لرؤيته وحزينة على فراقه... تبين علامات الحمل على خديجة فيدخل عليها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فيسألها: يا خديجة، من يحدثك؟ فتجيبه: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني. يبتسم حبيب الله (صلى الله عليه وآله) ويخاطبها: يا خديجة، هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه... فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن تحضر ولادتها، تبعث إلى نساء قريش ونساء بني هاشم ليأتينها ويلين منها ما تلي النساء من النساء، فيأتي خديجة جوابهن: عصيتِنا ولم تقبلي قولنا، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجئ ولا نلي من أمرك شيئا... فتغتم خديجة (عليها السلام) لذلك، فبينا هي كذلك إذ تدخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم. تفزع منهن خديجة (عليها السلام)... تخاطبها أحداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليكِ، ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه آسيا بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفراء بنت شعيب، بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء. تجلس واحدة عن يمينها، والأخرى عن يسارها، والثالثة من بين يديها، والرابعة من خلفها، فتضع خديجة فاطمة (عليهما السلام) طاهرة مطهرة. تسقط فاطمة إلى الأرض ساجدة لله رافعة إصبعها فيشرق منها نور يدخل على بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور... فتتناولها المرأة التي كانت بين يديها، فتغسلها بماء الكوثر، وتخرج خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فتلفها بواحدة، وتقنعها بالآخر، ثم تستنطقها فتنطق فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) بشهادة "أن لا إله إلا الله ، وأن أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيد الأنبياء وأن بعلي (عليه السلام) سيد الأوصياء، وأن ولدي سيد الأسباط"... ثم تسلم على والدتها وعليهن، وتسمي كل واحدة منهن باسمها، ويضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادة فاطمة (سلام الله عليها)، ويحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك تسمى (عليها السلام) "بالزهراء" ، وتقول أحدى النسوة لخديجة (عليها السلام): خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها. فتتناولها خديجة فرحة مستبشرة فتلقمها ثديها فتشرب، فدرّ عليها. تنمو فاطمة في كل يوم كما ينمو الصبي في الشهر، وفي الشهر كما ينمو الصبي في سنة يكثر أبوها النبي (صلى الله عليه وآله) من تقبيلها، فيسأل عن سبب ذلك فيقول: إني كلما اشتقت إلى رائحة الجنة قبّلتُ ابنتي فاطمة. نعم هكذا ولدت الحوراء الأنسية سيدتي ومولاتي فاطمة (صلوات الله عليها) فينقطع دابر القوم المنافقين الذين قالوا: إنّ محمدًا (صلى الله عليه وآله) أبتر لا ولد له... فيمر الزمان وتبقى ذرية محمد (صلى الله عليه وآله) تملأ بقاع الأرض ولا وجود لذرية أعدائه (صلى الله عليه وآله)... فسلام على سيدتي ومولاتي سيدة نساء العالمين محور الأفلاك ودائرة الوجود وشفيعة الناس في يوم المحشر فاطمة (صلوات الله عليها) فسلام على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ورحمة الله وبركاته.
اخرى