بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين... تعتبر الهجرة حركة مهمة جداً في الإسلام ، وتشكل انعطافة سياسية في انتقال المجتمع من الظلم والمطاردة إلى بر الأمان وموقع القوة، وعندما نبحث في طيات التاريخ نجد أن النبي الأكرم محمداً (صلى الله عليه وآله) هاجر مع قسم من الذين أسلموا، وبالمقابل نجد فئة أسلمت، لكنها لم تهاجر، والسبب يكمن في الخوف على الأموال وعدم الرغبة بترك الأهل والديار في مكة المكرمة… فمثل هؤلاء قد اجبروا من قبل قريش على قتال المسلمين في واقعة بدر والبعض قتلوا على أيدي المسلمين باعتبارهم من أنصار قريش في حين كانت قريش كافرة. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)) سورة النساء ومن هنا قسمت الهجرة إلى: هجرة واجبة وهي لمن يخاف على دينه. والهجرة المستحبة لغرض العمل والتجارة. والهجرة المحرمة كالذي يسافر لتأييد الظلم والفساد، أو ان يسافر الإنسان من بلد يستطيع أن يؤدي ما عليه من العبادات إلى بلد خالي من ملامح الإسلام. وتكررت الهجرة في حياة النبي وأهل البيت (عليهم السلام) فهاجر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من المدينة إلى البصرة وثم إلى الكوفة واستلم مقاليد الخلافة. ولكن لماذا هاجر سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء؟ لماذا كربلاء؟ كان للحسين (عليه السلام) خيارات كثيرة منها: الخيار الأول: أن يبقى في الحجاز، المدينة أو مكة. لكن أن بقي (عليه السلام) ولم يهاجر هل كان سيسلم بنفسه (عليه السلام) وهم من أمروا بقتله ولو كان معلقاً بأستار الكعبة؟ كان من الممكن أن يتعرض الإمام الحسين (عليه السلام) لتصفية جسدية وفي أي لحظة وكانت مكة في ذاك الوقت مزدحمة، إن قتل الامام (عليه السلام) بهذه الطريقة لا يترك أي أثر في إيقاظ النفوس والضمائر في فضح النهج الأموي الظالم الذي لأجله ثار الإمام الحسين (عليه السلام) الخيار الثاني: أن يختار منطقة نائية ينجو بنفسه. ولكن هذا الخيار سيساهم في انتشار الظلم والفساد وينتهي الحسين (عليه السلام) كرسالة اسلامية وهذا طبعاً رفضه الإمام الحسين (عليه السلام) الخيار الثالث: أن يختار منطقة حية نابضة بالحياة والانصار، منطقة تكون مؤهلة للفتح الإسلامي وتكون ذات وعي وتفاعل في القضية الإسلامية. وبهذا حازت الكوفة على هذه المرتبة ولاسيما إن أهل الكوفة أرسلوا الكتب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) يدعونه بالمجيئ إليهم ولكن ختمت أعمالهم بقتل سفيره مسلم بن عقيل (عليه السلام) والغدر ببيعة الإمام المعصوم، وبهذا منعوه (عليه السلام) وركبه من الرجوع إلى المدينة وحاصروهم ومنعوا عنهم الماء، فسار الركب الحسيني متجهاً نحو كربلاء وبداية الثورة الحسينية نبعت من تلك الأرض التي ارتوت بدماء أشرف خلق الله. فثورة الحسين ثورة ضد الظلم والطغيان، ثورة بينت للعالم مستوى الفساد الأخلاقي الذي حل بالإسلام، إضافةً إلى إظهار قلة المناصرين لأهل البيت (عليهم السلام)، فلو أراد الإمام الحسين (عليه السلام) مالاً وعلواً لبقي في المدينة نظراً لقربه ومنزلته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكانت قد تهافتت عليه الأموال والرجال وهو جالس بمنزله. لكنه (عليه السلام) أراد نصراً وعزاً للإسلام والمسلمين، أراد عيشاً بلا ذل وهوان للمؤمنين، أراد منّا أن نواجه الظلم والطغيان وأن نكون أقوياء في كلمة الحق مهما كان علينا من جور وناس لئام. فكانت كربلاء وكانت نصراً وكانت مأساة وكانت ثورة الخلود والكبراء. نعم كانت كربلاء. ______________________ 1_ النساء 97 عين الحياة
اخرىبقلم: حوراء رضا عندما أوجد الله (جل وعلا) الإنسان منذ لحظات حياته الأولى زرع في روح هذا الكائن الحي براءة وعفوية، فامتازت روح الطفل بالحب الصادق والاخلاص وابتعدت غريزته عن الخبث والأغلال بفطرة ذاك النقاء الروحي الذي يحمله في قلبه الصغير الأبيض كبياض الثلج الناصع، الذي دائمًا ما تكون نظرته للحياة نظرة ايجابية، فنرى ثغره دائمًا باسمًا في وجه الحياة، لا يعرف لها حقدًا ولا كرهًا، فتكمن تصرفاته على اختلافها تصرفًا فطريًا عفويًا. وللحفاظ على هذه الفطرة وهذه البراءة من محطات الحياة أعطى الإسلام أولوية كبرى في التعامل مع الطفل، باحترام عالمه الخاص الذي تحتويه أحلام بسيطة، ومخيلات نيرة، فكان له احترامه وتقديره لأجل الأخذ بيده ومراعاة مشاعره المرهفة لما لها من دور فعّال في بناء المستقبل المشرق. هذه الأرض الطيبة الخالية لابد أن تزرع فيها بذور الصلاح والإيمان وحب الرحمن ليكون في داخله منشأ السلام والحفاظ على القيم والمبادئ، فيزدهر ويثمر في مرحلة الشباب، ولا يخفى أن الطفل كتلة من الإحساس تؤثر فيه أقل العبارات، فللمشاعر والحب دور كبير في تنشئته واخضراره في سلوكه وتصرفاته، فمن احتياجات الطفل هو الحب الذي يجب أن يشعر به. كان أهل البيت (عليهم السلام) السابقين في كيفية التعامل بحب مع أبنائهم (عليهم السلام)، فالإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) كان يقول لولده الحسن (عليه السلام): (وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن الموت لو اتاك اتاني) (1) الطفولة بروعتها ونقائها وبراءتها تحتاج رعاية واهتمام كبيرين لينشأ الولد طفلًا قويًا معطاءً... كم من الأطفال نراهم في واقع حالنا ونبهر من بعض ما يقدمون، كم من طفل للقرآن حافظ، في حين عجز عن حفظ القرآن كثير من الكبار، وكم طفل للمبادئ التي تربى عليها محافظ. كل هذا يكمن في طريقة التربية الممزوجة بروح الإيمان وزرع ثمار الحق في نفسه، فكلما كانت أكبر كلما كانت أقوى في مواجهة حياته. إذن، مرحلة الطفولة مرحلة اساسية في بناء وتكوين شخصية الطفل، ولا يخفى ايضا ان للبيئة التي يعيشها الطفل دورًا ذا اهمية بالغة في بنيته وتأسيسه. وكلما تحلّت تلك التربية بروح الإيمان، كلما اعطت رمزًا كبيرًا بالعطاء والتضحية، ويمكن أن نتذكر هنا شهادة محمد وابراهيم أبناء مسلم بن عقيل (عليه السلام)، هما طفلان رسمت على وجهيهما براءة مزجت بحزن جُسّد في كربلاء، وطبعت في ذكراهم صور لأجساد قتلى ورؤوس مقطعة وخيل ونار وبكاء وعطش الفؤاد، وما هذا العذاب إلّا لطيب النسل وعلاوة الشرف وهم نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله). وبعد المجريات التي حدثت بكربلاء، تابعت الأيادي الحاقدة على أهل البيت (عليهم السلام) جرائمها وكانت الضحية هذه المرة ملاكين ملأتهما البراءة، يحملان -كباقي الأطفال- أمنيات وأحلامًا تناسب عمريهما، وطهارة قلبيهما العيش والسلام والامان، لتلقي يد ابن زياد بمحمد وأخيه في سجن الحياة. رسمت عيونهما البريئة على جدار الظلم أحلامًا قد دمرتها أيادي اللئام، وقاسا أشد أنواع العذاب، في حين أن أعمارهما الصغيرة لا تتحمل الظلم والعناء، وحبست الاحلام، وبقت الذكريات وبكلمات تملأها العبرات، عرّفا بنفسيهما للسجّان واخبراه بأنهما من نسل رسول الله (صل الله عليه وآله) رقّ قلب السجّان وطأطأ الرأس خجلًا من النبي المختار، فضرب قفل الحياة وقال: سيرا بأمان، واحذرا يا قرة عيني من القساة الفجار... لكن إلى أين وهذه الدنيا يا صغيريّ تلاحقكما وتلاحق طفولتكما البريئة، حتى وصلا طريقًا علّه يكون الأمان لقلبيهما على باب امرأة، وعندما سألتهما: من أنتما؟ أخبراها بنسبهما، رحبت تلك المرأة بهما وبنسبهما ولكن في قلبها خوفًا ممن لا يخشون الله ولا يراعون له حرمة... ابن أختها الذي شهد أحداث كربلاء وشارك في حربه ضد ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ها هو يبحث عن أيتام مسلم بن عقيل في أزقة الكوفة بعد أن أعلن ابن زياد عن مكافئة مادية لمن يعثر عليهما، وبعد جهد كبير وتعب من هذا الشخص الذي أغرته الدنيا وانتشلت الرحمة من قلبه وفشل في العثور عليهما. أقبل نحو الدار وبعد تقديم النصح من هذه المرأة وتحذيره من انتهاك حرمة أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله). عثر على الأيتام وهم في الغرفة نيام... احبائي أكنتم حقًا نيامًا؟ أم تراودكم أحداث النار والخيام؟ وأي أحلام بريئة كنتم تحلمون بها أهو حلم البراءة التي قتلت معالمها؟ أم حلم الحياة المستمد من النور المحمدي... نفسي لنفسيكما الفداء... أيقضهما... سألهما من أنتما؟ أما رأى نظرة الحب والصفاء أما رأى عين الاجلاء؟ فأخذ الطفلان منه الأمان... أمان الله ورسوله إن هم أخبروه بنسبهم، فأعطاهم الأمان... أمان الله ورسوله ... وعندما أخبراه أنهما أيتام مسلم بن عقيل... مهلًا صغيري، لا تتعجل فقدر الموت بسهام الغدر لن يتأجل، في الصباح أمر غلامًا له أسود أن يأخذهما الى شاطئ الفرات ويذبحهما ويأتيه برأسيهما. فلما أخذهما الغلام قالا له: يا أسود ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله، أتقتلنا ونحن عترة نبيك، وقصّا عليه قصّتهما في السجن وما لاقياه من النصب حتى أضافتهما العجوز. فرقّ الغلام لهما واعتذر منهما ورمى السيف وألقى بنفسه في الفرات وعبر إلى الجانب الآخر فصاح به مولاه: عصيتني؟ فأجابه: أنا في طاعتك ما دمت لا تعصي الله فاذا عصيت الله فأنا بريء منك. فلم يتّعظ الرجل ولا رقّ لهما بل دعا ابنه وقال له: إن ما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك، فاضرب عنقي الغلامين لأحظى برأسيهما عند ابن زياد، ولما وقف عليهما الولد قالا له: يا شاب أما تخاف على شبابك من نار جهنم ونحن عترة رسول الله، فرقّ الولد لهما وفعل مثل العبد. فقال الرجل: أنا أتولى ذبحكما، فقال له الغلامان: إن كنت تريد المال فانطلق الى السوق وبعنا ولا تكن ممن يخاصمك محمد (صلى الله عليه وآله) في عترته، فما ارعوى عن غيّه ، قالا له: انطلق بنا الى ابن زياد ليرى فينا رأيه، فأبى، قالا: ألم ترع حرمة رسول الله في آله، فأنكر قرابتهما من النبي، فاستعطفاه لصغر سنهما فلم يرقّ قلبه. فطلبا منه أن يصليا لربهما سبحانه فقال: صليا إن نفعتكما الصلاة، وبعد أن فرغا رفعا أيديهما الى الله سبحانه وهما يقولان: يا حي يا حليم يا أحكم الحاكمين، احكم بيننا وبينه بالحق. فقتل الأول، وتمرغ الأخ بدم أخيه ثم تجرأ وذبح الآخر، وقطع رأسيهما الشريفين وذهب إلى ابن زياد ليروي الذي جرى، فخرًا منه بما اقترفت يداه اللتان تلوثتا بدماء أطهر خلق الله ... مات الحلم متأثرًا بجراح النصر والعز والإباء بسكين القدر الغادر ... أين ابتسامات ثغرهم الباسم؟ أين حكاياتهم وقصصهم التي تنشقت عبير كربلاء؟ مات الحلم وضل القلب ينزف لجروح لن تندمل على مر الزمان... _______________ 1 - نهج البلاغة ص 643
اخرىبقلم: حوراء رضا أیام قلائل تفصلنا عن أعظم مصیبة في تاريخ البشرية... أيام قلائل ويطل علينا عاشر محرم الحرام... محرم... شهر يحمل بين طياته شعلة الحب والولاء لآلٍ ظلموا وقتلوا قهرًا وعدوانًا... شهر يُبين للعالم بأسره اسمى معاني التضحية والفداء ودروسًل تتجدد لتنعش القلوب العطشى الراجية شفاعة محمد وآله (صلوات الله عليهم أجمعين)... نعم شهر محرم الذي يحمل بكل لحظة نمر به درسًا للبشرية... وتتوالى على الموالين أسئلة كثيرة منها حبًّا وكرامة واقتداء بأهل البيت (عليهم السلام). ومنها الطرف المعادي الذي يشن حروبًا كثيرة متعلقة بثورة النصر والتضحية محاولًا تشويه العقيدة، ومن ضمن الأسئلة الكثيرة التي يرددها البعض: إن كان الإمام الحسين (عليه السلام) عالمًا بشهادته فكيف يحمل معه نساءه وأطفاله؟ وهل يرضى لهم الظلم؟ وعلى ذلك نقول: إن قول وفعل الإمام المعصوم حق لا ريب فيه، وكل دور يكون على عاتق المعصوم لابد أن يستمر حتى بعد الشهادة... لقد قال الحسين (عليه السلام) لابن عباس عندما أراد الخروج من مكة: (يا ابن العم وإنهن ودائع رسول الله ولا آمن عليهن أحد وهن لا يفارقنني. (1) بهذه الدرر الحسينية أعطى الإمام سببًا مقنعًا لاصطحابه نساءه وأهل بيته إلى كربلاء، وهو الامان، فحرصًا من إمامنا على عياله من ظلم بني أمية وتجرئهم على الآل، فالأمويون الذين كانوا يتصرفون بكل لؤم وحقارة مع عوائل المعارضين والمناوئين لحمكهم المقيت بعيدون كل البعد عن الدين والقيم الإنسانية التي أوصى بها رسول الأمة محمد (صلى الله عليه وآله) فالذي أوقد النار بخيامهم وسبى ذراريهم وسحبهم مقيدين بالحديد، أمثال هؤلاء لا يؤتمنون أن يترك الحسين أهله في ظل حكمهم. ولكم الحكم… ثم إن معنا النظر في مجريات عاشوراء وأحداثها ومواقفها التي لا تنتهي، فسنرى وجود النساء مع الإمام الحسين (عليه السلام) هو بمثابة إلقاء الحجة على الذين لم ينصروا الإمام الحسين (عليه السلام) بحجة أنه لم ينصر الإمام لأن لديه عائلة ويخاف عليهم من بطش بني أمية، فكان اصطحاب الإمام (عليه السلام) لنسائه ردًا على مثل هؤلاء الذين أرعبهم الظلم الأموي تاركين إمام زمانهم يخوض حرب النصر وحده (عليه السلام) - وإن أردنا التمعن أكثر نجد اصطحاب النساء كان بمثابه صرخة في وجه الظالمين... عله يستطيع من خلالها إيقاظ تلك الضمائر التي تخلت عن إمامها وهي ترى أن الإمام اصطحب جميع أهله وكان الركب الحسيني يتألف من فئات عمرية مختلفة من طفل وشاب وشيب ولم يختص بفئة معينة دون أخرى... هذا من جهة. ومن جهة اخرى أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يظهر للعالم أنّ حركته -اصلاحية وليست بحركة ارهابية لأن من يريد إشاعة الخوف والارهاب والقلق لا يصطحب معه أعز الناس وبهذه الخطوة اثبت أنّ الحركة حركة اصلاحية، (إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي) (2). إن كربلاء استمرت بمبادئها وقيمها التي استمرت بعد الدين من خلال نساء العصمة، ولا يخفى أن للنساء دورًا كبيرًا، وكان الدور الأكبر في كربلاء لنساء خلدهنّ التاريخ ولم يستطع طيها أميرة وبطلة كربلاء زينب بنت علي (عليه السلام) أخت الحسنين (عليه السلام) إن من يتابع مجريات وأحداث عاشوراء يعلم بل يتيقن أنّ الحسين لم ينته بشهادته (عليه السلام) كما كان يتصور الأمويون، بل العكس تمامًا لقد بدأت رحلة جديدة بعد الشهادة مباشرةً، وهي نشر زيف بين أمية وإظهار الحقائق وبيان الظلم الذي تعرض له أهل البيت (عليه السلام)، فكانت الحوراء وبقية نساء بني هاشم قد كلفت لهن هذه المهمة... لقد كان للنساء دور نغَّص على الأمويين فرحتهم الكاذبة بالنصر وإذا بهؤلاء السبايا وبكل موقف وقفن فيه، قد قُمْن بزرع مشاعر الولاء لأهل البيت فساهمن بنشر القضية الحسينية بكل ما تحمله من معالم سامية. لقد كانت ظهور النياق منابرًا لإظهار الحقائق واستمر هذا النشاط الاعلامي والثقافي والفكري طوال طريق السبي... فتأججت المشاعر... حتى يومنا الحالي… ربما يكون هذا ما عبّر عنه إمامنا الحسين (عليه السلام)، بقوله (شاء الله ان يراني قتيلا وشاء الله ان يراهن سبايا) (3). __________________ 1- مقتل الحسين بحر العلوم ص 185 2- بحار الانوار العلامة المجلسي ج 44 ص 329 3- مقتل الحسين ع السيد محمد تقي بحر العلوم ص 159- 160
اخرىبقلم: حوراء رضا التكنلوجيا كالبحر العميق الذي لا يتمكن أحدٌ من تجاوزه إلا بعلمٍ ودرايةٍ بكيفية التعامل معه، ولكنه رغم ذلك بات يشكل جزءًا كبيرًا من الحياة، فنرى كلًا يستخدمه من الكبير والصغير والرجل والمرأة، حتى استطاع وبكلِّ جدارةٍ كسبَ الأفراد من خلال ما يتمُّ نشره ومتابعته في نفس الوقت. ولا يخفى على العالم أنَّ الإنترنت قد أضاف جمالًا ورونقًا على الحياة في بعض مواقعه وفي بعض طرق الاستفادة منه، فقد اتخذه البعض وسيلةً لطلبِ العلوم التي يرغب بها، وساهم البعض الآخر عبره في إيصال علومه ومعارفه لأكبر عددٍ ممكن، وبذا كان وسيلةً تسمو بالفرد وتطوره. إلا أنّ له مساوئ أيضًا؛ فقد احتل عالمنا وبشكلٍ كبيرٍ وملحوظ حتى أصبح الصديق القريب للكثير من الناس؛ لطول الوقت الذي يقضيه الفرد برفقته مقارنةً بالوقت الذي يقضيه بين أفراد مجتمعه، حتى صار أشبه بالغريب بين أفراد عائلته وأحبابه؛ لا يعلم عنهم إلا القليل الأقل! كما وجدت فيه الكثير من المنظمات أداةً لتوسيع أفكارها الفاسدة، ونشرها للإطاحةِ بالدين والمذهب والعقيدة، فنراها تنشر هنا فكرًا وهابيا؛ لتشتيت فكر الشباب الشيعي، وفي صفحةٍ أخرى تُروِّجُ للنيل من أهل البيت (عليهم السلام) وتدعو إلى تكفير أتباعهم، وهكذا. ومن الملاحظ أنَّ هذه المنظمات وأشباهها تستهدف فئة الشباب بشكلٍ كبيرٍ وملحوظ أكثر من غيرهم؛ لأنها الفئة المهمة في تقدم المجتمعات عادةً، فأحاطتهم من جميع الجهات بما يُشتت أذهانهم ويجعلهم في بحرِ الضياع عن دينهم وعقيدتهم، لا ينجو منه إلا الشاب الذي تربى منذ نشأته الأولى على المعارف الدينية والفكرية الصحيحة، فاستطاع تخطيهم، بل وربما النيل منهم ومن أهدافهم ومحاربتهم إعلاميًا وكشف فسادهم وزيفهم. وأما من لا ثقافة دينية له فمن السهل جدًا أن يقع في شراكهم، ويتجرد من عقيدته ومبدئه ويتأثر سلبًا بهم، وجهلًا بثقافتهم الكاذبة، وربما يتجرد من غيرته ورجولته فيسعى إلى نشر الفساد بين الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لذا فإنّ الإنترنت لا يخلو من خطورة، وعليه لا بُدّ من التوعية وغرس روح الإيمان في النفوس، لاسيما في هذا العصر الذي تكاثرت فيه الأيادي الآثمة الهادفة للنيل من كرامة المسلم ومبادئه، ويرجع الأمر أولًا وليس آخرًا للأهالي الكرام الذين يمارسون الدور الأساسي في تنشئة جيلٍ واعٍ مثقفٍ، يحمل رسالة التبليغ الإسلامي لينشرها ويحافظ عليها بكلِّ ما أوتيَ من قوة، وتتوقف القوة على مقدار الإيمان الحق والارتباط بالله (جلّ وعلا) فلا يختلف الإنترنت عن واقع حياتنا اليومية، ففي الحالتين: نحن بين أمرين: الأول: الخير والصلاح والإصلاح والتطور فكريًا وعمليًا. والثاني: الرجوع نحو الخلف ونشر الجهل والفساد. وقد فضَّلنا الله (تعالى) بالعقل. فلننظر ماذا نختار... ولدي العزيز: لا تتجرد من رجولتك وغيرتك وتساهم في تسليط الشيطان على تفكيرك وتصرفك، وحافظ على غيرك كما تحافظ على أحبتك وعائلتك، واعلم ولدي، أنَّك بنظر الله (جل وعلا) فاسعَ لرضاه (سبحانه). *ابنتي العزيزة: أنتِ جوهرةُ الحياة؛ فحافظي على عفتكِ وحيائكِ؛ فقطعة الشكولاتة التي تكون مُغلفةً بأجمل الأغلفة أجمل بكثيرٍ من قطعة الشكولاتة من دون غلاف، معرضةً للتلوث بمختلف الميكروبات والقذارات. *ابنتي: مثل ما وضعتِ اسمًا مُشرِّفًا يُظهِرُ إيمانكِ بأهل البيت (عليهم السلام)، فاحرصي أيضًا على أن تكون تلك الصورة التي تضعينها أهلًا لذلك الاسم المبارك. *عزيزتي: لا تنبهري بالإعلام الكاذب الذي يدّعي الدفاع عن حقوقِ المرأة وحريتها، فما هو إلا وسيلةٌ للنيلِ منكِ عزيزتي؛ لأنكِ زينبيةُ الخُطى، فحافظي على خُطى النصر الزينبي الذي ما زال حتى اليوم عائقًا في نفوس الظالمين، فإنَّ الله تعالى كرّمكِ عزيزتي وأعطاكِ منزلةً رفيعةً جدًا، فلتكوني جبلًا لا تهزه هذه الموجات السامّة المُوجهة نحوكِ. وفي الختام نسألُ الله العلي القدير التوفيق...
اخرى