بقلم: جلال التوبي لا يقع الطلاق فقط عندما يتلفظ الزوج بصيغة الطلاق، وتقبع الزوجة في قاعة المحكمة ليُدلي الشهود بشهادتهم، ويقرعُ القاضي مطرقته إيذانًا بإطلاق حكم المحكمة بأنَّ طلاقًا قد وقع فقط، بل ثمةَ طلاقٌ من نوعٍ آخر يُسيطر على العلاقة بين الزوجين بفعلِ الفتور والتنافر والرفض النفسي، فيجعل الحياةَ الزوجية فارغةً من مضمونِها، ذلك هو الطلاق النفسي غير الموثّق. فالطلاقُ النفسي هو حالةٌ زوجيةٌ تفتقدُ فيها العلاقةُ بين الشريكين لجميعِ مقومات الشراكة، من مودّةٍ وحبٍ واحترامٍ وتفاهمٍ وحوارٍ، لتصبح علاقةً مدمرةً من الداخل، يسودها نمطٌ من التنافر بين الزوج والزوجة، حتى تكون أقرب إلى حياةٍ زوجيةٍ شكليةٍ فقط. ولو توافرت شروطٌ موضوعيةٌ أخرى، أو تُرِك الخيار لأحد طرفي هذه العلاقة أو للطرفين معًا لاتخذا قرارهما بالطلاق الواقعي. هذا وتكثرُ العواملُ المؤدية إلى الطلاق النفسي، وتنقسم بين عوامل منظورة وأخرى غير منظورة، فأما العوامل المنظورة فقد يتحدث بها الزوج أو الزوجة للأهل والأصدقاء كمحاولةٍ لا بد منها، أملًا في إلغاء الثغرات القائمة، إلا أنَّ هناك عواملَ غير منظورةٍ قد لا يقولها الزوج لا لزوجته ولا لأهله ولا لأصدقائه، وكذلك الزوجة. وعلى هذا يتراكم الضغط النفسي على الزوجين؛ لأنَّ الصراحة في العديد من الأمور الخاصة قد تؤذي المشاعر، ولكنّها تفتح مجالًا لتخطي الخلافات. يُعدُّ عدم الثقة من أبرز عوامل انهيار كيان الأسرة نفسيًا، فإذا فُقِدتِ الثقة بين الزوجين ضَعُفَ الولاء والارتباط بالأسرة، وحينها تتحطّم وتفقد مصداقيتها. وكذلك فإنّ الاحترام المتبادل بين الزوجين ضروريٌ لزيادةِ المحبة الزوجية، وإلا تحطمت الأسرة وأصبح الزوجان كأنّهما عدوان في بيتٍ واحدٍ، يترصدُ كلُّ واحدٍ منهما الآخر، وهنا تفقد العلاقة الزوجية ودها وولاءها، ويتمنى كلٌّ من الزوجين الفراق قبل كلِّ شيء. وبحسب دراسةٍ بحثت في 168 ثقافة مختلفة من أنحاء العالم، تبيّن أنَّ (46 %) فقط من الثقافات موضع الدراسة تمارس الحياة الزوجية بالمفهوم الرومانسي، وأما الأغلبية الباقية فترى في مؤسسة الزواج مجرد نظام اجتماعي وجنسي يجب على الإنسان الالتزام به؛ وهذا ما زاد من نسبةِ الطلاق النفسي في الحالات التي بحثتها الدراسة إلى أكثر من (55 %). وأوضح الباحثون أنَّ من أهم أسباب تدمير العلاقة الزوجية هي إهمال التعبير عن المشاعر، وعدم استخدام كلمات المودة والألفة الواضحة والصريحة بين الزوجين.
اخرى