بقلم: علوية الحسني إلى معلمتي في الحوزة العلمية... أذكر يومًا درسنا عن الحجاب فقالت لنا: إن الله سوف يُعلقني من شعري، وإنني سأُجلد بسياط من نار إن لم ألتزم بتشريعات ديني. وإن إِمام زماني ينظر إِليّ ويرى ما أفعله وما أرتديه من الحجاب، وإِن عدمَ التزامي بحجابي سيُدخلُ الحُزنَ في قلبِ أمامي. شعرتُ بحزن عميق وألمٍ يعتصر قَلبي، خنقتني العبرة، استأذنت وخرجت من الصف حتى صرت أبكي وأبكي بشدة، وحينها طلبت من الله (عز وجل) أن يعينني حتى أكونَ فاطمية زينبية ممهدة للدولة المهدوية قولًا وفعلًا، لأفوز برضى ربي وأُدخلَ السرورَ على قلبِ أمام الزمان وولي الأمر (روحي فداه). ولا أنسى ذلك اليوم الذي نصحتني به معلمتي أن أكون غيورة على نفسي وأن أشعر بأني جوهرة ثمينة، أصونُ نفسي وأُخبئها وأُحافظ عليها كما تُصانُ وتخبأُ الجواهر... أخبرتني أنه كلما زادت حشمَتُكِ وحفاظك على حجابك كلما كُنتِ أغلى وأثمن... وقالت: كوني أكثر تميزًا وحشمة، كوني أكثر تقربًا لله، واجعلي غايتك أن تكوني جميلة بعين الله وبعين الزهراء (عليها السلام) وبعين صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، لا بعين الناس... فرضى الناسِ غاية لا تُدرك. حتى تنالي رضى الله (عز وجل) وتسعدي قلب ولي الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وتُفلحي وتنالي سعادة الدارين الدنيا والآخرة... هذه كانت نصيحةَ معلمتي شكرًا لكِ يا من ارشدتني إلى طريق السعادة والخير والفلاح... هوّنَ الله عليكِ وقفة يوم الدين عندما تُسألين... ورزقكِ سعادة الدارين ولك مني خالص الشكر والامتنان.
اخرىبقلم: علوية الحسني تعودُ ليالي الحزنِ والأسى لتكسي معها الخافقين؛ إيذانًا لبدءِ مراسم الحزن على قتيل أرضِ الطفوف، ذلك الشهيد الذي أحيا بدمه الإسلام حينما كادَ أن يموت، فأبى (عليه السلام) إلّا أن يكون دمهُ هو الهزة التي تنعش ضمير أمة أوشكَ أن يستحكم فيها الطاغوت، فينتشر فيها فسادهُ وطغيانهُ... إن أول صور الاستعداد لعاشوراء هو فتح عين البصيرة لرؤية الحقائق الملكوتية الكربلائية، وجلاء هذه العين بالتوبة النصوح والاستغفار الحقيقي والرجوع الكامل لله تعالى وإزالة الذنوب وأتربة العيوب وطين المعاصي عن العين، لأن الحُسين(عليه السلام) باب الشفاعة، والحُسين (عليه السلام) مدرسة، وكربلاء درس. مدرسة الحُسين (عليه السلام) علمتنا كيف نحب الله قولًا وفعلًا، علمتنا كيف نُميز بين الحق والباطل ، علمتنا الحرية الحقيقية، علمتنا كيف ندافع عن ديننا. فالحسين (عليه السلام) عندما خرجَ مع أهله وعياله إلى كربلاء وهو عالم بما يحصل له وأنه سوف يُقتل أصحابه وأولاده وإخوته، من أجل الحفاظ على الإسلام واعلاء كلمة الحق؛ لأن الحُسين يُمثل الدين كله، فليكن هذا المحرم مختلفًا عن غيره مما سلف بالتقصير في إحياء ذكرى عاشوراء الحُسين (عليه السلام)، فحبذا لو قبِلَنا الحُسين (عليه السلام) من خدامه والموالين له... ويا حسرتاه لو طردنا من زمرتهم النقية الطاهرة... لتكن عاشوراء الحُسين (عليه السلام) هذه محطة تغيير، محطة نجاة.
اخرىبقلم: علوية الحسني تعلمّنا من مدرسة كربلاء دروسًا في الشهادةِ والمروءة والثبات لأجل المبادئ، تعلمّنا من الحُسين (عليه السلام) التضحية؛ أن نقدم كلَّ غالٍ لدينا لأجل الحق، كما ضحّى بأغلى ما عنده، بل ضحّى بكلِّ ما عنده من أبناء وأصحاب وإخوان ثم نفسه الشريفة في سبيل الله، لأجل الحق والعدل والإصلاح، وهو يقول مخاطباً رب العزة بلسان الحال: (إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى). كما تعلّمنا أن نكون شجعاناً لا نخاف، وأن نصبرَ كما صبر بعد أن فقد في ظهيرة عاشوراء أصحابه وأبناءه وإخوته، حتى طفله الرضيع لم يسلم من الأعداء، فقد حيرَّ خلق الله وملائكة السماء بصبره، إذ بعد فقده لكل أهل بيته، يأخذ جواده ويذهب ليقاتل الأعداء ويترك وراءهُ نساءً وأطفالاً عطاشى، فأيّ قلبٍ هو قلب الحُسين (عليه السلام)؟ حملَ كلَّ ذلك الألم والحزن والمآسي في تلك الظهيرة، ومع ذلك كان صبورًا صلبًا، أعطى درسًا للأجيال أن يكونوا مع الحق لا تأخذهم لومة لائم. نعم! علمّنا الحُسين (عليه السلام) أن نُبكي الأعداء... حينما نُحاربهم... لأنهم مهزومون ولو انتصروا! لأنهم في صراع الخير والشر كانوا ضحية أنفسهم، الحسين (عليه السلام) علّم الأجيال أن العلمَ صلاة، والعملَ نجاة من النار، وأن الإحسان الى والديك وأهلك كالموت مع الحُسين (عليه السلام) في كربلاء، وأهم دروس كربلاء عدم الرضوخ إلى الذل والمهانة، كما قال (عليه السلام): (إن الدعيّ ابن الدعيّ ركزَ بين اثنتين، ركزَ بين السلّةِ والذلة وهيهات منا الذلة).
اخرىبقلم: علوية الحسني أسمى أنواع العشق هو محبة العبد لربه دون طلب حاجةٍ؛ فإذا كان العبد كذلك كفاه الله أن ينال من دينه شيءٌ في هذه الدنيا. العشق لله هو طريق يقود للجنة، وفرح للقلب، ومن أحب الله وبادله الحب، عرف الله، ونال رضاه، وحصل على كل خير، وكتبت له الجنة... العشق الحقيقي إلى الرب الواحد الذي وصل له الأنبياء وأهل البيت (عليهم السلام) والصالحون هو عشق المعشوق الواحد الأحد الذي يجعل القلب والجوارح كلها تعمل لإرضاء الله تعالى، والوصول إلى الحقيقة الربانية التي وصل لها أولياء الله، فإذا دخل هذا العشق إلى قلب الإنسان أصبح عابدًا ساجدًا عاملًا للخير كله بعيدًا عن أي عمل فيه شر، سواء أكان فعلًا أو كلامًا أو أي شيء آخر... المحب لله لا يتكلم كثيرًا بل يعمل كثيرًا... والذي يصل إلى هذا العشق المجرد يصبح زاهدًا ولا يتمسك بالدني، لأنه يعرف أنها قصيره جدًا ويصبح قلبه ينبض إلى ملاقاة الله تعالى، لأن الذي يعشق يريد أن يلقى معشوقه بأسرع وقت. لذلك في يوم عاشوراء تكلمت السيدة زينب (عليها السلام) عن هذا الفوز الكبير لأهل البيت (عليهم السلام) والواقع هو فرحهم بلقاء الله تعالى والفوز الكبير والعمل بتكليفهم الإلهي في الأرض بكل نجاح. العشق يستلزم الالتزام بكل ما يطلبه منا الدين الإسلامي، فليس حب الله تعالى بكثرة الصلاة والصوم وعمل الأوراد والتسبيح و... فقط، وإنما إذا دخل هذا الحب الإلهي إلى قلب الإنسان أصبح رحيمًا عطوفًا متواضعًا يحترم الكبير ويعطف على الصغير، يصون لسانه ويصون يده عن عمل الشر، ويسيطر على تفكيره بتوجيهه إلى الخير ولا يسمح بدخول أي فكرة شر إلى دماغه أو حواسه... يساعد المحتاج بكل وسيلة: بالمال والكلام وحتى بالابتسامة، فالابتسامة في وجه أخيك المسلم تلين قلبه لك، هذا هو الدين وهذا هو الحب. ما فائدة كثرة العبادة بدون الرحمة والعطف والتراحم بين الناس والتسامح! قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا تخلّى المؤمن من الدنيا سما، ووجد حلاوة حب الله، وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط، وإنما خالط القوم حلاوة حبّ الله، فلم يشتغلوا بغيره). المطلوب الآن هو إزالة الحُجب من القلب ليتجلى جمال الحق تعالى داخله فيهيم بعشقه، فالبيت المظلم لا يشرق فيه نور العشق المُقدس.
اخرى