بقلم: ابنة الأمير الرؤيا وأنت فاتح العينين وقلبك يخفق وروحك جزعة متلهفة، ترى العالم من نافذة السماء ويتراءى لك أنت في العالم الفوقي، تتلذذ بأصوات المستغيثين، يذهب عنك الخوف تمامًا وأنت تتنقل بين قباب صغيرة تحيط بتلك القبة العملاقة... وعيناك تحتضن كل شيء، وأُذناك ينساب إليها صدى هتافِ اسمِه، وهو يمر حول القباب باتجاه السماء... أي قوة يملكون وأي حب كبير يسكن حنايا القلوب... كلمات... كلمات ما أطيبها وهي تتسلق وتطير وتبحث عن منفذ الصعود إلى سماء الملك، وأنت على حافات الممرات تتنقل كفراشة تبحث عن ملاذٍ لها؛ كي تنفش ما تبقى من أجنحتها الملونة... هل شعرت بالحزن؟! - نعم... حزن خالٍ من الخوف، ودموعي كانت عنوان تعشقي مع الحدث... كنت لا أهاب الموت وأنا أميل يسارًا ويمينًا وأحيانًا إلى الأمام بلا تردد... حسبت إنني سقطت من أعلى الضريح باتجاه العاشقين... وأمسكني في اللحظة الأخيرة محب خلفي يبكي على بكائي. استفزني ذلك الطائر الذي يحوم حول القبة الذهبية دون أن يحرك جناحيه... جميع الأبصار انتبهت إليه، إنه لا يجزع من الدوران... إنه مثلي ومثل الجميع ينظر الخادم أن يخرج من قمة الفتحة بأعلى القبة... الطائر يحوم ويقترب والأصوات تتعالى بالتكبير والتهليل والدعاء... إنها ليلة من ليالي الجنة رسمت في بقعة من بقعها التي اخضرت بدماء السعداء من ألف وأربعمائة سنة ونيف... الطائر يقترب أكثر والأصوات تشتد، وفي لحظة الهياج العاطفي فتحت تلك الفتحة ليطل منها خادم يرفع كلتا يديه باتجاه السماء، سكن الجميع وعم الهدوء وساد صمت غريب بغربة المكان وتحولت الأجواء إلى لون دموي وتشابكت الإضاءة في حائر المكان فأصبح محرابًا مقدسًا لرجل مقدس أذن للصلاة... صلاة التشيّع، صلاة العروة الوثقى، صلاة توحد القلوب، العاشقة الوالهة بحب إمام نذر نفسه وأهله من أجل عطاء الوجود الذي منّ به الملك لعباده... فكان دمه عنوان النصر والبقاء، فبدأ بشخص، وانتهى بملايين يسعون زحفًا إليه... أجنحة الطائر أصبحت حمرًا، والخادم رافع يده وكأنه يسقيه ماءً، منظر يثير البصر، ارتفعت أصوات الآلات تعلن بدء المراسيم... فأنزل الخادم العلم الأحمر بتأنٍ، والآلات تعلن صوتها وتمتزج أصواتها مع أصوات الجمهور الشيعي الكثيف... الطائر يدور بسرعة والخادم ينزل العلم ببطء ويداه تسحب الحبل بقوة يتهيأ للرائي أن هناك قوة تسحب العلم للسماء وقوة الخادم تسحبه باتجاه القبة، والشاهد الوحيد الطائر فيما إذا كان هنا صراع بين السماء والخادم... تمكن أن يطوي العَلم وانهالت الأصوات مع الآلات تتعالى باتجاه الأفق وصدى صوتها يجعل الطائر يسرع في دورانه... وارتفع بأعجوبة عَلمُ الحزن والألم والوجع ليعلن بدء الحداد السنوي لصاحب القبة، وما أن رفرف علم الحزن والفجيعة حتى توارى الطائر عن الأنظار، واختفى الخادم تحت قبة الإمام... فكان أول أيام عاشوراء....
المناسبات الدينيةبقلم: ابنة الأمير أمسكتُ القلم أريد أن أكتب موضوعًا جديدًا في هذا الباب... عقلي الصغير لم يكن قادرًا على النطق هذه المرة! لماذا؟ لا أعرف السبب، ولكن لا بد لي من الكتابة، فقد أصبحت هي وجهي الحقيقي الذي من خلاله أتكلم بكل حرية بلا نفاق أو كذب، ولأن النفاق أصبح خبز الحياة الذي من دونه تتساقط الوجوه بدأت أصاب باليأس والضجر. قال لي: أكتب عني. من أنت حتى أكتب عنك؟ قال: أنا شريك الإنسان في عمله وسكونه، كلامه وصمته، لا أتركه حتى ينام في ملحودته. قلت له باسمًا: إذًا أنت إبليس الملعون! قال: نعم أنا الملعون، واللعنة تلاحقني أينما حل اسمي في مكان أو حديث، ولكن لا تنخدع كالآخرين، فأنا محبوب عند الكثيرين وإن لعنوني، أنا أيضًا أعاني مثلك من كثرة النفاق! سـألته: أوَ لست أنت سيد المنافقين وشيخهم؟! قال: لا، هذه الأوصاف لم أحصل عليها بعد، إنما أنا تلميذ أتعلم عند ولد آدم هذه الفنون والألوان من الخداع والنفاق... أنا امتنعت عن السجود لأبيك لا أكثر، أما أنتم يا أولاد آدم فأنكم ترتكبون الحماقة تلو الحماقة والذنب بعد الذنب وبكل وقاحة تنسبونها لي، (لعنة الله على إبليس)! ولكن إذا اختلى بي أحدكم قال: أنا معك يا صديقي ويا حبيبي، مرني بما تشاء فإني لك سماع مطيع، ولا تؤاخذني بشتمي ولعني إياك أمام آ، فعلاقتنا لا بد أن تكون ملفوفة بغطاء السر والكتمان وإلا افتضح أمري وخسرت ما أنا عليه من مركز ونفوذ في قلوب الآخرين... ثم سكت هنيهة وأردف قائلًا: ألم أقل لك أنني أعاني مثلك من كثرة النفاق والاحتيال! ضحكت من كلامه الذي بدا كالسم يسري في أوداجي: يا لعين، كأنك تصور نفسك نعجة أو حملًا وديعًا لا حول لك ولا قوة. ردني بضحكة عالية مبديًا أنيابه الصفراء: هكذا يظن بي أغلبكم وأنت واحد منهم، أنني ذو قوة وسلطة ونفوذ على ولد آدم، مع أنني مخلوق بسيط وضعيف، مشكلتكم إنكم لا تريدون أن تفهموا قرآنكم، هاك هذا السر الذي لا أعطيه لأحد: اقرأ الآية (76) من سورة النساء ستعرف من أنا! ثم انصرف عني لا أعرف هل هذه وسوسة شيطان أم نصيحة، وأي شيطان هذا يعطي النصائح لا أعرف! "الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا"
اخرىبقلم: ابنة الأمير النفس تحترق حزنًا ولكن بلا دخان يسد آفاق السماء. فالاحتراق خالٍ من ثاني وأول أوكسيد الكاربون بل هو خالٍ من أي رائحة كريهة. هرعت إلى طبيب حاذق علّه يرشدني لمعرفة السبب، والحمد لله أن طبيبي لم يكن كباقي القصّابين (يبحث عن العلّة فيعالجها ثم يزرع بأنامله علّة جديدة اسمها العوز والفقر عند المرضى). قال لي: بُنيتي احتراقكِ ليس من عالم الماديات ولذلك لا تجدين له أثراً في الخارج فلعلكِ تحتاجين لعلاج خاص أيضاً ومعالجكِ غائبٌ الآن ولكن قولي لي: لمَ الحزن؟ رفضتُ البوح بما في خلدي فالسكّين المغروز في قلب المصاب يؤلمه جدًا لو أخرج من قلبه. فحتى نحافظ على المقتول يجب أن لا نخرج السكين وإن كان مقتولًا لا يشعر بالألم بل لمراعاة القاتلين الواقفين على رأسه، فملابسهم بيضاء ناصعة ولعلها تتلوث بقطرات دم الأبرياء. قررتُ اغتيال هذا الجرح ولن أتكلم عنه مرة بعد مرة فالأصوات قد بحّت والكلمات قد ذبلت ولساني الذي كان صادحًا بات اليوم كالحجر في فمي (لقلّة الاستعمال أو لانتهاء الصلاحية). سأبقى منتظرةً، ساهرةً، نائمةً (على الجمر)، وأنا أنظر لهذا الدين وقد أصبح غريبًا بين أهله ووليمة للضباع، فالأسد إن غاب كانت المملكة مملكة ضباع تسرح وتمرح... منتظرةٌ لك سيدي حتى يأذن ربك وربي بالخروج والفرج، ولكن سيدي أخبرك بأن الضباع تزداد وتنتشر في كل الأرجاء وأنا أخاف على نفسي أن تموت بعد الاحتراق فتكون ضبعًا مع الضباع! (اللهم عجّل لوليك الفرج).
اخرىبقلم: ابنة الأمير كم كنا نستمتع في تلك الساعات التي نقضيها في أيام العيد ونحن نلعب ونمرح ونضحك بلا هموم أو نكد.... كان العيد بالنسبة لنا مصدر سعادة ليس يدانيه مثيل، ولكن بمجرد أن تنتهي أيامه حتى نرجع إلى ما كنا فيه من روتين مقيت مملّ، مدرسة وامتحانات وعذاب وعقوبة (هكذا كنا نظن؛ لصغر عقولنا) كنا ندخل إلى تلك الساحة المفعمة بالضجيج والصياح ولا نعلم لماذا؟ إلا أننا كنا بمجرد أن ندخل مباشرة نلتحم مع تلك الموجة الصاخبة، (فحشرٌ مع الناس عيد) بمعنى الكلمة. الملفت للانتباه: أن كل من يحضر إلى هذه الساحة ينسى ما تربى عليه من حسن الأدب والمشي بهدوء تام وعدم الصياح بالشارع (هكذا علمنا الآباء حينما كانوا يعلّمون!) ولا يبقى من تلك التعاليم المقدسة شيء حتى نرجع إلى بيوتنا، فنلبس مرة ثانية وشاح القداسة... اليوم لم يبق من تلك الأمور السعيدة شيء، بقي شيء واحد ألا وهو (مراجيح العيد) فقط هي من بقيت لنا، ولكنها بُدّلت بثوب جديد، فالحبال قد نسجت بيد إبليس خصيصًا لمراجيح العيد... ومقعد الجلوس الذي يجلس عليه المتأرجح هو مجموعة من التعاليم والقيم الدينية والاجتماعية.... بل حتى العامل على تلك الأرجوحة هو شخص قد عيّن بعقد مؤقت عند الشيطان. والمتأرجحون هم كثير من الناس كتبت في بطاقاتهم الشخصية فقط (مسلم!)، يتأرجحون بين ثنايا وهْم السعادة المبتذلة التي يظنون أنها باقية ولا تفنى... ولكن هيهات ثم هيهات، يتأرجحون من وهْم إلى وهْم، أما الحقيقة فقد جعلت مقعدًا يجلس عليه أصحاب الوهم والنسيان، نسوا أن الحرام دومًا يبقى حرامًا ولا توجد له فسحة من الزمان حتى يكون مباحًا أو حلالًا، والواجب هو الواجب لا يسقط ولا يبدل أبدًا.... الغريب أن هؤلاء جميعهم رغم أنهم (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) حين يتقابلون يقول كل واحد منهم للآخر (أسعد الله أيامكم)! وكيف يسعدهم وهم يقابلونه بالمعاصي والذنوب؟! ولعلّهم لم يسمعوا قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (كل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد).
اخرى