بقلم: محمد علي ولد شخص في عائلة لا تحب التحرر، وتفضل التقاليد والأعراف على أي شيء، وهو من أشد الرافضين لبعض سلوكياتهم التي يراها غير صحيحة البتة، ولكن بحكم طاعة الوالدين ورضا الله من رضاهم يجد نفسه يوافق على قراراتهم التي يقررونها له منذ أن كان طفلًا! فعلى سبيل المثال: مسألة الزواج، فَفي بعض العوائل يقررون أن يزوجوا أبناءهم وبناتهم ويرتبونهم حسب آرائهم، فيقولون: فلان لفلانة وفلانة لفلان! وبعد عبور مرحلة النضج والبلوغ لا يحق للأبناء الاعتراض على ذلك، لأن الأشخاص الكبار في العائلة هم الذين قرروا ذلك، وفي بعض الأحيان يحصل زواج لا تفاهم فيه ولا حب، ونجد الرجل متسلطاً على المرأة وكأنها مجرد حيوان يقضي له حاجاته. مر هذا الشخص بمثل هذا الموقف، وتقرر له الزواج بابنة عمته، رغم أنه لا يملك مشاعر الحب والمودة تجاهها، وعلى الرغم من الفارق الدراسي الذي بينه وبينها فهي مجدة مجتهدة في دراستها وهو لا يملك حتى شهادة الابتدائية، لكنه يعمل في محل والده وهو محل للمواد الغذائية، لكنه قرر أن يحبها وأن يقبلها وأن يجعلها تحبه ليعيشوا حياة زوجية سعيدة وليكونوا بعد ذلك عائلة... ليحاول كسر هذه التقاليد والعادات الخاطئة. ينقل على لسانه: لم تكن لدي معرفة كاملة ودقيقة وشخصية بابنة عمتي التي سوف أتزوج منها قبل الزواج لأنها كانت منغلقة على دراستها متفاعلة معها تاركة التفكير بالتواصل مع أقاربها، كان ينقل لي من خلال والدتي وعماتي بأنها فتاة متدينة ومحترمة وجميلة وأنها سوف تعجبك. خلال فترة الخطوبة التي يجب على الخاطبين فيها التعرف على بعضهم البعض ويجب عليهم كذلك التشاور وتقديم آرائهم حول حياتهم المستقبلية، لم تتوفر لي مدة كافية لأتعرف بشكل دقيق على مخطوبتي ثم تزوجنا في مدة سريعة ومستعجلة لسبب أني لا أملك أختاً لكي تساعد والدتي في أعمال البيت. في مرحلة الخطوبة لم تتح لي الفرصة الكافية لطرح سؤالي الذي يدور في ذهني وهو: ما هو رأيك بهذه الطريقة من الزواج أو التقليد المتوارث من أجدادنا إلينا؟ فقررت أن أسألها ذلك السؤال في بداية مرحلة زواجنا… فقالت وبابتسامة: لماذا تسأل هذا السؤال وفي هذا الوقت تحديدًا بعد أن تزوجنا وتم زواجنا؟! أليس من المفترض أن يكون ذلك السؤال في بداية الأمر؟! فقلت لها: ذلك لسببين: الأول: أنتِ تعرفين ما يجري بالتأكيد وإن قصة زواجي بكِ منذ أن كنّا أطفالًا وهي مطروقة بأنك سوف تكونين من نصيبي. والسبب الثاني: أنا أحترم فكرة أن الفتاة لها حق في أن تختار شريك حياتها وبقناعتها التامة بدون أي ضغط من أهلها. وأنتِ الذي جرى لك على العكس تمامًا فقرروا لي ولك منذ أن كُنّا أطفالًا على أن نصبح زوجين واليوم نحن متزوجتن وأنا من المستحيل أن أُؤذي مشاعرك وسوف أكون إن شاء الله زوجًا صالحًا وأتمنى من الله أن تكوني أنتِ كذلك. فقالت: يبدو أننا متشابهان من حيث تفكيرنا ورفضنا لهذه العادة المتوارثة منذ زمن طويل، فأنا أيضًا رافضة لهذه الفكرة لكن على أي حال سوف أكون لك زوجة صالحة إن شاء الله وسوف نُربي ونعلم أولادنا معًا على حرية التعبير عن آرائهم وقرارتهم ومعتقداتهم بعد أن ندلهم على الطريق الصحيح ليكونوا هم المسؤولون عن قرارتهم التي يتخذونها ويتحملون مسؤولية عواقبها. الحمد الله أن زوجتي تفهمتني و قررنا سويًا أن نغير هذا الشي المتوارث. اليوم أنا سعيد جدًا وزوجتي كذلك التي أكملت دراستها وأخذت شهادة الدكتوراه في مجال عملها وبقت بعد زواجنا على مثابرتها وطموحها الكبير في الوصول إلى المعالي، وولد لنا ابنتان وثلاثة أولاد وهم يدرسون ويثابرون على دراستهم ويمتلكون قوة في الشخصية ودراية كبيرة بالأمور التي يفعلونها ويتممونها على أكمل وجه، أعطيناهم حرية التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم مع مجادلتهم على القرارات التي يتخذونها من دون غصبهم على أي شيء وهم اليوم يعتبروننا أكثر من أم وأب بل يعتبروننا أقرب الأصدقاء اليهم. في النهاية أحب أن أقول لكم: إن البعض الآباء والأمهات يعاملون أبناءهم بطريقة (أنا أنت) ومن باب حرصهم الزائد على أبنائهم يقررون ويخططون لأبنائهم دون أخذ رأيهم. وإذا -لا سمح الله- حدث فشل في أمرٍ ما فأنهم يقومون بإلقاء اللوم عليه وكأنهم لم يكونوا السبب في ذلك! شيء جميل جدًا أن تحرصوا على أبنائكم وتبحثون عن الأفضل لمستقبلهم لكن بنفس الوقت أعطوهم مساحه لحرية الاختيار دعوهم يتخذوا قرارتهم بأنفسهم ويتحملوا المسؤولية... قدروا مشاعرهم واحترموا آراءهم ولا تربوهم كما تربيتم أنتم، فإن الأجيال مختلفة عن بعضها البعض وفي هذا نجد الإمام علي (عليه السلام) يقول في ما نُسب إليه: لا تقصروا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم خلقوا لزمانٍ غير زمانكم". فكل جيل يختلف عن الجيل الذي يسبقه في هذا الزمن المتسارع فبالمشاورة والتفاهم معهم نصل إلى الحلول لنعيش حياة سعيدة معهم، مع الحفاظ على الثوابت الدينية والعرفية الصحيحة، فهذه تكون خارج المساومات بلا أدنى شك.
اخرىبقلم: محمد علي في بداية دورة حياة الفراشة تولد على شكل حشرة عادية لا تشبه الفراشة البالغة المتعارف عليها، تمر في بداية حياتها وبشكلها البدائي بمرحلة تمييز عنصري إذا صح التعبير حيث لا تحظى باهتمام الناظرين لها كفراشة فاتنة؛ لأنها لم تصل إلى مرحلة الكمال ليفتتن بها المقابل، فتعود أدراجها وتصنع شرنقتها الخاصة لتبقى أيّاماً معدودة في عزلة تامة لتخرج لنا بشكلها البهي الأخاذ، وتبدأ الأنظار متجهة نحوها والأضواء مسلطة عليها، وفي حال لمسها إنسان نرى زوال جزء من جمال جناحيها وفقدانها قدرتها على الطيران كما في السابق... من وجهة نظري أرى في ذلك نوعاً من التشابه مع حياة الإنسان، حيث يحتاج الإنسان لشرنقة عزلة عن المجتمع احيانًا لإعادة ترتيب نفسه وسلوكياته ويناقش أفعاله وتصرفاته، إيجابياته وسلبياته، ردود فعله وطرق محاورته وطريقته باتخاذ القرار ومعالجة أصول الأفكار السلبية الباعثة لنفرة الناس عنه، وكذلك الابتعاد قدر الإمكان عن كل شخص سلبي يؤثر على سلوكياته الذي قد يؤدي إلى زوال جزء من جماله الجديد، أما إذا وصل إلى درجة يقدر فيها على تغيير سلبية هذا الإنسان فذلك الشيء الأفضل أكيدًا لأنه بشر وليس فراشة! ليظهر إنساناً بحلة جديدة جاذبًا الأضواء نحوه… أرى أن على كل إنسان يريد أن يُزهر ويكون منتجاً في هذه الحياة أن تكون له خلوة مع نفسه لفترة من الزمن ليحاسبها فيعمل على أن يرتقي بنفسه على سُلم النجاح.
اخرىبقلم: محمد علي هناكَ العديدُ من الأشخاصِ وُلِدوا في أزمنةِ الحروبِ الطويلة التي تأكلُ سنواتٍ عديدةٍ من أعمارِ الشعوب، تاركةً خلفَها الدمارَ والدماء.. بعد نهايةِ كُلِّ حربٍ يُولَدُ الناسُ من جديدٍ للحياة، ولكنْ رجالًا يحملونَ معهم فقدانَ لذةِ عيشِ مرحلة الطفولة، لتأكلَ مصالحُ تجارِ الحروب أحلامَ الطفولةِ! نجدُ الشيخَ المُسِنَ عندما ينظرُ لأطفالٍ يلعبون فإنَّه يتحسَّر ويتكسَّر من الداخلِ لفقدانِه هذا الشيء، لكنْ يُحاولُ قدر الإمكانِ أنْ يوفرَ هذهِ اللحظاتِ السعيدةَ لأبنائه ويسعى جاهدًا...، ولكنْ ولسوءِ الحظِّ ولأنَّه يعيشُ في بلدٍ تعيسٍ تُزاوِلُهُ الحروبُ منذُ ولادته فأنَّ الحربَ تعودُ معيدةً معها الذكرياتِ التعيسة، سالبةً مجهوداتِهِ لتوفيرِ طفولةٍ لأطفاله بسببِ قصفٍ عشوائيٍّ يفقدون فيه دُنياهم ليعيشوا حياةَ الطفولةِ في أُخراهم. هذا البلدُ هو العراق، وهذا الشيخُ هو المُسِنُ العراقيُّ، وهذا الحلمُ الضائعُ هو أقلُّ أحلامِ الطفلِ العراقي، وهذه الحروبُ منذُ ولادة العراق وكأنَّها تقول: إذا كان عراقُكم لمْ يعِشْ طفولته، فكيفَ أنتم ؟! اللهم اجعل هذا البلد آمنًا..
القصص