Profile Image

حسين عقيل

الصعودُ الأبدي

بقلم: حسين عقيل ذهبنا ذاتَ يومٍ لتسلُّقِ قمةٍ جبليةٍ شامخةِ الارتفاع مُتعِبة التسلُّق برفقة أربعةً من الأصدقاء المُقربين، وبعد وصولنا لمحلِّ الانطلاق لتسلُّق القمة الجبلية أتممنا كافة الاستعدادات النفسية والمعنوية والمادية لعملية التسلُّق والصعود، وبدأنا التسلُّق ... وبعد أنْ قطعنا مسافةً معينةً، أراد أحد الأصدقاء أنْ يُرشدنا ويأخذ بنا لمُنعرجٍ مجهولٍ قائلًا: تعالوا معي من هنا سوف تنجون بسلامٍ معي، فذهبنا معه لذلك المنعرج الذي ما إنْ سلكناه حتى تهاوت علينا الصخور، وإذا بصخرةٍ كبيرةٍ تتجه نحونا، حاولنا جميعًا الابتعاد عنها بمختلف السبل، فنجونا سوى ذلك الصديق الذي أرشدنا، فقد سقط من أعلى القمة! أكملنا التسلق ولكننا واصلنا النقاش بشأن ما حدث والذي قادنا إلى شجارٍ بسبب اتهام أحدهم لآخر بأنَّه كان السبب في سقوط صديقنا، وكادت أنْ تقع فتنةٌ لولا أنْ واجهناه جميعنا بقولٍ واحد: إنَّ جهل صديقنا بالطريق وعدم تمسكه جيدًا هما السبب فيما حدث له، ولما رأى ردنا وموقفنا من ذلك ابتعد عنا سالكًا طريقًا آخر.. واصلنا التسلُّق بعد أنْ أخذنا مدة زمنية قصيرة للاستراحة... قال أحد الأصدقاء: لِمَ نتسلقُ هذه القمة الجبلية؟ أتمنى أنْ نعود أدراجنا ونحافظ على أنفسنا؛ لنعيش تلك الحياة الزاهية الجميلة وننعم بالخيرات عوضًا عن فقدان أرواحنا أثناء التسلق. ولكن مقترحه لم يُضعف عزيمتنا، إذ كنا عازمين على الوصول لتلك القمة، فانطلقنا لإكمال ما كنا مخططين له، فيما عاد صديقنا أدراجه.. وبذلك لم يبقَ سواي وصديقي الصدوق، وبعد مدةٍ طويلةٍ وشاقةٍ من التسلق واجهنا خلالها الكثير من الصعوبات والتحديات وصلنا إلى القمة الجبلية وكنا فرحين بذلك فخورين بأنفسنا لما وصلنا له.. ما حدث في رحلة تسلق القمة الجبلية شبيهٌ برحلة الإنسان في هذه الدنيا، حيث إنَّ مدة الرحلة هي مدة بقائنا في هذه الحياة الزائلة، والقمة الجبلية هي الجنة؛ لأنَّ طريقها محفوفٌ بالمكاره كما ورد في الروايات، والوصول إليها يتطلب الاستعدادات النفسية والروحية الموطّنة على مواجهة الكثير من الصعاب والأزمات، وأما الأصدقاء الذين تركونا أثناء الرحلة، فالأول منهم هي النفس الأمارة بالسوء التي توهمنا أنَّ الطريق الخاطئ هو الطريق الصحيح وتحملنا على تصديقها بعد أن تزينه في أعيننا وتظهر لنا بمظهر الصديق الناصح كي نُصدقها، ولكن بعد فترة زمنية تسقط الأقنعة وتتضح حقيقة النصائح بأنها أكاذيب مصطنعة، مسببةً لمن يتبعه دمارًا معنويًا ونفسيًا، ولا يمكن للإنسان الأمن من شرها إلا بقوة الإيمان والاستعانة بالله (تعالى). وأما الثاني فهو الشيطان الذي يوقد نار الفتن بين بني البشر ويشجع على الصراع فيما بيننا بالوسوسة إلى كلٍ منّا، ولكن ما إن يرى حكمتنا وتماسكنا فيما بيننا حتى يذهب بعيدًا خائبًا. وأما الصديق الثالث فهو ضعف الثقة بالنفس وعدم التوكل على الله (تعالى) ومن فتَنتْه الدنيا بجمالها ناسيًا بذلك ثواب الآخرة ونعيمها، وكلُّ أولئك الأصدقاء إنَّما هم أعداء بلباس أصدقاء. وأما الصديق الحقيقي للإنسان فهو العمل الصالح الذي يحسن رفقتنا ويشد من عزمنا حتى نحقق الهدف الأسمى وهو رضوان الله (تعالى) والقرب من أهل البيت (عليهم السلام) في جنان الخلد، فعلينا اختيار الصديق الأنسب ليكون لنا عونًا في هذه الدنيا ويثقل موازين حسناتنا يوم القيامة.

اخرى
منذ 4 سنوات
312