كان يراقب الأطفال من بعيد؛ وهم يلعبون كرة القدم في الساحة القريبة من منزله؛ ثم حول نظره إلى قدمه المشلولة وكأنه بنظراته يحثها على القيام للعب مع الأطفال، ثم نهض من مكانه محاولاً التقدم نحوهم غير مبالٍ بعدم قدرته على المشي إلا بضع خطوات يكون فيها مستنداً على شيء، إلا إن استعداده الفطري للّعب؛ يرغمه على المشي فخطا خطوات قليلة وعلى شفته ابتسامة بريئة؛ تفصح عن إرادة قوية لا تعرف العجز، وما إن حاول أن يتقدم أكثر فأكثر حتى سقط على الأرض، يئن من جرح أصاب قدمه وسرعان ما تحولت الابتسامة إلى دمعة لاح بريقها في عينيه. لكنه حاول حبسها بين الأجفان كي لا يرى ضعفه أحد ويسمعه كلمات السخرية فمد يده إلى جيبه وأخرج منديلاً كفكف دموعه به قبل أن يمسح قطرات الدم العالقة بيده عند ملامستها للجرح، وهو على هذه الحال لمح أحدهم ينظر إليه فتظاهر بأنه منشغلٌ بالرسم على الأرض. فراح يرسم على الرمل لوحة من الواقع لا خيال، رسم غيوم ومن بينها شمس مشرقة، وأزهاراً على ضفة النهر إلا واحدة بعيدة عن أخواتها هوت إلى الأرض مكسورة الغصن ولما انتهى من الرسم أخذ يحدق بلوحته الرملية وهو يتأملها ويحدّث نفسه: ها قد صنعت شيئاً من لا شيء، سوف أكررها مرة أُخرى: حتى أصبح رساماً وبينما هو غارق في تأملاته وإذا بشيء ضربه من الخلف فالتفت ليراه وإذا بها الكرة أخطأت الهدف لتصيب قدمه، فحملها بيده وحدثها قائلآ: ها قد أتيتي إليّ ولم أصل إليك، وقبل أن يتم حديثه فاجأه صوت الأطفال: ما أجمل هذه اللوحة! سلمتْ يداك سوف نجلب لك أوراقاً والواناً لتعلمنا نرسم لوحة.
اخرىعندما تنتهي مرحلة من مراحل الدراسة تترك في ذاكرة الطالب أثراً اتجاه المعلم، وبحسب هذا الأثر يحمل الطالب لذلك المعلم مشاعر الحب أو مشاعر الكره، فإن كان الأول اشتاق إلى لقائه، ودعا له بالخير، وإن مات ترحّم عليه عندما يذكره، وإن كان خلاف ذلك ترك بقلب الطالب كراهية وحقدًا لا ينساه أبدًا حتى وإن بلغ ما بلغ من العمر، يبقى بنظره ذلك المعلم القاسي الذي ضربه في يوم من الأيام بشدة أو أهانه أمام زملائه لشيء تافه… هذا إذا لم يكن هو السبب بتركه وحرمانه من التعليم لوجود ما يخل بسلوك في سجل الطالب، كالاعتداء على المعلم، فقد سمعنا ونسمع من أفواه بعض الناس سبب تركهم الدراسة سوء تعامل المدرسة، سواء كان من قبل المدير أو المعلم مما يجعل المشكلة تتفاقم وتصل إلى فصل الطالب من المدرسة، طبعاً بهذا القرار فالخاسر هنا هو الطالب، ولكن المعلم أيضاً يكون قد خسر: أولاً: نظرة التربية الحسنة والقدوة المشرفة التي يحملها الطالب لهذه الشخصية. ثانياً: تأهيل فرد صالح ينفع المجتمع في المستقبل. ثالثاً: سقوطه من أعين الآخرين عندما يُذكر بسوء. كما أن هذا الأسلوب الغليظ والقاسي ينشئ أفرادًا بهذه المواصفات. قد يرى المعلم أن الشدة في مصلحة الطالب لكي يهتم بدراسته، وأن التعامل بلين يجعله يتهاون في ذلك، ولم يلتفت إلى أن الطفل في صف الأول والثاني، وبشعوره الرقيق، فإنه يلتقط كل ما يصدر منه، فإن كان خيرًا تعلق به، وإن كان شرًا نفر منه، وإن واصل دراسته فهو مرغم على تحمّل التعامل السيء وذلك لكي يحقق رغبة الأهل بالنجاح وينتقل إلى مرحلة ليس فيها ذلك المعلم القاسي، وقد لا يقتصر الكره على المعلم، بل يتعدّى إلى المادة بحيث لا يتمنى الطالب أن يدرسها يوماً من الأيام في حال لو أصبح معلمًا مادام في ذهنه ذلك الأثر. إيمان صاحب
اخرىكانت مدرسة (مريم) بعيدة جداً والطريق طويلاً، ولكنها أحياناً لا تشعر بالتعب، لكونها تقضي الوقت بالحديث مع صديقاتها، وذات يوم أخذت تسير بجنبها صديقتها (وسن)، فقالت: غداً أذهب مع أهلي إلى السوق لنشتري شجرة الميلاد والحلوى، أما أنّا فسوف أشتري معطفاً أحمراً يشبه معطف باب نويل، لكي نحتفل، فلم يبق إلّا ثلاثة أيام عن عيد الكريسماس، وأنتِ هل تشترين شيئاً للاحتفال؟ أجبتها: لا، لم اشتر ولن احتفل! ردت (وسن) بغرابة: ولماذا؟! العالم كله يحتفل بهذه المناسبة. انزعجت (مريم) من هذا الكلام وراحت تنصح صديقتها بأن لا تشترك بهكذا مناسبات لكونها ترمز إلى عقيدة منحرفة تدعو إلى الضلال. ثم قالت: أتعلمين أن أصل كلمة كريسماس مكونة من مقطعين: الأول: هو المخلص. والثاني: يعني ابن، والمقصود به النبي عيسى (عليه السلام) وهذا ما يعتقد به النصارى بعيسى (عليه السلام) وحاشاه أن يكون كذلك، وهو الذي أخبر عنه القرآن بأنه عبد من عبادنا، وأن الله تعالى لم يلد ولم يولد... هذا بالنسبة لكلمة كريسماس. وأما شجرة عيد الميلاد بلونها الأخضر فإنها ترمز إلى الحياة الأبدية، أما ثمارها الحمراء باعتقادهم فتعني دم المسيح المصلوب، وهذا غير صحيح لأن النبي عيسى (عليه السلام) لم يُصلب بل شُبّه لهم، لأن الله رفعه... قاطعتها (وسن) قائلةً: ما هذا الكلام أوه (مريم) كم أنتِ متخلّفة ولا تعلمين شيئاً عن الناس المثقفين؟! ردت عليها (مريم) بكل هدوء: أرجوا أن تنتبهي إلى كلامك، ولا تتكلمي بهذه الطريقة، أتعلمين من هو المثقف؟ المثقف هو الذي عرفته معاجم اللغة بِعدّة معان منها (الحذق، وسرعة التعلم) ولذا يطلق على الشخص المتعلم: مثقف. وليس هو من يقلد الغير بلبس معطف أحمر يشبه معطف دمية، كانت قبل باسم القديس نيكولاس، أو يحتفل بعد منتصف الليل إلى الصباح وسط أنغام الموسيقى المحرمة وهل تسمى هذه ثقافة؟! اختلاط الرجال بالنساء في الشوارع أمام أضواء عُلقت على شجرة كبيرة، تسمى تحضّراً؟! إذا كان الالتزام بتقاليد الدين والتمسك بنهج الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من باب شيعتنا: (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) يجعل مني متخلفة، نعم أفتخر بذلك على أن أقلّد الغير تقليداً أعمى يدعو إلى الكفر والضلال... لماذا لا نهتم بأعيادنا كاهتمامنا الآن بهذا العيد؟! لدينا أعياد ومناسبات مفرحة أكثر منهم، ولكن لم نر أحداً من العالم احتفل معنا وقلّدنا بشيء... وبعد هذه الكلمات راحت (مريم) تسرع بخطواتها لكي تبتعد عن (وسن) إلى أن وصلت إلى البيت. وفي صباح اليوم التالي وصلت رسالة إلى (مريم) تقول: عزيزتي الغالية أرجو أن تسامحيني، اعتذر عن كل كلمة سيئة صدرت مني، لقد فكرت بكلامك واقتنعت به، ولذلك لم أذهب إلى السوق لشراء المعطف الأحمر، لأنني لن احتفل بعيد الكريسماس أبداً... صديقتك (وسن) إيمان صاحب
اخرىبقلم: إيمان صاحب كلما مرّت ذكراك بخاطري لم أستطع كظم غيضي كما كظمت، فأنّا بلحظات ذكرِ ما جرى عليك بركان انتقام، وأنت بسجون الطواغيت امضيت أيامًا وأعوامًا. تُهيجّ لوعتي ساقك المرضوض بثقل الحديد، ويذرف دمعي احتجازك وسط ظلام شديد، حينما أتمثّل سجدتك الطويلة رغم جراح القيود، وقيامك في قعر السجون على هيأة الراكع لأجل السجود، ما كان ذاك عن اخلالك بالقيام، بل هو شأن الطامورة أن تحني ظهر الإمام، وأن تضيّق على أنفاسه العطرات، بكل ما بها من قوة لكي يترك ذكر الله بالتسبيح والصلوات، ولكن أنّى لها هذا؟ وهو الذي سأل الله تعالى بلسان خاشع أن يفرغه لعبادته وقد فعل، حتى عُدّ راهب بني هاشم... وأي راهب هذا الذي يتنقل من سجن إلى سجن، وفي مقلته يجري الأسى مجرى الدمع من بين أهداب الجفن، إنه الحنين إلى الأحبة، في أيام عصفت بها رياح الغربة، يلتف حولك الظلام بسكونه المخيف ليمنح صرير السلاسل عنفوانها، وليسدل الليل ستاره الحالك على ثيابك الممزقات بأنياب القيود وأظفارها... سيدي يا موسى بن جعفر، أي المعاناة أقف عندها وأيها أذكر، فكلها تحزُّ بالنفس وتريق الدموع، ولكن أشدها احتضارك بالسم وحدك بين جدران وظلام، وقد أدمى المعصم قيدك، وما زلت على تلك الحال يغشى عليك وتفيق بعد حين، حتى وفيت بوعدك لابن سويد وتمّ الفرج لروحك المعذبة حيث استقرت هناك بجنان الآخرة، أما الجسد، فقد تحرر من سجون الدنيا ولكنه لم يتحرر من آثارها.
اخرىبقلم: إيمان صاحب لما توسدت جراحه كثيب الرمال، وحجب نورَه سيلُ الدماء، خرجت أخته من الخباء تشق الصفوف بخطاها، وقبل هذا اليوم ما كان أحد يراها، كسفت الشمس لكي لا يلمح خيال زينب (عليها السلام) وتوقف النسيم عن مروره خشية أن يلامس أطراف الحجاب المرتب. مشت نحو الذبيح وخلف صبرها قلبٌ جريح، تحبس الدموع في مقلتيها كي تريقها حين تنام العيون، وحتى لا يرى أيتامها دموع الفقد والفراق، ولدمعها دموعهم تراق، خطوات قسمت الجيش إلى نصفين لهيبة الخيال القادم... طأطأ إلى الأرض وكأن السيف على رأسه قائم، ثم تنحى جانبًا مذهولًا بصلابتها وهي تخرج إلى اجساد أحبتها، وبين الشاك بأنها هي زينب أم غيرها، وبين هذا وذاك، لاحقتها عيون الأعداء تترقب ماذا تفعل لو وصلت إلى الجسد المسلوب؟ هل تشق جيبها؟ أم تلطم خدها؟ ولكن الحوراء قطعت أفكارهم وأخذت بأنظارهم لما دنت من جسد أخيها انحنت عليه... حملته نحو السماء ويداها مخضبتان بالدماء ورفعت رأسها إلى الأعلى وهي تقول: "اللهم تقبل منا هذا القربان"! ثم خاطبت خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) "جداه هذا حسينك بالعراء مسلوب العمامة والرداء" وكأنها تخبر الرسول (صلى الله عليه وآله) بما جرى لكي يقيم على سبطه العزاء وتبث إليه الشكوى... ثم وضعته حيث كان... وبعد نظرة الوداع رجعت مسرعة إلى الخيام، عملًا بوصية أخيها، فبعدما كانت مكفولة أصبحت كافلة الأيتام، أتى بها الصبر على جناحيه وهو يهمس في أذنيها، حديث ليلة العاشر "أُخية لا تشمتي الأعداء بي ولا يذهب بحلمك الشيطان" فحفظ العيال يحتم عليها ترك كل شيء، حتى وإن كان جسد أخيها العريان من دون أن تمسح التراب والدم عن جراحه النازفة. ولم تجلس عنده طويلًا لكي تذرف دموع العاطفة؛ لأن الخدر الهاشمي يحتّم عليها دخول المخيم ولا جدوى من البقاء فهو عند الغيور أعظم من مصرع الأكبر... وإن هوى خدرها بعده ولكنه لم ينحر... هوى لمّا سُلب قرطا رقية، وهوى مرة أخرى لسياط آل أمية حينما رمت سكينة بنفسها على جسد أبيها، ولا أحد يحميها من الضرب سوى عباءة العقيلة التي تضم بين حناياها قلبًا جريحًا وجفنًا من البكاء لم يسترح، يكفكف دمع الصغار وفي مقلته الدمع انهار، يريقه في سواد الليل أمام ذلك الرمح الطويل، حيث الشيب يقطر دماءً، والعين تمطر بالبكاء، ملامح متعبة بنظراتها نادبة حسين... يا حسين... ليت يديَّ تمتدان لتمسح التراب عنك، ليتها تستطيع أن تقترب منك، لكي اضمك إلى صدري... أخي هل تدري... الليل بسواده يخيم على أشجاني، فلم أهجع، وبالنهار تراني جبل صبر لم يصدع، أنّا يا أبا عبدالله من لم تجزع، فبعين الله كان قطع نحرك وسِبانا، ما رأينا إلّا جميلًا، أنّا وابنك العليل في قصر الإمارة تلاحقنا الأنظار من كل جانب... إنهم أسارى... ولكن من تكون هذه التي وبخت يزيد؟! سؤال قدح بالأذهان وانشغل به الحضور، أنها نطقت بالذات الإلهية... فهي ليست بخارجية، وبنظرة من الرأس القطيع نحو الملاك... المحجب، عرفوا حينها أنها الحوراء زينب (عليها السلام).
اخرىبقلم: إيمان صاحب إنَّ من الأمور السلبية التي تنعكس على الطفلِ نفسيًا وحتَّى صحيًّا، كثرة الاهتمام بطفلٍ على حسابِ الآخر. والمقصود بالاهتمام: الاهتمام الزائد عن اللازم، وغالبًا ما يكون الاهتمام بالذكر أكثر من البنت، وقد يكون العكس، ومرة يكون الاهتمام ماديًا، كتلبية رغباته بشراء كلّ ما يريده بشكل يمّيزه عن غيره، ومرَّة يكون الاهتمام معنويًّا كالتعامل معه بلين وحنان، بخلاف التعامل مع الطفل الآخر بقسوة وخشونة، ممّا له مردود سلبي ألا وهو نشوء الكراهة بين الأخ وأخته، أو بالعكس، مثلما يؤدّي ذلك إلى إشعال الغيرة والحسد بينهما... كما أنّه يفسح المجال أمام الطفل المدلل للتكبر على إخوته، بحيث يستغلهم لأداء احتياجاته وتلبية رغباته؛ لأنَّه يرى أنه أفضل منهم، ولذلك حظي بهذا الاهتمام من قبل والديه، ولو لم يكن هكذا لما تميّز عنهم. وأيضًا هذا التعامل يجعل من الطفل اتكاليًا، يعتمد في كلّ شيء على والديه حتّى في الأمور البسيطة التي يتمكّن من أدائها بمفرده؛ لأنه اعتاد على من يقوم بها بدلًا عنه، وفي المقابل نجد أن الطفل الآخر، الذي يرافقه الشعور بالحرمان وضعف الشخصية قد اعتاد على هذا الأسلوب في مرحلة الطفولة: لأنَّ الطفل سرعان ما ينسى، أو لعدم إدراكه معنى التفرقة بينه وبين أخيه. ولكن لو تعدّى هذا الشعور إلى الكبر سيكون أشدّ ألمًا ممّا كان عليه، وفي بعض الأحيان يجرّه إلى أمورٍ لا تُحمد عقباها، إن لم يعوض الوالدان ما فاته من نقص سواء كان هذا النقص معنويًا أو ماديًا، فكما أنّ للأب حقّ البر عليه فكذلك للطفل حق العدالة والمساواة بينه وبين غيره، كما جاء على لسان النبيّ محمد (صل الله عليه وآله)! إنَّ الله تعالى يحبُّ أنَّ تعدلوا بين أولادكم حتّى في القبل! (١) لا أنَّ نعدل بينهم من جانب المادة ونهمل الجانب المعنوي أو بالعكس. _____________ (١)ميزان الحكمة ج٤، ص .٣٦٧٣
اخرىبقلم: إيمان صاحب لم تكُ مفردةُ الحجاب شيئًا غريبًا على مسامع المرأة، فقد كان موجودًا منذ العصور القديمة ولازال حتى يومنا الحالي، ولم يتغير في موضوع الحجاب ربما سوى شكله، وكيفية ارتدائه... في عصر الجاهلية كانت ملابس المرأة عبارة عن ثوب طويل فضفاض، بالإضافة إلى قطعةٍ من القماش أو ما شابه تغطّي بها شعرها، وغطاء الشعر هذا يكون على شكلين، أحدهما ستر الرأس والشعر فقط، ثم ترمي بأطرافه إلى الوراء بحيث يكون قرص الوجه والرقبة ظاهرين، وأما الآخر فهو كالأول، يُغطي الرأس والشعر ولكن يختلف عنه بأن تأخذ المرأة بطرفي الغطاء فترمي طرفًا إلى جهة اليمين، والآخر إلى جهة اليسار، ويبقى قرص الوجه بالكامل مع الرقبة وأعلى منطقة الصدر مكشوفًا للناظر. ولم تكن المرأة تكشف عن شعرها إلا في حال العزاء كما جرت عليه العادة في ذلك الوقت، ولذا عبّر الشاعر الجاهلي المهلهل بن ربيعة عن أسفه، إلى ما آلت إليه العشيرة أبان حرب البسوس من خروج المرأة حاسرة الرأس، وهذا ما أثار غيرته حيث قال مُتألمًا: كُنا نغار على العواتق أنْ تُرى...بالأمس خارجة عن الأوطانِ فخرجن حين ذوى كليب حسرًا... مُستنقعات بعــده بهـوانِ يخمشن من أدم الوجوه حواسرًا... من بعده وبعدن بالأزمـانِ وقد تعصب المرأة رأسها تعبيرًا عن الحزن على فقيدها، وتترك الحُلي خلال فترة الحداد، وأما في غيرها فتُعدُ من الأشياء المُهمة لديها وبالخصوص عند الحرائر دون الإماء ومن لوازم التحلّي ولواحقه كالتزيُّن والتبرج أمام أنظار الرجال كوضع الطيب والاختضاب بالحناء والوشم والتكحل. واستمرت المرأة على هذا الزي وإظهار الزينة حتى أشرقت شمس الإسلام وشُرِّعت للناس الأحكام، ومن بينها حكم وجوب الحجاب في آيتين مباركتين، قال الله (تعالى) في إحداهما: (يا أيها النبي قل لأزواجك ،وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن) (الأحزاب59)، و(الجلابيب): جمع جلباب، والجلباب له عدة معانٍ عند المفسرين وأرباب اللغة، فمنهم من فسّره بالقميص الفضفاض الواسع، ومنهم من قال هو قماش أطول من الخمار يُغطي الرأس والرقبة والصدر، وعلى أيٍّ من التفسيرين، فإنَّ مما يمكن استفادته من هذه الآية، هو الأمر بإدنائه على الصدر ليستره بحيث لا يظهر منه شيء. وأما الآية الثانية ففي قوله (عزَّ من قائل): (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) (النور 311)، والخُمر: جمع خمار، وهو ثوبٌ تُغطي المرأة به رأسها، فيكون المقصود من قوله (تعالى): (وليضربن بخمرهن)، أيّ ليُلقينَ بما زاد من غطاء الرأس على صدورهن حتى يسترن به آذانهن وصدورهن. ثم إنَّ الإسلام لم يكتفِ بالأمر بالحجاب فقط، بل وضع له شروطًا تُميّزه عن غيره، فيما ورد على لسان نبيّه الكريم وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)؛ من أجل حفظ كرامة المرأة وحفظها من الوقوع بالحرام سواء كانت في بيتها أو خارجه فيما لو اختلطت مع الرجال؛ لأداء وظائفها الملقاة عليها فيما يناسب شأنها. وأهم هذه الشروط هي: (1) أنْ لا يكون الحجاب زينةً في نفسه ومُلفتًا للنظر. (2) أنْ لا يكون شفافًا يحكي ما تحته. (3) أنْ لا يكون ضيقًا يُبرز مفاتن المرأة. (4) أنْ لا يكون من لباس الشهرة. ولكن مما يؤسف له نرى في وقتنا الحالي غياب الحجاب الشرعي، وعودة الحجاب الجاهلي مرةً أخرى عند بعض النساء، ولكن تحت أسماءٍ غريبة، ولمساتٍ حديثة، كارتدائه بطريقةٍ يُشكل زخارفَ جميلة، وبألوانٍ براقة تُضفي عليه لمعان الموضة الجديدة، وتجعل الإقبال عليه أكثر من ذي قبل، وكأنّه في حقيقته ليس إلا ذلك الحجاب الجاهلي القديم، حيث يجذبُ الأنظارَ من بعيد بريقُ الأقراطِ المُتدلية من تحته، أو لون القلادة التي تبدو من بين أطرافه، وليته يقفُ عند هذا الحد! بل راح يضيق ليبرز مفاتن المرأة ثم ازداد زينةً يومًا بعد يوم، حتى أصبح مفهوم الماضي ومصداق الحاضر، وابتعد عن معناه اللغوي المتمثل بالستر الشرعي الذي تقدّمت شروطه. ثم إنه ينقسم الحجاب الشرعي إلى قسمين: الحجاب الظاهري: وهو الذي أوجبه الله (تعالى) على المرأة للالتزام به كساترٍ لجسدها عن الرجال عدا الزوج والمحارم. والحجاب الباطني: وهو ما أمر الله (تعالى) به الرجل والمرأة على حدٍ سواء فيما يتعلق بسلوكهم من الحياء والعفة؛ لحجبهم عن الفساد والرذيلة، وما يؤدي إلى سخط الباري (تعالى)، ولابُدَّ أن تلتزم المرأة بكلا القسمين من الحجاب ليكون حجابها حجابًا كاملًا شرعيًا لا ناقصًا جاهليًا؛ لأن أحدهما يكمل الاَخر...
اخرىبقلم: إيمان صاحب لعلَ الشيء الذي يجبُ التركيز عليه، عند تناول موضوع ضرب الطفل هو مسألة الشدة المقابلة للين في تعاملِ الأبوينِ مع الطفل، بحيث تكون على نحو الاعتدال لا على نحو الإفراط أو التفريط، بمعنى أنْ لا تترك الحرية المُطلقة للطفل في أنْ يعملَ ما يشاء حتّى لوكانَ خطأً، وأنْ لا يُعنّف على كلِّ شيءٍ يرتكبهُ، بل يُستخدم معهُ أسلوب اللين والإقناع، فإذا لم ينفع حينها يأتي دور التأنيب أو العقاب. والعقابُ يكون على نوعين: أحدهما: نفسي، والآخر: بدني، والأول: هو إشعارُ الطفلِ بسوءِ فعله، والضغط عليه بالتهديد بالكلامِ والوعيد بعدمِ حصوله على شيء يحبه في حالِ عودته إلى ذلك الخطأ كحرمانه مِن اللعبِ مع صديقه، إذا عادَ إلى العبثِ بالحديقة مثلًا. والعقوبةُ العاطفية خيرٌ مِن البدنية كما أجاب عن ذلك الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) حينما سُئل عن كيفية التعامل مع الطفل فقال: "لا تضربه واهجره....ولا تُطِلْ"(1) أما الثاني: فهو تعريض الجسم إلى ألمٍ نتيجةَ ضربه بشيءٍ ما، وتختلف حدة الألم بحسبِ الضربة المُوجهة إليه. ويُعدُّ هذا النوع هو الأكثر استخدامًا من الأول عندَ المربين وخصوصًا الأبويِن، ولكننا نجدُ البعض منهم ومع شديد الأسف يضربُ الطفل ضربًا مبرحًا على أبسط وأتفه الأشياء! فإنْ سألتهُ: لماذا تضربهُ مع أنّ الموضوع لا يستحق كلَّ ذلك؟ كان جوابهُ: لا بد مِن تأديبه بهذا الشكل كي لا يكرر ما قام بهِ مِن خطأ مرةً أخرى، ولكي يحترم الأكبر منه ولا يستهين بوجوده. أما البعض الآخر فيتخذ من ضربِ الطفل وسيلةً لتفريغِ شحنةِ غضبه، كما لو رجع الزوج إلى البيت حادَّ المزاج من متاعبِ العمل، ومثلُ هذا بقاء الأبِ في البيت دون عمل لفترةٍ طويلةٍ من الوقت، هذا من جانبٍ. ومن جانبٍ آخر ــ وبسبب الغضب والعصبية ــ فقد يُضرب الطفل في بعض الأحيان عندما يتشاجر الزوج مع زوجته وبالعكس؛ وذلك ليثير أحدهما مشاعر الآخر! ومن الأسباب التي تدعو بعض الآباء إلى ضرب الأطفال بشدة أيضًا هو: أنْ يضرب هذا الطفل طفلًا آخر، كابن الجيران أو ابن أحد الأقارب، حينها يقوم الأب بضرب ولده أمام أعين أهل ذلك الطفل المضروب مجاملةً وتعبيرًا عن استيائه مِن هكذا تصرف. وغالبًا تأتي ردة فعل الأب هذه قبلَ أن يستمع إلى ولده عن ملابسات الموضوع، وما السبب الذي دعاه إلى ضرب الطفل الآخر؟ وهل كانَ الضرب عن عمد أم لا؟ وعلى كلِ حالٍ مِن الأحوالِ، ولأيِّ سببٍ كان لا يسمح العقل ولا الشرع بضرب الطفل ضربًا مبالغًا فيه، بحيث يترك علامةً او عاهةً على جسمه، كالكسرِ والجرح وما شابه، مما تبدو لمن يراها أنّ الطفل ما ضُرِبَ إلا للانتقام وليس للتأديب. هذا فضلًا عن الآثار السلبية التي يتركها الضرب في نفسية الطفل، كالقلق والعناد والخوف من أي حركة يقوم بها أمام من كان يضربه، كما أنّه قد يؤدي إلى قلة الثقة بالنفسِ وشعور الطفل بأنّهُ ضَعيف الشخصية لا يتمكن مِن الدفاع عن نفسه وذلك بسبب تكرار الضرب. وقد يكون هذا السبب هو الدافع لتصرف الطفل بشكلٍ عدواني تجاه أفراد العائلة والأقران، على حدٍ سواء، حيث يقوم بتقليد الأب أو الأمّ فيضرب أخاه أو أخته بأيِّ شيءٍ قريبٍ منه. وفي بعض الأحيان ينتهي هذا الفعل إلى نتائج سيئة، إن لم تكن خطيرة. وحتى لو حصل هذا فلا ينبغي أنْ يُقابل الطفل بمثل ما فعل مهما كان الضرر، ليس لشيءٍ يمنع من ذلك سوى طفولته التي لم تدرك متى تكون العقوبة، ومع من، وهل تصرفهُ هذا كانَ فقط لتقليد الضارب، أمّ كانَ انتقامًا منه بضربِ غيره. __________________ (١)تاريخ اليعقوبي -لليعقوبي :ج٢،ص ٣٢.
اخرىبقلم: إيمان صاحب لو تأملنا في أعمالِ ليالي القدر الواردة على لسانِ المعصومينَ (عليهم السلام)، لوجدناها تتحدث عن عملين أساسيين: هما عملٌ يتعلقُ بالروحِ، والآخر بالبدنِ. الأول: هو لارتقاء الروح من عالمِ المادة والأنّا، إلى عالمِ النقاء والقداسة، وهذا لا يتحقق إلا بالتقربِ إلى الله (تعالى)، سواء كانَ بالأفعال كأداء الصلوات الخاصة بليالي القدر، أو بالأقوالِ كقراءة الأدعية والتسبيح وما شابه. أما العمل الثاني: فيتحقق بغسل البدن، ومن فوائد الغسل، إن لم يكن من أجل إزالة الأوساخ أو للطهارة من النجاسة، فإنَّه يجعل الجسم أكثرَ نشاطًا وارتياحًا، حينَ القيام إلى عملٍ ما. ولا يخفى على المتأمل أنّ الروايات ، لم تذكر أنّ الغسل يُعوض عن الصلاة أو العكس الصلاة تعوض عنه، في أعمال ليلة القدر، بل ذكرت العملين معًا عمل الروح والبدن. فكلما كانَ البدنُ نشيطًا وقويًا، كانَ إقدامه على الأعمالِ العبادية أكثر وأكثر، بخلافِ البدن المتعب والكسول. وأيضًا مجرد غسل البدن من دون نية التقرب، لا يكون داعيًا إلى تحصيل الأجر والثواب، وربما كانَ تأكيد الروايات، فيه شيء من هذا كما جاء عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) حيثُ قال: "من اغتسل ليلة القدر وأحياها، إلى طلوعِ الفجر خرجَ من ذنوبه" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1. فضائل الأشهر الثلاثة، الصدوق القمي، ص٠١٧٣
اخرىبقلم: إيمان صاحب اتكأتْ على الجدارِ لتمسحَ قطراتِ العرقِ التي رشحت على جبينها مِنْ أثر حرارةِ التنور، وحرارة الصيف اللاهب، ثم عادت مسرعةً إلى التنور لتخرجَ ما نَضُجَ فيه مِنْ خُبز لكي لا يحترق، فلا بُدَ أنْ تعتنيَ بكلِّ الأرغفةِ وإلا فل يشتري أحد منها، فالخبزُ مصدرُ رزقها الوحيد بعدَ إعدامِ زوجها على يدِ جلاوزة النظام البائد، لا لشيءٍ إلا لكونِه إنسانًا متدينًا وملتزمًا بالمجالسِ الحسينية وبالخصوص سيره إلى كربلاء يوم أربعين الإمام الحسين (عليه السلام). هو رحلَ وبرحيله ارتاح ِمن هم الدنيا، ولكن بقيت أرملتُه تواجه المتاعب بتربيةِ بنتين وولدٍ صغير، لم تشكُ إلى أحدٍ ما تعانيه من الحاجة إلى المال لسدِّ احتياجاتهم بما يليق بهم سوى إلى الله (تعالى)؛ فهو وحده أعلمُ بالحالِ. كانت تجلسُ أمامَ صورةِ زوجِها المُعلّقة على الجدار، وهي تخاطبُهُ: أبا أمجد إنْ شاء الله (تعالى) لن أُخيِّبَ ظنك بتربيةِ أولادك، سوف أجعلُهم كما كنتَ تتمنى أنْ يكونوا مثلًا بالأخلاق والأدب. وبينما هي تُحدِّثُ الصورة وإذا بأمجد يُناديها: - أمّي أنا ذاهبٌ مع صديقي، هل تريدينَ شيئًا؟ - فأجابتهُ والدموعُ تملأ عينيها: لا يا ولدي ولكنّ لا تتأخر.... - شكرًا أمّي ...مع السلامة... قبّلها وذهب مسرعًا، وبعدما أغلق الباب رفعت يديها نحو السماء وهي تردد دعاءً: إلهي احفظ ولدي من كلِّ سوءٍ، وارجعه بسلامةٍ بحقِّ محمدٍ وآله الأطهار. هكذا كانت تودعه كلما خرج أمجد من البيتِ، ولا تطمئنُ إلا بعودته. وعندما بلغ أمجد اثنتي عشرة سنة تفاجأت بتركه المدرسة والعمل بمحلٍّ لتصليح السيارات، فتألمت كثيرًا عندما أتى بنقودٍ وهو يقول: - خذي هذه النقود واشتري ما تشتهينه من الطعامِ أو الثياب أنتِ وأخواتي، فمنذُ شهرٍ وأنا أجمعها مِنْ أجلكن. لكنّ أمّه لم تأخذها بل صفعتهُ على خدِّه وهي تبكي قائلةً: لماذا تركتَ المدرسة؟ هل طلبتُ منك ذلك؟ هل قصَّرتُ معك بشيء؟ حاول أنّ يُهدِّئ من روعها بكلماتٍ وقبلاتٍ قائلًا: أمّي، يؤلمني وقوفك الطويل على التنور، وجلوسك مِن الفجرِ لعجنِ الطحين ونحنُ نيام. أمّي من اليومِ أريدُ أنْ تتركي بيعَ الخبز والاعتماد عليّ بمصروفِ البيت. تقبلتِ الأمُّ الأمر الواقع بمرارةٍ، فقلبها الحنون لا يرضى أنْ تقسو على ولدها الحبيب بالعتابِ واللوم، ثم إنّها فعلت ما يريد، فقد تركت بيع الخبز لما قام أمجد بتلبية احتياجات البيت من عمله. وشيئًا فشيئًا تحسَّن وضعهم المعيشي وراحت الأيام مسرعةً تتبعها السنون، وإذا بنداءِ المرجعيةِ الدينية العليا يملأ سمع أمجد ويحثه على الدفاع عن ترابِ الوطن. وبالفعلِ فقد بادر إلى تسجيل اسمه في أحدِ مراكز التطوع وتمَ قبوله. ورغم معارضة أمه بالذهابِ وخوفها الشديد عليه لم يتراجعْ أمجد عن قراره بالذهاب إلى جبهة القتال. حتى جاء ذلك اليوم الذي يُغادر به أمجد البيت ليلتحق برفاقه، وما كانَ مِنْ أمّه إلا أنْ تودّعه بحسرةٍ وبكاء، قبّلتْه وقبلَها وضمته إلى صدرها، وبعدما همّ بالمغادرة وقفَ قربَ البابِ ببدلته العسكرية ليلتقط مع أخواته وأمه صورةً تذكارية، وإذا بصديقه من خلفِ الباب يُناديه: - أمجد .. سوف نتأخر . - فأجابه بصوتٍ مختنقٍ بعبرته: نعم، ها أنا قادم. وحملَ حقيبته وقبل أنْ يُغلق الباب التفت إلى أمه قائلًا: - أمّي سامحيني ...وداعًا. ركب مع صديقه السيارة وغابَ عن أنظار أمّه التي أخذ قلبها يخفقُ بسرعةٍ... فتعوذتْ باللِه مِن الشيطان، وراحت تقرأ القرآن الكريم، ولم تتصل بأمجد إلى أنّ حلَ الغروب؛ لأنّه يكون في هذا الوقت قَدْ وصل إلى مكان دفاعه عن الوطن. وما أنْ سمعت صوته حتى اطمئنّ قلبها، وبعدَ طول الكلام معه أوصتهُ بعدةِ وصايا ثمّ ودعتهُ وأغلقت الهاتف. مرت خمسةُ أيامٍ بعد ذلك الاتصال، ولم تعرفْ شيئًا عن ابنها، فكُلّما اتصلت بهِ وجدت جهازهُ مغلقًا. وفي اليومِ السادس طُرقت البابُ ففتحت أمُّ أمجد البابَ وإذا بهِ رجلٌ يرتدي الزي العسكري وبيده حقيبةً فبادرها بالسؤالِ: - هذا بيتُ أمجد؟ - فأجابتهُ على الفورِ: نعم هذا بيته وأنّا أمه ..أخبرني هل أصاب ولدي مكروه؟ - مسحَ دموعه وهو يقول: سقطَ أمجدُ شهيدًا بانفجارٍ عند أداء الواجب ولم يبقَ منّه إلا هذه الحقيبة وجهاز الهاتف. نزلَ الخبرُ كالصاعقةِ على قلبِ الوالدة المدهوشة بما حَصل فحاولت أنْ تتماسك وتأخذ الحقيبة من يده وإذا بها تسقطُ على عتبةِ الباب قبلَ أن تمسها بيدها. ثمّ حاولت النهوض وهي تردد: إنّا لله وإنا إليه راجعونَ، وما أن رآها صديقُ أمجد على ذلك الحال حتى انحنى إلى الأرضِ ليساعدها على القيامِ مواسيًا إياها قائلًا: - أعظم الله لكِ الأجر، وألهمكِ الصبر. خالتي، لا تجزعي وارفعي رأسكِ عاليًا ، فأمجدُ ذهبَ إلى الجنة ليكونَ شهيدًا وابنَ شهيدٍ...وهذا فخرٌ لنا ولكِ.
اخرىبقلم: إيمان صاحب قلتُ للجودِ انهض إلى حرارةٍ بالقلبِ لا يُدرِكُها إلٍا العطشى إلى غربةِ عاشقٍ أهاجتْها أحزانُ عاشوراء إلى ألمٍ لا يهدأ لكنّهُ يشتدُّ كُلّماَ طالَ الفراقُ وتأخّرَ اللقاءُ إلى شوقِ الروح للروح وعطشٍ لا يرويه ماء قلتُ للجودِ انهض واسقني مِن عذبِك الصافي كما كنت تأتي للخيام... مثقلًا بالوفاء... إلى آخرِ قطرة مِن قطراتِك الزلال... حياة لا موت، وربيع أخضر يملأ الأرجَاء... يُناغيكَ صوتُ الرضيع فرحًا وأنتَ في نشوةِ العطاء.. تنصتُ لهُ تارةً وأخرى تنحني لخيالِ سكينة لو مرَّ مِن جنبِك فتُطرِقُ برأسِكَ حياءً... ببرودِك المعهودِ وبذلِكَ اللامحدود توردت وجنتا الصغار وانتعشتِ النساءُ قلتُ للجودِ: انهضْ، فوقف بينَ كفّي سيّدِ الماء... تلك التي تبرّكت بقُبلاتِ أصحابِ الكساء حتّى أصبحتْ مضربًا للأمثالِ ورمزًا للتضحياتِ والفداء في كُلِّ زمانٍ ومكان ... لا فقط على أرضِ كربلاء..
اخرى