Profile Image

محمود المسعودي

زوجة الشهيد... مدرسة الأجيال

بقلم: محمود المسعودي حرفان ممتلئان بالحب والأمان والاطمئنان، هكذا تعني كلمة -أب-، والحرمان منه معناه انكسار، ضياع في مهبّ ريحٍ قد لا ترحم الأيتام. ضياع من كان يسعى لإنارة طريقهم نحو بناء مستقبل مشرق لهم، شكّل لهم فجوة كبيرة فارغة، تتسبب بزعزعة كيان العائلة، أقسى التجارب إيلامًا عليهم، تجعلهم يشعرون بالضعف والوحدة وفقدان الاستقرار. وكلما كان الطفل صغيرًا زادت وطأة تلك الرزية، معاناة فقدان الوالد عن أسرته يعني أنّ المسؤولية تنتقل إلى تلك الزوجة التي ربما يكون على كاهلها أسرة كبيرة وأطفال يحتاجون إلى رعاية أبيهم، فتكون الزوجة مجبرة على أن توفر ولو جزءًا بسيطًا من تلك الرعاية، إضافة إلى حنانها كأم. هكذا هي معاناة زوجة الشهيد في العراق بعدما مر بظروف رهيبة وخرج من عنق الزجاجة، بتضحيات الأبطال من كل الفئات والجهات، فقدم الكثير من الشهداء الذي خلفوا أزواجًا وأطفالًا ليتركوا مهمة الحياة لهم، فأراد الله تعالى أن يكون لهن هذا، فمن جهاد أزواجهن ثم جهادهن في توفير الحياة لأطفالهم وإيصالهم إلى أعلى مراتب العلم. لم يكن مشهدًا غريبًا على نساء العراق أن يستشهد زوجها ويترك لها المسؤولية، فقد شهدن فيما مضى أزواج شهداء النظام المقبور، كيف كافحن مصاعب الحياة، استطعن أن يُربِّين جيلًا واعيًا قادرًا على حمل المسؤولية، وها هو اليوم يحملها من خلال استجابة الكثير منهم لنداء المرجعية الدينية العليا، ليقدم نفسه فداءً لأجل حفظ دينه ومقدساته وأرضه، تحمل شرف المسؤولية والجهاد. زوجات الشهداء اليوم أمام تحدٍ كبير، وهن قادرات على ذلك، وسيشهد العدو قبل الصديق بكفاحهن وصبرهن على الحياة، حيث نسمع ونرى أبناء الشهداء متفوقين دراسيًا، وهذا لم يأتِ من فراغ، بل إن هناك جهدًا كبيرًا تبذله أمهاتهم اللواتي مثّلْنَ دور الأب بنجاح وتفوق، وما زال الطريق طويلًا لمواصلة ما كان يسعى إليه أزواجهن في تنشئة جيل قادر على بناء البلد. فعلى الجهات المسؤولة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية أن توفر احتياجات عوائل الشهداء لرفع الكاهل عن الزوجة وحماية الأطفال كما حمى آباؤهم العراق من دنس الإرهاب التكفيري، ولا يمكن لقائل كلمة حق أن ينكر الرعاية الأبوية من مرجعيتنا الدينية العليا واهتمامها باحتضان أكبر عدد ممكن من عوائل وأيتام الشهداء، وهذا من حرصها على عدم ضياعهم، وبناء جيل ناجح لا تزعزعه عواصف ضعفاء النفوس، ويبقى كل ما يقدم لهم إنما يمثل جزءًا قليلًا من حق إيفاء تلك الدماء التي نزفت وتساقطت على رمضاء الوطن.

اخرى
منذ 4 سنوات
1318