بقلم: شيماء عبدالواحد المياحي تقول احداهن: في اول مرة قرأت بها حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) في تقسيم أنواع البلاء حيث يقول (عليه السلام): (ان البلاء للظالم ادب وللمؤمن امتحان وللانبياء درجة وللأولياء كرامة).(١) كنت استبعد تمامًا أن أكون من القسم الأول فأنا اجزم بأني لست فرعون الذي ادعى الربوبية ولا الحجاج الذي كان يتلذذ بسفك الدماء ولا عمر بن سعد الذي فعل ما فعله مع أهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم) ولا أمثالهم فكيف لي أن أكون ظالمه! فكنت دائمًا أتوقع أنّ ابتلاءاتي في الحياة هي من القسم الثاني... وبعد أن منّ الله تعالى علي ورزقني بصيصًا من نور العلم واطلعت على بعض روايات الأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم) علمت بوجود تلازم بين النظام التشريعي والنظام التكويني فزيادة الطاعات يتبعها زيادة في النعم كالأمطار والأنهار والبنين ونقصان الطاعات يؤدي إلى نقصان النعم ولهذا يأمرنا الله تعالى بالاستغفار في حالة نقصان النعم ففي قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)) (٢) وعن الامام الباقر (عليه السلام): (ما من سنة أقل مطراً من سنة، ولكن الله يضعه حيث يشاء، إن الله (عز وجل) إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر) (٣) وهذا هو الظلم تكويني، ولمخالفة النظام التشريعي آثار أُخرى منها: أولًا: ادخال الأذى على قلب المولى صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه) إذ إنّ من يخالف احكام الله تعالى فإنه يُؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمعصومين جميعًا (صلوات الله وسلامه عليهم) ولاسيما الغائب الحاضر (روحي فداه) ثانيًا: يتسبب في تأخير الظهور المبارك -ولو بالنسبة معينه- وحرمان البشرية من نعيم الدولة الكريمة كما ورد هذا المعنىٰ في مكاتبة الإمام المهدي (عجل الله عالى فرجه) إلىٰ الشيخ المفيد: "ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا علىٰ حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلَّا ما يتَّصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل" (٤) ثالثًا: إنّ للذنب تأثيراً على غير فاعله كما جاء عن النبي (صل الله عليه وآله): (الذنب شؤم على غير فاعله، إن عيره ابتلي، وإن اغتابه اثم، وإن رضى به شاركه ) (٥) رابعًا: نزول النقم: ومن الذنوب ما يتسبب في نزول النقم (اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم) وهي الظلم، وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) إنه قال: (الذنوب التي تنزل النقم الظلم) (٦) خامسًا: ظلم النفس فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قال: (من أهمل طاعة الله ظلم نفسه) (٧) وعنه (عليه السلام): (ظلم نفسه من عصى الله واطاع الشيطان) (٨) فحينها عرفت أنّ البلاء بالنسبة لي أدب وليس امتحاناً فقط لما اقترفته من ذنوب. وعليه يجب أن أُراجع أعمالي وأنقّيها مما فيها من الشوائب وأتوجه لله تعالى بالتوبة النصوح واطلب العفو والسماح ممن ظلمتهم علّني احظى برضا الله تعالى ورضاهم ولا سيما المولى (عجل الله تعالى فرجه). ____________________ ١- بحار الانور ج٧٨ ص١٩٨ ٢- سورة نوح ٣- بحار الانوار ٧٣ / ٣٢٩ ٤- بحار الانوار ج ٥٣ / ١٧٧ ٥- كنز العمال ٥٥٣٦ ٦- الكافي ٢ / ٤٤٧ ٧- غرر الحكم ٨٥٤١ ٨- غرر الحكم ٦٠٥٧
اخرىبقلم: شيماء عبدالواحد المياحي يقع البعض فريسة لمشكلة اجتماعية خطيرة، تنفّر الآخرين منه من حيث لا يشعر، وهي ارتداء قِناع يُغير من ملامحه الواقعية في التعامل مع الآخرين، وذلك لأسباب متعددة: أمّا للكذب والخداع، للحصول على منصب معين. وأمّا لإظهار الإيمان والتديُّن، لنيل الوجاهة والرفعة بين المؤمنين. وهذا ما يسمى بالنفاق، وقد ذمّ القران الكريم هذا النوع من التصنُّع وبشدة، قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) وأيضًا الروايات الشريفة نهت عنه فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قال: (ما أقبح بالإنسان ظاهرًا موافقًا وباطنًا منافقًا) (١). وعنه (عليه السلام): (ما أقبح بالإنسان أن يكون ذا وجهين ) (٢). ولكن! ليس كل تصنُّع هو مذموماً و نفاقاً، فقد يضطر الإنسان لإخفاء ما لا يحسن إظاهرهُ للآخرين من ألم، وحُزن، وضعف، بل ينبغي للمؤمن أن لا يُرى منه إلا القوة، والثبات حتى في الشدائد والمحن، فعن الرسول الأكرم (صل الله عليه وآله) إنه قال: (من كنوز البر: كتمان المصائب، والأمراض، والصدقة) (٣). وأيضًا ينبغي للمؤمن كظم الغيض، وضبط النفس عن هيجان الغضب، وهذا دلالة على كمال العقل وقوة الإرادة للسيطرة على النفس الأمارة بالسوء، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (إن لم تكن حليماً فتحلّم فإنه قلّ من تشبّه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم ) (٤). وأيضًا ينبغي للمؤمن أن يظهر الحب والمودة حتى لمن آذاه وبخس حقه بأمرٍ ما، وإن كان في قلبه شيء من الضغينة عليه فهذا هو خُلق العترة الطاهرة وقد أمرونا أن نتخلق به، فقد ورد عن الرسول الأكرم (صل الله عليه وآله) أنه قال: (أحتمل الأذى عمن هو أكبر منك وأصغر منك وخير منك وشر منك فإنك إن كنت كذلك تلقى الله (جل جلاله) يباهي بك الملائكة)(٥). وعنه أيضًا (صل الله عليه وآله) قال: (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض)(٦). _______________ (١) غرر الحكم : ص٤٥٨ . (٢) غرر الحكم : ص٤٥٨ . (٣) الوسائل : ج٢ /ص٦٨ . (٤) الوسائل : ج١٥ / ص٢٦٨ . (٥) البحار : ج٧٢ / ص٥٢ . (٦) الكافي : ج٢ / ص١١٧.
اخرى