تشغيل الوضع الليلي

حماةٌ وكنّةٌ

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 1245

بقلم: أم قنوت
امرأتان في حياة رجلٍ واحد، وجودهما جوهري في رحلته نحو القمم، أو في بقائه على الهامش، الأولى أُمّه: أصلُه ومصنعُه، والثانية زوجتُه: نصفه الثاني ومسكنُه.
أحد أهم الأدوار الأساسية للأم في حياة أولادها هو التوجيه، دينياً كان أو اجتماعياً أو أخلاقياً، فتستمر بالعطاء الى أن تصل بابنها الى سن النضوج وبرّ الامان، ليُكمل ما تبقى من عُمره مع امرأةٍ جديدة تُكمل المسيرة معه جنباً الى جنب.
ليت الواقع مثالي ومُنمّق وصائب كهذه المقدمة، فبعض البيوت جحيمٌ أبدي تُسعر ناره إحدى المذكورتين وتنفخ فيها الأخرى، فيسعى الرجل بين هذه وتلك محاولاً الإخماد بلا جدوى، تدعّي كل منهما حبه، وتزعم أنها الباحثة عن راحته، حتى يصل ذلك المسكين إلى حافة الانهيار، فيتراجعا عندئذ، فلا يكاد ينفض عنه رماد النار القديمة إلّا واستعرت أُخرى.
حربٌ بلا هدنة، فصولها متنوعة، غيرةٌ، وحقدٌ، وجهلٌ، وخاتمتها انتقام، إذا كان القصد الانتصار فتدبُّرٌ بسيط يُظهر أنّ المعركة تنتهي لصالح إحداهما ولكّن الحرب مستمرةٌ جولةً بعد جولة.
أمٌ صبرت وربّت رجلاً تتمناه كل النساء وتحسدها عليه كل الامهات، لكن يتبخر كل ذلك في غمضة عين حال رؤية ابنها مع زوجته فتتغير كل مبادئها في سبيل الظفر به.
زوجةٌ ناضجة تربّت على القيم والاخلاق فإذا بها ترمي ما تربّت عليه جانباً، فإن بدر من زوجها وصالٌ لأمه عاتبته: أنت مقصّرٌ معنا، وإن طلبت الحماة طلباً خفيفاً منها، فذاك أثقل من جبل، أما إذا تهور زوجها وفكر أن يبرّ أمه بمالٍ من رزقه فذلك يوم عسير كعسر قلبها.
أيتها الحماة، كُنتِ كنَّةً يوماً ما.
أيتها الكنَّة، ستصبحين حماةً يوماً ما.
رفقاً بذاك الرجل المنهك، فقد تشتت عقله بتوافه الامور وأصبح مسجوناً في تلك الزاوية، فتنازلاتٌ بسيطةٌ كافية ليعّم الهدوء ويسود الحب، تطبيقاً لقول الله عز وجل﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
ثم ماذا عن مبدأ احترام الكبير والعطف على الصغير؟ لمَ لا يُطبّق في هذا البيت؟ وأين دهاء المرأة الذي تضج به الكتب؟ فطريق قلب الرجل يمر عبر حب واحترام الزوجة لأمه، وهل ينفع التذكير بعمر كليكما لترفق الحماة بزوجة ابنها وتعاملها بلين وعطف، بينما تتحمل الزوجة الصغيرة بعض المسؤولية عند تعاملها مع تلك الكبيرة في السن المريضة أكثر الاحيان؟ فطباعكِ طيّعة بينما تأصلّت طباعها.
يروى عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: " إنما المرأة قلادةٌ فانظر ما تتقلّد، وليس لامرأةٍ خطرٌ، لا لصالحتهن ولا لطالحتهن: فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة، هي خيرٌ من الذهب والفضة. وأما طالحتهن فليس خطرها التراب، التراب خيرٌ منها" (٢).
رسالةٌ الى من يهمّها الأمر: لكِ الخيار بأن تكوني خيراً من الذهب والفضة أو دون التراب.
______________________
١- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي ابن بابويه القمي، ص١٤٤.

اخترنا لكم

من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه

كلمات شرعت بها المُدرسة (سلمى) في حديثها مع طالباتها في آخر ربع ساعة من الحصة التدريسية قائلة: " من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه "... بناتي العزيزات... ربما يرغب الإنسان أحياناً في الاستعجال بالحصول على أمر ما هو سيأتيه حتماً يوماً ما، ولكنه يحاول أن يسابق الزمن ليحصل عليه قبل أوانه، ومصيره في هذه الحالة أن يُعاقب بالحرمان منه طيلة حياته، فالوارث الذي يقتل مورثه سواء كان أباه أو أخاه أو أمه أو جده مثلاً للحصول على الميراث بشكل أسرع وبوقت أقرب، فإن الشرع والقانون يعاقبانه في هذه الحالة العقاب الذي يستحقه وعلاوة عليه فإنه يُعاقب بالحرمان من ذلك الميراث كله وإلى الأبد... شجع المُدرسة (سلمى) انجذاب الطالبات إليها والإنصات إلى حديثها فتابعت قائلة: وأنتن يا عزيزاتي في مقتبل أعماركن وأول شبابكن كالزهور الزاهية على أغصانها، فما لم يتقدم لها البستاني المخلص ليقطفها بعناية من أجل غرسها في بيئة تناسبها لتقضيَ ما تبقى من عمرها في عنايته ورعايته، لا يصح إطلاقاً أن تتعرض لها أي يد عابثة، أو هاوية أو لاعبة مهما تظاهرت بالأمانة؛ لأن مآل ذلك ــ كما تعلمْنَ حبيباتي ــ إلى ذهاب جمالها وشحوب بريقها ومن ثَم إعراض البستانيين عنها لعدم صلاحيتها للغرس ثانيةً، فتبقى على أغصانها تحركها الرياح يميناً وشمالاً وتحرقها حرارة الشمس حتى تذبل وتتساقط على الأرض ورقة فورقة... والآن يا عزيزاتي أظن أن المقصد بات واضحا، فقد تتحرك في نفس من كانت في عمركن الرغبة بمحادثة شابٍ ما أو هو يطلب منها ذلك، أو تغريها صاحبة سوء بذلك، فعليها الحذر الشديد والإقلاع الفوري عن مجرد التفكير بهذا الأمر وإلا فسيكون حالها حال الزهرة التي أمست عديمة الصلاحية فأُعرِضَ عنها... وكُنَّ على يقين بأن الصيادين كثر، والمتلاعبين بقلوب الفتيات الذين يجيدون التمثيل إلى حد كبير أكثر... لذا عليكن حبيباتي الحذر .. الحذر .. فضلاً عن أن هذا الأمر محرم شرعاً، وقد يحول بينكن وبين جنة عرضها السموات والارض... كما إنه مرفوض عرفاً ومن يُعرَف عنها أنها عشقت أو عُشقت ستكون منبوذة بين المجتمع، يفر منها الغرباء، وينفر منها الأقرباء، وهناك الكثير الكثير من القصص التي استعجلت فيها الفتيات على الحب والغرام، ومحادثة الجنس الآخر بما لا يليق من الكلام، فمنها من تعلقت به تعلقاً بالغاً ودعته إلى الارتباط بالزواج منها على سنة الاسلام، فترفّع عنها ناعتاً إياها بما قبح وشان من الأوصاف، معرباً لها عن شوقه إلى اختيار زوجة تتّسم بالشرف والعفاف... ومنها من فُضِحت بين قومها، فضحها مراوغ وخبيث أوهمها في يوم ما أنه الحبيب المخلص الحريص على سمعتها، فصدقّته وما إن حصل على بُغيته منها حتى نشر صورها ومحادثاتها... فخسرت بذلك سمعتها الطيبة، وأضاعت كل فرصها في الزواج، فغدت وحيدة لا مؤنس لها، وكئيبة لا راحة لها، حرمت نفسها من الحب إلى الأبد، ومن التنعم بإحساس الزوجة بالأمان مع زوجها ، والإحساس بالأمومة والحنان مع أطفالها ... بل وخسرت حتى الاحترام والتقدير في مجتمعها ولم يبقَ حليفاً لها سوى الألم، ولا رفيقاً لها سوى الندم، تعيش الحياة واجباً ثقيلاً لما أثقلت به من الهموم والأحزان... ومما يزيد في حسرتها نظرتها إلى من في عمرها بل وإلى من هي أصغر منها سناً وقد تزوجت بفرح وسرور، وأنجبت أطفالاً تشعر برفقتهم بالمحبة والحبور، متنعمة بالحب الذي حصدته في أوانه، وقد غمرها زوجها بحبه ولطفه وحنانه ، وقد أضافت ضحكات أطفالها إلى عشها الزوجي استقراره وأمانه... حينئذٍ تدرك تلك الفتاة أن ما ضيعته لا يعود أبداً وما خسرته لا يعوضه أحد... حينئذٍ تدرك حقاً صحة ما شرعنا به عند حديثنا ( من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه). ولأنكن طالباتي العزيزات غاليات على قلبي محببات إلى نفسي وددت أن أنقل لكن هذه التجربة الأليمة لفتيات غافلات أو متغافلات ختمت حياتهن بالتعاسة والحزن لغرض أخذ الدرس والموعظة .. و" السعيد من بغيره إتعظ "(1)... بل و" العاقل من اتعظ بغيره "(2).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) شرح أصول الكافي ج20 ص296 (2) عيون الحكم والمواعظ ج1 ص37

اخرى
منذ 5 سنوات
5039

سقيمٌ وخدمتكَ تُشفيني (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ)

بقلم: زهراء علاء إنَّ حُبّ محمدٍ وآل محمدٍ (صلوات الله عليهم أجمعين) فطرةٌ وضعها الله تعالى في قلوب مُحبيهم، وهذه الفطرة كالنبتةِ تحتاجُ إلى سَقيٍ بِماء الإيمان.. كُنتُ ألتمس هذا الشعور - شعور الحُب - الذي غُرِس في داخلي لهم، حيث كان نقي السريرة .. كُنتُ أبحثُ عنه منذ نعومة أظافري، رجوتُ الله (تعالى) أن يثبت أعمدة هذا الحبِّ وأنْ لا يحول بيني وبين الطريق المؤدي إليه، وكنتُ انتظرُ الأيام التي أرى فيها ثمره هذا الحب قد أينعت .. كانت جُلَّ أمنياتي أنْ يكون الحسين (عليه السلام) هو من يتولى زمام أمرِ هذا الحبِّ ويرشدني إلى الطريق الأمثل، فتنهيدةُ هذا الطلب أراقت دمعتي وقضَّت مضجعي. كُنتُ أحلم أنْ أخدم في حرمه الشريف، وعندما كانت تخبرني صديقتي عن أيامها التي قضتها في الخدمة الحسينية أيام زيارة الأربعين، كان الحزن يُخيّم على قلبي ويمتطي اليأس نفسي، فلقد كان أهلي يرفضون ذهابي إلى هناك خوفًا عليّ.. وهكذا ظلت روحي تعاني من هذا الأمر كُلّما اقترب موعد الخدمة إلى أنْ ساقَ الله (تعالى) في طريقي أشخاصًا يمهدون لي سُبل السير إليه.. يا لِتعاستي، فلقد مرّت هذه السنون عبثًا دون أنْ أحظى بخدمتك يا أبا عبد الله. انطلق الجميع للزيارة وبقيتُ أنا مع خَيبتي والغُصة تملأ فمي الناشف، لكن لم يهُن دمعي وانكساري على الله (تعالى)، وعرفتُ أنَّ تأخير طلبي كلَّ هذه السنين حيث هيأ ذهابي في الوقت المناسب، الوقت الذي فقدتُ فيه الأمل، وأوشك هذا الحب أنْ يتلاشى فأفقد أجرَ صبرِ كلِّ هذه السنين. (زينب...) إحدى الهبات الإلهية التي وضعها الله في طريقي، كُنت دائمًا ما أتكلم عنها أمام أهلي، حتى غُرِس حبها في قلوبهم، فكانوا يطمئنون عليّ عندما أكون معها؛ ولهذا زال خوف أهلي عندما رأوا إلحاحي وطلبي للذهاب للخدمة برفقتها، اقترب موعد الزيارة وأنا كُلي أملٌ أنْ أكون هذه السنة بين صفوف خادمات الإمام (عليه السلام). اتصلت بي زينب وهي تخبرني بأنَّها ستذهب إلى الزيارة والخدمة بنفس الوقت، عندها انشرح صدري وسال الدمع من عيني شوقًا وحبًا إلى الإمام الحسين (عليه السلام). يا الله لقد استُجيب دعائي! أوشكت نفسي من نفسي تضيع، هل حقًا تحقق حلمي؟! بعد أنْ كادَ أنْ يُحطَّم سراج الأمل في داخلي عندما فشلت جميع محاولاتي في الذهاب لخدمتك يا أبا عبد الله .. هل فعلًا قبلتني؟! هل قبلت أنْ تتكفل بهذا الحُب؟ حينها أخبرتُ أهلي، فأذنوا لي بالذهاب مع زينب .. ذهب أبي مسرعًا لإحضار سيارته ليوصلني إلى المستشفى التي تعمل بها (زينب)، وأنا في طريقي إليها شعرتُ بأنَّ روحي قد حلّقت عاليًا في السماء، وصلت إلى (زينب)، وعندما رأيتُها دعوتُ الله (تعالى) أنْ يوفقها في حياتها؛ لأنها كانت سبباً في تسهيل طريق خدمتي لأبي عبد الله (عليه السلام). انطلقنا وانطلق معنا التوفيق الإلهي في مسيرنا صوب كربلاء، وقبل أنْ نصل شعرتُ بشعورٍ غريب لا يمكن للحروف أن تصفه، طوال الطريق وأنا أحدث نفسي: ماذا أفعل عندما أراك؟ ماذا أعمل لشكرك! وعلى هذه الحال دخلنا الحرم الحسيني الشريف، دخلنا لمكان يسمى بـ(شعبة الزينبيات)، سلَّمتُ على صديقاتي وشعرتُ بالأمان التام والتسليم المطلق. وكنتُ متشوقةً جدًا للخدمة. انتهينا من الصلاة وأحضرت لي (زينب) وشاح الخدمة .. أتت اللحظة التي انتظرتها كلَّ هذه السنين، لحظة أنْ أكون بين صفوفِ الخادمين عند أبي عبد الله (عليه السلام).. كان مكان خدمتي عند الرأس الشريف، للتوِّ سكنت الروح وسكتَ أنينُها، وانفرجت أسارير قلبي .. تموّجت روحي بين الحزن والفرح؛ الفرح باللقاء والحزن على مصابه الأليم. شُغِفتُ في العمل بقربه، وقفتُ دقيقةَ صمتٍ لأستجمع شعوري، لا بل نفسي التي تاهت عند رأسه الشريف قائلةً: (يا أبا عبد الله كُنتُ أبحثُ عن الحُب فوجدتك أهلًا له، أدركتُ أنّك مُقيمٌ بين أوصالي، وغايتي في البحث عن الشيء المفقود في نفسي توقفت؛ إذ لا فقدَ بوجودك ولا وجودَ بفقدك، يا بهيَّ الطّلعة، يا غاية المُنى، فبعزتِك لا تحرمني من هذا العطاء، وأنْ تثبت لي قدمَ صدقٍ معك يوم الورود وتسهل لي طريق البحث عن الموعود). وعندما انتهى وقت خدمتي رجعتُ إلى الشعبة، استلقيتُ في فراشي، وبدأتُ أتمعن في تفاصيلِ المكان، حينها رأيت لوحةً مكتوبًا عليها على ما أتذكر: "أختي الزائرة اخفضي صوتكِ فأنتِ في أرضٍ سارت عليها السيدة زينب ورقية (لا أتذكر صيغةَ النصِ كاملًا) لكن كان نصًا مؤثرًا جدًا، بكيتُ حينها وتذكرتُ عندما كُنتُ في الثانوية وكُنتُ أذهب إلى كربلاء وأنا لم أرتدِ العباءة بعد إلا عند دخولي إلى الحرم الشريف، وعندما كنت أضحك بصوتٍ عالٍ أنا وصديقاتي).. هنا أدركتُ ماهي كربلاء وقدسيتها! غفوتُ على تنهيدةِ تلك الأيام التي ذهبت دون أنْ أدرك أهمية الأمر، حتى أيقظني صوت هتافات الزائرين بـ(لبيك يا حسين)، التي كانت تملأ الغرفة، وهيّجت الشوق.. كان الكلُّ نائمًا في الغرفة، أخذتُ وشاحي بكلِّ هدوءٍ وذهبتُ إلى الحرم، ومن ثم عملتُ في المفرزة الطبية، وتعلّمت أشياءً كثيرةً أضافت خبرةً لدراستي. حينها قالت لي إحدى الأخوات: هل تذهبين للسقاية؟ لم أكن أعرف ما هي، لكني وافقتُ وبدأتُ بتوزيع الماء إلى الزائرات المتوجهات صوبَ أبي عبد الله (عليه السلام).. يا الله، كان المنظرُ حزينًا جدًا؛ فالكلُّ متعطشٌ ومتلهفٌ لشرب الماء، ساعد الله تعالى قلبك يا حبيبي يا أبا عبدالله. شارفت الزيارة على الانتهاء، ودّعتُ سيدي بركعتي شكر وامتنان له ووعدته وعودًا كثيرةً، أهمها البحث والتعمق بمعرفة صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، وطلبت منه أنْ يشرف بنفسه على هذا الوعد وأنْ يسهل لي طريقي إليه إذا تعسّر المسير. رجعتُ إلى المنزل أخبرت أهلي بكافةِ التفاصيل ومن شدةِ الفرح أكررُ نفس الموضوع عليهم في ذلك الحين. عندما ذهبت إلى فراشي تذكرتُ كلَّ موقفٍ وكلَّ دقيقهٍ مرّت هناك .. نمتُ من شدةِ التعب جراء السفر من كربلاء عندئذٍ رأيتُ في المنام أنّي ما زلتُ في الخدمة الحسينية، أسمع تلك الهتافات التي لم تفارق مسمعي (لبيك يا حسين ... لبيك يا حسين) وعندما أفقتُ بكيت وتألمت. تمنيت لو أنَّ عمري ينقضي بجوارك يا أبا عبد الله بقيت على هذه الحالة ثلاثة أيام أرى نفس الرؤيا حينها كان النوم صعبًا جدًا .. قررت أن أباشر بتنفيذ الوعود التي وعدتُ أبا عبد الله (عليه السلام) بها، تغيّرتُ جدًا، فأصبحت أكثر حرصًا على إيماني وأكثر شغفًا وحبًا للموعود. فيا سيدي أبا عبد الله، لاريب عندي أنّك أنت من عززت أواصر الحُب بيني وبين صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، وجعلتني أسير على خطى أختك الحوراء في عفتها وحيائها.. أنت من جعلتني أحيى من جديد، من أضفتَ لونًا لأيامي .. عَلَيْكَ مِني سَلامُ اللهِ أبَدًا ما بقيتُ وَبَقِيَ الليْل والنهار.

اخرى
منذ 3 سنوات
287

المظلوميات الإعلامية للإمام الحسن (عليه السلام) 《٣》 مقارنة صلح الإمام الحسن بقيام الإمام الحسين (سلام الله عليهما)

من المظلوميات الإعلامية العديدة التي تعرض لها الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) مقارنة صلحه مع قيام أخيه الحسين (سلام الله عليه) والجمع بين الموقفين، وهذا بلا شك ظلم عظيم لاختلاف ظروف عصر كل إمام السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وتعدد هذه الأسباب والظروف هو الذي يحدد طريقة كل إمام في التعامل مع هذه المعطيات المرحلية فتتعدد أساليب المواجهة بما يتناسب وهذه المتغيرات . فلو كان الإمام الحسن (عليه السلام) في زمن يزيد لقام بالسيف وكذلك الإمام الحسين (عليه السلام) لو كان في زمن معاوية لصالحه على الشروط ذاتها لأنهما نور واحد ومنبع واحد والهدى واحد، ولكن الاختلاف الحاصل كما أشرنا هو في الظروف الموضوعية وعلى كافة الصُعُد في عهد كل منهما، وأيضا لاختلاف سياسة معاوية عن سياسة يزيد فمعاوية كان داهية ولا تهمه خسة ودناءة الأساليب التي يتبعها بقدر ما تهمه الغاية فهو من أنصار مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) وإن كانت هذه الوسائل تنمّ عن غدر ومكر وخديعة، وهذا ما أشار إليه الإمام علي (عليه السلام) في حديث له :(والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه بغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ولكن لكل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا أُستغمز بالشديدة)(1) أي إنه لولا خوفه من الله لاتّبع ذات أساليب معاوية الملتوية، إنها أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) ومبادئهم في السلم والحرب، وهذا ديدن أهل بيت العصمة والطهارة فهم المطهرون من الرجس بنص الذكر الحكيم، وكذلك الإمام الحسن (سلام الله عليه) فهذا الشبل من ذاك الاسد، فإن استقامته (عليه السلام) لا تسمح له بانتهاج نهج الأدعياء وأبناء الطلقاء لأن استقامته نابعة من نهج الأنبياء والأوصياء. ثم إن معاوية كان يتستر على تلك الدناءة باسم الدين، أي إنه كان يحافظ على الواجهة الإسلامية لتمرير مخططاته ومصالحه الشخصية على السواد الأعظم من سُذّج هذه الأمة ولهذا كان دائما ما يستأجر علماء ورواة البلاط لوضع الأحاديث المجعولة التي تتحدث بفضائل ومناقب وهمية لمعاوية منها أنه كاتب الوحي وأنه خال المؤمنين وغيرها كثير كي يعزز موقعيته الدينية عند المسلمين بهالة من القداسة، فانطلت هذه الواجهات الإسلامية المظهر على الأمة التي غطت في سبات عميق وابتعدت كثيرا عن مفاهيم الإسلام الحركية والعملية دون النظرية منها، ولهذا كان لزاما على الإمام الحسن (عليه السلام) أن يقوم بالسيف. فمن قال أن الإمام الحسن (سلام الله عليه) صالح ولم يقاتل؟! نعم قاتلَ، ولكن خيانات جيشه والمؤامرات فيه هي التي اضطرت الإمام أن يصالح معاوية ليحافظ على الشيعة المخلصين وأيضا ليكشف للأمة زيف ادعاءاته وخسة منهجه في سياسة البلاد والعباد التي خفيت على الكثيرين. أما يزيد فكان شابا ماجنا فاسقا خمارا ملاعبا للقرود وملازما للنساء لا يفقه من أمور دينه شيئا ولهذا فإن للحاكم الظالم حدًّا للقيام عليه من قبل الجهات المعصومة المخولة من قبل رب العزة والجلال وهذا الحد هو أن يتجاوز هذا الحاكم كل الخطوط الحمراء الأساسية في الإسلام وأن يعلن فسقه وفجوره وتخلّيه عن نهج الإسلام الذي هو أساس ومنطلق خلافته، أو ليس يدعون أنه (خليفة رسول الله!) فأي خلافة هذه لرسول الله؟ وكيف حفظ هذا المقام؟ فتأمل. ولهذا جاء على لسان الإمام الحسين (عليه السلام) حينما أراد الوليد عامل معاوية على المدينة أن يجبر الإمام الحسين (سلام الله عليه) على البيعة ليزيد فرفض الإمام الحسين بشدة معللا بذلك الحد الذي تجاوزه الظالمون في الاستهتار بالدين كما فعل يزيد فقال (عليه السلام) :(إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد رجل شارب للخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله)(2) وهنا ختم الإمام الحسين بكلمة رائعة للمتأمل فيها بروية وإمعان وهي (مثلي لا يبايع مثله) أي إنه (عليه السلام) نفى شخصنة القضية وإن رفضه لبيعة يزيد ليس حقدا كلاسيكيا بين بني هاشم وبني أمية كما يتصوره البعض لسذاجة تفكيره وعدم معرفته بأهل البيت (عليهم السلام) فهم نهج السماء المتجسد على الأرض وهم القمة السامقة في السمو الروحي والأخلاقي ولهذا قال (مثلي لا يبايع مثله) أي إن المسألة تعدت مسألة الزمان والمكان وكلمة (مثلي) هنا يمكن أن نجيب بها على الإشكالية التي يشدق بها البعض من مقارنة صلح الإمام الحسن بقيام الإمام الحسين (سلام الله عليهما) فمن خلال كلمة (مثلي) في النص السابق نتساءل هل يوجد مثل مساو تماما للحسين غير الإمام الحسن (عليه السلام)؟ أوليس الإمام الحسن مثله تماما في الفضل والكرامة والمنزلة عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) أو لم يقرن الحسن مع الحسين (عليهما السلام) على لسان الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بأمر رب العباد مرارا وتكرارا على مسامع هذه الأمة؟ فإذا كان الحسن مثل الحسين ومثل الحسين لا يبايع يزيدا وبالتأكيد يعني قيام الإمام الحسن (عليه السلام) بالسيف لو عاصر يزيدا ولصالح الإمام الحسين (عليه السلام) معاوية ، إذن المبدأ واحد لكل الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لكن الاختلاف في ظروف الأمة هو من يجعل لكل معصوم خطا يتميز به دون غيره من المعصومين تبعا لتلك الظروف. وما يجيب على هذه الإشكالية أيضا قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) :(الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)(3) وقد أشار الإمام الحسن (عليه السلام) الى مفهوم هذا الحديث في هذه الرواية عن أبي سعيد عقيصا قال :قلت للحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام) :يا ابن رسول الله لـمَ داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فقال: يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه وإماما عليهم بعد أبي عليه السلام؟ قلت: بلى. قال: ألست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلت: بلى. قال: فأنا إذن إمام لو قمت وأنا إمام إذا قعدت، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل ، يا با سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما اتيته من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما اتيته ملتبسا ألا ترى الخضر عليه السلام لما خرق السفينة وفتل الغلام واقام الجدار سخط موسى عليه السلام فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي هكذا أنا سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه ولولا ما اتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل)(4). ومن الإجابات على إشكاليتهم أيضا: أنه من قال أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يصالح معاوية كما صالحه الإمام الحسن (عليه السلام)، نعم لقد التزم الإمام الحسين (عليه السلام) بصلح أخيه الحسن (عليه السلام) حتى وفاة معاوية وخير دليل على ذلك هو الكتب والرسائل التي أرسلها أهل الكوفة للإمام الحسين (عليه السلام) _وهي أكثر بكثير من تلك الكتب والرسائل التي أرسلوها في عهد يزيد_ والتي يطالبونه فيها بأن يقدم عليهم ليعزلوا معاوية عن الخلافة بعد أن تبين لهم عدم التزامه بالضوابط الدينية وأن يجعلوا الحسين (عليه السلام) خليفة على المسلمين فرفض الإمام الحسين ذلك بشدة وقال بما مضمونه لا يمكن أن أفعل هذا حتى يهلك معاوية إن بيني وبينه لعهدا(5) مشيرا بذلك الى وثيقة صلح الإمام الحسن (عليه السلام) التي كان من ضمن بنودها ان يسلم الحسن (عليه السلام) الخلافة لمعاوية وأن لا يعهد معاوية لأحد من بعده فإذا هلك معاوية فيخلفه الحسن فإذا رحل الحسن فأخوه الحسين. وهذا الجواب الشافي لمن يتشدق بأن الإمام الحسين خرج على إمام زمانه وأنه خرج عن حدّه فقتل بسيف جدّه وغيرها من الترهات، متناسين وثيقة الإمام الحسن التي هادن بها معاوية والتي دفعت مسبقا كل الأقاويل الباطلة على الإمام الحسين (عليه السلام). فإذن نستطيع القول بأن صلح الحسن وقيام الحسين يعني أيضا صلح الحسين وقيام الحسن . ونعني بصلح الحسين الفترة التي التزم بها الإمام الحسين بصلح أخيه الحسن حتى وفاة معاوية. ونعني بقيام الحسن هو قيامه بالسيف لولا خيانات ومؤامرات الحزب الأموي داخل جيشه مما اضطره للصلح الذي مهّد لعاشوراء، فالأمر سيان لأن فعل المعصوم ينبع من نور واحد من نور الله جل وجلاله وعلمهم اللدني الذي أكرمهم به الله تعالى به إصافة الى العلم الذي تعلموه من جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) نعم إنها أسرار الإمامة فلكل إمام دور يتناسب وعوامل حركة المجتمع في الأمة اﻹسلامية وهي ذات العوامل لتي تفرض على المعصوم واقعا يجب التعامل معه بما يتناسب والإمكانيات المتاحة للمعصوم وان وقع عليه حيف أو ظلم كبير وتلك حكمة الله جل وعلا ،فالحكمة اﻹلهية شاءت أن يقاتل الإمام علي (عليه السلام) الناكثين والقاسطين والمارقين في الجمل وصفين والنهروان وأن يختم حياته مخضبا بدمه الشريف في المحراب. وهي ذات الحكمة التي شاءت أن تعصر الزهراء (عليها السلام) بين الباب والجدار وأن يصاب ضلعها الشريف بالمسمار وأن يسقط جنينها المحسن على أعتاب الدار لجهادها في ذات الله ولنصرة إمام زمانها وتثبيت دعائم الولاية بكافة الوسائل المتاحة لها ضد الحاكم الظالم. وهي تلك المشيئة اﻹلهية التي شاءت أن يصالح اﻹمام الحسن (عليه السلام) معاوية بعد خذلان جيشه وخيانته له وانتهاءً بقتله مسموما على يدي زوجته بأمر من معاوية. وهي ذات الحكمة اﻹلهية التي شاءت أن يقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ويذبح على أرض كربلاء ويرفع رأسه على الرماح وسيقت نساؤه سبايا بين القفار والأمصار لرفضه للظلم والاستعباد لتصبح كربلاء قبس هداية ينير مسير الأحرار . وهي ذات الحكمة التي أبقت اﻹمام السجاد (عليه السلام) حيا لعلته وسقمه في كربلاء ليجعل الله من عبادته (عليه السلام) نبراسا لكل العابدين الذين جاهدوا الباطل بعبادته ودعائه وسجوده في ظل ظروف صعبة من تضييق وإقامة جبرية وتعتيم كامل على نشاطه (عليه السلام) والتنكيل بشيعته بعد أحداث معركة الطف. وهي ذات الحكمة اﻹلهية التي شاءت أن ينشغل الظالمون عن اﻹمام الباقر (عليه السلام) بالمخاطر والتهديدات الخارجية لتتاح له الفرصة بذلك أن ينشر فكر أهل البيت (عليهم السلام) بعد الانغلاق التام عليها خاصة بعد مجزرة كربلاء مما ساهم (عليه السلام) في التمهيد لجامعة الإمام الصادق (عليه السلام) الذي شاءت حكمته تعالى أن يؤسس أعظم جامعة دينية علمية ثقافية لا زال العلماء ينهلون من معارف وأنوار تلك المدرسة الربانية حتى وقتنا الحاضر. وهي ذات الحكمة اﻹلهية التي اقتضت أن يتنقل اﻹمام الكاظم (عليه السلام) بين سجون العراق وتشريد ابنائه وذراريه حتى شهادته مسموما في سجن هارون العباسي. وهي ذات الحكمة التي جعلت المأمون العباسي يتظاهر بالتقرب الى العلويين ليمتص غضبهم ونقمتهم على بني العباس وليمنع ثورات العلويين عليه بإجبار اﻹمام الرضا (عليه السلام) بقبول ولاية العهد ليحجزه عن قواعده الشعبية وليسهل قتله بالسم في أرض طوس بعد أن وطد دعائم حكمه. وهي ذات الحكمة اﻹلهية التي جعلت من الإمام الجواد (عليه السلام) أول ظاهرة للإمامة المبكرة عند أئمة أهل البيت تماما كعيسى بن مريم ويحيى بن زكريا (عليهما السلام) ليقيم الحجة بذلك على إمامة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مع الأخذ لنظر الاعتبار التحديات التي واجهها الإمام وإنعكاساتها على الأمة. وهي ذات الحكمة الإلهية التي جعلت الإمام الهادي (عليه السلام) يعيش منفيا في سامراء وأن يسلك مسلك الاحتجاب الجزئي عن شيعته ومواليه تمهيدا لغيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه). وكذلك شاءت حكمة الله أن يسلك الإمام العسكري (عليه السلام) سلوك الاحتجاب الجزئي بشكل مكثف وأن يثبت البيعة لابنه المهدي وأن يثبت وجوده بين خلص شيعته ليحمي وجوده وأن يحرسه كذلك من السلطات العباسية التي كانت تروم قتله وأن يمهد الذهنية العامة لﻷمة لغيبة ولده الإمام المهدي (عليه السلام) الذي شاءت حكمته تعالى أن يظل محتجبا عن شيعته لتسع وستين عاما وأن يتعامل مع شيعته عن طريق السفارة التي تعتبر الخطوة التمهيدية للغيبة الكبرى التي شاءت حكمته جل وعلا أن تطول وتمتد لقرون حتى تكتمل مشيئته تعالى بأن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، إنه مخطط رباني يهدف في الأساس إلى تربية اﻷمة نفسيا وروحيا وأخلاقيا وفكريا لتتكامل في ساحة العزة والجلال لتصل إلى المستوى المنشود من العبودية الحقة لله تعالى. وبلحاظ ما تقدم ندرك جيدا أن كل ما مر به الأئمة (عليهم السلام) من ظروف مرحلية هي التي حتمت عليهم طريقة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار بما يتناسب وما توفر لهم من أدوات وسبل المواجهة بشكل واقعي وحسب نواميس الكون الطبيعية والسنن التاريخية عبر الأجيال فلا يأتي النصر بالمعجزة فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ولا بأس من اتخاذ حلول مؤقتة تناسب إمكانات وظروف المرحلة ريثما تتهيأ الظروف لتحقيق الاهداف الكبرى على المستوى البعيد وهذا يتطلب وعيا مستقبليا لمستجدات الأحداث على الساحة. وما أشبه صلح الإمام الحسن (عليه السلام) بغيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه وسهل مخرجه) التي ما طالت إلا لغدر الأمة وعدم التزامها بأمام زمانها وعدم التفافها حول إمامها الحق وإذعانها للظالمين ومؤامراتهم ومخططاتهم مبتعدين عن الشريعة وانغماسهم في الملذات مما يؤخر ظهوره المبارك فكذلك كان صلح الإمام الحسن (سلام الله عليه) لولا أن الأمة تخاذلت عن نصرة الإمام الحسن ولم تعرفه حق معرفته وتراخت عزائمها أمام مكائد بني أمية لما حصل هذا الصلح أساسا. لكن يبقى كما قلنا أن الهدف الأساسي من الصلح والغيبة هو تربية الأمة فكريا وروحيا ونفسيا وتعبويا وتوعويا حتى قيام الإمام بالسيف لمقارعة الظلم والطغاة وهذا ما حصل بعد الصلح حيث تربى أنصار الحسين (سلام الله عليهم) روحيا وفكريا واستفادوا من فترة الصلح التي محصتهم وغربلتهم جيدا من خلال تجميع الأفكار وتوحيد الرؤى والثبات على ملازمة خط الإمامة ونصرة إمام زمانهم رغم إشاعات معاوية وانجرار بعض الشيعة إليها بوصفهم الإمام بأنه ضعيف الشخصية وأنه مذل المؤمنين ونحوها رغم تهديدات معاوية للشيعة والتعذيب والمطاردة والتشريد والتصفية الجسدية للمخلصين لخط الإمامة مما أنتج أفرادا قمة في الإخلاص لشخص الإمام واليقين به كأصحاب الإمام الحسين خيرة الأصحاب وقت الصعاب، وبنظرة تأمل بسيطة نرى ما يجري اﻵن للمنتظرين في زمن الغيبة وكيف يتعرضون لصنوف البلاء من التكذيب والتكفير والظلم والتشريد والتصفية والإبادة إضافة إلى تكذيب الفرق الضالة بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ونفي وجوده المبارك وتشويه وتسفيه القضية المهدوية بشتى الوسائل ولكن هذا لا يمنع المنتظرين لإمام الزمان من أن يزدادوا ثباتا والتزاما بولاية الإمام المهدي وإن حجبته عنا ذنوبنا إلا إن تلك الشمس التي خلف السحاب ستشرق علينا إن أخذنا العبرة من صلح الإمام الحسن وقيام الإمام الحسين (عليهما السلام) فهما صنوان لأن صلح الإمام الحسن يعلمنا في زمن الغيبة كيف نهادن العدو ومتى ويعلمنا كذلك الوعي في قراءة الواقع الموضوعي للأمة في ظل التحديات والمؤامرات التي يتعرض لها الرساليون في زمن الغيبة، كما تعلمنا من نهضة الإمام الحسين الإباء ورفص الظلم وطلب الإصلاح في الأمة ومعرفة الحدود والخطوط الحمراء التي يجب أن نأخذها على الحاكم الظالم للقيام بثورة فكرية وروحية وعسكرية -إن لزم الأمر- وعلى كافة الصعد الأخرى لنقتلع جذور الظلم والفساد في الأمة ممهدين بذلك لليوم الأكبر الذي ستملأ به الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا على بد الإمام المنتظر (هجل الله تعالى فرجه) سائلين المولى عزو جل أن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين تحت لوائه إنه سميع مجيب. _____________________ (1)نهج البلاغة للشريف الرضي ص180 خطبة 200(2)قراءة في مقتل الحسين للشيخ محمد صنقور ص77 (3)بحار الأنوار للمجلسي ج43 ص291 ح54 (4)بحار الأنوار للمجلسي ج44 ص1_2 (5)راجع من وحي الثورة الحسينية لهاشم معروف الحسني ص19 عبير المنظور

اخرى
منذ 5 سنوات
2875

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70197

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51259

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41401

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35856

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32674

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32194