تشغيل الوضع الليلي
*الوسوسة
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 16673
الوسوسة في اللغة الصوت الخفي ومنه يقال لصوت الحلي وسواس، وكل صوت لا يفهم تفصيله لخفائه وسوسة ووسواس وكذلك ما وقع في النفس خفيا(1).
و الشيطان يأتي الانسان فيوسوس له ليدله على طريق الضلالة، ويبعده عن طريق السعادة، ويأتي بأسلوب غير محسوس ليدخل قلب الإنسان وعقل الإنسان وذهن الإنسان. وأما إذا كان ذلك من طرق رب العالمين، ومن طرق عالم الملكوت يقال له الهام.
*من يوسوس له الشيطان؟؟؟
لا يحاسب الله (تعالى) على وسوسة الشيطان وإنما يحاسب على الأخذ بوسوسته والعمل بها كما روي عنه (صلى الله عليه وآله): " لكل قلب وسواس، فإذا فتق الوسواس حجاب القلب نطق به اللسان وأخذ به العبد، وإذا لم يفتق القلب ولم ينطق به اللسان فلا حرج " (2). يذكر القرآن الكريم انما يوسوس الشيطان لأولئك الذين ضعف ارتباطهم بالله إذ يقول (تعالى): " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين " (3).
فالذي لا تشده إلى الله رابطة قوية، و ضعفت به صلته فلا يؤدي الصلاة أول وقتها ويغفل عن ذكر الله فيأتيه شيطان ويرافقه دوماً بل ويكون له قرينا، وعمله هو ان يوسوس له ويلقي الضلالة في قلبه.
و الإنسان الوسواسي إنما أصبح كذلك لدوام مرافقة الشيطان له وان كان لا يراه. فهو يرافقه في البيت والنوم واثناء الصلاة والوضوء والغسل، و يكون الشيطان معه في كل مكان، مع انه لا يرى ذلك الشيطان، إلا إنه دائماً يتكلم معه، فعندما يتوضأ مثلاً يقول له الوضوء ناقص، أو أن هذا الوضوء باطل لأن الوجه لم يغسل صحيحاً، أو عندما يغتسل يقول له بأن الغسل غير كامل، ويشغله لفترة طويلة في عملية إتمام الإغتسال، وكلما طال وضوؤه وإغتساله أكثر كان ذلك علامة على مدى طاعة الانسان لذلك الشيطان وإستجابته له.
والخواطر التي يلقيها الشيطان في القلب تكون على قسمين:
الاول :وتكون خاطرات مباشرة، تحث الإنسان على اقتراف الذنوب والآثام، أي يزين الشيطان فعل الذنب بشكل مباشر ويجعل في اقترافه حلاوة. فيأمر بنظرة سوء، والغيبة والبهتان و النميمة وما شاكل ذلك قال (تعالى): " وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ"(137) " (4) و قال (تعالى): " أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) "(5)
و أما الثاني : فتكون بصورة غير مباشرة، بطريقة (الخناس)، أي الوسوسة مع التبرير، فيخدع الشيطان الانسان بالقول الجميل والمقنع فيحرفه بواسطة الدين عن الدين. وأغلب الوسواسيين على هذه الشاكلة فلا يقولون عملنا حرام، بل يقولون هذه الطريقة السليمة للتيقن من صحة الغسل و الوضوء مثلا. وأما من لا يتبع طريقتهم فغسله باطل في نظرهم وبالتالي فإن الناس نجسين وهم الطاهرون. وفي الوقت الذي يعد هو فيه أنجس الناس.
و من الواضح إن خطر القسم الثاني أشد من خطر القسم الأول فالقسم الاول يعلم إنه يرتكب المعاصي والمحرمات وبالتالي قد تؤثر به موعظة ما وتدله على الطريق، وأما الإنسان الوسواسي فهو يخالف الشرع المقدس ويجانب الصواب وهو معتقد تمام الاعتقاد إن عمله صحيح كما إنه لا يطمئن الا به. وبالتالي لا يتوب حتى يكف عن تلك الحالة (حالة الوسوسة)، وطالما هو مستجيب لوسوسة الشيطان فإن ذنوبه تتراكم وتتراكم حتى يسود قلبه ويصل إلى حال لا يُرجى شفاؤه معها.
يُحكى إن أحد الطلبة العلماء قد جُنّ. وترك الصلاة والصوم، وعندما يُسأل: لماذا لا تصلي ولا تصوم ؟ فيجيب بعبارة جميلة (أخذ ما وَهب وسقط ماوجب) يعني ان الله أخذ عقلي فلم يعد علي تكليف.
نعم ، الوسواسي مجنون ولكن ليس بهذا النحو، لأنه يبقى مكلّفا ، ولا تسقط عنه أي من العبادات من الصوم والصلاة وغيرها.
*من هو الخناس ؟؟؟
لكل إنسان شيطان يناسب حاله، ووسائل غواية وإضلال تناسب قوة إيمانه، فعامة الناس يكفي لإضلالهم شيطان ما لايناسب الروحانيون إذ إن لهم شياطين ولكنهم أساتذة الشياطين، والخناس من أساتذة الشياطين، وقد ورد في الروايات ان الخناس شيطان عالم وكبير جداً؛ لذا وردت الاستعاذة منه ثلاث مرات في قوله (تعالى) : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) "(6)
كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما ولد إبراهيم وعيسى (ع)، جمع الشيطان الكبير كل الشياطين حوله وقال ماذا نفعل، لأن نبي الله قد وُلد ولا يمكن إضلال الناس بعد. فقال الخناس: استطيع اضلالهم عن طريق الدين والوسوسة فيصيرون إلى النار (7) .
و قد روي عن الامام الصادق (عليه السلام) في ذيل تفسير قوله (تعالى) : " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) " (8) إنه قال: " لما نزلت هذه الآية: والذين اذا فعلوا فاحشة... صعد إبليس جبلاً بمكّة يقال له: ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته، فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا لِمَ دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا، فقال: لست لها. فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها. فقال الوسواس الخناس: أنا لها، فقال: بماذا؟ قال: أعدهم وأُمنّيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فاذا واقعوا الخطيئة أُنسيهم الاستغفار، فقال: أنت لها. فوكّله بها إلى يوم القيامة " (9).
*أنواع الوسوسة الشيطانية
تختلف وسوسة الشيطان للناس بإختلاف إهتماماتهم
أولا : الوسوسة الفكرية:
و هي الوسوسة التي ترتبط بالقلب وخطراته ولا تتعلق بالأفعال، وهي موجودة بكثرة و يُبتلى بها الكثير من الناس، وتنشأ عادة من ضعف الإرادة فعندما تضعف أعصاب الإنسان أو يتعرض للمصاعب، أو يرى مصيبة كبيرة، يصاب من الناحية الروحية بالوسوسة الفكرية، وهي على مراتب فتارة تكون بمستوى الشك والشبهة فقط.
واُخرى تشتد وترتفع خصوصا عندما يتعرض ذوي الايمان الضعيف لبلاءات و مصائب فتصل ـ والعياذ بالله ـ موضعاً يسيء فيه القول على الله ويعتقد ان أفعال الله ظالمة وإنه ليس عادلا وما الى ذلك .
ومن الوسوسة الفكرية الشك بالقرآن وبخصوص تلك الايات التي تتحدث عن العدل و إنتفاء الظلم عنه (جل و علا) و عندما تشتد الوسوسة يصل الانسان إلى درجة يشتم فيه (في قلبه) الله (سبحانه و تعالى) والنبي (صلى الله عليه و آله) والأئمة (عليهم السلام) والمقدسات، وتوجد أنواع أخرى من الوسوسة الفكرية التي ترتبط بدنيا الإنسان وأعماله أو بعلاقته مع الآخرين كسوء الظن مثلاً، وعلاج هذا النوع من الوسوسة سهل جداً، وهو ان يصرف الانسان نفسه كلما أتاه ذلك الشك، هذا إذا كان الأمر في بدايته، أما إذا أطاع الشيطان، فكلما أطاعه أكثر يترسخ في قلبه أكثر حتى يترسخ في قلبه الشك وهكذا.
وعلى هذا يجب على الانسان بالاضافة الى عدم إهتمامه بهذه الوسوسة أن يبادر الى العلاج بأمور دعت اليها الايات والروايات سنذكرها. ولكن عليه أن يعلم بأن العلاج يحتاج إلى صبر وسعة صدر، شهراً أو شهرين أو عدة شهور فسوف يتحسن ويتمكن من اقتلاع أصل هذه الرذيلة.
ومن الناحية الجسمية فيجب أن ينظم نومه ويقوي أعصابه، وان لا يتشنج، ولا تتعرض أحاسيسه لصدمات، كل ذلك لازم ومؤثر جداً للتخلص من الوسوسة الفكرية.
*علاج الوسوسة الفكرية
و علاجها كما جاء في الايات الكريمة و الروايات الشريفة يكمن في :
1 . قال (تعالى): " إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) " (10). فالدخول في عبودية الله (عز وجل ) حصن من الشيطان الرجيم فإذا وقف الإنسان تحت راية الله كان في حمايته و يخشى الشيطان حينئذ من الاقتراب اليه، فيقوى ارتباطه بالله، ويقيم الصلاة لوقتها ويؤدي الواجبات وخاصة الحجاب بالنسبة للنساء، وان ينتهي عن المحرمات كالاستماع الى الغناء والنظر المحرم وغيرهما، بل ويهتم بالمستحبات فيصلي صلاة الليل، ويقرأ القرآن، يدعو الله ويتوسل له، ويساعد الناس، ويعين الزوج زوجته، وتساعد الزوجة زوجها وخدمة المسلمين، فان عمل بكل ذلك فإن الوسوسة الفكرية ستزول شيئاً فشيئاً بل وقد وعد القرآن بأن الملائكة يبعدون الشياطين عمن عزز ارتباطه بالله لقوله (تعالى): " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله "(11)
3 . قول ( لا اله الا الله) كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ــ وقد سئل عن الوسوسة وإن كثرت - : " لاشئ فيها ، تقول: لا إله إلا الله " (12).وعنه (عليه السلام) أيضا قل : " لا إله إلا الله، قال جميل: فكلما وقع في قلبي شئ قلت: لا إله إلا الله فيذهب عني " (13).
4 . لو ذكر النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله ) بسوء، والأئمة الطاهرين (عليهم السلام ) فليذكرهم و يصل عليهم . فقد روي عن الامام الصادق (عليه السلام): " ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والأسقام ووسواس الريب " (14).
5 . لو خطر بقلبه ان الله ظالم وليس بعادل. فعليه أن لا يهتم ولا يؤذي نفسه ويقرأ قليلاً من القرآن .
6 . روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال - لرجل ابتلي الوسوسة وهو معيل مدين محوج -: " كرر هذه الكلمات " توكلت على الحي الذي لا يموت، والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا " فلم يلبث الرجل أن عاد إليه فقال: يا رسول الله أذهب الله عني وسوسة صدري، وقضى ديني ووسع رزقي " (15).
7 . الصوم كما ورد عن الإمام علي (عليه السلام): " صوم ثلاثة أيام من كل شهر - أربعاء بين خميسين، وصوم شعبان - يذهب بوسواس الصدر، وبلابل القلب " (16). وعنه (عليه السلام): " صيام شهر الصبر وثلاثة أيام في كل شهر يذهبن ببلابل الصدر " (17) .
ثانيا : الوسوسة العملية:
و تتباين هذه الوسوسة بتباين الأفراد، ولكن بصورة عامة يمكن تقسيها الى قسمين :
الأول : ما لا ترتبط في مجال العبادات :
تكون الوسوسة في اختيار الملابس، فلا يعجبه مثلاً ان يلبس هذه الملابس لأن لونها لا يناسبه، ولا تلك لأن قماشها لايعجبه، ولا الثالثة لأن طريقة خياطته ليست كما يرغب بها، ونحن إذ نعترف إن من حق الانسان أن يحسن إختيار ما يلبسه وما يلائم دينه وثقافته وغير خارج عن العرف السليم، كما إننا نعترف بقلة ما يتصف بهذه المواصفات من الملابس في الاسواق اليوم إلا إنه يجب أن لا يخرج التردد في الاختيار عن الحد المألوف فيصبح وسوسة، وهذا النوع من الوسوسة العملية تلاحظ بكثرة في أوساط النساء.
و قد تكون الوسوسة في مجال النظافة، فتجد بعض الناس أهتمامهم بالتنظيف يستنزف جُل وقتهم، فيكثرون من أعمال الكنس والتنظيف و الغسل، وكلما نظّفوا شكوا في حصولهم على المطلوب فيعيدون عملية التنظيف وهكذا حتى يصابوا أخيراً بوسواس النظافة.
و قد تجد بعضهم مصاب بالوسوسة من الميكروب، فإذا مست يده ثيابه، طهرها بالكحول، و إذا صافحه أحدهم أسرع لتعقيم يديه، بل والبعض يعتذر عن المصافحة أساسا، وقبل الأكل يغسل يديه مائة مرة، وقد يصل به الأمر ان يقطع الخُبز بالسكين لأنه لا زال يشك في يديه.
ثانيا : ما يرتبط في مجال العبادات:
ما ترتبط في مجال العبادات فقد تكون الوسوسة في التطهير من النجاسات بصورة عامة، وتبتلى بمثل هذه الوسوسة عادةً النساء. فتجد المرأة تطهر الثياب وارض المنزل وغيرها بأكثر مما أوجبه الشرع بل وبعضهن تعلم بذلك وتصرح لأنها تريد الوصول الى الاطمئنان القلبي ومع تكرار هذه العملية تترسخ الوسوسة لديها فتهدر الماء وتضيع رأسمالها في الحياة وهو الوقت وهي قبل كل ذلك تطيع الشيطان وتغضب الرحمن .
و قد تكون الوسوسة في عبادة معينة كالغسل أو الوضوء مما تؤثر على وقت أدائه للصلاة فغالبا ما يصليها بعد وقت فضيلتها ليس لشيء سوى لإنشغاله في الوضوء او الغسل لوقت طويل قد يصل بالبعض الى ساعة أو أكثر. ومنها أيضا الوسوسة في الصلاة والشك بين الركعات والشك في إتيان أجزاء الصلاة بشكل صحيح، ومن العجيب إن بعضهم لا يؤمن بحالات العلاج للصلاة التي يمكن علاج الشك فيها، بل يبطل صلاته ويأتي بغيرها، وهؤلاء علاوة على إغضابهم للرحمن وإطاعتهم للشيطان فإنهم وبمرور الزمن يكرهون العبادة نفسها وبالتالي يتركوها.
و قد يوسوس الشيطان للإنسان بإنه في مورد رياء وإن عليه أن يخفي عبادته ولا يظهرها أمام الناس. ومع إن إخفاء العبادة وكل عمل خير يصدر من المؤمن عدا الموارد التي أباح الشرع إظهار العمل فيها أو أمر بإظهاره فيها للناس قولاً أو عملاً، محثوث عليه من قبل الشارع، حفظاً لنفس العامل عن عروض بعض الرذائل عليها كالعجب والرئاء والتكبر وحب الجاه ونحوها فقد ورد : إن أعظم العبادة أجراً أخفاها (18).
وإن العمل الصالح إذا كتمه العبد أبى الله إلا أن يظهره ليزين الفاعل به مع ما يدخر له من الثواب (19) .وإن المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة (20).
و لكن أحيانا يكون إظهار العمل لا بد منه كما في الصلوات الواجبة خاصة مع الجماعة، وفي إخراج الوجوه الواجبة من الزكاة والخمس ومنذور التصدق به وغيره، وذلك لأن تشيع عبادة الله وطاعته في الناس ويرغب إليها الغافلون، ويكون نوعاً من الأمر بالمعروف، وسبباً لزوال التهمة عن العامل لو كان مورداً للتهمة، إلا إن الوسواس الخناس يوسوس في صدور بعض الناس في هذه الموارد بأن الإظهار يكون رئاء فيخفيه لذلك، فإن إستجاب له مرارا ترسخت الوسوسة لديه و قد يقلع عن تلك العبادات رأسا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم الفروق اللغوية للعسكري ج1 ص369
(2) ميزان الحكمة ج11 ص138
(3) الزخرف 36
(4) الانعام 137
(5) فاطر 8
(6) الناس 1 ــ 6
(7) الفضائل و الرذائل ج11 ص5
(8) آل عمران 135
(9) بحار الانوار ج60 ص197
(10) الاسراء 65
(11) الرعد 12
(12) ــ(17)ميزان الحكمة ج11 ص138
(18)و(19) بحار الأنوار، ج70 ، ص251
(20) ثواب الأعمال ، ص213
اخترنا لكم
نص الحديث
بقلم: نورا كاصد العبودي هل لي أن أقدم هذه الشكوى بين يديك يا مولاي؟ نعيش للتنفس فقط! نحيى وسط مجموعة بشرية غير مسؤولة همهم الأوحد الطعام والشراب! ينحدر الشاب والعجوز إلى مستنقع الرذيلة! يتفقون على أذية بعضهم ويغطسون رؤوسهم بالذل والمهانة.. مُلئت الطرقات بأفعال أشباه الرجال! قتلٌ وسلبٌ ونهبٌ يتدثرون بالخيانة ويقتاتون على فتات النفاق والدجل ويرتدون جلباب الكذب والخداع.. ملأوا الأرض حتى أصبحنا لا نعرف الصالح من الطالح.. فسقطوا في القعر واستقروا.. تشابهت الوجوه المقنعة علينا يا صاحب الزمان.. تعصف بي أعاصير أهواؤهم العفنة فأتوه وتلاشى كل ما سمعت بضياع الناس وتخبطهم وجريهم خلف غير المشروع تتقطع أوصال عقلي.. أرى انتزاع الأخلاق ولا أقوى على الكلام.. فأصبحت الكتابة وسيلة للتصريح.. تباعدت خيوط الفجر بعد أن أقام الليل في مسكن النهار.. أصبح لا شيء يجيد الاحتفاظ، كل شيء إلى العدم يهرب.. سنوات تتناثر أرضًا ويعلو عويل أيامها مع الذكريات.. تشتت وضياع.. وجعي يمتد لأعوامٍ قادمة كيف يمسي وطن باع عاداته ونسى تقاليده وجهل نفسه ودينه؟ متى نرى الغرة الحميدة والطلعة الرشيدة يا مولاي؟ متى نرتوي من كأس جود بزوغ فجر أنت سيده ويومٍ جديدٍ أنتَ عنوانه؟ متى تكلم الجراح وتداوي من أعيى قلبه الغدر وتعيد له حقوقه المسلوبة؟
اخرىما رأيت أصحاباً خيراً من اصحابي
كلمات قليلة المبنى غزيرة المعنى، لبيان أفضلية هذه النخبة الخيرة بحيث بلغوا درجة أن نعتوا بــ(ما رأيت أصحاباً كأصحابي) ، ومن ينعتهم بذلك؟ إنه الإمام المعصوم الذي هو خامس أصحاب الكساء ، الذي نُقش اسمه على ساق العرش في سابع سماء ، الإمام الحسين (صلوات ربي عليه) ، ولم يكتفِ لتعظيم أصحابه وتمجيدهم بكل هذا وحسب ، بل ويقسم وهو الامام المعصوم عن الخطأ والاشتباه والزلل فضلا عن المعصية .. تُرى ما السبيل الذي سلكته هذه الباقة من الورود الزاهية لكي تملأ أرجاء الطف بألوان التضحية وشذى الوفاء ؟ أم ما كانت سيرتهم ليتربعوا على عرش علياء غير المعصومين من البشر ؟ أم ما الذي انطوت عليه سريرتهم ليكونوا أنجماً مضيئة في سماء الطف على مر العصور والدهور ؟ هم لم يحضوا بالرضا والقبول من قبل إمام زمانهم وحسب، بل نالوا أعلى درجاته ، فحري بكل من يتوق الى رضا إمام زمانه عنه (عجل الله فرجه) من المؤمنين والمؤمنات أن يتعرفوا على سيرة أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) ويسيروا على نهجهم ويتأسوا بهم . لذا كان من المناسب أن نذكر جملة سماتهم السامية وصفاتهم الجليلة التي مكّنتهم من نيل وسام خير الأنصار من قبل أبي الأحرار الامام الحسين سبط النبي المختار . أهم سمات أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) : أولاً : فــي الجانب العبادي : وجدت من يصفهم بكثرة العبادة، إلا أن التركيز على كمّ العبادة بمعزل عن كيفها لا يجدي نفعاً ولا يثمر أثرا مباركا أبداً، والدليل أن بعض الخوارج كانوا من المكثرين للعبادة وتلاوة القرآن الكريم حتى إن منهم من كان حافظاً لكامل كتاب الله (تعالى)، لكن كثرة عبادتهم تلك لم تغنِ عنهم شيئاً؛ لافتقارها الى اليقين والإخلاص. وأما أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) فقد كانت من أهم سماتهم اليقين في الاعتقاد والاخلاص في العبادة والتي أهّلتهم ليكونوا خير الأصحاب بشهادة الامام الحسين (عليه السلام). فقد روي أنهم كانوا يصلون ويستغفرون ويدعون طوال ليلة عاشوراء حتى أنهم باتوا ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد. ومن سماتهم في العبادة أيضاً: أداء الصلاة في وقتها، حتى إن تواجدهم في ساحة المعركة حيث طعن الرماح وضرب السيوف ورمي السهام لم يحُلْ بينهم وبين ذلك، فقد روي عن أبي ثمامة عمرو بن عبداللّه الصائدي ، قال للحسين : يا أبا عبداللّه ! نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ! ولا واللّه لا تُقتل حتّى اُقتل دونك إن شاء اللّه، وأحبّ انْ ألقى ربّي وقد صلّيتُ هذه الصلاة التي قد دنا وقتها! فرفع الحسين رأسه، ثمّ قال : ذكرت الصلاة ! جعلك اللّه من المصلّين الذاكرين، نعم، هذا اوّل وقتها. ثمّ قال : سلوهم ان يكفّوا عنا حتّى نصلّي)(1). ثانياً : الاستئناس بلقاء الله (تعالى) عندما يقبل قادة الجيش على حرب ما، فإنهم غالباً ما يُمنُّون أتباعهم بالغنائم والمناصب المهمة وما الى ذلك ، إلا إن الأمر مختلف تماما مع الإمام الحسين (عليه السلام) فقد روي عن الامام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: (لما كانت الليلة التي قتل فيها الحسين عليه السلام في صبيحتها قام في أصحابه فقال (عليه السلام): (إن هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني لم يقبلوا إليكم، فالنجاء النجاء، وأنتم في حل فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم). فقالوا: لا نخذلك، ولا نختار العيش بعدك. فقال عليه السلام: (إنكم تقتلون كلكم حتى لا يفلت منكم واحد). فكان كما قال عليه السلام ) (2) كما روي عن سعيد بن عبد الله الحنفي أنه قال للإمام الحسين (عليه السلام): (لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيك، والله! لو علمت أني أقتل، ثم أُحيى، ثم أحرق، ثم أذرى، يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة، ثم الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا)(3) وأما زهير بن القين رضي الله عنه فقد كان يجيبه قائلا: (والله! لوددت أني قتلت، ثم نشرت، ثم قتلت حتى أقتل على هذه ألف مرة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك)(4) ولم يقفوا موقف التضحية والفداء لأبي عبد الله (عليه السلام) وحسب بل كانوا يرون أن الله (تعالى) قد منَّ عليهم بالإمام الحسين وبالقتل دونه فقد روي عن برير (رضي الله عنه) أنه قال: (يا بن رسول الله، لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة)(5) ثالثاً : الوعي والبصيرة : لم يكن هدف أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) الدنيا أو المال أو الشهرة أو السلطة أو ما الى ذلك، وإنما خاضوا غمار المعركة وهم يعلمون بأنهم سيقتلون، فقد أطلعهم الامام على مصيره ومصيرهم إذ قال : " إني غداً لمقتول وأنتم جميعاً ستقتلون "فما كان ردهم إلا أن قالوا: "الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرفنا بالقتل معك" (6). مما يدل على أنهم كانوا على درجة عالية من الوعي المتكامل والبصيرة النافذة المتفتحة والرؤية الواضحة للعاقبة التي هم ماضون اليها وليقينهم التام بأنها حسن الخاتمة، فرابطوا مع الامام (عليه السلام) وقاتلوا بين يديه حتى استشهدوا . رابعاً : العلم والتفقّه في الدين: كانت السمة الغالبة على أنصار الامام الحسين (عليه السلام) هي العلم والتفقه في الدين، فقد كان منهم بريراً، الذي قال عنه صاحب كتاب أنصار الحسين : (وصف في المصادر بأنه (سيد القراء) وكان شيخا، تابعيا، ناسكا، قارئا للقرآن، ومن شيوخ القراء في جامع الكوفة) (7) ومنهم حبيب بن مظاهر الاسدي وكان فقيها كبيرا من فقهاء الكوفة. ومنهم مسلم بن عوسجة الاسدي وقد ( كان صحابيا ممن رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وروى عنه)(8) خامساً : الشجاعة والثبات : وأما عن شجاعتهم (رضوان الله عليهم) فلقد وصفهم العدو قبل الصديق بأنهم (أهل البصائر وفرسان المصر). فقد روي أنه (صاح [عمرو بن الحجاج] بأصحابه: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوما مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم، والله! لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم)(9) كما روي عن أحد الأعداء واصفاً أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً:(عضضت بالجندل، أنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة أيديها على مقابض سيوفها، كالأسود الضارية، تحطم الفرسان يمينا وشمالا، تلقي نفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب بالمال، ولا يحول حائل بينها وبين المنية أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين، لا أم لك)(10) وأما عن ثباتهم فنحن ندعو كلما قرأنا زيارة عاشوراء بأن يثبت الله (تعالى) لنا قدم صدق مع الحسين وأصحاب الحسين (عليهم السلام) .. " اللَّهُمَّ ارزقني شفاعة الحُسين يوم الوُرودِ وثبِّتْ لي قدمَ صدقٍ عندك مع الحُسين وأصحاب الحُسين الذين بذَلوا مُهجهمْ دُونَ الحُسين عليه السلامُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مع الركب الحسيني ج1 ص183 (2) كلمات الامام الحسين ج1 ص395 (3) أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوار، ص50 ــ 51 (4) المصدر السابق ص51 (5) المصدر نفسه ص57 و58 (6) فاجعة الطف ج1 ص6 (7) أنصار الامام الحسين ج1 ص62 (8) المصدر السابق ص109 (9) أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوار، السيد محمد علي الحلو: ص48 (10) أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوار، السيد محمد علي الحلو: ص50 ــ 51 رضا الله غايتي
اخرىأفلا تكون عبدًا شكورًا؟!
بقلم: شمس الغدير الجبوري في بيتها الصغير المتواضع الذي لا يتجاوز الـ٦٠ م٢، تحاولُ أمُّ جعفر أنْ تجعله بيتًا ينبضُ بالحياة. فهي تنظرُ من منظورها أنَّ السعادة لا تكمن في القصور الفارهة، فكمْ من هذه القصور لا تدبُّ بها الحياة، خاوية على عروشها، قد تحولت جُدارنُها إلى سجنٍ كبير. هي تؤمن أنّ البيت الذي يملأُه الحُب والحنان والألفة حتمًا سيغدو قصرًا نيّرًا. كالمعتاد، وفي كُل يوم تقفُ في مطبخِها الصغير جدًا المطلي بطلاءٍ بنفسجي فاتح اللون، الباعث للطاقة الإيجابية، حامدةً الله (تعالى) وشاكرةً فضله وإحسانه. ذلك المطبخ الذي تفوحُ منه رائحةُ الأطعمة الشهيّة المُتبّلة، تلك الرائحة الطيبة التي تُداعبُ أنفَ كُلّ من يدخله. تعملُ وتستمعُ، وترددُ مع قارئ القرآن وهو يرتل سورة الواقعة في كلِّ ليلةٍ عند تحضيرها وجبة العشاء. تشعرُ أنَّ لذلك الاستماع أثرًا طيبًا على نفسها، فكانت تقول لصديقاتها وجاراتها كلّ يومٍ: أعطِّر وأطهِّر البيت بقراءة القرآن بدلًا من رشِّ الملح في زواياه.. وذاتّ يومٍ وأثناء انشغالها بتحضيرِ الطعام وإذا بولدها جعفر يدخل، رمقته بنظراتها متعجبة! وقد اغرورقت عيناه بالدموع، ووجهه مصفرٌ شاحبٌ تبدو عليه علامات الاكتئاب! وعلى ما يبدو أنّ ذلك من آثار الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا؛ وقد اعتاد جعفر على الركض ولديه شغف بلعبة كرة القدم. سألته قائلة: ما بك عزيزي جعفر لِمَ تبدو بهذا الشكل؟! جعفر : أمّي أشعر بالمللِ والضجر دعيني أخرج قليلًا إلى الشارع، عسى أنْ أجد أحدًا من أصحابي؟ أجابته وعلى ملامحها ابتسامةٌ لطيفة وهي تمسح بيدها على رأسه: لا يا حبيبي، فالوضع كما ترى وتسمع ليس على ما يرام، ولكن دعنا نتكلم قليلًا. على الرغمِ من كونك صغيرًا ولست مُكلفًا بعد ولكن أنت مؤمنٌ إن شاء الله (تعالى)، ولا ينبغي للمؤمن يا عيناي أنْ يُقابل نِعم الله (تعالى) بالمللِ والضجر والتأفف، بل لابدّ من عملٍ مفيدٍ يُنظِّم وقتك، ويكسر لديك هذا الحاجز المصطنع من التذّمر. ولكَ في أختك حوراء أسوة، شاهد كيف هي تُنظِّم وقتها بين الجدِّ واللعب ، فقد خصصت وقتًا ونظّمت جدولًا لتعلّم كتاب الله (تعالى) قراءةً وتدبرًا وحفظًا. وما دمت في بحبوحةٍ من العيش ولم تَذُقْ طعم الضنك فأحمد الله (تعالى) واشكره على نعمه المتتالية, وآلائه المتوالية, وعطاياه التي لا تُعد ولا تحصى .. وأذكر لك يا حبيبي، أنَّ إبليس اللعين عندما أمره الله (تعالى) بالسجود لآدم أبى واستكبر وكان من العاصين لله (تعالى) وأخذَ بالمعاندة والتّوعد بقوله: "قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ". ولا تجد أكثرهم شاكرين لله (تعالى)؛ وذلك لابتعادهم عن التوحيد وإيقاعهم في دائرة سوء الظن بالله (تعالى). واعلم يا قرةَ العين أنَّ في هذه الدنيا لن يكون إنسانٌ بمنجى من مواجهةِ المُنغِّصات كالاحتياجات والأمراض والعداوات وأنواع الحسد وغيرها، وفي نهاية المطاف الموت الذي لابدّ منه. فلا يستطيع إنسانٌ أنْ يهربَ من هذه الحياة! وليس له إلا الصبر وانتظار الفرج وذكر الله (سبحانه) وشكره على أيّ حالٍ يمرُّ به، وأُذكِّرُك وأذكِّرُ نفسي أنَّ الانقطاع عن الله تعالى هلاك الدنيا والآخرة .. لقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته كثيري العبادة والخضوع والتهجد على الرغم من معرفة مكانهم في الجنّة، فقد ورد عن الإمام السجاد (عليه السلام) قوله: "إنَّ جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله و) قد غَفر الله (تعالى) له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فلم يدعِ الاجتهاد، وتعبّد ـ بأبي هو وأمّي ـ حتّى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبدًا شاكرًا؟ جعفر: فعلًا يا أمي، لقد بعث كلامكِ إليّ الراحة والسكينة، وأعدُكِ بعدم تكرار هاتين الكلمتين (الملل والضجر) الأم: أحسنت يا قرةَ عيني، يبدو أنَّ الطعام قد جهز، بعد قليل سأحضره لكم، ولكن ما رأيك أنْ تصعد إلى سطح المنزل تتوجه نحو القبلة تدعو الله (تعالى) بالفرج، وتُسلِّم على الإمامين الكاظم والجواد (عليهما السلام)، وأنت تشاهدُ القبتينِ والمنائر، تأملْ في شموخها على مدى السنين وخلودها، وما السرُّ في ذلك الشموخ والخلود؟ جعفر : نعم يا أمّي سأصعد إن شاء الله.. وقد بدت على وجهه ملامح الرضى والابتهاج والانشراح ..
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى