تشغيل الوضع الليلي
مشاكل المراهقين واسبابها
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 2587
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين.
ان كثرة المشاكل التي يقع بها الشباب المراهقين والفتيات المراهقات لها اسبابها الخاصة التي تقود بالمراهق لارتكاب الخطا. نحنوا لانعطي مبررات للشاب والشابة لفعل الخطا لكن هناك اسباب يمكن معالجتها وتفاديها قبل وقوعها لكي نحصل على جيل مثقف وواعي من الشباب. ان المشكلات التي تطرا علي المراهقين يكون سببها الرئيسي هو عدم فهم طبيعة واحتياجات المرحلة من قبل الاباء والمربين، وكذلك عدم تهيئة الطفل والطفلة لهذه المرحله قبل وصولها ولهذا يحتاح المراهقون في هذه الفترة الحساسة من حياتهم الى التوجيه والارشاد بعد فهم ووعي لهذه السلوكيات. وذلك من اجل ضبط تصرفاتهم وتهذيب أنفسهم حتى نحافظ عليهم من الانحراف والانجراف وراء رغباتهم ونزواتهم ونحتاج لذلك الى تعامل يتسم بالهدوء والشفافية. واللطف بعيدا عن القسوه في التعامل الذي لاينتح عنه سوى العناد والاصرار على الخطا.
وعلئ هذا المنظور اشتمل بحثنا الحالي بتناول المشكلات التي يواجهها المراهقين وكيفية تعامل الاسرة معها وضرورة متابعتها من قبل الاهل من البداية والوقاية خير من العلاج وبناء على ماتم الاطلاع عليه من مراجع ومصادر متعدده حاولت جمع هذه الحلول وارجوا الفائده منها والله ولي التوفيق .
عدم متابعة الاسرة للمراهقين والتبعات التي يقعون بها بعد ذلك .
ان المدة الزمنية التي تسمى مراهقة لاتستمر مع الافراد خلال هذه الفترة فهي تختلف من شخص لاخر ومن مجتمع لمجتمع اخر فهي في المجتمع الريفي تختلف عن المجتمع المدني او المنفتح وفي المجتمع المسلم عن المجتمع الكافر. ويختلف الشخص المتزوج عن الاعزب لوجود الاسباب المختلفة التي اما ان تساعد على تخطي المرحلة بسهولة ويسر او تتاخر معه اكثر من السنوات.
لذلك تتضح بنا حقيقة مهمة وهي ان النمو لاينتقل من مرحلة الى اخرى فجاة ولكنه تدريجي ومستمر ومتصل .
فالمراهق لايترك عالم الطفولة ويصبح مراهقا بين عشية وضحاها ولكن ينتقل من مرحلة الى مرحلة انتقالا تدريجيا ويتخذ هذا الانتقال بشكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه مما يمكن ان نلخصه بانه نوع من النمو السريع حيث ينمو الجسم من الداخل والخارج معا .
ان الاسرة التي تريد ان تحافظ على تربية اولادهم بشكل صحيح واخلاقي يجب عليهم ان يعدو عدتهم لهكذا مرحلة. فان تربية الاطفال تحتاج الى اهتمام وعناية فعندما يقترب الولد او البنت من سن المراهقة فيجب على الاهل توعية اولادهم بهذه المرحلة والتغيرات التي تطرا عليهم بجسمهم وعقلهم وعواطفهم وبشكل صحيح بدل ان يتركوهم لكل من هب ودب. ويجب على الاسرة تدريب المراهقين على الحوار والنقاش وتبادل الاراء واول خطوة في النقاش مع المراهقين هي الاعتراف بان اراءه ومواقفه تستحق الاستماع وعندما ترفض اراء المراهق تزيد المشكلات وعندما تقبل رايه وتعترف به يعطيك فرصة للحوار وهذا الحوار الذي تستخدمه معه حتى في المواقف الحازمة.
لابد ان يكون هناك قانون وعقوبة في ارتكاب المخالفه وانجح القوانين هي التي يشترك الوالدان والابناء في وضعها. والكلام العاطفي والاسلوب اللطيف في التحدث مع المراهق هو من اهم الاساليب في وضع الاتفاقات بين الاهل.
يجب على الاهل والمربيين استثمار مرحلة المراهق والقدرات التي لديه ايحابيا وذلك بتوظيف وتوجيه طاقات المراهق لصالحه شخصيا ولصالح الاهل والمجتمع ولكن بدوام اجباره على شي لايرغب به لانه سيعود بمردود سلبي اذا كان لايرغب بذلك. وهذا لن يحصل الا اذا منح المراهق الدعم العاطفي والحريّة ضمن حدود الدين والمجتمع والثقة وتنمية تفكيره الابداعي وتشجيعه على القراءة والاطلاع وممارسة الرياضة والهوايات المفيدة وتدريبه على مواجهة التحديات وتحمل المسؤلية واستثمار وقت فراغه بما يعود عليه بالنفع. لا ان تستغل المراهقة وتمحي شخصيته ووجوده بل ان تعطيه الحرية بتكوين شخصية قوية ناجحة وانت تسانده وتقف بجانبه.
هناك الكثير من الاخطاء التي يرتكبها الاهل في تربيه ابنائهم وهم بايديهم يقومون بدفع اولادهم وبناتهم لارتكاب الاخطاء والانحراف في الطريق الغير صحيح مما يؤدي الئ ضياع مستقبلهم وبالاخر يقولون هذا الولد فاشل او هذه البنت فاشله، فماقمتم به انتم هذا بما زرعتم فأنتم من قام بزرع هكذا تصرفات عند اولادكم .
فهناك بعض العوائل بسبب الجهل وبسبب التقاليد يعطي صلاحية كاملة للولد الذكر بالتصرف بمصير اخواته وتمنع البنت من ابسط حقوقها ويقوم هو في البيت من يقرر بعد الاب بمصير هذه الفتاة حتى وان كان هذا الولد لايفهم شي من الحياة او اصلا هو يحتاج الى تربية لانه مراهق فمصيرها ومستقبلها معلق براي هذا الاخ. وهذا الظلم والضياع كثيرا مانجده بمجتمعنا .
وهناك بعض الاسر تهمل اولادهم في السنين الاولى من التربية بعذر انه لازال طفل ويهملون تربيته وغرس الاخلاق وتعليمه وبالتالي عندما يكبر يصعب عليهم معالجة تصرفاته .
انت ايها الاب وانتي ايتها الام من تقومون بزرع ماتريدون من اخلاق وادب وتعطون الفرصه لاولادكم بتكوين شخصيه فاذا عملتم على ان تزرعوا في داخله حب التعلم وحب النجاح وانه شخص ناجح ويجب ان يجتهد وان الحياة امامه وانه يجب ان يسير بالطريق الصحيح للنجاح فهذا يجعله يفكر اكثر بان يكون رجل مستقل ناجح ويجب ان تساندوه في تحقيق اهدافه لا ان تقف موقف المتفرج لما يتعلمه من الخارج. وتهمل تربيته ولاتعلم مايفعل بالشارع او المدرسه ولاتعرف مستواه الدراسي وبالاخر عندما يفشل تتكلم وتضع العقوبات على الولد .
لا يا اب ولا يا ام عذرا بل انتم من يحتاج الى عقوبة كبيرة لانكم اهملتم هذه الأمانة الكبيرة التي جعلكم الله انتم مسولولون عليه وعلى تربيته الى ان يكبر.
اخترنا لكم
جميلٌ ذو هيبة
بقلم: شيماء المياحي كثيرًا ما نسمع عنها، وهي صفة سلوكية جميلة يكتسبها الإنسان من خلال تخلُقه بفضائل الاخلاق، بها يستشعر من يجالسه ويُرافقه بالأُنس والبهجة، مع المهابة والاحترام في نفس الوقت، وهو ما ينبغي أن يتحلى به المؤمن، وهذا ما يشعر به من يُجالس العلماء والأتقياء من المؤمنين، فالأُلفة والطمأنينة التي يشعر بها جُلساؤهم تُرافقها الهيبة والوجل، بحيث تصعب معصية الله (تعالى) في حضرتهم، فهل رأيت أو سمعت من اغتاب مؤمناً بحضرة عالم تقي؟ ما أعني هنا بـ" جميل ذو هيبة" ليس شخصًا، إنما "القلم"! فأيُ كاتب لم يشعر بالأُنس بجمال ما تخطه أنامله؟ وأيُ كاتب لم تغمره السعادة وهو يرى ثمرات عُصارة فكره؟ حتى تكتمل هذه السعادة لا بد للكاتب أن يستشعر الهيبة والوقار في حضرة قلمه ولا يخالف بسلوكه ما خط بأنامله، وفي قوله تعالى: (كَبُرَ مَقتاً عِندَ اللهِ أن تَقُولُوا مَا لَا تَفعَلُونَ) [الصف: ٣] حينها يكون قلمه "جميلاً ذا هيبة".
اخرىشبهة أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يُذنب بنص القرآن الكريم
كانت ولازالت الشبهات تلو الشبهات تُثار حول خاتم الرسل والأنبياء (صلى الله عليه وآله) ولأسبابٍ مختلفة ودوافع متعددة، ومن جملة تلك الشبهات دعوى بعض المغرضين: (أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ــ والعياذ بالله ــ يرتكب الذنوب ويقترف المعاصي بشهادة القرآن الكريم)، تشبثاً منهم بفهمهم الخاطئ لبعض الآيات المباركة، وجموداً منهم على ظاهر ألفاظها دون محاولة فهم مغزاها ومعناها، منها قوله (تعالى):" إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا" (1) وللرد على هذه الشبهة لا بد من توضيح مقدمة هامة مفادها: أن الله (تعالى) عندما يُرسل رسولاً ما إلى الناس، فإن الغرض من ذلك بلا أدنى شك هو إيصال تلك الرسالة إليهم لغرض انقيادهم الى توحيد وطاعة رب الارض والسموات، وامتثالهم لكل ما يرد فيها من أحكام وتشريعات، وذلك ما لا يمكن ان يتحقق مطلقاً فيما لو عُرفَ عن هذا الرسول ولو لمرة واحدة أنه ارتكب معصيةً أو قارف ذنباً أو صدرت منه خطيئة؛ لأن كل ذلك من شأنه أن يتسبب في سقوط محله من قلوب الناس ونفورهم منه وبالتالي عدم الوثوق به أو الاطمئنان إليه أو الانقياد إلى أفعاله أو التصديق بأقواله. وعليه لابد أن يكون الرسول معصوماً من الخطأ والنسيان فضلاً عن الخطيئة والعصيان. إذا اتضحت هذه المقدمة البسيطة، يتضح أيضاً أن لا بد أن يكون للذنب الذي أسنده الله (تعالى) إلى رسوله (عليه وآله أفضل التحايا وأزكى السلام) معنىً آخر سوى معصية الخالق (جل شانه)، ومن هنا يمكن الرد على هذه الشبهة من وجهين: الوجه الأول: للذنب مراتب متباينة تتعدد تبعاً لتعدد أحوال الأشخاص ومقاماتهم، فمنها ما يكون مخالفةً للأحكام الشرعية ويُعدُّ حينئذٍ جُرماً ومعصيةً لله (تعالى) وهو المعنى الأوضح والأجلى، ومنها ما لا يكون كذلك، ولذا لا يمكن أن يعدُّ جرماً ومعصيةً كما في ترك الأولى؛ ولذا قيل: "حسنات الأبرار سيئات المقربين". إذ ربَّ طاعةٍ يُسر الأبرار بالإتيان بها كنوم الصائم في شهر رمضان المبارك مثلاً، فيما قد يعدُّها المقربون ذاتها معصيةً في حق الحبيب (جل جلاله) لتضمنها غفلةً عنه (سبحانه). ولا يقتصر هذا الأمر على علاقة الانسان بربه، بل هو واردٌ كثيراً حتى في العلاقات المتعارفة بين الناس، ولعل من أرقاها علاقة السيدة الرباب (رضوان الله عليها) بالإمام الحسين (عليه السلام)، فقد ورد أنها «[أقامت] المأتم عليه وبكت النساء معها حتى جفت دموعها. ولما أعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة أمرت أن يصنع السويق، وقالت: إنها تريد أن تقوى على البكاء، وقد خطبها بعد الحسين الأشراف، فأبت وقالت: ما كنت لأتخذ حماً ـ أي أقارب الزوج ـ وهكذا بقيت الرباب سنة بعد الحسين لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت »(2) فعلى الرغم من أن انقطاع الأرملة عن البكاء على زوجها المتوفى مهما كان عزيزاً والزواج بعده والاستظلال تحت سقف البيت ليس من الأمور المحرمة شرعاً ولكن الرباب (رضوان الله عليها) عدّتها ذنوباً لا يحسن الإتيان بها، ومن هنا قيل: أن للعقل أحكاماً وللحب أحكاماً. وعليه يكون الذنب الذي أسنده الله (تعالى) إلى حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله) ليس ذنباً بمعنى الجرم والمعصية لا في ساحة الشرع ولا القضاء، وإنما هو بمعنى آخر، وهذا المعنى هو المراد من قوله (عليه وآله الصلاة والسلام):"لَيُرَانُ ـ أو لَيُغَانُ ـ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً"(3)، وهذا الرَّين ـ أي الغبرة ـ هو الاشتغال بما هو في نظره (صلى الله عليه وآله) معصيةً بحق المحبوب (تعالى) من قبيل الانشغال الاضطراري بأمور الدنيا ولو كان يسيراً. كما ورد عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام):"أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر الله عز وجل خمسا وعشرين مرة"(4). وبالتالي (لا تتنافى هذه الآية الشريفة مع المقامات المعنوية من العصمة بل تؤكدها؛ لأن من لوازم السلوك الروحاني واجتياز المدارج والوصول إلى أوج الكمال الإنساني، هو غفران الذنوب. لأن كل موجود في هذا العالم نتاج هذه النشأة المُلكية والمادة الجسمية، وله كافة الشؤونات المُلكية الحيوانية والبشرية والإنسانية المتوفرة بعضها بالفعل وبعضها بالقوة. فإذا أراد السفر من هذا العالم إلى عالم آخر، ومنه إلى مقام القرب المطلق، لا بد من اجتياز هذه المدارج، والعبور من المنازل الواقعة في الطريق، وعندما يصل إلى مرتبة، تغفر له ذنوب المرتبة السابقة وهكذا حتى تغفر له جميع الذنوب في ظل التجليات الذاتية الأحدية، ويستتر الذنب الوجودي الذي هو منشأ كافة الذنوب في ظل الكبرياء الأحدي. وهذه هي غاية عروج كمال الموجود. ويحدث في هذا المقام الموت والفناء التام)(5) وبالرغم من أن هذا الوجه من الرد قد يكون مناسباً جداً للرد على شبهة نسبة الذنب اليه (صلى الله عليه وآله) بيدَ أنه قد لا يتفق تماماً للرد على الفهم الخاطئ للآية محل البحث؛ وذلك لعدم تقديمه تفسيراً للعلاقة السببية بين الفتح (أي فتح قلاع وحصون خيبر أو فتح بلد مكة المكرمة أو المصالحة والمهادنة مع قريش على اختلاف التفاسير) وبين ترتب غفران ذنبه (صلى الله عليه وآله) في الآية الكريمة؛ لأن جملة: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ" جملة شرطية وجزائية، لابد من أن تكون هناك رابطة عقلية أو اعتيادية تربط بينهما بحيث تكون إحداهما علة وسبباً لوقوع الأخرى، ولذا قد يكون الوجه الثاني هو الأسلم والأوفق.. الوجه الثاني: من المعلوم أنه ما من مذهب حق يظهر في عالم الوجود يدعو إلى الحق والعدل وتحكيم المنطق والعقل وهدم أصول الظلم وإماتة الخرافات حتى يتعرض إلى عدة محاولات لطمس دعوته واطفاء نوره من قبل كل من تتعرض مصالحه الشخصية بسببه الى الخطر، منها محاولة إغراء الداعي إليه للعدول عن دعواهم، فإن لم تفلح، عمدوا إلى محاولة تصفيته الجسدية، فإن أخفقوا في ذلك أيضاً شرعوا باغتيال شخصيته الفكرية. وهذا بالضبط ما حدث مع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فقد حاولت قريش إغراءه، ولما لم تفلح حاولت قتله في عقر داره، ولم تفلح أيضاً فلم يتبقَ لديها إلا محاولة بث الشائعات ضده (صلى الله عليه وآله) حتى اتهموه بأنه طالبٌ للحرب، محبٌ للقتال، متعطش لسفك الدماء، مثيرٌ لنار الفتنة معتدٌّ بنفسه لا يؤمن بمبدأ الحوار ولا يقبل التفاهم وما إلى ذلك! لا سيما بعد استقراره في يثرب ودخوله في معارك طاحنة مع قريش افقدتها أشجع شجعانها. ولذا اشتد في نظرهم ذنب الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) في حقهم، فبعد إن لم يكونوا ليستسيغوا مجرد دعوته ورسالته ورفعوا شكواهم ضده إلى عمه قائلين: "إنّ ابن أخيك قد سبَّ آلهتنا وعاب ديننا وسفّه أحلامَنا وضلل آباءَنا"(6) فكيف تراهم يرون ذنبه في حقهم بعد أن قتل صناديدهم؟! فمما لا شك فيه أن قريش كانت تراه على ذنب عظيم وجرم جسيم لذا أخذت تصوره للناس بحسب تصورها الخاطئ .. فكان حينئذٍ لا بد من واقعة كبيرة ومهمة تستقطب الأنظار؛ لتبرئ ساحته المقدسة (صلى الله عليه وآله) مما أتهمه به المشركون الأشرار، لتظهر لهم حقيقته الملكوتية الراقية، وأخلاقه الملائكية الرفيعة، فكانت واقعة صلح الحديبية، حيث انكشف زيف كل تلك الاتهامات وكذب كل تلك الإشاعات، وأنّ مذهبه على خلاف ما زعم أعداؤه، إذ (تصالح مع قومه الذين قصدوا الفتك به وقتله في داره وأخرجوه من موطنه ومهاده بعطف ومرونة خاصة حتى أثار الحضّار من أصحابه ومخالفيه. وهذا العطف الذي أبداه النبي (صلى الله عليه وآله) في هذه الواقعة مع كونه من القدرة بمكان، وقريش في حالة الانحلال والضعف، صوّر النبي (صلى الله عليه وآله) عند قومه وأتباعه صورة إنسان مصلح يحب قومه ويطلب صلاحهم ولا تروقه الحب والدمار والجدال فوقفوا على حقيقة الحال وعضّوا الأنامل على ما افتعلوا عليه من النِسَب وندموا على ما فعلوا فصاروا يميلون الى الاسلام زرافات ووحدانا)(7) وقد ورد هذا التفسير عن الإمام الرضا (عليه السلام)، فقد روي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الجَهْمِ قالَ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ المَأَمُونِ وَعِنْدَهُ الرِّضَا عليه السّلام فَقَالَ لَهُ المَأَمُونُ: يَا ابْنَ رَسُولِ الله أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِكَ أَنَّ الأَنْبِياءَ مَعْصُومُونَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ الله: لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ الرِّضا عليه السّلام: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عِنْدَ مُشْرِكِي مَكَّةَ أَعْظَمَ ذَنْباً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدونَ مِنْ دُونِ الله ثَلاَثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَماً، فَلَمّا جَاءَهُمْ صلّى الله عليه وآله بِالدَّعْوَةِ إِلَى كَلِمَةِ الإِخْلاَصِ كَبُرَ ذلِكَ عَلَيْهِمْ وَعَظُمَ وَقَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ، وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ}(8) فَلَمَّا فَتَحَ الله تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ صلّى الله عليه وآله قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) عِنْدَ مُشْرِكِي أَهْلِ َمَّكَةَ ِبدَعاِئَكَ إِلَى تَوْحيِدِ الله فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؛ لأَنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ، وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ مَكَّةَ؛ وَمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ لَم يَقْدِرْ عَلَى إِنْكَارِ التَّوْحِيدِ عَلَيْهِ إِذَا دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ. فَصَارَ ذَنْبُهُ عِنْدَهُمْ فِي ذلِكَ مَغْفُوراً بِظُهُورِهِ عَلَيْهُمْ. فَقَالَ المَأمُونُ: لِلَّهِ دَرُّكَ يَا أَبَا الحَسَنِ (9). وأما نسبة الله (تعالى) غفران الذنوب اليه فلأنه (جل جلاله) هو الذي جعل هذا الفتح من نصيبه (صلى الله عليه وآله)، ومن هنا أمكن أن يقال أن الله غفر للنبي (صلى الله عليه وآله) ذنوبه جميعاً؛ ولهذا كان ذلك الصلح فتحاً مبيناً. __________ (1) الفتح 1و2 (2) سكينة بنت الحسين للدكتورة بنت الشاطئ ص68 (3) صحيح مسلم، كتاب الذكر، ص41. وفي الحديث 22 من كتاب أربعين الشيخ البهائي " مَاءة مرة ". (4) الكافي ج2 ص691 (5) الأربعون حديثا ص378 (6) السيرة النبوية لإبن هشام ص285 (7) مفاهيم القرآن ج5 ص254و255 (8) ص 5 ـ 7 (9) مسند الإمام الرضا ج3 ص134 رضا الله غايتي
اخرىتجلياتٌ معرفية في الخطاب المهدوي (11)
بقلم: علوية الحسيني "وعجِّل فرجي وسهِّل مخرجي" قوله: "وعجِّل" فعلٌ صيغته مشدّدة, والأصل: "عَجِلَ عَجِلَ عَجَلاً, وهو بمعنى الإسراع, وجاء في القرآن الكريم: {وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} أي أسرعتُ إلى طاعتكَ ربّي لترضى عنّي. وعَجَّلَ بالتشديد تفيد نفس المعنى, وهو التشديد بالإسراع, فيقال: عجّل للضَّيْف: أي قَدَّم إليه الطعام" (1), وقد ذكر الفعل مشددًا في القرآن الكريم, بقوله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَاب} (2), "فطلبوا استهزاءً بيوم المعاد أن يسرع الله تعالى لهم بحظّهم من العذاب قبل يوم القيامة" (3). *وقوله: "فرجي" أي غمِّي؛ فيقال: "فَرَجَ اللهُ الغَمَّ: [أي] كَشَفَه" (4). فظاهر العبارة أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) يلح بدعائه على الله تعالى بأن يسرع كشف غمّه نتيجة غيبته. *قوله: "وسهِّل" أيضًا صيغة الفعل مشدّدة, والأصل "سَهُلَ سَهُلَ سُهُولَةً: مالَ إلى اللِّين وقَلَّت خشونته" (5). *وقوله: "مخرجي" المخرج هو "موضعُ الخَروج" (6).. لو تأملنا في مفردة دعاء الإمام هذه, لوجدنا أنّه يشخّص بدقة ما يريد, وهو الحكيم في قوله؛ إذ دعا بتسهيل خروجه, ولم يقل بتسهيل الظهور؛ لتغاير المفردتين, فالخروج قد يعني "خروجه عليه السلام من المدينة إلى مكة" (7), وما طلبه التسهيل والإسراع في موردٍ كهذا إلاّ لشدّة ما سيمرّ به بعد ظهوره الأصغر في المدينة المنورة؛ إذ سيرسل السفياني جيشًا إلى المدينة؛ فعن النبي (صلى الله عليه وآله): ... خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس... فيبعث جيشاً إلى المشرق وجيشاً إلى المدينة" (8). والإمام في هذه الحال لم يعلن (عجّل الله فرجه الشريف) عن ظهوره الأكبر, فنتيجة للخطر المحدق بالإمام توجّه بالدعاء بإلحاح بأن يسهّل خروجه من المدينة؛ إذ قد يتمكن جيش السفياني من اعتقال الإمام قبل خروجه منها, وهو آنذاك لا ناصر له إلاّ الله (تعالى), بل حتى لو دعا الناس إليه، لأمكن أن لا يصدّقه أغلب الناس. ولازم تلك الرواية أنّ عدو الله (تعالى) السفياني سيعلم بتواجد الإمام في المدينة, فيرسل جيشًا لاعتقاله أو قتله. ولعل ترقب السفياني هذا, ودس جواسيسه في أماكن كمكة والمدينة, يكون نتيجة سماعه وجنوده الصيحة الجبرائيلية, في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان, فلعله يستفهم من أهل العلم آنذاك عن خارطة ظهور الإمام, إذ أنّ إغلب الناس سيترنمون باسم الإمام؛ حسب ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "إذا نادى منادٍ من السماء: إنَّ الحقَّ في آل محمّد، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويُشربون حبّه، فلا يكون لهم ذكر غيره" (9). فيستغل الجواسيس آنذاك هذه الفرصة ويسترقون المعلومات, ويحصلون على مكان تواجد الإمام, نظير استراق الشياطين أخبار السماء. فيترقب السفياني حصول حراك ضدّه, ليرسل شرذمته إلى المدينة, ومكة, محل الظهور. *وهنا سؤال: هل يعلم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بوقت ظهوره؟ جوابه منبثق من العصمة التي تتطلب كل كمال، فبما أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) معصوم, "والعصمة تتجلّى بعلم لدنّي يكشف للمعصوم ما خفي علينا,... فهو إذن يعلم بساعة الظهور, إمَّا من باب أنَّ العصمة تعني فيما تعنيه علماً لدنّياً غيبياً بتعليم من الله تعالى، وإمَّا من باب أنَّ من خصائص الأئمَّة (عليهم السلام) أنَّهم إذا أرادوا أن يعلموا الشـيء، فإنَّ الله تعالى يُعلِّمهم ذلك الشيء بمجرَّد توجّه نفوسهم القدسية إلى معرفته" (10). ونحن نعلم أن ذلك العلم اللدني من الله (تعالى), وبإذنه؛ فقد روي "عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الاوَّلِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلام) قَالَ: مَبْلَغُ عِلْمِنَا عَلَى ثَلاثَةِ وُجُوهٍ مَاضٍ وَغَابِرٍ وَحَادِثٍ, فَأَمَّا الْمَاضِي فَمُفَسَّرٌ, وَأَمَّا الْغَابِرُ فَمَزْبُورٌ, وَأَمَّا الْحَادِثُ فَقَذْفٌ فِي الْقُلُوبِ وَنَقْرٌ فِي الاسْمَاعِ, وَهُوَ أَفْضَلُ عِلْمِنَا, وَلا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا" (11). ومعه، فحتى لو قيل: إنه (عجل الله تعالى فرجه) لا يعلم بوقت ظهوره اليوم، وسيعلمه في وقت خاص، فهذا ليس بنقصٍ, بل هو اصطفاء له, وتمييز عن غيره؛ لكونه معصوما. *وعليه, فإن قيلَ: بما أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) معصوم, والمعصوم لا يصدر منه اللغو, فإذا كان يعلم بوقت ظهوره فما فائدة دعائه؟ يمكن الإجابة على هذا الإشكال اجمالًا ضمن النقاط التالية: 1- إنّ الدعاء ليس لغواً على كل حال, فدعاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) شوق منه لتحقيق رضا الله تعالى, بسيادة العدل في دولته الموعودة, التي سادها الظلم والجور, وللقاء بأنصاره, وشيعته, ومن سيلتحق به, بعد أن أحرقهم شوق الانتظار, وهذا بحد ذاته فعل حسن, يحكم العقل بحسنه. 2- إنّ دعاء الإمام رسالة لنا بعدم الانقطاع عن الدعاء مهما كان القدر مفروغًا منه؛ روي "عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ادْعُ وَلا تَقُلْ قَدْ فُرِغَ مِنَ الأمْرِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَة" (12), فرغم كون خروج الإمام مفروغًا منه إلاّ أنّ الإمام لم ينقطع عن الدعاء, فدعا بتسهيل مخرجه. 3- إنّ دعاء الإمام بتعجيل الفرج محققٌ لغرض الله (تعالى), وهو هداية العباد, وتحقيق القسط والعدل, وتطبيق معالم الدّين, وهذا كافٍ لرفع اللغوية. *فإن قيل: إنّ ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من الأمور المحتومة, اللابدية الوقوع, فكيف يدعو الإمام ربّه بأن يغيّر محتومًا؟ وإن استجاب الله (تعالى) له فهذا من قبيل اجراء البداء على علمه (تعالى)! *يجاب: إنّ هذا الإشكال مندفع بعدم لزوم المحذور مع اجراء البداء؛ انطلاقًا من فهم معنى البداء بالنسبة لله تعالى, وتفصيله يقع ضمن الوجهين التاليين: ▪️الوجه الأول: لو أُجريَ على الفقرة الأولى من دعاء الإمام, وهي "وعجّل فرجي": فإن حُمل تعجيل الفرج على تعجيل الظهور العالمي للإمام؛ بقرينة حاليّة, وهي انكشاف غم الإمام بالظهور, فكأنّه (عجّل الله فرجه الشريف) دعا باللازم, وهو (تعجيل الفرج), لا بالملزوم وهو (تعجيل الظهور). فهذا ممكن في عالم الثبوت والإثبات؛ والشواهد على ذلك كثيرة, منها ما روي عن رسول الله, محمد (صلى الله عليه وآله), أنّه قال: "لولم يَبقَ من الدنيا إلّا يوم، لــطوَّل الله ذلك اليوم حتّى يظهر المهدي من آل محمّد (صلى الله عليه وآله)"(13), فمنطوق الرواية صريح في حتمية ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), وهذا أمرٌ مفروغٌ منه, ولكنّها تشير إلى إمكان تأخير الله (تعالى) ليوم الظهور, وجعله آخر يومٍ في الدنيا. فكما أمكن تأخير ذلك اليوم, أمكن تقديمه, ومن هنا انطلق الإمام بالدعاء بتعجيل فرجه, أي بتعجيل يوم كشف غمته والإذن له بالظهور. والنتيجة/ ممكن حصول البداء في تعجيل فرج الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف), ولا محذور في ذلك؛ وذلك لأن التغيّر سيحصل في علمنا نحن, لا في علم الله (تعالى)؛ لأنّه (تعالى) بعلمه الأزلي علم أنّ الإمام سيدعو بتقديم يوم ظهوره. ▪️الوجه الثاني: لو أُجري على الفقرة الثانية من دعاء الإمام, وهي "وسهّل مخرجي": فهنا يمكن القول بجريان البداء؛ فبناءً على أنّ خروج الإمام يختلف عن ظهوره, فكما جرى بالظهور يجري في الخروج؛ لاشتراك المفردتين في هدفٍ واحدٍ؛ لهذا دعا الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) ربّه باللطف وتسهيل العقبات عند ظهوره الأولي, أو خروجه, أما نقرأ أنّ الله (تعالى) سيحميه, ويخرجه من المدينة بلينٍ ولطف! فهذا بداءٌ بالنسبة لنا؛ حيث كنّا لا نعلم, وقد علمنا. ___________________ (1) ظ: المعجم الوسيط: لمجموعة مؤلفين, ج2, ص586. (2) سورة ص: 16. (3) ظ: تفسير الميزان: للسيّد محمد حسين الطباطبائي, ج17, ص186. (4) المعجم الوسيط: لمجموعة مؤلفين, ج2, ص678. (5) المصدر نفسه, ج1, ص458. (6) المصدر نفسه, ج1, ص225. (7) صحيفة صدى المهدي, العدد 85, ربيع الأول, 1435هـ, الأسئلة الموجهة إلى مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام. (8) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام: للشيخ الكوراني, ج5, ص354. (9) كنز العمّال: للمتَّقي الهندي, ج١٤, ص٥٨٨, ح ٣٩٦٦5. (10) مقال: عنصر الخفاء في القضية المهدوية: للشيخ حسين الأسدي, مجلة الموعود, العدد ٤/ ذو الحجة/ ١٤٣٨هـ. (11) الكافي: للشيخ الكليني, ج1, باب جهات علوم الأئمة, ح1. (12) الكافي: للشيخ الكليني, ج2, باب فضل الدعاء والحث عليه, ح5. (13) الصواعق المحرقة: لابن حجر العسقلاني, ص249. اللّهم عجّل فرجه, وسهّل مخرجه, واجعلنا من أنصاره وأتباعه, بحق محمدٍ وآله.
العقائدالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى