تشغيل الوضع الليلي

تأملات في تراتبية المواليد الشعبانية

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 5596

بقلم: عبير المنظور
شهر شعبان هو شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفيه من النفحات القدسية والعبادات القُربية ما يعمّق الارتباط برسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمن سلسلة من التهيئة الروحية تبدأ من شهر رجب شهر أمير المؤمنين (عليه السلام) مرورًا بشعبان شهر سول الله (صلى الله عليه وآله) وصولاً إلى الذروة في شهر رمضان شهر الله تعالى.

وللعبادة في شهر الرسول (صلى الله عليه وآله) أجر عظيم، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «‌قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شعبان شهري وشهر رمضان شهر الله فمن صام يوماً من شهري كنت شفيعه يوم القيامة، ومن صام يومين من شهري غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن صام ثلاثة أيام من شهري قيل له استأنف العمل...» (١)
ومن أبرز مصاديق تعميق الارتباط برسول الله (صلى الله عليه وآله) هي المودة في القربى التي جعلها الله تعالى أجر الرسالة المحمدية في قوله تعالى في آية المودة: (ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٢)
ومن لطائف وأسرار هذا الشهر الفضيل أنه يتضمّن بين طيّات أيامه الغراء ذكرى مواليد عطرة لقربى أهل بيت النبوة لستة من الأقمار الزاهرة وهم بالترتيب: الإمام الحسين والعباس والسجاد وعلي الأكبر والقاسم بن الحسن والحجة المنتظر (عليهم جميعاً سلام من الله ورضوان) ومودتنا لهم هو أهم ما نقدمه للنبي (صلى الله عليه وآله) خاصة في شهر شعبان، مع ملاحظة أن المودة القلبية لا تكفي في إعطاء أجر الرسالة ما لم نشفعه بإيماننا بهم وحسن الالتزام بسيرتهم (عليهم السلام).
ولو تأملنا قليلاً في المواليد الخمسة الأولى للاحظنا أنها تخص الشموس الزواهر لأهم شخصيات معركة كربلاء الحسين، معركة الإصلاح، معركة رفض الظلم والاستكبار، معركة بسط العدل في مجتمع ضاعت كل قيمه ومبادئه وثوابته، فكانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) رمز الاصلاح على مرّ العصور، وكان دوره أساسياً ومركزياً في نهضة الأمة بعد تقهقرها، وصناعة إنسان رسالي بعد أنْ تشوَهتْ معالم إيمانه، متخبّط الخطى في ظل سياسة القمع والإرهاب والتجهيل من خليفة غرّ نزق شارب للخمر ملاعب للقرود ليُصبح بين ليلة وضحاها خليفة رسول الله وحاكماً للمسلمين!
أعادتْ ثورة السبط الشهيد الهمّة في الأمة الخائرة القوى، وأصبحتْ تعرف مسؤولياتها جيدًا في ظل الظرف السياسي والاجتماعي الحرج الذي مرّت به الأمة بعد واقعة الطف.
ولم يكن هذا الجانب الاجتماعي المشرق في دور الامام الحسين (عليه السلام) في كربلاء الذي أدّى غرضه في الأمة فقط، فسلوكه الفردي مع أهل بيته وأصحابه كان الوهج الذي استضاءت به الأمة على قرونًا طويلة لتربية أجيالها على أسس الإسلام الصحيحة.
ففي كربلاء دروس وعبر لا تنتهي في التعامل مع الأخ أو الأخت أو الابن أو الطفل أو الشيخ أو القربى أو الأصحاب بل وحتى الأعداء، كلها إصلاح في إصلاح.
كما تجسّـدت قيم الأخوّة والبطولة والفداء والوفاء والغيرة والحمية في نفس أبي الفضل العباس (سلام الله عليه) فهو بعد أخيه الحسين فضلاً وشرفاً وكرامةً، ودوره البطولي الكبير في الحروب والدفاع عن الإسلام الذي لا يقل بطولة عن أخلاقه العالية والمفاهيم الإنسانية والأخوية التي غرسها في الأمة بعد أخيه خاصة مسألة التعامل بين الأخوة غير الأشقاء، فقد علّمنا العباس (عليه السلام) بحبه وإيثاره بنفسه وإخوته الأشقّاء في سبيل إخوته غير الأشقاء كالحسين وزينب (سلام الله عليهم أجمعين)، علّمنا كيف نجمع الأخوة بدون فوارق، وكيف نذيب الأنانية في نفوسنا وأن نصهرها بحب الله فقدّم إخوته غير الأشقاء على نفسه وأشقائه لأنهم حجج الله على خلقه.
ولا يخفى التأثير الكبير في عطاء الإمام السجاد (عليه السلام) بعد كربلاء في ظل الأسر والسبي والتشديد والتضييق والإقامة الجبرية، فلم ينكفئ (عليه السلام) عن الدعوة إلى الله وتربية الأمة في أحلك الظروف، فربّى الأمة بالدعاء والمناجاة والانقطاع إلى الله بالعبادة، فلم تمنعه القيود وأغلال الجامعة والحبس الجبري عن أداء واجبه الرسالي والقيام بدوره في صناعة الإنسان وصناعة أمة واعية تقدر قيمة إصلاح مجتمعها بأي وسيلة متاحة لديه مهما أباد الطغاة أهله وأخوته وبني عمومته، فهو من أكمل مسيرة كربلاء بعد أبيه الحسين بقوة إرادته عن طريق زرع مفاهيمها الحقة في الأمة رغم الصعوبات التي واجهها.
وللشباب الملتزم والواعي دوره الكبير في بناء المجتمع الصالح الذي أراده الرسول (صلى الله عليه وآله)، علي الأكبر (عليه السلام) مثال للشاب الذي جعل من إيمانه بالمبدأ نقطة الانطلاق نحو المجد والخلود بحماسة الشباب وعنفوان مشاعرهم، فكانت كلماته الخالدة (لا نبالي أن نموت محقين) (٣) شعار لكل الشباب الرسالي الغيور على دينه ومجتمعه من الانتهاك، وخير مثال على طاعة الوالدين واحترامهم.
ومع القاسم بن الحسن (عليه السلام) لنا وقفة مع الأشبال، حيث عّلمنا القاسم على صغر سنه معالم التربية الحسنة والوعي لتحديات الظرف المرحلي وهو ناجم عن الملكات النفسية الخاصة لهذا الغلام واستعداده الكبير لتحمل مسؤولية عجز عنها الكثير من الرجال المتخاذلين عن نصرة امام زمانهم فشع فهبّ القاسم وهو غلام لم يبلغ الحلم ليرسم لنا أروع صور النصرة وبأبهى أشكالها.
كل وقفة من وقفات مواليد ابطال كربلاء في شهر شعبان كفيلة بأن ترسم لنا ملامح التربية الحقة على أسس ومفاهيم تعمل أولاً على تهذيب ميدان النفس الأمارة بالسوء لتنطلق نحو الأسرة بجعلها لبنة صالحة في مجتمع يصلح بصلاحها، فننطلق بالتربية والتهذيب من الجانب الفردي إلى الجانب الاجتماعي ولا يخفى تأثير ذلك على الصبغة العامة للمجتمع ورقيه وتطوره بوعي أفراده من أصغرهم إلى أكبرهم.

من كربلاء وشخوصها وشواخصها ننطلق بالتدريج نحو الإمام الحجة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في منتصف الرحلة الملكوتية في هذا الشهر الفضيل -مع ملاحظة أن القمر في منتصف الشهر العربي يكون البدر كاملًا- وربما هو كناية عن كمال الدين وإتمام النعمة في ولادة المنقذ والمخلّص ومهدي هذه الامة الذي سيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئتْ ظلماً وجوراً بثورة تصحيحية شاملة، أي عاشوراء أخرى لتصحيح المفاهيم المغلوطة ونشر الوعي ورفض الظلم والاستكبار العالمي الذي أخذ يُحكمْ قبضته ويُحيطُ بأذرعه الأخطبوطية كل مفاصل الحياة من سياسة واقتصاد وإعلام وتكنولوجيا وغيرها لصالحه وأخذ يتحكّم في العقول وتوجيهها نحو مخططاتهم الشيطانية عن طريق التشكيك بالأديان وتوسيع رقعة التيار الإلحادي في العالم، فعلى المنتظِر لإمام زمانه في زمن الغيبة والشبهات أنْ يتسلّح بالإيمان والوعي لنصرة إمام زمانه والتمهيد لظهوره المبارك بعد أن يحصّن نفسه أولاً بالمفاهيم والعِبر التي استقاها من ملحمة كربلاء وشخصياتها الخالدة.
وكما نعلم أن شهر شعبان محطة روحية مهمة لتهيئة النفس قبل شهر رمضان المبارك وهو شهر الله الذي دُعينا فيه إلى ضيافته تعالى، فعليه يكون ظهور الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) هو تحقيق الوعد الإلهي في بسط العدل على الأرض عندها ستكون البشرية كلها في ضيافة الله وعدله حتى قيام الساعة.
________________________
(١) فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق، ص ٤٤.
(٢) سورة الشورى/٢٣.
(٣) الإرشاد، الشيخ المفيد، ص٢٢٥.

اخترنا لكم

رحلةٌ باتجاهِ البحر

بقلم: گوناي البياتي كثيرًا ما تؤرقني أفكارٌ وصورٌ تتبادر إلى ذهني ليدعْنَني في مُنتصفِ كلِّ شيء... عديدٌ من التساؤلات، الرؤى، الأمل، الدين، الوجود ولازلتُ أدورُ في دوامةِ الزمن...لأغرقَ في متاهاتٍ ليس لها حدود متاهات لم تُصادفني من قبل وأعيشُ بطولاتٍ وإنْ كانت خيالية وأبحرُ في ملحمةٍ كلكامشية يا ترى هل سيُقدَّر لي اجتراح قصة؟ قصة تُروى باِسمي. كم أصلي أنْ لا يحدث ذلك ... لأنَّ الآداب لا تُغريها إلا دروب الآلام ولكنني أريدُ نهايةً سعيدة حُلُمي أنّه ... حُلُمي أراه من بعيدٍ، كنورٍ هادئ، وحوله حُلُم يصبو ويُنادي باِسمي ... ولكن... لا أناله؛ لأنّه ليس ملكي أصارعُ الأمواج المُتلاطمة... منْ كلِّ حَدَبٍ تأتي أكادُ أموتُ غرقًا... كأنّ البحرَ يستمتعُ بغرقي ... نعم، زاد هياجًا ونادى الأمواج؛ ليُصعصع حولي أيُّها البحر... لِمَ تفعلْ بي ذلك؟! سكتَ البحرُ ولكنَّه ... سيُغرِّدُ صمتًا أسودَ... موشحًا بلونٍ ليله الطويل وسيبقى هذه الليلة ساكنًا ... ليؤلِّف إجابةً لسؤالي ... ويتصرف بضميرٍ طاهر خجلَ البحرُ وكأنَّ ضميرَه أنَّبه فتوسلَ للعاصفة أنْ تهدأ... والأمواج أنْ تستقر أيُّها البحر، اهدأ ... ولا تخشَ تمرُّدي أنا كهلٌ...لا أحِبُّ الصراعات.. ولا الضوضاء ولا الصخب حتى إنني أكرهُ السابعة صباحًا؛ لأنّها تسلبُ سكوني.. هناك طاقةٌ غريبة مجهولة المصدر حتى إنّ عينيَّ تلألأت بضيائها ولكنّها مازالت بعيدةً عني وما من وسطٍ ينقلُ صوتي إلى مسامعها مهما بلغتِ الفيزياء والأرصاد من تقدُم لكننّي أحسستُ بها في قلبي وقلَّ أنْ يخطأ إحساسي فهي السكون الذي يسبق العاصفة فأيقنتُ في نفسي أنَّ في ظلمة الليل ضياءً وأملاً ... تتلاقى فيه أرواح المناضلين الذين ساروا بفؤادٍ مكلوم وابتسموا للجرح الغائر ليرسو في موانئ السعادة الأبدية وعندها أيقنتُ أنّه ليس بالضرورة أنْ يكون العشقُ ماديًا.. رُبّما يكون اتجاهًا ما كأنْ تعشقُ جهةَ الغرب أو الشمال لا ضير... ولأنني تجاوزتُ صدماتٍ كثيرة جعلتني أقدسُ لحظاتِ التأمل؛ لأنّها لطالما كانت تنتشلُني بعيدًا عن هذه الصراعات... الصراعات التي تعمل بأقصى جهدها؛ لتُحطِّم بقاياي؛ وتقطعُ الطريق أمامي ولأنَّ التأمل وحده الذي يوصلني إلى ما أصبو إليه منذ بعثتي ... فاتخذته طريقًا...أصلّي به صلاةً مُستحبة صلاة تأملية..

اخرى
منذ 4 سنوات
296

كن مثالياً وانطلق في الحياة

اغلبنا يتفاجأ بالمثالية والرقي كأنها معجزات أو من خوارق الطبيعة، ندلك أعيينا بقوة! هل فعلا هذا الانسان المثالي حقيقي ام نحن في حلم نود أن لا نفيق منه ابداً؟ واسباب ذلك تعود لما نشأنا عليه من أن الشخص المثالي هو إما نبي أو ولي، ونتناسى أن واجبنا الشرعي والاخلاقي ان نقلد أئمتنا وانبياءنا في اخلاقهم وسيرتهم المثالية قدر ما نستطيع. ألم يأمرنا الله تعالى بهذا في كتابه الكريم وشدد عليه كثيرا كما في قوله عز من قائل:{أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}؟ وكذا{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}؟! ألم يقل النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله): إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق؟ فهل المثاليات غير الأخلاق الرفيعة والذوق في التعامل والكلم الطيب والسيرة الحسنة؟ وهل الرقي أكثر من أن يتمنى الذي يسمع باسمك أن يراك؟ في مقالنا هذا سنذكر لك ـ عزيزي القارئ ـ عشرة سبل تجعلك إنساناً مثالياً كما خلقك الله تعالى لهذا: أولاً: اترك القلق والتوتر اعلم أن قلقك في الحياة سبب رئيس لكل ما تعانيه من عاهة جسدية وأخلاقية، كن مؤمناً واعلم أن الله يفعل ما يشاء ويدبر الأمر. لن يؤخر قلقك أجلك، ولن يقربه، كما لن يزيد في رزقك ولن ينقصه، توكل على الله تعالى، أصلح أمورك بما تستطيع ودع الباقي عليه، فلا تثقل قلبك بالهموم، ولا تجعل للشيطان عليك سلطاناً وأي سلطان له عليك أكثر من القلق والتوتر؟! خاطب نفسك دوماً: لِـمَ يملكني القلق ولي رب يسير كل شيء بأمره؟ أليس الله بأحكم الحاكمين ؟ هل تظن ان الله تعالى يريد بك سوءا ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . ثانيا: كن متواضعا: اعلم ان الانبياء والاولياء افضل منا في كل شيء، ورغم كل ما يملكون من المميزات الالهية كانوا متواضعين مع الناس، حتى مع من لا يؤمن بهم بل حتى مع من آذاهم. ألم تسمع بأن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) اتاه اعرابي وشد قميصه حتى أوشك ان يدمي عنقه المبارك قائلاً: يا محمد، اعطني من مال الله! ماذا فعل النبي (صلى الله عليه وآله)؟ التفت اليه ولم يحتقره كونه اعرابيا فضاً، واحسن له العطاء ولم يعاقبه، يقول انس ضحك النبي (صلى الله عليه وآله) ولاطفه وامر ان يعطوه مالا ...... ألم تسمع أن الامام الحسين عليه السلام حين اتاه احدهم طالبا منه مالا اختبأ الامام خلف الباب واعطاه كي لا يحرج السائل قائلا: خذها فإني إليك معتذر *** واعلم بأني عليك ذو شفقه لو كان في سيرنا الغداة عصا *** أمست سمانا عليك مندفقه لكن ريب الزمان ذو غير *** والكف مني قليلة النفقة ما اجملها من أبيات تثير في السائل مشاعر حب الامام له واحترامه لطلبه . ألم تسمع ان الامام علياً (عليه السلام) كان حاكما لأكثر من خمسين دولة و يخبز الخبز بنفسه للأيتام؟ ويحمل على ظهره الماء والأكل؟ ويحرث الارض ويعمرها ويهديها للفقراء؟ ألم تسمع ان الامام الحسين كان يضع خده على خد علي الاكبر وخد جون الاسود؟ ولم يفرق بينهما بحجة أن ابنه ابيض وصاحبه اسود؟ او النبي (صلى الله عليه وآله) الذي تبنى زيدا ـ وهو اسود ـ وكان يفرط في حبه حتى ظن الناس ان زيدا ابنه حقا؟ خاطب نفسك: هل أنا خير من هؤلاء كي احتقر من هو ليس من لوني او ثقافتي او مستواي الاجتماعي؟ اعلم ان التأفف والتكبر لن يزيدك الا احتقارا وذلة بنظر الله تعالى والناس. ثالثا: لا تكن لئيماً ابدا اعلم ان تباهيك بالمال والاولاد يؤلم من حولك ممن لا مال ولا ولد لهم، وتبجحك بالشهادات والثقافة تؤلم من لم يتمكن من الحصول على الشهادة او حتى التعليم، وصحتك واي شيء تملكه دون الاخرين . لو كان صديقك عقيما احذر ان يأخذك اللؤم ـ ولو من دون قصد ـ ان تثير مشاعره عبر كلامك الكثير عن اولادك. ولو كان جارك فقيرا احذر ان تحسسه بفقره بتباهيك بالمال والاملاك.. كن دوما لبِقاً وتعلّم ان تفكر قبل أن تنطق وأن تستشعر فعلك قبل ان تفعله، او كما قال الامام الحسن (احبب لأخيك ما تحب لنفسك). رابعا: لاطف الناس دوما: ما اجمل ان تكون كنسمة هادئة اينما تمر تثير الطمأنينة والسكينة! ما اروع ان يتمنى الناس مخاطبتك لطيب منطقك ودرر كلامك! ما ارقى ان يكون وجودك باعثا على الراحة والهدوء! فكّر بهذا، واعلم انك لو لاطفت طفلا في الشارع وقبلته او اعطيته كرته التي سقطت في منزلك فلن يتم خصم راتبك! لو ساعدت احدهم في حمل اغراضه، تأكد ان صحتك لن تكون بخطر! او رأيت متخاصمين واصلحت بينهما لن يتم رميك في السجن! أو بادرت بالسلام وتوددت لمن حولك لن ينقص من قدرك! كن دوماً ملاطفاً ... ودوداً... محباً... للناس. قال الامام علي ( نصف العقل مداراة الناس) (الحكمة التودد للناس). خامسا: اهتم بمظهرك: اعلم النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) لم يخرج من بيته يوما اشعث الشعر ولا مغبرة ثيابه . سيرة الصالحين كانت دوما هي النظافة في الملبس والاهتمام بالمظهر. طبعا هذا لا يعني ان تنفق ملايين على ثيابك، كن وسطيا لا اشعثا اغبرا ولا مرتديا ساعة بألف دولار! وان كنت تتساءل: لمَ كان الامام علي (عليه السلام) يرقع ثيابه قائلاً: رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها؟ فاعلم ان الامام استلم الحكم والناس جوعى والبلاد في خراب، فكان يواسي شعوبه بارتدائه ثياب العامة من الناس. هذا كان ردا من الامام الصادق (عليه السلام) حين سأله سفيان الثوري عن سر لبسه الثياب الجميلة الناعمة دون امير المؤمنين (عليه السلام) . سادسا: لا تتدخل في شؤون الناس: إن كان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ليس مسيطرا على الناس، ولم يتدخل في شؤونهم الخاصة حتى يسالوه، خاطب نفسك من أنا لأكون فضولياً؟ ما شأني بمن يخرج بملابس قديمة او جديدة؟ ما شأني إن كان اثنان يتحاوران بينهما كي أفرض رأيي عليهما؟ تخيل: كم يكون مخزيا ان ندخل في حوار لسنا مدعوين له! ما شأني بمن صلى وصام وحج وزكى ؟ هل جعلني الله وكيلا؟ انصحه إن توفرت شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن لا تفرض آراءك عليه ، واعلم ان الله بذنوب عباده بصير خبيرن وأن من تتبع عثرات الناس تبع الله عثرته. لا تكن فضولياً، فان كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب. سابعا: كن واثقاً من نفسك دومًا: الثقة بالنفس هي احساسك بقيمة نفسك وقيمة ما عندك، واعلم أنها ملكة لا يملكها الا ذو حظ عظيم. كن دوما شخصا ثابتا واثقا من خطواتك وكلامك وافعالك. طبعا هذا لا يعني ان تكون مغرورا مقيتا، فبين الثقة بالنفس والغرور خط رفيع إياك ان تتجاوزه. ثامنا: كن قويًا: تخلص من الشعور بالجبن، الموت ميعاد، ولن تموت الا إن شاء الله تعالى. لا يكن همك كيف تنجو كيف تهرب كيف تتخلص من المشاكل. افعل ما تراه صوابا واترك ما بقي على اللهـ فهو اعلم بنواياك. لا تكن محطما ضعيفا ولا متسلطا ظالما، ابتعد عن التغطرس والطيش واعلم ان القوي هو من يملك نفسه وقت الغضب . تاسعا: لا تكن شخصا سطحيا: كن متوازنا في افعالك واقوالك لا تكن كالأشخاص السطحيين الذين لا هم لهم الا التدخين والاغاني والجلوس في الطرقات والضحك والكلام بصوت عال . اعلم ان هذا يجعلك تافها بنظر الجميع كما ان فيه بعض الاثم والعدوان. وإن أجبرتك رفقه السوء على التدخين فاحذر ان تدخن امام من لا يدخنون، لا تشركهم في اخطائك. لا تخطأ بمرأى من الناس فتكون من الذين يشيعون الفاحشة في اللذين امنوا. ولا يكن همك الكلام عن الناس واخطائهم، اعلم ان هذا من تفاهة فاعله وهو حرام وفعل دنيء جدا. عاشرا: احذر اصدقاء السوء: اعلم ان الانسان يتأثر قطعا بمن يحيطه حتى لو لم يشأ هذا . اصدقاء السوء بضاعه رخيصة لن تجني منها الا العفن . انهم يرحبون بك ايما ترحيب ان كان في جيبك مال او لديك ما ينفعهم لينتفعوا فقط. الاصدقاء كالفاكهة فيها الطازج وفيها الفاسد , اختر الصالحين فقط. كن ودودا مع الجميع .... صديقا للقليلين ..... ولا تكن عدوا لاحد. هناك الكثير مما بقي لأنصحك به، لكن يطول المقام بنا كثيرا اجعل تقوى الله ميزانا لك في الحياة واعلم ان الدنيا دار فناء وايامك سويعات فاقضها في التكامل الروحي والاخلاقي. فكلما كنت متقيا، فإنك ستحيي مثاليا ابدا. نجلاء المياحي

اخرى
منذ 5 سنوات
2527

الاختبار الاعظم

علي طالب في السادس الاعدادي ومنذ شهر ونصف بدأ المراجعة للاستعداد للامتحان النهائي وهو يتمنى أن يحصل على معدل عالٍ يمكنه من الدخول إلى الجامعة التي يرغب فيها. وهو شاب مؤمن يحب حضور المجالس الحسينية وصلاة الجماعة التي تقام في منطقة سكناه لكنه هذه الفترة انقطع عن كل ما يحب ويرغب فيه وانصبّ جل اهتمامه بالدراسة، ومع حلول شهر رمضان وصيامه النهار جعل الليل كله للقراءة، ومع اقتراب الأيام أصبح في عزلة تامة حتى عن أهله. كانت أمه قلقة عليه وبين فترة وأخرى تدخل عليه وتحاول أن تهون عليه الأمر. فقالت له: يا بني أنت طوال العام تدرس ودرجاتك جيدة جداً ،فلماذا تكلف نفسك أكثر من طاقتها؟ فأجابها بثقة: يا أمي، أعلم هذا لكن هذه الأيام الأخيرة وأنا جعلتها للقراءة المركزة أريد أن أعدّ جواباً لكل سؤال أتوقعه ولا تقلقي عليّ، كل ما أريده منك الدعاء في هذه الليالي المباركة. ذهبت الأم وقلبها ملتهب على ولدها الأكبر. أسبغت وضوئها وبدأت بتلاوة القرآن والدعاء فتذكرت ما قاله علي، نعم، إنها الأيام الأخيرة لم يبق إلا ليالي معدودة بكت كثيراً وبدأت تناجي ربها! يا رب هذه أيام شهرك الفضيل قد انقضت، ولياليه قد تصرمت، وأنا أي جواب أعددتُ وأي عمل قدمت لكي اطمأن معه بالنجاح والفوز برضاك. إلهي ان لم أكن أهلاً لأن تغفر لي وتفك رقبتي من النار فيما مضى فاغفر لي فيما بقى إنك غفار الذنوب، وبابك مفتوح للطالبين والمقصرين يا أرحم الراحمين . نعم، متى نعرف أننا في اختبار ويجب أن نعد جواباً لكل سؤال قبل أن ينتهي الأجل وحتى البضاعة المزجاة لم نحملها معنا لطول أملنا في الدنيا. اسأل الله ان يقبل منا القليل ويعفو عنا الكثير، ببركة الصلاة على محمد وال محمد…

اخرى
منذ 5 سنوات
1497

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
69399

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
50327

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41062

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
34877

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32053

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
31607