تشغيل الوضع الليلي
موائدنا الرمضانية تحت المجهر!
منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 715
بقلم: عبير المنظور
شهر رمضان الذي أنزل فيه القران، شهر الضيافة الإلهية، شهر الرحمة والمغفرة والبركة، فيه تعمر موائد الرحمن.
تعمر تلك الموائد قبل حلول الشهر الفضيل! فقبل حلوله تنشط حركة الأسواق لشراء المواد الغذائية وتتصاعد الأسعار تبعًا للطلب، لا بل نجد تهافت ربات البيوت على شراء المواد الغذائية وتحضيرها وتجميدها استعدادًا للشهر الفضيل، نعم لا ننكر أن على المرأة في شهر رمضان حملًا ثقيلًا تحاول أن تخفف عنه نهار الصيام بإعدادها المسبق لبعض الأطباق، ولكن ننكر أن يتحول الشهر الفضيل إلى شهر طعام وشراب.
في سؤال سريع سألته لعينات عشوائية من النساء عن السبب في تحضير تلك الوجبات وتجميدها كانت بعض الإجابات رائعة ولكن الإجابات الأخرى صادمة.
النساء الموظفات أعانهن الله يحضّرن تلك الأطباق مسبقًا لضيق الوقت مع ضغط العمل والمشقة في الدوام.
هنا نجد تنظيم المرأة لوقتها وتنظيمه بين العمل والمنزل رائع جدًا.
والبعض الآخر من النساء يرين أن في ذلك إنقاذًا لهن في مائدة إفطار الضيوف، وجهة نظر سديدة أيضًا.
وبعض النساء تحضّر مسبقًا لتتفرغ للعبادة وقراءة القران والأدعية المخصوصة والقيام بأعمال شهر رمضان المبارك، جميل جدًا تخصيص وقت العبادة وتفضيله على باقي الأعمال المنزلية دون أن تخل بواجباتها المنزلية في هذا الشهر الكريم.
أما بعض الإجابات وهي السائدة فكرًا وتطبيقًا في مجتمعاتنا هي أن النساء تجمّد الاطعمة لتتفرّغ لبقية الاطباق آنية التحضير!
وسألتُ سؤالًا مهمًا في نفس السياق ولكن إجابته تفصّل النتيجة تفصيلًا دقيقًا: كيف تكون موائدنا الرمضانية عامرة؟
أغلب الاجابات كانت يرثى لها، بتعدد أصناف الطعام وكأن مائدة شهر رمضان لا تعمر إلا إذا زادت عن خمسة أو سبعة أصناف من الطعام.
وفي محاولة مني لتقريب المعنى سألتهن أيضًا: شهر رمضان شهر الخير والبركة، ما هي البركة في هذا الشهر؟
كانت معظم الإجابات أن البركة في الطعام والشراب!
توقفتُ كثيرًا أمام تلك الاجابات وللأمانة كانت هناك إجابات مميزة تنمّ عن وعي وادراك لعظمة وبركة الشهر الفضيل وان كانت نسبتها قليلة لا تتجاوز ٢٠٪، وان كانت النسبة الحقيقية أقل من هذه بكثير في المجموعات النسائية على السوشيال ميديا حسب استقرائي البسيط.
توقفت كثيرًا أمام هذه النسبة المهولة من شريحة مهمة في المجتمع تعتقد أن شهر رمضان موسمًا للطعام والشراب وامتلاء الكروش بما لذ وطاب من الأصناف ولكل شخص طبقه المفضل من الأطباق الرئيسية والمقبلات والحلويات،
والكلام ليس موجهًا للنساء فقط بل الرجال أيضًا فهو من يحاسب المرأة حسابًا دقيقًا لو أن صنفًا واحدًا لم يُطبخ على مزاجه، وما أكثرهم في أيامنا هذه!
وأكررها مرارًا، نحن لسنا ضد أن يتغذى الصائم ويتقوت بطعام لذيذ يشبعه ويشتهيه ولكننا نرفض أن يكون شهر الخير والرحمة شهرًا للإسراف والتبذير ورمي الطعام الفائض في القمامة رغم وجود العديد من العوائل ترزح تحت نير الفقر والجوع لا تجد ما تفطر به بعد يوم طويل من الصيام.
نحن ضد ان يتحول شهر رمضان الى افراط وتفريط فلا نبالغ في المثالية ونجعل من انفسنا زهّاداً وعبّاداً ونقصـّر في إطعام عوائلنا، ولا نسرف في اعداد الطعام، ولكننا نريد الامر بين امرين (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين) (١).
توقفتُ طويلًا عند تلك الاجابات في مسالة الطعام والشراب في شهر رمضان المبارك، وتأملت أسباب هذا الفهم الخاطئ وفي الغالب هي طريقة التربية التي يتلقونها منذ الصغر، اضافة الى الحرب الناعمة والاعلام المضلل الذي يبث سمومه على القنوات الفضائية والسوشيال ميديا بجعل الامة تلهث وراء المظاهر كالطعام والشراب حسب الوصفات العالمية والملابس والماركات التجارية والاهتمام بكماليات الامور اكثر من الضروريات مع التركيز والترويج للشركات العالمية المنتجة لها.
إضافة إلى الانسياق وراء العقل الجمعي في مثل هذه الظواهر المنتشرة بكثرة على السوشيال ميديا، والتفاخر والتعالي على الغير وارضاء هوى النفس وغيرها.
ومن أهم أسباب انتشار هذه الظاهرة هو عدم سماع توجيهات من يقوم بالتبليغ الديني في ايصال الأهداف الحقيقية والأسباب والعلل وجماليات الاحكام في الاسلام بشكل عام ومظاهر الصيام بشكل خاص، وإلّا فكيف نبرر وجود نساء صائمات مع السفور أو التبرج أو الاختلاط؟ أين صوم الجوارح اذن؟
هنا يجب أعادة ترتيب الخطاب الديني وتوجيهه نحو المجتمع توجيها صحيحًا والتركيز على آداب وتعاليم الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) وأهل بيته الكرام (سلام الله عليهم اجمعين)، ويلزم على المجتمع أيضًا أن يستمع لهذه التوجيهات التي تدخل ضمن المعرفة الصحيحة لبركة شهر رمضان المبارك، ونحن نعيش في طيات شهر رمضان ذكرى شهادة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وطعام افطاره المكون من رغيف خبز الشعير والملح وهو خليفة المسلمين.
على الخطاب الديني بجميع مستوياته المنبري والاعلام الديني المكتوب والمسموع والمقروء أن يصحح مسار المجتمع ويضع الحلول لمثل هذه الظواهر.
وكحلول بسيطة لهذه الظاهرة اقترح ان نضع موائدنا الرمضانية العامرة تحت المجهر:
هل مصدر أموالها حلال لا شبهة فيه؟
هل لحومها مذبوحة شرعًا ومن قبل جهات موثوقة متخصصة؟
هل تتسم بالاعتدال أم فيها الكثير من الاسراف؟
هل اخرجنا صنفا منها لنطعم أو نفطر صائمًا من الجيران والاقارب؟
وهكذا
وكما أن للجسد غذاءً فللروح غذاءً ايضا وله موائده المعنوية، فشهر رمضان هو من المواسم المهمة لتزويد الروح بجرعات تغذيها ما يكفيها عاما كاملا، وهو سر بركة ذا الشهر حيث تضاعف الاعمال فيه، وفيه محطات عديدة كوفاة ابي طالب والسيدة خديجة (عليهما السلام) ومعركة بدر وولادة الامام الحسن (سلام الله عليه) وليالي القدر وشهادة امير المؤمنين (عليه السلام) كلها تزيد من شعورنا بالالتزام بإعمار تلك المائدة الروحانية في هذا الشهر الفضيل على الاقل بنسبة متساوية مع موائدنا الرمضانية المادية
والطعام المعنوي هنا قراءة القران مع فهمه وتدبره والتسبيح والاستغفار والادعية والاعمال العامة لهذا الشهر العامة والمخصوصة اضافة للصدقة وتحسين الخلق واعمال الخير الاخرى .
مثلا لو كانت مائدتنا الرمضانية المادية مكونة من ٤ اصناف علينا ان نجعل من مائدتنا الرمضانية المعنوية ٤ اصناف ايضا ان لم نزد عليها لزيادة الاجر وتحصيل مكاسب معنوية، لنوازن بين حاجات الروح والجسد في شهر الرحمة والمغفرة ولتكون موائدنا الرمضانية متساوية المادية منها والمعنوية.
اما في المحطات العبادية المهمة في هذا الشهر الكريم كليالي القدر فيفضل ان تكون المائدة الرمضانية المعنوية والروحانية عامرة جدا بجميع اصناف العبادات من قران ودعاء وتسبيح وصلاة وعبادات مخصوصة وصدقة وحسن خلق وغيرها لأنها الزاد الذي سيطعم روحك وجسدك عاما كاملا بمزيد من التوفيقات والارزاق المادية منها والمعنوية حتى قابل، فاي مائدة رمضانية عامرة تلك اولى بنا أن نحرص عليها كثيرًا.
فاعمر مائدتك الرمضانية المعنوية واحسن اعمارها وتناول منها انت وعائلتك واطعم منها غيرك من المقربين والأباعد فإنها سر الاسرار، ومحالّ فتح الشفرات الالهية للمنح والنفحات الربانية في هذا الشهر الكريم.
اعمر مائدتك الرمضانية الحقيقية وضعها تحت المجهر هل تناسب مع ما انعم الله عليك به؟ هل تناسب ثمن الرحمة والمغفرة والعتق من النار؟
ضع مائدتك الرمضانية المعنوية تحت المجهر وقدمها لله تعالى في شهره الكريم كما احسن الله لك فيه وأنت في ضيافته الإلهية.
___________________
(١) سورة الاعراف/31.
اخترنا لكم
عمائم شرف ١١ الشهيد السعيد الشيخ جعفر المظفر
بقلم: غدير خم حميد العارضي سلام عليك أبا الفرقدين***عراق علي عراق الحسين احيي ثراك ففيه قضى***مئات.. ألوف من المؤمنين بها الشهداء كم رفرفوا***ولكن بنصر لحق مبين هي الفتوى اطاحت عروش اللئام***وعاد العدى بها خاسرين وذا الحشد سار فنعم المسير***ونعم النصير لشعب حزين ومن حوزة العلم جاءت ألوف***لتلحق في مركب الصالحين عمائم شرف بها قد هوى***شياطين أُنس أتوا ظالمين ومن عمائم الشرف والغيرة والحمية التي دافعت عنّا وعن أرض الوطن والتي ما نزال مدينين لها بالكثير الشهيد السعيد الشيخ جعفر عبد الكاظم المظفر، ولد الشيخ الشهيد في محافظة البصرة عام ١٩٧٠م، من أسرة محبة للعلم والعلماء، مما دفعه لدخول ساحة الخير ساحة الحوزة العلمية الشريفة عام ١٩٩٨م، فدرس فيها المقدمات والسطوح وتمكن من بلوغ مرحلة البحث الخارج. كان الشهيد السعيد على الدوام محبًا للخير، مخلصًا في العمل، مهتمًا بحوائج الآخرين ساعيًا في قضائها، مثالًا لقول الإمام الصادق (عليه السلام): "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم.. "، كما كان من الزاهدين في الدنيا سخيًا معطاء في كل الأحوال. كما كان أيضًا مواظبًا على صلاة الليل، متخذًا منها وسيلة لمناجاة ربه ومحبوبه، كما أنه نادرًا ما يُرى غير صائم، وكان كثير التلاوة للقرآن لا يفارقه أبدًا كأنيس له، أيضًا كان يزور الأربعين باستمرار لكنه كان يطيل في الطريق ويقضي العديد من الأيام وذلك لأنه كان يتوقف مرارًا من أجل خدمة الزائرين ومعونةً لأصحاب المواكب في عملهم. شارك الشهيد في الجهاد مباشرة بعد عودته من العمرة التي كان يؤديها، إذ صادف صدور الفتوى اثناء زيارته لبيت الله (عز وجل) فالتحق بصفوف المجاهدين الغيارى، وقاتل قتال الأبطال، وشارك في العديد من المعارك منها: معركة بيجي وقد أصيب فيها، وأيضًا معارك الصقلاوية والفلوجة والبشير، وكانت الموصل الحدباء آخر محطات الإخلاص والجهاد والارتقاء للشهيد. فقد نال شرف الشهادة مع رفيق دربه الدائم الشهيد السعيد السيد عبد الرضا الفياض، وذلك بتاريخ ٣١-١٠-٢٠١٦م، في منطقة الجياع غرب الموصل نتيجة رصاصات غادرة من العدو الظالم الغاشم، أودت بحياتهما لتفتح لهما أبواب السماء محتفية بهما كشهيدين بطلين وعالمين جليلين، وتشييع أهلِ الأرض لم يكن أقل هيبة من استقبال أهل السماء، إذ شيّع الشهيد السعيد تشييعًا مهيبًا في سامراء والكاظمية والنجف والبصرة. فالسلام عليك يا جعفر بما كرست من حياتك لحمل علوم جعفرٍ الصادق (عليه السلام)، وبما جاهدت في سبيل حفظ المقدسات والوطن، وبما نلت من الشهادة محتسبًا إذ اتاك اليقين، ورحمة الله تعالى وبركاته.
اخرىاستحباب صيام عاشوراء المفترى (نظرة منصفة)
إلى الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إلى كل من يدّعي أن صيام عاشوراء سُـنـّة مؤكدة ويتبادل التهاني والحث على الصيام في يوم العاشر من المحرم ...... (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) يكثر في هذه الأيام بالذات وفي المساجد وخطب الجمعة عند العامة الحديث عن صيام هذا اليوم وبشكل عجيب جداً، ويحرص البعض على أن يؤكد عليه. لكن ما هو سبب صيام هذا اليوم ولِمَ نصومه؟! يقول الحديث : صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب صوم يوم عاشوراء .... (وحدثني ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه. فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأمر بصيامه). وفي موضع آخر : صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب أي يوم يصام في عاشوراء ... (وحدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب حدثني إسماعيل بن أمية أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري يقول سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : (يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم) ... وغيرها من الأحاديث لنفس السبب والمضمون .... الى كل قارئ منصف للحديثين والقصة المذكورة عن سبب الصيام، ليتأمل الحديث جيداً ولينظر الآن إلى هذه الملاحظات لنخرج بنتيجة ونترك لك الحكم بصحة هذه الأخبار .... الملاحظة الأولى : انظر إلى الحديث الأول وتأمل به جيداً، لقد غاب عن منتج هذا الحديث أن اليهود لا تعتمد في تقويمها على الهلال، وأن الاعتماد على الهلال مما أختص به المسلمون . والسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف كان يوم عاشوراء ( 10 محرم ) ثابتا عند اليهود على مر السنين ؟! توضيح أكثر: لو أراد أحد المسلمين أن يحتفل بميلاد المسيح عليه السلام بدعوى أننا ( أي المسلمين ) أولى بالسيد المسيح عليه السلام من المسيحيين أنفسهم ، فهل يستطيع تحديد يوم في تاريخنا الهجري بحيث يوافق دائما يوم ميلاد المسيح عند المسيحيين ؟! الجواب واضح ، فذلك أمر غير ممكن، لأن ميلاده ثابت بالنسبة لهم لأنهم يعتمدون التقويم الميلادي، ولكن بالنسبة لنا فنحن نعتمد التقويم الهجري المعتمد على الهلال، فالسنة الميلادية تزيد عن الهجرية بِـ 10 أو 11 يوم . والآن إذا أردنا أن نصوم أو نحتفل باليوم الذي نجى الله فيه موسى ينبغي أن يكون هذا اليوم متغيرا في كل عام بالنسبة للتقويم الهجري ( المعتمد على الهلال ) فما الذي ثبته في يوم ( 10 محرم )، إذ اليهوود لا يعتمدون التاريخ الهجري. ثم من المفترض أن يكون يوم عاشوراء أعظم عيد عند اليهود حيث فيه أعظم حدث عندهم وهو نجاة نبي الله موسى بانشقاق البحر له وهلاك عدوه فرعون، وهذه تشكل معجزة عظيمة ومنعطف مهم جدا في تاريخهم لا يمكن أن يهمله اليهود . ولكن السؤال المحير هو : لماذا انقرض هذا العيد عندهم ولم يبق منه عين ولا أثر ، ففي كل عيد أو مناسبة عندهم تسمع في الأخبار أن الجيش الصهيوني يشدد إجراءاته الأمنية تخوفا من وقوع عمليات استشهادية، ولكن يوم عاشوراء يمر دون إجراءات أمنية وكأنه يوم عادي ! الملاحظة الثانية: الحديث يقول: قدم النبي إلى المدينة، وبعدها برواية أخرى يقول ابن عباس قالوا للنبي إنه يوم تعظمه ... فقال النبي (صلى الله عليه وآله):فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ؟! والسؤال هنا: نحن نعلم أنه عندما قدم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة بقى بها 13 سنة بعد هجرته، فكيف مات بالسنة الأولى ؟! وإذا قال أحد إنها كانت هي السنة التي مات بها المصطفى فهذا أغرب وأعجب؟ كيف لم يلاحظ الرسول (صلى الله عليه وآله) طوال 13 عاماً صيام اليهود لهذا اليوم؟! ثم كلنا يعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بإخراج اليهود من المدينة ، فمتى كان ذلك إذن! الملاحظة الثالثة : هل كان رسول الله يأخذ أحكام دينه من اليهود ام ينتظر الحكم من الله والتأكد من صحة فعلهم من خطئه! فهو صلى الله عليه واله كان متبوعاً وليس تابعاً ..... الملاحظة الرابعة : اخاطب من يصوم يوم التاسع والعاشر من المحرم استحبابا ..... ماذا لو تبين أن صيام يوم التاسع والعاشر مكروه ومن سنن أعداء اهل البيت عليهم السلام؟! ماذا ستفعل حينها وماذا استفدت من صيام هذا اليوم المشكوك في استحباب صيامه وتركت باقي ايام السنة من المستحبات المؤكدة ؟! أليس الاحتياط سبيل النجاة ؟ اذن تعالوا أخوتي لنفهم هل ان يوم عاشوراء يوم حزن ومصيبة ونحيب ام يوم فرح وسرور؟ فقد رَوَى الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) عن ابْن مَسْرُورٍ ، عَنِ ابْنِ عَامِرٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ ، قَالَ : قَالَ الرِّضَا ( عليه السَّلام ) : " إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ ! فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا ، وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا ، وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا ، وَ أُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا ، وَ انْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا ، وَ لَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا . إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا ، وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا ، وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ . فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ " . ثُمَّ قَالَ ( عليه السَّلام ) : كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً ، وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ ، وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ ..... " السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام . علي جابر
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى