تشغيل الوضع الليلي

ذرة رمل موالية

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 1932

بقلم: زينب سامي
أنا دفتر ذو غلاف أسود، مكتوب عليه بخط جميل وبحبر أبيض (يا علي مدد)، مالكيِ هو شاب في العشرين من عمره، اسمه (حذيفة)، وهو يعتز بي كثيرًا، ويأخذني معه في كل زياراته، ويحتفظ بي منذ زمن طويل، ولا يكتب بي إلا المشاعر الصادقة، وأيضًا لطالما كانت دموعه الصادقة تنزل على أوراقي، وأحمل بصمات دموعه في داخليِ، وهو يخبرني دائمًا أن أشهد يوم القيامة له على صدقه وبكائه، وآخر رحلة أخذني بها مالكي (حذيفة) كانت لزيارة مولانا الأب الروحي الإمام علي (عليه السلام)، حيث كان هناك حذيفة يبكي كثيرًا، ويطلب من مولاه علي الإذن، وأن يوفقه للذهاب إلى الحج، وشوقه للوصول إلى مكة وقبر الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأيضًا شوقه لكي يصل إلى تلك الأنوار الأربعة في البقيع، فاستجاب له الأب ومنحه جواز العبور، ويسجّل اسمه من ضمن العاشقين في هذهِ الرحلة بشكل أشبه بالمعجزة، وماهي إلّا سويعات وبضعة أيام وتنطلق حافلة المحبّين، وكان حذيفة يحلم طوال الطريق كيف يصل إلى تلك الديار؟ وهل سوف يحظى بكل ما كان يحلم بهِ؟
ومضت المسافات والطرق، وقد وصل الحجاج إلى مقرهم، وبدأ المرشد يحدثهم عن مناسك الحج، وكيفية أدائها، وكان يفكر حذيفة متى سوف نزور أئمة البقيع؟ وهل تأخذوننا إلى هناك؟
بينما كان حذيفة يساعد الحجاج بحمل أمتعتهم، كان هناك رجل كبير في السن عطوف وحنون، لمح الحزن في عينيه، حذيفة يا ولدي أراك حزينًا، هل لفقد الأهل والأحباب؟
لا والله يا عم، إن حزني ليس لهذا، ولكنني أرى في قلبي شعلة من الشوق لزيارة أئمة البقيع، وخصوصًا ونحن على أعتاب ذكرى استشهاد مولانا الباقر (عليه السلام) ولا أعرف دربًا للوصول هناك!
حذيفة يا ولدي، إن وجودك الآن في الحج وأنت بهذا العمر لم يكن بالمصادفة، تفكَّرْ كيف وفقت للحضور هنا؟
بينما كان حذيفة يتذكر، داعب الرياح أوراقي، ليقرأ حذيفة ما خطته أنامله في آخر زيارة له لأبينا علي (عليه السلام) وهو يطلب منه الأذن للوصول.
-نعم وجدتها!
فأجاب العم: ماذا وجدت يا ولدي يا حذيفة؟
-عم، هل يمكنك أخذي إلى أقرب مكان نرى به البقيع، سوف أخبرك هناك بمجرد الوصول.
وجد العم طريقة استطاع بها الوصول هو وحذيفة إلى ذلك المكان، قام حذيفة بأخذ ورقة مني وكتب بخط يديه: السلام عليك يا باقر العلم، والله أن فقدك يؤلمنا وبعدك يحزننا ساعد الله قلب إمام زماننا وعظم الله له الأجر بفقدك، وبكى حتى ابتلت الورقة بدموعه ثم قام بطي الورقة، وأغمض عينيه، وردّد: يا رب استشفع لديك وأدعوك بحق علي (عليه السلام) أن تصل هذهِ الورقة، إلى محل قبر مولاي، وتحمل إليه كلماتي ودموعي، فهبت ريح بنسيم رائع وأخذت الورقة تطير من يدي حذيفة، وشعرت وقتها بأن كلمات علي قد التفت حولي، والرياح كانت تسير بشكل عجيب حتى وصلت بي وسقطت وقامت باحتضاني حبات رمل كانت بالقرب من ضريح مولاي الإمام الباقر (عليه السلام)، وحينما سقطت سألت تلك الذرات: منذ متى وأنت هنا؟
فأجابت إحداهن -ويبدو أنها اشدهم عشقًا، وإخلاصًا لمولاها-: أنا هنا منذ سنة أربعة وعشرين ومائة، في تلك السنة التي قد فارق بها مولاي الحياة، لقد سمته أيدٍ أموية، وقد سمعت مولاي في اليوم الذي استشهد بهِ ينادي ويأمر بأن يُكفّن في رداء له كان يصلي فيه ليكون له شاهدًا، وبعدها بدأ السم يسري في بدن مولاي ويسري إليه الموت سريعًا، وكان مولاي لا يغفل عن ذكر الله أبدًا، وكان وجهه يزداد نورًا، ودنا الموت حتى ارتفع ذلك النور، وبقيت الغرفة موحشة منذ أن فارق مولاي الحياة، فرفعت كفي متوسلًا بالإله بحق الأنوار الأطهار أن يجعلني حبة رمل أسبحه وأحمده، فذهبت معهم، وحينما حملوا الجنازة كان مولاي الصادق (عليه السلام) قد كفن وغسل مولاي الباقر (عليهما السلام)، وحمله إلى مثواه الأخير هنا في البقيع بقرب مولاي الإمام زين العابدين والامام الحسن (عليهما السلام).
وما أن أتمت كلامها حتى فارقت روحها الحياة، لقد كانت حبة رملة مخلصة وشديد العشق لمولاها، وصعب عليها أن تحكي قصته وتبقى في هذهِ الدنيا…
رحلت وتركتني وحيدة...
كم تمنيت أن أقصّ على حذيفة ما جرى، ولكنني سمعت أن حذيفة قد فارق الحياة من شدة شوقه وحبه لمولاه، وبقيت هنا أنا في هذهِ الدنيا وحيدة…
انتظر أن يظهر القائم من آل محمد، فيعود الشيعة لزيارة مولاهم ويحملوني معهم.

اخترنا لكم

شبهاتٌ حول التشيع في النبوة (5) لا حاجة لنا بما جاء به النبي لأنّه أما أن يأتي بما يوافق عقولنا، أو يأتي بما يخالفها

بقلم: علوية الحسيني تمهيــد: إنّ الله تعالى خلقنا لأجل الوصول إلى غاية وهي الكمال، وإنّ مِن الكمال هو كشف المجهولات، وقد اختلفت النظريات في ذلك، فمنها من قالت بعدم إمكان معرفة شيء ما (وهي النظرية اللا أدرية)، واخرى قالت بأنّ المعرفة تتحقق إذا كانت لها فائدة مجدية في سلوكنا الحياتي (وهي النظرية البراغمية)، وأخرى قالت بأن المعرفة تتحقق عن طريق الحواس الخمس فقط (وهي النظرية الحسية)، واخرى قالت بتحققها عن طريق التجربة فقط (وهي النظرية التجريبية)، واخرى قالت بتحصيلها عن طريق العقل فقط (وهي النظرية العقلية)، وأخرى قالت بتحققها عن طريق الحس والعقل والوحي (وهي النظرية الإسلامية) وحيث أنّ النظريتين الأوليين خارجتان عن الجواب عن الشبهة محل الكلام، فلا نناقشهما، ونسلط الضوء على النظريات الأربعة الأخيرة ضمن المطالب التالية: ■المطلب الأول: تحصيل المعرفة عن طريق الـحواس فقط *الفرع الأول: بيان النظرية الحسية الحس: "وهو المتمثّل بالحواسّ الخمس المعروفة (الباصرة، السامعة، الذائقة، الشامّة، اللامسة)، والحسّ الباطنيّ المتمثّل بـ (الحسّ المشترك، الخيال، المتصرّفة، الواهمة أو المتذكّرة) كما هو مذكورٌ في علم النفس الفلسفي"(1). ومقتضى هذه النظرية: "أنّ الحواس هي الطريق الوحيد الذي تصل لنا المعارف عن العالم الخارجي، ولهذا قالوا: من فقد حسًا فقد علماً -معرفةً-. وما التصورات التي نملكها إلاّ هي نتيجة عمليتين: الأُولى هي احساس الحواس. والثانية تحويل الإحساسات إلى صور ذهنية. فيقوم الذهن بالتركيب بين الإحساسات والصور الذهنية فتنتج المعرفة"(2) فالمعرفة= احساس وصور ذهنية. *الفرع الثاني: نــقد النظرية الحسية لا ينكر أحدٌ منا دور الحواس في سلوكنا الحياتي عمومًا، وفي تحصيلنا للمعرفة خصوصًا، إذ بحاسة البصر نحصل على صورة الشيء وإرسالها بإيعاز إلى الذهن، وبحاسة السمع يحصل على معرفة تحصيل العلم السمعي، وبحاسة الشم يحصل على معرفة الروائح المفيدة من المضرة، وبحاسة الذوق يحصل على معرفة الأطعمة الحلوة المذاق من المرّة منها، وبحاسة اللمس يحصل على معرفة حرارة الأشياء وبرودتها، ومدى نعومتها وخشونتها، ودقة سمكها ورقتها. لكن فاقد الحواس فانّ باب تحصيل المعرفة ليس مغلقًا عنده، فـلو كان طريق المعرفة منحصراً بالحواس لــكان فاقدها جاهلاً، والتالي باطل، فالمقدم مثله في البطلان، وسيأتي بيان وجه البطلان في النظرية الإسلامية. وهذا يعني وجود طريق آخر للمعرفة غير الحواس الخمس. ■المطلب الثاني: تحصيل المعرفة عن طريق التجربة فقط *الفرع الأول: بيان النظرية التجريبية التجربة: "هي القضية التي يحكم بها العقل بواسطة تكرر المشاهدة منّا في احساسنا، فيحصل بتكرر المشاهدة ما يوجب أن يرسخ في النفس حكم لاشك فيه"(4). ومقتضى هذه النظرية: "أنّ التجربة هي الطريق الوحيد لتحصيل المعرفة، وسيتدلون بالطفل الذي يمد يده إلى النار فيجدها حارة فيحكم عليها بأنها محرقة ويكف عن الدنو منها ثانيةً، فبتجربته هذه استحصل معرفة كون النار حارة محرقة"(5). *الفرع الثاني: نـقد النظرية التجريبية أيضاً لا ننكر ما للتجارب من أهمية في الجانب العلمي، إذ كم من تجربة فتحت لنا آفاقًا واسعةً في بعض العلوم. لكن هناك الكثير من التجارب لم يكتب لها النجاح فأتت لنا بالجهل بكليات أو جزئيات الشيء محل التجربة، وما فشلها إلاّ دليل على عدم حصر المعرفة بها. فـلو كانت التجربة الطريق الوحيد للمعرفة لانغلق باب المعرفة وراء كل تجربة فاشلة ولبقي الشيء محل التجربة مجهولاً. والتالي باطل، فالمقدم مثله في البطلان، وسيأتي بيان وجه البطلان في النظرية الإسلامية. ثم أنّ (جوستاس) بنفسه يقول في كتابه مدخل إلى الفلسفة: "إنّ العلم التجريبي يعتبر جميع استنتاجاته وقتية، مهما كان التثبت منها حسنًا" (6) فوقتية نفع التجربة ينافي عموميتها، وهذا يعني وجود طريق آخر للمعرفة غير التجربة. ■المطلب الثالث: تحصيل المعرفة عن طريق الـعقل فقط *الفرع الأول: بيان النظرية العقلية العقل: "هو قوة بها يوجد التمييز بين الأمور القبيحة والحسنة"(7). ومقتضى هذه النظرية: " أنّ العقل هو الطريق الوحيد لتحصيل المعرفة البديهية والنظرية، فالمعرفة البديهية مثل (اجتماع النقيض محال، الواحد نصف الاثنين، الكل أكبر من الجزء،...إلخ) والمعرفة النظرية مثل ( تمدد الجسم بالحرارة وتقلصه بالبرودة، حجية ظواهر الكلام، ...إلخ)، فالعقل هو مصدر المعارف هذه. " لكن هذه النظرية لا تقول باستقلالية العقل في تحصيل المعرفة، بل للحواس والتجربة دخالة في ذلك، إذ لولا الحواس لم يدرك العقل شيئًا، ولو كثرة التجارب لم يخرج العقل بقواعد كلية"(8). *الفرع الثاني: نقد النظرية العقلية لا ينكر عاقل أنّ العقل محدود لا يستطيع إدراك جميع الأمور مهما كان صاحبه شديد الذكاء، بـل نجده معتمداً على الحواس لتعينه في عملية الإدراك، وأشار إلى ذلك الله تعالى بقوله: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}(9). وهذا ما يكشف عن عدم صحة من أخذ بالنظرة الأُحادية لاكتشاف المجهولات وحصرها بالعقل. "ومع تلك الأهمية التي يوليها القرآن للعقل، ومع تلك الخصائص التي يتميز بها؛ فإنّ ذلك لا يعني إطلاقية الأحكام الناتجة عنه... ولأن العقل محصور بين الزمان والمكان؛ فإنّ السؤال الذي يطرح دائمًا متى؟ وأين؟. في حين أنّ الحقائق الكبرى لازمان لها ولا مكان. بيد أنّ العقل يعجز عن تصور ذلك، فتراه يعجز عن التسليم بواحد من احتمالين: هل الكون متناهي الحدود أو غير متناهي الحدود؟ ... وهذا التردد بين الاحتمالين وعدم استطاعة العقل الاقتناع بواحد منهما دليل على حـــدوده"(10). ■المطلب الرابع: تحصيل المعرفة عن طريق الحواس والعقل والوحي معًا *الفرع الأول: بيان النظرية الإسلامية الشمولية إنّ الإسلام وافق ما يقول به الفلاسفة في نظرياتهم السابقة في تحصيل المعرفة، لكن لا على نحو الموجبة الكلية؛ حيث لم يحصر طريق اكتشاف المجهولات بأحد الطريقين (العقل، التجربة)، ولم يقل بالأخذ بهما فقط جمعًا، وإنما أخذ بالنظرة الشمولية العامة للطريقين، وأضاف لهما طريقاً آخرًا يسمى (بالوحي) الذي اكتشف مجهولات عجز الحس والتجربة والعقل عن اكتشافها وادراكها، ولكلٍ دليل نقلي يؤكد ذلك. الوحي: "نوع تكليم إلهي تتوقف عليه النبوة قال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده}"(11). فبالوحي تكتشف المجهولات، وتكتمل المعرفة، والوحي من مختصات الأنبياء، فتتجلى الضرورة لوجود النبي والأخذ بتعاليمه المستقاة من الوحي. إذاً ممكن بيان ضرورة الأخذ بتعاليم النبي -علميًا- بالنقاط التالية: 1/المعرفة عن طريق الوحي أوسع من معارفنا؛ لأن منهلها من الله العليم، فيقول تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء}(12). 2/إنّ المعرفة المتحصلة عن طريق الوحي تفوق نوريتها المعرفة التي تحصلها حواسنا وتجاربنا وعقولنا، فيقول تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد}(13). 3/المعرفة المتحصلة عن طريق الوحي تكون فيصلاً للاختلاف في نتائج المعرفة تجريبيًا وعقليًا، فيقول تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْــتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون}(14). *الفرع الثاني: مؤيدات النظرية الإسلامية الشمولية أولاً: الإسلام يؤمن بتحقيق المعرفة حسيًا 1/قرآنيًا: قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}(15). فجعل الله تعالى حاستا السمع والبصر طريقًا لتحصيل العلم، وأشار إلى وجوب شكره على ذلك، حيث عدّها نعمة عظيمة. 2/روائيًا: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "...والحواس أئمّة الأعضاء"(16)، فالحواس منبع إرسال الإشارات للأعضاء بالتوجه نحو أمر معين، فالرواية جعلت الحواس أئـمة؛ لما لها من السيادة والتأثير على الأعضاء. •ثانياً: الإسلام يؤمن بتحقيق المعرفة تجريبيًا 1/قرآنيًا: قال تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا* آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا* فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبا}(17) فها هو ذي القرنين ذكر الله تعالى قصته في القرآن الكريم عـبرةً لنا بنجاح تجربته العلمية في بناءِ سدٍ ضخم يمنعهم عن قوم يأجوج ومأجوج. 2/روائيًا: عن محمد بن إسحاق قال: إن عبد الله الديصاني سأل هشام بن الحكم فقال له: ألك رب؟ فقال: بلى، قال أقادر هو؟ قال: نعم قادر قاهر قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ قال هشام: النظرة. فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال له: يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: عماذا سألك؟ فقال: قال لي: كيت وكيت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هشام كم حواسك؟ قال خمس قال: أيها أصغر؟ قال الناظر قال: وكم قدر الناظر قال: مثل العدسة أو أقل منها فقال له: يا هشام! فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا و براري وجبالا وأنهارا فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة، فأكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال: حسبي يا ابن رسول الله وانصرف إلى منزله"(18)، فالإمام الصادق (عليه السلام) هنا حثّ على طريقة التجربة حيث جرّب الديصاني نظريًا باستعماله لكرةٍ صغيرة –بؤبؤ العين- كيف أنّها حوت دائرةً كبيرة –الكون-، فكانت تجربته حجّة عليه فولّى مدبرًا. ثالثاً: الإسلام يؤمن بتحقيق المعرفة عقليًا 1/قرآنيًا: يقول تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ.) [الأنبياء 22] حيث دلت الآية على أن افتراض واجب وجود ثانٍ يؤدي إلى فساد الكون، وهو دليل فلسفي على ضرورة التوحيد في الذات الواجبة، ذُكرت تفاصيله في محلها. ٢-روائيًا: الروايات الشريفة جاءت مصرحة أيضاً بأهمية العقل ومنزلة شرفيته، فجعلته مِلاك الثواب والعقاب، حيث روي عن ابي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: " لَمَّا خَلَقَ الله الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ وَعِزَّتِي وَجَلالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَلا أَكْمَلْتُكَ إِلا فِيمَنْ أُحِبُّ أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ وَإِيَّاكَ أَنْهَى وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ وَإِيَّاكَ أُثِيب"(21). رابعًا: الإسلام يؤمن بتحقيق المعرفة وحيانيًا 1/قرآنيًا: قال تعالى آمرًا نبيّه الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) أن يقول: {قُلْ أُوحــِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبا}(22) والآيات في هذا المجال كثيرة. 2/روائيًا: وهذا ما لا يحتاج إلى كثير بيان، فإن كثيرًا التعبديات التي وصلتنا لا نعرف الملاك فيها، ولا العلة في تشريعها، وإنما نأخذها من باب أنها وحي على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولا يسعنا إلا الأخذ بها. ■الــخلاصة: جاء الإسلام مشرقًا بنظريته التي حلّت العديد من المشكلات العلمية بإيمانه بالحواس والتجارب والعقل والوحي جميعًا. إذ كم من قضايا مجهولة عجزت الحواس عن إدراكها، والعقول عن الإحاطة بها، والتجارب عن الوصول إلى جوهرها، إلاّ أنّ الوحي أخبرنا بجزء ماهيتها؛ باعتبار أنّ الوحي والمنزَل عليه لا يعلم الغيب كلّه، مثل البرزخ، الذي حار الجميع في معرفة ماذا يحصل للإنسان ما بعد الموت. وغيره من الامثلة التي لا تخفى على كل اولي الألباب أثناء مقارنتهم بين النظريات العوراء الشوهاء، والنظرية الشاملة الإسلامية. ________________________ (1) ظ: النفس من كتاب الشفاء لابن سينا، ص227. (2) عقيدتنا في الخالق والنبوة والآخرة: للشيخ عبد الله نعمة، 86. (3) ظ: نظرية المعرفة في القرآن الكريم وتضميناتها التربوية: د. أحمد حسين الدغشي، ص231. (4) المنطق: للشيخ المظفر، ج2، ص284. (5) عقيدتنا في الخالق والنبوة والآخرة: للشيخ عبد الله نعمة، ص93-94. (6) ظ: الإسلام بنظرة عصرية. (7) تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات: لابن سينا، ص150. (8) عقيدتنا في الخالق والنبوة والآخرة، ص93. ﴿9) النحل: 78. (10) ضوابط المعرفة: للميداني، ص130. (11) تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي، ج2، ص147. (12) البقرة: 255. (13) ابراهيم:1. (14) النحل: 64. (15) النحل 78. (16) مستدرك الوسائل: للميرزا النوري، ج 11، ص 206 ،ح12751. (17) الكهف: 95-97. (18) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، ب23، ح4. (19) الاسراء: ٧٠. (20) الميزان، سورة الاسراء (21) الكافي: للشيخ الكليني، ج،1 باب العقل والجهل، ح1. (22) الجن: 1. (23) وسائل الشيعة: للحر العاملي، ج25، ب15، ح1. والحمد لله حمدًا سطع فارتـفع، وأيـنع ولمع، وصل اللّهمّ على محمدٍ وآله خير من أطاع.

اخرى
منذ 5 سنوات
2197

الإمام موسى بن جعفر وجسر الرصافة بلسان الطبيب النصراني....

بقلم: رحاب سالم البهادلي كنت أمشي وصديقي في بغداد، فوصلنا جسر الرصافة وأخذت أنظر اليه مطولاً، فسألني: ما بك أيها الطبيب، لماذا وقفت هنا، دعنا نكمل طريقنا؟! فقلت: آه آه، أتعرف إمام الشيعة موسى بن جعفر؟ فأجاب نعم، لكن سمعت أنهُ قد مات. -(الطبيب) نعم قد قُتلَ مسموماً، دعني أخبرك ما حدث... في مثل هذا اليوم قبل سنين مضت وقفتُ على جسر الرصافة بغداد كما نقف اليوم، في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رجب، رأيت الناس تهرع والمنادي ينادي هذا أمام الرافضة. كانت هناك جنازة يحملها أربعة من جلاوزة بني العباس، بدأت الناس تتجمع وتقترب من الجنازة وهم يبكون، وُضعت الجنازة وسط الجسر، ثم نادى المنادي من البلاط العباسي: "هذا إمام الرافضة، وقد مات حتف أنفه، فليأت كل من يريد النظر اليه..." فكان الناس يتفرّسون في وجه الإمام استجابة لنداء البلاط وتأكيداً لمدّعاه بأن الإمام لم يمت مقتولاً، وكان من بين هؤلاء الناس؛ جمعٌ من فقهاء بغداد ووجهائها ليؤكدوا لهم بأن الإمام توفي بشكل طبيعي من دون تقصير من السلطات الحاكمة، وكنت أنا من بين هؤلاء... فنظروا ولم يجدوا أثراً لجراح أو خدش، وأشهدهم السندي بن شاهك، قاتل الإمام وصاحب السجن المعروف بظلمهِ للشيعة وإمامهم على أنه مات حتف أنفه، فشهدوا على ذلك. علماً أن هذا التضليل لم يُجدِ نفعًا. وبعد أن اقتربتُ أنا من جنازة الإمام الكاظم، بعد أن كثر التشكيك بين الناس، ونظرت في راحة كف الإمام فقلت للناس: إن هذا الرجل قُتل بالسمّ، فقولوا لعشيرته أن يطالبوا بدمه... قلت ما قلت بصوت خافت خوفًا من السلطات الظالمة... هنا انفجرت قنبلة مدوية بوجه هارون العباسي واتباعه، فتدارك الأمر وألقى بمسؤولية الجريمة على السندي بن شاهك، ثم أخذ يلعن الأخير ليبين للرأي العام براءته من الجريمة، فاستدعى سليمان بن أبي جعفر، وهو أحد أبرز السفاحين في حكومة هارون، وأمره بأن يكرم جنازة الإمام لامتصاص نقمة الجماهير، فأخذ الأخير بإظهار الحزن فنزل من قصره ورمى عمامته وشقّ جيبه وأمر غلمانه وشرطته بإبعاد السجانين من حول الجنازة، وأمر المنادي بأن ينادي: "من أراد أن ينظر إلى الطيب ابن الطيب، والطاهر ابن الطاهر، فليحضر جنازة موسى بن جعفر" مرت ثلاثة أيام وجنازة الإمام الكاظم (عليه السلام) على جسر بغداد، بهدف كسب تأييد الناس وعلمائهم ووجهائهم لما جرى للإمام، فقد وضع محضراً بالقرب من الجنازة يوقع فيه من يرى الجنازة على أن الإمام لم يقتل مسمومًا على يد هارون الرشيد. وهذه تمثل سابقة خطيرة في حينها لم تعهدها الأمة منذ واقعة كربلاء وما جرى على الإمام الحسين (عليه السلام) هذا الإمعان في الاضطهاد ومحاولة حجب شخصية أئمة الشيعة من حساب أفراد الأمة، لم يكن إلا عندما يتعاظم خطرهم على السلطة، ففي عهد الإمام الكاظم كان الشيعة قد أوجدوا "دولة داخل دولة" ونجحوا في اختراق البلاط العباسي، وكان العديد من أعوان هارون ينتمون على التيار الشيعي، ويؤدون أدواراً هامة ومصيرية ضمن توجيهات الإمام (عليه السلام) وكان ذلك يتم ضمن تنظيم دقيق وسرية تامة، ولعل الاسم البارز في التاريخ من هؤلاء؛ (علي بن يقطين) أحد أبرز الوزراء في بلاط هارون العباسي... فقال: أراك تعرف الكثير عن الشيعة وإمامهم! (الطبيب) نعم وكل ما عرفته عن الشيعة وما جرى عليهم من صديق مقرب شيعي فأنا صاحب رأي محايد، لكن لا أقبل الظلم، ونحن جميعاً نعرف أن الشيعة وأئمتهم تعرضوا للظلم لكنهم حاولوا دخول الدولة العباسية، وهذا ما استشعره الأخير وحاول الكشف عن خيوط هذا التنظيم وامساك أحدهم بالدليل القاطع. فلم يُفلح أبداً، لذا توسّل بالجواسيس والعيون، وأيضاً بشراء الذمم؛ تماماً كما فعل معاوية وابنه يزيد لمواجهة التيار الشيعي في عهد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) وحتى هاتين المحاولتين لم تفلحا بالمرّة في تطويق انتشار التشيع وامتداد ولاية الإمام الكاظم بين الأمة، فكانت تجبى إليه الحقوق الشرعية من أقصى خراسان ومن الأمصار الأُخرى دون أن يتمكن هارون وأعوانه من فعل شيء. يا صديقي، المشكلة الكبرى أمام هارون العباسي، كما هي مشكلة أي حاكم مستبد؛ هي الشريحة المثقفة في المجتمع، التي كانت آنذاك متمثلة بالفقهاء والعلماء والشعراء وأيضاً المتكلّمين (الفلاسفة)، فكان لهؤلاء تأثير كبير على الرأي العام، الأمر الذي استدعى هارون لاستمالتهم والإغداق عليهم، وعلى وجه التحديد الشعراء. وكما تعلم يا صديقي أنا طبيب وأعرف الكثير من الشخصيات، عدد كبير من بينهم كان في البلاط، وكيف أنّ آلاف الدنانير والدراهم كانت تنثر للمتزلفين والمداحين، وإذا كان لهؤلاء تأثير على العواطف فإن للعلماء والفقهاء تأثيراً على القلوب والعقول، كما تأثرتُ أنا بشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) وبعده الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) نعم فتأثر قلبي بمحبة هذا الإمام المظلوم، لست أنا أول نصراني أتأثر، كان قبلي ذلك القس المسيحي، ولا يُنسى وهب منا نحن المسيح، لكنه التحق بالحسين (عليه السلام). يا صديقي، إنهم ليسوا للشيعة فقط، إنما هم لكل البشرية... يا صديقي إن ذكرى استشهاد موسى تُؤلم قلبي...

اخرى
منذ 5 سنوات
4049

أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ

بقلم: گوناي البياتي كُلّما كُنتُ أتهيأُ لسردِ قصةِ شهيدٍ من الشهداءِ، وما إنْ أكتبَ سطرين حتى أتوقّف عن الكتابةِ لأيامٍ، لا أدري ما العلة؟! وآخرُ ما توصلتُ إليه أنَّ المانعَ هو ذاك الحزن الذي يغزو كياني وروحي ويغلبُ عليَّ وأنا أكتبُ تلكَ الكلماتِ التي تنطقُ عن أرواحٍ طاهرةٍ، أخطُّ تلك الكلماتِ وأنا أعيشُ مأساةَ أمِّ الشهيد، أختِ الشهيد، أخِ الشهيد، فيأخذ هذا الحزنُ أيامًا من الشرودِ يشلُّ حركتي، ازدادُ نومًا للهروب منه، تنقطعُ رغبتي في الحياة، نحنُ مُجبرون على الحزنِ عليهم؛ فهُم جزءٌ منا لا يتجزّأ. الأرضُ وما عليها يُخيَّلُ لي أنّها تشعرُ بالحياءِ من الشهيدِ الذي استردَّها من العدوِّ ليُكافأ بالدفنِ فيها. محمدٌ الابن البكر لأمِّه، والمعروفُ أنَّ الابنَ البكرَ يكونُ صديقًا لأمِّه، ومُحمدٌ كان كذلك. هو من مواليد 1999، تقولُ والدتُه: إنّ الشهيدَ منذُ صغرِه ظهرتْ عليه بوادرُ الإيمان وحُبِّ الشهادة، فقد كان يصلي ويصوم، وأغلبُ أوقاتِه يلهجُ بالشهادةِ قائلًا: الشهادةُ رزقٌ من الله (تعالى)، فلا يبلغه أيٌّ كان.. مرّتِ الأيامُ وكبُرَ محمدٌ، وعمل سائقًا ليساعدَ والدَه في المعيشة، ومرّتِ السنون والشهور، حتى احتل داعشُ مدينتنا (تلعفر)، فتحرّكتِ الهِمّةُ لدى أبناءِ مدينتي الأبطال الذين لا يرضون العيشَ بالذل، فتركَ أغلبُ شبابِ تلعفر أعمالَهم وتوّجهوا نحو ساحاتِ الوغى، أغلقوا أبواب أرزاقهم نحو ما هو أوجبُ واتجهوا نحو الحرب غير المتكافئة؛ ليُنقِذوا مدينتَهم ويسترجعوا أراضيهم، هذه المدينةُ التي لا ذنب لها سوى أنّها سائرةٌ على دربِ الحسين (عليه السلام). وعلى الرغم من أنَّ الحربَ كانت غيرَ متكافئةٍ، إلا أنّهم كانوا قد توجهوا صوبَ الساحاتِ دون خوفٍ أو ترددٍ؛ فبينما كانوا يفتقرون إلى المُعدّات كانوا أغنياء بحُبِّ الوطن والولاء له، وقبلَ أنْ يتركوا أراضيهم حاربوا واستمرتِ المواجهةُ أيامًا وسقطَ الكثيرُ من الشهداء، ولكن حين أيقنوا أنَّ الحرب غير المتكافئة إنّما هي تعريضُ النفسِ للهلاك، ولم يكونوا يملكون من المُعدّاتِ ما يُساعدُهم على الاستمرار... انسحبوا.. وكما التحقَ رفاقُه التحقَ مُحمدٌ تاركًا عمله، تقولُ والدتُه: كم أصرّينا على أنْ يتراجعَ؛ إذ ليس لدينا من يُعينُ والدَه في العمل سواه، لكنّه أصرَّ أنْ يُشاركَ.. بل وشاركَ محمدٌ بلهفةٍ ليُرجعَ مدينتَه، وليزرعَ البسمةَ في وجوهِ الأطفال النازحين، وليُدفئ أرواحَهم الباردةَ بين الخِيَم.. كما شاركَ في تحريرِ الثرثارِ وصلاحِ الدين وغيرها من المناطق، كانَ يندفعُ كاندفاعِ مياهِ البحار، لعلَّ موجه يأخذ به إلى مدينته؛ ليشمَّ رائحةَ البساتينِ، وليشربَ من مائها العذب، وليتباهى بمدينته، لكنّه لم يُصِبْ هدفه، ولم يُحقِّقْ حلمه، إذ رحل في آخرِ خطوةٍ للوصول إلى تحرير مدينته.. كان كُلّما تتحررُ منطقة يبتهجُ ظانًا أنّه اقتربَ من تحرير مدينته، وعندما وصلَ التحريرُ لمدينةِ الموصل التي لا تبعدُ عن تلعفر سوى عدة كيلومترات، كانتِ السعادةُ والعزيمةُ تتجدّدُ في روحه، ولكن كان للواقع رأيٌ آخر، فقد استُشهدَ في الموصل القديمة وهو يؤدي الواجبَ المقدس.. وهكذا رحل مُحمدٌ وتركَ حلمَه يبحثُ عنه، ومثلما رحلَ محمدٌ رحلَ الكثيرون دون أنْ يضعوا قدمًا على أرضهم، دون أنْ يُكحِّلوا نواظرهم برؤيةِ مدينتهم، رحل محمدٌ وتركَ زوجتَه العروس ولم يمضِ على زواجهما إلا أيامٌ، فتحوّلَ محمدٌ من الشهيد إلى العريس؛ فكُلّما أرادوا الحديثَ عنه قالوا العريس، هكذا رحل محمدٌ وتركَ أثرًا كبيرًا.. تقولُ أُمُّ الشهيد: في تلك اللحظة، أي لحظة رحيله لمستُ خشونةَ الدنيا، فلم يَعُدْ فيها ما يروقني، والموتُ واقفٌ بحلقي، وملكُ الموت على أطرافي، يُحيطُ بي فأراه موتًا كثيرًا لا موتةً واحدةً.. وعندما حملوه كأنّي بهم يحملونني، كأنّي ميتٌ يحملُ نفسَه، وما دونه إلا المُشيعون، ثم رحلوا وبقيتُ وحدي في الدار أنظرُ يمينًا تارةً وأخرى شمالًا وكُلُّ شيءٍ تغيّرَ وكُلّ ما في الدار مات.. رحل محمدٌ وترك أمَّه تندبُ، هكذا هو حالُ أُمّهاتِ جميعِ الشهداء، كُلُّ يومٍ يمرُّ عليهن بمثابة سنة... يا رفاقُ كُلُّ فكرةٍ دونَ الموتِ أهون، ما إنْ يموتُ قريبٌ للإنسان حينها يعلمُ أنَّ كُلَّ شيءٍ كان قابلًا للتحمُّلِ، إلا الموت فلا علاجَ له ولا رجعة فيه، ولكن للشهداءِ فوزاً على خلافِ الموت العادي، حيثُ فضّلَهم اللهُ (تعالى) بالبقاء والحياة الأبدية، فهم أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.

اخرى
منذ 3 سنوات
244

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70417

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51553

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41511

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
36122

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32934

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32270