تشغيل الوضع الليلي

القول في رؤيته بالإمتناع

منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 2061

عين التنزيه لله، لا دليل ابتداع

تعد مسألة رؤية الله (تبارك وتعالى) من المسائل التي اختُلِف فيها اختلافاً كبيراً، فبينما تعدها الأشاعرة من أعظم النعم التي يتنعم بها المؤمنون يوم القيامة بل ويتشوقون إليها كثيراً ويتهمون من لا يؤمن بها بالضلال والبدعة، نجد إن الإمامية والمعتزلة تقطعان بإمتناع رؤيته (سبحانه ) بل وتنزهانه من إضفاء إمكانية الرؤية إليه... ولكل من الفريقين أدلته التي استند عليها، والتي سنأتي على ذكرها بالإيجاز...

أولاً : أدلة القائلين بجواز رؤيته (سبحانه)
وقد استندوا في قولهم هذا إلى النقل وحسب، وأما في الجانب العقلي فقد اكتفوا بالقول بعدم استحالتها عقلاً، كما ورد عن النووي : " اعلم أن مذهب أئمة أهل السنة بأجمعهم هو أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلاً "(1)
والأدلة النقلية التي استندوا إليها هي:

1- الأدلة القرآنية : وأبرزها قوله(تعالى): " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)"(2) . وقد حملوا كلمة (ناظرة) على الرؤية البصرية ، فقالوا بأن المؤمنين يرون ربهم عياناً يوم القيامة..
وهذا خطأ فادح لسببين :
أولهما: إن لهذه الكلمة معنى آخر وهو التوقع والانتظار، وقد جاء في كلام العرب كما في قول الشاعر:

إني إليــكَ لما وعـــدتَ لناظـــرٌ
نظرَ الفقيرِ إلى الغني الموســرِ
كما جاء هذا المعنى في القرآن الكريم نفسه كما في قوله (تعالى) : " هل ينظرون إلا تأويله " (3) ،و " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة "(4)
فإن قرينة المقابلة بين الآيتين الكريمتين محل البحث واللتين تلتهما تدل بوضوح على أن المعنى المراد هو التوقع والانتظار دون الرؤية . فــ" وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ" أي (مُشْرِقة حَسِنة) تقابل " وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ" أي (مُقَطِّبَةٌ) ، وبما إن " تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ" تعني أنها تتوقع وتنتظر العذاب الذي ينزل عليها فكذلك يكون المعنى في ناظرة أن تتوقع وتنتظر النعيم من ربها...

وأما السبب الثاني: فإن هناك الكثير من الآيات الكريمة التي تدل على عدم إمكانية الرؤية بل وتقطع باستحالتها، فكيف يمكن إغماض العين عنها جميعاً والتمسك بمعنى ضعيف، هو أحد معنيين احتملتهما آية كريمة متشابهة؟!
ومن تلك الآيات قوله (تعالى) :" وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي "(5) ،وقوله (تعالى) : " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) "(6)


2- الأدلة الروائية:
رووا عن جرير بن عبد الله : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : "إنكم سترون ربكم عيانا "(7)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ أُنَاسًا فِى زَمَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليهوآله وسلم - قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - « نَعَمْ ، هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ ، ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ » . قَالُوا لاَ . قَالَ « وَهَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ » . قَالُوا لاَ . قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - « مَا تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا "(8)
فمن الملاحظ أن هذه الروايات تشير وبصراحة الى إمكانية الرؤية ،ولعل هذا السبب هو الذي دعاهم للقول برؤيته (جل شأنه) على الرغم من وضوح الآيات النافية لها!
فهذا الشيخ محمد عبده مثلاً يقول : (أما رؤية الرب تعالى فربما قيل : إن آيات النفي فيها أصرح من آيات الأثبات ، كقوله تعالى : " لن تراني " وقوله تعالى : " لا تدركه الأبصار " فيهما أصرح دلالة على النفي من دلالة قوله تعالى : " وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة " على الأثبات . فإن استعمال النظر بمعنى الانتظار كثير في القرآن وكلام العرب ، كقوله : " ما ينظرون إلا صيحة واحدة " ، " هل ينظرون إلا تأويله " ، " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة "، وثبت أنه استعمل بهذا المعنى )(9).
وعلى الرغم من قوله القاطع بامتناع الرؤية فإنه يخلص في نهاية بحثه الى نقيض ذلك! حيث يقول: " إن في الأحاديث الصحيحة من التصريح في إثبات الرؤية ما لا يمكن المراء فيه ")! (10)
ومن الملاحظ أنه قد أخطأ في استنتاجه خطأً فادحاً وابتعد عن الصواب بعداً واضحاً وإلا كيف يمكن الاعتقاد بما يخالف كلام الحق (سبحانه) في الآيات الصريحة، فقط لأجل وجود روايات ادعى جمع من البشر -يخطؤون ويصيبون - بأنها صحيحة ؟! أولم تكفِ صراحة كلام الخالق (تعالى) النافية لرؤيته لإعادة النظر في روايات المخلوقين المؤكدة لها ؟

ثم إن القرآن الكريم هو الكلام القطعي الصدور منه سبحانه ، وهو المفسر لما تشابه فيه بمحكم آياته ، وهو المرجع في الحكم بصحة كل ما يصدر عن سواه ولذا جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرجعاً في تصحيح ما يروى عنه، فقد روي عن سالم عن أبيه، قال (صلى الله عليه [وآله]): « يا عمر، لعل أحدكم متكئ على أريكته ثم يكذبني ، ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله ، فإن وافقه ، فأنا قلته ، وإن لم يوافقه فلم أقله » (11) . كما روي عنه (صلى الله عليه وآله ) في هذا المعنى أيضاً : " ستكون عني رواة يروون الحديث فاعرضوه على القرآن فإن وافق القرآن فخذوها وإلا فدعوها " أخرجه ابن عساكر (12)
وبهذا فلا يمكن الاستناد الى تلك الروايات في إثبات الرؤية الى الله (تعالى) بنص كلام الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) ...

ثانياً : القائلون بامتناع رؤيته (عز وجل):
وأبرزهم الإمامية ، وقد استندوا في قولهم هذا إلى أدلة عقلية وأخرى نقلية...
فأما عقلاً، فإن الرؤية البصرية لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود مقابل كالجسم، والله(سبحانه) لا يمكن أن يكون في جهة؛ لأنه لو كان كذلك لخلت منه سائر الجهات وهو القائل :" وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) "(13).
كما إن الرؤية لا يمكن أن تتحقق إلا بانعكاس الأشعة من المرئي إلى أجهزة العين مما يستلزم أن يكون المرئي جسماً، والله (تعالى) لا يمكن أن يكون كذلك؛ لأنه لو كان جسماً لاحتاج وافتقر إلى أجزائه وهو الغني المطلق.
وإذا تحققت الرؤية فإنها لا تخلو إما أن تقع على ذاته(جل وعلا) كلها أو بعضها، فإن قال المثبتون للرؤية أنها تقع على ذاته كلها فقد جعلوا له حداً ونهايةً ،وإن قالوا : تقع الرؤية على بعضها فقد جعلوه مركباً والتركيب من سمة الإمكان وهو (جل شأنه)واجب الوجود..

وأما الأدلة النقلية فبالإضافة الى الآيات الكريمة التي تقدم ذكرها والتي صرحت باستحالة رؤيته (تعالى) فإن الروايات الشريفة هي الأخرى قد صرحت بذلك ومنها ما روي عن الإمام الحسين(عليه السلام): "سئل أمير المؤمنين(عليه السلام) فقيل: يا أخا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: وكيف أعبد من لم أره؟ لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان فإذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق، ولابد للمخلوق من الخالق، فقد جعلته إذاً محدثاً مخلوقاً"(14)

إذن مقالة المدرسة الامامية بامتناع رؤية الله(تعالى) البصرية إنما هي صميم الإيمان الحق والتوحيد الخالص له (سبحانه) لا أنها دليلٌ على عدم إيمانهم كما زعم أبو بكر بن خزيمة: "ومن ينكر رؤية الله في الآخرة فهو شر من اليهود والنصارى والمجوس وليسوا بمؤمنين عند أهل السنة والجماعة"(15) ،وهي تنزيه لله(سبحانه) وتعظيم وإجلال لا دليل ابتداع كما قال بعضهم: بــ( أن المؤمنين يرون الله (تعالى) في الآخرة بأبصارهم رؤية حقيقية لا يُضامون في رؤيته وليست رؤية علمية كما قال المبتدعة "(16).



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح صحيح مسلم 3 : 15
(2) القيامة 22و23
(3) الأعراف 53
(4) البقرة 210
(5) الأعراف 143
(6) الأنعام 103
(7) صحيح البخاري 9 : 156
(8) المصدر السابق ج15 ص121
(9) تفسير المنار ج9 ص134
(10) المصدر السابق ص144
(11) الإبانة الكبرى لإبن بطة ج1 ص109
(12) جمع الجوامع أو الجامع الكبير للسيوطي ح 13107
(13) الحديد4
(14) بحارالأنوارج4ص54
(15) أين الله في الديانة ج1 ص113
(16) إعتقاد أهل السنة ج1 ص74




رضا الله غايتي

اخترنا لكم

مدخلية البلاء في تعجيل الظهور

(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم) الرعد (11) قانون إلهي نبحث علاقته في أسباب وشرائط الظهور وعلاماته فكما هو معلوم للمهتم بالقضية المهدوية فإن لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) شرائط وعلامات، والشرائط هي التي لها علاقة سببية في تحقق الظهور وأما العلامات فهي أمور ليس لها مدخلية سببية حقيقية بذلك ،ولكنها تعمل كعمل الدال والمنبه لتوقع اقتراب الظهور وتحقق الفرج بالوعد الإلهي. ومن شرائط الظهور التي ذكرها بعض علماء وباحثي القضية المهدوي هو أنْ تصل البشرية إلى مستوى تقبّل النظرية التي سيحملها قائد اليوم الموعود وهو الامام الحجة (عليه السلام)، أي تقبّل النظرية الإسلامية في حياة وعقيدة البشرية. وبمعنى آخر :أن تصل البشرية إلى تقبل نظرية السماء. ولكن ! إذا نظرنا إلى واقعنا المشهود حالياً وعصرنا الحاضر وحتى في ظل فرضية عصر الظهور المطروحة والمفعلة حالياً من البعض، نجـــد أن البشرية جمعاء سواء أمة الإسلام وغيرها من ديانات وحضارات على الأرض بعيدة كثيراً عن أجواء وروح الدين الاسلامي، بل هي على النقيض وفي مزيد بُعدٍ عنه يوماً بعد يوم، إلا ما رحم ربي، وأكثرهم للحق كارهون. إلا أنه أيضاً لا ننسى أن للظهور شرائط وأحد الشرائط هو وصول البشرية إلى تقبل نظرية السماء والرجوع إلى الاتصال بالله الخالق عن طريق حجته على خلقه. هذا الرجوع البشري لله تعالى وتقبل نظرية السماء في حياة وعقيدة البشرية الضالة يحتاج إلى عوامل مساعدة في طريق الهداية. انظر قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) يونس (88) ومن الآية نفهم أنه البلاء بالعذاب الأليم مقدمة لتحقق الايمان "للبعض" الذي يمكن أن يعمل معه ويؤثر به فعل الصدمة والخوف. من هنا لعله نستطيع وضع فهم جديد يتناول فلسفة بعض جهات العلامات التي تتحدث عن البلاء والابتلاء الشديدين والغربلة والحروب والقتل والقتال قبيل الظهور وفي ارهاصاته وهي كثيرة العدد والروايات. ليس لعله، فالحكمة وراءها فقط على حيثية استئصال عناصر الانحراف والفساد وتهيئة الظروف المساعدة لإنجاح ثورة الظهور والإصلاح العالمية، بل تختزن في داخلها رحمة قبل العذاب ولعلهم يهتدون. من هنا تبقى قاعدة الاصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرة فاعلة عاملة على طول خط الغيبة الكبرى وكلاً بسعته سواء على مستوى الفرد والعائلة والمجتمعات المختلفة الحيثيات والدولة والديانة الحق لأن في هذا وسيلة لتحقق أحد شرائط اليوم الموعود لظهور الإمام المهدي (عليه السلام). وعليه (انتبه) وعلى أساس قاعدة قانون ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم ) مَنْ ينتظر مَنْ؟ هل نحن ننتظر الإمام الحجة (عليه السلام) أم هو الذي ينتظرنا؟ ولقد علمت أنّ الانتظار يُحمل بالمعنى الإيجابي العملي الفاعلي من حيث الاستعداد والجهاد وتهيئة كل الظروف المناسبة للظهور. وتهيئة الظروف المناسبة للظهور تتطلّب من جملتها وأهمها معرفة شرائط الظهور المتعلقة بنا وباستحقاقاتنا اتجاه تعجيل الفرج، ومن هنا سيكون حسن التدين وفق المذهب الحق هو أولى وأحسن وسيلة لحسن الانتظار وتعجيل الفرج. فتأمل . أم محمد باقر الاعرجي

اخرى
منذ 6 سنوات
1138

خاطرة

وقل إعملوا.. (وقل اِعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون) العمل... العمل... والتقييم عند ربٍ مطلعٍ على الظاهر والباطن، التوثيق بكتابٍ (لايغادر صغيرة و لا كبيرة)... فهل ستتوقف همتك.. عند عام، وتنشط عزيمتك عند آخرٍ... لمجرد افكار وقناعات، ما أنزل الله بها من سلطان!

اخرى
منذ 4 سنوات
1010

نـفــحاتٌ مــلكوتيــة من الــخطاب الــزينبي (٣) "ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك"

لقد فرضت الظروف التي عاشتها السيّدة الحوراء (عليها السلام) مخاطبة ملّة غير ملتها، لا وأيّ ملّةٍ ! يكفي في التعريف بها ما صرّح به رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنّ الإسلام سوف يُثلم على يدها، وإلاّ فإنّ سليلة الطهر يجلّ صوتها عن أن يصل إلى مسامع الطاغية يزيد وشرذمته (عليهم لعائن الله). لكن السيّدة (عليها السلام) تبدي بيان موقفها من مخاطبته معللةً بأنّ ذلك حصل اضطراراً بسبب جور الزمان وانقلابه على الحسين وآل الحسين (عليه السلام). "ولقد شاهدت السيّدة زينب الكبرى (عليها السّلام) في مجلس يزيد مشاهد وقضايا ، وسمعت من يزيد كلمات تعتبر من أشدّ أنواع الإهانة والاستخفاف بالمقدّسات ، وأقبح أشكال الاستهزاء بالمعتقدات الدينيّة ، وأبشع مظاهر الدناءة واللؤم في تصرفاته الحاقدة . مظاهر وكلمات ينكشف منها إلحاد يزيد وزندقته ، وإنكاره لأهمّ المعتقدات الإسلاميّة. مضافاً إلى ذلك : أنّ يزيد قام بجريمة كبرى، وهي أنّه وضع رأس الإمام الحسين (عليه السّلام) أمامه، وبدأ يضرب بالعصا على شفتيه وأسنانه، وهو حينذاك يشرب الخمر ! فهل يصح ويجوز للسيّدة زينب أن تسكت وهي ابنة صاحب الشريعة الإسلاميّة ؛ الرسول الأقدس سيّدنا محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؟! كيف تسكت وهي تعلم أن بإمكانها أن تزيّف تلك الدعاوى، وتفنّد تلك الأباطيل؛ لأنّها مسلّحة بسلاح المنطق المفحم ، والدليل القاطع، وقدرة البيان وقوّة الحجّة ؟! ولعلّ التكليف الشرعي فرض عليها أن تكشف الغطاء عن الحقائق المخفيّة عن الحاضرين في ذلك المجلس الرهيب؛ لأنّ المجلس كان يحتوي على شخصيّات عسكريّة ومدنيّة وعلى شتى طبقات الناس . فقد كان يزيد قد أذن للناس إذناً عامّاً لدخول ذلك المجلس ، فمن الطبيعي أن تموج الجماهير في ذلك المكان وحول ذلك المكان، وقد خدعتهم الدعايات الاُمويّة، وجعلت على أعينهم أنواعاً من الغشاوة ، فصاروا لا يعرفون الحقّ من الباطل منذ أربعين سنة ؛ طيلة أيّام حكم معاوية بن أبي سفيان على تلك البلاد . وعلامات الفرح والسرور تبدو على الوجوه بسبب انتصار السلطة على عصابة عرّفتها أجهزة الدعاية الاُمويّة بصورة مشوّهة . وقد تعوّد أهل الشام على مشاهدة قوافل الأسرى التي كانت تجلب إلى دمشق بعد الفتوحات . أما ينبغي لحفيدة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تنتهز هذه الفرصة ، وتجازف بحياتها في سبيل الله ، وتنفض الغبار عن الحقّ والحقيقة ، وتعرّف الباطل بكلّ صراحة ووضوح ؟ بالرغم من أنّها كانت أجلّ شأناً ، وأرفع قدراً من أن تخطب في مجلس ملوّث لا يليق بها ؛ لأنّها سيّدة المخدّرات والمحجّبات ، ولكنّ الضرورة أباحت لها أن توقظ تلك الضمائر التي عاشت في سبات ، وتعيد الحياة إلى القلوب التي أماتتها الشهوات ، وغمرتها أنواع الفجور والانحراف عن الفطرة ، فباتت وهي لم تسمع كلمة موعظة من واعظ ، ولا نصيحة من ناصح(1). وإلاّ فإنّ مثلها لا يكلّم مثل ذلك العتلّ صغير القدر، عظيم التقريع، كثير التوبيخ. ورغم اشتماله على جميع الرذائل الخلقية الا انه تمادى وتغطرس في استئصال الشأفة (2). وقولها (عليها السلام) [استصغر قدرك] أي إنّ المنصب الذي تعتليه يا يزيد –منصب الخلافة- صغيرٌ مثلك قضى عمره بين القردة والخمور، والمعازف والفجور، لا يليق بكبر المنصب الذي نصّبه إيّاك مثيلك. وهذا جانب من شجاعتها (عليها السلام) وهي تصدح بكلمة حق في وجه سلطان جائر. وقولها [ استعظم تقريعك] "التقريع: غلطة أو خطأ ولومه المتكرِّر لنفسه على ذلك الخطأ"(3). أي هو اللوم الذي يقصد صاحبه به هداية الآخرين، ولهذا تستعظم السيّدة الدور الذي تقمصه الطاغية وهو دور (الهادي)، فأيّ عاقلٍ يقول بهداية الفاسق للعادل! بل أيّ تقريعٍ يصاحبه نكث ثنايا إمام معصوم كالحسين (عليه السلام)، والله إنّ فعله لشرّ فعل، كيف لا إذ إنّ تلك الثنايا كانت موضع نطق الحكمة ومعالم الدّين القويم الذي اهتدى بها يزيد وأبوه اللئيم. وقولها [استكثر توبيخك] "وبَّخ الشّخصَ : لامَه على خطأ أو تصرُّف بُغْية رَدْعه وإصلاحه. وبَّخ الشّخصَ : أنّبه وعيَّره ، عنَّفه ، بكَّته"(4) أي ما أكثر اسئلتك التوبيخية لنا أهل البيت ! فحتماً هدفه هو كسر التفاف الناس حول آل الحسين (عليهم السلام)، وتشويه سمعتهم كي لا ينشدّوا لهم. لكن نجد فراسة السيّدة زينب (عليها السلام) قد سبقت ما يروم إليه عدو الله، ولهذا لو تتبع القارئ خطبتها لوجد ختام هذه الفقرة الخطابية بـ( كد كيدك، وأسع سعيك، فو الله لن تمحو ذكرنا). وجُلّ ما نلمسه من نفحات في هذا الخطاب هو الجانب البلاغي، ويعلم أصحاب هذا العلم أنّ اسلوب التوكيد، ومناط استعمال أدوات التوكيد في الخبر من عدمها. فالمقطع الخطابي أعلاه يشتمل على أداتين توكيديتين هما (إنّ في قولها إني) و(حرف اللام في قولها لأستصغر). وحيث إنّ الجمل ما بعدها معطوفة على سابقها فحكم التوكيد يشملها. وعليه: حيث إنه إذا كان المخاطَب منكراً للخطاب فيستعمل المخاطِب في خطابه أداتان للتوكيد(5)، وهذا ما طبقته السيّدة (عليها السلام)، فالطاغية ينكر أنّه أخطأ بحق الحسين وآله (عليهم السلام). ___________________ (1) زينب الكبرى من المهد إلى اللحد، 71. (2) أي قتلت الأصل المبارك. (3) قاموس المعجم الوسيط. (4) معجم المعاني الجامع. (5) ظ: خصائص التركيب، والبلاغة الواضحة. أقائـدةَ الركـب يـا زينب تَغَنّى بكِ الشـرق والمغربُ خَطبـتِ فدوّى بسمع الزمان صوتٌ إلى الآن يُسترهَبُ أخاف الطغاة على عرشهم فظنّوا عليّـاً بـدا يخطـبُ وأسقطتِ قبل فناه يزيدا وضـاق على رأيه المَذهبُ ووَلّـت أميّـة مدحـورة و مـا ظل ذكـر لهم طيّبُ. علوية الحسيني

اخرى
منذ 6 سنوات
3105

التعليقات

seef eldeen

منذ 4 سنوات

رابط البيان من الموقع الرسمي للإمام المهدي المنظر ناصر محمد اليماني: https://www.mahdialumma.com/showthread.php?p=5079 بيان كتبه الإمام المهدي المنتظر ناصر محمد اليماني بتاريخ وعنوان: 11 - 07 - 1429 هـ 14 - 07 - 2008 مـ 11:56 مساءً ــــــــــــــــــــ ذروا الحوار بين المهديّ المنتظَر وعلم الجهاد يا معشر الأنصار.. الإمام المهديّ المنتظَر ينفي رؤية الله جهرةً بالنفي المُطلق لا في الحُلم ولا في المنام ولا في العلم في الدُنيا ولا في الآخرة.. بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمُرسلين وآله الطيبين الطاهرين وعلى التّابعين للحقّ إلى يوم الدين، وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ لله ربّ العالمين، وبعد.. ويا علم الجهاد، ليس سؤالي لك لكي تُعلّمني الفتوى في رؤية الله سُبحانه وتعالى علوَّاً كبيراً، وإنما كنت أريد الإجابة منك فتقول بأنك رأيت الله في المنام ثم ألجمك بالحقّ إلجاماً، وأنفي رؤية الله جهرةً بالنفي المُطلق لا في الحُلم ولا في المنام ولا في العلم في الدُنيا ولا في الآخرة، نظراً لأنه لا يتحمل رؤية عظمة ذات الله حتى الجبل العظيم، سُبحانه وتعالى علوَّاً كبيراً يُدرك الأبصار ولا تُدركه الأبصار! ويا علم الجهاد، إذا لم تتحمل الأوتاد رؤية ربّ العباد جهرةً فهل الأوتاد أعظم أم العباد؟ وقال موسى عليه الصلاة والسلام كما جاء الخبر في مُحكم القرآن العظيم في قول الله تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} صدق الله العظيم [الأعراف:143]. ويا علم الجهاد، إنّما يُريد الله أن يُبيِّن لموسى والأمّة لماذا لن يرى ذاتَ الله، وأراد الله أن يُبيّن له بالبرهان بالبيان الحقّ بالتطبيق للتصديق على الواقع الحقيقي ليعلم لماذا أجاب الله عليه بقوله تعالى {لَن تَرَانِي}، وذلك لأنّه لا يتحمل عظمة رؤية ذات الله أحدٌ من خلقه حتى الجبل العظيم الذي هو أكبر وأعظم وأقوى من خلق الإنسان؛ إلا إذا تحمّل الجبل رؤية عظمة ذات الله فإنه موسى سوف يرى ربه، وجعل الله رؤية موسى لربه متوقفة على تحمل رؤية الجبل لعظمة ذات الله. ولذلك قال الله تعالى: {قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} صدق الله العظيم. فانظر يا علم الجهاد ما حدث لموسى وهو لم يرَ ربّه ولكنه صُعِق مما حدث للجبل، ومن ثم أدرك موسى بأنَّ رؤية الله جهرةً لا تنبغي لأحدٍ من عباد الله أجمعين، ولا ينبغي أن يُنافس عظمة ذات الله أحدٌ من خلقه، وأدرك ذلك موسى من بعد البيان الفعلي لسبب نفي الرؤية من الله بقوله لموسى: {لَن تَرَانِي}، ولكن الله بيّن لموسى لماذا لن يرى الله جهرةً بالبيان الحقّ على الواقع الحقيقي، ومن ثم أدرك موسى سبب نفي الرؤية لله جهرة بأنها العظمة لذات الله لا يتحمل رؤية ذات الله جهرةً حتى الجبل العظيم، وعلِم موسى سبب نفي الرؤية لله جهرةً بأنّه لا ينبغي لأحدٍ من عباد الله أجمعين، ولذلك قال موسى بعد أن أفاق ورأى الجبل قد صار دكاً فأدرك مدى عظمة ذات الله وأنّه لا ينبغي حتى التفكر في كيفية ذات الله، وأدرك موسى خطأه، ولذلك قال: {قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين}. ويا علم الجهاد، ليس حجب الرؤية قصراً على الإنسان فحسب بل على جميع عباد الله في السموات والأرض. وقال الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿١٠١﴾ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَ‌بُّكُمْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿١٠٢﴾ لَّا تُدْرِ‌كُهُ الْأَبْصَارُ‌ وَهُوَ يُدْرِ‌كُ الْأَبْصَارَ‌ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ‌ ﴿١٠٣﴾} صدق الله العظيم [الأنعام]. ويا علم الجهاد، سوف ننتقل الآن إلى طُرق الوحي إلى العباد، وسوف نجد الله كذلك ينفي رؤيته جهرة سُبحانه. وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} صدق الله العظيم [الشورى:51]. ولكن هل حجاب الرؤية مُقتصرٌ في الدُنيا؟ وأقول كلا وكذلك في الآخرة تستمر هذه الصفة لعظمة ذات الله، وحين يتكلم الله عن شيء فيقول {وَمَا كَانَ} وهُنا الشيء الذي تكلم الله عنه لا تبديل لكلمات الله فيه أبداً، وما خالفه فهو باطلٌ. فأنظر إلى قول الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ‌ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّـهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِن كُونُوا رَ‌بَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُ‌سُونَ ﴿٧٩﴾ وَلَا يَأْمُرَ‌كُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْ‌بَابًا أَيَأْمُرُ‌كُم بِالْكُفْرِ‌ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿٨٠﴾} صدق الله العظيم [آل عمران]. فهل ينبغي من بعد النّفي أن يأتي عبدٌ من عباد الله يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة أن يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله؟ إذاً يا علم الجهاد لا تبديل لكلمات الله في أم الكتاب. وكذلك انظر لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} صدق الله العظيم [مريم:64]، أي لا ينبغي له أن ينسى فلا تبديل. وكذلك انظر لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} صدق الله العظيم [المؤمنون:91]، أي لا ينبغي أن يكون معه إله. وكذلك انظر لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} صدق الله العظيم [البقرة:143]، أي لا ينبغي أن يضيع إيمان عباده سُبحانه. ولم أخرج عن الموضوع شيئاً بل أتيتُك بآياتٍ تتكلم عن ذات الله بكلمة النّفي المُطلق {وَمَا كَانَ}، فهل ترى بأنه مُمكن أن يكون الله نسياً في الدُّنيا أو في الآخرة -سُبحانه- فيبدل صفته في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} صدق الله العظيم؟ وكذلك هل يمكن أن يكون مع الله إله في الدُّنيا أو في الآخرة فيبدِّل كلمة التوحيد الُحكم في قوله تعالى {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} صدق الله العظيم؟ وكذلك يا علم الجهاد صفة العظمة لذاته سُبحانه لا تبديل لهذه الصفة لا في الدُنيا ولا في الآخرة تصديقاً للنفي المُطلق {وَمَا كَانَ} تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} صدق الله العظيم [الشورى:51]. ويا علم الجهاد، أفلا ترى بأنّ الله بيَّن كذلك السّبب لعدم التكليم جهرة وقال: {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} صدق الله العظيم، أي عَلِيٌّ في عظمته وذاته فلا يُساويه في العظمة شيء حتى يتحمّل رؤيته سُبحانه وتعالى علوَّاً كبيراً. وننتقل الآن لننظر الوضع في الآخرة في علم الغيب في القرآن العظيم لننظر هل بينه وبين خلقه حجاب يوم يُكلم الله الناس تكليماً ؟ وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا ﴿٢٥﴾ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّ‌حْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِ‌ينَ عَسِيرً‌ا ﴿٢٦﴾ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّ‌سُولِ سَبِيلًا ﴿٢٧﴾ يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴿٢٨﴾ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ‌ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا ﴿٢٩﴾ وَقَالَ الرَّ‌سُولُ يَا رَ‌بِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْ‌آنَ مَهْجُورً‌ا ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [الفرقان]. ويا علم الجهاد، فما هو الغَمام الذي قال الله عنه: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً}؟ وسوف تجد الجواب عن شأن هذا الغمام في الكتاب في نفس الموضوع في موضع آخر يُفتيك الله عن الغمام فيقول لك إنّه الحجاب بين الخالق والخلائق. وقال الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُ‌ونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّـهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ‌ ۚ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْ‌جَعُ الْأُمُورُ‌ ﴿٢١٠﴾} صدق الله العظيم [البقرة]. ولكنّه نور وجهه تعالى يشرق من وراء الحجاب يُضيء أرض المحشر. وقال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ‌ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْ‌ضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَ‌ىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُ‌ونَ ﴿٦٨﴾ وَأَشْرَ‌قَتِ الْأَرْ‌ضُ بِنُورِ‌ رَ‌بِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحقّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٦٩﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٧٠﴾} صدق الله العظيم [الزمر]. وهذا هو الحُكم الحقّ في الفتوى بنفي رؤية الله جهرةً في الدُنيا أو في الآخرة، وسوف نأتي الآن لتطبيق القاعدة والناموس لكشف الأحاديث المدسوسة في السُّنة النّبويّة، فما هي القاعدة القرآنيّة لكشف الأحاديث المدسوسة؟ إنه في قول الله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَ‌زُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ‌ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِ‌ضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿٨١﴾ أَفَلَا يَتَدَبَّرُ‌ونَ الْقُرْ‌آنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ‌ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرً‌ا ﴿٨٢﴾ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ‌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَ‌دُّوهُ إِلَى الرَّ‌سُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ‌ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَ‌حْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٨٣﴾} صدق الله العظيم [النساء]. وبناء على القاعدة القرآنية لكشف الأحاديث المدسوسة في قول الله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَ‌زُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ‌ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِ‌ضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿٨١﴾ أَفَلَا يَتَدَبَّرُ‌ونَ الْقُرْ‌آنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ‌ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرً‌ا ﴿٨٢﴾} صدق الله العظيم، فتعالوا يا علم الجهاد ويا معشر جميع عُلماء الأمّة من أجل التطبيق للتصديق في السُّنة المحمديّة فما وجدناه منها تطابق مع هذه الآيات المُحكمات البيّنات من أمّ الكتاب فأقسم بالله العلي العظيم قَسماً يُصدقه العلم والسُلطان من القرآن بأنّ ما تطابق من السُّنّة مع هذه الفتوى بالحقّ في عدم رؤية الله فإنّ ذلك الحديث نطق به من لا يُنطق عن الهوى جدّي وحبيبي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما خالف من الأحاديث هذه الفتوى فكذلك أقسم بالحقّ أنّه من عند غير الله مدسوس في السُّنة المحمديّة، فتعالوا سويّاً للتطبيق للتصديق في السُّنة المحمديّة، وقد أغنى الله المهديّ المنتظَر الحقّ عن البحث عن الرواة والثُّقات بل أسند الحديث الحقّ مباشرةً إلى القرآن العظيم، فأعلمُ هل هذا الحديث السُّنّي هو الحقّ من عند ربّ العالمين نطق به الذي لا ينطق عن الهوى؟ أم أنّه حديثٌ من عند غير الله؟ فحتماً بلا شكّ أو ريب كما أخبرنا الله سوف نجد بينه وبين القرآن اختلافاً كثيراً جُملةً وتفصيلاً، ولا أقول بأنّ الاختلاف سوف يكون في آيات القرآن المُتشابهات التي لا يعلم تأويلهنّ إلا الله؛ بل الاختلاف بين الحديث المفترى وبين القرآن العظيم سوف يكون في آياته المحكمات البيّنات أمّ الكتاب، فتعالوا للتطبيق للتصديق للناموس لكشف الأحاديث المدسوسة في السُّنة النّبويّة، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [لن يرى اللهَ أحدٌ في الدنيا ولا في الآخرة]. صدق عليه الصلاة والسلام، وصدق بما أنزل الله عليه في القرآن العظيم في شأن الفتوى في رؤية الله سبحانه وتعالى علوَّاً كبيراً، ولكنّه يشرق نور وجهه تعالى من وراء حجاب التكليم كما شاهد ذلك محمدٌ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في ليلة الإسراء والمعراج إلى ربه. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [رأيتُ نوراً] صدق عليه الصلاة والسلام؛ بمعنى أنّه رأى نور وجهه تعالى من وراء حجاب التكليم، وذلك الحجاب الدائم إذا تنزّل الله سُبحانه فيتنزّل الحجاب معه سُبحانه، وقال محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في شأن نفي رؤية الله جهرة قال: [يهبط وبينه وبين خلقه حجاب] صدق عليه الصلاة والسلام وعلى آله أجمعين. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا ﴿٢٥﴾ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّ‌حْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِ‌ينَ عَسِيرً‌ا ﴿٢٦﴾} [الفرقان]. وكذلك تجدون البيان عن حقيقة الغمام أنّه حجاب الربّ سبحانه وتعالى علوِّاً كبيراً. تصديقاً لقول الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُ‌ونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّـهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ‌ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْ‌جَعُ الْأُمُورُ‌ ﴿٢١٠﴾} صدق الله العظيم [البقرة]. ومن بعد تطبيق القاعدة والناموس لإثبات ما تيسر من الأحاديث الحقّ في شأن رؤية الله فوجدناها تطابقت مع ما جاء في محكم القرآن العظيم جملةً وتفصيلاً، وأمّا الآن فسوف نقوم بتطبيق الناموس لكشف الأحاديث المدسوسة وحتماً سوف نجدها سوف تختلف مع المحكم في القرآن، فنجدها جاءت مُخالفةً لكتاب الله وسنة رسوله بلا شكّ أو ريب، ويقولون أنّه قال محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: «هل تضامون في القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا، يا رسول الله. قال: «فإنكم ترونه كذلك، يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمسَ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت، وتبقى هذه الأُمَّة فيها شافعوها أو منافقوها فيأتيهم الله في هيئة، فيقول: أنا ربكم. فيقولون:أنت ربنا، فيتبعونه..» إلخ وهذا من الأحاديث التي لم يقُلها عليه الصلاة والسلام. بل حتى منطق الباطل يعلمه أولو الألباب مباشرةً فكيف يقولون: [فيأتيهم الله في هيئة، فيقول: أنا ربكم. فيقولون:أنت ربنا، فيتبعونه...]؟ وكأنهم تائهون يبحثون عن ربّهم! أفلا تعقلون؟ وهل الشمس أو القمر عدوّان لربّ العالمين حتى يقولون: [فيتبع من كان يعبد الشمسَ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت]؟ بل الشمس والقمر كل في فلكِهِ يَسْبَحون ويُسَبِّحون لله وله يسجدون. وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} صدق الله العظيم [الحج:18]. فكيف يجعلون الشمس والقمر أعداءً لله فيقول لهم: من كان يعبد الشمس فليتّبع الشمس أي يكون من حزب الشمس ومن كان يعبد القمر فليتّبع القمر أي يكون من حزب القمر! فكيف ذلك يا أولي الألباب والشمس والقمر من حزب الله؟ أما قولهم: [ويتبع من كان يعبد الطواغيت] أي من حزب الطّواغيت، أفلا ترون أنّهم جعلوا الشمس والقمر من أعداء الله بقولهم مَنْ [فيتبع من كان يعبد الشمسَ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ القمرَ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت] ؟ وكذلك يا أولي الألباب كيف يتبع المنافقون ربّ العالمين وهم من أشدّ الخصام لربّ العالمين؟ وذلك لأنهم قالوا في الحديث المُفترى: [وتبقى هذه الأُمَّة فيها شافعوها أو منافقوها فيأتيهم الله في هيئة، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه..] فهل هذا الحديث يُصدِّقه عاقل ولو لم يعلم أنه يُخالف القرآن المحكم؟ بل يدرك أولو الألباب أن هذا بهتان وكذبٌ بغير الحق. ويا علم الجهاد، عليك أن تعلم علم اليقين بأنّ الرؤيا تخصّ صاحبها ولا يُبنى عليها حكمٌ شرعيٌّ للأمّة. تصديقاً لحديث محمد رسول الله الحق. قال عليه الصلاة والسلام: [كفى بالمرء أن يوعظ في منامه]. وكذلك رؤياي لجدّي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أفتيتهم بالحقّ وقلت إنّ رؤيا جدّي تُخصني ولا أحاجُّكم بها، وإنّما أقول لكم بأنّ الله جعل آية لتصديق هذه الرؤيا بالحقّ وهي قول جدّي محمد رسول الله لي في الرؤيا: [وما جادلك أحد من القرآن إلا غلبته]. ومن ثم قلتُ لهم: فإن كنت حقّاً رأيتُ جدّي فلا بُدّ أن يُصدقني الله الرؤيا بالحقّ فتجدون بأنّه حقاً لا تُجادلون ناصر محمد اليماني من القرآن إلا غلبكم بعلمٍ وسلطانٍ، وهُنا جاء التصديق للرؤيا بالحقّ على الواقع الحقيقي فهزمتُ المُمْترين بالقرآن العظيم وليس بحجّة الرؤيا، ولكنّك تريد أن يُصدّقك المهديّ المنتظَر بعقيدةِ أنّ الرؤيا يُبنى عليها حكمٌ شرعيٌّ للأمّة فتضرب ضربتك يا علم الجهاد! إذاً لفسدت الأرض لكثرة المُفترين في الرؤيا، فلا تكن من الجاهلين إنّي لك ناصحٌ أمينٌ وأدعوك إلى صراطٍ مُستقيمٍ. وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين.. اللهم عبدُك يسألك بحقّ لا إله إلا أنت وبحقّ رحمتك التي كتبت على نفسك وبحقّ عظيم نعيم رضوان نفسك إن كنت تعلم في علم الجهاد خيراً أن تهديه قلباً وقالباً، فيكون من المُصدّقين قلباً وقالباً لا رياء ولا نفاق، إنّك أنت السميع العليم. تصديقاً لقولك ربّي في مُحكم كتابك: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} صدق الله العظيم [الأنفال:23]. فاتّقِ الله أخي الكريم إن كنتَ تخاف الله فاتَّبع الحقّ الذي ينطق بالحقّ وليس بالأحلام والأوهام بل بكتاب الله وسُنَّة رسوله، وتلك حُجّة الله علينا إن لم نأخذ بها أو حجّة لنا إن أخذنا بها فلا يعذبنا. تصديقاً لقول الله تعالى: {رُّ‌سُلًا مُّبَشِّرِ‌ينَ وَمُنذِرِ‌ينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّ‌سُلِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿١٦٥﴾} صدق الله العظيم [النساء]. إذاً يا علم الجهاد إنّ الحُجّة علينا إذا خرجنا عمّا جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين، أو يكون الأخذ بكتاب الله وسُنّة رسوله الحقّ حُجّةً لنا بين يدي رحمته فيدخلنا جنتّه ويَقِينا من عذابه. وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين.. الدَّاعي إلى الصراط المُستقيم؛ المهديّ المنتظَر الإمام ناصر محمد اليماني. ــــــــــــــــــــ

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76948

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56706

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44231

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43562

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40448

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33552