تشغيل الوضع الليلي
رسائل من الطف
منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 1448
كفكفت سكينة دموعها وقالت:
عمتي زينب، اشتقت الى تلك الكفوف المقطوعة
عم يا عباس، لم يعد للماء طعمٌ بعد رحيلك...
اخترنا لكم
سلسلة فيءٌ من أروقة القرآن الكريم/ الآية الثانية (أحسن الخالقين)
بقلم: يا مهدي أدركني قال تعالى: ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: آية 14] اتفقت كلمة الموحدين على التوحيد في الخالقية، فلا يوجد خالق في الكون إلّا الله تعالى، وقد أثبتوا ذلك بالأدلة العقلية (يبحث ذلك في علم الكلام)، فضلًا عن الأدلة النقلية التي جاءت لتمضي ما أثبته العقل وتُرشد إليه، فقد قال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) [سورة فاطر: آية3]. وقد يتوهم البعض عدم انحصار الخالقية بالله تعالى لمكان صيغة التفضيل المستخدمة في الآية الكريمة، وهذه الصيغة إنما تستعمل عند وجود طرفين مشتركين بصفة أو فعل ما، ولكن يوجد ترجيح بالأفضلية لأحد الطرفين، والترجيح هنا لله تعالى أحسن الخالقين. فهل هناك خالق في الكون غير الله تعالى؟ في الجواب نقول: أولًا: إن الخالقية تنقسم إلى قسمين: أ- مستقلة (وهي منحصرة بالذات المقدسة). ب- غير مستقلة وإنما قائمة بالتسبيب أو التفويض من الله تعالى، وهي من أفعال الممكنات. ثانيًا: إنّ النظام الذي جعل الله تعالى العالم قائمًا عليه هو نظام الأسباب والمسببات أو نظام العلة والمعلول. ثالثًا: إن صفات الله تعالى بلحاظ إمكانية إطلاقها على غير الله تعالى تنقسم إلى قسمين: الأول وهو ما لا يمكن إطلاقه على غير الله تعالى كصفة واجب الوجود فهي من الصفات التي لا يصح إطلاقها على غير الله تعالى، وتسمى بالأسماء المستأثرة. والثاني وهو من الصفات التي يمكن أن تطلق على غير الله تعالى كصفة الحياة والقدرة والحكمة والخالقية. رابعًا: إن الصفات التي يمكن إطلاقها على غير الله تعالى هي ذات مفهوم مشكك أو لنقل هي من المشترك اللفظي، وهذا يعني إن صفة الحياة بالنسبة إلى الله تعالى هي في مرتبتها الكمالية غير المتناهية، أما بالنسبة للمكنات فلها درجات كمالية مختلفة حسب مرتبتها الوجودية فهي في النبات أقل كمالًا مما هي في الحيوان والثانية أقل كمالًا مما هي عليه في الإنسان وبمجموعها هي متناهية ومحدودة. ونتيجة لما تقدم نخلص إلى: أن صفة الخالق هي من المفاهيم المشككة التي يمكن إطلاقها على الممكنات بمراتبها المتناهية، وهي قد تكون صادرة من الممكن لا على نحو الاستقلال وإنما على نحو التسبب أو التفويض من الله تعالى فهي لا تخرج عن دائرة القدرة لله تعالى. ويبقى الخالق المستقل حصراً هو الله تبارك وتعالى.
اخرىنوارسُ السلامِ في وادي السلام
بقلم: جنان حازم الشاهين أُطلِق نِداء الاستغاثة من وجوهٍ كانت تعيش على هامش الأمل! في لحظةِ فَقْدٍ كانت الأولى، والفريدة بكلِّ تفاصيلها… لحظةٌ، لا يُعرَفُ أمدُها، كأنّها الكثيرُ من السّنين في حساب الضفة الأخرى وجوهٌ شاحبةٌ، لا تعرفُ ماذا تفعلُ؟ وأي المُصيبتين هي أهون عليها؟ وجوهٌ تقِفُ على مُفترقِ طرق، مملوء باللاشعور فعند تلك اللحظات، يتوقفُ كلُّ شيءٍ… سوى دقات قلبٍ تقاومُ راغبةً في الحياة… واقفون… يتأملون.. ويتألمون.. فعندما تفقد شخصًا عزيزًا على قلبك، تحاولُ في اللحظات الأخيرة، بشتى الطرق أنْ تسرق من الموت لحظة حياة، عَلَّها تُطفئُ جمرةَ الفقدِ الطويل… لكن، هيهات، فهناك قراراتٌ لا رجعةَ فيها، كالموتِ، مثلًا.. وقفوا.. كلُّ واحدٍ منهم قد عُقِد لسانه، وخارتْ قواه، بعد أنْ سرقَ منه الموت أعزّ الأشخاص. سرق منه من كان نورًا له وسط الظلام.. من كان له شبعاً عند الجوع، ومن كان له دفئاً عند البرد.. ومن كان له مؤنساً عند الوحشة… فمن اليوم يحتضنه؟ من يُشبِعه…؟ من يؤنِسُه..؟ من؟ ومن …؟ كلُّ تلك الأفكار والأمنيات تبددت عند أولِ نظرةٍ لثلاجات الموتى.. ما عليك الآن إلاّ النظر عن بعدٍ، خوفًا من انتشارِ العدوى.. هنا، تجتمعُ مشاعرُ الحزن، والخوف، والحسرة؛ لفقدان آخر لحظةٍ من لحظاتِ التوديع… وبنفسِ الوقت تُدرِكُ أنْ لا لقاءَ بعد اليوم… تهادى صوتٌ من تلكَ الوجوه التي أرهقها التفكير... دعونا نتوسلُ إلى الله (تعالى)؛ ليُنزل علينا فيضاً من رحمته وغيثاً من عطفه؛ فرُفِعتِ الأكف الحيرى تستنجدُ باللهِ العظيم، فاستجاب الله لهم… فكانت فرقةُ الإمام علي (عليه السلام) القتالية، مثالًا لتك الرحمة، كانوا طيورَ حبٍ، وعطاءٍ وسلامٍ، في سماءِ النجف الأشرف... في الوقت الذي تخلّى عن الميتِ الأهل والأصحاب، كانوا متمسكين به، يقومون بكلِّ شيءٍ من دون مقابل... نعم، فـعندما تسمو النفس وترتفع، تكون الأشياء الأرضية لا اعتبار لها.. وكما قال (تعالى)، في كتابه الكريم: "أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون" (المؤمنون: آية ١٠).
اخرىوظيفة المرأة في التمهيد للظهور المبارك.
تشترك المرأة مع الرجل في الكثير من المسؤوليات والتكاليف الدينية؛ وذلك لأنهما خُلقا من نفس واحدة قال (سبحانه): " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا "(1)، بالإضافة إلى كونهما في مرتبة واحدة من الناحية الإنسانية عنده (سبحانه)، ولذا فقد ساواهما في الأجر و الثواب، قال (تعالى) : " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) "(2)... بيد أن السبل والطرق والكيفيات التي يسلكها كل منهما لتأدية تلك المسؤوليات قد تتباين تبعاً لاختلافهما من الناحيتين: الجسمانية و النفسانية، الأمر الذي انعكس بدوره على بعض الأحكام التكليفية . ومن بين تلك المسؤوليات الكبيرة هي مسؤولية التمهيد للظهور المبارك. ومسؤولية التمهيد تكليف عام يشمل الجميع ذكوراً وإناثاً ولو كان بأدنى مستوياته والمتمثل بإصلاح النفس والأهل، إلا أننا نروم في مقالنا هذا بيان مستوى أعلى من ذلك حيث تتجاوز وظيفة الممهدة فيه إصلاح النفس والأهل لتشمل الآخرين أيضاً. وعليه، فإن كل مؤمنة تطمح إلى رضا الله (تعالى) وإمام زمانها (عجل الله فرجه)، وتتوق نفسها لنصرته وتهيأة القاعدة المناصرة له عند الظهور، لابد أن تتعرف على وظيفتها وكيفية القيام بها لأداء مسؤوليتها بأكمل وجه. وتتألف وظيفة المرأة الممهدة بشكل إجمالي من محورين أساسيين هما : المحور الأول: بناء الشخصية الممهدة. ولابد فيه من بناء جانبين: الأول: الجانب الفكري والمعرفي: ويشتمل على... أولاً: معرفة إمام العصر (أرواحنا فداه وعجّل الله فرجه الشريف). فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام ) " يا فضيل أعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك، تقدم هذا الأمر أو تأخر ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر، كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه قال: وقال بعض أصحابه: بمنزلة من استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (3). وليس المقصود بهذا النوع من المعرفة مجرد معرفة اسمه الكريم وكنيته المباركة وتاريخ ومحل ولادته.. كما قد يتصور البعض، بل لا بد من معرفة مقامه ولو بأدنى معرفته التي وردت في رواية الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثه مع معاوية بن وهب: "...وأدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي إلا درجة النبوة ووارثه، وإن طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله، والتسليم له في كل أمر والرد إليه والأخذ بقوله، ويعلم: أن الإمام بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم أنا ثم من بعدي موسى ابني ثم من بعده ولده علي وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد علي ابنه وبعد علي الحسن ابنه والحجة من ولد الحسن..."(4). ثانيا : الثبات على العقيدة الصحيحة وترسيخ الموالاة لأهل البيت (سلام الله عليهم) لا سيما إمام العصر والزمان (عجل الله فرجه) . ومما لاشك فيه إن هذا الأمر مطلوب من الموالين أجمع وعلى مختلف الأزمنة والعصور إلا أنه ورد التأكيد عليه في خصوص عصر الغيبة، لغيبة الإمام من جهة، ولكثرة الفتن والشبهات والتشكيكات التي تطرح من قبل الأعداء والتي قد تجرف بعض ضعيفي الإيمان بسيلها من جهة أخرى.. ولذا وردت روايات محذّرة من هذا الزمان وداعية فيه المؤمنين إلى ترسيخ العقيدة والإيمان ، وأخرى موضحة لبعض السبل إلى ذلك. فأما الأولى، فمنها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا يشككه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني "(5). وأما الثانية فمنها ما روي عن زرارة بن أعين أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن زمان الغيبة حيث قال: " جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل ؟ قال (عليه السلام): يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء " اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني" (6). الثاني : الجانب العملي ويتلخص في ضرورة قيام المؤمنة الممهدة بجملة من الأعمال التي تصب في صالح مهمتها في إصلاح المجتمع والتمهيد للظهور المبارك. أولاً: أداء الأحكام التكليفية الشرعية المعروفة من عبادات ومعاملات وأخلاق والتي تكمل مع الجانب الفكري إيمان الفرد المؤمن. فالإيمان وكما ورد عن الأمير علي بن أبي طالب (عليهما السلام) أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " الإيمان قول باللسان، ومعرفة بالقلب و عمل بالأركان "(7). وعلى من تتصدى لمهمة التمهيد أن لا تكتفي بذلك، وحسب بل وتشمّر عن ساعديها لاكتساب ملكة العدالة أيضاً لتحصن نفسها من اقتراف محرم ما أو ترك واجب ما. ثانياً : توطيد علاقتها بإمام زمانها (عجل الله فرجه) من خلال التخلق بأخلاقه والعمل على تنقية القلب والمحافظة على طهارته ليسع العاصين علاوة على المؤمنين ويدخلهم في رحمة الله (تعالى) ويجرهم إلى دينه وذلك بالرأفة والرحمة بهم والنظر إليهم نظرة الطبيب الشفيق على مريضه محاولاً اجتثاث السقم منه بلطف ورفق حتى يتعافى دونما توبيخ أو تجريح. كما تتوطد العلاقة بصاحب الأمر والزمان (عجل الله فرجه) بكثرة التوسل به عند النوائب، والمواظبة على الدعاء لفرجه، ومعاهدته صباح كل يوم، وندبته صباح كل جمعة، والشعور بحزنه وآلامه عند مناسبات حزن أهل البيت (عليهم السلام). ثالثاً : العمل على تطوير الذات والسعي إلى النجاح بل والإبداع والتميز قدر الإمكان. وقد يبدو ذلك غريباً على القارئ الكريم، ولكننا في زمن لا يُستمع فيه إلى من كان فاشلاً في الحياة وإن كان ذا دين وخلق، أو قد يكون تأثيره ضئيلاً فيه، على العكس من الشخص الناجح في حياته المبدع في اختصاصه، فإنه يكون ذا تأثير كبير علاوة على أنه يعطي اطباعاً جيداً مفاده أن: اتّباع الدين والتقيد بأحكامه هما المنطلق بالإنسان نحو النجاح والفلاح ولا يقفان حائلاً دونهما البتة. وعليه فينبغي على من تحمّل هم التمهيد من خلال إصلاح النساء وجذبهن إلى الدين والشريعة أن تثبت نجاحها وتألقها أولاً لتتمكن من جذب النساء والتأثير فيهن ثانياً، ولتكون أهلاً لأن يُقتدى بها ويُحتذى بسيرتها من قبل الاُخريات فيسلكن سبيلها. رابعاً: مهمة التمهيد للظهور المبارك كأي مهمة أخرى لابد وأن تشتمل على مصاعب ومتاعب وتكتنفها بعض التحديات وتعترض سبيل من يتصدى إليها بعض العراقيل وقد يُجابه بمختلف التهم والأقاويل. وعليه فلابد أن تكون الممهدة قوية أمام الشدائد والبلاءات والإغراءات والإغواءات مهما بلغت معاناتها، إسوة بالصديقة الكبرى السيدة الزهراء (عليها السلام) فهي رغم كسر ضلعها، وفقد جنينها، وغصب حق بعلها ، وحرق دارها، لم تترك رسالتها وآلت على نفسها أن تضحي بنفسها في سبيل نصرة إمامها لتكون بذلك أول شهيدة في سبيل الولاية. ويعد كلٌ من هذين الجانبين المتقدمين غاية في الأهمية في تبليغ أي رسالة دينية فضلاً عن التمهيد للظهور المقدس؛ وذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولذا روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَامَا فَعَلَيْهِ أنْ يَبْدَأ بِتَعْلِيمِْ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأدِيبِهِ بِلِسانِهِ، وَ مُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُها أحَقُّ بِالْإِجْلالِ مِنْ مُعَلِّمِ النّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ "(8). المحور الثاني: الانطلاق لإصلاح الآخرين وهو المحور الأبرز على الساحة في التمهيد للظهور المبارك، وهو محور هام جداً تقطف ثماره اليانعة وتحقق أهدافه الرائعة مَن أعدت نفسها الإعداد الجيد الذي تقدم، وأما من تقتحم غماره بصورة عشوائية فقد لا تحقق النتيجة المرجوة. ولعل هذا أحد أبرز الأسباب التي تُميت الموعظة على شفاه واعظها، فلا تجد لها أثراً سوى الصوت الصادح المتجرد من مقومات التبليغ الفالح، فتُستهلك الأوقات وتُبذل الجهود دون أن يكون للهدف تصويب ناجح. وهذه مشكلة يعاني منها الوسط التبليغي اليوم وبشدة، فقد أخفتَ الزهد في العُدة وهج الكثرة في العدد، وقد أفشل الكسل في تهذيب النفس المثابرة على تهذيب الآخرين. ويتضمن المحور الحركي للمرأة المؤمنة الممهدة: أولاً: تهيأة القاعدة المنتظرة من خلال غرس روح الانتظار العملي لإمام الزمان (عجل الله فرجه) في الأطفال منذ الصغر عن طريق حسن تربيتهم والمثابرة على تنشأتهم نشأة صالحة، لا ليكونوا صالحين وحسب بل ومصلحين أيضاً. كما يمكنها التأثير فيمن تستطيع التأثير فيهم من الرجال على مختلف مراحلهم في العمر كالزوج والأخ والأب والعم والخال مثلا، وذلك عن طريق الدعوة إلى سبيل الرشاد والصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة وبذا تكون قد ساهمت في التمهيد للظهور المبارك. ثانياً : نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) وتعليم الأحكام الفقهية والدروس الاخلاقية، وما يميز هذه المهمة ويجعل مجالاتها أكثر وربما المستهدفين بها أوفر هو أن لا موقعية خاصة لها، فيمكن للممهدة أن تمهد وهي في مدرستها أو في جامعتها أو في محل عملها بل ويمكنها ذلك في السوق أيضا وفي أماكن التنزه والترويح حتى. وعلى الرغم من أن هذا الواجب في ذاته واجباً كفائياً ( أي يجب على جميع النساء المكلفات ولكن إذا قامت به بعضهن سقط عن الجميع وإلا فقد أثِم الجميع) إلا أنه يتأكد جداً على الممهدة؛ لأنه وظيفتها، فإذا لم تقم هي به فمن عساه أن يتولى ذلك؟ لاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن المرأة أكثر تواجداً في المجتمع النسوي وأكثر حرية في تفصيل الأحكام الدقيقة وبصورة واضحة صريحة من الرجل من جهة، كما أننا في زمن قد سادت فيه الفتن وانتشرت فيه الإغراءات وكثرت فيه الشبهات وأصبح بلوغ الحرام متاحاً للجميع، بل وسهلاً يسيراً، في قبال الحلال الذي قد يكون هو الصعب والعسير. ثالثاً : حث النساء المؤمنات وتحفيزهن على التطور والتقدم علمياً وثقافياً وعملياً، وتسلم الوظائف التي تناسب المرأة وفي مختلف التخصصات؛ لتتسلم هذه الوظائف المهمة والتي تؤثر على المجتمع بصورة مباشرة كالتعليم والتطبيب وغيرها نساءٌ مؤمنات صالحات مصلحات، ولئلا يُفسح المجال في هذه الوظائف لتملأه كل من كانت بعيدة عن الدين، فقيرة إلى الخُلق وبالتالي يؤثرن تأثيراً سلبياً على المجتمع. رابعاً: الدفاع عن الدين والمذهب من خلال الرد على الشبهات التي ترد عليهما، فالسيدة زينب الحوراء (عليها السلام) لم تكتفِ بعفافها وإخلاصها وصدقها وإيمانها وحسب، بل تصدت للباطل عندما سمعت الطغاة يحرفون الدين، ويلقون العقيدة الفاسدة في عقول المسلمين، ويخفون حقيقتهم البشعة بقناع الحاكم الأمين، فتصدت لهم ودفعت شبهاتهم وذادت عن العقائد الحقة وأوضحتها للحاضرين، وأماطت اللثام عنهم فبدت حقيقتهم المقرفة بمرأى من الناظرين، وفندت أقاويلهم بآيات القرآن المبين، وبينت قرابتها ومن معها من رسول رب العالمين (صلى الله عليه وآله)، فأحالت مجلس نصرهم المزعوم الذي كانوا يتباهون به إلى مأتم عزاء للإمام الحسين (عليه السلام)، ومحل توضحت فيه مثالبهم وأُثبِتت عليهم بالبراهين الجلية وحاشيتهم، وأدينوا أمام الجمع بجميع جرائمهم. وكذلك يجب على المرأة المؤمنة أن تذود عن دينها وعقيدتها وتدفع الشبهات التي قد ترد عليهما بالسبل الممكنة والمتاحة لها. خامساً: المساهمة في إعداد الممهدات وحث النساء اللائي تتوفر فيهن القدرة على التوجه بهذا الاتجاه. فوجود ممهدة ناشطة في كل محل من المحال التي توجد فيها المرأة عامل مهم ويساهم كثيراً في بناء القاعدة المهدوية أفقياً وعمودياً إن صح التعبير. ويتحقق البناء الأفقي في كثرة عدد المؤمنات الصالحات كما هو واضح، وأما البناء العمودي ففي التنافس الشريف الذي يظهر بين من يتصدين للتمهيد والذي يكون عاملاً مساعداً على التكامل الأسرع والمتواصل بينهن. وبذلك يمكن تهيئة المؤمنات الواعيات لا بالكم فقط بل وبالنوع أيضاً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء 1 (2) النحل 97 (3) معجم أحاديث المهدي(عج) ج6 ص197 (4) ميزان الحكمة ج36/407 (5) بحار الأنوار ج 51 ص 68 (6) معجم أحاديث المهدي ج4 ص413 (7) بحار الانوار ج68 ص66 (8) ميزان الحكمة ج3 ص409
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى