تشغيل الوضع الليلي
ماذا سمعتي يا ملاءة ؟
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 720
بقلم: غيداء عبد الامير
جال بي الخيال ونقلني إلى وقت وزمان ليستقصي عن حقيقة لربما غابت عن الكثير، بسبب تقصير أو قصور، لا فرق، فالنتيجة واحدة في تغييب تلك الحقيقة وذلك الحدث.
نعم، ذهب بي الخيال إلى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) حيث إنني وصلني مما حفظه التاريخ ذو الذاكرة المثقوبة والتي تعلق بها ما كان الله تعالى أراد أن يتمه ولو كره المشركون، بأنه حينما أجمع ابو بكر ابن أبي قحافة وعمر على منع السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فدكًا وبلغها ذلك، جاءت السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وقد لاثت خمارها تطأ ذيولها ومعها لمة من حفدتها ونساء قومها، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم، ونيطت دونها ملاءة...
حينما قرأت هذه العبارة وقفت أمامها وقفة تأمل وتفكير، إذ إنّ خروج البضعة الزهراء (عليها السلام) في هذا الوقت وهي تقيم الحداد على فقدها حبيب قلبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابد أن ما ستقوله إنما فيه قوام الدنيا والآخرة، فأخذني خيالي لسؤال من سمعوا: ماذا قالت أم أبيها؟!
فاخترت أن أسأل الملاءة لعلها تضمد جرح قلبي النازف على تلك السيدة المفجوعة، ليس بأبيها فقط، وإنما بكل ظلم سيجري على كل الناس رجالاً ونساء، لا فرق فالظلم سيعم الجميع بلا استثناء، حتى الأطفال الرضّع!
أيها الملاءة استميحك عذرًا لأنني أيقظتك من غيبوبتك التي اخترتِها ووجدتِها أفضل الخيارات لكي لا تنظري المآسي التي ستلاقيها الزهراء (عليها السلام) وذريتها والإنسانية كلها، لكن أريد منك ولو باختصار أن تفصحي عمّا شهدتيه، وتتكرمي عليّ، فأنا هنا لأُحيي حقيقة مغيبة..
أجابت الستارة: أيتها السائلة، لقد فتقت جرحاً حاولت لسنين أن يشفى، لكنه لعظم المصيبة يأبى الالتئام، وبدايته من الأول أنه بها البضعة الطاهرة حينما جلست حيث نظرت إلى كل المجتمعين قد أجهشوا بالبكاء، لسماع تلك الأنة، إلّا أنني نظرت إلى القلوب فوجدتها قد اسودت وطبع عليها..
بدأت سيدة النساء بالحديث كما كان يفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحمد الله والثناء عليه وأشارت الى النعم التي مَنّ الله بها على عباده وشكر تلك النعم والعلة من الشكر لتستزاد، ثم استرسلت بالتعرض إلى المفاهيم العقدية وابتدأتها بالشهادة الأولى وهي شهادة أن لا إله إلّا الله، وبعض صفات الذات الإلهية، ثم اشارت إلى الهدف من خلقة الأشياء والعلة من ذلك هو (اثباتاً لحكمته وتنبيها على طاعته واظهارًا لقدرته تعبدًا لبريته واعزازًا لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته ووضع العقاب على معصيته ذيادة لعباده من نقمته وحياشة لهم إلى جنته)
* ثم جاءت بذكر الشهادة الثانية بأن أباها محمداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، وكيفية اصطفائه من قبل الله (عز وجل)، وكيف أنه سبحانه قد أنار بأبيها الظلم، والهداية إلى الطريق المستقيم، ثم أشارت إلى خاتمة أبيها ووصف حاله وهو في الآخرة حيث قالت: "فمحمد (صلى الله عليه وآله) من تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملائكة الأبرار ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار (صلى الله على أبي وأمينه)"
* ثم توجهت إلى أهل المجلس ببيان ركائز قد اختصرت بها المنظومة والدستور للدين الإلهي، فقد أشارت إلى الأصول والفروع والعلة من تشريعها، فبدأت بالإيمان بالله وعلته تطهيرًا من الشرك والصلاة تنزيلها عن الكبر والزكاة تزكية للأنفس إنماء في الرزق والصيام تثبيتًا للإخلاص، والحج تشييدًا للدين، والعدل تنسيقًا للقلوب وطاعتهم نظامًا للملة وامامتهم -أي إمامة المعصومين (صلوات الله عليهم)- أمانًا للفرقة، والجهاد عزًا للإسلام والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة وبر الوالدين وقاية من السخط وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقنًا للدماء والوفاء بالنذر تعريض للمغفرة وتوفية المكاييل والموازين تغييرًا للبخس والنهي عن شرب الخمر تنزيهًا عن الرجس واجتناب القذف حجابًا عن اللعنة وترك السرقة إيجابًا للعفة...
وختمت بما ابتدأت حيث قالت: وحرم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية...
ثم أبلغت بالتعريف عن نفسها حيث قالت: (أيها الناس اعلموا أني فاطمة وابي محمد صلى الله عليه وآله، أقول عودًا ولا أقول ما أقول غلطًا ولا أفعل ما أفعل شططًا)
*ولعل من خلال كلامها هذا إشارة إلى عظم شخصها لدى الناس وعظم الأمر الذي خرجت من أجله، ثم جاءت موضحة كيف أن أباها (صلوات الله عليه) قد أعذر في النصح لهذه الأمة، وقد كان حالهم كما وصفتهم صلوات الله عليها بأنهم موطئ الأقدام يشربون الطرق ويقتاتون القد أذلة خاسئين... (فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله) * ثم اشارت الى دور أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي ابن أبي طالب (صلوات الله عليه) حيث قالت: (كلما اوقدوا نارا للحرب أطفأها الله او نجم قرن الشيطان او فغرت فاغرة من المشركين قذف اخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه)، ثم وصلت إلى النقطة المركزية وصلب الموضوع حيث بينت أنه عندما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه بينت سبب زيغ الأمة وأوعزت به إلى ظهور حسكة النفاق وأخذ الشيطان يقود الناس وهم له طائعون!
وبعد أن بينت أنها من؟ وابنة من؟ وجهت خطابها مستفهمةً متعجبة (أأُغلب على إرثي يا ابن أبي قحافة، وفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا)
ثم أفحمته بالدليل الذي لا يمكن أن يرد( أ فعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: (وورث سليمان داود) وقال فيما اقتص من خبر يحيى ابن زكريا إذ قال: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) وقال (وأولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله وقال يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) وقال: (أن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين)
*ثم تابعت قولها: وزعمتم أن لا حظوة لي ولا أرث من أبي ولا رحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها، أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي فدونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون*).
ثم وجهت كلامها للأنصار واستفهمتهم عن سبب الغميزة في حقها والسنة عن ظلامتها هل السبب لأن رسول الله قد مات وذكرتهم بأنه صحيح ذلك خطب جليل إلّا أنها اشارت أن ذلك قضاء حتم واستشهد بالآية الكريمة (وما محمد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فأن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين).
وبعد أن ألقت عليهم الحجة، واحسرتاه عليها، فقد كانت ترى خيبة الأمل من الجميع ونكران حقها وأفصحت عن شعورها هذا عندما قالت: (وقد قلت ما قلت هذا معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ولكنها فيضة النفس ونفثة الغيظ وخور القناة وبثة الصدر وتقدمة الحجة فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر نقبة الخف باقية العار موسومة بغضب الجبار وشنار الأبد موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة، فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وانا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون.
فأجابها أبو بكر بحديث مختلق أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبت ولا فضة ولا دارًا ولا عقارًا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلوي الأمر..
فردت عليه (صلوات الله عليها) متعجبة قائلة: (سبحان الله ما كان أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كتاب الله صادفًا ولا لأحكامه مخالفًا بل كان يتبع أثره ويقفوا سوره)
وأوضحت أن ما يقوم به إنما هو غدر وزور بعد وفاته كما بغي له من الغوائل في حياته ورجعت تذكر بما صرح به القرآن (يرثني ويرث من آل يعقوب) (وورث سليمان داود) وكيف وضح القرآن أحكام الإرث وإباحة حظ الذكران والاناث والذي أزاح به علة المبطلين...
إلّا أن أبا بكر رد حجتها الدامغة متحججًا بأن هذا ما تفق عليه المسلمون؟!
والعجب كل العجب من سكوت وركون الناس إلى الباطل في ذلك اليوم.. فالتفتت السيدة الزهراء (عليها السلام) مخاطبة الناس بقبح فعلهم وعدم تدبرهم بالقرآن وأشارت بأن قد ران على قلوبهم بسبب سوء اعمالهم وبقى صدى صوتها يرن في مسامعي آخر بيت قرأته قبل مغادرتها حينما قالت عند انعطافها على قبر النبي (صلى الله عليه و آله) وقالت:
فليت قبلك كان الموت صادفنا لما مضيت وحالت دونك الكثب
يكفي هذا أيتها السائلة، فقد ذكرت لك الذي قد استطعت ذكره لك، واعذريني لأني اجملت فتذكُّر ذاك اليوم أيقظ في كل الجروح، إذ كان ذلك الخذلان للسيدة الطاهرة الزهراء (صلوات الله عليها) قد صب على الإنسانية كل هذه الويلات إلى يومكم هذا.
شكرًا لك على عطفك و صبرك معي أيتها الملاءة..
سأرجع إلى كل العالم وأخبرهم بهذه الظلامة..
ظلامة أم أبيها البضعة الطاهرة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها).
______________
*الاقتباسات احتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك وقولها لهم عند الوفاة بالإمامة) كتاب الاحتجاج للطبرسي ص/٧٠)
اخترنا لكم
المرأة المثال
بقلم: وفاء لدماء الشهداء اسمٌ تلألأ في تاريخ الإسلام، وشخصية فذة لمعت في سماء الرسالة، امرأة عظيمة سطع نجمها في دنيا الوجود، وبقي أثرها وإرثها نبعًا طيبًا ومنهلًا عذبًا تستقي منه الأجيال زاد الثبات والصمود رغم توالي السنين والعهود. هي رمز الوفاء، ودرة الصفاء، وعنوان التضحية والإيثار والفداء، هي أُمّنا أم المؤمنين، وجدة الأئمة المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، خديجة بنت خويلد (سلام الله عليها). لا يخفى على المتأمل في سيرتها العطرة، وما جاءنا من أخبارها النيرة، أنها امرأة كريمة طاهرة انحدرت من أصول طيبة عريقة، لها صيتها ومفاخرها وعراقة أصلها ونسبها. وقد جمعت مولاتنا السيدة الطاهرة خديجة (سلام الله عليها) بين المال والعفة والجمال، ورجاحة العقل والحكمة في إدارة الأعمال، حتى صارت رمزًا للكمال، ونموذجًا للمرأة المثال. وشاءت إرادة الله تعالى أن تكون قرينة خير الرجال، بل خير خلق الله (عز وجل)، فتزوجت بنبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فتشكلت أول أسرة مباركة من الصادق الأمين والسيدة الطاهرة فكانت أسرة مثالية، وواحة غنّاء طيبة في صحراء الجاهلية، أغنت بعطائها البشرية، إذ برزت فيها صورة الزوجة الوفية، والقرينة المضحية، والأم الرسالية، التي كرّست كل وجودها لخالقها ودينها ونبيها ورسالته الربانية. فمنذ أيامها الأولى ابتدأت رحلة كفاحها، فوقفت إلى جنب زوجها تمُده بالمال والحب والحنان، فكانت أولى المؤمنات برسالته، وأول المضحيات في سبيل نشر دعوته، وتبليغ رسالة ربه، فكلفها ذلك الكثير، إذ قوطعت من نساء قومها، وتنازلت عن رفاهية عيشها، وتبرعت بكل ثروتها، كل ذلك حُبًّا بالله تعالى وفداء لرسالته التي كلف بها أحب الخلق إلى قلبها. فعاشت حياة الجهاد والكفاح والتعب، وتحملت الصعاب بعد أن كانت يومًا ما أميرة جزيرة العرب، وتحمّلت معه آلام حصار الشعب، مع المسلمين يوم حوصروا في شعب أبي طالب، وفي كل تلك الأحوال المؤلمة، كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) البلسم الشافي والبسمة، والسند الذي اتكأ عليه وهو ينهض بأعباء الرسالة السماوية وإدارة شؤون الأمة. ولا شك أن امرأة بهذه الأوصاف الفريدة والخصال الحميدة سيكون لها مكانة خاصة ومنزلة متميزة في قلب زوجها، وهذا بالضبط ما حدث لها، إذ حمل النبي (صلّى الله عليه وآله) في قلبه طيلة حياته حبها، ولم ينسها بعد رحيلها، بل وحتى بعد تقادم السنين وزواجه بأكثر من زوجة غيرها، إذ كان يديم ذكرها، ويشيد بفضلها أمام الملأ إكرامًا لها، وعرفانا منه لجميل وجليل ما قدمته في سبيل ربها، وإعزاز دينه ونصرة نبيها، فهو القائل بحقها: " ... آمنت بي إذ كفر الناسُ، وصدّقتني وكذّبني الناسُ، وواستني في مالها إذ حرمني الناسُ، ورزقني الله منها أولادًا إذ حرمني أولاد النساء». ولم تنحصر عطايا السيدة خديجة (عليها السلام) في حب وإكرام رسول الإسلام، بل لكمالها ومواقفها وما بدر منها في حياتها من تضحيات جسام، حظيت بتكريم الله تعالى فاختارها من بين نساء الأرض لتكون من سيدات الجنان، وكمل النساء اللواتي فزن برضوان المولى المنان. وفي مثل هذه الأيام ونحن نحيي ذكرى رحيلها (عليها السلام)، لا بد أن نتوقف قليلًا عندها، ونتأمل في مضامين سيرتها، ومواقف حياتها التي خلدتها، وحفظت اسمها في سجل الخالدين، الذين تبقى أسماؤهم عصية على النسيان رغم توالي السنين، واجتهاد أهل النفاق في محو آثار الصالحين، لابد أن نحيي ذكرى رحيلها بالشكل الذي يرضيها، فهيا لنتوقف عند أهم الدروس والعبر التي يمكننا استلهامها من سيرتها، والتي من أهمها: ١) الاختيار الموفق: فاختيارها الواعي لشخص النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) للزواج، رغم تقدم سادات قريش من أصحاب الثروات الطائلة لطلب يدها، إنما هو درس لكل نساء الأرض في ضرورة حسن الاختيار، الذي به تكون السعادة والهناء والاستقرار، والمتأمل في سيرة أم المؤمنين (سلام الله عليها) يعلم جيدا أن قرارها هذا كلفها قطيعة نساء قومها لها، وغضبهن منها، ولكنها لم تكن لتعبأ بذلك؛ لاطمئنانها بصحة اختيارها، وسلامة قرارها، وهنا درس بالغ الأهمية، ينبغي أن تلتفت إليه كل أسرنا المسلمة ولا سيما الشيعية الموالية، فما يبحث عنه في الزواج والارتباط الطويل، هو الدين والإيمان والخلق النبيل. ٢) حياة بلا مشكلات: إذ تذكر الاخبار أن حياتها الزوجية مع نبي الإنسانية دامت لأكثر من أربع وعشرين سنة هلالية، لم يكن فيها بينهما أي خلاف أو مشكلة، ولربما يعجب المرء حين يقرأ سيرتها من هذه المسألة! فقد عاشت مولاتنا خديجة (عليها السلام) حياتها كأروع ما تكون، فلم تكن زوجة وأم أطفال فحسب، بل كانت للنبي (صلى الله عليه وآله) أما وكهفا وحضنا دافئا يلجأ إليه حينما تشتبك عليه الخطوب، وتتوالى عليه الرزايا. عاشت مؤازرة ومساندة، مشاركة ومُؤْثِرَة ورائدة، فامتلأ بيتها التوحيدي، بأنوار المدد الإلهي، حتى صار مأنساً لفؤاد النبي (صلى الله عليه وآله)، وهنا درس عظيم لكل نساء الدنيا، فالحياة الزوجية متى ما انطلقت وفق أسس ربانية، وتنسم أفرادها عبير الرسالة الإلهية، وكان شعارها المودة والرحمة والتضحية، كانت النتيجة النهائية، حياة كريمة خالية من المشكلات والمنغصات؛ لذا حري بنا ونحن نمر على ذكرى رحيل أمنا، أن نعاهدها على بناء أسرنا، كما تحب وترضى رسالة السماء لنا. ٣) البصيرة النافذة: فمن يتأمل في سيرتها العطرة، يقف على سمو مقامها ونفاذ بصيرتها، في تقرير مصيرها ورسم آخرتها، فتلك المرأة التي كانت رحلاتها التجارية لا تقف، في الشتاء والصيف، حتى قدرت ثروتها آنذاك بثمانين ألف ناقة، عرفت كيف تجعل من المال جسرا نحو الجنان، حينما وضعته تحت تصرف النبي العدنان، وبذلته راضية في سبيل نشر رسالته واعزاز دينه، وهنا درس عظيم لكل من يمتلك مالًا يمكن أن يغويه أو يفعل به شيئا ينجيه، فالعبد الصالح لا يستهويه مال، ولا يمنعه عن تحصيل رضوان ربه ثراء، بل يوظف ما أعطاه الله تعالى في الخير، ويكون صاحب يد بيضاء، لا تنفك عن البذل والعطاء، وخدمة عباد الله الفقراء، أو نشر رسالة السماء، فيكون المال بذلك وسيلة لا غاية، يرسم به العبد لوحة حياته في البداية والنهاية. ٤) حبها لله تعالى: فمن يقف على حالها ويتأمل في سيرتها، يرَ تألق روحها وسمو اتصالها بربها، وعظم حبها لخالقها الذي ملأ كل كيانها، فلم تكن لترى ما قدمته في سبيله شيئا، وكأنها تترجم ما قاله الإمام زين العابدين (عليه السلام): " ... مِنْ أَيْنَ لِيَ الخَيْرُ يا رَبِّ وَلا يُوجَدُ إلاّ مِنْ عِنْدِكَ؟ وَمِنْ أَيْنَ لِيَ النَّجاةُ وَلا تُسْتَطاعُ إِلاّ بِكَ؟..."، لذلك كان جزاؤها على فنائها في ربها، قول نبيها في حقها: "يا خديجة إنّ الله عزّ وجلّ ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا"، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "لمّا توفّيت خديجة (عليها السلام) جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) وتدور حوله وتقول: يا أبت أين اُمّي؟ قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال له: ربّك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إنّ اُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران، فقالت فاطمة (عليها السلام): "إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام". وهنا درس عظيم لنا جميعا، فلا ينبغي أن ننظر إلى أعمالنا نظرة المعجب بها، ومن يتوقع النجاة بناء عليها، بل يكون شعارنا في كل أعمالنا هو ما كانت عليه سيدتنا. فما نحن وما خطر أو ( قدر) أعمالنا؟ وكل ما نفعله مهما كان عظيما وكبيرا هو لطف وتوفيق من ربنا؛ لذا لا ينبغي أن نتكل إلا على سعة رحمته بأن تتقبلنا وتشملنا، وهذا الأمر متى ما استوطن قلوبنا، ووجد طريقه إلى التطبيق في حياتنا، حينها سيكون لكل فعل أو حركة أو عمل مهما كان صغيرا إطلالة بهية، وصبغة إلهية، فنراه يتحرك بهدوء ليأخذ طريقه إلى رحاب الله القدسية. والدروس والعبر من حياة مولاتنا الطاهرة (سلام الله عليها) كثيرة يجدر بنا أن نتأملها، ونعيش في رحابها؛ لنبني حياتنا بالاستضاءة بنهجها، فهيا لنعاهدها على اقتفاء أثرها، وتلمس هديها، وتمثل خطاها، حتى يختار الله (تبارك وتعالى) لنا بمنه وكرمه جنانه التي نأمل أن ننال فيها شفاعتها وشفاعة ابنتها الصديقة الزهراء (سلام الله عليها).
اخرىالأمل روح الحياة
بقلم: ريحانة المهدي الأمل روحٌ ثانية إن فقدتها لا تحرم غيرك منها... زهراءُ طفلةٌ يجتمعُ الجمال والبراءة في شخصيتها، في أحد الأيام مرضت وبقيت ممدّدة على فراشها تعاني من مرض خطير ، سألت أختها الكبرى وهي تراقب شجرة بالقرب من نافذتها: -كم ورقة باقية على الشجرة؟ فأجابت الأخت بعين ملؤها الدمع: لماذا تسألين يا حبيبتي؟! أجابت الطفلة المريضة: لأنّي أعلم أنّ أيامي ستنتهي مع وقوع آخر ورقة فقط! كانت تظن بأنّ حياتها ستنتهي بانتهاء أوراق هذه الشجرة فردت الأخت وهي تبتسم: إذن حتى ذلك الحين سنستمتع بحياتنا ونعيش أيامًا جميلة. كانت أختها تحاول زرع روح الأمل في قلب زهراء؛ لتحيا أيامها الباقية بسعادة مرت الايام... وتساقطت الأوراق تباعًا... وبقيت ورقة واحدة معلقةً على الشجرة الموجودة قرب نافذة غرفتها، ظلت الطفلة المريضة تراقبها ظنًّا منها أنّه في اليوم الذي ستسقط فيه هذه الورقة سينهي المرض حياتها. انقضى الخريف، وبعده الشتاء، ومرت السنة... ولم تسقط الورقة والفتاة سعيدة مع أختها، وقد بدأت تستعيد عافيتها من جديد، وأصبحت تشعر بجمال الحياة مع أختها، فقد كانت تقضي أوقاتها باللعب والمرح مع أختها حتى شفيت تمامًا... فكان أول ما فعلته أنّها ذهبت؛ لترى معجزة الورقة التي لم تسقط، فوجدتها ورقة بلاستيكية ثبتتها أختها على الشجرة؛ لتبقى زهراء تشعر بالأمل بعدم انقضاء أيامها! بالأمل نحيا في الحياة، فلولا الأمل لما تقدّم الإنسان خطوةً مع ما يحمل من طموح وبعض الأمنيات...
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى