تشغيل الوضع الليلي

دماؤهم مفخرة الأمة

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 767

تسامت أرواح الشهداء لتصل إلى غايتها…
فنالت ما تمنت بأعلى مستوياتها…
لتركن إلى الثلة المؤمنة التي سبقتها…
فيزيد في كل عصر والحسين في كل عصر…
ولابد لراية الإسلام أن تعلو بالشهادة…

اخترنا لكم

استثمري فترةَ الحظرِ وتألقي

بقلم: أنعام العبادي يواجهُ الإنسان في سياقِ حياته مواقفَ متعددة، وظروفًا متفاوتة، وعليه التسليم لِتقلبِ الأحوال؛ فدوام الحال من المُحال، فيستطيع أنْ يتجنب ضررها، وما نقصده من الضرر هنا هو أنْ لا يتأثر دِينه؛ فهو عصمة أمره، وسلامة الدين أهمُّ من كلِّ شيءٍ، وهذا ما نفهمه من سؤال أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما أخبره رسول الله (صلى آلله عليه وآله) بما سيجري عليه، إذ سأله (عليه السلام) قائلًا: "وذلك في سلامةٍ من ديني؟"(١)، فاستهداف هذه السلامة تُطهر الدوافع لأيِّ سلوكٍ، وتجعله حكيمًا مؤثرًا ومنصفًا لكلِّ الأطراف، وسبيلًا للنجاة في الآخرة. بل ويمكن للمؤمن أنْ يوجّه ظروفه توجيهًا يجعلها تصبَّ في مصلحته، وتتدرجُ به نحو الكمال، ولكن قبل ذلك عليه أنْ يتقبلَها؛ فالإنكار ليس حلًا، ثم يُقرر قرارًا صادقًا على استثمارها والعروج بها. ومن أمثلة تلك الظروف فترة الحظر الراهنة، حيثُ بقاء الناس في منازلهم، فقد تزداد المشاكل داخل الأسرة؛ لكثرة الاحتكاك، وزيادة الضغوط والقلق، مما قد يُعرِّض المرأة والزوجة من بين أفرادها إلى الضغط أكثر من السابق؛ بسبب تدقيق الأب أو الإخوة أو الزوج بكلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ مثلًا، وسلبيات أُخرى نتعرّض إليها لاحقًا مما يؤثر على الصحة النفسية للمرأة، ولكي تَمر هذه الأزمة بسلام، نُقدِّم هذه النصائح: ١- على المرأة أنْ تعلم أنَّ مواجهة الابتلاءات هو اكتشافٌ جديدٌ لنفسها وقوة إيمانها؛ فالمؤمن لا يتضح جوهره ومدى إيمانه الحقيقي في الظروف الاعتيادية غالبًا، فإنْ وُضِع في ابتلاءٍ ما اتضح ذلك؛ ولذا ورد في بعض المرويات ما معناه (أنَّ المؤمن يُجرّب بالبلاء) ٢-أنْ تتقبل الظرف إجمالًا بقصد الاستثمار، وأنْ تعده منحةً من الله (تعالى)، فمنعُ البلاء غير ممكن وخارج إرادتها، لكن إدارته واغتنامه ممكنة، والبيتُ السعيد ليس هو الذي كلُّ أفراده صالحون لا عيب فيهم، وإنّما الذي يمتلكُ أفراده صفةَ الرضا التي تجعل الأمر القاسي هينًا. 3- على المرأة أن تضفي إلى نظرتها للأمور شيئًا من الإيجابية، فلا تنظر إلى كلِّ نقدٍ أو تدخلٍ على أنّه سلبيٌ، فقد يكون فيه تصحيحٌ لِبعض الأخطاء التي لم تكن مُلتفتةً إليها، فاستقبال الملاحظات من قِبل الآخرين بهذه الروحية يُخفف من حدِّة النقد وسلبية الرد، كما من الممكن أنْ تطلب من الناقد المساعدة والإرشاد للطريقة التي يعتقدها صحيحةً ، أو أنْ تطلب منه أن يقوم هو بنفسه بذلك العمل، لا على نحو الأمر، وإنّما على نحو (قد أكون غير مُلتفتة وأودُّ منك أنْ تُعلمني) حتى وإنْ كانت غير مقتنعة! فإنْ كانت طريقته صحيحة فقد حصلت على فائدة وخفف عنها ثقل العمل هذه المرة، وإنْ شعر الناقد بصعوبة القيام بذلك العمل وعدم جدوى اعتقاده وعدم صوابه، فإنّه على الأرجح سيُقلل من تدخله بمرور الزمن. ٤-أحيانًا يكون تدخُل الرجل بأعمال المرأة وكثرة ما يوجهه من انتقادات إليها بسبب توقف عمله في الخارج، وقرب نفاد أمواله والمؤونة، وهنا يأتي دور المرأة الصالحة المصلحة بالتخفيف عنه، وتذكيره بأنَّ الذي في الحظر هو نحن، وليس عطاء الله (سبحانه)! ورحمته (تعالى) أوسع من البلاء الذي يُحيط بنا، ولتستعِن بالله تعالى لِتصرف همّه إلى الآخرة، فإذا نجحت المرأة بذلك تكون قد حوّلت ذلك القلق والخوف والهم للدنيا الذي يشعر به الرجل إلى غنى وطمأنينة، ومن ثمَّ ربما تقلل من انتقاداته، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: "من أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه جعل الله الغنى في قلبه، وجمع له أمره ولم يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، ومن أصبح وأمسى والدنيا أكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه أمره ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم له"(2). وعلاوةً على ذلك فإنّها ستكتسب أجرًا، فقد روي أنَّ رجلًا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: "إنَّ لي زوجةً إذا دخلتُ تلقتني، وإذا خرجتُ شيّعتني، وإذا رأتني مهمومًا قالت: ما يهمك؟! إنْ كنتَ تهتم لرزقك فقد تكفّل لك به غيرك، وإنْ كنت تهتمُّ بأمر آخرتك فزادك الله همًا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنَّ لله عمالًا وهذه من عماله، لها نصفُ أجر الشهيد"(3). ٥- إذا لم ترَ ثِمارَ محاولاتِها الحكيمة لا يعني ذلك أنْ تمل، بل عليها أنْ تتمسك بإيجابيتها؛ فهي على الأقل لم تكن سببًا لسوء خلقه، ولتتجاهل هذه السلبيات ولا تستجب للأفكار التي يُحاول الشيطان إنْ يُضخمها ويُركز نظرها عليها. ٦- عليها أن تشعر بالامتنان؛ لِأنها أدت ما عليها، فالسعادة بحقانيةِ العمل لا بثماره، والثمرة هي بمشيئة الله تعالى، ولتتذكر إيجابيات الزوج، فقد يكون كثير التدخل كثير الانتقاد، لكنّه كريمٌ ووفيٌّ وصادقٌ وغيورٌ وصفات أخرى قد تفتقدها نساءٌ أُخريات في شركاء حياتهن، ولتنظر إلى من فقدت زوجها منهن، وتتمنى لو يكون موجودًا ليحمل عنها ثقلَ وصعوبةَ الحياة حتى لو كانت فيه كلّ هذه السلبيات. بهذه الخطوات من الممكن للمرأة أنْ تُدير أزمة الحظر، وتخرج منها بسلامةٍ من دينها وبركةٍ لمن حولها، ولا نجزم بانتهاء الأزمات، ولكنها بهذا ستكون في القادم أفضل وأقوى عندما تتعامل مع البلاء على أنَّه استثمار للتألق، مستعينة بالله (سبحانه) متوكلة عليه، مُرددة هذه الكلمات بتسليم واطمئنان: "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا(٤). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (١) عيون أخبار الرضا(عليه السلام)/ الشيخ الصدوق. (٢) ميزان الحكمة/ محمد الريشهري/ ج١ (٣) من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق (٤) مفاتيح الجنان/ الشيخ عباس القمي/ أدعية ليلة النصف من شهر شعبان ويغتنم الدعاء به في سائر الأوقات.

اخرى
منذ 4 سنوات
451

خلافٌ عقدي لا أُسري

الشبهة: صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية وإنهاء الخلاف الذي كان بينهما.. دليل على أن الخلاف كان بين أسرتين متناحرتين، وهو دليل واضح على أن سياسة أهل البيت تجاه الصحابة ليست سياسة معادية كما يدعي الشيعة. ويمكن الرد على هذه الشبهة وتفنيدها من خلال: أولاً: لم يكن الامام الحسن (عليه السلام) راغباً في صلح معاوية بل كان عازماً على قتاله. ثانياً: صلح الامام (عليه السلام) ما كان إلا نتيجة للظروف غير المناسبة للحرب. ثالثاً: عدم دلالة الصلح على صفو العلاقة بين المتصالحين وإنهاء العداء بينهما. رابعاً: لم يدعِ الشيعة أن سياسة أهل البيت (عليهم السلام) معادية للصحابة بشكل عام. وفيما يأتي نذكر كل جهة من هذه الجهات بشيء من التوضيح: أولاً: عزم الامام الحسن (عليه السلام) على القتال وعدم رغبته بالصلح لولا الظروف. بتصفح خاطف لسيرة الامام الحسن (عليه السلام) بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام) تستوقفنا العديد من القرائن والشواهد التاريخية التي تدل بوضوح على عزمه (عليه السلام)على قتال معاوية وتؤكد تصميمه على استكمال خطة أبيه (عليه السلام) في محاربة البغاة، منها: 1 ـ فرضُ الامام الحسن (عليه السلام) على المبايعين عند بيعته عهداً (بأن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم) دليلٌ على عزمه على القتال. وهذا ما استنتجه المبايعون أنفسهم كما جاء في الكامل في التاريخ: (وكان الحسن يشترط عليهم أنكم مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت فارتابوا بذلك وقالوا ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا إلا القتال)(1)؛ ولذا فقد توجس المتخاذلون خيفة من العهد الذي فرضه عليهم، وعلموا أنه عازم على الحرب!. 2 ـ دعم المقاتلين ودفعهم للتأهب للقتال تنقل لنا كتب التاريخ ان أول عمل قام به بعد بيعته هو زيادته المقاتلة مائة مائة، مما يدل على حرصه على ترغيبهم في القتال وتشجيعهم على محاربة البغاة، وإلا فمن يرغب بالصلح وينأى عن الحرب لا مصلحة له بتاتاً في ذلك. 3 ـ اهتمام الامام الحسن (عليه السلام) الكبير بالحفاظ على وحدة مقاتليه، وعدم تهاونه تجاه من يحاول شق صفهم، إنما يشير الى حرصه على القتال. وقد تجسد ذلك في قتله الجاسوسين الذين دسّهما معاوية في البصرة والكوفة كجاسوسين ينقلان له الاخبار وكمخربين يبثا سموم الفرقة بين المقاتلين ويثبطا من عزيمتهم. 4 ـ تهديده لمعاوية بالحرب فقد كتب الإمام الحسن (عليه السلام) كتاباً جاء فيه: «وإنما حملني على الكتاب إليك الإعذار فيما بيني وبين الله عز وجلّ في أمرك ولك في ذلك إن فعلت الحظ الجسيم والصلاح للمسلمين فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل الناس من بيعتي فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك وعند الله وعند كل أواب حفيظ ومن له قلب منيب واتق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين فوالله ما لك خير في أن تلقي الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به وادخل في السلم والطاعة ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحق به منك ليطفئ الله الثائرة بذلك ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين»(2). 5 ـ حفاظ الامام الحسن (عليه السلام) على نسق واحد في مراسلاته لمعاوية وهو التأكيد على أحقيته بالخلافة، وأنه أهل لها شرعاً، ومطالبته لمعاوية بالكف عن منازعة الحق أهله، بالرغم من تباين خطابات معاوية بين الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، فلم يخضع لوعوده أو يمل إلى ترغيبه، كما لم يهزه وعيده ولم يخش ترهيبه. بل إنه (سلام الله عليه) كان يترفع عن الرد على مغالطاته أحياناً ويفضل عدم الجواب عنها، كما جاء في آخر مراسلاته: «أما بعد فقد وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت فتركت جوابك خشية البغي عليك وبالله أعوذ من ذلك فاتبع الحق تعلم أني من أهله وعلي إثم أن أقول فأكذب والسلام»(3). وعندما بلغ الامام الحسن (عليه السلام) سير معاوية وأنه قد وصل جسر منبج أمر الناس والعمال بالتهيؤ لمواجهته والاستعداد لمقاتلته وأمر بتجمعهم في مسجد الكوفة وخطب فيهم قائلاً: "..أما بعد فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرهاً ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: اصبروا إن الله مع الصابرين.. فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون. بلغني إن معاوية بلغه أنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك، أُخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا"(4). 6 ـ تصريحه لمعاوية أن لو آثر القتال لبدأ بقتاله قبل أي أحد من الناس، وذلك عندما تمردت طائفة من الخوارج وأعلنت العصيان في جوار الكوفة، وكان موكب الامام الحسن (عليه السلام) لم يتجاوزها كثيراً، فأرسل إليه معاوية أن ارجع وقاتلها فأبى أن يرجع وكتب إليه « لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك قبل أي أحد من الناس»(5).ثانياً: صلح الامام (عليه السلام) ما كان إلا نتيجة للظروف غير المناسبة للحرب. ليس القائد المحنك هو من يلج ساحات الحروب كيفما اتفق، أو تقوده رغبته في القضاء على أعدائه إليها وإن لم تكن الظروف مواتية، فإن القائد إن قاد جيشه تحت ظروف غير مناسبة لم يعد قائداً بل يضحى مقوداً حيث قد يجبر على الاستسلام بلا قيود، أو الرضوخ دون شروط، وهو ما تجنبه الامام (عليه السلام)، وإنما القائد من هو من يجيد فهم جيشه ويشخص أسقام رعيته ويعالج أدوائهم. وقد شخص الامام (عليه السلام) ما كان يعانيه المسلمون في مرحلته، وهو ابتلائهم بمرض الشك، حيث خلفت الحروب مع الناكثين والقاسطين والمارقين ووقوف وجوه بارزة من صحابة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مع المخالفين أوضاعاً نفسية مشككة في صفوف الموالين للإمام علي (عليه السلام)، وقد زادها عمقاً انتقال الحكم إلى الامام الحسن (عليه السلام) مما رجح انطباعاً خطيراً لدى الناس مفاده أن المعركة ليست إلا عداء متجذر بين عائلتي (بني هاشم وبني أمية) وليست بين الإسلام وقوى البغي!، أو بين الحق والباطل!. لاسيما إن حكم معاوية قد اكتسب شرعيته في واقعة التحكيم في صفين. وقد أخذ داء تشكيكهم في أحقية الامام الحسن (عليه السلام) مأخذه منهم حتى تخاذلوا وفسدت نياتهم، وتجسدت بما كانوا يكيلون عليه من السب والتكفير له واستحلال دمه ونهب أمواله، علاوة على الكتب التي كتبها بعضهم الى معاوية يضمنون له فيها الفتك بإمامهم وتسليمه مقيداً اليه، بحيث لم يبق معه من يأمن غوائله إلا الخاصة من شيعة أبيه. فتيقن الامام (عليه السلام) أنه لم يدرك جوهر المعركة بعد سوى بعض أصحابه، فآثر أن يمنحهم بعض الوقت ليدركوا الحقيقة، وقد أثمر رأيه (سلام الله عليه) فعلاً عندما انكشف لهم خداع معاوية وانفضح إسلامه القشري وتجلت لهم الحقيقة واضحةً وأدركوا طبيعة العداء بين الهاشميين والأمويين فكتبوا الى أخيه أن أقدم الينا....؛ لأنهم قد أدركوا فعلا أن الحرب كانت حرباً بين الحق والباطل، بين الاسلام واللا إسلام، لا أنها مجرد حرب لعداء تجذر بين عائلتين تروم كل منهما الثأر والانتقام من الأخرى، أو مصلحية تحاول كل منهما جهدها لتعيد أمجادها. والى جانب ما كان يعاني منه جيش الامام (عليه السلام) من تشكيك، فإن سم كذب وافتراء معاوية قد سرى في بعضهم، فيما أفقد بريق دنانيره لب بعضهم الآخر . ومن كذب معاوية أن بث بين صفوف الجيش أن الامام (عليه السلام) يراه أهلا للخلافة، فرد الامام (عليه السلام) على ذلك قائلاً :«وأن معاوية زعم لكم أنني رأيته للخلافة أهلاً ولم أر نفسي لها أهلاً فكذب معاوية نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله (عز وجل) وعلى لسان نبيه ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله نبيه»(6). ولعل أكثر كذبة أثرت في جيش الامام (عليه السلام) وشقته الى نصفين كتاب معاوية الذي أرسله الى عبيد الله بن عباس قائد جيش الامام (عليه السلام): «إن الحسن راسلني في الصلح وهو مسلم الأمر إليّ فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً وإلا دخلت وأنت تابع ولكن إن أجبتني الآن أنا أعطيك ألف ألف درهم أُعجّل لك في هذا الوقت نصفها وإذا دخلتُ الكوفة النصف الآخر». فانسلّ عبيد الله بن العباس إلى جيش معاوية ومعه بضعة آلاف من جيش الحسن (هكذا قيل، وللبعض فيه نظر وتأمل) وأما النصف الآخر فقد أعلن عن رغبته في الحياة وعدم رغبته بالحرب عندما خطب به الامام الحسن (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه وقال: «إنا والله ما يثنينا شك في أهل الشام ولا ندم وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع وكنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ألا وقد أصبحتم بين قتيلين قتيل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروان تطلبون ثأره وأما الباقي فخاذل وأما الباكي فثائر ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبي السيوف وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى». فناداه الناس من كل جانب البُقيَة! البُقيَة..(7) أ فهل بهذا الجيش المتهالك عقيدياً والمتخاذل نفسياً يخوض الامام (عليه السلام) غمار الحرب مع جيش قد رباه معاوية على الطاعة العمياء، ورسخ فيه أنه على حق فأقدم على الحرب بكل عزم موطناً نفسه على الفداء؟!ثالثاً: عدم دلالة الصلح على صفو العلاقة بين المتصالحين وإنهاء العداء بينهما. بالإضافة الى ما تقدم فإن الصلح بين الجهتين المتعاديتين أو الجيشين المتقاتلين لا يعني إنهاء العداء بينهما البتة، وإنما يعني إيقاف الحرب بينهما ليس إلا، كما لا يدل على صفو العلاقة بينهما من باب أولى. وإلا فهل أنهى صلح الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) العداء مع الكفار الذين صالحهم؟ أم دل بشكل أو بآخر على صفاء علاقته بهم؟ وقد أوضح الامام الحسن (عليه السلام) هذه الحقيقة، بل وصرّح بكفر معاوية وأصحابه، فكيف يمكن الادعاء بأنه قد أنهى عداءه معهم؟ وذلك عندما سأله أحد أصحابه «يا ابن رسول الله لم هادنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فأجابه: يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى على خلقه وإماما عليهم بعد أبي؟ قال: بلى. قال ألست الذي قال رسول الله لي ولأخي الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قال بلى. قال فأنا إمام لو قمت وأنا إمام لو قعدت، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل»(8). من كل ما تقدم يتضح جلياً بأن الامام الحسن (عليه السلام) لم يقبل الصلح مع معاوية لأجل إنهاء العداء بين الهاشميين والأمويين كما تصور الشبهة ، بل لأجل حقن دماء جيشه الذي غزت جسده الأسقام من كل جانب، من تشكيك الى طمع الى ضعف وهوان، فأحالته الى جيش متهالك متخاذل. رابعاً: لم يدعِ الشيعة أن سياسة أهل البيت (عليهم السلام) معادية للصحابة بشكل عام. فقد كان العديد من الصحابة الأجلاء مع الحق يوالون الإمام علي (عليه السلام) كسلمان المحمدي وأبي ذر (رضوان الله عليهم)، بل وبعضهم قاتل مع الامام علي (عليه السلام) كعمار بن ياسر (رضوان الله عليه) الذي استشهد في معركة صفين ضد الفئة الباغية معاوية وأصحابه. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكامل لإبن الأثير ج3:ص742. (2) شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديدج16:ص227. (3) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص39. (4) المصدر الأسبق، نفس الجزء ص231. (5) الكامل لابن الأثير ج3: 177. (6) الأمالي للطوسي ج2:ص146. (7) بحار الانوار للمجلسي ج75:ص107 (8) علل الشرائع للصدوق ج1:ص297

اخرى
منذ 6 سنوات
2327

خاطرة

وقل إعملوا.. (وقل اِعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون) العمل... العمل... والتقييم عند ربٍ مطلعٍ على الظاهر والباطن، التوثيق بكتابٍ (لايغادر صغيرة و لا كبيرة)... فهل ستتوقف همتك.. عند عام، وتنشط عزيمتك عند آخرٍ... لمجرد افكار وقناعات، ما أنزل الله بها من سلطان!

اخرى
منذ 4 سنوات
1005

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76831

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56645

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44096

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43539

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40337

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33539