تشغيل الوضع الليلي
أنتَ سرُّ الإله ورمزه
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 478
بقلم: صباح البدري
سيدي أيُّها المُستثنى من كلِّ البشرِ بعد محمدٍ (صلى الله عليه وآله)، نحنُ في أوجِّ الاحتياج إليك، الإسلامُ يشتاقُ لعدلِك السماويّ، يغفو على حُلُمِ سيفِك البتّارِ لكلِّ الظُلام والأشرار، ينزفُ ألمًا مع كلِّ زفيرٍ لفقيرٍ، وأنين لمريضٍ، لم يَجِدوا عليًّا ينتشلُ أرواحَهم وهي على قيدِ الموتِ اليوميّ.
نبحثُ عنك بين أبنيةِ التاريخ...
شاهقٌ أنتَ تبدو كعمودٍ عملاقٍ، تستندُ على كتفيك خطوط الحضارة، ليسَ لكَ من مُنازعٍ، كلُّ مَن قبلِك ومَن بعدِك ــ خلا الخاتم (صلى الله عليه وآله) واولادك الطاهرين - تبتلِعُهم الضآلةُ، ويضيعون في دُجى منافستك.
باتتِ الحياةُ من بعدِك مظلمةً سيّدي، لا نجِدُ فيها رونقًا، ويقودُنا الأملُ إلى شمسٍ خلفَ السُحُب، نترقَّبُ دِفأها، ويتآكلُنا الزمهريرُ، نلتمسُ عطفَها ويقتُلُنا الفراقُ، نطلبُ مجيئها والفرجُ لم يَحن!
تعبْنا، ظُلِمْنا، وسُلبت حقوقُنا، هل من مجيء؟
كمْ مِن الليالي بعدَك ننتظِر، لم أقُلْ: أيامٌ، هي فقط، ليالٍ وحالكةٌ أيضًا!
عفوًا أنتم النورُ ومِن بعدِكم لا أثرَ لضياءٍ فينا.
أخافُ أنْ يُصيبَنا اليأسُ الملعون.
باللهِ عليكَ يا أسطورةَ الكونِ، اسكبْ ماءَ لُطفِكَ على قلوبِنا المُتفطِّرة من جَورِ الزمان وفِتَنِه الشائكة، علّها تُشفى، عّلها تحيا حياةً لا يضرُّ معها أذى وألم.
اخترنا لكم
الموتُ الرحيم
بقلم: خلود الفريجي زارني وأنا في غفلةٍ عن أمري، ما فكرتُ بقدومه يومًا، ولا أعددتُ العُدّة للقائه، عندما رأته عيناي أحسست بالرعب يملأ خافقي، وقفتُ على حافة أفكاري وقفزت في هاوية عقلي، فما زلتُ أسقط باتجاه أسئلتي التي لا تنتهي... هل سيكونُ لوجودي أثرٌ أتركه بعدي؟ أو هل سأرحلُ كما رحل غيري بقِلّة الزاد؟ هل سأضعُ قدمي على طريق الوصل والوصال؟ أو سأرحل خالية الوفاض؟ هل سأجدُ سكينةً في هذا العالم قبلَ الرحيل؟ أو سأظلُ اتخبطُ في حيرتي أبحثُ عن السبيل إلى الحقيقة؟ ظلت أمواج رعبي تتلاطمُ في صدري وتكسرت أشرعة روحي في مواجهة عاصفة أفكاري، فرأيته يبتسم قائلًا: لمَ الخوف؟ إنّكِ تَرِدِين على ربٍ كريم... فاستحضرت يقيني بأنَّ لله في كلِّ أمرٍ رحمةً، حتى الموت فهو رحمة! فهدأت روحي ورحتُ أردد: وفدتُ على الكريم بغير زادٍ من الحسنات والقلب السليم وحملُ الزاد أقبحُ كلِّ شيءٍ إذا كان الوفودُ على الكريم وأسلمتُ نفسي إلى بارئها، يملأها اليقين برحمته وفضله...
اخرىاسعَ للكمال..
بقلم: شيماء المياحي خلق الله (تعالى) الإنسان وأخرجه من عالمِ الأرحام إلى عالم الدنيا خاليًا من أيِّ علمٍ سوى بعض العلوم الفطرية التي تُعينه على استمرار الحياة، مثل حُبِّه لأبويه، وهدايته لطريقة الرضاعة الصحيحة، وبكائه عند جوعه .... وغيرها. وأتاح له فرصة السعي للتكامل في عالم الدنيا، وهيأ له المقدمات واللوازم التي تُعينه على بلوغ الكمال، قال (تعالى): "والله أخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون"[النحل:٧٨] وهذا ما يهدفُ إليه العقلاء على اختلاف معتقداتهم وتوجهاتهم، إلا أنّهم اختلفوا في نوعِ الكمال الذي يسعى له العقلاء، ويعود منشأ هذا الاختلاف إلى العقيدة، فمن يعتقد بوجود عالمٍ آخر، وحياةٍ أبدية بعد هذا العالم، فيها حسابٌ وجزاءٌ لكلِّ ما يفعله الإنسان في عالم الدنيا، تختلفُ نظرته للكمال عمّن يعتقد بأنَّ الحياةَ تنتهي بموتِ الإنسان. ولأجلِ بلوغ هذا الكمال- على اختلافاته- أُلِّفَتِ الكتب، وأُقيمت الدورات، والوِرَش التثقيفية بأنواعها، بأسماء مختلفة وهي ما يُطلق عليها اليوم عنوان "تطوير الذات" ونظرًا إلى عقيدة المسلم التي يؤمن عبرها بوجود عالمٍ آخر بعد عالم الدنيا فإنّه يسعى إلى تطوير ذاته لنيل الكمال في الدنيا والآخرة. وهذا ما أشارت إليه الآيات الكريمة والروايات الشريفة، في قوله (تعالى): "إنّ هذا القران يهدي للتي هي أقوم"[الاسراء:٩] فهذه الآية وغيرها من الآيات الكريمة تقطع الشك باليقين بأنَّ الكتاب العزيز هو طريقنا إلى النجاح وتطوير الذات في الحياة الدنيا، مثلما هو الموصل إلى النجاة في الآخرة، وهو الصواب في ضبط التوازن بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله. وهو الأقوم في ضبط علاقة الإنسان بخالقه من جانبٍ، وبالمخلوقات -البشر وغيره- من جانبٍ آخر، بل وحتى في تطوير ذاته يومًا فيوم. ففي حديثٍ لأبي عبدالله الصادق(عليه السلام): "من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كان في غده شرًا من يومه فهو مفتون، ومن لم يتفقد النقصان في نفسه دام نقصه، ومن دام نقصه فالموت خير له"(١) كما أنَّ هناك الكثير من أحاديث أهل بيت العصمة (عليهم السلام) تدعو إلى السعي الحثيث في تشخيص عيوب الذات، والعمل على إصلاحها وتطويرها إلى الأفضل بالقدر الممكن. وتطويرُ الذات له أقسامٌ وأنواعٌ نذكر بعضها: ١ - التطوير العقلي وهو تطوير لأعظم النعم التي أنعم بها الباري (جلَّ وعلا) علينا، وبها كرّمنا على باقي مخلوقاته، وما كثرة الآيات القرآنية الدالة على التفكر والتدبر، إلا لإرشادنا إلى أهمية السعي الجاد لتطوير الجانب العقلي عند الإنسان. كما حثت الروايات الشريفة كذلك إلى السعي لتطوير الجانب العقلي، روي عن الإمام علي(عليه السلام): "العقلُ غريزةٌ تزيد بالعلم والتجارب"(٢) وعنه(عليه السلام): "أعونُ الأشياء على تزكية العقل التعليم"(٣) وهنا تنبيه: كثيرًا ما تتوجه الأذهان إلى أنَّ العقول النيّرة إذا التحق بها العلم والمعرفة تكون سبيلًا لتطوير الذات، والسير والسلوك في مدارج الكمال، ولكن! صانعُ السلاح النووي سلاحَ التدمير الفتاك، كان ذا عقلٍ نيّرٍ وعلمٍ محكمٍ أيضًا، ولكنه استخدم علمه في تدمير البشرية! وكذا إبليس(عليه اللعنة) من قبله، كان يتمتع بعقلٍ وذكاءٍ شديدين! لكنه استخدمهما لإضلال الناس عن طريق الهدى! فما قيمة العقل والعلم والمعرفة من دون الورع و التقوى؟! قال الشاعر: لو كان للعلمِ من غير التُقى شرفٌ لكان أشرفُ خلقِ اللهِ ابليسُ ٢ - التطوير الأخلاقي وهو رأس الهرم للرسالة الإسلامية، بل جوهرها وروحها، وينبغي للفرد المؤمن السعي في تطويره امتثالًا لما ورد عن أئمة الهدى (عليهم السلام)، فعن الإمام علي (عليه السلام): "لو كنا لا نرجو جنةً ولا نخشى نارًا، ولا ثوابًا ولا عقابًا، لكان ينبغي لنا أنْ نطالب بمكارم الأخلاق، فإنّها مما تدلُّ على سبل النجاح ....."(٤) ٣ - التطوير الاجتماعي بما أنَّ الإنسان كائنٌ اجتماعي ولا يمكنه الانفراد بنفسه، والعيش بعيداً عن أبناء جنسه، ينبغي له أنْ يتعلم آداب التواصل مع الآخرين ليحيى حياةً سعيدةً. والدين الإسلامي الذي هو خير الأديان لم يترك حركةً ولا سكونًا إلا وذكر لها أُسسًا ونُظُمًا، ولا سيما فيما يتعلق بعلاقة الإنسان مع أبناء جنسه حيث شرع القرآن الكريم منهجًا متكاملًا في التعامل مع الآخرين حيث جاء ذكر عدةِ وصايا أخلاقية اجتماعية في سورة الحجرات: -فتبينوا -فأصلحوا -واقسطوا -لا يسخر قومٌ من قومٍ -ولا تلمزوا أنفسكم -ولا تنابزوا بالألقاب -اجتنبوا كثيرًا من الظن -ولا تجسسوا -ولا يغتب بعضكم بعضًا وفي الروايات الشريفة وردت أيضًا آدابٌ وسنن يُحافظ التمسك بها على علاقة الإنسان بالآخرين من حيث ضبط جوارحه الخارجية عن كلِّ ما يُسببُّ التفرقة بينهم وضبط جوانحه أيضًا عن ظنِّ السوء والحسد والضغينة وغيرها من الرذائل الباطنية. روي عن الرسول الأكرم (صل الله عليه وآله) أنّه قال: "أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض"(٥) فهل يوجد قانونٌ لتطوير الذات أفضل وأكمل من قانون الله (جلَّ وعلا)؟! ----------------------------------- (١) البحار: ج٧٨ ص٢٧٧ (٢) غرر الحكم : ح٣٢٤٦ (٣) نفس المصدر (٤)مستدرك : ج١١ ص١٩٣ (٥) الكافي : ج٢ ص١١٧
اخرىالرصاصُ المقبور شاهدٌ وشهيد
بقلم: عبير المنظور كثيرةٌ هي اللحظات التي كنتُ أتمنى فيها أن أتحرر من سجني، لا لحريةٍ مكذوبةٍ أتمناها، وإنّما لحريةٍ حقيقةٍ كنت أرومها، وهي أن أُرزقَ الشهادة، فقد كان حلم الشهادة يراودني أنا ورفاقي ويحرّك الأمل القابع في الروح شوقًا وتحرّقًا لتحقيق ذلك الحلم يومًا ما، كنا جميعًا نتشاطر ذات الحلم، كنّا نغبط رفقاءنا الذين سبقونا للشهادة، وقضوا على أشرار الخلق، وانتهت حياتهم بشرف بانتهاء تلك المَهمَّة بزفَّةِ عُرسٍ مُضمّخةٍ بدماءِ الشهادة، كنت كلما أرى شخصًا يفتح باب السجن كنتُ أتوجّه إلى الله بتراتيل دعاء، وأتمتم بترنيماتِ عشقٍ وأملٍ بأن يحين دوري للمَهمَّة القادمة، وفي كلّ مرة كنت أزداد أملًا عن سابقتها حتى حان دوري، طاش لُبّي فرحًا وتلعثمتُ بهجةً وسرورًا، ودّعتُ رفاقي وانطلقت مُحلِّقةً بزهوٍ في السماء بين أقراني، ملأنا الخافقين مرة واحدة كزخات المطر، وأصبحنا نتراشق من هنا وهناك في أعالي الجوّ مع أسراب الطيور، كان منظرًا جميلًا لم أشهده من قبلُ، فكل ما كنتُ أعرفه عن عوالمنا أنها خالية من الحياة والجمال والعطاء، فنحن خُلِقنا للحروب والقتل في المعارك الضارية، ووُجِدنا لقتل الأشرار وتنقية العالم منهم، إلا أنني لم استمتع بمنظر أسراب الطيور الخلّاب هذا، فوجودنا قد أثار الطيور وشتت انتظامها مما اضطرها للهروب، لم أفهم للوهلة الأولى ما يجري، وأكملتُ مسيرتي بحسب ما يرسمه القدر لوِجْهَتي. توقفتُ في المحطة الأخيرة، واخترقتُ الخطوط، وجِبتُ الأروقة، لكنني كنت في كلّ مرة أزداد تعجُّبًا ممّا أرى، وفي الوقت ذاتِه أصبحتُ أُدركُ جيدًا أنني أخطأت الهدف، حاولتُ الرجوع مرارًا ولكن هيهات، كان خطُ انطلاقِ مَهمَّتي خطَ انطلاقٍ لا رجعةَ فيه، لم أجد بُدًّا من الاستقرار في قلب الهدف إلا أنّني أُعجِبتُ بكَمِّ النقاء والبراءة فيه، كان الهدفُ عبارةً عن رأس طفلة لم تتجاوز السابعة من عمرها الغضّ، رأسٌ صغيرٌ سكنتهُ صور الوالدين والإخوة والأقارب والأصدقاء ترافقها أحلامٌ كبيرةٌ بأن تصبح طبيبة؛ لتخدم الإنسانية، وتسهم في تقدم وطنها وازدهاره، وفيه العديد من الأفكار البريئة والذكريات الجميلة من ابتساماتٍ تلقائية وضَحكاتٍ لمواقفٍ طريفةٍ جمعتها مع الأحبة، ويبدو أنّ دُميتها الصغيرة كانت تحتلُّ مساحة كبيرة فيه. لم أجد في ذلك الرأس شيئًا من التعقيد إلا بعض المسائل الرياضية التي أشكل فهمها على تلك الطفلة المسكينة؛ بسبب صعوبة المناهج الدراسية في أثناء السنوات الأخيرة، كانت هذه الجنبة السلبية الوحيدة التي وجدتها في رأس تلك الطفلة، وانزعجتُ؛ لأنني لم أجد ما كان يتكلم عنه رفاقي الذين رافقوا أبطال الحشد الشعبي في معاركهم البطولية عن هدف، وأصل مَهمًّتنا هو القضاء على الشر ومصدره ومحيطه، ونحقق الخير والأمان، لم أجد الشرّ الذي كانوا يتكلمون عنه، فبدأت ألوم نفسي، أيعقلُ أنني غيّرت المسار وغيّرتُ الهدف؟! كيف ذلك وأنا موجهةٌ نحو الهدف فأصبحتُ على يقين أنَّ الرامي هو مَنْ أخطأ الهدف، فهو كما يبدو لم يُصوِّبْ على هدفٍ معينٍ بل أطلقني عشوائيًا وإلاّ لِمَ أصبتُ هذا المحيط المتشبّع بالخير والنقاء! أيُعقل أن يكون الرمي العشوائي بهذه القسوة؟! أن يقتل أحلامًا وضَحكاتٍ لطفلةٍ بريئةٍ ليس لها ذنب سوى أنّها كانت جالسةً في حديقة منزلها تتأمّلُ الورد؛ لتقطف أزاهيرًا من الشكل أجملها ومن العبق أضوعها؛ لتهديها لأمها في عيد الأم. تُرى منْ المسؤول عن هذه الفاجعة؟ هل هو جهل الرامي أم تهوره الذي تسبب في مقتل شخص برئ بالخطأ؟ ألم يكن يعلم أن الرصاص يقتل؟! وأنّه وُجِد لساحات الوغى والقتال للقضاء على الأعداء والأشرار؟! كم كنتُ غبيةً حينما كنتُ أُمنّي نفسي بالخروج من حافظة الرصاص التي كنتُ أعدُّها سجنًا لي كي أُرزق الشهادة وأموت في رأسٍ داعشيٍّ بغيضٍ دنَّس أرض المقدسات؛ لأقضي على أفكاره الشيطانية وخططه القذرة، وأقتل بذلك آماله بأن يقتل الأبرياء، ويسبي النساء، ويستعمر بلد الأنبياء والأولياء، وإذا بي أجد واقعًا مختلفًا عمّا كنتُ أخططُ له. كم كنتُ ساذجةً حينما كنت أرسمُ نشوةَ شهادتي في رأسه العَفِن، وإذا بي استقرُّ في رأس طفلة بريئة، كم احتقرتُ نفسي حينها واحتقرتُ مَن أطلقني أكثرَ وأكثرَ. أيُّ استهتار وأيُّ جهل وأيُّ تسيّب أوصل الأمة لهذه الحال البائسة؟! ما الدافع المُهم الذي يستوجب الرمي العشوائي؟ مهما كانت المناسبة ومهما كانت الأسباب فإنّها مسوغات سخيفة جدًا وغير منطقية للموجودات العاقلة. أنا أُحدّثكَ أيها الرامي بشكل عشوائي فاستمع مقالي: أولاً وقبل كلّ شيء: أنا لستُ رصاصة طائشة كما تزعم، وإنّما أنت الطائش بتصرّفك غير المسؤول هذا. تُرى ماذا ستكون ردّة فعلكَ إن استقرتْ رصاصة في رأس أحدٍ من أطفالك أو أقاربك؟ هل ستقول: إنّها رصاصة طائشة! أم ستلعن مَن أطلقها لعنًا وبيلًا هو وأهله وعشيرته؟ تُرى هل ستتخيل نفسَكَ يوم القيامة قاتلًا لنفس بريئة دون ذنب؟! وإن قلتَ: إنّكَ لم تكن قاصدًا لقتل نفس بريئة، وإنّكَ رميتَ عشوائيًّا بدافع الفرح والحماسة، أقولُ لكَ: ألمْ تسمعْ وترى في كلّ الأعياد والمناسبات العامة والخاصة بحالات القتل بالرصاص العشوائيّ أو الطائش كما تزعم؟! وإن لم تسمعْ بذلك، ألمْ تفقه أننا جنس قاتل؟! ألم يُخبركَ مَنْ علّمكَ حملَ السلاح أنّ الرصاص غادرٌ ومُميتٌ، وعليكَ إتقان التصويب؛ كي لا تُخطِئَ الهدفَ فتقتل شخصًا بريئًا دون قصدٍ أو تُصيبهُ بإعاقةٍ دائمةٍ أو مؤقتةٍ؟! لماذا لا تُعبّرُ عن فرحِكَ وحماسِكَ بطُرُقٍ وأساليبٍ حضاريّةٍ تُوافق كونَكَ إنسانًا لا همجيًّا وفوضويًّا؟ ألمْ تعلم كلّ هذا؟! ألمْ تعلم بأنّ الله سيَحشُركَ مع القتلة والمجرمين وإن كنتَ غير متعمِّدٍ للقتل، ولكنك ستُحاسَبُ على إصرارك وتهوُّرِكَ واستهتارِك بأرواح الأبرياء في الرمي العشوائيّ مع احتمال قتل نفس محترمة ولو بنسبة ١ %؟ زيادةً على مساهمتك في زعزعة الأمن والسلام في المجتمع وإخافة الناس وترويعهم وخاصة النساء والأطفال، إذن ما الفرق بينك وبين الإرهابيين؟! شارفت حياتي على الانتهاء ولم يَعُدْ لي متسعٌ من الوقت، ولم تنتهِ كلماتي للرامي العشوائيّ بعدُ، فتوجّهتُ لله تعالى ودعوتُ بدعواتي الأخيرة: إلهي، اغفر لي فأنت تعلم بأني لستُ أنا المذنبة في جريمة القتل هذه، وأنا سأكون شاهدةً على جريمة الرامي يوم القيامة؛ لآخذَ بحقِّ هذه الطفلة التي يتمنى أهلها أن يعرفوا شخصَ قاتِلها للاقتصاص منه؛ كي تهدأ ثورة نفوسهم. ورجائي الأخير أنْ أُقْبَرَ مع كَمّ البراءة هذه في قبرها الصغير، وأنْ لا أخرجَ منه أبدًا؛ لأنني لم أجد مكانًا أكثرَ نقاءً وبراءةً من رأسِ هذه الطفلةِ الصغيرةِ لأُدفنَ به... أحسستُ ببرودةٍ أحاطتْ جسدي، وأيقنتُ بحلول أجلي، فتمنّيتُ أمنيتي الأخيرة بأن تخترقَ رأسي رصاصة عشوائية وتستقر فيه؛ لتقتلَ خلايا ذاكرتي التي امتلأتْ بالذكريات المؤلمة في هذه الرحلة التي خيّبتْ آمالي وأراقتْ دمَ شخصٍ بريءٍ... أنا... أنا تلك الرصاصة التي تنقلُ لكم ما رأته وما تشعرُ به الآن؛ لأرقد بسلامٍ حتى أُستدعى للشهادة في ساحة المحشر، أنا والعديد من أمثالي من الرصاص المقبور.
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى