تشغيل الوضع الليلي

مشاكل المراهقين وأسبابها

منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 4690

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين.
إن كثرة المشاكل التي يقع بها الشباب المراهقون والفتيات المراهقات لها أسبابها الخاصة التي تقود بالمراهق لارتكاب الخطأ.
نحن لا نعطي مبررات للشاب والشابة لفعل الخطأ، لكن هناك أسباباً يمكن معالجتها وتفاديها قبل وقوعها لكي نحصل على جيل مثقف وواعي من الشباب.
إن المشكلات التي تطرأ على المراهقين يكون سببها الرئيسي هو عدم فهم طبيعة واحتياجات المرحلة من قبل الآباء والمربين، وكذلك عدم تهيئة الطفل والطفلة لهذه المرحلة قبل وصولها ولهذا يحتاج المراهقون في هذه الفترة الحساسة من حياتهم إلى التوجيه والإرشاد بعد فهم ووعي لهذه السلوكيات.
وذلك من أجل ضبط تصرفاتهم وتهذيب أنفسهم حتى نحافظ عليهم من الانحراف والانجراف وراء رغباتهم ونزواتهم، ونحتاج لذلك إلى تعامل يتسم بالهدوء والشفافية، واللطف بعيداً عن القسوة في التعامل الذي لا ينتج عنه سوى العناد والإصرار على الخطأ.
وعلى هذا المنظور اشتمل بحثنا الحالي على المشكلات التي يواجهها المراهقون وكيفية تعامل الأسرة معها وضرورة متابعتها من قبل الأهل من البداية ، فالوقاية خير من العلاج، وبناء على ما تم الاطلاع عليه من مراجع ومصادر متعددة، حاولت جمع هذه الحلول وأرجوا الفائدة منها والله ولي التوفيق.

عدم متابعة الأسرة للمراهقين والتبعات التي يقعون بها بعد ذلك.
إن المدة الزمنية التي تسمى (مراهقة) لا تستمر مع الأفراد خلال هذه الفترة فهي تختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لمجتمع آخر فهي في المجتمع الريفي تختلف عن المجتمع المدني أو المنفتح وفي المجتمع المسلم عن المجتمع الكافر، ويختلف الشخص المتزوج عن الأعزب لوجود الأسباب المختلفة التي إما أن تساعد على تخطي المرحلة بسهولة ويسر أو تتأخر معه أكثر من السنوات.
لذلك تتضح لنا حقيقة مهمة وهي أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى اُخرى فجأة ولكنه تدريجي ومستمر ومتصل.
فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشية وضحاها ولكن ينتقل من مرحلة إلى مرحلة انتقالاً تدريجياً ، ويتخذ هذا الانتقال بشكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه مما يمكن أن نلخصه بأنه نوع من النمو السريع حيث ينمو الجسم من الداخل والخارج معاً.


إن الاُسرة التي تريد أن تحافظ على تربية أولادها بشكل صحيح وأخلاقي يجب عليهم أن يعدو عدتهم لهكذا مرحلة، فإن تربية الأطفال تحتاج إلى اهتمام وعناية فعندما يقترب الولد أو البنت من سن المراهقة فيجب على الأهل توعية أولادهم بهذه المرحلة والتغيرات التي تطرأ عليهم بجسمهم وعقلهم وعواطفهم، وبشكل صحيح بدل أن يتركوهم لكل من هب ودب.
ويجب على الأُسرة تدريب المراهقين على الحوار والنقاش وتبادل الآراء وأول خطوة في النقاش مع المراهقين هي الاعتراف بأن آراءه ومواقفه تستحق الاستماع وعندما تُرفض آراء المراهق تزيد المشكلات وعندما تقبل رأيه وتعترف به فإنه سيعطيك فرصة للحوار، وهذا الحوار الذي تستخدمه معه حتى في المواقف الحازمة.
لا بد أن يكون هناك قانون وعقوبة في ارتكاب المخالفة، وأنجح القوانين هي التي يشترك الوالدان والأبناء في وضعها، والكلام العاطفي والاسلوب اللطيف في التحدث مع المراهق هو من أهم الأساليب في وضع الاتفاقات بين الأهل.



يجب على الأهل والمربيين استثمار مرحلة المراهق والقدرات التي لديه إيحابياً وذلك بتوظيف وتوجيه طاقات المراهق لصالحه شخصياً ولصالح الأهل والمجتمع، ولكن بدون إجباره على شيء لا يرغب به، لأنه سيعود بمردود سلبي إذا كان لا يرغب بذلك.
وهذا لن يحصل إلا إذا مُنح المراهق الدعم العاطفي والحريّة ضمن حدود الدين والمجتمع والثقة، وتنمية تفكيره الإبداعي، وتشجيعه على القراءة والاطلاع وممارسة الرياضة والهوايات المفيدة، وتدريبه على مواجهة التحديات وتحمل المسؤولية واستثمار وقت فراغه بما يعود عليه بالنفع، لا أن تستغل المراهقة وتمحى شخصيته ووجوده بل أن تعطيه الحرية بتكوين شخصية قوية ناجحة وأنت تسانده وتقف بجانبه.
هناك الكثير من الأخطاء التي يرتكبها الأهل في تربية أبنائهم، وهم بأيديهم يقومون بدفع أولادهم وبناتهم لارتكاب الأخطاء والانحراف في الطريق غير الصحيح، مما يؤدي إلى ضياع مستقبلهم، وبالآخر يقولون :هذا الولد فاشل أو هذه البنت فاشلة.
أنتم من قام بزرع هكذا تصرفات عند أولادكم!
هناك بعض العوائل بسبب الجهل وبسبب التقاليد يعطي صلاحية كاملة للولد الذكر بالتصرف بمصير أخواته، وتمنع البنت من أبسط حقوقها، ويقوم هو في البيت يقرر بعد الأب مصير هذه الفتاة، حتى وإن كان هذا الولد لا يفهم شيئاً من الحياة، أو أصلا هو يحتاج إلى تربية لأنه مراهق، فمصيرها ومستقبلها معلق برأي هذا الاخ، وهذا الظلم والضياع ربما نجده في أفراد لا يُستهان بعددهم مجتمعنا.
هناك بعض الأسر تهمل أولادها في السنين الأولى من التربية، بعذر أنه لا زال طفلاً ويهملون تربيته وغرس الأخلاق وتعليمه، وبالتالي عندما يكبر يصعب عليهم معالجة تصرفاته.
أنت إيها الأب، وأنتِ إيتها الأُم، أنتم من تقومون بزرع ما تريدون من أخلاق وأدب، وأنتم تعطون الفرصة لأولادكم بتكوين شخصيتهم...
فإذا عملتم على أن تزرعوا في داخله حب التعلم وحب النجاح، وأنه شخص ناجح ويجب أن يجتهد، وأن الحياة أمامه وأنه يجب أن يسير بالطريق الصحيح للنجاح، فهذا يجعله يفكر أكثر بأن يكون رجلاً مستقلاً ناجحاً.
يجب أن تساندوه في تحقيق أهدافه، لا أن تقف موقف المتفرج لما يتعلمه من الخارج، ولا أن تهمل تربيته ولا تعلم ما يفعل بالشارع أو المدرسة ولا تعرف مستواه الدراسي، وبالآخر عندما يفشل تتكلم وتضع العقوبات على الولد.
لا يا أب
ولا يا أم
عذراً بل أنتم من يحتاج إلى عقوبة كبيرة!
لأنكم اهملتم هذه الأمانة الكبيرة، التي جعلكم الله مسؤولين عليها...

اخترنا لكم

علي سلطان القلوب

بقلم: رحاب سالم البهادلي أنا رحال أجوب العالم، وأبحث عن أشياء جميلة، أبحث في التاريخ والتراث وكل ما هو غريب وعجيب، أخذت أجوب الأرض من شرقها وغربها، طالعت الكتب وقرأت الآلاف منها، ذهبت إلى المغرب والمشرق، أبحث عن تاريخ العالم وأسأل عن سادتها وشخصياتها، سلاطين وملوك ورؤساء، أبحث في تاريخهم وأسأل عن أعمالهم، حاولت أن أتوقف عند أحدهم ممن قرأت عنهم وطالعت حياتهم، لم يشدني كل ما مرَ عليَ من شخصيات، وبقيت أبحث؛ وفي يوم قررت أن أعود إلى بلدي لأنني لم أ جد ضالتي، لم أجد ما أبحث عنه، في هذا الوقت كنت في بلد عربي، جمعت أغراضي وقررت الرحيل، ركبت مع سائق التكسي كي يوصلني، فتح سائق التكسي جهاز التسجيل سمعت كلمات جميلة، كأنها تراتيل أشعر بأنني لا أريد الوصول، أريد أن أستمع لهذه الكلمات الجميلة، أنا أعرف اللغة العربية، وأعرف أن القرآن الكريم كتاب المسلمين، وكلامه جميل أيضاً لكن ما أسمعه ليس قرآنًا إذاً ما هذا الدعاء! سألت السائق لمن هذه الكلمات؟ قال: إنهُ دعاء كميل. قُلت: من كميل هذا حتى يقول مثل هذا الكلام الجميل!؟ قال: ليس كميل من قال هذا الكلام، إنما مولاي علي بن أبي طالب عليه السلام، هو من علم كميل وأعطاه هذا الدعاء. قلت: ومن هو علي؟ قال: الا تعرف سيدي عليًا؟ قلت: اين هو؟ أ موجود هنا؟ قال: عجيب! قالوا لي انك رجل رحال، أخذت العالم شرقاً وغرباً، وتعرف التاريخ وتعرف ديننا ونبينا مُحَمَّدًا عليه افضل الصلاة والسلام. قلت: بلى لكني لم اتعرف على علي. قال: كيف لك أن تعرف الإسلام ولا تعرف عليًا؟! قلت: من عرفنيِ إسلامكم لم يعرفني عليًا! من عليٌّ؟ فقد تشوقت لمعرفته!؟ قال: قربنا أن نصل، والحديث عن سيدي علي يطول. قلت: عُد من حيث أتينا، أريد أن أعرف من هو علي وما هذه التراتيل الجميلة أريد أن أعرف عنه كل شيء من يوم ولد؟ ابتسم السائق ابتسامةً كبيرة ... قلت: أأخطأت التعبير؟ أنا أُتقن العربية، وأعرف إني لم أُخطأ التعبير، لم تبتسم؟ قال: إن اليوم ذكرى ولادته. قلت: من؟ قال: مولاي علي بن ابي طالب عليه السلام. قلت: شوقتني أكثر أن أعرف هذه الشخصية، انقضى من عمري الكثير، ولم اتلهف لمعرفة أحد كما أنا متلهف الآن كي أعرف عليًا الذي ولد اليوم... وصلنا إلى الفندق الذي أقلني منه سائق التكسي، أعدت حقائبي إلى غرفتي، ورجعت إلى السائق، قلت: هيا خذني إلى علي. قال: سآخذك إلى مكان ولادة علي لكن بشرط، ما أقوله لك لا تخبر به أحداً الا بعد أن ترحل من هنا، ولا تقل لأحد أنك تبحث بتاريخ علي… قلت: ولمَ كل هذا؟ قال: ستعرف شيئاً فشيئا، هل ستصدق ما أخبرك به؟ قلت: إذا كان هناك دلائل على ما تقول سأصدق طبعاً. قال: إذن فلنبدأ من مكان الولادة، وإذا به يأخذني إلى بيت ﷲ وهو الكعبة عند المسلمين، وقفنا عن بعد وقال: أتعرف أين نحن؟ قلت: بلى هذا بيت اللّٰه، وهنا الكعبة وأنا زرت هذا المكان من قبل فهو مكان تاريخي. قال: وهل رأيت الشق الذي على جدار الكعبة؟ قلت وما دخل الشق و الكعبة بولادة علي؟ قال: هنا ولد سيدي علي، وليد الكعبة، سأختصر أيها الرحالة، فالكلام عن مولاي يطول، عندما أكملت السيدة فاطمة تبنة أسدَ الشهر التاسع من حملها، جاءت قرب البيت العتيق تناجي ربها، جاءها المخاض وإذا بالجدار تفتح، ودخلت مولاتي فاطمة وأُغلق الجدار، أرادوا أن يفسروا ما حصل لكن دون جدوى، كثُر الحديث عما حصل في البيت العتيق، ودخول السيدة فاطمة وبعد ثلاثة أيام خرجت تلك السيدة الجليلة، وهي تحمل وليدها بين يديها، وهي تقول: إن ﷲ تعالى أطعمني من ثمار الجنة خلال هذه الأيام الثلاث، وبعد ولادتي جاءني نداء يقول: سمهِ عليًا، عليٌّ أُشتُقَ منَْ العلي... كان السائق يحكي لي ما حصل وأنا أستمع وأبكي وأتلهف لمعرفته أكثر وأكثر، أخذني إلى شخص آخر روى لي كل ما حدث في حياة علي عليه السلام... قادتني معرفة هذه الشخصية العظيمة إلى حقائق كثيرة، وأنا الذي كنت أتصور أني أعرف الكثير عن التاريخ والحُكام... أدركت أن من لم يعرف علي بن أبي طالب لم يعرف نفسه؛ وهنا عرفت أني وجدت ضالتي التي أبحث عنها، وأيقنت أن علي بن أبي طالب هو السلطان الحاكم على القلوب، وعرفت أني لو أفنيت عمري بالتعرف عليه لم أندم، بل ندمت كوني تعرفت عليه متأخراً.

اخرى
منذ 5 سنوات
3157

العيد انطلاق لا تلكؤ!

ما هو العيد؟ هل هو بلبس الثوب الجديد؟ أم بالاختلاط المحرم؟ أم بالذهاب إلى أماكن المعصية والغفلة بحجة الترفيه؟ العيد –عيد الفطر- هو احتفال بمناسبة، وهو أول يوم يأتي بعد شهر النور وموسم البركة. أول يوم يأتي بعد ثلاثين يوماً من تلاوة كتاب الله العزيز. ثلاثون ليلة والمؤمن يدعو : اللهم إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمة تُعزُّ بها الإسلام وأهله وتُذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة. ثلاثون ليلة يردد (اللهم إنّي أسألك من بهائك بأبهاه) وهذه المضامين العالية الواردة في أدعية أهل البيت (عليهم السلام) تشحن الروح برفع سقف الطموح والطلب من رب العالمين . ويأتي العيد بعدها... ولو تأملنا في أهم الأعمال الواردة فيه والتي هي: 1- إخراج زكاة الفطرة: وهي درس بليغ في التكافل الاجتماعي. 2- صلاة العيد وخطبتيها: وهي الأخرى عمل جماعي. 3- قراءة دعاء الندبة: وهنا المؤمن يعيش حالة الحزن والأسى والهم لفقد إمام زمانه وهو يتضرع إلى الله: فأغث يا غياث المستغيثين عبيدك المبتلى، وأره سيده يا شديد القوى وأزل عنه به الأسى والجوى .... فكيف يُزال الأسى؟ بالركون والهدوء؟! أم بالعودة للمعاصي والذنوب؟! إذن العيد هو الانطلاقة بعد التعبئة المادية والمعنوية التي حصل عليها الصائم من شهر الخير، والعمل حينها لا بد أن يكون على محورين: الأول: أن يحافظ المؤمن على المكتسبات الروحية التي حصل عليها في شهر النور. الثاني: الانطلاق للعمل الحثيث والدؤوب على الإصلاح والتمهيد لدولة العدل المقدس. فهل ما يفعله الكثير منا متوافق مع هذه الحقيقة! فهل يصح ان يكون العيد يوم غفلة ولهو بل يوم التعدي على الحرمات والحدود الإلهية بحجة أنه عيد! بقلم: تقوى القلوب

اخرى
منذ 6 سنوات
1329

عطشُ الجفون لقائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) المكنون

بقلم: حنان الزيرجاوي أجدُ قلمي متعثرًا في بثِّ لهفةِ شوقي لرؤياك، وحروفي مُتعطِشةً لنصرتِك، عطشى رغم الفُراتين والنيل، لا الماءُ يروي ولا ليلٌ يطيب، لهفى قلوبُ العاشقين لعذبِ رؤيا تسرُّ الناظرين... فأنتَ الماءُ أيُّها المُنتظر، متى الظهور لتُروي قلوبًا أنهكها عطشُ الانتظار؟ كنوزُك الخفيّة تُروي ظمأ العاشقين، وليالي الانتظارِ تذوبُ عند أذان الظهور، فما زلنا نطمعُ بسُقياكَ، ونلتحفُ الأسى، والدُعاء مسيرةُ وقتٍ، أرهق الظمآن... فمتى نرتوي؟ ... كيف يستشعرُ الفردُ الحاجةَ الماسّة للإمام (عجّل الله فرجه) كالعطشان للماء، أو كالغريق للنجاة، وأشدّ من ذلك، فيحسّ بألمِ فقدِه وبُعدِه عنه وغيبتِه؟ قال الله الحكيم في محكم كتابه الكريم: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ (الملك: 30). هو غصنُ الشجرةِ المُباركة، وجنس الكون الجامع، خاتم الولاية المحمدية، ومعدن الفيوضات الأحمدية، خليفة الله في الملك والملكوت، صاحب القوة التنفيذية، خليفة من سلفَ من سُلالةِ الطُهرِ، ومصابيح النور. عليك أن تُعِدّ روحك لتستقبلَ الآتي بالشوقِ واللهفة، وتفرشَ بيت قلبك بما يؤنس قدوم وكرامة ضيفِك، وتُجهّزَ له وليمة الولاء الخالصة، وتُهيّأَ المكانَ المُناسب بحفاوةِ صلاحك وقوّة دينك ورصَاصة سلاحك... صعبٌ على من يرى غيبةَ الإمامِ ولا يستشعرُ حضورَه، على من يتفقدُ إمامًا بعينه وبصره، ويفتقده بقلبه وبصيرته، هُنا سيشعرُ أنَّه يسيرُ لوحده، يعدُّ لوحدِه، فيراه صعبًا وعسيرًا عليه، فهو الذي يدُلّنا على أسرار المسير... نستلذُ بحرارةِ الشوقِ للمُحب، واستشعار الحاجةِ إليه وأهمية وجوده ظاهرًا. والاستغاثة به ليكون وسيلتنا لله (جلا وعلا) بالدعاء لظهوره الشريف، فالمُحب الحقيقي للإمام (عجّل اللهُ فرجه)، يُدرِكُ حرارة ذلك الشوق والغليان المُلتهب لرؤية المحبوب الغائب... وعَجباً لِلمحبِّ كيفَ يَنامُ وتستلذ عيناه بطيبِ المنام، والنومُ على المحبِّ حَرام! أم كيف يستطيعُ العيشَ بالشكلِ الطبيعي ومحبوبُه غائبٌ يعيشُ حالةَ الحزن والبلاء! إنَّ نار الشوقِ إذا استعرت في قلب العاشقِ لرؤية الإمام (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، فإنَّه سيكون أقرب لِدَرْكِ شرفِ معرفةِ المُنتظر الموعود. وهذه المعرفةُ تأتي نتيجةَ العقيدة الراسخة والبصيرة النافذة التي يتصف بها المنتظرون الحقيقيون، الذين وصفتهم الرواياتُ (كالمصابيح كأنَّ قلوبَهم القناديل)، لأن عدم المعرفة دليلُ الجهل، وقد روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "من لم يعرفْ إمام زمانِه مات ميتةً جاهلية"، ولا غرو في ذلك؛ لأنَّ من يتخبط في الجهل والظلمات، ولم يكنْ له نورٌ، فما له من هادٍ، حتى آخر مرحلةٍ من مراحل حياته، وبطبيعة الحال سيموت ميتةً جاهليةً. إذن، على كل مؤمن ان يعرف إمام زمانه معرفةً عقائديةً وإيمانيةً قلبية، كمعرفةِ الله ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله)، فيعرفهُ بالإمامة وهي الخلافة والوصاية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكما النبي (صلى الله عليه وآله) حاكمٌ بحُجيّتِه على الموجوداتِ كافة فكذا الإمام (عليه السلام). هو (عجل الله فرجه) الطبيبُ الحقيقي للبشرية، أملُ المُستضعفين من البرية، المُصلحُ بروح محمدية، ينهضُ لله (جل وعلا) مُصلحًا مُخلصًا مُظهرًا للعدالة السماوية، فالعملُ إنْ كان لله (تعالى) لا يبور، وكذلك النهضة إنْ كانت لله (سبحانه) لا تضمحل، ومن لم يُتقِنْ فقه الانتظار على الحقيقة لا يُمكنه أن يكون من المنتظرين للطلعة المهدوية المقدسة، ومن أوضح مصاديق فقه الانتظار هو السعي لمعرفة إمام الزمان (عجل الله فرجه الشريف) ومن دونها يستحيل إنْ يكونَ من المنتظرين. ما الذي يدني من كراهيتهم وسخطهم؟ أ يحرص كلٌّ منا على تقديم كل ما يسرُّ الإمام (عجل الله فرجه) ويتجنب ما يؤذيه؟ فلنكن حريصين على ألَّا يصدر من جميع محبّي الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) عملًا سلبيًا يوجب استياء إمام زماننا (عليه السلام)؛ لأنَّ الذنوب تُشكّل حاجزًا وجدارًا على القلب يمنعُ عن المعرفة الحقيقية والإيمان وأنْ يرى نور الله (تعالى) ونور النبوة والإمامة؛ كما يمنع التراب المصباح من إعطائه النور لمن حوله إذا غطّاه. لا بُدَّ أن يضع المُنتظِر الحقيقي له منهجًا وخريطةَ عملٍ يحرص من خلالها على رضاه (عجل الله تعالى فرجه)، فإنْ تعارضَ سبيل إرضاء ذاته مع إرضاء مولاه قدَّمَ ما يُرضي الإمام (عليه السلام) وكلّ أمرٍ يهونُ في سبيل ذلك... لا بُدّ إذن من نقاء السريرة وصفاء الباطن، وذلك بالابتعاد عما يكدر صفوه... وبذا يكون أقرب لامتثال أمره (عليه السلام) فيما روي عنه: {فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا، ويتجنب ما يُدنيه من كراهيتنا وسخطنا} [ الاحتجاج للطبرسي ج2 ص324] البداية صعبة ولكن ليس بالمستحيلة... قد يتذرع البعض بأنَّ ذلك صعب، ونحن إذ نوافقه الرأي نؤكد أنَّه ليس مستحيلًا، فلا بد من الشروع أولًا بالتفقه في الدين قدر الإمكان، والإيمان بالعقائد الضرورية عندنا بالأدلة القطعية بعد فهمها، ولا عذر لأي أحدٍ في ذلك، فقد أصبح بإمكان الجميع التعلم والتفقه في زمننا عبر تصفح الانترنت... أضف إلى ذلك ضرورة مراقبة المكلف نفسه في كل صغيرة وكبيرة ويحاسبها على التقصير وعلى الذنب؛ إذ ما منا معصومٌ عصمة كبرى، فلابُدَّ من تدارك الذنوب إن ارتكبت... لا سيما عند تعامله مع عائلته ومع المجتمع بتأدية تكاليفه الشرعية على أتمِّ وجهٍ ومن دون وضع مُبررات واهية تتماشى مع الثقافة الغربية التي تُبعد الإنسان عن عقيدته ودينه... نعم، قد يواجه مصاعب في طريقه، ولكن ما يُخفف عنه ذلك هو تذكر الإمام في أعماله ولبسه ويتيقن أنْ الإمام (عجل الله فرجه) تصله جميع أعماله، بل ويتفكر كأنّه سيُقابل الإمام اليوم ويتحدث له عن منجزاته.. وأخيرًا، فإنّ المُحبَّ حريصٌ دائمًا على سلامة محبوبه وحفظه ونصره، فلا بد أن يدعو لإمام زمانه (عجل الله فرجه). ولا يقتصر أثر الدعاء للإمام (عجل الله فرجه) على الدنيا فحسب بل ويمتد إلى الآخرة، إذْ من فوائد الدعاء له (عجل الله فرجه) كما أوردها صاحب كتاب (مكيال المكارم) في الدعاء للقائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يكون له أمنًا من عطش يوم القيامة.. فلو أنَّ المجتمع المهدوي و المُحبين الكُثُر للإمام (عليه السلام) اتصفوا بهذه الصفات المُحرقة مع طلب الغوث الحقيقي و العمل لساهموا في تعجيل ظهوره (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)...

اخرى
منذ 4 سنوات
759

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76821

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56642

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44088

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43536

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40324

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33539