تشغيل الوضع الليلي

نهايــةُ رحلـــةٍ

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 436

بقلم: حنان الزيرجاوي
كيف لمثلي أنْ يصف حكايةً تُبهر العقول، وتخطف الألباب، ويخرس من سمع ملخصها، ولم يعِش تفاصيلها، ولم يعانِ ألمَ فراقٍ، ولا مرارة هجرٍ، ولا بُعد مسافةٍ، ولا أنين ثكلى فاقدة وحيدها، ولم تُحرقْه دموعًا تُغرق مقلتيه، وزفراتٍ يُحرقُ لهيبها جوفه..
نعم، بعضُ صورٍ وليست كلُّ الصور التي رسمتها عيونٌ ترقبُ طريقًا قلَّ سالكوه حتى بدا موحشًا لمن يرومُ النظر إليه.
لعلَّ البعض يتساءل: ما هذه السوداوية في نقلِ حدثٍ يُشابهه الكثير من الأحداث؟! وقصةٍ لم تكنْ إلا وليدةَ قصصٍ قد ألفنا قبلها الكثير بعد أنْ أبهرنَ سامعيها؟!
نعم، هي تشبهُ تلك القصص من حيثُ إنَّ أبطالَها بشرٌ على هذه الأرض، ولكن تفاصيلها وأحداثها تبدو بكرًا لقصصٍ أتت بعدها وأمًّا لحكاياتٍ سبقتها!
بعد عشرين سنة من الزواج وبعد أنْ تمنيا برعمًا ينمو بين أحضانهما لينشر شذاه وسط باحة قلبيهما، ويكسر صمت مشاعرٍ بدا الخرس يتسربُ إلى داخلها إثر تسرَّب اليأسُ إلى قلبِ أبٍ وأمٍ حلما بوليدٍ يؤنسُ وحشتهما، لولا أنْ شاءت حكمة من بيده الهبات أنْ يُغدق عليهما إحدى هباته ليتحول ذلك الصمت الرهيب إلى ضجيج وزغاريد وقبلات تهاني من هنا وهناك، فينظر أحدهما إلى الآخر ويُسدلا على عينيهما بغمضةٍ رسمت كلَّ معاني الحب بينهما وبسمة أمل لحياةٍ جميلة تُكملُ مسيرةَ ما رسماه لها.
لقد ضربا أروع مثالٍ للإيثار بينهما فلا هي ولا هو يعرف من كان سببَ عدم الانجاب! فهي تخشى أنْ يكون هو فيشعر بالذنب تجاهها، ولا يرغب هو أنْ تكون هي السبب فيصيبها ألم وحزن يؤذيها، ولكن ها قد جاء من كان ينتظرانه وسط فرحةٍ غامرة. وهما يُمعنان النظر بكلِّ تفاصيله، يترقبانِ طوله يومًا بعد يوم...
هكذا حتى بدأ يحبو فيحبوان معه، يتأتئ ببعضِ حروفٍ مبهمةٍ فيتأتآن معه .. ملأ البيت ضجيجًا بعد أنْ كان لا يُسمع فيه حتى الأنفاس.
وفي يومٍ من أيام الربيع خرجا وهما يمسكان بيد طفلهما الجميل ليسلكا طريقًا يؤدي بهما إلى الحديقة العامة، لم يُدركا أنَّ القدر كان بانتظارهما ليتلاشى ذلك الحلم الوردي بكلِّ تفاصيله، فقد زلّت قدم الأم لتسقط عن الرصيف وانسحب وليدها معها؛ لأنها كانت ممسكةً بيده وإذا بشاحنةٍ كبيرة مسرعة تصدمهما وسط دهشة الأب المسكين ليفارقا الحياة أمام عينيه، أبى أنْ يتركاه وحيدًا، فما إنْ انكبَّ عليهما حتى رافقهما إثر ذهول الصدمة..

اخترنا لكم

خدوش في ذاكرة الزمن

ضجيج صاخب يجرح اكوام الهدوء يصدح في اذنيك، قسراً يوقظك! ليلة ليست كباقي الليالي.. انهض فالمدينة شاحبة، والقمر باهت، والنجوم منطفئة! تهم بالوضوء فيتوضأ الماء بطهر لمساتك الحانية.. أتذكر ليلة الرحيل لحظة أردت الخروج من الدار.. أوقفتك صوائح.. تتبعها نوائح عند الصباح.. يتشبث كل شيء بك، ويتعلق مئزرك بباب الدار، اشدد حيازيمك... بل عد إلى الدار! فالرعية لا زالت مشتتة! تسير في الأزقّة المعهودة! المدينة ممتلئة بصفرة الرحيل.. ها هما ذا ولداك قد دبّ فيهما الرعب، فاليتم يتسلل إليهما، وسيكتمل الليلة! "ارجعا" تقولها لهما ولكن بلحن "في أمان اليتم يا ولداي" في طرقات المدينة الموحشة ترمق السماء بنظرات الوداع وتهمهم: "إنها والله هي الليلة الموعودة" تقترب من المسجد... وقريباً من محراب الشوق ترى اللعين نائماً على وجهه! انهض فهذه نومة يمقتها الله، إنها نومة الشياطين. يتمطى ويرجع نائما.. فهذه نومته الأخيرة! تتنفس الصعداء، يرتفع الأذان فتصلي صلاة مودع كما في كل مرة.. فالرحيل يسايرك ولا ينفك لحظة عن مخيلتك! فإنما هي نفسك تروضها بالتقوى... لتأتي آمنة يوم الفزع ولتثبت على جوانب المزلق... تسجد.. وينطفىء المكان.. ظلام دامس! ها هو ذا الفجر قد أصيب في أم رأسه، يحن إليك كل شيء... يحن! الرحيل وشيك.. لطالما صدحت بها كل يوم.. حتى أناخ ببابك الجمّالُ. أتذكر كم كنت تمسح على رؤوس اليتامى؟! ها هم أولادك يتامى من بعدك، فمن لهم؟! تختنق الكلمات بغصة الاشتياق عندما تحل زينب بين سطور النصوص! يا أباها من لها بعدك؟ تكاد الأرض تميد بي عندما اقرأ خبر الأصبغ، وعصابة صفراء راحت تعزيك على صفرة وجهك القاتمة أمام صفرتها! اللبن.. قيل هو العلاج الشافي ها هم يتاماك يحملون كؤوساً من اللبن لا يريدون شيئاً، فقط أن ترجع لهم، يلوحون من بعيد أيهم سيأخذ كأسه ويُـقبل؟! إلى أن قالها أثير بن عمر عندما رأى بياض دماغك: "يا أمير المؤمنين أعهد عهدك وأوصِ وصيتك، فإن الضربة قد وصلت إلى أم رأسك!" وماذا سيوصي علي؟ وهل كانت له دنيا حتى يوصي بها؟! أليس هو القائل : والله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادّخرت من غنائمها وفراً ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ..!! أ نسيت أنه بالأمس، طلقها ثلاثاً لا رجعة فيها! أ نسيت قوله :"اليك عني يا دنيا غري غيري"؟! جدثٌ كيف له ان يـضمك وأنت جمعت الكون فيك؟!

اخرى
منذ 6 سنوات
1634

كيف نجردُ أنفسَنا؟ ونعملُ من أجلِ الله تعالى وطاعة إمام زماننا؟

بقلم: زينب سامي للإجابة عن هذا السؤال سوف نتطرقُ إلى محورين: الأوّل: التّجريد وطُرُقُه. الثاني: الطّاعة ومصاديقها *التّجريد وطرقه: التّجريد: لغةً التقشير والإزالة. التجريد اصطلاحًا: يساوي التزكية، والتزكيةُ هي إعادة صياغة الرّوح والنّفس وتجريدها من الرّذائل١ وقد أشار الله (سبحانه وتعالى) في كتابهِ الكريم إلى التزكية وعدّها نوعًا من الفلاح، حيث قال: "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"2 إنّ التزكيةَ ليست عمليةً سهلةً، بل تحتاجُ إلى إرادةٍ قوية، وروحٍ راغبة بالمسير والاستمرار. وهناك خطواتٌ مهمة يجبُ اتباعها بالتزكيةِ وتجريد النفس من السيئات والتّبعات حتى نصبحَ من مصاديق الآية الكريمة: أولًا: اختيار المصدر الصّحيح: أي اختيار مصادر العلاج الصّحيحة للروحِ؛ فهناك بعض الكُتب والطّرق التّي تُضلُّ الإنسان عن الطّريق الْمستقيم؛ فيصبحَ من مصاديق "قد خاب من دساها" بدلًا من أنْ يفلح. ولهذا فمن المهم أنْ يقتبس الإنسان من المصدر الصحيح الذي يعطينا العلاج الصحيح للتزكيةِ؛ وهو ما أوصانا به رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) قائلًا: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إنْ تَمَسَّكم بهما لن تضلّوا بعدي: كتابَ اللَّه وعترتي أهلَ بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوضَ»3. فعلينا بعرضِ جميعِ أعمالِنا على الكتاب والعترة والتأكدِ من أنّها توافقُ القرآن والعترة. ثانيًا: تحديدُ الأمراض التي تُعاني منها الروح والسعي لعلاجها عن طريق الْقرآن وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام). ثالثًا: الرجوع إلى الْفطرة؛ إنّ الإنسان يولدُ وهو مفطورٌ على التّوحيد ومعرفة الله (جل جلاله) وعلى الأخلاق الحميدة، وفطرةُ الله (تعالى) التي فطر عليها الإنسان تقوده إلى الكمال، بل هي الكمال، فمثلًا عندما نشاهد شخصًا صادقًا أو غير مخادع فإننا نصفه بأنّ قلبه بريءٌ كبراءة الاطفال. ولكن -مع الأسف- بسبب العائلة والمحيط الذي يعيش به الإنسان قد يبدأ باكتساب الصّفات والأخلاق التي تُغطي على هذهِ الفطرة، فيفقد رونق الجمال الذي وُلِدَ عليه! فعلى الإنسان أنْ يسعى لأن يعود إلى فطرته ويوقظها. رابعًا: التّفكر؛ ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام): "التفكُّر حياةُ قلبِ البصير"، وعنه (عليه السلام): "عليكم بالفكر فإنّه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة" ٣ ومن مصاديق التفكُّر: أ- التفكر في آياتِ اللهِ لإيقاظِ فطرةِ الإنسان: "ويتفكّرون في خلقِ السمواتِ والأرض.."4 روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): "ليست العبادة بكثرة الصلوات والصوم، إنّما العبادة التفكُّر في أمر الله"٥ ب- التفكر في الماضي للتعلم من الأخطاء والاستغفار لما ارتُكِبَ فيه من ذنوب. ج- التفكر في المستقبل وفي الآخرة وما فيها من النار والجنّة، لاجتناب الأولى والسعي إلى الثانية. يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): "ولو فكّروا في عظيم القدرة، وجسيم النعمة، لرجعوا إلى الطّريق، وخافوا عذاب الحريق"٦ ت_ التّفكر في أحوال الماضين؛ وهذا الأسلوب قد استخدمه القرآن عن طريق ذكر قصص الماضين مثل قارون ويأجوج وفرعون لتنبيه القلب من الغفلة. قال (تعالى): "وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"7 خامسًا: العبادة وللعبادة معنيان: أ_ المعنى العام: يُقصد به «كلُّ فعلٍ وكلُّ قولٍ خيريّ، بل كلًّ حركةٍ يقومُ بها العبد امتثالًا لأوامر المولى (تعالى)، أو امتثالًا لنَوَاهِيهِ»، وهو يشمل المعاملات والعبادات، بل يشمل كلَّ حركةٍ من حركات الإنسان. ب:المعنى الخاص:: هو «تلك الأعمال التي فرضها المولى (تعالى) على عبده، والمشروطة بنيةِ الامتثال قربةً لله»، بمعنى أنّها لا تصحّ أو لا تُقبل من العَبدِ إلاّ إذا كانت مسبوقةً بنية الامتثال قربة لله (تعالى) وهذا المعنى الخاص هو نفسه المعنى الاصطلاحي الفقهيّ لمفهوم العبادة، من قبيل الصلاة، و الصوم، و الحج......الخ .٨ سادسًا: الرفق بالروح والبدن، وعدم تحميلهما ما لا طاقة لهما به؛ فالدينُ سهلٌ يسيرٌ. قال الله (سبحانه وتعالى) في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ"٩ أما كيف نعملُ من أجل طاعة الله وإماما زماننا؟ فهو بالتالي: الدعاء والطلب: نتعلم من الإمام المهدي (عجل الله فرجه) الدعاء من أجلِ طلبِ التوفيق للطاعة، فقد ورد في أحدِ الادعية عن الإمام صاحب الزمان: "اللهم ارزقنا توفيق الطاعة" فالطاعةُ رزقٌ يحتاجُ إلى توفيق.١٠ مصاديقُ الطاعة: *طاعة الله: عن طريق الالتزام بما أمرنا به وما نهى عنه. *طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله)، والإمام (عليه السلام):هي تطبيق ما ورد عنهما وأمرانا بهِ، مثلًا حينما يأمر الإمام الشيخ المفيد ويقول له: "فليعمل كلُّ امرئٍ منكم بما يقْرِّبه من محبتِّنا ويتجنب ما يدينه من سخطنا"11 فواجبنا أنْ نُطيع الإمام وأنْ نتبع كلامه ونكون نموذجًا يفتخر به في زمن الغيبة الكبرى، ونعمل على نشرِ قضية الإمام وإدخال السرور على قلبِه بطرقٍ كثيرة. قد يطول بنا المقام لو ذكرناها جميعًا. فمجالُ العبادة –بالمعنى العام- لا حدود له مع الإخلاص بالعمل والنية والدعاء بأن يتقبل الله (تعالى) منا أعمالنا وأذكر مثالًا واحدًا عليها واختم بها كلامي: *إطاعة الفقهاء الجامعين للشرائط هي إطاعة لإمام زماننا (عجل الله فرجه) فقد ورد عن الامام المهدي يقول: "أمّا الحوداث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله" ١٢ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ١كتاب الإعداد الروحي لعصر الظهور 2 سورة الشمس اية ٩ و١٠ ٣ ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٦١٤ ٤_ال عمران ١٩١ ٥_بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٨ - الصفحة ٣٢٢ 6_بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦١ - الصفحة ٣٩ ٧_الاحقاف ٢١ ٨_ويكيبيديا الشيعة 9_سورة النساء اية ٥٩ 10 _قال الكفعمي في المصباح: هذا دعاء المهدي صلوات الله عليه: ١١_(٣) الاحتجاج: ٢ / 599. ١٢_ اكمال الدين وتمام النعمة. اللّهُمَّ ارْزُقْنا تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ وَبُعْدَ المَعْصِيَةِ وَصِدْقَ النِيَّةِ وَعِرْفانَ الحُرْمَةِ، وَأَكْرِمْنا بالْهُدى وَالاسْتِقامَةِ".

اخرى
منذ 4 سنوات
553

دراسةٌ عقائديةٌ في علم السيدة فاطمة الزكيّة (عليها السلام) وحُجيتّها (ج5)

بقلم: إشراق الخاقاني/ والحوراء المطلب الثاني: الأدلة على عصمتها (عليها السلام). إنَّ عصمةَ السيّدة الزهراء (عليها السلام) ثابتة بالعقل، والنقل، وسنخصص هذا المطلب لإثبات عصمتها بالدليل النقلي، ذلك لأن بعض الأمور الاعتقادية يكفي فيها الأدلة الشرعية، من نصوص القرآن، أو الروايات الصحيحة المعتبرة. فبعد إثبات وجود الله، وبعثة الأنبياء، خصوصًا الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله)، بالأدلة العقلية، فكل ما يقوله يكون حجة لدينا، ولابد من قبوله حتى لو كان مرتبطًا بأمر عقائدي، فهو القائل فيه الحق تعالى: ﴿مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ (1)، وبناءً على ذلك نتطرق في هذا المطلب إلى فرعين يتضح من خلالهما ثبوت العصمة لها(عليها السلام)، وكالتالي: الفرع الأول: الدليل القرآني: كثيرة هي الآيات القرآنية الشريفة الدالة على عصمة السيدة الزهراء (عليها السلام)، ولكن تماشيًا مع اختصار البحث نقتصر على ذكر اثنتين منها: أولًا: آية التطهير. قال تعالى: ﴿إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (2)، أجمع أهل التفسير، الحديث، والتاريخ وفي كتب الخاصة والعامة على أن المصداق الأبرز –على الأقل، وإن كنا نعتقد أنها منحصرة- بأهل البيت هم الطيبون الخمسة (محمد، علي، فاطمة، الحسن، والحسين) (عليهم الصلاة والسلام)، وقد دلت على ذلك روايات عديدة، منها: 1- رُويَ في تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿إنّما يُريد اللهُ ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ قال: "نزلت هذه الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وذلك في بيت أم سلمة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله) فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ثم ألبسهم كساءً خيبرياً ودخل معهم فيه ثم قال:" اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: ابشري يا أم سلمة انك إلى خير" (3). 2- ما روي عن أُم سلمة (عليها السلام) في ذخائر العقبى: إن النبي (صلى الله عليه واله) جلّلَ الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساءً وقال: "اللهم هؤلاء اهلُ بيتي وحامتي ،أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: "إنك على خير" (4). 3- ما رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أنس: "أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل بيت محمد (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)" (5). ثانياً: فاطمة (عليها السلام) لها الحاكمية على البشر. قال تعالى: ﴿إنها لإحدى الكُبر*نذيراً للبشرِ﴾ (6). - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يعني أنها فاطمة (عليها السلام). - روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ﴿إنها لأحدى الكُبرِ*نذيراً للبشرِ﴾ قال: يعني إنها فاطمة (عليها السلام) (7). فلفاطمة (عليها السلام) الحاكمية على البشر وتعني: الولاية والقيادة على الأمة، فهي من آيات الله الكُبر، وبشيرة، ونذيرة ، وهي فيصل للحق وفرقان لأنها معصومة. بيان: البعض يستشكل على تفسير الآية، وإن المقصود من ذلك فاطمة (عليها السلام) على اعتبار أنَّ المقصود ب (الكُبر) عندهم هي جهنم، أو سقر، أو الآيات العظام والأمور، والدواهي العظيمة، ونرد على ذلك ببيان بعض الأمور: 1-"أياً ما كان المقصود (بإحدى الكُبر) النار، أو القيامة أو غير ذلك، فإنّه لا يتنافى مع ما ذكرته الرواية، من أنها فاطمة (عليها السلام) لأنها حجة من حُجج الله الكبرى، فبولايتها يُنجي الله من يشاء من النار، فرضاها رضا رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي هو فرع رضا الحق تعالى، وغضبها يوجب غضب رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي هو غضب الله تعالى، وقد اكده رسول الله (صلى الله عليه واله) وقال: "إن فاطمة شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن أذى الله لعنه الله ملء السموات والارض"(8). فالذي يحدد علاقة المسلم من الحق تعالى قربه، أو بعده منه جل وعلا هو الموقف من فاطمة (عليها السلام)، فهي العنوان الكامل الحقيقي للرضا والقبول، أو للغضب والرفض الإلهييَّن" (9). 2- لا مانع من أن يكون للزهراء (عليها السلام) مقام الإنذار، قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾(10)، أي إن رسول الله (صلى الله عليه واله) نذير للبشر، وحسب الحديث المختلق لأبي بكر حيث قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا، ولكنا نورث الايمان والحكمة والعلم والسنة" (11)، واستنادًا لهذا الحديث –من باب الإلزام- يتضح أن الزهراء (عليها السلام)، ترث مقامات أبيها من علم ،حكمة، نذارة، وحجية...الخ، وهي ما يُعبر عنها البعض (بالوراثة الاصطفائية) أي وراثة المقامات، وما دام مقام النذارة ثابتاً بنص القرآن للنبي الاعظم (صلى الله عليه واله)، فهو ثابت لابنته ووريثته الصديقة الشهيدة (عليها السلام). الفرع الثاني: الدليل الروائي. وردت الكثير من الروايات، والأحاديث الشريفة الدالة على عصمتها (عليها السلام) وفي كتب الفريقين بلغ البعض منها حد التواتر، نقتصر على ثلاثة منها: أولاً: رضى الله رضاها وغضبه غضبها. -روى الحاكم النيسابوري في مستدركه عن عمر بن على عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال، قال (رسول الله صلى الله عليه وآله) لفاطمة: "ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك" (12). -ورواه الذهبي في ميزان الاعتدال.(13). -وهذا الحديث خير دليل على عصمتها (صلوات الله وسلامه عليها)، لأنها لو لم تكن معصومة فلا معنى لأن يرضى الله تعالى لرضاها، ويغضب لغضبها، إذ قد لا يكون لغضبها منشأ إلهي وسبب صحيح لو لم تكن معصومة، فقد تغضب لأجل متابعة الهوى، والميل النفساني الشخصي. ثم لو لم تكن معصومة فما هو الفرق بينها وبين أنسان مؤمن عادي، فلماذا يغضب الله لغضبها ولا يغضب لغضب شخص أخر؟! ثانيًا: يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين... -عن ابن عباس، قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في حديث طويل يبين فيه مقام السيدة الصديقة (عليها السلام) يوم القيامة، نكتفي بذكر محل الشاهد منه:"....فيقول الله: (يا فاطمة) انطلقي فمن اعتصم بك فهو في الجنة ، فعند ذلك يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين فتسيرين ومعك شيعتك، وشيعة ولدك، وشيعة أمير المؤمنين آمنة روعاتهم ، مستورة عوراتهم ، قد ذهبت عنهم الشدائد، وسهلت لهم الموارد ،يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظمأ الناس وهم لا يظمئون" (14). ثالثاً: فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي حبل الله الممدود... "... عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): "فاطمة بهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والائمة من ولدها أُمناء ربي، وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا ومن تخلف عنه هوى"(15). ___________________ (1) النجم:3و4. (2) الأحزاب:33. (3) تفسير القمي:علي بن إبراهيم القمي،ج2،ص193. (4) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: محب الدين الطبري،ص21. (5) شواهد التنزيل: الحاكم الحسكاني،ج2،ص25. (6) المدثر:35و36. (7) تفسير القمي: مصدر سابق،ج2،ص396. (8) عوالم العلوم(فاطمة الزهراء عليها السلام):المحدث البحراني،ج11،ص149. (9) *من كتاب مانزل من القرآن في شأن فاطمة: محمدعلي الحلو،ص109_110، بتصرف. (10) الاحزاب:45. (11) شرح نهج البلاغة: لإبن أبي الحديد، ج16،ص214. (12) المستدرك على الصحيحين: الحاكم النيسابوري،ج3،ص153_154. (13) ميزان الاعتدال في نقد الرجال: للذهبي،ج1،ح2002،ص535. (14) بحار الأنوار: العلامة المجلسي،ج43،ص227. (15) فرائد السمطين: للمحدث إبراهيم الجويني،ج2،ح390،ص66.

اخرى
منذ 4 سنوات
1011

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76260

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
56163

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43349

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
43114

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39740

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33447