تشغيل الوضع الليلي
خاطرة
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 391
هل رأيت الإمام؟
وكيف أسعى لِنصرة إمام لم أره؟
فهو شمسٌ غيبها السحاب ...
غيابه له ميزة عن كل غياب
فغيابه (عين الحضور)
غيابه فقط غياب عنوان..
يراه البصير لطفا وتسديدا ورحمة وأمانا..
يراه العاشق في وجه كل غريب يساعد الآخرين وهو يشعر بالامتنان ...
ومن أراد المزيد فعليه التمسك بالعترة والقرآن..
اخترنا لكم
ولادةٌ مع تذكرةِ سفر!
بقلم: وجدان الشوهاني مع أول دقيقةٍ لولادتها كانت تحمل معها تذكرةَ سفرٍ، يجهل الجميع الموضوع إلّا أباها، احتفظ بالتذكرة؛ ليخفيها عن الجميع، وتجري الأمور بشكلها الطبيعي.. كانت مختلفة عن بقية الصغار، فعقلُها مُفعمٌ بالعلم ولسانُها يحمل الشهد. تحومُ حول والدها وكأنّها عصفورةٌ، تهفو إليه، تسقيه الماء، تفرش له مُصلّاه، مرةً تُقبّل خدَّه ومرةً يديه، تُغرقه بكلمة أبي، تلك الكلمةُ التي كانت كفرشاةِ رسمٍ ترسمُ بها قصةً من أروع القصص، فما إن تقولها حتى يهفو إليها يشمّها، فلقد كانت عزيزته ومُدللته. طفلةٌ ليس للعب في حياتها محل، كلّما كان ينظر إليها يتألم، فتذكرة السفر ما زالت معه. وبعد سنينَ قلائل حان موعد السفر، سفرٌ يحمل معه آلام الفراق. فكانت أول المتأهبين للسفر، لم تسلْ إلى أين؟! فما يهمها أنَّ أباها يرافقها في الرحلة، كان لها في كلِّ محطةِ وقوفٍ تذكارٌ مع أبيها، وكم صورة التقطت.. وفي آخر محطةٍ كان لها عدةُ صورٍ مؤلمة، واحدةٌ مع مصلاةٍ فرشتها، وجلست أمامها بانتظاره ولكنه لم يأتِ، وأخرى مع الماء حيث اشتد العطش بعد أنْ منع الماء عن كلِّ من معها حتى كادت تموتُ وعندما جاؤوا إليها بشربةِ ماءٍ لم تشربْ! بل ركضت باحثةً عنه وتناديه .. أبي جئتك بالماء ..أبي لن أشرب حتى تشرب وترتوي .. أبي ألستَ عطشانًا؟ ولكن دون جدوى فكان صدى صوتها يعود إليها .. حتى أبكتِ الجميع وهنا بدأتْ تسأل: أين أبي؟ قالوا لها: إنَّه في سفر .. بكت؛ لأنه لم يودعْها ولم يأخذها معه قالوا لها: لا تبكي، سيعود .. وبدأ سفرٌ جديدٌ لكنه سفرٌ مختلفٌ! لأنه سفرُ الغرباء .. فلقد كانت غريبةً وكثيرةَ السؤال عن أبيها .. ومع كلِّ سؤالٍ يسكتونها بسوطٍ على متنِها حتى تحوّل جسدها إلى قطعةٍ زرقاء من أثرِ ضرب السياط... وما إنْ وصلوا إلى آخر محطةٍ من سفرِ الغرباء، وإذا بخربةٍ يجلسون بها، تكاد لا تسعهم.. فكانت تلوذ بعمتها حتى غفت من تعبها وكثرة سؤالها عن أبيها في أحضان عمتها، وفجأة أفاقت باكيةً وهي تقول: سأسافر، سأسافر .. قالوا: إلى أين؟ قالت: إلى أبي، سألتقي معه في محطة العاشقين. ثم عادت للبكاء والصراخ... أبي، أبي أنا بانتظارك.. قالت عمتها: حبيبتي إنَّه في سفر .. لكنها استمرت بالصراخ، سيأتي أبي، سيأتي أبي، هو من قال لي إنَّه سيأتي .. جاؤوا لها بطشتٍ مغطى، فتصورّت أنّهم يحاولون إقناعها بطعامٍ ولم تعلم بأنّها المحطة التي تكلّم عنها والدها، فما إنْ رفعت الغطاء حتى رأت رأسًا قد ذبلت شفتاه واصطبغ الشيب من دماه. فاحتضنته وعانقته عناق العاشقين، وهي تبكي، وتنادي أبي .. أبي .. حتى انقطعت الأنفاس .. لتعلن عن سفرها الذي لا عودة بعده .. فلقد سافرت بتذكرة سفر الولادة!
اخرىساحةُ المعركة
بقلم: أم محمد السوداني في خِضمِ المعارك الطاحنة، واشتعال النيران اللاهبة، وتكسُّر السيوف الصارمة... تمرُّ السنون العجاف، وتنتهي كلُّ المعارك المدمرة، وتُغمَدُ كلُّ السيوف المسلولة، وتنطفئ نيران الحروب الموقدة... إلا معركة النفس، فهي لا تنتهي أبدًا! منذُ خُلق آدم إلى يوم الدين، أقسم عدونا المبين لأغوينهم أجمعين! إلا عبادك منهم المخلصين هل تخيلتَ؟ تعالَ معي نتخيل.. لا ...لا ... ليس تخيُّلًا، بل هو تأمل! بل هي الحقيقة! نفسكَ ساحةُ معركةٍ بين طرفين: الطرف الأول هو العقل ووزيره الخير وخمسة وسبعون جنديًا، والطرف الثاني الجهل ووزيره الشر وخمسة وسبعون جنديًا. كلُّ جنديٍ من جنودِ الرحمن ضده جندي من جنود الشيطان، فالإيمان ضده الكفر، والشكر ضده الكفران، والتواضع ضده التكبر، والعدل ضده الجور ، والحلم ضده الغضب، والصبر ضده الجزع، والوفاء ضده الغدر، ... وهكذا. كلُّ الفضائلِ تقفُ في ساحةِ نفسك ضدَّ كلِّ الرذائل التي تريد أنْ تسيطر على مملكة النفس، وتجعلها تابعةً خاضعةً للشيطان وأوليائه. والفضائل كرامةٌ تزيّن بها العقل، الذي فُضِّلَ به الإنسان على كلِّ مخلوقات الأرض. المعركةُ في أرضك والخيار لك، فماذا تختار؟ هل تريد أنْ تسمو بنفسك وتجعلها مع المصطفين الأخيار؟ أم تريدُ أنْ تجعلها مع العُصاة الأشرار؟ هل تُلبِسها ثوبَ الفضائل والكرامات وتُخلِّصْها من الرذائل والبلاءات؟ بيدك أنْ تجعلَ عقلك هو الحاكم على مملكتك، وتُرضِخُ كلَّ القوى تحت سيطرته، وتطردُ الشيطانَ وجنده، وتُطهِّرُ روحك لتكون مع الأرواح الملكوتية، وتكون من الذين قال لهم ربهم: يا أيّتُها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربكِ راضيةً مرضيةً... قال الإمام الصادق (عليه السلام): "اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا".
اخرىالكذب بين الزوجين وأثره على الحياة الزوجية
تتعزز العلاقات الاجتماعية وتقوى أواصر المحبة بين الأفراد كلما كان أساسها قوياً والمقومات التي قامت عليها متينة، ومن بين أهم تلك الأسس الصدق والصراحة والوضوح. وإذا كانت العلاقات تحتاج إلى ذلك بشكل عام فإن العلاقة الزوجية بأمس الحاجة اليها؛ لأسباب عديدة أهمها: إنها شركة بين شخصين من المفترض أن تكون لمدى الحياة أولاً ، وللاحتكاك الدائم بينهما ثانياً، ولأنها تقوم لأجل تحقيق غايات ضرورية للإنسان كإنجاب الأطفال والعمل على تربيتهم تربية صالحة تعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع ثالثاً، علاوة على تحقيق السكينة والطمأنينة والإشباع العاطفي وتلبية الاحتياجات الجسمية والعقلية لكلا الزوجين. وعليه فإن أي خطر يطرأ على بناء الأسرة فإنما يهدد تلك الغايات الهامة أجمعها. ويعد الكذب من أخطر الأمور التي تهدد كيان الأسرة وإن استهين به، بل هو المِعْوَل الهدّام الذي إن لم يحطّمها تماماً ويودي بأركانها إلى الانهيار التام فتنتهي بالطلاق فإنه يشوه معالمها ويلوث أجواءها شاحناً جميع أفرادها بالطاقة السلبية، سالباً منها الثقة والأمان والطمأنينة. ولأن الزوجين هما من يقودان الأسرة ويعدان المؤثر الأول فيها سلباً وإيجاباً، فقد ارتأينا أن نحصر مشكلة الكذب فيهما. الكذب: هو: مخالفة القول للواقع. وهو من أبشع العيوب والجرائم، ومصدر الآثام والشرور، وداعية الفضيحة والسقوط(1) ولذا فإن الشريعة الإسلامية لم تنهَ عنه وحسب، بل وجعلته أعظم الخطايا، كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب" (2) ؛ وذلك لأن الكذب مفتاح الذنوب كما روي عن الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) قال: " جعلت الخبائث في بيت وجعل مفتاحه الكذب "(3)؛ لأجل ذلك كان مصاحباً للفجور ومؤدياً بصاحبه إلى النار كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إياكم والكذب، فإنه مع الفجور، وهما في النار " (4). دوافع الكذب بين الزوجين أولاً: العادة: قد ينشأ الزوجان ــ أو أحدهما ــ ويشتد عودهما وهما معتادان على الكذب منذ الصغر إما لتلوث البيئة التي نشئآ فيها بهذا الداء أو لجهل منهما أو لضعف الوازع الديني لديهما . ثانياً: الحاجة إلى الاهتمام: تلتجئ بعض الزوجات أحياناً إلى التظاهر بالمرض وادعاء الألم لتحظى ببعض الاهتمام من زوجها .. ثالثاً: التدبير الاقتصادي للأسرة: هو دافع يدفع بعض الزوجات إلى الكذب وإخبار الزوج بخلاف الواقع فيما يتعلق بنفقات المنزل .. رابعاً: التودد إلى الآخر: وهو من الدوافع التي تدفع الزوجين إلى الكذب استجلاباً لود الآخر وحبه. خامساً: الحفاظ على الرجولة: يتصور الكثير من الرجال أن رجولته تكمن في الهيمنة على أفراد الأسرة والسيطرة عليهم، وأنه لابد أن يكون دائماً على صواب وأن الحق لابد أن يكون معه وإلا لخدشت رجولته ولهذا فإنه يلجأ الى الكذب في المواقف الحرجة للظهور بمظهر القوي المسيطر سادساً : حماية الأبناء: وهو الدافع الذي يدفع الزوجات غالباً إلى الكذب رضوخاً تحت غريزة الأمومة فيُخْفِينَ مشاكل الأبناء ويُخبرْنَ الزوج بخلاف الواقع حمايةً لهم من التوبيخ والتعنيف بالقول أو الفعل. سابعاً: التحريض: وهو دافع يدفع الزوجة إلى ادّعاء بعض الأكاذيب واختلاقها ضد أهل زوجها أو أبنائه من زوجة أخرى وماشابه. ثامناً: الخوف من المشاكل : وهو دافع يدفع الزوجين الى الكذب بشكل عام، والرجل بشكل خاص، فقد يخبر زوجته بما هو خلاف الواقع درءاً لمشاكل يتوقع حدوثها فيما لو أخبرها بالحقيقة. تاسعاً : قد تكون الحقيقة مؤلمة : فيعمد الرجل إلى إخبار الزوجة بخلافها خوفاً عليها. وهو دافع يتذرع به الرجال عادة إلا أنه ليس بمنطقي إلى حدٍ ما، لأنه لو كان يخشى إيلامها حقيقة لما أقدم على ما يسبب لها ذلك. وغالباً ما يشترك الدافعان أعلاه في دفع الرجال إلى الكذب على زوجاتهم بشأن زواجهم الثاني ظناً منهم أنهم إن تزوجوا وكانت الزوجة أمام الأمر الواقع فإنها ستقبل وترضخ. إلا أنهم في الحقيقة يقعون في خطأ أكبر من حيث لا يعلمون وذلك لأن الإقدام على أمر كبير كهذا دونما إعلامها به يترك في نفسها جرحاً. فضلاً عن أن اكتشافها الكذب بحد ذاته في أمر هام كهذا يزعزع كيان الأسرة وينزع من قلب الزوجة الثقة بزوجها وقد يؤدي إلى الطلاق. وحتى وإن لم يؤدِ اليه فعلاً فإن الزوجة قد تحذف وجود الزوج من خارطتها العاطفية دون أن تصرح بذلك وتقتصر بها على أولادها، لاسيما إن كان زواجه الثاني ترفياً. وعليه يفضل إطلاعها على الأمر منذ بدايته ومحاورتها للتوصل إلى حل يرتضيه الطرفان. وقد تنتفي بعد الحوار الجاد والمثمر مع زوجته حاجته إلى الزواج الثاني، إذ قد تتمكن من تلبيتها له. وقد يحتج الرجل بأن الشرع لم يلزمه بذلك، نعم هذا صحيح، ولكن عند النظر إلى الموضوع من زاوية ما يحدث من مشاكل على أرض الواقع التي قد تزلزل كيان الأسرة بأكمله نجد أنه لابد من التريّث والحوار للحفاظ قدر الامكان على الأسرة من الانهيار.. وإذا ما استثنينا دافع التودد من دوافع الكذب فإن سائر الدوافع مهما بدت مقنعة في نظر الكاذب، إلا أنها في حقيقة الأمر تعبّر عن ضعف في شخصيته، ووهن في حجته، وركاكة في برهانه ؛ ولذا فهو لا يجرؤ على كشف الواقع والمواجهة بالحقيقة وإنما يعمد إلى إخفائها في خباءٍ هو أوهن من بيت العنكبوت يُدعى الكذب. وما إن تهب رياحٌ من هنا وهناك حتى تكشف كامل الحقيقة تاركةً وصمة عار على جبين الكاذب وسيكون هذا شروعاً في انهيار العلاقة الزوجية، فلاينال بذلك سوى سخط الله (تعالى) وخسران أسرته ونفور المجتمع. الآثار المترتبة على الكذب بين الزوجين: تختلف الآثار المترتبة على الكذب باختلاف نوع الكذب نفسه، فعلى الرغم من أن الكذب يُعدُّ من القبائح عادة بل وأشدها ــ كما تقدم ــ ولذا كان محرم شرعاً، إلا أن هناك كذباً جائزاً وهناك كذباً واجباً!. فأما الكذب الجائز فهو ما أجازته الشريعة الإسلامية لمصلحة راجحة، لا تتحقق إلا به، كاسترضاء الزوجة وتطييب خاطرها بكلمات حتى وإن كانت خلاف الواقع كقوله: أحبك مثلاً، وهو لا يثحبّها حقيقة والعكس صحيح أيضاً فيجوز للزوجة أن تدّعي الحب لزوجها رعاية لمصلحة الأسرة ودرءاً للمشاكل. وكذلك يجوز الكذب في الصلح بين المتخاصمين فينقل لأحدهما عن الآخر ما يخالف الواقع لغرض تليين القلوب وترطيب الأجواء الجافة بينهم بقصد الصلح. كما يجوز الكذب والمكايدة في الحرب أيضاً، وقد وردت في ذلك العديد من الروايات منها ما روي عن أم كلثوم أنها قالت: "ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرخص في شئ من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول يريد الإصلاح، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها "(5). وأما إذا لم يكن الكذب وسيلة لتحقيق مصلحة راجحة وحسب بل إنها مما تجب مراعاتها (كإنقاذ مسلم من القتل والأسر أو حفظ عرضه أو ماله المحترم، كان الكذب فيه واجباً)(6) ومما لاشك فيه أن الآثار المترتبة على الكذب في كلتا الحالتين المتقدمتين (حالة الجواز وحالة الوجوب) إنما هي آثار إيجابية ، تزيد في لحمة الأسرة وتبث فيها أجواء الهدوء والإستقرار ، بل والحب الحقيقي ربما لأن الزوج الذي لايحب زوجته لسبب ما عندما يخبرها بالعكس سيترك ذلك أثراً جيداً في نفسها فتتحبب إليه وتقلع عما يبغضه وهكذا شيئاً فشيئاً حتى يثحبّها هو الآخر... ويسهم الكذب الجائز أيضا في تقوية أواصر المحبة بين أفراد المجتمع ويقضي على المشاحنة والبغضاء. كما يحقق الكذب الواجب أهمية كبرى للمجتمع كإنقاذ شخص من الموت، قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) سورة المائدة آية (٣٢)... وأما فيما عدا هذين النوعين فإن للكذب آثاراً خطيرة، حيث يسبب انهيارات في مرافق هامة كثيرة في البناء الأُسَري أهمها : أولاً: فقدان الثقة: أول ركن من الأركان التي تضرر العلاقة الزوجية بسهام الكذب هي الثقة والتي تتلاشى شيئاً فشيئاً كلّما تكرّر الكذب وقد تصل إلى مرحلة الانعدام تماماً. ومن البديهي أن العلاقة الزوجية ستفقد استقرارها بنسبة فقدان الثقة تماماً، فحريٌّ بمن يرغب بحياة زوجية هانئة أن يحرص على الصدق وأن يقضي على هذا الداء فيما لو أصيب به. ثانياً: كثرة الشك: تزلزل ثقة الزوج بشريكه بسبب الكذب أو انعدامها تماماً تجعل منه شاكّاً في أقواله مرتاباً في كل أفعاله، مما يتسبب في إحالة الحياة الزوجية إلى مسلسل من القلق والتوتر واتهام الآخر، وهي حياة بلاشك مريضة مشحونة بالمشاكل، ومالم يهب الزوجان لمعالجتها فستنتهي بنهاية مأساوية لا محالة. ثالثاً : الخيانة تقدم أن الكذب مفتاح كل الرذائل ، وعليه فمن يعتد على الكذب يستسهل ارتكاب الأفعال القبيحة ومن أقبحها الخيانة. رابعاً: انعدام الشعور بالأمان: كيف يأمن من يعلم يقيناً أن شريكه كذب عليه مراراً وتكراراً؟ فلا يأمن بعدها إلى حبه وإلى وعده ووو.. خامساً: الكره والنفور: من الطبيعي أن تؤدي ما تقدمت من آثار الى أن يكره الزوج شريكه الكاذب وينفر منه، ويترتب على هذا فراغٌ عاطفيٌ كبيرٌ قد يدفعه إلى ملئه بالصورة الخاطئة ــ والعياذ بالله ــ خصوصاً فيما لو كان يعاني ضعفاً في الإيمان وقوة في العاطفة والشهوة. تنبيـــه: يلجأ الكثير من الأزواج إلى التورية فراراً من الكذب. والتورية: هي أن يقول القائل كلاماً ما، يحمل وجهين، يفهم منه السامع المعنى الظاهر في حين يريد منه القائل معنىً آخر. ومن أمثلته: إذا تحدثت بكلام سيّء على شخص وبلغه كلامك، وتريد تطييب خاطره دون أن تكذب فتقول له : ان الله يعلم ما قلت . فيفهم السامع ظاهر القول وهو النفي، بينما تقصد في سرك (ما) الموصولة وليست النافية وعليه، يكون المعنى الذي أردته انت: إن الله يعلم الذي قلت. وتستخدم التورية فيما (إذا اضطر الإنسان إلى الكذب، ومست الحاجة إليه، واقتضته المصلحة في بعض الأحوال)(7). وهذا الأمر لابأس به في الحياة الزوجية إن اقتصر على الحالات الضرورية، إلا أن ما تشتكي منه الأسر اليوم والزوجات خصوصاً هو كثرة استخدام التورية من قبل الأزواج إلى درجة تصل أن تشك الزوجة في الكثير من أقوال زوجها ، وهو أثر لايقل خطورة عن آثار الكذب التي تقدم ذكرها... وعليه فليس من الصحيح الإكثار من استخدام التورية في الحياة الزوجية حتى وإن كانت جائزة شرعاً؛ لأن ذلك حتماً سيؤدي إلى انكشاف الحقيقة ولو في إحدى المرات وحينئذ ستؤثر التورية على الحياة الزوجية الآثار الوخيمة ذاتها التي يؤثر فيها الكذب. ومن هنا فعلى الزوجين أن يحذرا من الإسراف في إستخدام التورية ولا يلجآن إليها إلا بالمقدار الضروري فقط... علاج الكذب: العلاقة الزوجية علاقة تكاملية، وبالتالي فما من داء يستفحل فيها إلا وكان للطرفين يدٌ في حصوله وإن إختلفت نسبة ذلك بين الطرفين، وعليه فلابد من أن يتعاونا معاً لاجتثاث ذلك الداء من جذوره. فعلى من يمارس الكذب أن يتأمل في آثار الكذب الدنيوية والأخروية ، فإن كان يروم الحفاظ على مركزه الاجتماعي وعلاقاته لاسيما الزوجية وشؤونه في الدنيا فعليه أن يقلع عن الكذب . وإن كان ممن -لا يأبه للدنيا- وهذا نادر جدا وكان همه الآخرة فقط فعليه أيضا الإقلاع عن الكذب. كما يحسن بالطرف الآخر أن يمدّ يدُ العون لشريكه وذلك من خلال تعزيز قيمة الصدق لديه ولو بشكل غير مباشر، والابتعاد عن الأسئلة التحقيقية قدر الإمكان والامتناع من حصره في زاوية قد لا يجد مفراً منها إلا الكذب. بالإضافة إلى الحرص على أن يكون رد فعله هادئاً ومشجعاً وإيجابياً فيما لو صدق معه الطرف الآخر وَإِنْ كان الموضوع قاسياً بعض الشيء ،فعليه تجرع ذلك ما أمكنه حفاظاً على الأسرة ورعاية لمصالحها. ــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخلاق أهل البيت عليهم السلام ص28 (2) ميزان الحكمة ج8 ص397 (3) بحار الانوار ج69 ص263 (4) المصدر الاسبق (5) المصدر الأسبق (6) جامع السعادات فصل مسوغات الكذب (7) المصدر السابق رضا الله غايتي
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى