تشغيل الوضع الليلي

جمال كمالها كـكمال جمالها ...جميل كامل ...السيدة الزهراء

منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 1167

......
سيدتي !

بل يا سيدة الوجود!
و محور العالم ..!
يا ملحمة فصول تصطّف أوراقها بكل شموخ، يتصدرها أبوك خاتم الأنبياء ويختمها ولدك خاتم الأصفياء...

............
سيدتي!

يا سِفـرَ الرحيل الذي يرتله عليٌّ بصوته المثخن بشرحجاتِ الحنين الى ذكريات الماضي... بكل ألمها وأملها..

يرتله لتسمعه بل وتَعيه هذهِ الدنيا الخائنة التي ما زالت تظم أولئك النفر!
........
سيدتي!

يا من وجود الكون لولاكِ استحال!
ْعجيبٌ... أن أبحث لكِ عن قبر!
وهل الملاحم تـُقبر؟!
وعجيب أن أبحثَ عن قبر يظمك يا واحدةَ أبيكِ! و أنتِ من يبثُ الحياةَ في تلكَ القبور!
والأعجب أن أبحثَ فلا أجد لكِ قبراً ولا حتى حجراً يدل عليه!
وأنت سليلة المجد التليدْ..!!!

.........
سيدتي!

كيفَ أمسيتِ جسماً عليلاً تحت شفير تراب الأرض؟!
كيفَ أمسيتِ وذاك عليٌّ جالسٌ على قبركِ يخطُ الأرضَ بيدهِ ويُرددكِ فاتحةً لوحدته!
بل كيفَ أمسيتِ وتلك زينبُ الطُهر تصحو من منامها حائرةََ مذهولةً تبحث بكلتا عينيها في أطراف الدار علها تجدكِ!!!
....ولم ولن تجدك بعد!
كيف بها وحيدة في الدارِ تسأل نفسها: أين تكون قد ذهبت أمي؟!
هل رحلتْ وتركتْني بدون وداع حتى؟!
هل رحلتْ وتركتْني الوريثةَ الوحيدةَ لمصائبها؟!
هل رحلتْ....؟!
وإذا بـعليّ يدفعُ ذلكَ الباب -الحزين-بكلِ هُدوء! لِــيرى تلكَ الطفلة اليتيمة، أقبلتْ هائمةً بينَ يديه، تُحدقُ النظرَ في فمهِ، علّهُ جاءها بخبر عن أمها!
لتتفاجئ به وهو يمسحُ على رأسها إشعاراً لها برحيل أمها!
كيفَ بها في جوف الليل، وتلك دموعها تتهادرُ على خديها كــالؤلؤ حرقـةً وألماً؟!.. آهٍ سيدتي ما زالت صغيرةً على ذلك!
فأمامها الكثير في طفِ كربلاء...!
..............
سيدتي!

مـا لَهم؟! أولئك!
لا سامحهم الله!

...أليسو أولئكَ هم صعاليكُ المصاهرة؟!
تقدموا لمصاهرةِ أبيكِ منكِ أيتها الطُهر الطاهر،طمعاً في خلافته!
فأتاهم زَجرُ السماء لِـيوقفهم عندَ حُدودِ الأدبْ! ولِـيكفوا عَن تَحديْ مقاماتِ السادةِ الأصفياءْ!!
أليـسوا هُم بالأمسِ خفافيشُ العقبة يتسابقون لاغتيالِ أبيكِ ففضحهم الله؟! وذاك سُليمٌ يشهد بها عن أبان عن عليًّ عن أبيكِ؟!
وها هم اليوم أمسَوا خفافيش السقيفة يتدافعون لِـسلبكم ما آتَاكُم الله من فضله!

أجل، هم أنفسهم كما أخبرَ والدكِ هم: فلان وفلان وفلان!!
...ها هي جهنم تتوعدهم..
وذلكَ تابوتهم فوقَ صخرةٍ في قعرِ جهنمْ يُـناديهم، ليُعذّبوا فيه إلى أبد الآبدين!
جزاءً بما كانوا يفعلون!!

............
سيدتي!
كيف بهم يومَ يُناديهم نبيهم: كيفَ أخلفتموني في أَهْلِ بيتي؟!

هل أكبرتموهم وعَزرتُـموهم؟أم أهنتموهم وأقصيتموهم؟!!
ماذا عن وصيي؟!
هل شيعتموه إلى مقرِ خلافته ليكون خليفتي عليكم ؟ أم أخذتموه جراً وغصباً لِـيبايعكُم بدلاً منه؟!

هل حفظتم وصيتي في شأنِ تلك الدار؟
التي كنتُ أُنادي أمامها كل يومٍ آيةَ التطهيرْ؟ أم روعتم اَهلها بـِمقدارِ تلكَ الضغائن المحبوسة في صدوركم؟!
هل استأذنتم عند وقوفكم على باب دار الوحي كما كنتُ أفعل ذلك بالرغمِ هو بيت ابنتي؟ أم أشعلتم نارَ أحقادكم الدفينة فيه؟!
هل حفظتموني في ذريتي (والمرء يُحفظ في ولده)؟!
ام سبيتموهم وأقصيتموهم ولم تَـرعوا لهم في الله حرمة؟!!
وَهل؟!
ولِـمهديكِ الثأر
أينَ الطالبُ بــذحولِ الأنبياء وأبناء الأنبياء؟!

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً(27)) سورة الفرقان

إن موعدهم الصبح!

أليس الصبح بقريب؟!

ليلة ١٠ جمادى الاول
سنة أربعمائة وتسع وثلاثون بعد الألف

اخترنا لكم

درع المرأة المسلمة ضد الشبهات الواهمة (١)

بقلم: علوية الحسيني (شاوروهنَّ وخالفوهنَّ) ■تمهيد: تواجه بعض النسوة العديد من التصرفات التي تهبّط معنوياتها، ومن ذلك أنه استند البعض على أقوالٍ يدّعى أنّها منسوبة للأئمة (عليهم السلام) ومن ذلك أنه قيل إنه روي عن لأمير المؤمنين(عليه السلام) "شاوروهن وخالفوهن"، وتفاوت الفهم لهذا الحديث؛ فما بين من فهم منهم أن لا رأي للنساء بتاتًا، وبين من فهموا منه أنّه يدل على تقليل شأن المرأة فيطلب مشورتها ثم يضرب بتلك المشورة عرض الجدار؛ ويستظهر وجوب مخالفة ما أشارت عليه المرأة. وربما غاب على المتكلم أنّ الله (سبحانه وتعالى) لم يجعل فارقًا في أصل كلّ خير بين الرجل والمرأة، كالمساواة في الثواب في الأعمال الصالحة، بقوله سبحانه: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ} (١). والمشورة خير كما هو واضح. والذي يظهر من الحديث هو التقييد بزمنٍ معيّن، كزمن الأمر بالجهاد، أو واقعة الحرب، أو حالاتٍ معينة يشوب آراء المرأة الخلل دومًا؛ إما لمرض، أو سذاجة، أو قد تكون سليمة إلاّ انها في زمن الحرب تعارض رأي زوجها أو أبيها أو أخيها في ذهابه ومشاركته في الحرب، فهنا مخالفة رأيها هو عين الصواب. وسيتم تسليط الضوء على حق المرأة بالمشورة ضمن المطالب التالية: ■المطلب الاول: هل يعقل أنّ الإسلام استهان بالمرأة؟ إن من يزعم ذلك هو بعيد كل البعد عن الإسلام، إذ هو الدّين الوحيد الذي أولى المرأة حقوقًا واحترامًا؛ وإلا فإن بعض الأديان حرّمت على المرأة التعلم، والجاهلية وأدت بناتها، وهذا غير خافٍ على أحد. وقد اعتبرت المرأة في الديانتين النصرانية واليهودية مصدر الإِثم ومرجعه فيهما حسب بعض الباحثين. أما الإسلام، فإنه قد أولى المرأة منزلةً عظيمة، فجعل سن مخاطبتها بالأحكام الإلهية –التكاليف- أسبق من زمن مخاطبة الرجل، كما هو معروفٌ في الحكم الشرعي، ويكفي ذلك لها احترامًا وتوقيرا. ■المطلب الثاني: هل أنّ القرآن الكريم نهى عن مشورة المرأة؟ إنّ المتأمل في ظواهر وبواطن الآيات الكريمة لم يجد نهيًا عن الأخذ بمشورة النساء، سواء أخذ المستشير برأيهن أم لم يأخذ. بــل أنّ القرآن الكريم قد وضع الحجر الأساس في اعطاء حق المشورة للرجل والمرأة معًا؛ بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون} (٢). فالآية الكريمة في معرض مدح المؤمنين الذين: ١- استجابوا لنداء ربّهم بالامتثال لأوامره واجتناب نواهيه. ٢- أقاموا الصلاة. ٣- اعتمدوا الشورى بينهم. ٤- أنفقوا مما رزقهم الله تعالى. والآية تخلو من قرينة تدل على خطاب الرجل دون المرأة، فتأملوا. إذًا كما أنّ الاستجابة لأوامر الله تعالى، وإقامة الصلاة، والإنفاق في سبيله، أمرٌ مكلّف به الرجل والمرأة على حدٍ سواء، كذلك أمر الشورى فهو مشترك بينهما أيضاً. وجاء في تفسير الآية محل شاهدنا: "وقوله: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ قال الراغب: والتشاور والمشاورة والمشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض... والشورى الأمر الذي يتشاور فيه... . فالمعنى: الأمر الذي يعزمون عليه شورى بينهم يتشاورون فيه، ويظهر من بعضهم أنه مصدر، والمعنى: وشأنهم المشاورة بينهم. وكيف كان ففيه إشارة إلى أنهم أهل الرشد وإصابة الواقع يمعنون في استخراج صواب الرأي بمراجعة العقول فالآية قريبة المعنى من قول الله تعالى: ﴿الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾" (٣). إذًا الشورى بصورة عامة لها تأصيل جذري في القرآن الكريم. وكذلك هناك بعض الآيات الكريمة جعلت المشورة حقًا مشتركًا، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِما} (٤). فالآية تتكلم عن جواز امتناع المرأة عن ارضاع وليدها، وهذا يخضع للتراضي والتشاور فيما بينها وبين أب الطفل. نعم، هناك آياتٌ اخرى قد يظهر منها مشورة الرجال، من قبيل المشورة في شؤون الجهاد والحرب، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين} (٥). وهذه الآية -وبعد الرجوع إلى بعض تفاسيرها- متعلقة بشؤون الحرب، حيث جاء الأمر الإلهي للنبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) بمشورة أصحابه، كما شاورهم في معركة بدر وأُحد (٦). وليس فيها طعن بمقام المرأة، أو عيب تعاب به إذا لم تشملها الآية الكريمة أعلاه بوجوب أخذ مشورتها؛ إذ إن الجهاد والحرب ليس من وظيفتها حتى تعطي مشورتها في هكذا أمور، ولهذا اقتصرت الآية على الرجال ظاهرًا. ولا أعلم لِمَ يجعلون القرآن الكريم عِضين [قسمين] يأخذون بعضه ويتركون بعضه الآخر؟! فهنالك آياتٌ بينات، بحق مشورة المرأة صادحات، ولسداد رأيها مشيرات، منها قوله (تعالى): ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} (٧). هنا القرآن الكريم يؤكد على قيمة رأي المرأة، وأصوبيته، وأهميته، ويكشف أنّ نبيًا من أنبياء الله تعالى قد أخذ برأيها ونفّذه، ويكشف لنا أنّ رأيها أظهر لنا مواهب النبي موسى (عليه السلام) وجعله قويًا، وأنمى عوده، بل كثير من البركات التي عمّت على موسى وشعيب وأهلهما من بركات رأي هذه المرأة الصالحة. ■المطلب الثالث: هل لنا في التاريخ نسوة محل مشورة؟ في تأريخنا الاسلامي نجد أنّ الاعتماد على رأي المرأة أمرٌ واضحٌ جدًا، كالسيدة خديجة (عليها السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله)، والسيدة الزهراء مع أمير المؤمنين (عليهما السلام)، والسيدة الحوراء مع الحسنين (عليهم السلام)، والسيدة معصومة مع الرضا (عليهما السلام)، والسيدة طوعة مع مسلم (عليه السلام). كل هذه النماذج المباركة لو غُصنا في تفاصيل حياتهن لوجدنا أنّ لهنَّ بصمة في مسار الإسلام، وليس في مساراتٍ شخصيةٍ منزليةٍ فقط. ■المطلب الرابع: المجتمع اليوم بحاجة إلى مشورة المرأة. وفق الاستقراء الناقص وجدنا أنّ المجتمع باختلاف عاداته وتقاليده لا يخلو من مشاورة النساء؛ بلحاظ أنّهنّ نصف المجتمع. وحينما نشير إلى أهمية رأي المرأة في ما تحسن المشورة فيه لا يعني الجزم بصحة ما تبديه، فالمرأة ليست مخلوقًا معصومًا، وكذا الرجل ليس معصومًا، وكلا رأييهما قابل للتخطئة، فالمسألة نسبية إذًا. أنّ رأي المرأة كثيرًا ما يكون خيرًا وبركة حتى في مسائل الإدارة والتدبير إن كانت رشيدة، قد أسست أساسًا رصينًا، له دخالة بصحة ودقة كلامها ولو إجمالاً. والغريب، أنّ بعض الرجال لا يرتقون إلى نسائهم من الناحية الفكريّة والعلميّة، ثم يقولون: "أن لا رأي لهن" ! أو "أنهن لا يحسنَّ شيئاً من الحياة"! وقد عرفنا بطلان هذه العبارة. كما لا تؤيدها الكثير من الشواهد التي تؤكد على دور المرأة، وأهميتها في بناء المجتمع، وإلاّ كيف يركز الاسلام على دور المرأة ويحثها على بناء ذاتها؟! كيف تُهمل تلك الشواهد حتى يقال: "لا رأي لهنَّ ولا قيمة لمشورتهن"؟!. وأخيرًا أقول: ▪️ أيّـها الزوج: اهتم ببناء زوجتك الفكري والأخلاقي والعلمي، وكن لها سندًا وعونًا، ولا تقف بطريقها لمصالحك الخاصّة. ▪️ أيّــها الأب: كما تغذيها بالرعاية المادية اهتم برعايتها معنويًا، وابدأ معها مبكرًا في التعليم، وضع لها جدولاً وبرنامجًا تطويريًا؛ لتكون زوجة واعية راشدة مستقبلاً. ▪️ أيّــتها الأُم: كوني كالزهراء (عليها السلام) التي كانت مرآةً لانعكاس دور الأم الرشيد، صاحبة الرأي السديد، لابنتها الحوراء (عليها السلام). ▪️ أيّــتها الأخت: طوري ذاتك، واهتمي ببناء افكاركِ واخلاقياتكِ، ولا تتعذري بعدم وجود المساعد، انهضي والله معكِ، وضعي حدًا للتقصير في بناء الذات؛ لتكوني من عمّال الله تعالى في أرضه، فعّالة، لكِ كلمة فبيتكِ ومجتمعك. والطريق الذي لا عقبات فيه لا عواقب نافعة فيه. __________________ (١) آل عمران: ١٩٥. (٢) الشورى: ٣٨. (٣) الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، تفسير سورة الشورى. (٤) البقرة: ١٣٣. (٥) آل عمران: ١٥٩. (٦) ظ: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: للشيخ ناصر الشيرازي، ج٢، ص٧٤٨-٧٤٩. (٧) القصص: ٢٦. اللّهم أنطقني بالهدى، وألهمني التقوى، ووفقني للتي هي أزكى، بحق محمدٍ وآله سادة الورى.

المرأة بين الإسلام والغرب
منذ 4 سنوات
1134

الشفاعة في مقام الزهراء عليها السلام، دراسة مقارنة (ج1)

بقلم: علوية الحسيني تمهيد إنّ الشفاعة عقيدةٌ ثبتت عقلاً ونقلاً، ولا خلاف فيها بين المذاهب إلاّ من شذ، لكن الاختلاف جرى في كيفية الاستدلال عليها، وفي بحثنا هذا سنسلط الضوء على هذه العقيدة بدراسة مقارنة بين عقيدتي الشيعة وأبناء العامة ضمن مطلبين: ■المطلب الأول: الشفاعة في عقيدة الشيعة الاماميّة *الفرع الأول: تعريف الشفاعة الشفاعة لغةً: الشفع: ضم الشيء إلى مثله ويقال للمشفوع شفع. والشفع والوتر: قيل الشفع المخلوقات من حيث إنها مركبات كما قال: ومن كل شيء خلقنا زوجين. والوتر هو الله من حيث إن له الوحدة من كل وجه. ( 22). واصطلاحاً: "هي طلب إسقاط العقاب عن مستحقه، وإنما تستعمل في طلب ايصال المنافع مجازاً وتوسعاً، ولا خلاف في أنَّ طلب إسقاط الضرر والعقاب يكون شفاعة على الحقيقة (23). *الفرع الثاني: الماهيّات المتشفع بها والأدلة على مشروعية الشفاعة هناك ماهيات عديدة تكون مصاديق تندرج تحت مفهوم الشفيع، منها: 1-رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بدليل ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أُعطيت خمساً... أُعطيت الشفاعة"(24). 2- القرآن الكريم بدليل ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الشفعاء خمسة: القرآن..."(25). 3-أهل البيت (عليهم السلام) بدليل ما روي عن قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الشفعاء خمسة: ... وأهل بيت نبيكم"(26). 4-الأنبياء بدليل ما روي عن الإمام علي (عليه السلام): " ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ فيشفّعون: الأنبياء،..."(27). 5- العلماء بدليل ما روي عن الإمام علي (عليه السلام): " ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ فيشفّعون: الأنبياء، ثم العلماء،..."(28). 6- الشهداء بدليل ما روي عن الإمام علي (عليه السلام): " ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ فيشفّعون: الأنبياء، ثم العلماء ثم الشهداء"(29). 7- الرحم بدليل ما روي عن سول الله (صلى الله عليه وآله): " الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم،..."(30). 8- الأمانة بدليل ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة،..."(31). 9- من شفع له القرآن بدليل ما روي عن علي (عليه السلام): " اعلموا أنّ القرآن شافع ومشفّع، وقائل ومصدّق، وأنّه من شفّع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه "(32) نهج البلاغة، الخطبة: 171. 10- من شيّع جنازة مسلم بدليل ما روي عن محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): " من تبع جنازة مسلم أُعطي يوم القيامة أربع شفاعات"(33). 11- المؤمن بدليل ما روي عن محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): " إنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً، فعند ذلك يقول أهل النار: فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم "(34). *الفرع الثالث: شفاعة الزهراء (عليها السلام) في معتقدهم إنّ المتتبع في روايات محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) يجد أنّ أنّها أفــردت السيّدة فاطمة (عليها السلام) وخصّتها بالشفاعة؛ رغم شمولية رواية شفاعة أهل البيت (عليهم السلام) لها، وما ذلك إلاّ إبرازاً لمقامها (عليها أزكى السلام). روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أيّما امرأة صلّت في اليوم والليلة خمس صلوات، وصامت شهر رمضان وحجّت بيت الله الحرام، وزكّت مالها، وأطاعت زوجها ووالت علياً بعدي دخلت الجنة بشفاعة بنتي فـــاطمة "(35) . وأيضاً صرّح دعاء التوسل بالشفاعة لفاطمة (عليها السلام)، يقول العلاّمة الحلي: "وجدت في نسخة قديمة من مؤلفات بعض أصحابنا رضي الله عنهم ما هذا لفظه: هذا الدعاء رواه محمد بن بابويه رحمه الله عن الأئمة عليهم السلام وقال: ما دعوت في أمر إلا رأيت سرعة الإجابة وهو: ... يا فاطمة الزهراء يا بنت محمد يا قرة عين الرسول، يا سيدتنا ومولاتنا، إنا توجهنا واستشفعنا، وتوسلنا بك إلى الله، وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهة عند الله اشفعي لنا عند الله.."(36). وهذا كافٍ للدلالة على شفاعتها (صلوات الله عليها). ______________________ (23) رسائل الشريف المرتضى: للشريف المرتضى، ج 1، ص 150. (24) من لا يحضره الفقيه: للشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، ج1 ، ص 155. (25) مناقب ابن شهر آشوب: شير الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب، ج2، ص14. (26) المصدر نفسه. (27) خصال الصدوق: للشيخ الصدوق، 156. (28) المصدر نفسه. (29) المصدر نفسه. (30) مناقب ابن شهر آشوب: شير الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن شهر آشوب، ج2، ص14. (31) المصدر نفسه. (32) نهج البلاغة، الخطبة: 171. (33) التهذيب: للشيخ الطوسي، ج1، ص455. (34) الكافي: للشيخ الكليني، ج8، ص101. (35) آمالي الصدوق: للشيخ الصدوق، 291. (36) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي، ج 99، ص 247-248. يتبع شفاعة الزهراء عليها السلام في عقيدة أبناء العامة يأتي إن شاء الله تعالى في الجزء الثاني. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين. علوية الحسيني

اخرى
منذ 4 سنوات
2151

خازن علوم آل محمد

بقلم: عبداللطيف الشميساوي طالما يواجه الباحث والمتكلم والدارس لحياة أي إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، مهمة صعبة في الإلمام بحياته ولو بشكل يسير، فكيف يتسنى لمثلي أن يكشف عن سر من أسرار الله المكنونة، ونور من أنواره الساطعة، ودليل من الأدلاء عليه تعالى، وبرهان من براهينه الواضحة، وحجة من حججه البالغة، وآية من آياته البينة، ونعمة من نعمه السابغة، مبلور النهج المحمدي وراعي مدرسته، ومفشي ثقافة السماء، هو جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، الذي أشرق نور إمامته العظيم ينابيع جميع العلوم، والحكمة والأخلاق، شقق العلوم بفكره الصائب، وبصره الثاقب حكيمًا سديدًا، حتَّى ملأ الدنيا بعلومه، وهو القائل: «سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي» (١). ولم يقلها أحد سوى جده الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فله من الفضل والسؤدد، وعلو المنزلة، وغزارة العلم، ما ملأ الآفاق، استخرج جواهره من بحر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من مهبط الوحي والإلهام، ومنهج الحق، الذي سطعت أنواره بطاح البيداء، وعلت فوق قمم الجبال، ونثرت شذاها على سفوح الروابي، وملأ غيثها الأنهار والوديان، فكان نورًا على شاطئ السلام، من مطلع الشمس حتى مغربها، نقل الناس عنه من العلوم ما سَارَتْ به الركبان، وعجزت عن أدراكه الأفهام، وانتشر ذكره على كل لسان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقلوا عنه من الحديث، فكان عصره ذهبيًا حقيقيًا، وكان علمه مقترن بالعمل. فكان له من الأخلاق أفضلها. ولم يكن ليعتمد في أخلاقه على نظريّة استفادها مِن فيلسوف، ولا قاعدةٍ أخذَها مِن حكيم، ولكنّه استقى الأخلاق من ينبوع الوحي، واستقادها مِن هُدى القرآن، واستخرج منه الكنوز واللآلئ، واستنتج عجائبه، فكان ينير ظلام الجهل بنور علمه وبصيرته، لذلك كان قد نشر العلم في كل الأرجاء لينير طريقهم نحو الكمال، لأنه يعلم أنه لا يكون هناك نورا بدون علم. وكان من أهل السخاء على الفقراء في زمانه، متصدقًا في غلس الليل البهيم، ليطعم الجائع واليتيم، ندي الكف، زاهدًا، عابدًا، صابرًا غير جازع على ما كان يلاقيه من عظيم المحن والآلام، محتسبًا بما لاقاه هو وآباؤه وأجداده، فكان من عظماء العباد وأكابر البلاد. ومنهلًا لكل ضمآن، لكن هذا الشعاع الساطع أزعج السلطات والحكام، فعملوا بكل ما بوسعهم جاهدين وبكل الوسائل في كثير من المحاولات لطمس الكثير من وهج علمه، والحد من انتشاره، لكن الله (جلا وعلا) أبى إلا أن يتم نوره، ولو لا تلك الحكومات الجائرة بمحاولتها بالقضاء على الإمام (عليه السلام) لو جدنا هناك قفزة كبيرة في كل صروح العالم الثقافية في جميع الحواضر العلمية الإسلامية . __________________ ١- تأريخ الإسلام للذهبي: 6/45

اخرى
منذ 4 سنوات
3159

التعليقات

وسن علاء محي عيدان الدراويش

منذ 6 سنوات

كلمات رائعه بحق مولاتي فاطمه احسنتم راقت لي

فلاح حسن عبدالرضا العزاوي

منذ 6 سنوات

أسأل الله تعالى لكم التوفيق ومزيد من الإبداع

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
70200

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
51264

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
41403

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 5 سنوات
35860

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
32678

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
32195