تشغيل الوضع الليلي
ابحث عن مفقود
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 1084
قالت حواء…
نشأتُ في بيئة ريفية، وتعلقتْ في ذاكرتي صور من الماضي، صور جميلة، صور تلونت بلون الطبيعة -زاهية ناصعة -لم يستطع الزمن رغم عواصف الهموم وأمطار الحزن ان يغير ألوانها. كلّما نظرتُ في جدران مخيلتي أقف أمام واحدة.
كان أبي كل يوم يأخذني معه إلى البستان، كنت طفلة صغيرة ألعب وأمرح، فإذا سقطتُ في الوحل وابتلّت ملابسي يضربني، وبعد حين إذا غسلتُ وجهي وجفّت ملابسي يقبّلني ويحملني. كان البستان قريباً من الشارع المؤدي إلى قريتي. رأيتُ جدتي إذا مرت سيارة شيخ القرية تجلس وكأنها تبحث عن شيء وتغطي وجهها. رأيت نساء القرية عندما تمر إحداهن ويأتي رجل تتأخر حتى يتقدمها! لم أسال أمي ولا جدتي لماذا؟
ثم مرّت الأيام ومات والدي قبل بلوغي سن التكليف واخترت طريقي، قرّرتُ أن أكمل تعليمي. لبستُ العباءة في الصف الخامس كانت تحميني من برد الشتاء وحرارة الصيف ....كانت تجمّلتي وتزينني....
وحين وصلتُ إلى ماوصلت إليه وتوظفتُ في أحد مؤسسات الدولة وجدت نساءً غير تلك النساء وجدتُ المرأة تصافح الرجل عند اللقاء. وجدتُ الجميع يجلس ويتشاطر الحديث بل البعض أصدقاء. وجدت مجتمعاً يقلد الغرب. ولا أحد يحب عباءة جدتي.
ثم عدتُ لأبحث عن مفقود في ذاكرتي .عدتُ لأقول لأختي وصديقتي: علّمي ابنتك أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يأخذ زينب (عليها السلام) ليلاً لزيارة أمها الزهراء (سلام الله عليها). عدتُ لأنصح كل أم أن تعلّم الحياء لابنتها. عدتُ لأبحث عن مفقود في مجتمعي.
نجاة رزاق شمخي
اخترنا لكم
مسائل خَمس في العقيدةِ المهدويّة (2) (نزولُ عِيسَى النَبيّ مِن السماء)
بقلم: علوية الحسيني المطلبُ الأوّل: نزولُ عِيسَى النَبيّ مِن السماءِ في زمنِ الظُهورِ والحكمةُ مِن ذلك. أجمَعَ المُسلمون علَى أنَّ نبيَّ اللهِ عيسى (عليه السلامُ) بَاقٍ وحَيٌّ، يَنزِلُ مِن السَمَاءِ إلى الأرضِ في آخرِ الزَمَانِ بعدَ أنْ رَفَعه اللهُ تعالى إِليه، قالَ اللهُ (تعالى): (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(13). وقالَ أيضًا: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)(14). وقد عَرضَ المُفسّرون لبيانِ حقيقةِ توفي النبي عيسى (عليه السلام)، ورَفْعِه إلى اللهِ تعالى، فذكرَ السيّد الطباطبائي (رضوان الله عليه) في تفسيرِ الميزانِ ما نصّه : "وبالجُملة، الذي يُفيده التدبرُ في سياق الآياتِ، وما ينضمُ إليها من الآياتِ المَربوطةِ بها، هو أنَّ عيسى (عليه السلام) لم يُتَوَف بِقَتْلٍ أو صَلبٍ ولا بالمَوتِ حَتفَ الأنفِ على نحو مَا نَعرِفُه مِن مِصدَاقِه"(15). وذكرَ الشيخُ جَعفرُ السبحاني في بيانِ ذلك أنَّ "المُتبَادَر مِن الآيةِ هو: إنِّي آخذُك وقَابضُك بين الناسِ, ورافعك إلي، فَتصيرُ الآيةُ دليلًا على رَفعِ المَسيح حَيًا، لا إماتَته وَرَفْعَه"(16). وإنَّ اللهَ تعالى رَفَعَه بِتَمَامِه إلى السَمَاء بروحِه وجسدِه جميعًا إلى السَماء؛ كي لا يَزعم النَصَارىَ أنَّ جسمَه بَقيَ مَصلوبًا، وروحَه رُفِعَتْ إلى السَمَاءِ"(17). وقد وعدَ اللهُ (تعالى) بنزول السيّد المسيح عيسى بن مريم في آخر الزمانِ، وتَعَهَدَ ببقائه حَيّاً ليقيمَ الحُجّةَ التامّةِ على أهلِ الكتابِ، وحَكَى ذلك في قولِه (تعالى): (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)(18). وفي هذه الآيةِ الشريفةِ دِلالَةَ ظاهِرةٌ على ذلك, وقَد بيّنَ السيّدُ الطباطبائي هذا المعنَى في تَفسيرِه المِيزَانِ، وقال: "فَمِن هَذه الجِهَةِ لا صَرَاحَةَ للتوفي في المَوتِ على أنَّ قَولَه (تَعَالى) فِي رَدِّ دَعوى اليهود (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)(19), يُؤيدُ ذلك فإنَّ اليهودَ كانت تَدّعي أنّهم قتلوا المسيحَ عيسى ابن مريم (عليهما السلام) وكذلك كانت تَظنُّ النصارى أنَّ اليهودَ قتلتْ عيسى ابن مريم (عليهما السلام) بالصَلْب، غير أنّهم كانوا يزعمون أنَّ اللهَ (سبحانهُ) رَفَعهُ بعد قتله مِن قبره إلى السماءِ على ما في الأناجيل، والآياتُ كما ترى تُكَذّبُ قصّةَ القَتلِ والصَلبِ صَريحًا، والذي يُعطيه ظاهرُ قوله (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) أنَّه حَيٌّ عند اللهِ، ولن يَموتَ حتى يُؤمِنَ به أهلُ الكتابِ"(20). ولم يقتصر أمرُ نزولِ السيّدِ المَسيحِ، عيسى بن مريم (عليه السلامُ) بحسبِ هذه الآيةِ القرآنية الشريفةِ على إقامةِ الحُجّةِ على أهل الكتابِ وحتى يؤمنوا به، لا بل وبتعاضدِ الرواياتِ المُعتبرةِ والمتواترةِ أنَّ لنزوله نحوِ علاقةٍ أصيلةٍ بخروجِ الإمام المَهدي (عليه السلام) ونصرته، والتصديق به والدعوة إليه، وبيانِ حقّه لأهل الكتابِ من غير المسلمين، وأشَارَ الشيخُ ناصرُ مَكارِم الشيرازي في تفسيره الأمثل إلى هذا التَعَاضُدِ الدلالي الَبيّنِ بين الآياتِ القرآنيةِ الشريفةِ والرواياتِ المُتكاثرةِ في حقيقةِ نزولِ السيِد المسيحِ معِ خروجِ الإمام المَهدي عليه السلام, وذكرَ ما نصّه: "وتَجْدِرُ الإشِارَةُ - هُنا - إلى أنَّ الضميرَ في عبارَةِ - قَبْلَ مَوْتِهِ - في الآية الشريفة- يَعودُ لأهلِ الكتابِ بناءً على التفسيرِ الذي ذكرناه، و قد يكونُ المَقصودُ في الآيةِ هو أنَّ جميعَ أهلِ الكتابِ يؤمنون بعيسى المسيح قبل مَوته، فاليهودُ يؤمنون بنبوته والمسيحيون يتخلّون عن الاعتقادِ بربوبية المسيح (عليه السلام)، ويَحدِثُ هذا - طبقاً للرواياتِ الإسلاميةِ - حين ينزلُ المسيحُ من السماءِ لدى ظهورِ المَهدي المُنتظرِ (عَجّلَ اللهُ تعالى فرجه الشريف)، وواضحٌ أنَّ عيسى المَسيحَ سيعلنُ في مِثلِ هذا اليومِ انضواءه تحتَ رايةِ الإسلامِ؛ لأنَّ الشريعةَ السماويةَ التي جاء بها إنما نَزلَتْ قبلَ الإسلامِ، ولذلك فهي منسوخةٌ به, وبناءً على هذا التفسير فإنَّ الضميرَ في عبارة - قَبْلَ مَوْتِهِ - يعودُ إلى عيسى المَسيحِ, وقد نُقِلَ عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : كيف بكم إذا نزلَ فيكم ابن مريم وإمَامُكم منكم، وطبيعي أنَّ هذا التفسيرَ يشملُ اليهودَ والمَسيحيين المَوجودين في زَمنِ ظهورِ المَهدي المُنتظرِ (عَجّلَ اللهُ تَعالى فَرجَه الشريفَ)، ونُزولِ عيسى المَسيحِ (عليه السلام) مِن السَمَاءِ"(21). ولابُدَّ مِن بيانِ بعضِ رواياتِ أهلِ البيتِ (عَليهم السلام) في شَأنِ نزول النبي عيسى في آخر الزمانِ ومع ظهورِ الإمام المَهدي (عليه السلام)، حيث رُويَ عن الإمامِ الباقر(عليه السلام) أنّه قال: "إنَّ عيسى يَنزِلُ قبلَ يَومِ القيامةِ إلى الدنيا، فلا يَبقى أهلُ مِلّةٍ, يهودي ولا غيره إلاّ آمنَ به قبل مَوته، ويُصلي خَلْفَ المَهدي"(22) . وَوَرَدَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ينزلُ عيسى بن مريم فيقول أميرهم المَهدي: تَعَالَ صَلِّ بنا فيقولُ ألا إنَّ بعضكم على بعض أُمراءٌ تكرمةَ اللهِ (تعالى) هذه الأمةِ. قال : هذا حديثٌ صحيحٌ حَسن، رواه الحارث بن أبي اُسامة في مُسنده، ورواه الحافظُ أبو نعيم في عواليه"(23). فَأحاديثُ نزولِ السيّدِ المسيحِ عِيَسى بن مَريم كَثيرةٌ في مصادرِ الفَريقين، ومِنها الحَديثُ المَشهورُ عَن النبي (صَلّى اللهُ عليه وآله)، حيثُ قال: "كيفَ بِكُم إذا نَزَلَ عيسى بن مريم فيكم، وإمامُكم مِنكم"(24). ومنها "مَا ذَكَره نعيم في صَلاةِ عيسى خَلفَ المَهدي، ولم يُسَمّه، وأنَّ عِيسى يقولُ: إنّمَا بُعثتُ وزيرًا ولم أبعَث أميرًا، قَال: يَهبِطُ المَسيحُ عيسى بن مريم عندَ القنطرةِ البيضاءِ على بابِ دمشق الشرقي إلى طرفِ الشَجرِ، تحمله غمامةٌ، واضعٌ يديه على مَنكب ملكين، عليه ريطتان مؤتزرٌ بإحداهما مُرتدٍ بالأخرى، إذا أكبّ رأسه يقطر منه كالجمان، فيأتيه اليهودُ فيقولون: نحن أصحابُك، فيقول : كذبتم، ثم يأتيه النَصارى فيقولون: نحن أصحابُك، فيقول : كذبتم، بل أصحابي: المُهاجرون بقيةُ أصحابِ المَلحَمَةِ، فيأتي مَجمع المُسلمين حيث هم، فيجد خليفتهم يصلي بهم، فيتأخرُ للمسيح حين يراه، فيقول: يَا مَسيحَ اللهِ صَلّ بنا، فيقول: بل أنتَ فَصَلّ بأصحابك فقد رَضِي اللهُ عنك، فإنّمَا بُعثتُ وزيرًا ولم أُبعَث أميرًا، فيُصلِي بهم خليفةُ المهاجرين، ركعتين مرة واحدة وابن مريم فيهم، وقال في حديثٍ آخرٍ بإسناده عن حذيفةِ بن اليَمَانِ عن النبي (صلى الله عليه وآله): فيهبطُ عيسى، فيرحِبُ به الناسُ، ويفرحون بنزوله لتصديقِ حَديثِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) ثم يقولُ للمؤذِن: أقِمْ الصلاةَ، ثم يقولُ له الناس: صَلّ بنا، فيقولُ: انطلقوا إلى إمامِكم فليصلّ بكم، فإنّه نِعمَ الإمَامُ، فيصلّي بهم إمامُهم، فيصلي معَهم عيسى"(25). وإنَّ نزولَ السيد المسيح (عليه السلام) وبحسبِ دلالاتِ الرواياتِ المشهورةِ والمُعتبرةِ والكثيرةِ يكون مِن المَحتومِ الذي لابُدّ منه، وذلك للتأكيدِ الوثيق على سنخِ العلاقةِ المَكينةِ والوظيفيّةِ والتكليفية والقيادية بينه وبين خروجِ الإمام المهديِ (عليه السلامِ) كعلاقةِ المأموم بالإمامِ، فالنبي عيسى يصلّي خلفَ إمامٍ معصومٍ، وينصره، ويدعو إليه، ويُصدّقه، هذه كُلّها بُنَى عَقدِيّةٌ سَتقومُ عليها دولةُ الحقّ والعدلِ في آخرِ الزمانِ. وأمّا المسلمون فاعتقدوا برفعه حيًا إلى السماء، وآمنوا بنزوله في آخر الزمانِ مع المهدي المُنتظّر (عليهما السلام) وهذه الأمورُ كلها ستُحسَمُ بنزولِه إلى الأرضِ، والقيامِ مع الإمام الموعود، وذلك بالتغييرِ والإصلاحِ والدعوةِ إلى الاجتماعِ على كلمةٍ سواءٍ في توحيدِ اللهِ والإيمانِ برسله وأنبيائه، وإعلاءِ كلِمةِ الإسلامِ العُليا. وكما هو معهودٌ قرآنيًا من ذي قبل في الدعوةِ إلى ضرورةِ الاجتماعِ على كلمةٍ سواءٍ، كما حَكَى ذلك قوله (تعالى): (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(29). ورُبما تكونُ الحكمةُ مِن نزولِ السَيّدِ المسيحِ مِن السماءِ في آخرِ الزمانِ دون غيره مِن الأنبياءِ؛ لأنّه مِن أنبياءِ أولي العَزم، وصَاحِبُ شَريعةٍ وكِتابٍ وله أتباعُ ومُعتقدون به، ومُنتظَرون له فنزوله يتكفّلُ بدورٍ عظيمٍ في هِدايةِ أتباعه والمؤمنين به، فِي مرحلَةٍ حسّاسَةٍ مِن التاريخِ الإنساني، والذي يَظهرُ الإمامُ المَهدي (عليه السلام) في نهايته، وقد يَكونُ النصارى أكبرَ قُوةٍ في العالَمِ آنذاك، مِمَا يتطّلبُ وساطةً مَوثوقةً بها عندهم لتقبّل دِينِ الإسلامِ الحَقِّ والإيمانِ به، عقيدةً ودولةً، وحَضَارَةً ومَنهجًا، والأخذِ بِحُكْمِ الإمامِ المهديِ (عليه السلام) فيهم، وبكُتبهم التي سيستخرِجَهَا لهم، وقد بيّنَت الرواياتُ الكثيرةُ هذا المَعنى، والذي سَيَتَحَقّقُ بظهورِ الإمَام المفدّى، وقيامِه بالحَقِّ. وفي أخبارِ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في آخرِ الزَمانِ ورَدَ أنّه: (يَستخرجُ تابوتَ السكينَةِ مِن غَارٍ بأنطاكية فيه التوراةُ التي أنزلَ اللهُ (تعالى) على مُوسى (عليه السلام) والإنجيلُ الذي أنزله اللهُ (عَزّ وجَلّ) على عيسى (عليه السلام) يَحْكُمُ بَينَ أهلِ التَورَاةِ بتوراتِهم وبين أهلِ الإنجيلِ بإنجيلِهم)(30). (13) آل عمران: 55. (14) الأنبياء: 157-159. (15) الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، ج5، ص136، ط قم المقدسة. (16) الإيمانُ والكُفرُ في الكتابِ والسنّةِ، الشيخ جعفر السبحاني، ص150. (17) رسالةٌ في حياةِ السَيد المَسيح، الشيخ جعفر السبحاني، ص145. (18) النساء: 159. (19) الأنبياء: 157-159. (20) الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، ج3، ص207، قم المقدسة. (21) الأمثلُ في تفسير كتابِ اللهِ المُنَزّلِ، الشيخُ ناصر مَكارم الشيرازي، ج3، ص534. (22) بحارُ الأنوار، المجلسي، ج9، ص195، بيروت، 1403ه. (23) بحارُ الأنوار، المجلسي، ج51، ص93، بيروت، 1403ه. (24) مُسنَدُ أحمد، أحمد بن حنبل، ج2، ص336، ط بيروت. (25) - التشريفُ بالمنن في التعريفِ بالفتنِ، السيد ابن طاووس، ص175، ط اصفهان، 1416ه. (26) الصف: 6-7. (27) كشفُ المُرادِ في شرحِ تجريدِ الاعتقادِ، العلاّمةُ الحلي، ص495، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعةِ المدرسين بقم المشرّفَةِ. (28) الكافي, الكليني، ج1، ص199، طهران، 1388ه. (29) آل عمران: 64. (30) الفتَن، تأليفُ أبي عبد الله نعيم بن حماد المروزي ت 229 ه / 844 م، ص220، دار الفكر 1414ه. المطلبُ الثاني يأتي في الحلقةِ الثانية إن شاء الحقُّ (تعالى)، والحمدُ لله ربِّ العالمِين، وصلّى الله على سيّدنا محمّدٍ وآلهِ الطاهرين.
اخرىالصعودُ الأبدي
بقلم: حسين عقيل ذهبنا ذاتَ يومٍ لتسلُّقِ قمةٍ جبليةٍ شامخةِ الارتفاع مُتعِبة التسلُّق برفقة أربعةً من الأصدقاء المُقربين، وبعد وصولنا لمحلِّ الانطلاق لتسلُّق القمة الجبلية أتممنا كافة الاستعدادات النفسية والمعنوية والمادية لعملية التسلُّق والصعود، وبدأنا التسلُّق ... وبعد أنْ قطعنا مسافةً معينةً، أراد أحد الأصدقاء أنْ يُرشدنا ويأخذ بنا لمُنعرجٍ مجهولٍ قائلًا: تعالوا معي من هنا سوف تنجون بسلامٍ معي، فذهبنا معه لذلك المنعرج الذي ما إنْ سلكناه حتى تهاوت علينا الصخور، وإذا بصخرةٍ كبيرةٍ تتجه نحونا، حاولنا جميعًا الابتعاد عنها بمختلف السبل، فنجونا سوى ذلك الصديق الذي أرشدنا، فقد سقط من أعلى القمة! أكملنا التسلق ولكننا واصلنا النقاش بشأن ما حدث والذي قادنا إلى شجارٍ بسبب اتهام أحدهم لآخر بأنَّه كان السبب في سقوط صديقنا، وكادت أنْ تقع فتنةٌ لولا أنْ واجهناه جميعنا بقولٍ واحد: إنَّ جهل صديقنا بالطريق وعدم تمسكه جيدًا هما السبب فيما حدث له، ولما رأى ردنا وموقفنا من ذلك ابتعد عنا سالكًا طريقًا آخر.. واصلنا التسلُّق بعد أنْ أخذنا مدة زمنية قصيرة للاستراحة... قال أحد الأصدقاء: لِمَ نتسلقُ هذه القمة الجبلية؟ أتمنى أنْ نعود أدراجنا ونحافظ على أنفسنا؛ لنعيش تلك الحياة الزاهية الجميلة وننعم بالخيرات عوضًا عن فقدان أرواحنا أثناء التسلق. ولكن مقترحه لم يُضعف عزيمتنا، إذ كنا عازمين على الوصول لتلك القمة، فانطلقنا لإكمال ما كنا مخططين له، فيما عاد صديقنا أدراجه.. وبذلك لم يبقَ سواي وصديقي الصدوق، وبعد مدةٍ طويلةٍ وشاقةٍ من التسلق واجهنا خلالها الكثير من الصعوبات والتحديات وصلنا إلى القمة الجبلية وكنا فرحين بذلك فخورين بأنفسنا لما وصلنا له.. ما حدث في رحلة تسلق القمة الجبلية شبيهٌ برحلة الإنسان في هذه الدنيا، حيث إنَّ مدة الرحلة هي مدة بقائنا في هذه الحياة الزائلة، والقمة الجبلية هي الجنة؛ لأنَّ طريقها محفوفٌ بالمكاره كما ورد في الروايات، والوصول إليها يتطلب الاستعدادات النفسية والروحية الموطّنة على مواجهة الكثير من الصعاب والأزمات، وأما الأصدقاء الذين تركونا أثناء الرحلة، فالأول منهم هي النفس الأمارة بالسوء التي توهمنا أنَّ الطريق الخاطئ هو الطريق الصحيح وتحملنا على تصديقها بعد أن تزينه في أعيننا وتظهر لنا بمظهر الصديق الناصح كي نُصدقها، ولكن بعد فترة زمنية تسقط الأقنعة وتتضح حقيقة النصائح بأنها أكاذيب مصطنعة، مسببةً لمن يتبعه دمارًا معنويًا ونفسيًا، ولا يمكن للإنسان الأمن من شرها إلا بقوة الإيمان والاستعانة بالله (تعالى). وأما الثاني فهو الشيطان الذي يوقد نار الفتن بين بني البشر ويشجع على الصراع فيما بيننا بالوسوسة إلى كلٍ منّا، ولكن ما إن يرى حكمتنا وتماسكنا فيما بيننا حتى يذهب بعيدًا خائبًا. وأما الصديق الثالث فهو ضعف الثقة بالنفس وعدم التوكل على الله (تعالى) ومن فتَنتْه الدنيا بجمالها ناسيًا بذلك ثواب الآخرة ونعيمها، وكلُّ أولئك الأصدقاء إنَّما هم أعداء بلباس أصدقاء. وأما الصديق الحقيقي للإنسان فهو العمل الصالح الذي يحسن رفقتنا ويشد من عزمنا حتى نحقق الهدف الأسمى وهو رضوان الله (تعالى) والقرب من أهل البيت (عليهم السلام) في جنان الخلد، فعلينا اختيار الصديق الأنسب ليكون لنا عونًا في هذه الدنيا ويثقل موازين حسناتنا يوم القيامة.
اخرىالمعالم التربوية في السلوك النبوي 《٢》
تعددت الطرق التربوية التي اتبعها الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) لتربية الأمة من خلال سلوكياته للارتقاء بالمجتمع المسلم إلى مستوى الخلق الرفيع الذي يوصل الفرد إلى أعلى درجات الإنسانية. ومن هذه السلوكيات النبوية المؤثرة في تربية الأمة هو أسلوب ضرب الأمثلة الواقعية ومحاكاة جنباتها مع محاولة إشراك الأفراد فيها لتعزيز هذا المفهوم بالمصاديق المادية لتترسخ هذه القيم والمبادئ في النفوس. فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنهُ قَالَ :إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) نَزَلَ بِأَرْضٍ قَرْعَاءَ. فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : " ائْتُوا بِحَطَبٍ " .فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَحْنُ بِأَرْضٍ قَرْعَاءَ ، مَا بِهَا مِنْ حَطَبٍ ! قَالَ : " فَلْيَأْتِ كُلُّ إِنْسَانٌ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ ". فَجَاءُوا بِهِ حَتَّى رَمَوْا بَيْنَ يَدَيْهِ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) : " هَكَذَا تَجْتَمِعُ الذُّنُوبُ ". ثُمَّ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَ الْمُحَقَّرَاتِ مِنَ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ طَالِباً ، أَلَا وَ إِنَّ طَالِبَهَا يَكْتُبُ ﴿ ... مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾(1).(2) ومن المعلوم ان هذا الأسلوب الذي يعتمد على الواقعية في ضرب اﻷمثلة أبلغ تأثيرا في النفس البشرية من أسلوب الوعظ والإرشاد وأكثرها ترسيخا في القلب والعقل فالمفاهيم النظرية لا تترسخ في العقول والأذهان إن لم تطبق بشكل عملي لتقريب المعنى، وهنا يريد (صلى الله عليه وآله) عدم تحقير الذنوب مهما صغرت لأن ذلك يؤدي إلى الاجتراء شيئا فشيئا على المعصية من الصغائر إلى الكبائر وإن كانت أكثر الذنوب ناتجة من اللمم -الصغائر من الذنوب- التي تتراكم علينا وعلاجها أن لا ننظر إلى حجم المعصية بقدر ما ننظر إلى من عصينا. كما يرسم لنا (صلى الله عليه وآله) من خلال تعامله مع خادمه منهجا متكاملا في أدب التعامل مع المرؤوسين فعن أنس قال: (والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لي لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئا قط والله ما قال لي أف قط)(3)، وعنه أيضا قوله: (والذي بعثه بالحق ما قال لي في شيء قط كرهه: لم فعلته؟ ولا لامنّي نساؤه إلا قال دعوه)(4). وهنا تتجلى أرقى سلوكيات النبي (صلى الله عليه وآله) في التعامل مع خادمه أنس ليرسم لنا ملامح التعامل مع الأقل شأنا من الخدم أو المرؤوسين، وكذلك يعطي لنا المعالم الرئيسية للصفات التي يجب أن يتحلى بها الرئيس في العمل او المدير في التعامل مع الموظفين وهي التواضع والحلم لتكسب الإدارة قلوب الموظفين كما تشجعهم على العمل بإخلاص وتفان ومحبة وبالتالي زيادة الإنتاج في أي مجال، فالتعامل الأخلاقي الراقي مع الموظفين يصب بالتأكيد في مصلحة الجميع من رئيس ومرؤوس بعكس الإدارة المتزمتة والمتعالية والغاضبة والمتطلبة والمانة عليهم. فلو تحققت مرونة تعامل الادارة مع الموظفين والحلم على جهلهم والتنبيه على أخطائهم والعمل معا على تجاوز وإصلاح تلك الأخطاء كي لا تتكرر مرة أخرى بالحكمة والموعظة الحسنة واعتبارهم اخوة أو أبناء لأنهم يركبون سفينة واحدة (المؤسسة) وهدفهم الوصول بها إلى بر الأمان (أي تحقيق الهدف من العمل بأقل خسائر ممكنة وتعزيز قيمة العمل وزيادة الإنتاج) لما شاهدنا كل هذا التناحر والاختلاف والمشاكل في المؤسسة الواحدة الذي ينعكس سلبا على تقدم المجتمع وبالتالي تقهقره في مواكبة عجلة التطور الحضاري. وعلى صعيد آخر نجد معالم التربية في سلوك النبي (صلى الله عليه وآله) في أدق مفاصل الحياة المنزلية للفرد، فمثلا نرى سلوكه في أدب التعامل مع الضيف واحترامه في مسألة الجلوس معه على الطعام، فعن أبي عبد الله (عليه السلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أكل مع قوم طعاما كان أول من يضع يده وآخر من يرفعها ليأكل القوم)(5) وعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أتاه الضيف أكل معه ولم يرفع يده من الخوان حتى يرفع الضيف يده)(6) ومما لا شك فيه ان هذا الخلق النبوي إذا تأصّل في الأمة فإن له تأثيرا كبيرا في نفسية الضيف لما يجد من تقدير واحترام وانعكاس ذلك في زيادة تقوية المحبة والتواصل بين أفراد المجتمع. وفي صميم الحياة الزوجية نرى سلوك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتعليم اﻷمة من خلال تعاونه مع أهل بيته في أعمال المنزل للتخفيف من أعباء الزوجة، فعن أبي عبد الله (عليه السلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحلب عنز أهله)(7) وبالرغم من مكانته (صلى الله عليه وآله) كخاتم الأنبياء والرسل وحبيب إله العالمين وموقعيته القدسية لدى المسلمين إلا أننا نرى تواضعه ورأفته بنسائه حينما يشارك أهل بيته الأعمال المنزلية وهو درس عظيم جدا من رجل عظيم ورسول كريم لحث رجال أمته على الرأفة بنسائهم والرحمة بهن ومشاركتهم المرأة في مسؤولياتها المنزلية فهم الملجأ الآمن لهن، ولا يخفي تأثير هذا التفهم لمسؤوليات المرأة الكبيرة في تعميق أواصر المودة والرحمة والسكن النفسي بين الزوجين وانعكاس ذلك على الأبناء ووحدة اﻷسرة بشكل خاص لتماسك المجتمع بشكل عام؛ لأن اﻷسرة نواة المجتمع، فبالمودة والرحمة والتعاون نبني أسرة مسلمة نموذجية تسير على خطى النبي الذي كان كما جاء عنه (صلى الله عليه وآله): (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)(8) وهذه الخيرية التي أرادها رسول الله لرجال أمته لا تأتي من خلال الغلظة والخشونة في التعامل مع الزوجة ولا من خلال التعالي عليها أو النظر إليها كمصنع للإنجاب فقط أو كخادمة عليها إنجاز المهام المنزلية وهو يأمر وينهى ويغلظ في القول والفعل بحجة أنه يتعب في كسب المعاش، نعم نحن نقدر تعب الرجل في كسب الرجل لمعاشه خارج المنزل فهو عبادة ولكن تعب الرجل في الكد على عياله ليس مسوغا بأن ينقلب شخصا آخر بمجرد دخوله إلى المنزل يصب جام غضبه على الزوجة والأولاد ويهيل السباب والشتائم عليهم ومصادرة حقوقهم حتى في الدفاع عن انفسهم بالكلام ، أو نجد بعض الرجال ينظر لزوجته نظرة دونية فيفخر بذكوريته مثلا او عقله المتكامل لأنه يعتبر المرأة ناقصة عقل ودين ويتكبر عليها ويستضعفها ويمتهنها لضعغها. الخيرية التي أرادها رسول الله من رجال أمته لنسائهم هي بمشاركة الرجل زوجته مسؤولياتها واهتماماتها المنزلية ولو بالسؤال والتشجيع المعنوي، فالمرأة بطبيعتها لا تنتظر من الرجل أن يشاركها أعمال المنزل بشكل مادي وإنما بشكل معنوي من خلال اهتمامه بها ومشاركتها آلامها وتعبها ومعاناتها في المنزل لتستطيع أن تستند عليه وتكمل المسيرة في إدارة بيتها وتربية أولادها بمعنويات عالية وبود وتفاهم كبير بين الزوجين. وبهذا القدر اليسير من جواهر السيرة النبوية نكون قد رسمنا بعض المعالم التربوية في السلوك النبوي من خلال السلوك العام خارج المنزل وداخله لنتخذ من سلوكيات الرسول (صلى الله عليه وآله) منهجا للحياة وسبيلا كاملا للنجاة لنضمن بذلك الفوز برضوان الله وجنانه. الهوامش (1)سورة يس الآية 12 (2)الكافي ج2 ص288 (3)قطوف من الشمائى المحمدية ص21 (4)كان رسول الله ص90 (5)الكافي ج6 ص407 ح 11657 2 باب الأكل مع الضيف (6)المصدر السابق ح 11659 4 (7)الكافي ج5 ص138 ح 8450-2- باب عمل الرجل في بيته (8)وسائل الشيعة ج2 ص171 ح[25337]8 عبير المنظور
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى
فلاح حسن عبدالرضا العزاوي
منذ 6 سنوات
أسأل الله تعالى لكم التوفيق ومزيد من الإبداع