تشغيل الوضع الليلي

قصةُ ما قبلَ النهوض/ ٢

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 336

بقلم: خلود الفريجي
شهقتْ شهقةً كادتِ السماوات أنْ يتفطرنَ منها!
ماذا رأت عيناها؟
خيامٌ محروقةٌ، أطفالٌ عُطاشى لم يُروَ غليلُهم منذُ أيامٍ!
ها هي طفلةٌ مذعورةٌ تركضُ حافيةً جرحتِ الأشواكُ قدميها الغضّتين وما شعرت بهما!
وها هُنا طفلةٌ سحقتْها حوافرُ الخيلِ وهي تحضنُ أختها..
وأخرى مرعوبةٌ لما ترى؛ جُثثٌ مُضمّخةٌ بالدماءِ، مقطوعةُ الرؤوس، نساءٌ فاقداتٌ ثكالى، ليس هذا من فعلِ بني البشر، بل هم ذئابٌ مُتعطشةٌ للدماء..
رجعتْ بها الذاكرةُ إلى ذلك اليوم، حيثُ كانت تنتظرُ قُرّةَ عينِها، الذي حملته بين أحشائها، وأخذت تعدُّ الأيامَ حتى تحملَه بين ذراعيها، وتغدقَ عليه من عطفِها.
وعندما أتى اليومُ الموعودُ أشرقتِ الشمسُ في ذلك الصباح على يومٍ ليس كباقي الأيام، حيث ولدت سيدةُ النساءِ (عليها السلام) مولودها الثاني، ذكرًا كفلقةِ القمر، يُجلِّلُه النورُ، ويُحيطُ به البهاء، فتهلّلَ وجهُ خاتمِ الأنبياءِ (صلى الله عليه وآله) وأخَذَهُ بيده، والبسمةُ لا تُفارِقُ ثغرَه الشريف..
ولم تمضِ إلا لحظاتٌ حتى غطّتْ غمامةُ الحُزنِ وجهَهَ الشريف، فبدت على مُحيّاه علاماتُ الألمِ، فانقبضَ قلب فاطمة (عليها السلام)؛ فقد أحسَّ فؤادُها بأمرٍ جلَل، وانتظرت وهي تنظرُ إلى عيني أبيها المغرورقة بالدموع عسى أنْ يُخبِرَها ما الأمر، ثوانٍ بَدَتْ كأنّها دهورٌ وهي تنتظرُ، قال: "أتاني جبرئيل فأخبرني أنّ طائفةً من أمّتي ستقتلُ ابني هذا"(١)
فهل هذه وصيةُ رسولِ الله في أهلِ بيتِه؟! ألم يسمعوا قولَه (صلى الله عليه وآله): "هذا الحسينُ بن عليّ خيرُ الناسِ جدًّا، وخيرُ الناسِ جدّةً؛ جدُّه مُحمدٌ رسولُ الله، سيّدُ النبيّين، وجدّتُه خَديجةُ بنت خويلد، سابقةُ نساءِ العالمين إلى الإيمانِ بالله ورسوله.
هذا الحُسينُ بن عليّ؛ خيرُ الناسِ أبًا، وخيرُ الناسِ أُمًّا؛ أبوه عليّ بن أبي طالب، أخو رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووزيره، وابنُ عمّه، وسابقُ رجالِ العالمين إلى الإيمانِ بالله ورسوله. وأُمُّه فاطمةُ بنتُ محمّدٍ، سيّدةُ نساءِ العالمين.
هذا الحسينُ بن عليّ: خيرُ الناس عمًّا، وخيرُ الناس عمّةً؛ عمُّه جعفر بن أبي طالب، المُزيَّنُ بالجناحين يطيرُ بهما في الجنّة حيثُ يشاء. وعمّتُه أُمُّ هانئ بنت أبي طالب.
هذا الحُسينُ بن عليّ؛ خيرُ الناسِ خالًا، وخيرُ الناسِ خالةً؛ خالُه القاسمُ بن محّمدٍ رسولِ الله. وخالتُه زينبُ بنت محّمدٍ رسول الله.
هذا الحُسينُ بن عليّ، جدُّه وجدّتُه في الجنّة، وأبوه وأُمُّهُ في الجنّة، وعمُّه وعمّتُهُ في الجنّة، وخالُه وخالتُه في الجنّة، وهو وأخوه في الجنّة"(٢)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ كتاب كشف الغمة
٢ مختصر تاريخ دمشق لابن منظور

اخترنا لكم

دور الإمام الصادق (عليه السلام) في ترسيخ العقيدة المهدوية ووظيفة الخطيبة في ترسيخ الفكر العقيدي في المجتمع (الحلقة الثانية)

بقلم: دينا فؤاد المحور الثاني- دور الإمام الصادق (عليه السلام) في التصدي للشبهات الطاعنة بالعقيدة المهدوية لقد تعمد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في كثير من الأحيان أن يطرح الشبهات المتعلقة بالعقيدة المهدوية ويرد عليها وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة، إذ لم تكن هناك غيبة فعلية في ذلك الوقت لعدم ولادة الإمام (روحي له الفداء)، ولكن حرص الصادق (عليه السلام) على معالجة كل ما يثار من جدلية حول الإمام المهدي وغيبته وإن كان ذلك سابقًا لأوانه، ولعدم وجود من يطرح هكذا شبهات الآن، ولكن علمه اللدني من قبل الله تعالى بأن هناك الكثير من الذين سيثيرون الشبهات نتيجة الانحرافات العقائدية تحتم عليه أن يطرحها ويعالجها وإن كان ذلك قبل أوانه، وأيضًا يعتبر هذا الطرح هو ترسيخ عقائدي للقضية المهدوية، فمن مهمة الإمام بيان كل ما يتعلق بهذه القضية، ولا يكتفي بمجرد التعريف بصاحبها. وهناك الكثير من الشبهات التي أثيرت بخصوص الإمام المهدي وغيبته نستخلصها من روايات الإمام الصادق نفسه، ولضيق مساحة البحث نستعرض القليل ومنها: أولًا: شبهة العمر الطويل للإمام المهدي هناك من أنكر طول غيبة الإمام، فكيف يمكن للإنسان أن يطول عمره؟ والجواب على هذه الشبهة بأن الحياة الطويلة ليست مستحيلة، فلا يوجد مانع من قيام الله سبحانه بمد العمر لوليه الإمام الغائب من أجل تحقيق غرض من أغراض التشريع. (1) بالإضافة إلى أن العلم في الوقت الحاضر قد أثبت جواز ذلك إذا ما وجدت أمور معينة تحفظ حياة الإنسان، وهناك الكثير من المعمرين الذين تم ذكرهم من قبل العديد مثل الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين. وما ذكره أبو عبد الله (عليه السلام) في هذا الشأن هو: "إن في صاحب هذا الأمر سننًا من الأنبياء (على نبينا وعليهم السلام): سنة من نوح، وهو طول عمره، وظهور دولته وبسط يده في هلاك أعدائه". (2) ثانيًا: شبهة وفاة الإمام المهدي بعد ولادته، أو عدم الولادة أصلاً: هناك من يدعي بأن الإمام المهدي قد مات اثناء غيبته، ومنهم من ادعى بأن الإمام العسكري عقيم لا يولد له. وجواب هذه الشبهة أن هذا مناف للتشريع الإلهي، فالإمام الثاني عشر موجود وحيّ منذ ولادته وإلى آخر زمن التكليف، لعموم الأدلة كوجوب اللطف الإلهي وغيرها. (3) ولقد كان جواب الإمام الصادق (عليه السلام) على هذه الشبهة بقوله لزرارة: "وهو المنتظر، وهو الذي يُشك في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه بلا خلاف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنين، وهو المنتظر غير أن الله يحب أن يمتحن قلوب الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون يازرارة". (4) وأيضا ما قاله (عليه السلام) لعبد الله بن عطاء عندما سأله: من صاحبنا؟ فكان جوابه: "انظروا من غيبت عن الناس ولادته فذلك صاحبكم، أنه ليس منا أحد يشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلا مات غيظا أو حتف أنفه". (5) ثالثًا: الشبهة تنصب نحو عدة وجوه، منها ما السبب في غياب الإمام، وما هو وجه الحكمة في غيابه، وكيف تتحقق الفائدة منه إذا كان غائبًا؟ إذا دققنا في أعماق هذه الشبهة والأسئلة الموجهة فيها سنجد أن الهدف منها نفي الغيبة عن الإمام المهدي، وبالتالي نفي وجوده وقيامه، وهذا ما صرح به الكثيرين. فلقد كثرت الأسئلة من قبل البعض بسؤالهم لماذا غاب الإمام؟ وما هي الفائدة من غيبته؟ وكيف يكون قائدًا وهو غائب؟ ولما حرموا من الاستفادة من وجوده؟ (6) ونحن نجيب على هذه الشبهة من خلال نقاط مهمة وهي: 1- إنّ ابعاد هذه الغيبة هي قد تكون من الأسرار الإلهية الغيبية التي لها دلالات وآثار والتي يكمن أحدها حول تكامل الإنسان الدنيوي والذي لا يمكن أن يدركه فهمنا المادي المحدود إلا بظهور صاحب الغيبة نفسها. (7) 2- لقد قامت الأدلة الكثيرة على وجوده (عجل الله فرجه)، وعدم إدراك الفائدة من الإمام الغائب لا يسوغ الآثار المحسوسة الثابتة والتي تبنى وفاق لقاعدة اللطف. (8) 3- إنّ غيبة الإمام لا تعني عدم وجوده بل تعني خفاءه، لأن الغيبة تكون مقابل الظهور لا مقابل الوجود. فالغيبة إذن تعني خفاء الهوية وليس أصل الوجود، والسر في الغيبة يعطي الخفاء قوة وهيمنة أكبر. (9) 4- إنّ مجرد عدم العلم بالفائدة من الإمام وهو غائب لا يدل على عدم الفائدة، فالغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمور مطلقًا من قبل صاحب الغيبة. (10) ويجيب عن ذلك الإمام الصادق بقوله (عليه السلام): "إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل فقلت له ولم جعلت فداك؟ قال لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره أن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر "عليه السلام" من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى "عليه السلام" إلا وقت افتراقهما". (11) ففي هذه الرواية يبين لنا الإمام أنّ الحكمة هي من الأسرار الإلهية الغيبية والتي لا يمكن كشفها قبل ظهور صاحب الأمر، والتي يمكن أن يكون أحد أسبابها عدم تكامل العقل المادي للإنسان كما نوهنا عن ذلك سابقًا. ويذكر إمامنا الصادق (عليه السلام) بهذا الشأن ما ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته بالكوفة: "اللهم لابد لأرضك من حجة لك على خلقك يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك، لئلا تبطل حجتك، ولا يظل أولياؤك، وينكره أعداؤك، إن غاب شخصه عن الناس لم يغب علمه في أوليائك من علمائهم". (12) وأما في هذه الرواية فيبين فيها الإمام ضرورة وجود الحجة على أهل الأرض، وضرورته من أجل هداية الناس للدين القيم، وإرشادهم إلى أوامر الله وتعاليمه، والأمان من الضلالة، فهو وإن كان غائبا عن أعين الناس لكنه موجود ونرى أثره في كثير من الشواهد، فلولا الحجة لساخت الأرض بأهلها. وفي رواية أخرى يبين لنا الإمام الصادق (عليه السلام) وجه الانتفاع بالإمام المهدي وهو غائب من خلال حديثه لسليمان بن مهران الأعمش عند سؤاله عن ذلك، فكان جوابه (عليه السلام): "كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب". (13) ____________________ 1ـ ينظر، السبحاني، جعفر، محاضرات في الإلهيات، ص384. 2ـ الراوندي، قطب الدين، الخرائج والجرائح، ج2، ص936. 3ـ ينظر، السيوري، مقداد عبد الله، شرح الباب الحادي عشر، ص109. 4ـ النعماني، الغيبة، ص170. 5ـ م، ن، ص172. 6ـ ينظر، خليل رزق، دروس في سيرة النبي والأئمة الأطهار، ص294. 7ـ ينظر، الحكيم، محمد باقر، الإمامة، ص65. 8ـ ينظر، الاشكوري، أحمد، العقيدة المهدوية إشكاليات ومعالجات، ص194. 9ـ ينظر، السند، محمد، محاضرات حول المهدي (عجل الله فرجه)، ج3، ص83-84. 10ـ ينظر، السبحاني، جعفر، محاضرات في الإلهيات، ص380. 11ـ الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص246. 12ـ الطبري، دلائل الإمامة، ص531، 109/505. 13ـ الشيخ الصدوق، اكمال الدين، ج1، ص207، 22، باب 21.

اخرى
منذ 5 سنوات
1887

سكراتٌ بلا ممات

بقلم: منتظر ستار أحببتُ أنْ تكونَ لوحتي مغايرةً لما هو شائعٌ، فقررتُ أنْ أطيرَ أنا والمتلقي بطائرةِ مُخيّلتي النفاثة؛ لنُحلِّقَ فوقَ بحرِ الأمنيات، بعيدًا عن ضجيجِ الحياة؛ لننظرَ لِما تؤولُ إليهِ الأمور من بعيدٍ؛ لأنّه كُلّما ابتعد الناظر عن الشيء الكبير اتضحتْ له الرؤية.. أخذتُ ذهنيةَ المتلقي في نزهةٍ على جزرِ اليقين، وفوق شاطئ الإيمان بالغيبيات وينابيع مياهِ الرحمةِ وأشجارها، وجمال تلك الرقعة بطبيعة المغفرة. ونحنُ في جوِّ التأمّلِ داخلَ الطائرةِ أنا والمُتلقي، كان في صندوق طائرة الأفكار منظارٌ، أخذته ونظرتُ نحوَ الحياةِ، رأيتُ شيئًا ضبابيًا، دققتُ النظر فاتضح لي أنّ هناكَ ولادتين لابنِ آدم: الولادة الأولى يعرفها الجميع وتنتهي بالممات، أما الولادة الثانية فقد أثارت استغرابي، ولادة شهادتُها عند الممات، حملت المولود أمّه وهي الدنيا الفانية سنواتٍ أو أشهراً أو أياماً، وكما أنّ كلّ جنينٍ تختلفُ مدةُ حمله عن غيره، فإنَّ كلَّ مولودٍ يختلفُ طلق ولادته وتقلصاتها عن غيره، وهي سكرات الموت، والمولِّدُ عزرائيل (عليه السلام) وأعوانه.. يُغسَّلُ كطفلٍ من أوساخِ الدنيا، ويُلفُّ بقماشٍ أبيض أيضًا، ويُطيبُ ولكن بالكافور، وعوضًا عن الأذان والإقامة في أذنه يُصلّى عليه بلا سجود، يليه بعد مراحل التلقين، يوضعُ في مهده الخشبي ويُنقلُ نحو موضعِ نومه إلى أن يشاء الله (تعالى).. معروفٌ أنَّ الطفلَ هو من يبكي عند الولادة، لكن مولودنا هذا أهله هم من يبكون عليه، ولكن العجيب والغريب أنّ أمُّه (الدنيا) ليس كعادةِ الأمّهات؛ فلم تَحْنُ عليه عندما كان جنينًا، ولا تحنو عليه بعد أن صار وليدًا، بل لطالما آذته وهو في بطنِها، كما كانت قاسيةً معه، وما إنْ ولدتْهُ حتى ماتت بالنسبة له.. عندما يولدُ الطفلُ يُدرَّبُ بعد فترةٍ على النطقِ بأسهلِ الكلمات، وهكذا هذا المولود يُسأل بكلماتٍ .. من ربك ..؟ من نبيك ..؟ من إمامك ..؟ نعلمُ أنّ بعد كُلِّ شهادةِ ولادةٍ شهادةَ وفاةِ، لكنَّ الغريب أنَّ هذا المولود ليس له وفاةٌ، بل بعثةٌ، لكنها ليست بعثةً لإكمال الدراسة في مكان أرقى كما اعتدنا في الحياة الدنيا، بل سيُبعَثُ لعالمٍ أرقى من حيث القوانين، ولكنه إما عالم نعيمٍ لما تجسّمت فيه أعماله الصالحة، أو عالم جحيمٍ لما تجسّمت فيه أعماله الطالحة... ونحنُ في الجوِّ أُطلِقَ صوتُ الإنذارِ؛ لنفادِ وقودِ التدبُّر بسبب طولِ السفر، فقرّرنا أنْ نهبطَ لنتزوّدَ من محطةِ الاستغفارِ بسبب كثرةِ مطباتِ الذنوب التي نَسَفَتِ الطاقةَ .. وهكذا انتهت رحلةُ هذه الحياة بهذه الولادة.

اخرى
منذ 4 سنوات
415

هل نربي أبناءنا ام أنفسنا؟!

يطرق أحدهم باب بيتك، تسأل نفسك من يكون على الباب يا ترى، يسارع ولدك ليرى من في الباب اذ تعترض طريقه وتوصيه بأنه إذا كان فلاناً في الباب فقل له: والدي غير موجود في البيت! يلتزم الطفل بوصايا والده ويفعل ذلك كما أمره الأب، ويقوم بإعادة هذا السلوك تلقائياً كلّما شاهد هذا الشخص يسأل عن والده ظنا منه بأنه غير مرغوب فيه. خلال هذه العملية التي تمت بين الوالد وولده يتعلم الطفل سلوك الكذب بأمر من والده الذي يتصف بهذه الصفة السيئة، ويقوم الأب بعملية برمجة سلبية من حيث لا يشعر لعقلية أبنائه من خلال سلوكه وتصرفاته. هذه البرمجة بشقيها السلبي والإيجابي تقوم بتشكيل سلوكيات الأبناء متأثرين بسلوكيات والديهم بالدرجة الأساس أضافة إلى السلوكيات التي يتأثرون بها في بيئة المدرسة والشارع. الأبناء يقلدون آباءهم وأمهاتهم ويقتبسون من سلوكياتهم كل حركة وكل فعل، لذلك يجب أن تكون سلوكيات الكبار محسوبة بشكل دقيق وأن يحذر الأهل من صدور تصرفات غير أخلاقية لأنهم يربون أبناءهم بشكل صامت. فليكن الأهل على مسؤولية عالية من الانضباط السلوكي والاخلاقي ليتمكنوا من التأثير في ارشاد أطفالهم، فالأطفال يتأثرون بالأفعال ولا يتأثرون بالأقوال إذا كانت مجرد اقوال تفتقر إلى التطبيق العملي! فالأهل الذين يصرخون باستمرار تفتقد بيوتهم الى السكينة والأمان وتكون ملجأ غير سعيد لأطفالهم. والأهل الذين يضربون ويقسون على أطفالهم لا يمكنهم أن يعلّموا أولادهم الاحترام والشعور بالقيمة الذاتية، فالطفل سيفقد شعوره بالرضا عن نفسه وينخفض تقديره لذاته ويصبح عدوانياً مع الآخرين وسيتصرف بنفس الطريقة العنيفة التي تلقاها في صغره عندما يكون أباً في المستقبل. نلاحظ أن كثيراً من الأهل يحاولون تغيير أبنائهم ولكنهم يفشلون ومع كثرة المحاولات التي يبذلها الأهل فأنهم يشعرون بالإحباط والحزن ويقولون لا يمكن أن نؤثر في أولادنا ولا نستطيع تغيير سلوكهم. ينسى الآباء والأمهات أن لسلوكهم التأثير الأكبر في تغيير سلوك الطفل، فالطفل كائن يتأثر بما يراه من سلوكيات واقعية تصدر من أمه وأبيه، فلا يمكن أن يتأثر بتلك الأم التي تقضي يومها تصرخ وتصرخ وتصرخ من أجل أن يلتزم أطفالها بما تريد! فهي تطالبهم بأن ينصاعوا لما تريده منهم مهما كان! دون الالتفات إلى أن طلباتها هل تقع ضمن الطلب المقبول أو الممكن تطبيقها أم لا؟! فهي تندب حظها كل يوم وتبكي بحرقة لأن أطفالها يريدون ان يلعبوا ويتحركوا باستمرار، ولا أعرف ماذا تريد بعض الأمهات بالضبط؟! هل تريد طفلاً خاملاً ومنزوياً وكئيباً أم تريد طفلاً اجتماعياً يتحرك ويلعب ويبتسم؟ حقيقة أن الوضع لدى بعض الأمهات والآباء وضع غريب جداً. فالبعض منهم لا يعجبه أي شيء ويريد الطفل يلتزم بما يقول حرفياً: اجلس يجلس انهض ينهض وهكذا... ولا يمكن الحصول على هذا الشيء، لأنه خارج الطبيعة الانسانية. نصيحتي للأخوة الآباء والأمهات أن يفهموا أنفسهم أولاً ويكونوا قدوة حسنة في سلوكياتهم أمام أبنائهم وأن يتصفوا بالصفات والأخلاق الفاضلة ليتعلم الأبناء كل ما هو جميل وإنساني من أهلهم، فالتربية بالقدوة من أفضل الأساليب التربوية. نسأل الله أن نكون قدوة حسنة لأبنائنا لنربيهم بهذا الاسلوب الصامت المتكلم فهو خير الاساليب وأحسنها. والله ولي التوفيق قاسم المشرفاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
2926

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76445

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 5 سنوات
56287

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
43563

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43407

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
39941

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33476