تشغيل الوضع الليلي

ورحلَ المُصطفى

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 389

بقلم: وفاء لدماء الشهداء
"لما قُبِضَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) باتَ آلُ مُحمّدٍ (صلى الله عليه وآله) بأطولِ ليلةٍ حتى ظنّوا أنْ لا سماءَ تُظلّهم، ولا أرضَ تُقلّهم.."، بهذه الكلماتِ القاسية وصفَ الإمامُ الباقر (عليه السلام) ليلةَ رحيلِ رسولِ الإنسانية (صلوات الله وسلامه عليه وآله).
ففي الثامنِ والعشرين من شهرِ صفر، كان بيتُ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) على موعدٍ مع القدر، وما انبلجَ في ذلك اليومِ الحزين نورُ الفجر، فقد كانَ صبحُه أشدَّ عُتمةً وحلكةً من الليل، فرسولُ الله يعتزمُ الرحيل، إلى جوارِ المولى الجليل.
ويسوَدُّ الفضاءُ بعينِ بضعتِه الزهراء (عليها السلام)، وهي ترى قُربَ تلك الساعةِ المحتومة، التي تُنذِرُ بوقوعِ الكارثة في الأمّة التي ستتنكرُ لكُلِّ جهادِ وجهودِ أبيها وبعلِها حتى تطلَّ الفتنةُ بأراجيفها المشؤومة.
آهٍ لقلبكِ يا فاطمة وهو يفيضُ بالحسرات، آهٍ لعينيكِ وهما تمتلآنِ بالدموع الحارقات، فلا الدمعُ يُطفِئُ لوعتك، ولا النحيبُ المُتواصل يُهدِّئُ روعك ويمحو حسرتك.
لهفي على حسِّكِ الرهيف، لوعتي على بيتِك الشريف، الذي سيكونُ نهبًا للحتوف، آهٍ لكِ وأنتِ تُضمّدين جُرحَ الغياب بحدِّ السيوف، سيوف العبراتِ والكلمات، والخُطَبِ والأنّات في المسجد أو الطُرُقات..
حتى يكونَ بيتُ أحزانِك ملاذَ روحِك المُتعبة، تُنفسين فيه عن ألمك، وتُعلنين من فنائه المُخضَل بدمعتِك نهضتك وثورتك، فأنتِ أكثرُ من يُدرِكُ حجمَ النكبةِ التي حلّت بالأمّة بعدَ رحيلِ والدك.
إنَّ الموتَ الذي أسكتَ صوتَه وأوقفَ نبضاتِ قلبه، مهّدَ السبيلَ لرجعةٍ جاهليةٍ ورِدّةٍ وثنية، تعدّى فيها أقطابُ النفاقِ على ساداتِ البشرية، وأقصوهم بدءًا ببعلكِ المُرتضى عن منازلهم الربانيّة.
يا لها من فِتنةٍ ابتدأتْ منذُ لحظات الرحيل الأولى لخاتمِ الأنبياءِ والمُرسلين، واستمرّت إلى الآن بآثارِها وما خلّفتْه وراءها رغم امتدادِ السنين، وكُنتِ وزوجكِ الوصي لها أول المُدركين..
آهٍ لكِ ماذا تفعلين؟
ولمن تنذرين؟
ومع من تتكلمين؟!
وقد صُمّتِ الأسماعُ عن سماعِ صوتِك، وأُغلِقتِ العيونُ عن رؤيةِ حقّك، وبكمت الألسنُ عن نصرتِك، واجتمعت أبواقُ النفاقِ على تشويهِ الحقِّ وإخمادِ وهجه العظيم، وبثّتِ السمومَ في أوساطِ الأمّةِ المنكوبةِ؛ لتحرِفَها عن المسارِ الذي اختطّه الرسولُ (صلى الله عليه وآله) حتى حادتْ عن الصراط المستقيم.
سيّدتي، رحلَ أبوكِ واتخذتْ رحلةُ كفاحِك لونًا آخر، قدِ اصطبغَ بالدمعِ والدم، فقد غارَ الإنصافُ، ونُكِّسَتْ رايةُ العدل والسلم، وأُعلِنَتِ الحربُ جهارًا نهارًا على بيتٍ لطالما أنِسَ به النبي (صلى الله عليه وآله)..
بيتٌ أوسعَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله) أهلَه باللثمِ والتقبيل، والإكرامِ والتبجيل، طرَقَه لشهورٍ أمامَ الملأ وهو يردد: "إنّما يُريدُ اللهُ ليُذهِبَ عنكم الرجسَ أهل البيت ويُطهِّركم تطهيرًا"
بيتٌ انبثقتْ منه أنوارُ الإمامة، فكان في حياةِ أبيك للتائهين مناراً وعلامة، ولكن آهٍ من نوائبِ الدهر وغيَرِ الزمان، حينما تقصدُ خنقَ الحقِّ وإسكات صوتِ الحقيقةِ والقرآن.
واليومَ... وبعدَ تقادُمِ السنين والأعوام، ها نحنُ نلتحِفُ الأسى ونفترشُ الصبرَ ونعضُّ على الجِراحِ والآلام، بانتظارِ حفيدِك المُغيّب إمامنا المهدي (عليه السلام)، نترقّبُ ظهورَ الأمر، والمُطالبةَ بالثأر، وإعادةَ الحقِّ المسلوبِ إلى أهله، وإعلاء رايةِ الإسلامِ الحقيقي في أصقاعِ الأرضِ التي باتتْ من الجَورِ تستغيث به كُلَّ يومٍ وتُناديه: عجِّلْ يا قُرّةَ عينِ النبي الأمين (صلوات الله عليه وآله).
وحتى ذلك الحين سنبقى مُنتظرين، ولدينِ الإسلامِ الذي فداه أبوكِ وضحّيتِ له بحياتكِ وبنيكِ مُتبعين.
سيأتي ولدُكِ الموعود وسيؤمُّ الملأ يومًا، وسنقفُ خلفَه نبكي ونقول: ها قد أتى مُعِزُّ المؤمنين ومُذِلُّ المُنافقين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

اخترنا لكم

مِنّي ومِنهُ

بقلم: زهراء حسام جاءَ رجلٌ من أَقصى المدينةِ، قالَ: يا قوم إننا في الثانية والستين للهجرة، هذا ما يقولُه عدّاد التاريخ وما يتناقله معاصروا التوقيت. نعم! قد وَعيت عليه، وهل هناك أَحد يُجادل أَحداً في زمانه الذي يعيش فيه؟! كلا! إلا عقلي، قد أَهلكني، يكادُ يميل الى غير مَذهب توقيتي، يُجادلني في صِحّة زماني، وأنا أنهره بشِدّة: -قِف ما أنت صانع، لأي ضلال خانِع؟! إنّه عصرُ الإسلام، إنّه عصر الخلافة الأموية وليس كما تقول، إنّك تقولُ شيئاً نُكرا، تقول إننا في الجاهليّة، تقول إننا في عصر العصبيّة، وإن تحتنا موءودة إسلاميّة، وإننا بخلافة سفيانيّة؟ فهاتِ برهانك إن كنت من الصادقين.. ليجيبني وهو غير خَجِل مما يقول: ارمِ ببصركِ الى المِئذنة ستجدها عادت كالعرجون القديم تَكاد الأرضُ تتلقّفها، أليست هي من أَوّل علامات الإسلام؟ فأين هيبة إسلامها، أين أُبهة دولتها، أين زَهو عِمارتها؟ التمستُ صِدقاً فيما يقول، وطلبت اطمئنان قلبي: لَئن لم يهدِني الله لأكوننّ من القومِ الضّالّين.. أجاب: فقط افتح سَمعيك، ما تسمع من تلكم المِئذنة؟ أَتسمعُ صوت "بلالها"؟ أتسمع جَهارة تهليلها؟ أُسكن قليلاً، وسألزَمُ الصمت أَنا واستمِع إلى: (لا إله إلا الله)... أسمعت؟ فيها حروف أُخر، فيها أصواتٌ نُكر، إنها: (لا إله الا الله والمال والسلطان)! إنهم يُشركون بعبادة ربّهم أحداً!. اسمع الآن الشهادة للنبي (صلى الله عليه وآله)، إنها خافتة، تتداخل، ويخفيها صوت قهقهة صاخبة مع شهادة كُفر قائلة: (لا خبرٌ جاء ولا وحي نزل)! وانظر لهؤلاء الناس، تحسَبهم سُكارى وما هم بسُكارى، قائمين يتخبّطهم الشيطانُ مِن الغفلة، إنهم قالوا أحلَّ الله سلطاناً جائراً! فبالله قل لي: أين الإسلام وعصره؟ أينهم من الله وخلافته؟ فلما رأيتُ الحق بازغاً بهتُّ وقلتُ فزِعاً: لكن كيف لمن أوجده محمدٌ أن يزول؟ هوّنَ عليّ وعقَّب: إن الوجود محمّديّ.. ثم ارجع البصر كرة أخرى، إنّه دمٌ عبيط من قارورةِ كربلاء يصّعد الى السّماء، ويمكثُ في الأرض يميث فسادها وأَدران جور حكّامها، وسَكرة الغافلين وذلة المُرهقين بها، تَنبتُ منه كفّان تُقيم انحناءة المأذنة، ومِعصمان مقيّدان بسلاسل تطوّق قصور الظالمين وسكنتها.. دم له صوتٌ يُخرج الناس من أجداثِ التضليل والإشاعة.. ها قد أبصرنا الإسلام الآن.. بقي بعد عُرضةِ الزوال؛ هذا جواب ما لم تستطع عليه صبراً: إن البقاء حسيني.. إنه قول موجِد الإسلام: (حُسين منّي وأَنا مِن حُسين).

اخرى
منذ 5 سنوات
541

العالَم يَحتَضِر

بقلم: وجدان الشوهاني إنّها الأيام الأخيرة، هيئوا متاعكم للرحيل، فلقد انتهى كلُّ شيء، فهناك فايروس قاتل قد اجتاح العالَم وبدأ يتنقّل بين البلدان يُدعى (كورونا) وها هو يدخل بلدي الحبيب (العراق)! نهاية العالم تقترب! لا أمزحُ ولستُ مجنونةً، بل أنا بكاملِ قواي العقلية .. فلقد تمَّ تعطيل الدوام، وليس ذلك فحسب، بل أُلغِيت صلاة الجمعة في العتبات، وقد خلت المراقد من زوّارها بل وصل الأمر إلى الكعبة المشرفة، فهي خالية من المعتمرين ..! كيف لا أخافُ وكلّ ذلك يحصل أمام عيني؟ ماذا افعل؟ فإنّي خائفةٌ جدًا من القادم، وأشعر بالموت يقترب منّي، رغم إنّي أعقّمُ كلَّ شيءٍ، وأعملُ بكلِّ التوجيهات الطبية المُعْلنة، ومع ذلك فأنا مذعورة!! الكلُّ يتكلمُ عن الموت وزيادة حالات الوفيّات، كم هي صعبةٌ حالة الاحتضار .. وبينما أتصفّحُ مواقعَ التواصل الاجتماعي، وقع نظري على إحدى الصفحات الإيمانية وقد نشرت موضوعًا جميلًا عن الاحتضار بعنوان (الاحتضار ليس موتًا حتميًّا). حيثُ سرد فيها الكاتب الذي أثلج صدري بعد الخوف الذي انتابه بسبب فايروس (كورونا) بما مضمونه (إنّ الاحتضار هو امتحان إلهي؛ ليعود الإنسان إلى ربه، ويراجع نفسه، وما قدّمه فيما مضى من حياته، وكلمّا كان المُحتضِر مؤمنًا بالله وأهل بيت رسوله (عليه وعليهم أزكى السلام) كان الاحتضار أهون، فهي حالةٌ من التطهير للإنسان المؤمن والعقاب لغير المؤمن، وإنّ رحمة الله واسعة فقد تشمله الرحمة ليعود لحياته الطبيعية، ويعيد ترتيب حساباته، ويكون عِبرةً يعتبرُ منها الناس وبالتالي فالموت ليس حتميًّا) كم طمأنني كلامه وبدأت أفكر بشكلٍ آخر.. إنَّ الله (تعالى) بهذا الفايروس أرادنا أنْ نعود إليه، ونعيد حساباتنا في كلِّ شيءٍ، حتى في علاقتنا بأهل البيت (عليهم السلام)، ففيها من النواقص الشيءُ الكثير، فنحنُ اليوم في حالة تطهيرٍ إلهي، وما هي إلّا فترة قصيرة وتنتهي حالة التطهير، ولكن علينا أنْ ننتبه، فالبعضُ قد يفرح بعودته للحياة فيعودُ كسابق عهده من دون أن يستفيد من هذا الامتحان. فلتكن عودتنا حقيقيةً، لعلّها تكون عودةً تُمهّد للظهورِ الميمون.. أما خلو المراقد والكعبة من زوارها، فرغم إنها مؤلمةٌ، لكن نحتاجها اليوم لنُعيد حساباتنا بما اقترفنا من أعمالٍ مُخجلة مع أنفسنا ومع أئمتنا (عليهم السلام) حرمتنا زيارتهم.. وأما ما يجري اليوم بالدول المتقدمة فهو مخجلٌ لهم، إذ رغم علمهم وتطورهم المادي باتوا عاجزين أمام فايروس صغير، وفي ذلك رسالةٌ من الله (تعالى) إليهم ليعلموا أنَّ كلَّ ما توصلوا إليه من علم فإنما هو أمام قدرته عجزٌ وجهلٌ، علاوةً على عقابهم لتجبرهم وطغيانهم.. فالكلُّ بانتظار الرحمة الالهية التي ستعيد العالَم المُحتِضر للحياة، فلنستثمر فرصة التطهير التي جاءتنا على طبقٍ من ذهب، ولنُعِد النظر في علاقتنا بالله (تعالى) وأهل بيته (عليهم السلام). إذ لا نعلم هل ستتكرر هذه الفرصة أم لا طالما لم يكن الموت حتميًّا مع فايروس كورونا.

اخرى
منذ 4 سنوات
804

الرياء سرطانٌ أخلاقي الجزء الأول

بقلم: علوية الحسيني تمهيد قال الله تعالى في محكم كتابه وعظيم تنزيله: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُون} (1) ظاهر الآية الكريمة يشير إلى أصحاب الرياء، رجالاً كانوا أو نساءً، مسلمين كانوا او مؤمنين؛ لاشتراكهما في أداء الصلاة، التي وصفهم الله تعالى بأدائها في سياق الآيات السابقة لهذه الآية، حيث قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ...الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُون}، والأشد هولاً هو أنّ الله تعالى قد أعدّ لهم ويلاً -وهو وادي من نار في جهنم، نستجير بالله-. وهذا كافٍ للتعريف بخطورة الرياء، فلابد من معرفة مفهومه وحكمه، وتسليط الضوء على بعض مصاديقه، ومناشئه، وتشخيص علامات المرائي، وطرق علاجها، مع بيان التبعات المترتبة على الرياء، وذلك من خلال المطالب التالية: ■المطلب الأول: مفهوم الرياء وحكمه •الرياء لغةً: "مصدر رأى تظاهر بخلاف ما في الباطن فعل ذلك رياءً" (2). •شرعًا: "الرياء هو إظهار وإبراز شي‏ء من الأعمال الصالحة أو الصفات الحميدة أو العقائد الحقة، للناس؛ لأجل الحصول على منزلة في قلوبهم والاشتهار بينهم بالصلاح والاستقامة والتدين، من دون أن تكون هناك نية إلهية صحيحة" (3). •جاء في تفسير الميزان للآية الكريمة أعلاه ﴿الذين هم يراءون﴾ "أي يأتون بالعبادات لمراءاة الناس فهم يعملون للناس لا لله تعالى" (4). •موقف الشارع منه، هو أنّه أحد المعاصي "... ومن أعظم المعاصي الأُخرى ... والرياء والسمعة في الطاعات والعبادات" (5). إنّ تفشي رذيلة الرياء بالتعبد لغير الله عزّ وجل -وإن كان خفياً- لهو من أخطر الامور فتكاً بأمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)؛ إذ انتشر الجفاف الروحي بالعلاقة مع الله سبحانه، وكثرت الحجب بيننا وبينه سبحانه، وقلّ الإخلاص في العبادة، فباتت (روتين) لتكميم أفواه الناس لئلا يخرجوه عن ملة الإسلام بكلامهم، لذا أشار القرآن الكريم إلى مجمل هذا الموضوع، وفصلته السنة النبوية من خلال أحاديث المعصوم (عليه السلام). ■المطلب الثاني: مصاديق الرياء للرياء مصاديق كثيرة، منها: ١-الرياء في الصلاة بدليل الآية الكريمة: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلا} (6). فظاهر الآية هو أنّ هناك من يحسِّن صلاته إن كان يصلي أمام الناس، وحال انفراده بربّه فصلاته أسوء مما تكون أمام الناس. ٢- الرياء في الإنفاق بدليل الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر} (7). نعم، كم منّا من يتصدّق على الفقراء من أجل جلب أنظار الناس إليه! في حين أنّ مضامين الروايات حثّت على عدم معرفة اليد اليسرى بما تنفق اليد اليمنى، فأين نحن من هذا الأدب في الانفاق؟ ٣- الرياء في الجهاد بدليل الآية الكريمة: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} (8). فالآية تشير إلى من يخرج للجهاد ليمدح الناس بطولته، وليس حبًّا بهذه الفريضة، ولا امتثالاً خالصًا لأمر الجهاد، لذا نجد البعض يتقاعس عن أن يكون في الصفوف الأمامية في ساحات الوغى، ويدفع ببدله عنه، وهذا ناقوس خطرٍ على شوب نيته بالرياء عند مشاركته بالجهاد. ■المطلب الثالث: مناشئ الرياء ينشأ الرياء من خلال أسباب عديدة، منها: 1- حب الجاه من الطبيعي أنّ كل صفة قبيحة تجر المتصف بها إلى الاتصاف بصفات اخرى قبيحة، سواء أكانت مساوية لها في القبح، أو تنقصها، أو تزيدها. وها هو حب الجاه يجر صاحبه إلى الرياء؛ فإنّ المباهاة والافتخار والشعور بالتميز بما أنعم الله تعالى عليه يجعل الانسان يرائي الناس. 2- الاستجابة لتسويلات الشيطان أحيانًا يكون الإنسان بداية مساره متقيًا، محاسبًا لنفسه، مراقبًا لها؛ منعًا من الوقوع بالرياء قولاً وفعلاً، إلاّ انّ الشيطان لا يتركه دون أن يوسوس له، فيحوّل تقواه تمردًا، ومحاسبته تسيّبًا، ومراقبته عدمًا، حتى يرتكب خطيئة الرياء؛ كأن يقول له: أنت ذو منصب وجيه عند الناس فأرِهم ما أخفيته عنهم، فأنت مميز عنهم. والفالح من تعوّذ بالله من الشيطان ووساوسه، ولم يقع في شباك الشيطان الرجيم. 3- عدم فهم الإخلاص لله سبحانه الإخلاص اجمالاً هو عدم اشراك غير الله تعالى بكلّ شيء، حيث إنّ المعطي والمسبب هو وحده سبحانه، قال تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} (9)، والرياء يثلم الاخلاص ثلمًا. 4- كثرة الذنوب إنّ كثرة الذنوب تؤدي إلى كثرة الحجب التي تحول دون القلب ورؤيته للأمور، وتدفع بالإنسان نحو الرياء؛ إذ يغيب عنه مفهوم الرقابة الإلهية؛ لأنّ قلبه محجوب، فلا يستشعر المعيّة الإلهية، فكيف يستشعر الرقابة! فقلبٌ رانَت عليه طبقات الذنوب، لا يستبعد من صاحبه صدور الرياء منه، إذ يستسيغ ارتكاب أيّ ذنبٍ، ويقفل على نفسه باب التوبة النصوح، حتمًا سيعيش لأجل مراءاة الناس، وارضاءهم. 5- إدمان الرياء وحيث إنّ بني آدم خطاؤون، لكن خير الخطائين التوابون، وقد يرتكب العبد الرياء يومًا ما، لظنه أنه سرعان ما يتوب، ويرتكبه مرة اخرى وقد يتوب، ويتكرر ذلك، أو قد لا يتوب فيدمن هذا الذنب، حتى يكون مدعاة إلى استساغة الارتكاب. 6- معاشرة المرائين كما أنّ الطاقة الإيجابية والسلبية تنتقل من شخص لآخر، فكذا ممكن أن تنتقل الأخلاق القبيحة بالتأثير، وبالتالي يجب نصح المرائين، وإن لم ينفع فتترك معاشرتهم؛ لئلا يتطبع بطبعهم. __________ (1) الماعون: ٦ (2) ظ: المعجم الجامع. (3) الأخلاق من الأربعون حديثاً: للامام الخميني قدس سره. (4) ظ: الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي قدس سره، سورة الماعون. (5) منهاج الصالحين: للسيد السيستاني دام ظله، ج١، م٣٠. (6) النساء: ١٤٢. (7) النساء: ٣٧-٣٨. (8) الأنفال: ٤٧. (9) غافر: ٦٥. اللهمّ إنّي أعوذ بك أن تحسّن في لامعة العيون علانيّتي، أو تقبّح فيما اُبطن لك سريرتي، محافظاً على رياء النّاس من نفسي بجميع ما أنت مطّلع عليه منّي، فأبدي للنّاس حسن ظاهري، وافضي إليك بسوء عملي تقرّباً إلى عبادك، وتباعدًا من مرضاتك، يا أرحم الراحمين.

ظواهر اجتماعية غير منضبطة
منذ 4 سنوات
3707

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76821

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56642

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44090

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43536

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40324

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33539