تشغيل الوضع الليلي
أختي الزينبية: حجابُكِ تجسيدٌ لولائكِ زيارة الأربعين نموذجاً.
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 3618
لم يُفرض الحجاب على المرأة المسلمة إنقاصا من كرامتها أو للحط من شأنها بل فُرِضَ تكريما لها وإعلاءً لقيمتها بل وحمايةً لها من النفوس الدنيئة ووقايةً لها من الوقوع في الرذيلة، بالإضافة إلى صيانة عفاف المجتمع وطهارته. كما أنه لم يفرض على المرأة لتُحجب عن الحياة أو لتُمنع من ممارسة حقوقها أو ليُحال دون قيامها بواجباتها أو بما ترغب من المباحات فضلاً عن المستحبات..
وإذا كان الحجاب واجباً على المرأة في كل زمان ومكان وينبغي أن تتمسك به وأن تؤديه بأكمل وجه، فإن هناك أمكنة لها قدسية، وأزمنة لها خصوصية يتأكد فيها التشديد في مراعاة الحجاب وبكلا قسميه الظاهري والباطني.
ونقصد بالحجاب الظاهري حجب المرأة لمفاتنها عن الناظر الأجنبي سواء كانت مفاتن جسمية كالمفاتن المعروفة في جسم المرأة أو مفاتن سلوكية كطريقة المشي والجلوس والكلام وما إلى ذلك، وأما الحجاب الباطني فهو حجابٌ للروح عن كل ما من شأنه أن يدنس عفة المرأة أو يمس طهارتها من قبيل النظر المحرم وما شابه ذلك.. وبذلك يكون حجاب المرأة متكاملاً...
ومن الأزمنة التي لابد للمرأة فيها أن تشدد من مراعاتها للحجاب الشرعي بكل تفاصيله هو موسم زيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام)، ومما يضيف إلى هذا الزمان خصوصية أخرى هو قداسة المكان الذي يُتوجه إليه في هذه الزيارة وهو مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، كما إن طهر وعفاف أولى زائراتٍ للإمام الحسين (عليه السلام) في زيارة الأربعين لاسيما عقيلة الطالبيين (عليها السلام) له خصوصية كبرى في نفوس الزينبيات حيث يستلهمن منه ضرورة الاقتداء ببنت سيدة النساء في كل خطوة يخطينها في السير إلى الامام الحسين (عليه السلام).
ولأن المرأة لا يمكن لها أن تفكر بالتبرج والظهور بأبهى حُلّة وأجمل مظهر إلا في حال انبساطها وسرورها غالباً؛ بخلاف الحزن الذي تنشغل فيه عادةً عن الالتفات إلى مثل هذه الأمور، كان للمسير إلى الامام الحسين (عليه السلام) خصوصية أخرى تحتم على المرأة التشديد أكثر في مسألة الحجاب والابتعاد عن التفكير بالتبرج والتجمل وهو استشعار الحزن والألم لما جرى على السادة الأبرار والسيدات الطاهرات..
ولكل ما تقدم أختي الزائرة نضع بين يديك جملة من الملاحظات المهمة التي لا نستبعد علمك بها ولكن نحيطها اهتماماً من باب التذكير لك ولأخواتك الزائرات المؤمنات وفقك الله تعالى وإياهن لكل ما فيه رضاه وتقبل منكن جميعا كل خطوة تسرنها في هذا الطريق المبارك، وكل جهد تبذلنه في إحياء هذه الشعيرة العظيمة، وكل عناء تتكبدنه في سبيل مواساة زينب العقيلة عليها أفضل التحية والسلام.
إن الحجاب على قسمين: ظاهري وباطني.
أولاً: الحجاب الظاهري:
وهو حجابٌ ذو مواصفاتٍ لابُدّ منها ليكون ساتراً للمفاتن أمام جميع الرجال سوى الزوج والمحارم منهم، وقد أمر الله (عز وجل) الفتيات و النساء الالتزام به في القرآن الكريم، كما أكدت عليه السنة المطهرة من أحاديث النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) و الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
وبما إن مفاتن المرأة لا تقتصر على الجانب المادي فقط بل تمتد لتشمل الجانب السلوكي أيضاً، إذاً يمكن القول: إن الحجاب الظاهري ينقسم هو الآخر أيضاً إلى حجاب مادي ــ لو صح التعبير ــ وآخر سلوكي.
فأما الحجاب المادي فالواجب فيه هو أن تستر الفتاة أو المرأة كافة أجزاء بدنها ما عدا الوجه و الكفين عن جميع الرجال غير الزوج و المحارم، ولا يشترط فيه زي معين ولكن الأفضل أن ترتدي العباءة الزينبية المعروفة لأنها أجلى مصاديق الحجاب الشرعي وأكثرها تحقيقاً لستر المحاسن وحجب المفاتن.
ومن أهم الشروط التي ينبغي توفرها في الحجاب المادي:
1. أن يكون فضفاضاً...
فلا يصح حجابكِ أختاه الكريمة إذا كان ضيقاً بحيث يُظهر مفاتن البدن. وتذكري أن هنالك ملابس تسبب الالتصاق بالبدن, مثل الصوف والحرير إذا اجتمعا معاً. ومعلومٌ لديك أختاه العفيفة أن التصاق العباءة بالجسد يؤدي إلى ما يؤدي إليه اللباس الضيق، فتنبهي..
2. أن لا يُعد الحجاب من الزينة...
وبما أنكِ أختاه العزيزة صاحبة ذوقٍ رفيعٍ فمما لاشك فيه أنك تميزين جيداً ما يُعد زينةً من كريستالات، أو فصوص لمّاعة، وما شابه ذلك من أمور تشد إليها أعين الناظرين، فاحذري أن يكون حجابكِ مشتملاً على أيٍّ من ذلك لأنه يُعد حينئٍذ من الزينة ومعها لا يعد حجابك مطابقاً لمبتغى إلهكِ وخالقكِ...
3. أن يكون ساتراً لبشرة الجسم..
أي أن لا يكون شفّافاً يُظهر البشرة وسماتها. وقد تتسم بعض الألبسة النسائية اليوم بهذه الصفة أو تشتمل على ما يعد زينة فاحرصي على أن لا ترتديها حتى تحت العباءة أختي الموالية؛ لأن الزينة إنما تُرتدى في مناسبات الفرح والسرور لا عند مناسبات حزن الأطهار وفقد الأبرار..
ومن صحة الحجاب وموافقته للشرع ستر القدمين فضلاً عما قرب منهما من الرجلين، فلا تتهاوني عزيزتي في سترهما، ولأنك في سفر الزيارة حيث يتعرض جوربك الى التمزق أو الاتساخ فمن الأفضل أن تحملي معك جورباً آخر أو أكثر على سبيل الاحتياط .. وللجورب الذي يكون ساتراً شرعاً مواصفات هي:
1. ألا يكون شفافاً .
2. ألا يكون من الزينة .
3. ألا يكون مثيراً .
فإن لم تتوفر هذه الشروط مجتمعة في الحجاب فاعلمي أختاه المؤمنة أن الشرع لا يعد ذلك حجاباً شرعياً وهذا يعني ترتب الإثم على من ترتديه بمقدار ما أهملت من شروط أوجب الشرع توفرها فيه. وما أحزنه من موقف حين نغضب الله تعالى لأمرٍ بسيط تعجز أنفسنا عن الالتزام به... وما أقساه من موقف على قلب إمام زمانكِ عجل الله فرجه وهو يرى عجزنا عن التمسك بواجب تمسك به الموالون والمخالفون أيضاً فكيف يصدق دعاءنا بنصرته أو رغبتنا في الاستشهاد بين يديه؟؟!!
ثانياً: الحجاب السلوكي
معلومٌ لديكِ أختي المؤمنة إنما أمر الله (تعالى) أن يُحجب جسم المرأة عن الناظرين الأجانب لما فيه من مواضع فاتنة تجذب انتباههم، و تغريهم بإمعان النظر فيها، بل قد تُثير فيهم الطمع في الوصول إليها، لذا كان الحجاب المادي ــ الذي تقدَم ذكره ــ حصناً للمرأة من الأذى و حصناً لغيرها من الوقوع في الخطيئة ..
ولعلكِ توافقينني الرأي أختاه العزيزة أنّ سلوك المرأة هو الآخر قد يتضمن من المفاتن و المغريات ما يتضمن ... من قبيل المِشية المغرية، والضحكة الفاتنة، والجِلسة المثيرة، والخضوع بالقول وما شاكل ذلك. ولذا لم يقتصر الأمر الإلهي على وجوب الحجاب المادي فقط بل تعدّاه لوجوب الحجاب السلوكي أيضاً، فكان جزءً من الحجاب الشرعي للمرأة، وعليه أختي الموالية فلا يمكن أن تكون المرأة محجبة حجاباً شرعياً تاماً إن لم تلتزم بالحجاب السلوكي قال (تعالى):"فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) "(1). و قال أيضاً:"وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ(31) "(2).
وإذا كان الحجاب السلوكي واجباً في كل حين وعلى ايِّ حال، فإنه في المناسبات الدينية يتأكد وجوبه لاسيما في زيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام) حيث السير على الأقدام لمسافات بعيدة والتي في الأعم الأغلب لا تخلو من المشقة والتعب والعناء، وهذه الأحوال قد تقود الإنسان أحياناً إلى التساهل في أداء الواجبات وعدم العناية بالإتيان بها كما أراد الشرع المقدس، ولما كانت المرأة تتميز برقتها وبضعف قوتها الجسمية قياساً بالرجل بشكل عام فعليها أن تأخذ هذه النقطة المهمة في نظر الاعتبار..
لذا أختي الغالية إن كنتِ ممن ينال منهم التعب سريعاً، وتتميزين بعدم القدرة على المشي لمسافات طويلة، فمن الأفضل لكِ غاليتي أن ترتبي أمر زيارتكِ بما يتوافق مع قدرتكِ وقابليتكِ، كأن تقسّمي المسافة بين منزلكِ وبين كربلاء مثلاً فتستقلي السيارة في قطع قسم منها وتمشين في قطع القسم الآخر بحسب ما يناسب قدرتكِ، واعلمي أن ذلك لا يقلل من أجركِ وثوابكِ إن شاء الله لأنكِ إنما تقومين بذلك حفاظاً على واجباتكِ كأداء الصلاة في وقتها فقد يأخذ منك التعب مأخذه فتقصري في هذا الواجب، كما لا أعتقد أنه سيضعف علاقتك بسيد الشهداء (عليه السلام)؛ لأنك حافظتِ بذلك على ستركِ فقد يحصل لكِ عارض لضعف قدرتك على المسيرــ لا سمح الله ــ فيجبر بعض إخوتكِ من الأجانب على حملكِ ونقلكِ إلى مركز المعالجة، بل سيُسَر بتفكيركِ هذا أبو الشهداء (سلام الله عليه) حتماً وهو أبو الغيرة بل ومنبعها، كما لا أظن أن قراركِ هذا سيوهن علاقتكِ بعقيلة الطالبيين (عليها السلام)؛ لأن العناء قد يؤثر فيكِ فتتكاسلين عن العناية بحجابكِ كما يجب، أو تتماهلين برعايته كما ينبغي، وهي (سلام الله عليها) أم الستر والخدر والعفاف والحجاب، بل ستكونين عندها ذات شأنٍ كريم..
ملاحظات حول الحجاب السلوكي في زيارة الأربعين... تأتي إن شاء الله...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأحزاب 32
(2) النور 31
رضا الله غايتي
اخترنا لكم
تصـنيف شخصيات النساء
قال تعالى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ}(1). إنّ المرأة هي المدرسة الأولى في الحياة، وهي أحد العنصرين الأساسيين في تكوين المجموعة البشرية، وهي نقطة لانطلاق تلك المجموعة ، ولولاها لـما استمرت البشرية على وجه الأرض. ولهذا نجد أنّ الإِسلام يلقي الضوء في شريعته وأحكامه على المرأة ومكانتها في المجتمع والحياة، ويرتفع بها إلى مصاف الرجل، لها ما له وعليها ما عليه، بعد أن كانت المرأة مهضومة الحق في جميع الأنظمة الدولية التي وجدت قبل الإسلام. فالإِسلام هو الدِّين الوحيد الذي جاء لكي يعطي الصنفين الذكر والأنثى حقه في الحياة، وهو الدِّين الوحيد الذي أصلح عقلية الصنفين وبعث في الأذهان فكرة إعطاء حقوق المرأة وحفظ كرامتها. ومن ناحية أخرى فتح أمامها أبواب العلم والمعرفة، لكي تشعر المرأة المسلمة بمسؤوليتها في المجتمع ولكي يشعر المجتمع بوجودها وباعتبارها عضواً أساسياً في حياته، ولكي لا تُستغل إمكانياتها العاطفية والتكوينية استغلالاً ظالماً . ومن المؤسف أن نجد منظوراً مشابهاً لذلك، حيث إنّ هناك نظرة خاطئة لدى البعض عن الـمرأة، فـفئةٌ تريد أن تمنع عن المرأة حتى الضوء والهواء!. واخرى تريد أن تطلق لها العنان وتفتح لها الأبواب على مصراعَيها بزعم الحريّة!. ومما يؤسف أنّ بعض نسائنا تنتابها حالة من اليأس والشعور بعدم أهمية وقيمة دورها المناط بها شرعياً واجتماعياً مما يجعلها منطوية على نفسها، معتزلة لمجتمعها، وهذا أمر لا تُحمد عقباه، حيث نهت الروايات عن عدم الاهتمام بمجريات الامور في المجتمع حيث روي "عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه): مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ"(2). ومعنى [لا يهتم بأُمور المسلمين] عدم الاهتمام بأُمور المسلمين وعدم مطالعتها، وإن تمت مطالعتها فتترك بلا معالجة إن كانت سلبية أو عدم التركيز عليها وتنميتها إن كانت إيجابية. ومعنى [فليس بمسلم] هو عدم التسليم بالنهج الذي سار عليها السلف من القادة الهداة ومصداقه العزلة المنهي عنها التي توجب الأنانية وتمني الخير للنفس دون المجتمع. فعلى ذلك الأساس تصنف شخصيات النساء إلى التصنيف التالي: 1- امرأةٌ ساذجــة تعيش لتأكل وتشرب فقط، لا تبالي سوى الموضات والطبخات، تاركة الالتفات لعظيم المسؤوليات. 2- امرأةٌ متعلّــمة استطاعت أن تبتعد عن السذاجة بذاتها، فتعلّمت شيئاً من الحياة لكنها لم تتعلم ما هي الحياة وما فنّها. 3- امرأةٌ تعلّـمت من الحياة لكنها لم تتعلم ما هو الدِّين بشتى تفاصيله، وما إن تعلّمت جزءً منه فهي تعلمته لإنقاذ نفسها فقط أو للتباهي والرئاسة. 4- امرأةٌ متديّــنة لكنها لم تجعل خدمة الدِّين هدفها الأسمى ولم تتفاعل معه، فأصبحت متدينة روتينية فكان تعلّمها مجرد سد وقت فراغ كانت تعاني منه. 5- امرأةٌ مبدعة استطاعت أن تغوص في بحر علوم الدِّين وتطوعت لخدمة عياله الغافلين، لكنها غفلت عن اتخاذ القدوة فتارة تصيب واخرى تخطئ فأهلكها الغرور الكبرياء وعدم اليقين. 6- امرأةٌ فاطمية الأزل زينبية الحال مهدوية العهد والمستقبل، سارت في طريق الانتظار بكل توفيق، وهي تنهل من العلوم كل رحيق، فأصبحت امرأة فاعلة في بيتها بهدوءٍ وحكمة، وفي خارجه نبراساً ورحمة، تخاطب النساء بلغة العصر وبعذوبة الإيمان، تتعامل مع الواقع بقوة العقيدة وتزرع فيهنّ فن التأسي والسلوك القويم. فانظري يا رعاكِ الله مِن أيّ صنفٍ أنتِ؟ وهلمي للأكمل منها. _______________________ (1) آل عمران: 195. (2) الكافي: ج2، باب الاهتمام بأُمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم، ح1. علوية الحسيني
اخرىخيوط العنكبوت
خيوط العنكبوت قف، تأمل، إبتسم، عش حياتك نعيش في زمن غريب أصبح كل شيء فيه غريباً، حياة تعيسة مملوءة بالهموم والمشاكل. بيوت يعمها الحزن بسبب الخلافات بدل المحبة والوئام. مجتمع يؤجج الخلافات لأسباب تافهة. زمن يشعل نار الحرب أكثر من ان يخمدها. مشاكل لاداعي لها. أسباب مضحكة. نتائج فضيعة .حياة تعيسة. هذا الواقع الذي تعيشه أغلب عوائلنا، وأمام هكذا حقيقة لابد لنا أن نقف وقفة تأمل، كل شخص يجب أن يقف ويتأمل حياته ليكتشف العلاج الصحيح والمناسب لوضعه. فلكل إنسان شخصية تختلف عن الآخر وأسلوب كلام وقوة تحمل، لذلك لابد من معالجة أنفسنا ومساعدة بعضنا البعض لحل هكذا مشاكل وخير مانستطيع أن نستعين به هو القرآن الكريم والسنة النبوية وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) التي أعطتنا الأمور الأساسية والقواعد المهمة في بناء حياة أسرية سعيدة وروابط اجتماعية رصينة، وسنتناول بعون الله بعض هذه المشاكل ونسأل من الله ان نستطيع ان نعطي للموضوع حقه ويستفيد منه الناس وللحديث تتمة إذا شاء الله ذلك. إن الهدف من بحثنا هو تسليط الضوء على جملة من المشاكل الاجتماعية التي تواجهها أغلب عوائلنا والتي تقوم على تعطيل حركة أفرادها وعدم بناء أسرة سعيدة. فالإشكالات التي تعاني منها الأسرة في الوقت الحالي في المجتمعات المعاصرة ليست وليدة يوم أو يومين فهي نتيجة تراكم. لعلنا لانستطيع أن نذكر كل المشاكل التي تواجه الأسرة ولكن نحاول ذكر بعضها. فكل فرد من الأسرة تختلف مشكلته عن الآخر فكل إنسان بداخله أفكار مختلفة فالزوجة تريد شيئاً والزوج يريد شيئاً والأولاد يريدون شيئاً والكل يريد أن تُطبق فكرته لكي يرتاح. ولكن العلاج لكل هذه الاختلافات يتحقق إذا كان هناك تعاون ومساعدة وتلاقح للأفكار فيما بين الأفراد مما يجعل كل فرد يبدع في مجاله الخاص. ولو نلاحظ ما حولنا وكل شيء نراه في حياتنا كجهاز أو آله كهربائية أو سيارة كل شيء متكون من عدة الآلآت وكلها تتحرك فتولد قوة تشغيل هذا الجهاز ليعطينا الفائدة التي صنع من أجلها. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل استطعنا أن نقوم بالعمل الذي لأجله خلقنا الله؟ فهل عبدنا الله أحسن عبادة؟ فهل جعلنا من البيت سكناً وسكينة؟ هل اعطينا الأمومة حقها؟ هل اعطينا الأبوة حقها؟ و............والخ. إن دور الأسرة يهدف بشكل رئيسي إلى تحقيق مجموعة من الوظائف التي يجب أن يفهمها جميع أفراد الأسرة. فكل فرد في الأسرة له دور محدد مختص به فيجب عليه احترام هذا الدور واعطاؤه حقه. فسابقاً كانت الأسرة مكتفية بذاتها في الجانب الاقتصادي والاجتماعي فالاسرة سابقا كانت انتاجية وهذا يجعلها مكتفيةً اقتصادياً. بمعنى آخر إن الأكتفاء الاقتصادي للأسرة له تأثير مهم في سعادة الأسرة. وكانت تقوم بالتنشئة الاجتماعية ومنح المكانة لافرادها وتحديد التوجهات الدينية وأنواع الترفيه وكانت يعمها التعاطف والمحبة وهذا يجعلها مكتفية اجتماعياً، مما يؤدي إلى قلة الخلافات الأسرية. ويمكن القول إن التغيرات الثقافية والاجتماعية تنعكس سلباً أو إيجاباً في داخل الأسرة حسب طريقة استخدام هذه التغيرات والتطورات . فلذلك يكون أهم أعضاء الأسرة هو الزوج والزوجة فيجب أن تكون العلاقة بينهم علاقة تكامل وتفاعل ومودة لاعلاقة تنافر وصراع وتخاصم. حتى يتمكنوا من بناء أسرة متكاملة ومتوازنة وسعيدة . نتطرق هنا إلى عنصر مهم من عناصر الأسرة ألا وهي الزوجة للزوجة مكانة عظيمة في المجتمع، وقد أعطاها الله منزلة رفيعة فهي الأم والأخت والزوجة وقد جعل الله الجنة تحت أقدامها، الزوجة باعتبارها فرد من الأسرة إلا أنها تعتبر نصف المجتمع فهي التي تناط بها قضية بناء المجتمع فإن صلاح المجتمع من صلاح الزوجة، من هنا يتضح لنا أن أي مشكلة وإن كانت صغيرة تصدر من الزوجة فإنها تؤثر وبشكل كبير على الأسرة لأنها الشخص الوحيد المتصل بالأولاد اتصالاً مباشراً ولذلك فان على المرأة أن تعي حجم المسؤولية المناطة بها من أجل إبعاد الأسرة عن المشاكل. تحدث عادة الخلافات الزوجية بعد الزواج حيث إن الطرفين يدخلان في حياة جديدة لم يعتادا عليها فنجد الزوجة قد لاتستطيع أن تتأقلم في بداية زواجها لأنها وجدت عادات وتقاليداً وطباعاً غير التي اعتادت عليها، وكذلك الزوج يجد عند زوجته طباعاً مختلفة ومن أجل الحفاظ على نسيج الأسرة يجب على الطرفين تقديم التنازلات من أجل استمرار الحياة فإن هذه المشاكل لا قيمة لها وتعتبر تافهة في قبال الأسرة التي بدورها تنتج لنا مجتمعاً مترابطاً متماسكاً فعلينا أن نحافظ على هذا المكون العظيم. هناك الكثير من المشاكل التي تواجهها الزوجة في البيت رغم كثرة المسؤوليات عليها وهذا يحتاح إلى الكثير من الذكاء والفطنة من الزوجة التي تريد أن تجعل أسرتها وأطفالها وزوجها سعداء وناجحين. فالمرأة داخل البيت لها التاثير الكبير في نجاح أو تحطيم الأسرة. فالزوجة تحتاج إلى قوة تحمل وإرادة قوية لتستطيع أن تواجه كل المعوقات التي تتعرض لها. فالكثير من المشاكل التي تتعرض لها الزوجة في البيت -خاصة في مجتمعنا الشرقي- التي قد يعيش أهل الزوج وإخوانه وأخواته في نفس البيت فهذا له علاقة كبيرة وواضحة في كثرة المشاكل بين الزوجين . وكذلك الموروث الاجتماعي له تأثير وعبئ ثقيل على الزوجة لأن هناك الكثير من الناس تتوقع أن الزوجة مسؤولة عن خدمة كل أفراد أسرة الزوج وعليها أن تقوم بكل اشغال البيت ورغم عنها، وعليها أن لا تعترض علي أي شيء حتى وإن كان يخصها هي وزوجها، فيعتبرونه تدخل شرعي منهم فهو ابنهم وهكذا الكثير من الأمور والقوانين الموروثة اجتماعياً التي لايمكن بسهولة تغييرها رغم أن فيها كثيراً من الظلم. خاصة اذا كان الموروث الاجتماعي متخلفاً دينياً وثقافياً فإن له أثراً كبيراً على تكوين الأسرة الجديدة فلذلك الكثير من المشاكل تحدث بسبب ذلك . قد تواجه الزوجة بعض المشاكل ومن هذه المشاكل قضية اتخاذ القرار حيث تكون خارجة عن سلطة الزوج اذا لم يكن الزوج صاحب القرار وكان القرار بيد أحد أفراد الأسرة فهذه مشكلة قد تترك آثاراً سلبية على حياة الأسرة ومثالنا على ذلك في مجتمعاتنا الشرقية عادة يكون سكن الزوج مع أبويه في بداية حياته الزوجية وفي هذه الحالة قد يكون القرار بيد الأب أو الأم فلهم الحق في ذلك، فهما الأسرة الأولى والشجرة الأولى التي تفرع منها الأولاد وبهذا يكون بعض الأزواج في حالة انصياع تام للأبوين ومايريدانه وهنا تبدأ بعض المشاكل حيث أن بعض الزوجات تريد الإشتراك في القرار ونحن كما ذكرنا أن القرار ليس بيد الزوج وإنما يصدر من جهات أعلى منه رتبة، وفي هذه الحالة على الزوجة ان تتحلى بالصبر وتكون مطيعة لزوجها كما هو مطيع لوالديه فإن في ذلك رضا الله وسعادة الأسرة أيضاً واستمرار الحياة قائم على هذا التفاهم فعلى الزوجة أن تنظر أنها ستصبح في يوم من الأيام أماً ويعود الدور عليها، إذن ما عليك أيتها الزوجة إلا الحفاظ على نسيج هذه الأسرة من خلال مؤازرة زوجك. وهناك نقطة مهمة يجب على أهل الزوج أن يفهمها وهي أن زوجة الابن ليست ملزمة بأعمال البيت والطبخ والتنظيف لجميع أفراد أسرته وهذا إحسان وطيب أخلاق منها لهم إن فعلته، فيجب عليهم أن يشكروها ويحترموها فإنها ليست خادمة إنما هي زوجة ابنهم والمطلوب منهم مراعاتها واحترامها كأنها ابنتهم وكما تحبون أن تحترم ابنتكم في بيت زوجها احترموا بنات الناس. ومع افتراض كل هذه المشاكل والمعوقات التي قد تواجهها الزوجة من قبل أهل زوجها أو من زوجها يجب عليها أن تصبر وتحتسب أجرها عند الله ولاتجزع لكسب محبة الزوج ومن باب الاحترام والصبر على البلاء. لأن الابتلاء له طرق كثيرة وامتحانات يختبرنا بها الله سبحانه وتعالى قد تكون عن طريق شخص يؤذينا بكلام أو تصرف، وفي مثل هكذا مواقف تظهر التربية والأخلاق والخوف من الله. فإذا كانت الزوجة تريد بناء أسرة سعيدة يجب عليها الصبر والتغافل عن تصرفات تزعجها ولاتجعل لها تأثيراً على علاقتها بزوجها وأطفالها . لانقصد أنها تتعرض للإهانة والإيذاء ونقول اصبري، كلا ومن باب الإنصاف انه هناك أُناساً ظلمة ولاتراعي مخافة الله مع الزوجة حتى في الأمور الشرعية، وقد تكون الزوجة نفسياً لاتتحمل كل هذا. ولكن نقول إن تدقيق الزوجة لكل مشكلة وكل كلمة تسمعها هذا يتسبب في تحطيم حياتها الزوجية وزرع الكراهية فيجب عليها الأخذ بعين الأعتبار أن الزوج هذا ولدهم وقد يحدث بعض الكلام والمشاكل فيجب عليها. أن تقف موقف خير ومخافة الله لأنك أيتها الزوجة في يوم ستكونين أماً وتتعرضين لهكذا أمور. من المشاكل التي قد تكون الزوجة سبباً هي مشكلة الآراء المستوردة: ونقصد بالآراء المستوردة هي كل فكرة أو رأي تأتي به الزوجة من خارج بيتها سواء كان بيت أهلها أو أي مكان آخر على المرأة أن تعي مسألة مهمة، وهي أنها تعيش في بيت خاضع لضوابط وقوانين اجتماعية خاصة تختلف عن بقية العوائل والمجتمعات ذلك ان كل عائلة في هذا المجتمع تخضع لضوابط وقوانين وعادات اجتماعية موروثة من الآباء والأجداد لايمكن تغييرها بسهولة، هنا على الزوجة أن لا تأتي بآراء سواء من أهلها أو صديقاتها أو أي مكان آخر لأن الذي يعطي تلك الآراء يعيش في بيئة وعائلة تختلف عادةً عن بيئة عائلة الزوج وأن آراءه تنطبق اولاً وبالذات عليه لا على غيره، فاذا قامت الزوجة بجلب تلك الآراء والأفعال لبيتها قد تواجه بعض المشاكل التي هي في غنىً عنها وما عليها إلا أن تقوم بدراسة تلك الأفكار التي حصلت عليها من خارج البيت فإن وجدتها مفيدة جاءت بها وطبقتها وإن وجدتها غير مفيدة وتجلب المشاكل تركتها. فيجب الانتباه لذلك، فمن أجل ان نحيا حياة سعيدة طيبة علينا أن نبتعد عن هذه الأمور التي لاتجدي نفعاً وما عليكِ أيتها الأخت العزيزة إلا التحلي بالحكمة والنظر إلى سعادة هذه الأسرة وكيف تجعلينها تعيش حياة هانئة خالية من المشاكل. من المشاكل التي تواجه المرأة هي مشكلة الإهمال الشخصي: يعتبر الإهمال من المشاكل التي تواجه الزوجة نتيجة الإهتمام ببعض الامور والإبتعاد عن أمور أخرى ومن هذه الأمور الإهتمام المفرط بالأولاد حيث نجد أن الكثير من الزوجات تهمل نفسها مقابل الإهتمام بأطفالها وهذه مشكلة أيضاً إذ يجب على الزوجة أن لاتهمل هذا الجانب من حياتها فكما أن للأطفال حقاً كذلك للزوج أيضاً حق. فيجب عليها الإهتمام بنفسها قدر المستطاع لأن هذا الجانب يعتبر من الجوانب المهمة التي تديم العلاقات الاجتماعية، ومن هنا نجد البعض من الأزواج يتوجه للبحث عن علاقات أُخرى ويبحث عن سبل كثيرة والسبب في ذلك هو الإهمال. نحن لا ننكر أن الزوج أحد المسببين في هذا الموضوع لأنه ترك تربية الأولاد مناطة بالزوجة فقط فتصبح الزوجة محاطة بالكثير من الأعمال ومنها الأعمال المنزلية بكل اشكالها أضف إلى ذلك تربية الأولاد ومتابعتهم في كل ظروف حياتهم اليومية وكذلك الإهتمام بمتطلبات الزوج فيحصل الإهمال، فلو تعاون الزوج مع زوجته في أمور الأولاد فإنه حينئذٍ يرفع عبئاً من أعبائها ويزيل هماً من همومها، ومن هنا على الزوج مشاركة زوجته على قدر المستطاع في تربية ومتابعة الأولاد. أما بالنسبة للزوجة فإنها تستطيع أن تقضي على هذا الإهمال من خلال تقسيم وقتها مابين المنزل والأولاد والزوج وحياتها الشخصية فإن لنفسها عليها حقاً، هذا ونلاحظ في بعض العوائل إهمال واضح من الزوجة لأطفالها نتيجة صرف إهتمامها في مسائل أُخرى أمثال البيت وما شابه ذلك. لاشك أن للمنزل أهمية خاصة عند الزوجة فهو البيئة الأساسية التي يتكون منها المجتمع والحفاظ عليه مسؤولية كبرى تقع اولاً وبالذات على عاتق الزوجة ومن هنا فإن مسؤوليتها كبيرة تجاه البيت لكن هذا لايمنع من الإهتمام بالأطفال ورعايتهم ومتابعتهم، فنجد بعض الزوجات تولي مسؤولية أطفالها لاي شخص متفرغ في البيت وهذا خطأ تربوي، إذ لايمكن تركهم بهذه الصورة لأن حنان الأم وعطفها على أطفالها لايعوضه أي شخص وهذا ما نشاهده في حياتنا اليومية فإننا نجد الشوارع قد امتلأت بالأطفال وللأسف الشارع في هذه الايام فيه الكثير من القضايا السلبية التي يجب أن نحفظ أطفالنا منها فهناك من يتعلم الألفاظ البذيئة والنابية وهناك من يتعلم المعصية وهناك من يتعلم الإنحراف والكثير من هذه القضايا التي انتشرت في مجتمعاتنا. من هنا على الزوجة أن تقوم بدورها الأساسي في متابعة أطفالها والنظر في أحوالهم وكذلك متابعة ما ينطقونه من كلام وألفاظ وأفكار من خارج المنزل ومعالجة كل هذه الأخطاء فإن استطاعت فبها ونعمت، وإن لم تستطع أخبرت زوجها ليتخذ الإجراء اللازم في ذلك، نحن لانقول إن على الزوج أن يعلم بصغائر الأمور وكبائرها ولكن هناك بعض المشاكل لايمكن للزوجة أن تخفيها عن زوجها، ومن هنا ما عليكِ أيتها الزوجة العزيزة إلا أن تعطي أطفالك الإهتمام الكبير من أجل أن نخرج بمجتمع واعٍ مثقف، منبعه الأول الأسرة. بعض النساء إذا اصابتها شدة أو مكروة تقول ماحيلتي هذه إرادة الله وتبقى تندب حظها وتجزع وهذا يؤدي بها للتقصير في واجباتها ويتحول الزواج إلى جحيم وعذاب، ودائما تقول الله أراد ذلك، ولا أستطيع أن أغير القدر. لا يا أُختي العزيزة هذا الكلام غير صحيح فالمسؤولية في جميع الاحوال تقع على الإنسان. لأن الإنسان كلما كان قوي الإرادة والإصرار يصبح أكثر عظماً وأكثر تأثيراً في مجتمعه وكلما كان يمتلك نفسا كبيرة كان أقدر على التغيير في نفسه واُسرته ومجتمعه قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (1) أختي العزيزة إبدائي بتغيير نفسك اولاً لكي تعيشي سعيدة لأن تعظيم الأمور التافهة تؤدي إلى تفاقم المشاكل ويصبح الحقد والبغضاء في نفسك وفي نفوس أسرتك، أن من شأن الباطل والشيطان أن يجعل من نفس الانسان ظلاماً دامساً ويزرع الحقد والبغضاء، بخلاف الحق الذي ينور الطريق ويبدد الظلام ودائماً الباطل ياتيك متلبس بالحق ويظهر أنك مظلومة وأنتي على حق ويجب أن تأخذي حقك. لا يا أختي يجب عليك التحلي بالصبر لتبني أسرة سعيدة ولتجعل بيتك مملوأً بالراحة والسكينة وقد ذكر الله في كتابه الكريم (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)(2) فأنتِ لاتتخذي الباطل والشيطان الذي يأمر بالبغضاء والمشاكل ولياً، والله يدعو للسكينة فلا تبني بيتاً كبيت العنكبوت . قفي وتاملي حياتك وفكري وعيشي كما أراد الله لك كانثى. _______________________________ (1) سورة الرعد آية (11) (2) سورة العنكبوت آية (41)
اخرىاعلموا أني فاطمة...
بقلم: رضا الله غايتي ما أن نغوص في التاريخ الإسلامي وما تضمنه من أحداث جسام، وما أن نطالع صفحاته وما جرى فيها من ظلاماتٍ على خير الأنام، من رزية الخميس إلى ما ارتكب من جرائم بحق سيدة النساء وبعلها إمامنا الهمام، حتى تكاد تتمزق قلوبنا ألماً وتمتلأ نفوسنا أسىً ونتساءل عجباً: أنّى لأفواههم أن تنسب الهجر إلى الرسول؟! أولم يقرؤوا "إن هو إلا وحيٌ يوحى"؟! وأنّى لأيديهم أن تجترح ما اجترحت من جرائم بحق الزهراء البتول؟! أولم يعلموا أن رضا الله مرهون برضاها؟! وأنّى لسائر المسلمين أن يصمتوا إزاء كل ذلك؟! أولم يفقهوا القرآن أن من عقر ناقة صالح واحدٌ ولكن الله (تعالى) عمّهم بالعذاب لما عمّوه بالرضا؟! وبينما القلب والهٌ محزون، والنفس قد عُجنت بمشاعر الحيرة والشجون، قادني حبي لها وأسفي لما جرى عليها إلى مطالعة ما ألقاه قلبها المكلوم، من خطاب تاريخي في مسجد أبيها لكل من القاصي والداني معلوم، علّني أجد جواباً لتساؤلاتي وردّاً على ما أثار عجبي وحيرتي وألْهبَ آهاتي، وما أن قرأت كلمات سيدتي ومولاتي المعصومة بنت المعصوم، حتى لاح لي الردُّ بنور كلامها الساطع الذي بدّد سحب العجب وأزال حيرتي: "اعلموا أني فاطمة".. عجباً سيدتي ومولاتي!! وهل يخفى البدر في الليلة الظلماء؟! وهل هناك مَن تدانيكِ بالشجاعة والبلاغة في جميع النساء؟! قرأتُ إنها قالت ذلك إلقاءً للحجة على القوم لئلا يتذرعوا بجهلهم بهوية المتحدثة! ربما.. فلطالما أنكروا البديهيات وخالفوا أوضح الواضحات.. ولكن أولم تكن مطالبتها بحقها في ميراث أبيها وفي فدك كفيلةً بتحديد هويتها؟!.. فهل نتعقل أن تأمر حجة الحجج بأمرٍ غير ذي بال أو ليس ذا شأنٍ عظيم؟ وأخيراً.. وجدتُ ضالتي، فبقولها: (اعلموا أني فاطمة) تأمر بمعرفتها تلك المعرفة التي تنفع العارف أيّما نفع وتضر التارك لها والمخالف. معرفة مؤثرة لازمة للإيمان وموجبة للطاعة والالتزام. آخذة بأعناق العارفين بها إلى جادة الصواب وتطبيق الشريعة بإحكام. كفيلة بحفظ المسلمين من الفرقة فضلاً عن حفظ الإسلام.. من هنا يتضح أن السيدة الزهراء (عليها السلام) حينما قالت: "اعلموا اني فاطمة" لم تكن قاصدة التعريف بنفسها ونسبها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتلك معرفة واضحة للعيان ولا تحتاج إلى بيان أو برهان، وإنما كانت قاصدة تذكيرهم بسمو مقامها ورفعة شأنها وعلو منزلتها، تريد أن تذكرهم بما ورد عن مجاهد حين قال: خرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو آخذ بيد فاطمة، فقال: "من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي، وهي روحي الّتي بين جنبي، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله"(1) ويطلق على هذه المعرفة في حال وقوفها على الذهن فقط بالمعرفة التحقيقية النظرية وهي المعرفة المتحصلة من البحث عن ذاتها من خلال التعرف على سماتها والاعتقاد بأنها معصومة بالاستناد إلى ما قاله المعصومون في حقها، لاسيما سيدهم الخاتم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). وبما أن العصمة تدل على الحجية، واتباع الحجة مؤداه دخول الجنة وخلافه دخول النار، فإن هذه المعرفة النظرية لا تضمن الاتباع وإن كانت تدعو إليه؛ لأنها توجب على من وقف عليها الطاعةَ والالتزام عقلاً، ولكن قد يخالف ذلك سلوكاً في حال عدم الانقياد للعقل، وبالتالي فلا تعصمه من ارتكاب الذنوب والخطل عند القول والزلل عند الفعل. قال (تعالى):" وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُفْسِدِينَ "(2) على حين أن المرتبة الأخرى من المعرفة تفعل ذلك؛ لأن الانسان يتلبسها ويتشرب بها فتنتقل من مجرد التحقيق الذهني إلى التشرب الروحي. أي تكون علاقة العارف بمن يعرف علاقة قلبية أو فؤادية لا مجرد علاقة ذهنية؛ ولذا كان لها الأثر الواضح في السلوك فضلاً عن الاعتقاد؛ لأنها تحوّل الإنسان العارف بها إلى وجود قويّ خيريّ محرّك لطاقاته باتجاه الكمالات ملتزماً جادة السداد، وبذا تستبطن الاتباع وتأخذ بعنق العارف بها نحو الطاعة والانقياد. وبالتالي تعصم صاحبها بالعصمة الصغرى(3) من الذنوب والعصيان، وتنقذه من العذاب والنيران، وتقوده إلى حيث النعيم والجنان. ويطلق على هذه المرتبة من المعرفة بالمعرفة التحققية وقد بلغها المخلَصون كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد وأصحاب الإمام الحسين (عليه السلام). فإذا كانت معرفتها (سلام الله عليها) توجب هذه الدرجة من التقوى العالية والثبات على الحق ونصرته والاستشهاد دونه ونبذ الباطل ومقارعته، يتضح لنا مدى غربتها بين المسلمين يومئذٍ (روحي وأرواح العالمين لها الفداء). فقد روي عن فضة (رضوان الله عليها) عنها (عليها السلام):"رفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمت بي عدوي، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي، ولا راداً لدمعتي ولا معيناً لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرائيل، ومحل ميكائيل. انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب"(4) فإن كنا نعجب من التاريخ ونتحرّق ألماً لما جرى فيه، فإن فيه لعبراً يجدر بنا الالتفات اليها؛ لأنه ما انفك يعيد نفسه. فما أشبه اليوم بأمسه، وما أشبه ظلامة إمام زماننا المنتظر (عجل الله فرجه) بظلامة جدته الزهراء (عليها السلام). فهما معاً بالرغم من أنهما حجج الله على العباد فقد عاشا بغربة بسبب جهل المسلمين بمقامهما الرفيع السامي. وبالرغم من أن لهما الولاية على جميع الكون فضلاً عن البلاد فقد غُصِبَ حقهما ظلماً وجوراً وتجاوزاً على الحكم الإلهي. فما أشبه من أحرق الدار فقيل له: إن في الدار فاطمة فقال: وإن، بمن يتجاهر بالذنوب والمعاصي وهو يعلم أن إمامه ناظرٌ إليه محزون يئن!! ولم تكتفِ بضعة المصطفى وروحه (سلام الله عليها) بإلقاء الخطب، بل استنصرت المسلمين. ولكن لجهلهم بمقامها الشريف وشأنها المنيف لم تجدهم إلا عن نصرة الحق متخاذلين. كما روى ابن قتيبة إذ قال: "وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر، ما عدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه: أ فكنتُ أدع رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته لم أدفنه. وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم"(5) موقفٌ تكلّ عن وصفه الأقلام، وتعجز عن استيعابه الأفهام، أ فميزان رضا الله (جل وعلا) يدعوهم فلا يستجيبون؟! ويستنصرهم فلا ينتصرون؟! أ فبالركون إلى أمانٍ مزيف لسخط الله (جل جلاله) يتعرضون؟! أم بالقليل من متاع الدنيا لأخراهم وحياتهم الأبدية يضيعون؟! ألمي عليكِ سيدتي.. ألمي عليكِ وعلى بعلكِ مولاي ومولى المؤمنين. ولأن العاقل لابد أن يجمع بين العَبرة والعِبرة، فإننا نعيش الغيبة الكبرى لإمامنا صاحب العصر والزمان(عجل الله فرجه)، فهل نحن ممن عرفنا مقامه العظيم وأدخل السرور على قلبه المقدس بالخير والإحسان؟ أم أننا ممن جهل قدره الجليل وأحزن قلبه المفجوع بمصاب جدته وآبائه (عليهم السلام) ــ والعياذ بالله ــ بالذنوب والعصيان؟ ومن المعلوم أن من المتوقع ظهوره المبارك بغتةً، فهل تُرانا أعددنا العدة لنصرته بمعرفته المؤثرة وبالتقرب إليه في كل آن؟! سؤالٌ لا بدّ له من جواب وكل منا " عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ "(6) [القيامة 14و15] "اللهم عرفني نفسك فانك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك اللهم عرفني رسولك فانك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فانك إن لم تعرفني حجتك ظللت عن ديني ، اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الفصول المهمة ص 146 (2) النمل 14 (3) العصمة الصغرى هي العصمة التي تكتسب بالتقوى العالية المتولدة من دوام الالتزام بالأحكام الشرعية مع مراعاة الاحتياط والابتعاد عن الشبهات. وهي غير العصمة الواجبة: عصمة الأنبياء والأوصياء وسيدة النساء (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). (4) بحار الانوار ج43 ص175 (5) الإمامة والسياسة ج1 ص19
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى