Profile Image

رضا الله غايتي

زيارةُ القبورِ طاعةٌ لله لا شركٌ به (4)

بقلم: رضا الله غايتي المبحث الثاني التوحيد الوهابي ومنشأ التكفير المطلب الأول التوحيد وأنواعه وفقًا للرؤية الوهابية ومناشئ التكفير المترتبة عليها ثانيًا: مناشئ التكفير الوهابي للمسلمين تقدّم بيانُ بعضِ نقاطِ الاضطراب في الفهمِ الوهابي للتوحيد القرآني، ونُكمِلُ تلك النقاط: ثالثًا: وأما تعريفُهم لمعنى التوحيد في الألوهية بأنّه توحيدُ اللهِ بأفعالِ العبادِ، فهو تعريفٌ بالمصاديق –كما سيأتي توضيحُه في النقطة التالية- من جهة، كما أنَّه تعريفٌ بالأعمِّ من جهةٍ أخرى، ولذا لا يُمكِنُ أنْ يكونَ مانعًا في حالٍ من الأحوال، مما يؤدي إلى إدخالِ العديدِ من الأفعال في حدِّ العبادة وهي غريبةٌ عنها، ومن ثم اتساعُ رقعة الأفعال التي يُتهَمُ القائمُ بها بالشركِ والكفرِ كذبًا وزورًا. وهذا أيضًا من مناشئ تكفيرِ المسلمين واتهامِهم بالشرك في الألوهية. رابعًا: وأما بالنسبةِ إلى تعريفِ الوهابية للعبادة، فقد تخبّطوا في بيانِ مفهومِها كثيرًا، نُوضِّحُ ذلك عبر: 1/ عرّفوا العبادةَ ببيانِ مصاديقها لا ببيانِ حقيقتها، وهو تعريفٌ يفتقرُ إلى الدِقّةِ، ولا يُقدِّم صورةً واضحةً عن حقيقةِ العبادة، وحدودها، فهو أشبهُ بمن يُجيبُ بـ: صلاة الصبح، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة الغفيلة، وصلاة الليل، وصلاة جعفر الطيار وإلى آخره من أفرادِ الصلوات ردًا على من يسأله: ما حقيقةُ الصلاة؟! وليتَ الأمرُ كان كذلك وحسب، بل إنَّهم بتعريفِهم هذا ذكروا أفرادًا غريبةً عن العبادة وأدخلوها في حدِّها ونسبوها إليها، كالإحسانِ إلى اليتيم، وصلةِ الأرحام اللذين ذكرهما الفوزان في شرحِه لتعريف ابن تيمية للعبادة، بل وأدخلوا في حدِّها كلَّ قولٍ أو فعلٍ يُحِبُّهُ اللهُ (تعالى) ويرضاه، ظاهرًا كان أو باطنًا كما عرّفها ابن تيمية في قوله: "اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحِبُّه اللهُ ويرضاه من الأقوالِ والأعمالِ الظاهرة والباطنة"! 2/ خلطَ ابن تيمية ومن ثمَّ الوهابية بين الطاعاتِ والعباداتِ، فتعريفُهم للعبادةِ بأنّها اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحبُّه الله ويرضاه من الأقوالِ والأفعال، عبارةٌ تنضوي تحتها ما هو عبادةٌ من الأفعال، بالإضافةِ إلى ما هو أعمُّ منها وهو الطاعة. وإلا فهل تُعدُّ صلةُ الأرحامِ عبادةً بالمعنى الدقيق، أم إنّها من عمومِ الطاعات التي يتقرَّبُ بها العبدُ إلى الله (تعالى)، بل إنَّ الزواجَ والبيعَ بل مُطلقِ المعاملات الجائزة هي مما يرضاها الله (جلَّ وعلا) وإلا لنهى عنها، فهل تُعدُّ كلُّ تلك المعاملات هي الأخرى عبادةً بالمفهوم العقدي الدقيق؟! التي يتوقفُ على تحديدِ مفهومِها الحكمُ على من يدخلُ في حدِّها بأنّه عابدٌ لله (تعالى)، وإلا فهو مشركٌ به!! نعم، طبقًا لتعريف ابن تيمية هي عبادةٌ!! وهذا الخللُ الثاني في فهمِهم للعبادة والذي وسّع كثيرًا من دائرةِ مفهومِ العبادة، مما أدخل فيها الكثير من المصاديق التي هي ليست من العبادة بشيء. وبذا توسّعَ في إطلاقِ حكمِ التكفيرِ على الكثير من المسلمين ظلمًا وزورًا، وهذا منشأٌ أيضًا من مناشئ التكفير الوهابي للمسلمين. نعم، ربما يمكن التسامح بحدِّ العبادة، والتوسع في مفهومها وإدخال بعض الطاعات فيها إنْ كان الحديثُ ذا جنبةٍ أخلاقية، وأما الحديث العقدي فلا بُدَّ أن يكون دقيقًا، وبالحدِّ المنطقي الصحيح، الذي لا يسمح بخروج الأفراد ولا بدخول الأغيار، ولو على تقدير واحدٍ منها فقط؛ لئلا يُحكم على العابد لله (تعالى) بأنَه مشركٌ به (سبحانه). 3/ خلطَ صالحُ ابن فوزان في شرحِه لتعريفِ العبادة بين الشركِ والبدعة؛ وذلك بقوله: "العبادةُ هي فعلُ ما شرّعه الله (سبحانه وتعالى)"، فهو بينما يُعرِّفُ العبادةَ وإذا به يأتي بتعريفِ السُنّة، فحقيقةُ السُنّة هي الفعلُ الذي شرّعه الله (تعالى)، لا حقيقةَ العبادة ذاتها. وكأنَّ مفهومَ عبارتِه: أنَّ الشركَ هو فعلُ ما لم يُشرِّعه الله (تعالى)، على حين إنَّ ما تمَّ تعريفُ الشركِ به هو تعريفٌ للبدعةِ لا للشرك!! وللتوضيح أكثر: فإنَّ صلاةَ التراويح بدعةٌ، وقد ورد ذلك في كُتُبِ أهلِ السنة، بل لقول عمر بن الخطاب نفسه: "نِعمَ البدعةُ هذه"(1)، فهل كلُّ مُصلٍّ لصلاةِ التراويح مشركٌ؟! وفقًا للمدرسة الإمامية: لا يُعدُّ مشركًا بل هو مُبتدعٌ، أما طبقًا لتعريفِ ابن فوزان فهو مشركٌ! وهذا منشأٌ آخر من مناشئ تكفير المسلمين. وربَّ سائلٍ يسأل: كيف تدّعونَ ذلك وأغلبُ الوهابية أنفسُهم يُصلّون صلاةَ التراويح؟! فنُجيب: روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "اتبعوا ولا تبتدعوا، فكلُّ بدعةٍ ضلالة، وكلُّ ضلالةٍ في النار"(2)، وهو حديثٌ صحيحٌ عند الفريقين، وصريحٌ أيضًا، ولكن رغم ذلك فقد التفّوا عليه تبريرًا لاستحسانِ عمرَ بدعةَ التراويح، فمنهم من قسّمَ البدعةَ إلى خمسةِ أقسامٍ: واجبة، ومحرمة، ومباحة، ومستحبة، ومكروهة. وما هذا التقسيمُ إلا تجرؤٌ واضحٌ على الحديثِ النبويِّ الذي يُصرِّحُ وبكلِّ وضوح: أنْ كلَّ بدعةٍ ضلالة، أي كُلّها بلا أي استثناء. وهل تدلُّ كلمة (كُلّ) إلا على العموم؟! ومنهم من ذهب إلى أنّ قولَ عمر: نعمَ البدعة، إنّما كان يقصدُ البدعةَ بمعناها اللغوي لا الشرعي، ومعلومٌ أنّ البدعةَ لغةً: ما كانَ على غيرِ مثالٍ سابق. ويا عجبًا أنّى لهم أنْ يُفسِّروا أنّ ما قصدَهُ من البدعةِ هي البدعةُ بمعناها اللغوي، دونما وجود قرينةٍ تدلُّ على ذلك؟! ثم: هلِ الأقوالُ تُصحِّحُ الواقع؟! فهو في الواقعِ قد ابتدعَ فعلًا نحوًا من الصلاةِ لم يُشرِّعه رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) من قبلُ، فهل يُصحِّح هذا الواقعَ اللاشرعي قولُه بأنّه شرعي! وعلى أيةِ حالٍ، يُمكِنُ القولُ: إنَّهم خلطوا في تعريفِهم للعبادةِ بين الشركِ والبدعة، بيدَ أنّ هذا الخلطَ كان منشأً لتكفيرِ واتهامِ بالبدعة من يحلو لهم من المسلمين، أو قُلْ قد أسفرت عن قاعدةٍ لتكفيرِ المسلمين إلا أنّ هذه القاعدة تردُ عليها استثناءاتٌ يروقُهم استثناءَها منها، بل وإضفاءَ صفةِ الاستحبابِ عليها أيضًا من قبيلِ صلاة التراويح، وعبارة (الصلاة خيرٌ من النوم) مثلًا. 4/ تقدّم أنَّهم عرَّفوا العبادةَ بتقديمِ مصاديقها الخارجية، بل ومصاديقِ عمومِ الطاعات، وهذا يعني أنّ كلَّ ما يرضاهُ اللهُ (جل جلاله) من قولٍ أو عملٍ ينضوي تحت عنوانِها. وعليه، فهو تعريفٌ بالأعم، ولا بُدّ له من فصلٍ، يفصلُ حقيقةَ العبادةِ عمَّا سواها، وهذا أهمُ خللٍ في فهمهم للعبادة. وبعبارةٍ أوضح: هم قالوا: إنّ كلَّ فعلٍ يرضاهُ اللهُ (سبحانه) فهو عبادةٌ، فمثلاً أنَّ السجودَ وهو أقربُ الأفعالِ إلى العبادةِ من النذرِ والنحرِ والاستغاثةِ والدعاءِ والتوسلِ وغيرها، وهو من الأفعالِ التي يرضاها الله (تعالى) بلا شك أيضًا، ورغم ذلك فقد أمرَ الله (جلّ وعلا) الملائكة بالسجود لآدمَ (عليه السلام) في قوله (عزّ من قائل): "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ"(3). وعليه –وفقًا للرؤية الوهابية- أنّه (سبحانه) قد أمر الملائكةَ بعبادةِ آدم (والعياذ بالله)! وهذا قولٌ لم يجرؤ أحدٌ على التفوّهِ به، بل حتى إنّ الوهابية أنفسَهم لم يُصرّحوا به وإنْ كان فهمُهم للعبادةِ يُفيده كما تقدّم. وعليه، لا بُدَّ من وجود قيدٍ آخر يحدُّ أفراد العبادة ويفصلها عن الأغيار، أو قل: ْ لا بُدَّ من فصلٍ يُخرِج هذا السجود لآدمَ مثلًا من قائمةِ أفعالِ العبادة، وما ذلك القيدُ إلا الركنُ المعنويّ للعبادة ــ لو صحَّ التعبيرــ. وبيانُه: إنَّ العبادة: هي كلُّ فعلٍ يتقوّمُ بركنين: ركنٌ مادي وآخر معنوي، فأما الركنُ المادي، فهو ظاهرُ الأفعالِ العباديةِ، -كهيئة السجودِ الظاهرية مثلًا- ولا يُمكِنُ البتُّ في كونِها عبادةً، إلا عندَ العلمِ باقترانِها بالركنِ الثاني للعبادةِ وهو الركنُ المعنوي. والركنُ المعنويّ: وهو أنْ يقصدَ المسلمُ عند إتيانِه بفعلٍ ما أنّه ما أتى به إلا بقصدِ العبادة، مع الاعتقادِ التام والجازم بأنّ من أتى لأجلِه بهذا الفعل هو إلهٌ وخالقٌ ومعبودٌ وربٌّ يستحقُّ العبادة. وعدمُ توفُّرِ هذا الركنِ المعنوي في سجودِ الملائكةِ لآدمَ (عليه السلام) هو الذي أخرجَ السجودَ من نطاقِ العبادة رغمَ أنّه -ظاهرًا- هو من أجلى مصاديقها. وعليهِ، لا يُمكِنُ عدُّ أيَّ مظهرٍ من مظاهرِ العبادة أنّه عبادةٌ إلا بتوفرِ الركنِ المعنويّ الذي تقدّم ذكره. وعدمُ تقييدِ الوهابيةِ لأفعالِ العبادة بهذا القيد أدخلَ الكثيرَ من ممارساتِ المسلمينَ المشروعة في دائرةِ اللامشروعية، بل وفي الشركِ والكفرِ أيضًا، وهو من أهمّ مناشئ تكفير المسلمين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) روي في فتح الباري شرح صحيح البخاري 1906 عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله [ ص: 297 ] (2) جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج ١٤ ص٤٤٢ (3) البقرة 34

اخرى
منذ 3 سنوات
248

الإمامةُ منصبٌ لا يُغصب

بقلم: رضا الله غايتي الإمامةُ في مدرسةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) منصبٌ إلهيٌّ كما النبوة، وكما أنَّ أيّ شخصٍ بلغَ ما بلغَ من النفوذ لا يُمكِنُه أنْ ينتزعَ رداءَ النبوّةِ من النبيّ وارتداؤه ليُصبِح نبيًا، كذلك الإمامة. روي عن الإمام الرضا (عليه السلام): "إنَّ الإمامةَ أجلُّ قدرًا وأعظمُ شأنًا وأعلى مكانًا وأمنعُ جانبًا وأبعدُ غورًا من أنْ يبلغها الناسُ بعقولِهم أو ينالوها بآرائهم أو يُقيموا إمامًا باختيارهم"(1) نعم، نُحيّت عنهم (عليهم السلام) الخلافةُ السياسيةُ؛ لأنَّ الأمةَ لم تُطِعْهم ولم تقُمْ بالواجبِ عليها في ذلك، لا لأنهم (عليهم السلام) فقدوا الإمامةَ أو غُصِبتْ منهم. أما كونُها منصبًا إلهيًا فقد دلّت عليه العديدُ من الأدلة، منها قوله (تعالى): "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ"(البقرة124)، فقد جاءت كلمة (عهدي) فاعلًا، و(الظالمين) مفعولًا به، أيّ إنَ الإمامةَ هي التي تنالُ الناسَ، لا أنَّ الناسَ هم الذين ينالونها. أضف إلى ذلك أنّه (تعالى)عبّر عن الإمامةِ بالعهدِ ونسبَه إلى نفسِه، وبذا تبطلُ نظريةُ الشورى في تنصيبِ الإمامِ جملةً وتفصيلًا، إذ إنّ عهد الإمامةِ عهدُ الله (تعالى) يضعُه حيثُ يشاء. وبما أنَّ الإمامةَ امتدادٌ للنبوّة، فللإمامِ أدوارٌ هي ذاتُ أدوار النبيّ (صلى الله عليه وآله) خلا تلقّي الوحي الرسالي، وهذه الأدوار لا يؤديها سواهم (عليهم السلام) وإنِ ادعى غصبَ الإمامة، أو ادعى إمرةَ المؤمنين، وكتبُ التاريخِ تشهدُ على ذلك، وهي: أولًا: الدور التشريعي، ويتجلّى بوضوح في حديث الثقلين(2) الذي ساوى بين القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام)، وقد اشتملَ الأولُ على كلٍّ من: الجانب العقائدي، والأخلاقي، والفقهي، والعلمي، واللغوي الإعجازي. فأهلُ البيتِ (عليهم السلام) وهم عِدلُه، يعلمون كلَّ تلكَ الجوانب، بل ويؤدون دورين مهمين بشأنِها: دور البيان: أي بيانها للناس، ودور الحفظ: أيّ حفظ القرآن الكريم وصون الشريعة من الانحراف. ثانيًا: الدور التكويني: ويقصد به (أنّ نفسَ الوليّ بما لها من الكمالِ متصرّفةٌ في اُمورِ التكوينِ بإذنِ الله (تعالى) لا على نحو الاستقلال)(3). وقد أثبته الله (تعالى) للأنبياء (عليهم السلام)، بل ولسواهم كالذي تمكن من إحضار عرش بلقيس من سبأ إلى سليمان، قال (تعالى): "قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ"(النمل40)، فإذا ثبت هذا الدور لمن لم يكُ عنده إلا علمٌ (من) الكتاب أيّ (بعضه)، فمن بابٍ أولى أنْ يثبتَ لمن هم عدلُ الكتابِ عنده علم الكتاب كلّه، ذلك الإمام علي (عليه السلام) في قوله (تعالى): "قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ"(الرعد43). ثالثًا: الدور السياسي، ويتلخصُ بقيادةِ المجتمعِ الإنساني بشكلٍ يوصلُه إلى الكمالِ المُطلقِ في تطبيقِ الحقِّ والعدلِ على كافةِ أرجاءِ الأرض. وهو ما سيتحققُّ في دولةِ الإمامِ الموعودِ (عجّل الله فرجه)، كما يشهدُ التاريخُ على عدلِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) رغمَ عدم استقرار دولتِه آنذاك بسبب المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين. رابعًا: القدوةُ الصالحةُ والأسوةُ الحسنة، والاقتداءُ بها في القولِ والعملِ من أهمِّ سُبُلِ تكاملِ الإنسان، ومن يكونُ القدوةُ والأسوةُ سوى النبيِّ محمدٍ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليه السلام)؟ قال (تعالى): "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"(الأحزاب21). هذا فضلًا عن أنَّ وجودَ الإمامِ في حدِّ ذاتِه أمانٌ لأهلِ الأرضِ كما النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد رويَ عنه (صلى الله عليه وآله): "أهلُ بيتي أمانٌ لأهلِ الأرضِ كما أنَّ النجومَ أمانٌ لأهلِ السماء"(4). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)عيون أخبار الرضا(ع)ج2ص196 (2) صحيح سنن الترمذي ج3ص542 (3) اعتقاداتنا ج9ص1 (4) ينابيع المودة ج1ص72

اخرى
منذ 3 سنوات
293

كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ

بقلم: رضا الله غايتي ينعى نفسَه بلوحةٍ ناطقة، ولما حلَّ به في الطفِّ مُطابقة، لوحةٌ تُجسِّدُ صورًا تنبضُ بالحياة، ما إنْ يسمعُها المرءُ حتى يراها على صفحةِ مُخيلته (أوصالٌ مُقطّعة، ذئابٌ شرِسةٌ تنهشُ تلك الأوصال)، لوحةٌ تتحدثُ بدقةٍ عاليةٍ عن وحشيّةِ الأعداءِ، كما تحكي بحروفٍ باكيةٍ مظلوميةَ سيّدِ الشهداء. يقولُ البعضُ: إنّها مصداقٌ من مصاديق علمه (عليه السلام) بالغيب؛ لاعتقاده أنَّ جميعَ الأئمةِ المعصومين (عليهم السلام) يعلمون ذلك العلم، ومنهم شهيدُ كربلاء (عليه السلام)، ويعتقدُ الآخرُ أنَّها نسجُ توقُّعِ ثاني سبطي خاتمِ الأنبياء، فيما يتطرّفُ الثالثُ كثيرًا مُتهمًا الأولَ بالغلوِ والشرك! ولترجيحِ أحدِ الأقوالِ لا بُدَّ من البحثِ عمّا إذا كان هناك من يعلمُ الغيبَ سوى الله (تعالى)؟ للوقوف على كونِ الاعتقادِ بذلك شركًا أو لا أولًا، ثمَّ البحث في أنه هل إنَّ الأئمة (عليهم السلام) ممن يعلمُون الغيبَ أو لا ثانيًا. أولًا: تحدثت عن العلمِ بالغيبِ صنفانِ من الآياتِ المباركة: صنفٌ حصرته به (سبحانه) منها قوله: "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ"(الأنعام59)، وصنفٌ أخبرتنا عن إظهارِ الله (تعالى) على غيبه سواه، ومنها قوله (تعالى): "تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ"(هود49). فأمّا الصنفُ الأولُ من الآيات فقد حصرَ علمَ الغيبِ بهِ على نحوِ الأصالة والاستقلالِ وبالذات، أي إنّه (تعالى) يعلم الغيب بذاته دونما حاجةٍ إلى غيره أبدًا؛ لأنه واجب الوجود، ومقتضى وجوب وجوده غناه عمّا سواه. على حين أثبت الثاني علم الغيب لغيره (سبحانه) على نحو التبعية له والوحي والتعلّم منه. قال السيد الطباطبائي في ذيل حديثه عن هذين الصنفين من الآيات: فهو (تعالى) يعلم الغيب لذاته، وغيره يعلمه بتعليم من الله"(1). ومن الجدير بالذكر أنَّ نظير تصنيف الآيات في علم الغيب هذا نجده في الروايات إلا أننا أعرضنا عن ذكرها رومًا للاختصار(2)، ولا تعارض بينها هي الأخرى؛ لذات التفسير والبيان. وعليه لا يُعدُّ الاعتقاد بأنَّ سوى الله(تعالى) يعلم الغيب شركًا به (سبحانه). ثانيًا: روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنّي تاركٌ فيكم ما إنّ تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتابُ اللهِ حبلٌ ممدودٌ من السماءِ إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض"(3)، فقد قرن (صلى الله عليه وآله) أهلَ البيت (عليهم السلام) مع القرآنِ الكريم، وقال إنَّهما: "لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض"، وعدمُ الافتراقِ جاءَ مطلقًا، أي لا يمكن أن يفترقا ولو بخصوصيةٍ واحدة فقط، ومن خصوصيات القرآن أنَّ فيه بيان كلّ شيء، قال(تعالى): "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ"(النحل89)، وبناءً على ذلك فإنَّ أهل البيت (عليهم السلام) عندهم تبيانُ كلِّ شيء، وإلا افترقا وقد أخبر(صلى الله عليه وآله) بامتناع ذلك. كما ورد التصريحُ بعلمهم (عليهم السلام) بالغيب في الرواياتِ الشريفة، منها ما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنَّه ردَّ على عمرو بن هذّاب حينما نفى عنه علم الغيب مُتذرّعًا بأنَّ الغيبَ لا يعلمه إلّا اللّه (تعالى): «أو ليس اللّهُ يقول: «عالم الغيب فلا يُظهِر على غيبه أحدًا إلّا من ارتضى من رسول»، فرسولُ اللّهِ عندَ اللّه مرتضى، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه اللّه على ما شاء من غيبه، فعلّمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة»(4) أضف إلى ذلك كثرة الشواهد التي أثبت التاريخ أنَّ الناس قد رأوا تحققها بأمِّ أعينهم بعد إخبار الأئمة(عليهم السلام) عن بعض المُغيبات، ومنها قولُ الإمامِ الحسين (عليه السلام): "كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَكَرْبَلَاءَ فَيَمْلَأَنَّ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وَأَجْرِبَةً سُغْباً"(5) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تفسير الميزان ج ٢٠ص53 (2) حقيقة علم آل محمد(عليهم السلام)وجهاته ج2ص١٣٩ (3) سنن الترمذي ج6ص125 (4) العوالم، الإمام الرضا(ع)،ج1،ص136 (5) الوثائق الرسميّة لثورة الإمام الحسين(عليهم السلام)ج1ص77

العقائد
منذ 3 سنوات
291

النُمرُقةُ الوسطى

بقلم: رضا الله غايتي لم تكنِ السهامُ التي سُدّدتْ إلى جنازته (عليه السلام) هي السهام الأولى، بل سبقتْها سهامُ حقدٍ أيتمتْه، وسهامُ طمعٍ خذلتْه، وسهامُ تجرؤٍ على مقامِه المُنيفِ آلمته(1)، وسهامُ غدرٍ سمّمته. ولم ينفردِ الإمامُ الحسنُ (عليه السلام) من بينِ المعصومين الأربعةَ عشرَ بتجرُّعِ كأسِ الأذى، فقد تجرّعوه هُمُ الآخرون، بدءًا بالرسولِ الأعظمِ (صلى الله عليه وآله) الذي ما أوذيَ نبيٌّ بمثلِ ما أوذيَ، وانتهاءً بالحُجّة (عجّل الله فرجه) الذي من أبرز أسبابِ غيبتِه حفظُه من القتل. ولم يكنِ الأعداءُ هم المُسبِّب الوحيد لهم (عليهم السلام) في الإيذاء، بل كانَ المُفرِطون في حُبِّهم إلى حدَّ الغلوِّ في إيذائهم شركاء. وبذا يُمكِنُ تقسيمُ اعتقاداتِ البشرِ بهم (عليهم السلام) إلى ثلاثةِ أقسامٍ، هي: الأول: التقصير يتدرّجُ من إنكارِ بعضِ المقاماتِ التي خصّ اللهُ (تعالى) بها أهلُ البيت (عليهم السلام) أو كلِّها وصولًا إلى نصبِ العداءِ لهم ومحاربتهم. وأبرزُها: إنكارُ كراماتِهم، إنكارُ عصمتِهم، إنكارُ إمامتهم، مساواتُهم بغيرِهم من المسلمين، تفضيلُ غيرِهم عليهم، نصبُ العداءِ لهم ومحاربتُهم. الثاني: الغُلو يكونُ بتجاوزِ الاعتقادِ بهم (عليهم السلام) من حدِّ العبوديةِ إلى مقامِ الربوبية. قالَ الشيخُ المُفيدُ (قُدِّس سرُّه): "والغُلاةُ من المُتظاهرينَ بالإسلامِ هم الذين نسبوا أميرَ المؤمنين (عليه السلام) والأئمّةَ من ذرّيّته (عليهم السلام) إلى الألوهيةِ والنبوةِ، ووصفوهم من الفضلِ في الدينِ والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحدَّ وخرجوا عن القصدِ"(2) وقد رفضَ الأئمةُ (عليهم السلام) الغلوَّ أشدَّ الرفضِ في الكثيرِ من الرواياتِ منها ما روي عن خالد بن نجيح الجوار قال: دخلتُ على أبي عبد الله (عليه السلام) وعندَه خلقٌ، فقنّعتُ رأسي فجلستُ في ناحيةٍ وقلتُ في نفسي: ويحكم ما أغفلكم عندَ من تكلّمون؟ عندَ ربِّ العالمين! قال: فناداني: ويحكَ يا خالد، إنّي واللهِ عبدٌ مخلوقٌ، لي ربٌّ أعبدُه، إنْ لم أعبدْه واللهِ عذّبَني بالنار. فقلتُ: لا واللهِ، لا أقولُ فيكَ أبدًا إلا قولَك في نفسِك"(3) وقد اتبعتِ الإماميةُ أئمتَها (عليهم السلام) في ذلك، قالَ الشيخُ الصدوق (قُدِّس سرُّه): "اعتقادُنا في الغُلاةِ والمفوّضةِ أنّهم كُفّارٌ باللهِ (جلّ اسمه)، وأنّهم شرٌّ من اليهودِ والنصارى والمجوس، والقدريّة، ..."(4) الثالث: النُمرقة الوسطى روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): "يا معشرَ الشيعة، - شيعة آل محمّد- كونوا النمرقة الوسطى، يرجعُ إليكم الغالي، ويلحقُ بكم التالي"(5). والنمرقة (بضم النون والراء وبكسرهما): هي الوسادةُ، ووصِفَتْ بالوسطى؛ إشارةً إلى المرتبةِ الوسطى بين الإفراطِ والتفريطِ، بين الغلوِّ والتقصير. فهي النهجُ الذي يُنزلُ أهلَ البيتِ (عليهم السلام) في منزلتِهم التي أنزلهم اللهُ فيها، فلا إنكارَ لمقاماتِهم وكراماتِهم مثلما يفعلُ المُقَصِّرة، ولا رفعهم إلى مقامِ الألوهيةِ مثلما يفعلُ الغُلاة. وبهذا يلتزمُ الشيعةُ على مرِّ العصورِ وفي جميعِ أنحاء الأرض، روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لأبي ذر: "اعلمْ يا أبا ذر، أنا عبدُ الله (عز وجل) وخليفتُه على عبادِه، لا تجعلونا أربابًا، وقولوا في فضلِنا ما شئتم، فإنّكم لا تبلغونَ كُنهَ ما فينا ولا نهايتَه، فإنَّ اللهَ (عزَّ وجل) قد أعطانا أكبرَ وأعظمَ مما يصفُه واصفُكم، أو يخطرُ على قلبِ أحدِكم، فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون"(6). وخلاصةُ النُمرُقة الوسطى التي دعونا إليها (عليهم السلام)، أنَّهم لا يملكونَ ما يختصُّ به اللهُ (سبحانه)، لكنّهم من العظمةِ بمكانٍ بحيثُ لا ندركُ حقيقتَهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) روي في (رجال الكشي ج1ص237) عن الإمام الباقر (عليه السلام):«جاء رجلٌ من أصحاب الحسن (عليه السلام) يُقال له: سفيان بن أبي ليلى،....فدخل على الحسن(عليه السلام).... فقال له: السلام عليك يا مُذِل المؤمنين!....» (2) تصحيح الاعتقاد:131 (3) بصائر الدرجات ج1ص262 (4) الاعتقادات في دين الإمامية 97 (5) شرح أصول الكافي، ج ٨، ص241 (6) بحار الأنوار ج 26ص2

اخرى
منذ 3 سنوات
301

انتحـارُ الطلبـة (2) الأسباب والوقايــة

بقلم: رضا الله غايتي ولكنْ رغمَ كُلِّ تلك المُعوّقات التي تحولُ دون نجاح الطالب أو تفوّقه؛ من عباراتِ التهوينِ والتهويلِ التي تتركُ صداها يتردّدُ في ذهنِه ليُكبِّلَ عقلَه عن النهوضِ والنجاحِ والإبداع، ومن المُدرسين الذين استخفوا برسالتهم المُقدّسة، ومن عدمِ أو قلّةِ وعي الأهلِ ودورِهم في التثبيط عوضًا عن التشجيع والتحفيز، ومن رفقةِ السوء، فإنّ هناك نافذة أملٍ كبيرةٍ يُمكِنُ أن تُفتَحَ عبر سُبُلٍ يُمكِنُ من خلالها وقاية الطالب من سلوك سبيل الانتحار، بل وتدفعُ به نحو التفوّق والتميّز، وهي: أولًا: قال (تعالى): "إنَّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بِقومٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم"، فعلى الطالبِ نفسِه أنْ يتحلّى بالشجاعةِ وقوّةِ الإرادةِ؛ ليتلافى ما يُمكنُه تلافيه من المعوّقات التي تقف حائلًا في طريق تحقيق أهدافه: *فيسعى إلى ملئ الجانبِ الروحي من خلالِ المعرفةِ الإلهية عبر مطالعةِ الكتب العقائدية المُيسرة؛ ليُرسِّخ إيمانه بأنّه (سبحانه وتعالى) هو مصدرُ كُلِّ خيرٍ في الوجودِ، فيتجلّى ذلك الإيمان في حُبِّه للعبادةِ والمواظبةِ عليها، وفي سلوكِه، وفي قُربه منه (جلَّ جلاله)، وليُعمِّقَ إيمانه بأنّ الله (تعالى) هو مُسبِّبُ الأسباب، فلا يكتفي بالأسبابِ المادية دونه، فينعكس ذلك في نفسه توكلًا على الله (سبحانه) في كُلِّ شيء، وليتجذّرَ في قلبه أنْ لا يأسَ في الحياةِ مُطلقًا؛ طالما كانتْ أبوابُ الفرجِ بيدِه (تباركَ وتعالى).. ومن ثم لا بُدّ أنْ يفهم فلسفة الحياة، وأنّها دار اختبارٍ وامتحانٍ، فكُلُّ ما يواجهه من صعوباتٍ إنّما هو أمرٌ طبيعي في الحياة، وأنّ العاقبة للمتقين.. *والطالب في هذه المرحلة على أقلِّ التقادير في السابعة أو الثامنة عشرة من عمره، وعلى الأغلب يمتلكُ جهازًا ذكيًا مُزوّدًا بشبكة الانترنت، ويُمكنه حينئذٍ أن يستخدمَه لتذليلِ ما يواجِهُه من مُعوِّقاتٍ، فيُعيد ضبطَ رؤيته عن السادس الإعدادي، ضبطًا معتدلًا بعيدًا عن التهويلات والمُبالغات، وليؤمنَ أنّها مرحلةٌ كسائرِ المراحل، وكما تجاوزَ المراحلَ السابقةَ بنجاحٍ فبإمكانِه تجاوزه بنجاحٍ أيضًا، غايةُ الأمرِ أنّ المُعدّلَ مطلوبٌ فيها، فعليه أنْ يبذلَ جُهدًا مُضاعفًا. وبذا يمحو كُلَّ ما هو مُحبِطٌ ومُثبِّطٌ ويُثبِّت ما هو مُحفِّزٌ ومُشجِّعٌ من جهة؛ وذلك عبر مشاهدته للبرامج التوعوية والفيديوهات التحفيزية، والمُحاضرات التنموية، لتقوى إرادتُه وثقتُه بنفسه، وليزدادَ عزمًا وتصميمًا على النجاحِ والتفوّق، وكُلّما طرقتْ ذهنَه تلكَ الأفكارِ السلبيةِ يستمِعُ إلى ما يبعثُ في نفسِه التفاؤلَ والعزيمةَ والإصرار.. ومن جهةٍ أخرى يُمكِنُه الاستعانةَ بقنواتِ الأساتذة الأكْفاء التعليمية؛ لفهم الدروس التي هو بحاجةٍ إلى فهمها، ويجدُّ ويجتهدُ ويُثابرُ ويبذلُ كُلَّ ما في وسعه، ومن يروم العُلا يستطيعُ ويصلُ إلى مُراده بعونِ اللهِ (تعالى). ثانيًا: للأهل دورٌ مهمٌ في دعمِ الطالبِ ومُساندتِه وبثِّ روحِ الأملِ والتفاؤلِ في نفسِه سواءَ قبلَ الامتحاناتِ أو خلالِها أو بعدَ استلامِ النتائج، كما عليهم أنْ يحرصوا أشدَّ الحرصِ على أنْ ينأوا به عن الأسبابِ الممهِّدة للانتحار، فيُغذّون الجانب الروحي والتوعوي، ويدعمون ثقته بنفسه، ويبثون في نفسه روح التفاؤلِ والأمل، ويستبدلون أسلوب الترهيب بأسلوب الترغيب في حثّه على الدراسة، ويحفظونه من أصدقاءِ السوء، ويوجِّهونه إلى الاستخدام الأسلم لجهاز التلفاز؛ وذلك بترسيخ اعتقاده بالحضور الإلهي في كُلِّ زمانٍ ومكان، ويُقننون استخدامه للأجهزة الذكية ويُكثفون المراقبة لئلا ينجرف إلى مشاهدة ما يحرم من المشاهد أو أن يلعب ما يُشكِّلُ خطرًا عليه من الألعاب، ويبذلون جهدهم في توفير البدائل المناسبة لغرضِ الترفيه.. بالإضافة إلى أنَّ التعامُلَ بحكمةٍ أمرٌ مطلوبٌ جدًا من قبلِ الأهلِ عندَ عدمِ حصولِ الطالب على المعدل الذي كانوا يتوقعونه منه؛ فإنّ التأنيبَ والتقريعَ والمُعاملةَ بقسوةٍ وتذكيرِهِ بالنفقات المالية أو العينية أو الجهود التي بذلوها من أجله كُلُّ ذلك لا يُجدي نفعًا، بل رُبّما يًجرِفُه إلى ما لا تُحمَدُ عُقباه، حيث يزيدُ ألمه ألمًا، ويدفعه إلى التوغُّلِ أكثر في متاهاتِ اليأسِ وظُلماتِه، فيتوجّهُ البعضُ منهم والعياذ بالله للتخلُّص من ذلك الألم بما هو أقسى وهو إيذاء نفسه أو ربما الانتحار متوهمًّا أنّه بذلك سينجو من الألم، وإذا به يتردّى في هاويةِ العذابِ الأبدي. قال (تعالى): ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴾1، وقال (عزَّ من قائل): ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾2، كما روى الكُليني عن أبي ولّاد، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: مَن قتل نفسه متعمداً، فهو في نار جهنم خالداً فيها...»3، وروى أيضًا بإسناده عن ناجية: «قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ المؤمنَ يُبتلى بكُلِّ بليّةٍ، ويموتُ بكُلِّ ميتةٍ، إلَّا أنّه لا يقتُلُ نفسه»4 ولأنَّ معظم الذين تُراوِدُهم الأفكارُ الانتحارية هم لا يرغبون بالموتِ في الحقيقة، وإنّما يتوهمون أنّه خيارهم الوحيد للخلاص مما يعانونه من ألمٍ وإحباطٍ وعذاب؛ لذا فمن الممكن مساعدتهم قبل إقدامهم على ذلك؛ لاسيما أنَّ الإقدام على الانتحار لا يحدثُ فجأةً ومن دون علاماتٍ تسبقه وأمارات تُشير إلى قُرب وقوعه، فعلى الأهل تقع مسؤوليةُ متابعة سلوك أبنائهم متابعةً دقيقةً، ورصد بعض العلامات التي تُنذرُ بالخطر، أهمها: 1- الحديث عن فكرة الانتحار وكراهية الاستمرار في الحياة، وإن كان مُزاحًا، وإنْ لم يتم الحديث عن ذلك حرفيًا، فيجب أن يُحمل على محمل الجد.. 2- أذية النفسِ لا سيّما عندَ المُراهقين والشباب؛ فهم قد يؤذون أنفسَهم في مُحاولةٍ منهم للحصول على الرعاية والاهتمام، ولكن في مرحلةٍ لاحقةٍ قد يُقدِمون على الانتحار. 3- الانعزال والابتعادُ عن العائلةِ والأصدقاء؛ فالانسحابُ عن المُجتمعِ في حَدِّ ذاتِه يُعرِّضُ المُنسحبَ للعديدِ من الأمراضِ النفسية أو يُساهِمُ في تفاقُمِها؛ لفقدانِ الدعمِ الاجتماعي لاسيّما إنْ كانَ كبيرًا. 4-عدمُ الابتهاجِ بما كانَ يُثيرُ عندَه البهجة، كما لو كانَ يبتهجُ عندَ تناولِ أكلةٍ ما أو عندَ مُمارسةِ هوايةٍ ما ثمّ لم يُشكِّلُ ذلكَ له أمرًا مُبهِجًا. 5- التغييرُ الواضحُ في الروتينِ اليومي، كما لو كانَ ينامُ لأوقاتٍ قصيرة، وفجأةً ينامُ لساعاتٍ طويلة أو العكس. 6-عدمُ الاهتمامِ بالأناقةِ والنظافةِ الشخصية كما كان في السابق. 6- الشعورُ باليأس، لذا فمن الضروري جدًا أنْ يطلُبَ الأهلُ منه التحدُّثَ عن مشاعرِه والاستماعِ إليه. 7- التخلّي عن مُمتلكاته الثمينة دونَ أي تفسيرٍ منطقي.. فإنْ لاحظ الأهل ظهورَ أيّةِ علامةٍ من هذه العلامات على الابن أو الابنة فلابُدّ من التحدّث إليهما مُباشرةً وتقديم الحُبِّ والاهتمام، ومدّهما بالأمل، وإحياءِ روح التفاؤل فيهما، ووعدهما بالدعم والمساندة مهما كلّف الأمر، فإنْ حاولَ الأهلُ التدخلَ الإيجابي ورغم ذلك لم يستجِبِ الابنُ أو الابنةُ فلابُدّ حينئذٍ من المُبادرةِ إلى طلبِ المُساعدةِ من مُعالجٍ نفسي.. ثالثًا: للصديق المُقرّبِ دورٌ كبيرٌ في اجتثاثِ التفكيرِ السلبي من ذهن صديقه، وتبديدِ سُحُبِ اليأسِ التي تُخيّمُ على قلبه وتحجبُ عنه أشعة الأمل، سواء كان ذلك قبل الامتحانات أو أثناءها أو بعد استلامِ النتائجِ لا سيّما إنْ كان مؤمنًا واعيًا مُحبًّا لصديقه بصدقٍ ومهتمًا بمصلحته.. رابعًا: على المُدرِّس مسؤوليةٌ مهمةٌ جدًا، فعليه أنْ يكونَ على قدرِ هذه المسؤولية، ويؤدّي رسالتَه بإخلاصٍ، ناظرًا إلى الطلبة على أنّهم أبناءٌ له، يغرسُ الأملَ والعزم والإصرار في نفوسِهم ويُبعد عنهم شبح اليأس والقلق والإحباط والتردد، فإنْ لاحظ على أحدِهم سلوكًا يُنذِرُ بالخطر فلا بُدّ من الإسراعِ في إحالته إلى المُرشدين التربويين؛ لوأدِ أسبابِ الانتحار في مهدِها قبلَ أنْ تتفاقمَ وتتجذّرَ في نفسِ الطالب.. رابعًا: ولأنَّ مسألة انتحار الطلبة من المسائل التي تمسُّ الأمنَ المُجتمعي وتؤثرُ فيه أيّما تأثير، فلابُدَّ من تظافر جهود المؤسسات الدينية والحكومية والمُجتمعية والإعلامية لمواجهتها بشتّى الطُرُقِ والأساليبِ الناجعة.. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء 29و30 (2) الإسراء 33 (3) الكافي ج7، ص45 (4) المصدر السابق ج2، ص254

ظواهر اجتماعية غير منضبطة
منذ 3 سنوات
258

انتحـارُ الطلبـة الأسباب والوقايــة (1)

بقلم: رضا الله غايتي طلبةٌ بعمر الزهور، يتفجّرون طاقةً وحيويةً ونشاطًا، يعيشون آمالًا وأحلامًا بالغد الأفضل، عليهم الأمم والشعوب تعقد آمالها، ولا غرو في ذلك فهم قادة المستقبل وبُناته.. وإذا ببعضهم –وهم القلة القليلة- يعيش قمة اليأس من الحياة، فيتنازل عن حقه فيها، مُقدِمًا على شرابٍ دسَّ فيه السم، أو أنه يرمي بنفسه من شاهق، أو لافًا حبلَ المشنقة حولَ رقبته! مُعلنًا عن موتِ الأمل في نفسِه الذي دفعَه إلى فقدانِ الأملِ في الحياة كُلِّها.. هي لحظةٌ أو ربما لحظاتٌ قليلةٌ لا تُزهَقُ فيها روحٌ وحسب، بل هي تُثكل أمّاً وأباً وتُقطِّع نياط قلبِ أخٍ وأختٍ، وتُدخلُ الرعبَ على قلبِ طفلٍ وطفلةٍ، بل وربما تُجَرِّأُ بعض اليائسين لسلوكِ نفس السبيل، والحكم على نفسهم بذات المصير، فتتسعَ بذلك رقعة المُنتحرين شيئًا فشيئًا مُحدِثةً هزّةً في المُجتمعِ بأسره، مُخلخِلةً أمنه وطمأنينته.. فما الأسباب التي تدعو إلى ذلك يا تُرى؟ وكيف تُمكِنُنا وقاية أبنائنا من ذلك؟ بلا شكَّ أنَّ السببَ الأولَ والرئيسي هو الخواءُ الروحي، وضعفُ الوازعِ الديني، فعلى الرغمِ من بلوغِ الطلبةِ سنِّ التكليف لسنواتٍ عديدة، إلا أنَّ الكثيرَ منهم لم يوثِّقْ صلتَه بربِّ العالمين كما يجب؛ لأنّه لم يعرفْه كما ينبغي، ولذا لم يتيقنْ أنّه (سبحانه) هو مصدرُ كُلِّ خيرٍ في الحياة؛ لذا تجدُ بعضَهم ولشديدِ الأسف يتركُ حتى صلاته في فترةِ الامتحانات؛ لاعتقادِه أنّها تشغله عن الدراسة لبعض الوقت! فيتوسّلُ لبلوغِ النجاحِ والتفوّقِ بالأسبابِ المادية تاركًا مُسبِّب الأسباب! رغمَ أنّ الصلةَ به (جلَّ وعلا) هي التي تُضفي البركةَ على كُلِّ شيء.. كما لم يتيقنِ البعضُ منهم بمفهومِ سعةِ رحمتِه (سُبحانَه)، وأنْ لا يأسَ في مَحضرِه، وهو الحاضرُ منذُ الأزل، فلا يأسَ البتّة مهما صَعُبتِ الحياةُ وتكاثفتِ الهمومُ والأحزانُ، بل كُلُّ ذلك خيرُ دافعٍ للجوء إليه (جلّ جلاله) بصدقٍ؛ للفوزِ بالسكينةِ والطُمأنينةِ، ثمَّ النجاح والفلاح الذي لا يتحقَّقُ من دونِ الالتجاءِ إلى حولِه وقوتِه.. ورُبما أخيرًا عدم الإيمان بالقضاءِ والقدر هو الآخرُ له دورٌ كبيرٌ؛ وإلا فإن الاعتقادُ بأنَّ على العبدِ بذلَ غايةِ مجهودِه، فإنْ لم يتحقّقْ مُراده، فإنّ الخيرَ فيما اختارَه اللهُ (تعالى) بلا شك، وإنْ لم يبدُ له ذلك ظاهرًا، ومن يدري رُبّما هذا الطالبُ اليائسُ نفسُه لو اطلع على الغيب ورأى نتائج حصولِه على المعدلِ العالي لرُبّما رأى أنّها تقودُه إلى ما لا تُحمَدُ عُقباه.. هذا الاعتقاد له أثر مهم في تربية النفس وتصبيرها على ما يجري عليها من محن وآلام. وأما ثاني الأسبابِ فهو الوعي المُتدني للطالبِ نفسِه، وضعفُ الثقةِ بالنفس، فإنْ هو أدركَ أنْ لا صعبَ يبقى صعبًا بعد الجدِّ والاجتهاد، وأنَّ الآمالَ مهما كانتْ كبيرةً فإنَّ العزمَ والإصرارَ بعدَ التوكُلِّ على اللهِ (تعالى) كفيلانِ في الوصول إليها، فإنْ أخفقَ فإنَّ الفشلَ طريقٌ آخر للنجاح، ولا بأس بتكرار المحاولة، حينها لن يفكر في الانتحار أصلاً. كما أنَّ الثقةَ العاليةَ بالنفس تُشكِّل سدًا منيعًا أمامَ ما يسمعُه من تهويلاتٍ ومن وصفٍ مُبالغٍ فيه في وصفِ صعوبةِ الموادِ الدراسية، فيقفُ أمامَها بكُلِّ ثباتٍ مُستحضرًا في ذهنِه كُلَّ من عبروا هذه المرحلةِ بنجاحٍ باهرٍ وبمعدلٍ عالٍ، قائلًا في نفسه: لستُ أدنى منهم، فكما استطاعوا سأستطيعُ بعونِ اللهِ (تعالى).. وأما السببُ الثالثُ، فهو سوءُ الحالةِ النفسية، ففي الكثير من الأحيان ما إن ينجح الطالبُ من الصفِ الخامسِ الإعدادي حتى يبدأ قلبُه ينبضُ قلقًا، وتُصدِّعُ رأسَه عباراتٌ يسمعُها من هُنا وهُناك، ورُبما ممن لم يدرسِ السادس حتى! وإن كان الغالب فيها أنها تكونُ بحُسنِ نيةٍ وبدافعِ الحرصِ والاهتمام. وما إنْ يتصفّح وسائلَ التواصلِ الاجتماعي، حتى يجدُ البُكاءَ والتباكي من قِبَلِ طلبةِ السادس الإعدادي، ومن قِبَلِ الأهالي أيضًا، يتأمّلُ الصورَ التي تُنشَر بهذه المناسبة، صورةٌ لهيكلٍ عظمي يحبو، يُهنئه أهلُه وأصدقاؤه لعبورِه هذه المرحلةِ وهو على قيدِ الحياة، وصورةٌ لطالبٍ يهربُ من كتبِ السادس الإعدادي إلى حبلِ المشنقة، وصورةٌ وصورةٌ، وهي وإنْ كانت صورًا ربما أغلبها كاريكاتورية إلا أنّها تتضمن رسالة خطيرة جدًا، هدفها غرس القلق والهلع والكره والنفور من هذه المرحلة.. أضِفْ إلى ذلك دورَ الأهلِ السلبي سببًا رابعًا، فهم –بعضهم على الأقل- يُثيرون في قلبِ الطالبِ العديدَ من المخاوفِ وهم يحسبونَ أنّهم بذلك يدفعونه إلى الاهتمامِ بالدراسة، فيُصوِّرون له مُستقبلًا مُظلمًا إنْ هو لم يحصلْ على المُعدّلِ العالي، فلا عملَ ولا تقديرَ مُجتمعياً، ولا زواجَ ناجحاً، ولا بيتَ، ولا استقرارَ، ولا ولا، بل البعضُ يُطلِقُ تهديداتِه منذُ بدايةِ السنةِ الدراسية أنْ يا فُلان إما أنْ تحصلَ على المُعدّلِ الذي يؤهِلُكَ للالتحاقِ بالكُلية الفُلانية أو أنْ تتركَ الدراسةَ وتعمل معي أو مع عمِّك أو غيره، وما ذلك العملُ سوى تصليحِ السيارات أو ما شابه مع احترامِنا الكامل لجميعِ المِهَنِ الشريفة، أو إنْ لم تحصلْ على المُعدّلِ الذي يُرضيني فسأحوِّلُ حياتك إلى جحيم..! وأما المقارنةُ فحدِّثْ ولا حرج، فبعضُ الأهالي لا يحلو لهم الحديثُ مع أبنائهم وحثّهم على الدراسةِ إلا بتطعيمِها بالمُقارنةِ إمّا بصديقِه أو بابنِ عمِّه أو ابنِ خالِه وسواهم، ومن المعلومِ أنَّ المُقارنةَ مِعولٌ يهدمُ الثقةَ بالنفس، ويُزعزِعُ الشعورَ برضا الوالدين عنه.. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ تذكيرَه الدائمَ بما أنفقَه الأهلُ عليه من نفقاتٍ ماليةٍ وما هيأوه إليه من أجواءٍ دراسيةٍ والتي تصِلُ أحيانًا إلى أنْ يصطبغَ بصِبغةِ التعيير، مما يخلقُ عندَه عقدةَ الشعورِ بالذنبِ وتأنيبِ الضمير، ما إنْ يُخفق في امتحانٍ من الامتحانات، حتى تجلدَه بسياطِ اللومِ والتقريع.. فإنْ كان هذا الطالبُ أحدَ طلبةِ مُدرِّسٍ لا همَّ له سوى الراتب وممّن على تلك الشاكلة ليسوا بقليلين هُمُ اليومَ مع الأسفِ الشديد -مع كُلِّ إجلالِنا واحترامِنا إلى من لا زالَ يؤدي رسالتَه في التربيةِ قبلَ التعليم ويُدرِّسُ بكُلِّ جدٍ وإخلاص-، ومنهم من يُداوم دوامين ناسيًا أو مُتناسيًا أنَّه لو قصَّرَ في تدريسه في المدرسة الحكومية كان في راتبه إشكالٌ فقهي؛ لعدمِ تأديتِه ما عليه من واجبٍ على الوجهِ المطلوب، فكيف والبعضُ يتعمَّدُ عدمَ بذلِ جُهدِه في المدرسةِ الحكومية لادخاره للتدريس في المدرسة الأهلية أو الدروس الخصوصية وما إلى ذلك... فحينئذٍ يشرحُ المادةَ كيفما اتفق، ويتعاملُ مع الطلبة بصورة عشوائية ومُحبطة، ومن البديهي أنَّ الطالبَ إذا تُرِكَ وطبعه فإنّه يُحِبُّ المادةَ الدراسيةَ لحُبِّه لأستاذه، أو يكرهها لكُرهه إيّاه؛ مما يُزيدُ ذلك الطينَ بلةً.. فهذا هو السبب الخامس. وأما السبب السادس، فصاحب السوء الذي يُبعِدُه عن محالِ رحمةِ الرحمن ويُزين له سُبُلَ الفسوقِ والشيطان، ويُنسيه العبادةَ ويُشجِّعه على اللهوِ والعصيان، فحتى وإنْ لم يشغلْه عن الدرسِ والمذاكرة فإنّه لرُبَما يحجبُه عن التوفيقِ الإلهي واللطفِ الربّاني، وهل من خيرٍ في الوجودِ أجمعه إلا وهو (سُبحانه) له المنبعُ والمصدر؟! وقد أخّرتُ السبب السابع رغم أهميتِه؛ لأنّه قد يعملُ عملَ أكثر من سببٍ من الأسبابِ المتقدمة إنْ هو أُسيءَ استخدامُه، وهو جهاز التلفاز والجهاز الذكي، وما يحملانه من موادٍ إعلاميةٍ تُسمِّمُ فكرَ المراهقين والشباب، فتشغلُ وقتهم، وتجرُّ ضعيفي الإيمان منهم إلى معصيةِ الرحمن، كما توفِّرُ مناخًا مناسبًا للالتقاء برفقةِ السوء الذين يُهمِّشون الدينَ والقيمَ الأخلاقية، ويُفرِدونَ الاهتمامَ بالأمورِ الماديّة، فيكونُ الطالبُ حينئذٍ تربةً خصبةً لنموِ السُبُلِ الهدّامةِ كالإدمان، والانتحار.. ولا ننسى التأثير البالغ السلبية للألعاب الإلكترونية على فئة المراهقين والشباب؛ فهي تُسبِّبُ تشتت الانتباه وضعف التركيز والذاكرة، كما أنّ هَوَسَ الشباب بها قد يدفع بهم إلى السهر مما يؤثر سلبًا على المستوى الدراسي، فضلًا عن أنّها تُسبِّبُ اضطراباتٍ وأمراضٍ نفسيةٍ قد تصل إلى القلق والاكتئاب ثمَّ الاكتئاب الشديد، ومن المعلومِ أنّ الاكتئابَ الشديدَ أحدُ أهمِّ أسبابِ الانتحار.. فإنْ تجمّعت تلك الأسباب أمست وحشًا كبيرًا مُركّبًا من القلق والهلع والتشاؤم وضعف الثقة بالنفس، يدقُّ جرسَ الإنذارِ في نفسِ ذلك الطالب: أنْ يا أعضاءَ هذا الكائنِ المسكين إنّكم مُقبلون على خَطبٍ عظيم، فليدخلْ كُلٌّ منكم حالةَ الإنذار القصوى، فتبدأ رحلةُ الهَلَعِ والقلقِ، ورُبّما بدأتْ قبل ذلك عندَ البعض، بل منهم ممن رأيتُ عِظَمَ الخوفِ في عينيه، وسمعتُه يردِّدُ: يا ويلي من السادس الإعدادي وهو لم يزل في المرحلة الابتدائية بعدُ! يتسع إن شاء الله تعالى.

ظواهر اجتماعية غير منضبطة
منذ 3 سنوات
198

الصادقُ الأمين (صلى الله عليه وآله) بينَ المدرستين

بقلم: رضا الله غايتي كثيرةٌ هي الشبهاتُ التي أثارَها أعداءُ الإسلامِ حولَ شخصيةِ خاتمِ الرُسُلِ (صلى الله عليه وآله)، حتى صاروا يبثّونها في عقولِ المُسلمين، مما أدّى–مع بالغِ الأسفِ-إلى زعزعةِ عقيدةِ بعضِ المُسلمين وإنْ كانوا قِلّةً قليلة. ومهما تكنْ تلكَ الشُبُهاتُ يُمكِنُ دفعها وبكُلِّ يُسرٍ بسِمةٍ واحدةٍ من سِماتِه وهو كونُه (صلى الله عليه وآله) معصومًا. بيدَ أنَّ ما يحزُّ في النفسِ عدم اتفاقِ كلمةِ المُسلمين عليها رغمَ وضوحِها لكُلِّ ذي بصيرة، ودلالةِ العقلِ عليها قبلَ النقل. لذا كانَ من الأهميةِ بمكانٍ التأكيدُ على هذه السمةِ بحدودِها الصحيحة وترسيخها في أذهانِ الناشئةِ لتُشكِّلَ لديهم قاعدةً عقديةً قويةً لا تخترقُها الشُبُهات. اتفقتْ كلمةُ المُسلمين على عصمته (صلى الله عليه وآله) في التبليغِ لقوله (تعالى): "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى"1، بيدَ أنَّهم اختلفوا في سائرِ أفعالِه وأقوالِه (صلى الله عليه وآله)، وفي عصمتِه من السهوِ والنسيان، فقالتِ الإماميةُ بعصمتِه المُطلقة عقلًا ونقلًا في جميعِ أقوالِه وأفعالِه ومن السهوِ والنسيانِ أيضًا. فأما عقلًا؛ فلأنَّ الغايةَ من إرسالِ الأنبياءِ هي تصديقُ البشرِ إيّاهم ثم اتباعهم، وفرضُ اتباعِ من يعصي الله (تعالى) تغريرٌ للتابعين بالمعصية، ومن الظُلمِ عقابهم بعد ذلك، وتعالى الله (سبحانه) عن ذلك علوًا كبيرًا، وأما نقلًا فللآيةِ المُتقدِّمة وغيرها... أمّا العامةُ فقد حصروا عصمتَه بالتبليغ فقط، لما ذهبوا إليه من أنَّ للرسولِ الأعظمِ (صلى الله عليه وآله) جانبين: جانباً نبوياً، وآخر بشرياً، فأمّا الأولُ فهو معصومٌ فيه عن الخطأ بلا شكٍ ولاريب، وأما الجانب البشري فقالوا هو فيه كالبشر: يُحِبُّ ويكره، ويرضى ويغضب، ويأكلُ ويشرب، ويُصيبُ ويُخطِئ، وينسى ويسهو… ، مع ما ميَّزه اللهُ (تعالى) به في هذا الجانب ببعضِ المُميّزات؛ كسلامةِ الصدرِ، وعدمِ نومِ القلب، وغيرها. وقالوا إنَّ هذا الجانبَ هو السببُ في صدورِ بعضِ الأخطاءِ منه (صلى الله عليه وآله). وهو قولٌ مُتناقضٌ إلى حدٍ كبير يخرجُ من دائرةِ العقلِ والمنطق، إذ كيف للمُسلمين أنْ يُفرِّقوا بين أقواله وأفعاله في جانبه النبوي وبينها في جانبه البشري؟! ومن عجيبِ أمرِهم تهاونُهم في مسألةِ عصمته (صلى الله عليه وآله)، بل ونهيهم عن التوغُلِ فيها رغمَ عظيمِ أثرِها على الدينِ الإسلامي برمتِه؛ إذْ إنَّ الرسولَ (صلى الله عليه وآله) ذاتَه الذي يرونه تارةً معصومًا وأخرى ليس بمعصومٍ إنَّما هو نفسُه الطريقُ الوحيدُ لوصولِ القرآنِ الكريم إلينا، فلئن لم يكنْ معصومًا في جميعِ أقوالِه وأفعالِه فهو ليس بمعصومٍ أيضًا في تبليغه للقرآن الكريم، وهذا يعودُ على أصلِ القرآنِ الكريم والسُنّةِ المُطهّرة بالبُطلان، ومن ثم يبطلُ الإسلامَ من رأس. وهو قولٌ بعيدٌ غاية البُعدِ عن الصواب؛ لمُخالفتِه للعقلِ والنقلِ معًا، فأمّا العقلُ؛ فلأنَّه يعني اجتماعَ العصمةِ وعدمِها فيه، والعقلُ يقضي باستحالةِ اجتماعِ النقيضين، وأمّا النقلُ فللكثير من أقواله (تعالى) منها المتقدِّم. وعليه، لَزِمَ على من يقولُ بعصمتِه في التبليغ القولُ بعصمتِه في جميعِ أقوالِه وأفعالِه، والتسليمُ بذلك كُلّه، وعدمُ المُجادلةِ والاعتذارِ عن قبولِها بحُججٍ أو فلسفاتٍ واهية؛ لأنَّ رفضَ بعضِ أقوالِ وأفعالِ المعصومِ عن الخطأ والوهمِ في التبليغِ بحُجّةِ صدورِها من جانبِه البشري إنّما هو نقضٌ لعصمتِه في التبليغ، وانتقاصٌ لها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)النجم 3و4

العقائد
منذ 3 سنوات
313