بقلم: دعاء الربيعي سبب الحث على نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) هناك الكثير من العوامل والأسباب التي تقف وراء نصرة سيد الشهداء، واهمها هي الأحاديث والروايات المباركة الدالة على ضرورة نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) واهميتها. (فعن انس بن الحرث قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول: إن ابني هذا – يعني: الحسين _ يقتل بأرض يقال لها كربلاء . فمن شهد ذلك منكم فلينصره ) (1) إنّ الموالي المؤمن الصادق هو من بادر إلى نصرة نبيه وأئمته (صلوات الله عليهم)، ولا سيما نصرة الإمام الحسين المظلوم (عليه السلام)، فنصرة أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) لا تقتصر على الجهاد معه بالسيف في ساحة الغاضرية، بل تصدق نصرته في كل الأزمنة إلى يوم القيامة، وهي تكليف يقع على عواتق المؤمنين الموالين الذين امتن عليهم الحسين (عليه السلام) بحفظ الإسلام بدمه ومهجته وأرواح أحبته، فيجب على كل غيور ومؤمن أن ينصر سيد الشهداء باليد إن تعين ذلك، أو باللسان والقلب والقلم، وإقامة الشعائر والمراسم الحسينية حيثما يستطيع ويتسنى له، بأي صورة إسلامية ممكنة. ولنصرة الإمام (عليه السلام) الكثير من الطرق التي لا يمكن الوقوف عليها بشكل مفصل وسنذكر ان شاء الله تعالى جملة من الأعمال والأمور التي تساهم وتساعد النسوة المؤمنات على نصرة الحق واعلاء كلمة لا اله الا الله التي خرج الحسين (عليه السلام) من أجل احيائها، ومنها: 1/ تعظيم الشعائر: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) (2) في هذه الآية المباركة إشارة واضحة إلى ضرورة احياء وتعظيم شعائر الله (عز وجل)، وبما أن الإمام الحسين (عليه السلام) هو خليفة الله تعالى على أرضه وحجته على عباده، فشعائره هي امتداد لشعائر الله (عز وجل) لأن رسالة الحسين (عليه السلام) هي رسالة السماء وتعظيم شعائره تكون بإحياء ذكره وبث رسالته إلى العالم اجمع ونشر ثقافة السواد وظاهرة الحزن والمداومة على زيارته وإقامة مجالس العزاء لذكره كما أوصى بذلك أهل البيت بروايات متواترة وعدم ترك هذا الحق أبدًا. 2/ لعن قاتليه: وهذا ما ورد في زيارة عاشوراء (فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها ولعن الله أمة قتلتكم ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم ... اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمد وال محمد وآخر تابع لهم على ذلك) (3) 3/ زيارة الأربعين: تعتبر زيارة الأربعين من الزيارات الكريمة والمسيرات العظيمة التي تساهم وبشكل فعّال في نصرة الإمام الحسين وديمومة قضيته وقال كتب فيها الكثير الكثير من الموالين والمحبين ومنهم حسن علي الجوادي حيث قال (ان هذا التجمع العظيم لم يكن لأجل نزهة أو رحلة استطلاعية أو زيارة مكان آثار وإنما هي رحلة ومسيرة تختلف عن كل رحلة ومسيرة في الحياة وهذا ما يجعلها تتميز وتتصدر كل المسيرات البشرية فهذا الزحف الرهيب والعجيب يأتي من الأماكن البعيدة والشاسعة فيقطع الملبون لنداء العز والبطولة مئات الكيلو مترات لأحياء هذه النهضة الخالدة متحملين درجات الحرارة الشديدة أو البرد القارص من دون أن يدفعهم أي أحد وما كان ذلك إلّا ليتزودوا رحيق التقوى والإيمان) (4) ولأن المرأة هي المكمل للمجتمع ولها دور أساسي في نهضة المجتمع ورقيه فإن آل البيت (عليهم السلام) حرصوا على ضرورة مشاركة المرأة في الشعائر الحسينية ووقوفها جنبا إلى جنب مع الرجل فقد ورد في الخبر عن ام سعيد الاحمسية قالت حدثني الإمام أبو عبد الله عليه السلام وقال لي (يا أم سعيد تزورين قبر الحسين ؟ قلت : نعم . فقال لي : يا أم سعيد زوريه فأن زيارة الحسين واجبة على الرجال والنساء) (5). 4/ البكاء عليه وندبته: من أوجه نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) هو البكاء الواعي عليه فيمكننا أن ننصر الإمام روحي فداه بندبه وتذكر ما جرى على عليه وعلى آل بيته في أرض كربلاء وقد ورد في كثير من احاديث الأئمة أهمية وثواب البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: (اللهم ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وأرحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللهم أني استودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس حتى ترويهم على الحوض يوم العطش) (6) وهناك الكثير ممن نصر الإمام الحسين (عليه السلام) بالصرخة والعبرة ومنهم السيدة أم سلمة إحدى زوجات الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) فقد ذكر لنا التاريخ ما نصه (كان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله كان دفع اليها قارورة فيها تربة وقال لها: إن جبريل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين، فقالت: وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دما عبيطا فاعلمي أن الحسين قد قتل ...فلما رأتها قد صارت دما صاحت : واحسينا هوا ابن رسول الله ، وتصارخت النساء من كل ناحية حتى ارتفعت المدينة بالرجة وخرجت بنت عقيل في جماعة من نساء قومها حتى انتهت إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله، فلاذت به وشهقت عنده ثم التفتت إلى المهاجرين والانصار وأنشدت: ماذا تقولون إن قال النبي لكم يوم الحساب وصدق القول مسموع خذلتموه عترتي أو كنتم غيبا والحق عند ولي الأمر مجموع أسلمتموه بأيدي الظالمين فما منكم له اليوم عند الله مشفوع ما كان عند غداة الطف إذ حضروا تلك المنايا ولاعنهن مدفوع فأبكت من حضر . ولم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم ) (7). ______________________ 1/ فاجعة الطف لسيد محمد الطباطبائي الحكيم / ص 25 2/ الحج / 32 3/ مفاتيح الجنان / زيارة عاشوراء ص 488 4/ بين المسيرة والنهضة لحسن جوادي / ص 36 5/ القدة وثورة الحسين / ص 165 6/ كامل الزيارات ل لأبي القاسم جعفر ابن قولويه القمي / ص126 7/ فاجعة الطف / ص103- 104
اخرىبقلم: دعاء الربيعي نصرة الحسين هي امتداد لنصرة صاحب الزمان مما لاشك فيه أنّ هناك صلة وارتباطًا وثيقًا يربط الحركة المهدوية بالنهضة الحسينية فكلاهما يدعوا إلى نصرة الحق واعلاء كلمته وكلا الثورتين يقودهما ويشرف عليهما إمام معصوم مفترض الطاعة وقد وردت الكثير من النصوص التي تدل على هذا الارتباط المبارك بين الإمامين المعصومين وثوراتهما المباركة ومنها ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (لما قتل جدي الحسين صلى الله عليه ضجت الملائكة إلى الله عز وجل بالبكاء والنحيب وقالوا : إلهنا وسيدنا ، اتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك ، فأوحى الله عز وجل إليهم : قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين ز ثم كشف الله عز وجل عن الائمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة فسرت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلي فقال الله عز وجل بذلك القائم انتقم منهم) (1) يتضح من هذا الحديث المبارك ان ثورة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) هي امتداد لنهضة الإمام الحسين فهما جولتان في حرب تاريخية واحدة بين جهة الحق وجهة الباطل، كانت واقعة الطف جولة دامية انتصر فيها الباطل ظاهريًا، أما ثورة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فستكون الجولة الحاسمة التي ينتصر فيها صوت الحق على صوت الباطل، ويُطبّق العدل الإلهي في أرجاء العالم، وتتحقق السعادة المنشودة في مسيرة التكامل البشري، إن الإمام الحسين (عليه السلام) قاتل وضحى بنفسه وبأهل بيته من أجل إرساء رسالة السماء وبثورته المباركة أدى دوره المرسوم ووقف في وجه الانحراف الفكري والعقائدي الذي تمثل بالحكومة الأموية الجائرة، وكشف الإمام بثورته زيف وانحراف الخط الأموي عن الخط المحمدي الأصيل، فكانت نهضته المباركة بمثابة هزة قوية أيقظت المسلمين من غفوتهم وسباتهم الذي عاشوه في ظل الحكومة الأموية الجائرة، وأرشدهم الإمام الحسين (عليه السلام) بثورته إلى صوابهم، وبيّن لهم انحراف الخط الذي يسلكونه مع حكامهم، وكانت لهذه الثورة الجليلة آثار ونتائج تصب في ثورة الإمام المهدي (عليه السلام) لتكون من المقدمات التي تمهد لهذه الثورة العالمية، ومن أهم هذه الآثار هي رفض الظلم ونصرة المظلوم والوقوف بوجه الظالمين الطغاة وتغيير الواقع المأساوي الذي تعيشه الأمة، وبما أن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هي امتداد لثورة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فنصرة الحسين (عليه السلام) هي نصرة للإمام المهدي ونصرة المهدي هي نصرة للإمام الحسين (عليهم السلام). فإذا كنتم تريدون أن تكونوا من أنصار الإمام الحجة (عليه السلام) عليكم بنصرة الإمام الحسين (عليه السلام). ويبقى السؤال: كيف ننصر الإمام الحجة كي نكون قد نصرنا الإمام الحسين (عليه السلام). إنّ السبيل إلى نصرة إمام زماننا هو نشر مذهب آل البيت (عليهم السلام) من خلال إيضاح منهجهم وبيان دينهم واحياء أمرهم ودفع شبهات المشككين بهم ويمكن تأدية كل ذلك من خلال النشر الواعي الهادف فعلينا أن نواجه المشككين بالكلمة والموقف دون خوف أو وجل فالكلمة هي الأساس والسلاح في أي موقف، فكل فرد منا يمكنه أن يؤدي دورًا ما في ضمن حدود إمكانياتها الثقافية والفكرية والعلمية فيمارس دور النصرة مستندةً وسائرةً على خطى الإمام الحسين (عليها السلام) فيساعد بذلك على نصرة الدين وحمايته من كل ما يتربص به فيتحتم علينا أن نكون يقضين وأعيننا مفتوحة وأقلامنا متهيئة لصد كل الهجمات التي تتعرض لها القضية المهدوية فهناك الكثير من وسائل الأعلام المعادية تتحين الفرص لتوقع بنا ، ويجب علينا أن نعرف كيف نستخدم الكلمة التي تساعد في نصرة مولانا وتعجيل فرجه. ____________________ 1/ ميزان الحكمة لمحمد الري شهري /ج1 ص178
اخرىبقلم: دعاء الربيعي أتنسمُ عبيرَ عشقه … أستشعرُ ألطافه الخفيّة تحفُّ بي وتغمرني، تنسجُ لي معطفًا من الأمن والاطمئنان.. لمساتُه الأبوية الحانية جمّة، منها ما يجلو الحزن ويُزيل جبال الهموم المُتراكمة… ومنها ما يسرُّ الخاطر ويُنعشُ الروح… لم أرسمْ يومًا في مُخيّلتي صورةً له! ولم أفكرْ كيف هي تقاسيم وجهه؛ لأنني لم أرَ له شبيهًا ولا أرغبُ عنه إلى بديل .. كلما لدغتني الحياة بطرفِ لسانها هِمتُ لجناب قدسهِ ورِحتُ أستنشقُ عبيرَ محبتهِ وأطوفُ حول حضرته؛ لأطهرَ روحي وأنقّي نفسي وأطرح عن بدني ما لوّثه ونغَّص عيشه.. نعم، فهو بلسمٌ للجراح وخليلٌ للنفس… تتهافتُ أسماعي لذكره .. وتتطايرُ فراشات الأمل من حولي عندما تهبُّ نسائم عطفه .. أجملُ مكانٍ في الدنيا مثواهُ، أحلى شيءٍ ذكراه .. كيف لا، وهو أمانُ الخائفين، وأمير الثائرين، وملاذ الحائرين سيدي الحسين…
اخرىبقلم: دعاء الربيعي قد يتساءل البعض: أيُّهما أكثر تأثيرًا في إقناع الفتاة المراهقة: الأم أم الأخت الكبرى؟ وللإجابة عن هذا التساؤل لابد من الحديث عن موضوع إقناع الفتاة في فترة المراهقة؛ إذ يُعدُّ هذا الأمر من المواضيع البالغة الأهمية؛ لأننا ندرك مدى صعوبة هذه الفترة في حياة الفرد، ومدى أهمية إقناعه بترك فعلٍ أو العكس، ولهذا يحتاج المراهقون في هذه الفترة الحساسة من حياتهم إلى التوجيه والإرشاد؛ كي نحافظ عليهم من الانسياق المتطرف وراء رغباتهم ونزواتهم، ولكن بعيدًا عن القسوة في التعامل الذي لا ينتج منه سوى المزيد من العناد والمزيد من الإصرار على الخطأ. وعلى هذا الأساس أجرينا استطلاعًا للرأي حول الموضوع، وطرحنا السؤال أعلاه، على بعض الأشخاص، وكانت الإجابات أكثرها على النحو التالي: إنَّ الأخت الكبرى تكون أكثر تأثيرًا على الفتاة المراهقة من أمها. وكانت نسبة الإجابات على أنَّ الأم هي الأكثر إقناعًا أقل من نسبة الأخت. ومال البعض إلى أنَّ قوة الإقناع تكون حسب علاقة المراهقة بإحداهما، حيث قالت إحدى الأخوات: تميل الفتاة المراهقة غالبًا إلى الصداقة، وتعدّها على رأس احتياجاتها؛ لذلك فعلى من يريد إقناع المراهقات أنْ يستثمر هذه النقطة فيكتسب صداقتها أولًا، ليُصبح إقناعها أمرًا ممكنًا وسهلًا، فإذا استطاعت الأمُّ أنْ تجعل من ابنتها صديقةً لها، فسوف تكون هي المؤثر الأول في حياتها؛ لأن الصلة بين البنت وأمها من أعظم الروابط، فإذا اتصلت هذه الرابطة بالصداقة ستكون فعّالة في الإقناع، أما إذا فقدت جسور الصداقة بين البنت وأمها ووجدت البنت في أختها صديقةً حقيقيةً لها، عند ذلك ستكون هي المؤثر الرئيسي عليها. بينما أكدت إحدى الأخوات على أنَّ الموضوع نسبيٌ ومختلفٌ من وضعٍ لأخر، فمثلًا هناك أسر تشتمل على الكثير من الأخوات وفي أعمارٍ متفاوتة، فتكون الأخت الكبرى هي الأقرب للمراهقة؛ وذلك لأنَّ الأم في هذه الحالة تكون غالبًا مشغولةً بأمور البيت، وهناك أسر أخرى تكون الأم هي الصديقة للفتاة والقريبة منها والحافظة لأسرارها؛ لاسيما إنْ لم يكن للفتاة أخوات. هذه كانت جملة من آراء بعض الأخوات، وتجدر الإشارة إلى مجموعةٍ من الأسباب التي من شأنها أنْ تجعل المراهق ــ بشكلٍ عام ــ يقتنع بما يُوجّه إليه من نصائح وإرشادات منها: *منح المراهق فرصةً للتعبير عن نفسه, فإنَّ غالبًا ما يتسرع الأشخاص الذين يتحدثون مع المراهق في نقلِ القواعد السلوكية للمراهقين دون منحهم مجالًا للتعبير عن أنفسهم، ويعدُّ هذا الأسلوب خاطئًا؛ لأنَّ المراهق سيجدُ أنَّه مجبرٌ على القيام أو عدم القيام بسلوكٍ معين من دون حوار. *كما أنَّ التحدث مع المراهق بمعزلٍ عن الآخرين جيدًا جدًا ويُسهم في إقناعه، بخلاف التحدث معه ونصحه أمام الجميع، فمن يرد أنْ ينصح مراهقًا أو يوجه إليه إرشاداتٍ أو ينبهه على خطأٍ ما، يجب عليه أنْ يُحدثه على انفرادٍ، وقد أجاد الشافعي في إيصال هذه الفكرة في قوله: تعمّدني بنصحك في انفرادي وجنِّبني النصيحةَ في الجماعة فإنَّ النُصحَ بين الناسِ نوعٌ من التوبيخِ لا أرضى استماعه وإنْ خالفتني وعصيتَ قولي فلا تجزعْ إذا لم تُعطَ طاعة إذن يتوجب التحدث مع الآخر ونُصحه بمعزلٍ عن الناس خصوصًا المراهق؛ لأنَّه يكون سريع التأثر وذا إحساسٍ مُرهفٍ في هذه الفترة، فلو تحدثتَ معه أمام الآخرين فذلك سوف يؤثر سلبًا على نفسيته؛ لأنّك تكون قد أسأت إليه وأحرجته أمام الآخرين، وبالتالي لا يقتنع بما تقول. *كما يتوجب على الآباء والمهتمين بموضوع المراهقة أنْ لا يحاولوا إقناع المراهق بأنَّه على خطأ ولا يعملوا على التحكم بإرادته وإجباره على فعلِ ما لا يرغب فيه بالقوة، ويُستحسن الابتعاد عن التقليل من قيمةِ أفكارهم، أو إخبارهم بشكلٍ مباشر أنَّ تفكيرهم سلبي، بل يتوجب تشجيعهم على التفكير وتطوير ذواتهم نحو الأحسن، وينبغي على الراشدين أن يكونوا متماسكين منطقيًا في شرح الأمور للمراهقين، وهذا يعني التمتع بحسٍ ثقافي وامتلاك قدرٍ كافٍ من المعلومات حول الموضوع الذي تودُ نقله للمراهق. ومع اتباع هذه الإرشادات وغيرها تكون كلٌّ من الأم والأخت الكبرى قادرةً على إقناع المراهق أو المراهقة والتأثير فيهما بشكلٍ إيجابي.
اخرىبقلم: دعاء الربيعي ــ أمّي! ــ نعم غاليتي ــ لا استطيع النوم! ــ لمَ يا حلوتي؟! فالأحلامُ الجميلة تنتظركِ، أغمضي جفنيكِ وأريحيهما هيّا، وحدثيني بما ترين ـــ حسنّا، ها أنا ذي أغمضتهما... ــ جيد، إذن ماذا ترين في أحلامك السعيدة؟ ــ أمي! ــ نعم صغيرتي... ــ أراهُ يُلوِّح لي بيده من بعيد، وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ رقيقة ــ من؟ ــ إنَّه أبي، أراهُ بزيِّه العسكري، وقد حمل بيده ثلاثَ زهراتٍ ــ جميلٌ ما ترين بُنيتي ــ لكن، أمّي، أرى أمرًا حزينًا! ــ ما هو؟ أخبريني... ــ إحدى تلك الزهرات التي يحملها أبي ذابلةٌ وتتساقطُ أوراقها واحدة تلو الأخرى، والغريب أنّ والدي ينظرُ إليها وهو مُبتسمٌ. أمّي أرجوكِ هل ما أراه حُلم أو ماذا؟! ــ إنَّها أحلامُ اليقظة بُنيتي، هيّا اقرئي ما تحفظين من سورٍ قصار, واخلدي إلى النوم، فعودةُ أبيكِ باتت قريبةً إنْ شاء الله تعالى، وسرعان ما ستجدين نفسكِ بين أحضانه... ــ أمّي، ها هو أبي، إنَّه يتقدمُ نحوي شيئًا فشيئًا ويهمسُ في أذنيَّ قائلًا: ما أجملها لقد حظيت بها بُنيتي، نِلتُ شرفها، كوني فخورةً بي ما دمتِ حيّةً. هكذا قال يا أمي، يا تُرى ماذا يقصد بكلامه؟! ــ عزيزتي، أخفتِني من كلماتك تلك، أرجوكِ نامي، وغدًا إنْ شاء الله تعالى نتصلُ به ونتحدثُ معه... ــ حاضر يا أمي، سوف أغفو، لكن انظري، فقلد ترك لي أبي الوردتين النظرتين وأخذ معه الوردة الذابلة بعد أنْ غطّاها بقماشٍ أخضر أخرجه من جيبه، وهناك رائحة زكية تفوحُ من الوردة الذابلة! عجبًا! وهل للورد الذابل رائحةٌ زكية يا أمي؟! نظرتِ الأمُّ إلى عينَي ابنتها بصمتٍ، تتأمل كلماتها ثم تنهدت وقالت: ربما تكون له رائحة زكية في ظروفٍ معينة عندما تذبل من أجل أن تتفتح زهورٌ أخرى. هيّا صغيرتي تُصبحين على خير. ــ وأنتِ من أهل الخير أمي. نامتِ الطفلةُ الصغيرة التي كانت تتحدث مع والدتها كلَّ ليلةٍ عمّا تراه من أحلامٍ جميلة عندما تُغمض جفنيها الصغيرين، لكن هذه المرة تحدثت بحديثٍ غريب لا يتناسب مع صغر سنها! اعتادت ألامُّ أنْ تسمع من طفلتها كلامًا عن الطيور والرياض المليئة بأنواع الزهور، لكن حديثها اليوم بدا مختلفًا تمامًا عما تراهُ كلَّ يومٍ وكأنّها كانت تشاهد شيئًا أقرب للحقيقةِ منه إلى الخيال، وهذا ما جعل والدتها محتارةً، لاسيما أنَّها تنتظر عودة زوجها من جبهات القتال بفارغ الصبر، خافت أنْ يكون هناك مكروهٌ قد حلَّ به، نامت الأمُّ بعينين مفتوحتين حتى لاحت نسائم الفجر، هي تعرف أنَّ زوجها مستيقظٌ عادةً في مثل هذا الوقت لذلك اتصلت به كي تطمئن على أحواله، لكن دون جدوى! كررت الاتصال أكثر من مرة ولم تتلقّ أية إجابة، ازدادت الزوجة توترًا، تضرّعت إلى الله (تعالى)، وبعد فترةٍ من الزمن رنَّ هاتفها رفعتِ السماعة، وإذا بأحدهم يتحدث إليها قائلًا: ــ عفوًا أختي أم مريم أعتذر إليكِ كثيرًا عن الخبر المؤسف؛ فلقد أصيب أبو مريم في إحدى المعارك ليلةَ أمس.... أنصتت الأمُّ إلى المتكلم حتى أكمل كلامه، فعرفت حقيقة ماروت ابنتها ليلة البارحة، لم تكن أحلام يقظةٍ فحسب، بل كانت حقيقةً روتها لها مُخيّلتها الصغيرة وروحها البريئة التي أخذتها إلى سواتر النصر؛ كي ترى طيف أبيها الشهيد، وما كانت تلك الوردة الذابلة إلا روحة الطاهرة التي فاحت عبيرًا من شرف الشهادة.
اخرىبقلم: دعاء الربيعي طرقت يقين الباب على أختها الأصغر منها سنًا لتستأذنها قبل دخول غرفتها، لكنها لم تسمع جوابًا! أعادت طرق الباب مرةً ثم أخرى لكن دون جدوى! فظنت أنَّ مكروهًا قد حلَّ بها؛ لذا بادرت بفتح الباب، وإذا بأختها حنين مستلقية على فراشها وقد وضعت سماعاتٍ على أذنيها، لوَّحت يقين بيدها وقالت: ــ أما سمعتِ طرقَ الباب؟ أبعدت حنين سماعات الأذن وقالت: ــ لا؛ لأن صوت السماعات عالٍ جدًا لذا لم أسمع ولم أنتبه لطرقات الباب. ــ وإلى ماذا تستمعين؟ ــ أغنية، هذه الأغنية رائعةٌ جدًا، كلماتُها عذبة، وأنغامُها جميلة. بدت يقين مُنزعجةً، ولاحت على وجهها علاماتُ الاستياء، لاحظت حنين ذلك وقالت: ــ آه، نسيت أنّكِ لا تُحبين هذه الأمور، ولا ترغبين بسماعها، ولكن أنتِ التي سألتني وأنا أجبتكِ. ــ أجل، أكره سماع هذه الموبقات، ولكن عجبًا، ألا تودين معرفة السبب وراء بغضي لها؟! ــ لا أدري، فكلُّ ما أعرفه أنَّها حرامٌ، رغم علمي أنَّه لم يرد نصٌ في كتاب الله تعالى ينهى عنها ويتحدث عن حرمتها! ــ ومن قال لكِ: إنَّ كتاب الله تعالى لم يصرح بحرمة الغناء؟ ــ لم أسمع بآيةٍ تتحدث عن ذلك، صحيحٌ أنَّ هناك آياتٍ تحرمُ الخمر، وأخرى تحرم لحم الخنزير إلى غير ذلك، ولكن لا توجد آيةٌ تحرم الغناء. ــ عزيزتي، هناك آياتٌ في كتاب الله تعالى لا يعلم تأويلها ولا تفسيرها إلا الراسخون في العلم وهم الرسول محمد وآل بيته الطاهرون (صلوات الله عليهم أجمعين)؛ فهم خير من فسر القرآن، ووقف على معانيه. ــ (عليهم سلام الله)، أجل، أتفقُ معكِ في ذلك، ولكن ما هي الآية التي تحرم الغناء؟ ــ هناك آياتٌ عزيزتي وليست آيةً واحدةً، ومن هذه الآيات قوله (تعالى): "فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور"، وقوله (تعالى): "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليُضلَّ عن سبيل الله". ــ عجبًا! ولكن أين كلمة الغناء في هذه الآيات المباركة؟ ــ انتظري قليلًا؛ لأكمل حديثي، ومن ثم بادري بالسؤال، ورد في حديثٍ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "(قولُ الزور) هو الغناء"، وفي حديثٍ آخر عنه (عليه السلام) قال: "(لهو الحديث) هو الغناء". وهناك العديد من الآيات المباركة التي فسّرها أئمتنا (عليهم السلام) بحرمة الغناء وخطره على الفرد المؤمن. ـــ خطره؟! وأيُّ خطرٍ؟! عجيبٌ أمركِ! هل الغناءُ سمٌ ليُشكل خطرًا على الإنسان؟! ــ بل أخطر من السم، أئمتنا (عليهم السلام) لم يكتفوا ببيان حرمة الغناء، بل أوضحوا مضاره الدنيوية والأخروية على بني البشر؛ لذا وصفوه بأبشع الصفات، ويكفي أنَّه نوحُ إبليس. ــ وكيف أنّه نوحُ إبليس؟ وضحي لي أكثر؟ ــ هناك حديثٌ عن مولانا علي (عليه السلام) يقول فيه: "الغناءُ نوحُ إبليس على الجنة". وهناك الكثير من الأحاديث الدالة على آثاره السلبية، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "بيتُ الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تُجاب فيه الدعوة، ولا يدخله ملك"، وعن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: "كثرةُ الاستماع إلى الغناء تورث الفقر"، وغيرها كثير، ولكن لا يسع الوقتُ لذكرها؛ لأن وقت صلاة الظهر قد حان. انهضي من فراشكِ وتوضئي واستغفري الله وعاهديه (عز وجل) على ترك الاستماع للغناء، والابتعاد عن المعاصي والذنوب. ــ جزاكِ الله خيرًا أختي العزيزة، وشكرًا لكِ على هذه النصيحة القيّمة، أسألُ الله أنْ يوفقني ويُعينني على طاعته. ______________________ 1/ القرآن الكريم 2/ ميزان الحكمة
اخرىبقلم: دعاء الربيعي جلست علياء أمام التلفاز وأخذت تشاهد إحدى المسلسلات التي تُعرض على القنوات اللا إسلامية، وكانت أحداث المسلسل تدور حول تحرر المرأة في المجتمع الغربي، وكيف أنَّ حياة النساء هناك حياة مرفهة ملؤها السعادة والهناء، تأملت علياء في المسلسل وقالت لأختها فاطمة التي كانت تجلس إلى جانبها: هنيئًا لتلك النسوة اللاتي يعشن في بلاد الغرب! ــ لماذا؟ ــ لأنهن يتمتعن بالحرية المطلقة التي تتيح لهن ممارسة الأعمال والأفعال التي يرغبن بها دون قيود. ــ وهل الحرية المطلقة شيء جميل؟! ــ نعم، وهل يوجد أجمل من الحرية في الحياة؟! أما ترين كيف أننا مقيدات وملتزمات بأعرافٍ وتقاليدَ شرّعها الإسلام وقيّدنا بها؟ حتى أنَّ المرأة المسلمة المسكينة بسبب تلك التشريعات حُرِمت من تحقيق الكثير من أحلامها وطموحاتها! ــ عزيزتي إنَّ الدين الإسلامي أكرمَ المرأة، وأعزَّ قدرها، وأعلى شأنها، وسمح لها بمزاولة كلِّ الأدوار المناسبة واللائقة بكرامتها والملائمة لتركيبتها كأنثى، ولم يمنعها من مزاولة الأعمال التي لا تنافي تعاليم الدين الإسلامي. ــ ليس كما تقولين؛ فالمرأة مغبونة في شريعة الله تعالى! ــ أستغفر الله تعالى، ما هذا الكلام أخيتي! من أين أتيتِ بهذهِ الأفكار الهدّامة التي من شأنها أنْ تُغضِب ربِّ العباد عليكِ، فقد خلق الله تعالى حواء وأحسن خلقها وفضّلها على الرجل في موارد كثيرة أهمها: أنَّه (تعالى) جعل الجنة تحت أقدام الأم المؤمنة، كما كرّمها الله في قرآنه المبارك وأقرَّ لها حقوقًا وكلّفها بواجباتٍ كما الرجل. أما سمعتِ قوله (تعالى): "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"؟ أي لهن حقوقٌ وعليهن واجبات، ولم يقتصر ذلك على قرآننا المجيد، بل جاءت أحاديث الرسول وآل بيته (عليهم السلام) تؤيد وتؤكد أهمية الأنثى وبركة وجودها في الأسرة، فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: "البنات حسنات، والبنون نعمة، والحسنات يُثابُ عليها، والنعمةُ يُسأل عنها". ــ إذا كان هذا رأيك، فلماذا قيّدنا الإسلام؛ فحرمنا من القيام ببعض الأعمال؟ ــ أولًا يا عزيزتي، لم يكن ما قلتُ رأيي، بل هو رأي الشرع المقدس، وثانيًا ماهي الأعمال التي برأيكِ حرمنا أو قيّدنا الإسلام ومنعنا من القيام بها أو مزاولتها؟ ــ هناك الكثير من الأعمال، فمثلًا الإعلام كم هو جميل أنْ تكون المرأة إعلاميةً. ــ ومن قال: إنَّ الإعلام مُحرّمٌ شرعًا على الفتاة؟ لكن هناك ضوابطُ وأصولٌ وشروطٌ ينبغي على المرأة مراعاتها، وبعدها يُصبح عملها في الإعلام ممكنًا ومباحًا، وأهمها الالتزام بالحجاب الشرعي والابتعاد عن كلِّ ما يوجب الريبة والشك من قولٍ أو فعلٍ أو سلوك، كما يتوجب أنْ يكون مضمون الرسالة الإعلامية هادفًا ومتماشيًا مع تعاليمِ الدين؛ فليس من الصحيح أن نساهم في نشر ما يوجب سخط الله (تعالى)، ومتى ما حققت المرأة هذه الشروط كان بإمكانها مزاولة الإعلام. وخيرُ دليلٍ على ذلك هو الدور الإعلامي الذي لعبته السيدة زينب (سلام الله عليها)، فهي كانت تمثل الإعلام الهادف الواعي الذي ساهم في الإحاطة بحكم يزيد وفضح حكومته الجائرة، كما ساهمت (سلام الله عليها) في إدامةِ الثورة الحسينية وتخليد أهدافها إلى يومنا هذا، وكانت إعلاميةً ناجحةً؛ فقد حققت أهدافًا رائعةً من خلال خطبها ومواقفها ــ كلامكِ مقنعٌ وصحيحٌ، ربما أسأتُ فهم الدين أستغفرك يا الله وأتوب اليك. ــ باركَ الله بكِ غاليتي علياء، أسألُ الله أنْ يوفقكِ لنصرةِ دينه وإحياء أمره. ــ وكيف يكون ذلك؟ ــ هناك الكثير من السبل، أهمها: تقديم النصح للآخرين، وإرشادهم، وتصحيح معتقداتهم الخاطئة تجاه الدين وتعاليمه. ــ فهمتُ، كما فعلتِ أنتِ معي، وغيّرتِ فكرتي الخاطئة التي كنتُ أنظر من خلالها إلى الدين الإسلامي فيما يخصُّ المرأة وعملها. ــ نعم عزيزتي علياء، يتوجبُ علينا كنساءٍ مؤمناتٍ أنْ ننصر ديننا بالكلمةِ والموقفِ، وعلينا أنْ لا نقف مكتوفات الأيدي أمام الغزو الثقافي الذي يحاول جاهدًا وبشتى الوسائل أنْ يُشوِّهَ صورةَ الإسلام في أعينِ المسلمين وخصوصاً الفئة الشابة التي تعتبر المتأثر الأول فيما يبثُّ من أفكارٍ مسمومة وشبهاتٍ همُّها الإطاحةِ بالدين وتعاليمه، أعاننا الله تعالى على نصرةِ الحق وإحقاقه.
اخرىبقلم: دعاء الربيعي الرحلة الأولى : العقوبة والتأديب إنّ للدعاء أهمية بالغة في حياة الفرد المؤمن، فهو مخ العبادة وهو أحد مفاتيح النجاح، ويُعتبر الدعاء مصباحاً ينير دورب حياة الإنسان المدلهمّة، وهو سلاح المؤمن الذي يقاتل به جنود إبليس. فهنيئاً لمن تسلح بالدعاء، وأتخذ منه درعًا حصينًا، وسدًا منيعًا. إنّ المتتبع لمنهج ومدرسة الرسول وآل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين)، يرى أنها تزخر بأجمل وأجلّ وأرفع الأدعية التي تطيب عند سماعها النفوس وتطمئن لها القلوب، ومن تلك الأدعية: دعاء أبي حمزة الثمالي، المروي عن الإمام السجاد (روحي فداه)، ذلك الدعاء الذي تلامس كلماته شغاف القلوب ويريح الأفئدة المنهمكة الحزينة التي أتعبتها وأردتها المحن، كما أنه يحتوي على مضامين عالية في الاعتقادات، والسير، والسلوك، والأدب. أحببت أن أُسلط الضوء على جملة من فقراته المباركة وأُبين أهم ما ورد فيها… يبتدأ الدعاء بالحديث عن التأديب بالعقوبة، والتأديب: هو الصراط المستقيم واعتدال عمل الإنسان ومراعاة الفهم والنباهة. أما العقوبة فهي: التقريع والتنبيه. نلاحظ في بداية الدعاء أنّ الإمام السجاد (عليه السلام) يطلب من الله تعالى أن لا يجعل العقوبة أسلوباً لتأديبه بل يطلب من الله الرحمة والمغفرة واستخدام أساليب أخرى للردع. فيا ترى ما هي حاجتنا للتأديب؟ وما هي أساليبه؟ يُعتبر التأديب عاملًا مهمًا من عوامل إصلاح الفرد وتهذيب سلوكه، وهو عامل مهم في إنجاح حياة الإنسان الدنيوية والأخروية، ويلعب التأديب دورًا فاعلًا في تعديل سلوك العبد وتوجيهه وردعه عن ارتكاب الموبقات، التي تضرّ به وبدينه. وللتأديب أساليب كثيرة، منها العقوبة، والعقوبة نوعان: البدنية؛ والقلبية، كما ورد في حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إن لله عقوبات في القلوب والأبدان، ضنك في المعيشة ووهن في العبادة، وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب) (١) فيختار الله تعالى أيها المناسب لذنب العبد فيؤدبه بها، فمن المعلوم أن الله تعالى حكيم عادل وكل مورد يقتضي أدبًا خاصًا وعقوبة محددة، ولا تصح العقوبة إلّا للأشخاص الذين لا يراعون الأدب ولا يكونون على الصراط السوي، أو أنهم لا يمتثلون لشرائط المحل أو المجلس الذي يكونون فيه، أو أنهم غافلون وغير ملتفتين لشأن الباري وغير مراعين لحقوق العبودية وشروط المولوية التي خلق الله تعالى الكون لأجلها (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) (٢) فعلينا أن نعي ونفهم وندرك حق العبودية ونلزم أنفسنا على العمل بها وإدراك كُنهها لنكون عبادًا طائعين ومخلصين ومجتهدين لتحصيل رضا مولاهم وسيدهم وربهم، فهنيئاً لمن عمل بأوامر الله تعالى وابتعد وتنحّى عن معاصيه وما يسخطه وجنّب ووقى نفسه من المهلكات والمرديات والموبقات، وفاز برضا الله تعالى وجنته. ______________________ (١) تحف العقول / ابن شعبة الحراني /ص296 (٢) الذاريات
اخرىبقلم: دعاء الربيعي هو رفيق رحمة وأمن واطمئنان، بدونه لا تستقيم الحياة ولولاه ما ارضعت والدة ولدها، وما غرس غارس شجرًا، هو الخليل المستأنس، هو تلك الشعلة المتوهجة التي لا يخبو نورها ولا ينطفئ وميضها دائمة الحياة تمد الروح بالتفاؤل وتغرس في النفس الارتياح والطمأنينة، فهو من يدفع الإنسان للعمل ويسير به نحو تحقيق الأهداف... نعم، هو الأمل… هو الرفيق المؤنس كما وصفه أمير الكلام علي (عليه السلام) و جاء في بطون الروايات فيما مضمونه: بينما نبي الله عيسى (عليه وعلى نبينا آلاف التحية والسلام) جالس وفي مرآه شيخ كبير في السن يعمل بمسحاة ويثير بها الأرض، فقال عيسى (عليه السلام): الـلـهم انزع عنه الأمل، فوضع الشيخ المسحاة واضطجع، فلبث ساعة من الزمن فقال النبي عيسى: اللهم اردد إليه الأمل، فعاد للعمل بمسحاته ودب الأمل في عروقه من جديد وحث خطاه وشمّر عن ساعديه وأتم إصلاح أرضه وتهيئتها للزراعة. فسبحان الله يا ترى ما يفعله الأمل في قلب ابن آدم؟! وماذا يجني منه من آثار إيجابية تعود على دنياه وأخرته؟! من يقرأ هذه الرواية يلمس فيها وبوضوح حجم تأثير الأمل على الفرد وكيف يعمل على مد الإنسان بالطاقة والتطلع لإنجاز الأعمال وإكمالها، وأنّ آلَ بيت رسول الله ادركوا أهمية الأمل ولذا وردت جمله من الأدعية التي تنص على ضرورة طلب الأمل من الله تعالى، فعن سيد الساجدين وزين العابدين (عليه السلام) أنهُ قال في دعاء له: "اللهم رب العالمين ... أسألك ... من الآمال أوفقها" (1). والآمال نوعان: أحدها حقة والأخرى باطلة، وقد حذر الإمام علي (عليه السلام) من الآمال الباطلة ووصفها بالسراب الذي يغر ويجذب من يراه ويخلف من رجاه وتعلق به وسعى إليه ، كما وصف الإمام الأمل بالشيطان بل سلطان الشياطين على القلوب اللاهية الساهية الغافلة عن ذكر الله تعالى وشكره وحمده، كما أنّ الآمال الباطلة تسهي العقل وتذهب برجاحته. وهناك ارتباط وثيق بين الأمل والأجل، فالأول ينسي الثاني، بينما الثاني يفضح الأول، وأنّ الإنسان ليشرف على تحقيق أمله لكن وبلمح البصر يحضر الأجل ويقطع أواصر الأمل، ومن وصل واقترب من تحقيق أقصى أمله فلينتظر ويتوقع أدنى أجله، فطوبى وهنيئاً لمن لا يأبه بالأماني الباطلة ولم يغتر بها ويُعوّل عليها ويتخذ منها طريقًا يسلكه لأنها كالسراب الذي يحلم به الظمآن ويحسبه ماءً من شدة عطشه ويود أن يرتوي به ولكن هيهات فهو مجرد وهم. علينا أن نتيقن نحن البشر أنّا مفارقو الأحباب وحتمًا سنسكن التُراب ونواجه رب الأرباب للحساب، فهنيئاً لمن تزود من الدنيا بقصر الأمل واتخذ منه مسلكًا نحو رضا الله تعالى، وحري بالمؤمن أن لا يقطع أمله ورجاءه بالله تعالى وأن لا يقنط من رحمة الله تعالى. ____________________ 1/ بحار الانوار /155/94/ 22
اخرىبقلم: دعاء الربيعي "المالُ والبنون زينة الحياة الدنيا" هكذا وصف القرآن الكريم البنين وصورهم بأنّهم زينةٌ للحياةِ الفانية، فهم ثمارٌ للقلوب، وعمادٌ للظهور، وفلذاتٌ للأكباد، وهم بهجةُ الروح، وأنس العيش، بهم يحلو العمر، وعليهم تُعلَّق الآمال، وببركة تربيتهم يُستجلب الرزق، وتنزل الرحمة ويُدفع البلاء، ويُضاعَفُ الأجر.. فاحذروا أيُّها الناس من التفريط في تربيةِ أولادكم، أو التخلّي عن المسؤولية تجاههم، فهذا هو الغدر، وتلكم هي الخيانة، وذلكم هو الغش الموصل إلى النار، فارعوا أبناءكم وحافظوا عليهم، وأدّوا أماناتِكم، وانصحوا لأولادكم، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته. والشبابُ هم عمادُ الأمة، وعزُّها المجيد، ومجدها التليد، فالشبابُ في عصرِ النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا حماةً لدينهم، مدافعين عن أعراضِهم، مقاتلين لأعدائهم، متبعين لسنةِ نبيهم، متمسكين بدينهم، مضحين بأرواحهم في سبيلِ نصرةِ دينِهم الفتي، أمثال الإمام علي بن أبي طالب (عليه سلام الله)، وغيره الكثير .. فلقد كانوا حماةً لأوطانهم، شبابًا تعتمدُ عليهم أمتهم، لا يُرهِبُهم عدوهم، ذلكم هو الشباب المسلم الأبي. وعندما يُقلِّبُ العاقل بصره، لا يجدُ اليومَ إلا شبابًا قد أوهنتهم حمى الغرب، وضربتهم شمس التقدُّم الزائف، وطغتْ عليهم حضارة الكفر، فقُذِف في قلوبهم الوهن، وأخذوا يقلدون الغرب بالكثير من الأمور, فبعد أنْ عجز الغرب عن إبعاد المسلمين عن دينهم بقوة السلاح, اتجَّه إلى الاستيلاءِ على عقول الشباب, فبُثت القنوات، ووضعتِ المُخططات، وأُنشئتِ الدراسات. كلُّ ذلك للإطاحةِ بشباب الإسلام ، ويا للأسف فقد تحقّق للغربِ ما أرادوا، ونالوا من شبابنا ما نالوا، ولكنْ لم يكنْ ليتمَّ ذلك إلا بمعاونة وسائل الإعلام المسلمة، ومشاركة أولياءٍ جهلة ظلمة، تنصّلوا عن التربية، واهتموا بزخرفِ الحياة، فأصبح لدينا جيلٌ تنكَّرَ لدينه، وخرج من عقيدته، وتبرّأ من أهله وعشيرته، وتخلّى عن عاداته وتقاليده. ولقد نجحَ الغربُ كثيرًا في مجالِ صناعةِ الثقافة الزائفة ودسِّها في المجتمع العربي عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، فعمل الغرب على نشرِ ثقافاتٍ لا تمُت للإسلام بصلة، عن طريق تلك الوسائل. تبدو لنا اليوم وبشكلٍ واضحٍ الهجمةُ الشرسة التي يتعرض لها المسلمون من قبل الغرب، فهم يسعون جاهدين لزعزعة مبادئ الإسلام وطمس أحكامه وتعاليمه السمحاء. أتحدث في هذا المحور عمّا عشتُه من غزوٍ ثقافي معاصر كوني من جيل التسعينات، فمنذُ سقوط الطاغية بدأت الحملةُ الإعلامية لغزو العراق ثقافيًا، فأدخِلت في البدءِ أجهزة الاستقبال وصارت متاحةً لجميع فئات الشعب، فأسرعت فئاتٌ من المجتمع لشرائها وربطها على جهاز التلفاز ليشاهدوا المحطات المتنوعة وما تحتويه من برامج دخيلة على ثقافتنا، تُسرِعُ سرعةَ السيلِ الجارف إلى عقول المشاهدين.. كان الناس مستمتعين بكثرةِ المحطات، وتنوع البرامج في شتى المجالات، بعد أنْ كانوا مقيدين بقناتين فقط، وهذا ما يعرفه كلُّ من عاصر النظام البائد. فبدأت العائلة تشاهد ما يُبثُّ من مسلسلاتٍ وبرامجَ وأفلامٍ إلى آخره، ومنذُ سنة 2003 إلى يومنا هذا. وخلال هذه الفترة تطوّر الإعلامُ وتطوّرتْ وسائله وتقنياته بشكلٍ ملحوظ، حيث ظهرتِ الكثيرُ من القنوات المدعومة التي كان كلُّ همِّها هو إشاعة الفساد بين الأوساط . ولا يخفى على الجميع أنّ هناك بعض القنوات تتصدرُ اللائحةَ في بثِّ البرامج المغرية للمشاهدين، كما أنّها تتفرّدُ ببرامجها الحصرية، وكلُّ هدفِها من ذلك هو الحصول على نسبة مشاهدةٍ أكبر، وبالفعل فقد حققت ما تتمنى وما تصبو إليه، ففي الفترة المذكورة بدأت القنوات العربية ببثِّ المسلسلات (غير العربية) التي أخذتْ صداها في المجتمعات الشرقية. وبعد فترةٍ وجيزةٍ من بثِّ تلك المسلسلات باتَ الكلُّ يتحدثُ عن أبطالِ تلك المسلسلات وعن الأدوارِ (الرائعة) التي صارت محط الأنظار، فعندما تدخل إلى بعض العوائل تراها على أهبة الاستعداد لمشاهدة حلقاتِ المسلسلاتِ الاجتماعية ، وهم في حالة إصغاءٍ منقطعِ النظير مندمجين مع أحداث ذلك المسلسل، فترى الأمّ التي يُفترض بها أنْ تكون القدوة في بيتها ولا تسمح بنفاذ ذلك الغزو اللا أخلاقي إلى عقول أبنائها، حيثُ على العكس تراها هي أول المشاهِدات لتلك الثقافة غير مُدركةٍ للسموم التي تدخلُ بيتها وتفتكُ بأسرتِها الفتية التي أغلب أفرادها من المراهقين. ناهيك عن دورِ الأبِ والجدِّ والجدّة في البيت، فهم على حدٍّ سواء يتشاطرون نفس التوجه, وأنا بذلك لا أبالغ في هذا التشخيص بعد توثيقِ ذلك لكثيرٍ مما شاهدته من بعض العوائل. وبعد النجاح الواسع الذي حققته هذه المسلسلات والأجندة التي تدعمها أخذتِ القنوات العربية الأخرى ببثِّ تلك الثقافات الدخيلة واحدةً تلو الأخرى. وكانت هذه المسلسلات تشيعُ الفاحشة بين عناصر المجتمع مع بالغ الأسف، حيثُ كانت أغلب قصصها مُغريةً للفئة الشابة, كما أنّها أخذت طابعًا آخرَ لسيرِ أحداث المسلسل، فلقد كانت أحداث المسلسلات قديمًا متشابهةً بالأفكار والأسلوب نوعًا ما، حيثُ تدورُ القصة حول أحداثٍ عائليةٍ تحصلُ في أغلب البيوت بين الإخوان مثلًا أو بين الأب والابن أو الجيران وهكذا.. على حين أحداث هذه المسلسلات المقصودة والمدسوسة والمدروسة جيدًا تدورُ حول أحداثٍ غريبةٍ ودخيلةٍ على المجتمعات العربية والإسلامية، فأحداث هذه المسلسلات غير العربية تتحدثُ عن العلاقاتِ غير الشرعية والمشبوهة، وتشرعن الخيانة الزوجية وتجعل منها شيئًا متعارفًا وغيرَ منبوذٍ في المجتمع ولا ضيرَ فيه. ولا عجب لو قلنا إنَّ هذا هو هدف المسلسل الرئيسي، حيث يسعى لإدخال هذه الأفكار المسمومة إلى صميم المجتمع الإسلامي شيئًا فشيئًا كالسمِّ البطيء في الجسمِ؛ من أجلِ إشاعة الفاحشة والتفكك الأسري الذي يسعى له الإعلام الغربي. وبالتالي يتحقق الهدف الأساسي وهو السيطرة على الشعوب وأفكارهم وتوجهاتهم والتحكم بخيراتهم ومقدراتهم. ولربما تكون فكرة بعض المسلسلات مذمومة وغير مقبولة من قبل المشاهدين العرب، لكن مع الاستمرار والانغماس في أحداثه المشوِّقة والمرغِّبة للمشاهدين من خلال انتقاء الممثلين والاهتمام بالأثاث والاتكيت والملابس وما شابه؛ فكلُّ هذه الأمور تجذب المشاهدين للمتابعة ومن حيثُ لا يشعرون ليُدسَّ السمُ بالعسل. كما أنَّ حلقات بعض المسلسلات تتجاوز المائة حلقة؛ ولعل الهدف من طول فترة العرض هو لترسيخ الفكرة في ذهنِ وعقلِ وجوهرِ المشاهد الغافل الذي عند نهيه عن مشاهدة مثل هكذا مسلسلات يجيب: ما الضير من ذلك؟ فأنا لا تعجبني أفكارهم، لكن أتابع المسلسل لمشاهدة الأثاث أو الثياب التي يرتديها الممثلون إلى غير ذلك من أمور, لكنّه يجهل ولا يدري أنَّ الاستمرار بالمشاهدة له الأثر الفعّال على تفكيرِه وسلوكِه إنْ لم يكن اليوم فغدًا أو بعد غد. ولو يعرف البعض كم لهذه المسلسلات من أخطار على فئات المجتمع وبالخصوص الشباب لعَلِم ما الغاية والهدف من بثِّها في مجتمعاتِنا المسلمة. وما الغاية والهدف إلا ليتشرَّب المجتمع بتلك الأفكار الشيطانية شيئًا فشيئًا، حتى يغدو لا يجد حرجًا من أنْ يطبقها على أرضِ الواقع يومًا من الأيام.
اخرىبقلم: دعاء الربيعي إنّ المُتتبع لوسائل الإعلام المُعادية التي تهدف إلى إشاعة المنكر والفاحشة بين الاوساط الاجتماعية وزعزعة الفكر والعقيدة الإسلامية وتشويه المعتقدات والإساءة إليها بشتى الطرق والوسائل يرى أنّها تُقدِّم نفس الفكرة المسمومة والمدسوسة ولكن بقوالبَ مختلفةٍ وهيئاتٍ مغايرة. وقد حققت أهدافها -مع الاسف- وأكبر دليل على ذلك ازدياد نسب الطلاق في البلاد العربية والإسلامية خصوصًا ما نشهده في بلدنا العراق اليوم. فلقد أشار سماحة المتولي الشرعي للعتبة الحسينية (الشيخ عبد المهدي الكربلائي) إلى ذلك في خطبة صلاة الجمعة حيث قال: إنّ (الإحصائيات الصادرة من السلطة القضائية الاتحادية إلى تصاعد حالات الطلاق في العراق بصورةٍ لم تكن مسبوقة من قبل، فبلغت أكثر من (5200) حالة في حين بلغت حالات الزواج التي سُجلِت رسميًا لنفس الشهر (8341) حالة. ويُلاحظ بالإضافة إلى ذلك التصاعد في عددِ حالات الطلاق المُسجلة منذ عام 2004 ولغاية هذا العام بحيث ازداد العدد المسجل قضائيًا في كلِّ سنةٍ مقارنةً بما قبلها) وبلا شكَّ أنّ هذه الظاهرة تُعدُّ ظاهرةً خطيرة في المجتمع العراقي، تُهدِّد الكيان الأسري بالتفكك والانحلال وتُشكِّل خطرًا محدقًا على التماسك الاجتماعي، إضافة إلى ما تتركه من آثارٍ نفسيةٍ ومجتمعيةٍ وأخلاقية ذات أبعاد مُخيفة، كما تحدّث سماحته عن ضرورة دراسة الأسباب الحقيقية والأساسية لبروز هذه الظاهرة، وضرورة تظافر جهود جميع الجهات والمؤسسات القادرة على معالجتها والحدِّ من تصاعد حالات الطلاق. فهناك مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية تُحتِّم على المبلغين والخطباء ومؤسسات المجتمع المدني والآباء والأمهات وإدارات المدارس والجامعات أنْ تنهض بأداء مسؤولياتها في هذا المجال، وتُشمِّر عن ساعد الجدِّ لوضع خططٍ مناسبة للمساهمة في تضييق دائرة هذه الظاهرة وفي الحد الأدنى عدم السماح باستمرارها في التصاعد. ومن هذا المنطلق تقع علينا مسؤوليات جمّة كباحثين ومبلغين وإعلاميين أنْ نساهم بجديّةٍ وإخلاص ولو بالشكل البسيط لتعريف المجتمع بخطورة تلك الثقافات الدخيلة علينا، والمساهمة في إصلاح ذات البين بين الأسر؛ للتقليل من حالات الطلاق، ووضع حلول ناجعة في مواجهة تلك الظاهرة التي باتت كبيرةً تهدد المجتمع بأجمعه وتزعزع استقراره. إنَّ الكيان الأسري ليس امرأةً فقط، وليس رجلًا أيضا، إنّما هو كيانٌ متكامل، للمرأة وظيفة أنثوية وللرجل وظيفته المُكملة، ولو تعاضدا وتشاورا وأدى كلٌّ منهما رسالته المطلوبة منه لصلُحت الأسر، وبالتالي صلُح المجتمع. لكن -مع بالغ الأسف- نرى اليوم الدفق الهائل من السموم عبر "وسائل الاتصال الحديثة " التي تدعو إلى تمرُّد المرأة على الرجل وتهديم النظام الأسري الذي وضعه الله (سبحانه وتعالى), فتدعو إلى تحرير المرأة من الحجاب، والنكوص على الإعقاب بالتزيين، ولبس الملابس غير المحتشمة، والدعوة إلى الاختلاط المحرم. كما تدعو إلى نبذ فكرة الزواج المبكر للشباب والشابات، والدعوة إلى أنّها فكرةٌ دونية تحطُّ من مكانة المرأة وقيمتها، فيصورون الزواج على أنّه أغلالٌ وقيودٌ تُكبِّلُ الحرية وتحجز الإنسان عن الانطلاق وتحقيق الرغبات والأهداف في الحياة، فلوثوا عقول الشباب بأفكارهم التي تدعو إلى علاقاتٍ محرمة بحجةِ الزمالة والصداقة إلى غيره من المسميات. ومما يؤسف له حقًا أنّ هذه الأسر التي غزاها أعداء الإسلام مهددةٌ بالانهيار بسبب الجهل بمقاصد الزواج السامية, والحقوق الشرعية المتبادلة وفن التعامل، بحيث تصور تلك الأفكار الدنيئة صعوبة تهيئة الزوجين لتحمُّلِ مسؤولية الحياة وتبعاتها، والعيش وتكاليفه، فيكونُ السقوط السريع والمريع عند أولِ عقبةٍ في دروب الحياة؛ وذلك لأنهم يظنون أنّ الحياة تمتُّعٌ دائم لا ينقطع، وسرورٌ لا يُنغّص، وبهجةٌ لا تنطفئ مع أحلامٍ وردية, وأمانٍ ساحرة، مما تسبب في هذا السيل الجارف المحزن من حالات الطلاق بلا أسبابٍ مقنعة أو خلافاتٍ جوهرية. وهكذا يُكسر هذا الكيان الصغير الجميل بسهولة، والبيت الذي كانت تُظلّله سُحُب المحبة والوئام، يُكسر بمعاول الجهل والغرور، والمكابرة والعناد وهوج التفكير. والشيطان حين يُفلِحُ في فكِّ روابط الأسرة، لا يهدم بيتًا واحدًا، ولا يضع شرًا محدودًا، إنّما يوقعُ الأمةُ جمعاء في شرٍ بعيد المدى؛ ذلك أنَّ الأمة التي يقوم بناؤها على لبناتٍ ضعيفة، من أسرٍ مُخلخلة وأفرادٍ مُشردين لن تحقق نصرًا، ولن تبلغ عزًا، بل تتداعى عليها الأمم.. ولا يخفى عليكم أحبتي أنَّ وسائل التواصل الحديثة شغلت الناس، فباتوا بعيدين عن قراءة الكتب المفيدة، أو مشاهدة البرامج التلفازية الهادفة، أو سماع البرامج الإذاعية التوعوية ذات الفائدة. حتى صار شغلهم الشاغل هو الجلوس أمام أجهزتهم اللوحية التي تنوّعت في الشكلِ واتحدت في المضمون، فكانت بحق أحد أسلحة الغزو الثقافي إذا ما أسيء استخدامها كما هو الأعم الأغلب بين الناس بالوجدان. وكيف لا تكون أسلحةً بيد الأعداء، ولو تأملنا جيدًا بها أمثال (الفيس بوك) و(تويتر) وغيرها فلسوف نرى أنَّ الأعم الأغلب يستخدمها صغارًا وكبارًا، لكن هناك من أساء استخدمها وحقق من إنشائها غاياته الشيطانية. وتكمن خطورتها في أنَّ المستخدم لها وإنْ كان جالسًا في غرفته محاطًا بالجدران إلا أنه يستطيع أنْ يتحدث مع الأشخاص الآخرين في شتّى أنحاء العالم، ويمكنه إرسال الصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الكلامية ومشاركتهم حياته اليومية بكلِّ سهولةٍ وبساطةٍ وبسريةٍ تامة من غير أنْ يعرف أهله بذلك، فما هو إلاَّ زرٌ يُضغط ويرسل ما يريد، وآخر يمحو كلَّ أثرٍ لئلا يطلع عليه أحد. كلُّ ذلك تسبب في انحراف الكثير من الشباب والمراهقين خصوصًا الذكور، فهم مع بالغ الأسف يتجوّلون بين هذه التطبيقات مُتصفحين شتى أنواع الصور والفيديوهات التي وضعت خصيصًا لاستهدافهم واستدراجهم نحو الرذيلة. ولم يقتصر الأمر على ذلك وحسب بل اتجهوا إلى تكوين علاقاتٍ غير شرعية مع الفتيات المراهقات اللاتي وجدن في كلامهم المعسول ما يجذبهن نحو الخطأ والوقوع في شباك المجهول. وختامًا لهذا المبحث أقول: إنّ الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي يؤدي بالمجتمع الإسلامي إلى الانحراف عن جادة الحق، وبدلًا من ذلك يُمكننا استخدام هذه الوسائل وتوظيفها للمنفعة العلمية والفكرية والاجتماعية كونها وسيلةَ تواصل بين الأشخاص والإسراع في إيصال المعلومات بما ينفع المجتمع الإنساني.
اخرىبقلم: دعاء الربيعي أشار كتاب الله (تعالى) المبارك إلى ضرورة صيانة الأبناء وتربيتهم تربيةً دينية صحيحة؛ لبناء أساسٍ قويٍ ثابتٍ يستعينون به على مواجهة الصعوبات والتحديات والمنزلقات الخطرة التي تهدف إلى الإطاحة بهم وجرِّهم نحو ما لا يُحمد عقباه. ومع ذلك لا بُدَّ من الاستمرار بتذكيرهم وعدم تركهم؛ لأنَّ الإنسان وإن كان عالمًا بمواطن الخطر إلا أنّه ربما يغفل، وكم من شبابٍ معتدلين أسوياء في غفلةٍ من أنفسهم قد انساقوا للشهوات ووقعوا في وحل الانحراف، أو أغرتهم بعض الفئات المشبوهة بأفكارها التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، حتى أوقعتهم في شباكها. علاوةً على ذلك، فإنَّ للصحبة والخلة تأثيراً فاعلاً على الأخلاق والسلوك سلبًا وإيجابًا؛ فالمرء على دين خليله. وأصحاب الشر والفساد حريصون على إفساد غيرهم حتى تقوى شوكتهم ويتسع نفوذهم، فيعملون على استمالة من يرونه سهل الانقياد والإذعان لهم، ويُظهرون له المودة والمحبة حتى يطمئن إليهم، ثم يبدؤون في تعتيم أفكارهم. كما أنَّ للمؤسسات التربوية عمومًا -وأهمها المنزل والمدرسة والمسجد- دورًا كبيرًا في التوجيه والإرشاد وأهمها الأسرة التي تحتضن الشاب مدةً طويلة من حياته. وأيُّ تقصيرٍ في تنشئةِ الفردِ هو مسؤولية من الأبوين معًا، وسيتحملان عواقبه، فكم من الآباء من يشكون عزلة ولدهم عنه وعدم تواصله معهم، وتمضي الشهور بل الأعوام وهو لا يعلم عنهم شيئًا. بودي هنا ذكر نموذجيين لشابين من واقع الزمن المعاصر، الأول انجرف مع التيارات المُضللة مع أنّه من عائلةٍ مؤمنةٍ! وكان قد عاش في أسرةٍ صغيرةٍ مع والده وأمه وإخوانه هو الأخ الأكبر فيها، وكان الأبُ مشغولًا من ساعات الصباح الأولى وحتى المساء بعمله، والأمُّ منشغلةً بأعمال المنزل ومهنة الخياطة التي تُساعد بها زوجها لتوفير حياة هانئة. ولم يُدركوا أنّ أطفالهما بحاجة إلى شيءٍ آخر غير الطعام والشراب، ألا وهو بثّ القيم والأفكار الإيجابية من خلال التربية الإسلامية الصحيحة. ومرت الأيام والسنون وبلغ هذا الولد من العمر ثمانِ عشرة سنة، وفي تلك الفترة كانت وسائل الاتصال في أوجها، وقد وفّر الأبوان له غرفة خاصة به تحتوي على جهاز حاسوب مرتبط بشبكة الإنترنت، وكان هذا الشاب ينام نهارًا ويستيقظ ليلًا ليقضي وقته أمام شاشة جهازه مع الأصدقاء الافتراضيين من كافة أنحاء العالم، وهم يبثون سمومهم وأفكارهم في عقله بعيدًا عن نظر أبويه المشغولين في كسب المعيشة، فغاب الرقيب والحسيب عن ذلك الشاب. وبمرور الأيام تشرَّب هذا المراهق الأفكار والمفاهيم المدسوسة له من قبل أصدقائه الافتراضيين الذين كان كلُّ همِّهم هو السعي لانحراف هذا الشاب عن جادة الصواب، فصار الشاب يعتقد بمعتقداتهم البعيدة كلّ البعد عن القيم الإسلامية. في بادئ الأمر كان يدخل الشاب في حواراتٍ ومناقشاتٍ مع أقربائه عن حقيقة وجود الله (تعالى) والتشكيك بالنبوة والإمامة وإلى غير ذلك، كما أنّ معاملته مع أهلِه أصبحت سيئةً جدًا. وقد لاحظ الجميع هذا التغيير في شخصية هذا الشاب، فحاول أهله وأقرباؤه أنْ ينتشلوه من المستنقع الذي سوف يؤدي به إلى الهاوية، لكن لات حين مناص فلقد اقتنع بالمفاهيم الخاطئة عن الدين، وبات لا يكترث إلى ما يقوله أهله، والأكثر من ذلك أنّه يعتبرهم أناسًا جهالًا يعتقدون بأفكار ليس لها صحة! واستمر الأمر هكذا إلى أنْ كشف الشاب عن فكره الإلحادي بشكلٍ علني، والتخلي عن كلِّ مبادئ الإسلام التي يعتبرها خرافات وغادر بلاده إلى أحدِ البلدان الغربية في فترةٍ فتحت بعض البلدان أبوابها للجوء، فهبَّ إلى ترك الوطن وغادر إلى دول الغرب التي هي في منظوره دول متحررة من سلطةِ العبودية، وتدعو الإنسان إلى نبذِ كلِّ المعتقدات السلبية. وبات الأبوان يقلبون أكفهم حسرةً وندمًا على ما فرّطوا في ولدهم الذي ضاع في مهبِّ الأعاصير. وكلُّ ما ذكرته هو واقعٌ قد وقع فعلًا، وما هي إلاِ واحدةٌ من آلافِ القصص التي يعيشها بلدنا الحبيب؛ والسبب في ذلك يعود إلى الحملة الشعواء التي يشنُّها الغرب لزعزعة عقيدةِ الناس بدينِهم. فحرب أعداء الإسلام الثقافية لم تقتصر على إشاعة الفواحش فحسب، بل انتقلت إلى ما هو أخطر من ذلك وهو التشكيك بوجود الله (تعالى). فالحذر كلّ الحذر -والكلامُ موجهٌ إلى كلِّ عائلةٍ فيها أفراد شباب ومراهقون- من هذه الهجمة الشرسة؛ لنتقيَ الله (تعالى) في أبنائنا وفي أسرنا، ونكون كما أرادنا أنْ نكون. قال (تعالى): "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6)"[التحريم6] يجب علينا كمربين مراقبة أولادنا والحرص على مصاحبتهم، وعدم السماح لهذه الأجندة بالعبث في عقولهم الفتية, فضعيف الإيمان سرعان ما ينخرط ودون توقفٍ في دواماتِ الشرك، خصوصًا إنْ لم يكن متحصنًا بحصن المعرفة. كما يجب على الباحثين والمفكرين السعي إلى محاربة تلك الآفة من خلال المؤتمرات والحوارات؛ لتقوية معتقدات الشباب، وجذبهم وتعليمهم كيفية حلِّ الإشكالات العقائدية التي تُبَثُّ إليهم من خلال الرجوع إلى أهل العلم حال تعرضهم إلى مسألةٍ عن نكران حقيقة وجود الله (تعالى)، أو عن الأدلة على وجوده (سبحانه)، وحقيقة أصل النبوة و الإمامة؛ فغالبًا ما يواجه الشاب غير المتعلم صعوبةً في الإجابة عنها، فتؤدي به إلى الإبحار في الأفكار المنحرفة دونما توقف. ومن المفيد جدًا وضع مناهجَ دراسيةٍ في المدارس والجامعات، تغني الطالب بتعاليم ومبادئ السماء من خلال تعليم العقائد والأخلاق لكلِّ الاختصاصات؛ ليكونوا قادرين على الرد على الشبهات التي يُثيرها الغرب ضد الإسلام، ومواجهة التطرف. إذ يُعدُّ التطرف تحديًا كبيرًا يواجهه عالمنا العربي والإسلامي خلال المرحلة الحالية من تاريخه، إذ تحاول بعض الجماعات المتطرفة احتكار الحديث باسم الدين الإسلامي، عبر شعاراتٍ زائفة، تقدِّم صورةً مشوّهة عن هذا الدين ومبادئه التي تحثّ على التسامح والتعايش. كما تروّج في الوقت ذاته للصدام والصراع ورفض الآخر، وهو ما أسهم في انتشار الأفكار المتطرفة التي تغذّي العنف وتبرّر اللجوء إلى الإرهاب. فأصبح من الضروري التحرك لمواجهة هذه الهجمةِ الشرسة التي تواجه ديننا الإسلامي الحنيف من جانبِ هذه الجماعات التي تتاجر بالدين، وتنشر الفكر المتطرف وتغذّي العنف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بشكلٍ عام والشباب والمرهقين بشكلٍ خاص . أما النموذج الثاني الذي أودُّ ذكرَه، فهو شخصيةٌ مغايرةٌ للشخصية الأولى تمامًا، هو أيضًا شابٌ مراهقٌ لكنّه اتجه إلى اتجاهٍ آخر، واقتدى بشخصيةٍ إسلاميةٍ فاضلة كان لها الفضل في بقاء الإسلام وقيمه وتعاليمه السمحاء. اسم هذا الشاب (مثنى قاسم الكلابي)، يبلغ من العمر ستة عشر ربيعًا، يسكن في قريةِ النعمانية في محافظة واسط، يدرسُ في المرحلة الإعدادية في إحدى مدارس النعمانية، لكنه كان يُمنّي نفسه دائمًا بالشهادة ويخطُّ هذه الجملة على كتبِه المدرسية (الشهيد البطل مثنى قاسم الكلابي)، خصوصًا بعد سماعة لفتوى المرجعية الرشيدة التي حثّت الشباب على الالتحاق بجبهاتِ القتال للدفاعِ عن الأرض والعرض والمقدسات. تقول أم الشهيد مثنى إنّها حاولتْ منعه كثيرًا لتصدَّه عن هذا القرار، ألا وهو قرار الالتحاق بجبهات القتال لكن دون جدوى، فقد كان مصرًا ولم يكن بيدها سوى الموافقة على أنْ ترسل ولدها إلى سوح العزة والشرف. وفعلًا انطلق وقد ملأتِ الأفراحُ قلبه. التحق في قاطع (بيجي) مُصرًا على نيل الشهادة، حتى نالها، فتشرف به أهله ومدينته، وسُميَّت المدرسةُ التي كان يدرس فيها باسمه. اقتدى مثنى بشبلِ سيد شباب أهل الجنة القاسم بن الحسن (عليهما السلام)، وسطَّر ملاحمَ البطولة والولاء على سواتر الشرف مدافعًا عن أرضه، مُلبيًا لنداء مرجعيته الرشيدة.
اخرى