بقلم: دعاء الربيعي نرى الشبابَ اليوم مغترين بشبابهم وقوتهم ظنًا منهم أنها تدوم، فتراهم يرتكبون المعاصي ويتبجحون بها غير مبالين بما يقال عنهم، لكن ليعلموا أنّ هذا الشباب فانٍ، وهذه القوة زائلةٌ لا بد لها من الأفول يومًا ما. وآنذاك لن ينفع الإنسان إلا أعماله الصالحة، كما ورد في الحديث الشريف: "اغتنم خمسًا قبل خمسٍ: شبابُك قبل هرمك، وصحتُك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" وعلى الرغم من قوة الشباب ونشاطهم في هذه المرحلة، إلا أننا نجد تثاقلًا من بعضهم عن أداء الفرائض خصوصًا الصلاة لا سيما صلاة الصبح، فتراهم يسهرون طوال الليل، وبالتالي يصعب عليهم أداؤها في وقتها المخصص. كما نجد تكاسلًا عن قراءة القرآن الكريم، مما يتوجب علينا حثهم دائمًا على العبادات، وترغيبهم بها وبالثواب المترتب عليها، وتذكريهم بالعقوبة المترتب على التهاون في أدائها. كما ينبغي استثمار هذه المرحلة من العمر في السعي إلى إتقان مهنة أو كسب تخصّص، وإجهاد النفس والكدح لأجله؛ فإنّ فيه بركاتٍ كثيرةً يشغل به الشاب قسمًا من وقته، فيقضي على الفراغ، وينفق به على نفسه وعائلته، فينفع به مجتمعه، ويستعين به على فعل الخيرات، ويكتسب به التجارب التي تصقل عقله وتزيد خبرته، ويطيب به ماله، لأنّ المال كلّما تعب الإنسان في تحصيله أكثر كان أكثر طيبًا وبركةً. كما أنّ الله (سبحانه وتعالى) يُحبّ الإنسان الكادح الذي يُجهد نفسه بالكسب والعمل، ويبغض العاطل والمهمل ممّن يكون كلًا على غيره، أو يقضي أوقاته باللهو واللعب. فلا ينقضينَّ شباب أبنائنا من دون إتقان مهنة أو تخصّصٍ؛ فإنّ الله (سبحانه) جعل في الشباب طاقاتٍ نفسيّةً و جسديّةً ليكوّن المرء من خلالها رأسُ مالٍ لحياته، فلا يضيعنّ بالتلهّي والإهمال. نرى اليوم الكثير من الشباب المسلم عاطلاً عن العمل بحجةِ عدم توفر الفرص المناسبة، أو لأن الأهل هم من ينفقون على الشاب، وهذا أحد الأسباب التي تؤدي بالشباب إلى الضياع؛ فالشاب الذي ليس لديه ما يشغل به وقت فراغه، تراه يتصفح مواقع التواصل بلا فائدة وبلا هدفٍ يُذكر، وبالتالي يؤدي ذلك إلى انحرافه عن جادة الصواب. أما إذا شغل وقته بعمل أو بوظيفة نافعة يكسب منها رزقًا حلالًا يُنفق منه على نفسه وعلى أسرته، فلا يشعر بالممل أو الضجر؛ لذلك حفزوا أولادكم العاطلين عن العمل وخصوصًا الشباب على البحث عن عمل أو وظيفة ما. وأما بالنسبة للفتيات، فما أجمل تعليمهن بعض الأعمال اليدوية مثل الخياطة أو الحياكة أو غير ذلك من الأعمال اليدوية، خصوصًا في فترة العطلة الصيفية ليشغلن بذلك وقت فراغهن بها، بدل أنْ تهدر معظم وقتها أمام شاشة التلفاز وما يبث من مسلسلات وأفلام تشوّه عقل البشر، أو في تصفح مواقع الإنترنت الخادعة. ومما تنبغي الإشارة إليه: أن ليس جميع البرامج التلفازية أو المواقع التواصلية هي غير مفيدة، لكن الاستعمال الغالب لها هكذا، فلا بأس أن تشاهد الفتاة أو الشاب بعض المسلسلات الهادفة التي لا يوجد فيها وفي سياق أحداثها ما يُخلُّ بالحياء والعفة، ولا بأس بأن يتصفحا بعض المواقع المفيدة ليتعلما بعض الأمور، ولاسيما بالنسبة إلى الفتيات بعض التطبيقات التي تتضمن الكثير من الأفكار المنزلية الرائعة والوصفات وغير ذلك. ومن الضروري جدًا تحبيب الالتزامات إلى الشباب وتبغيض النواهي إليهم بطريق الترغيب وبلغة العصر وبما تميل إليه أنفسهم، كتوجيههم إلى الالتزام بمكارم الأخلاق وتجنّب المذموم منها، عن طريق بيان أنَّ ما من سعادةٍ وخيرٍ إلا ومبناها فضيلة، وما من شقاءٍ وشرٍ ــ عدا ما يختبر الله (تعالى) به عباده ــ إلاّ ومنشؤهُ رذيلة. والأخلاق الفاضلة: هي العفاف في المظهر والنظر والسلوك، والصدق في القول، والصلة للأرحام، والأداء للأمانة والوفاء بالعهود والالتزامات، والحزم في الحق، والترفع عن التصرّفات الوضيعة والسلوكيّات السخيفة. وأما الأخلاق الرذيلة: فالعصبيّات الممقوتة، والانفعالات السريعة، والملاهي الهابطة، ومراءاة الناس، والإسراف عند الغنى، والاعتداء عند الفقر، والتبرّم عند البلاء، والإساءة إلى الآخرين، ولا سيّما الضعفاء، وهدر الأموال، وكفران النعم، والعزّة بالإثم، والإعانة على الظلم والعدوان، وحبِّ المرء أنْ يُحمد على ما لم يفعله. ولا بُدَّ للمرء لكي يضمن من نفسه التحلّي بالأولى والتخلّي عن الثانية من الالتزام ببرنامج محاسبة النفس، بدءًا بمشارطتها ومراقبتها ومحاسبتها وانتهاءً بمعاقبتها إن هي لم ترتدع إلا بها. وعلى الرغم من أنَّ العفاف خلقٌ يجب أن يتسم به الشاب والشابة على حدٍ سواء، إلا أنّها للفتيات أهم؛ فإنّهن لظرافتهن أكثر تأذّيًا وتضرّرًا بالسلبيات الناتجة عن عدم الحذر تجاه ذلك. فلا ينخدعن بالعواطف الزائفة ولا يَلِجن في التعلُّقات العابرة مما تنقضي ملذّتها، وتبقى مضاعفاتها ومنغّصاتها. فلا ينبغي للفتيات التفكير إلاّ في حياةٍ مستقرّة تملك مقوّمات الصلاح والسعادة. وما أوقر المرأة المحافظة على ثقلها ومتانتها المحتشمة في مظهرها وتصرفاتها، المشغولة بأمور حياتها وعملها ودراستها! فلا تنخدعي أختي المؤمنة وخصوصًا أنتِ الشابة التي تذهبين للجامعة أو مقرِّ عملكِ، ولا تغتري بالموضة في ارتداء الحجاب والملابس؛ فإنّ هدف الغرب هو إماتة اللباس والزي الإسلامي وتبديله بأزياءٍ غربية تُحاكي الموضة وتجعل من جسمكِ عرضةً للآخرين. وتأملي أخيتي الفاضلة بالفاكهة، فإنّكِ تفضلين ما كان بقشره منها على منزوع القشر؛ لاحتمال تعرض الأولى إلى التلوث والأتربة وما شابه ذلك. وكذلك الشاب المؤمن لو فكّر في الزواج حتمًا سيختار المرأة العفيفة الطاهرة التي لم تُبرِز مفاتنها أمام الآخرين. كما لا تغفلي عن الاهتمام بتكوين الأسرة بالزواج والإنجاب من دون تأخير؛ فإنّ ذلك أنسٌ للإنسان، وباعثٌ على الجدّ في العمل، وموجبٌ للوقار والشعور بالمسؤولية، واستثمارٌ للطاقات ليوم الحاجة ووقايةٌ للمرء عن كثيرٍ من المعاصي المحظورة والوضيعة حتى ورد: أنّ من تزوّج فقد أحرز نصف دينه. وهو قبل ذلك كلّه سُنّةٌ من أوكدِ سنن الحياة، وفطرةٌ فُطِرت النفس عليها، ولم يفطم امرؤ نفسه عنها إلاّ وقع في المحاذير، وابتلى بالخمول والتكاسل. وبالنسبة إلى الشباب، فلا يخافنّ أحدكم فيه فقرًا فإنّ الله (سبحانه) جعل في الزواج من أسباب الرزق ما لا يحتسبه المرء في بادئ نظره. وليهتم بخلق من يتزوجها ودينها ومنبتها، ولا يبالغن في الاهتمام بالجمال والمظهر والوظيفة؛ فإنّه اغترارٌ سرعان ما ينكشف عنه الغطاء عندما تُفصِحُ له الحياة عن جدّها واختباراتها، وقد ورد في الحديث التحذير من الزواج بالمرأة لمحضِ جمالها. وليعلم أنّ من تزوّج امرأة لدينها وخُلُقها بوركَ له فيها. ولتحذر الفتيات وأولياؤهن من ترجيح الوظائف على تكوين الأسرة والاهتمام بها، فإنّ الزواج سُنّة أكيدة في الحياة، وأما الوظيفة فأشبه بالنوافل والمتمّمات، وليس من الحكمة ترك تلك لهذه. ومن غفل عن هذا المعنى في ريعان شبابه ندم عليه عن قريبٍ حين لا تنفعه الندامة، وفي تجارب الحياة شواهد على ذلك. ولا يحقُّ لأوليائهنّ عضلهن عن الزواج أو وضع العراقيل أمامه بالأعراف التي لم يلزم الله (تعالى) بها، مثل الغلاء بالمهور، والانتظار لبني الأعمام أو السادات، فإنّ في ذلك مفاسد عظيمة لا يطلعون عليها. وليُعلم أنّ الله (سبحانه) لم يجعل الولاية للآباء على البنات إلاّ للنصحِ لهن والحرصِ على صلاحهن، و من حبس امرأةٍ لغير صلاحِها فقد باء بإثمٍ دائم ٍ ما دامت تعاني من آثار صنيعه وفتح على نفسه بذلك بابًا من أبواب النيران. لذا نأمل من أعزِّتنا شباب اليوم، ورجال المستقبل أن يكونوا على قدر المسؤولية التي أُنيطت بهم؛ فهم عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملو لوائها ورايتها، وقائدُو مَسيرتها إلى المجد والنصر. فأنتم أيُّها الشباب أغلى ما تمتلك الأمة، فالأمم تمتلك كثيراً من المقدرات: مقدرات اقتصادية، عسكرية، ومقدرات جغرافية، إنسانية وأغلى ما تمتلك الأمة من المقدرات الإنسانية هم الشباب. فإذا أردت أن تعرف مستقبل أيّ أمةٍ فلا تسَلْ عن ما تملك من أموال وثروة، بل انظر إلى شبابها واهتماماتهم، فإذا رأيته شبابًا متدينًا يُفدي نفسه من أجلِ نصرة معتقده ودينه ومقدساته كما هو حال بعض شباب العراق الباسل الذي التحق للدفاع عن تراب بلده من دنس الحاقدين، فاعلم أنّها أمةٌ جليلةٌ الشأن، قويةُ البناء، لا تُهزم بسهولةٍ، ولن تستسلم للطغاة أبدًا. وإذا رأيته شبابًا هابطَ الخلق، منشغلًا بسفاسف الأمور، يتساقط على الرذائل فاعلم أنّها أمةٌ ضعيفةٌ مفككةٌ، سرعان ما تنهار أمام عدوها. ونحن إنْ شاء الله (تعالى) أمةٌ قويةٌ بإيمانها وبشبابها الواعي الذي يُحارب أعداء الله ليظفر بالنصر الذي بات قريبًا. وأخيرًا أوجِّه رسالتي إلى المربين وأقول لهم: اتقوا الله في فلذات الأكباد، ولا يقودنكم الغضب لظلمِ أبنائكم والإساءة إليهم والتفريط بهم، ثم تطلبون صلاحهم وطاعتهم، فذلكم النقيض وضده، ولا يلتقي النقيضان. وربما كان هناك آباء فقدوا زمام التربية وتركوا أولادهم دون مراقبة، فانحلّوا، وضاعوا، ولم ينصاعوا لأوامر آبائهم. أخواتي إخوتي، إنّ الغيور ليتساءل: كيف لأبٍ أو أمٍ أنيطت بهما أمانة عظيمة ينامان قريري العينين، يكتحلان بالنوم ملء جفنيهما، وأبناؤهما خارج منزلهما. فلا بُدَّ من رعاية الشباب والناشئة ومراقبتهم مراقبةً جدية، والتقرب منهم وكسبهم كأصدقاء ليتحدثوا إليكم عن مشاكلهم وما يجول في خواطرهم من أسئلة وأفكار. كما يتوجب عليكم أنْ تُرشدوهم إلى الطريق الصحيح الواضح حتى يكونوا نواةً صالحةً لدينهم ومجتمعهم، ولا يكونوا عالةً على المجتمع، ولا يشوّهوا صورة الإسلام والمسلمين ولا تتزعزع عقيدتهم بدينهم. فاتقوا الله معشر العباد، واحفظوا وصية الله (تعالى) إيّاكم في الأولاد، وتذكروا موقفكم يوم المعاد: " يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ". فأنتم مسؤولون عن انحراف الشباب، ومُحاسبون على تربيتهم أمام رب الأرباب. اللهم انفعنا بالقرآن الكريم، وبهدي النبي العظيم، واجعل شبابنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اخرىبقلم: دعاء الربيعي من المعروفِ جيدًا لدى الجميع أنّ الأسرةَ هي عمادُ المجتمع، وهي اللبنةُ الأولى لبنائه، كما أنّها تُعدُّ العامل الرئيسي في صلاحِ الأمّة؛ فإنْ صَلُحت الأسرة صلُح المجتمع، وإنْ فسُدت فسُد المجتمع وانهار وتفكك. ومع بالغ الأسفِ نرى اليومَ أنّ الأسرةَ المسلمةَ المحافظة هبّتْ عليها رياحٌ غربيةٌ غزتها ودمرتْ موروثها الحضاري وألغت أعرافها وتقاليدها؛ مما أدّى إلى زحزحتها عن خصائصِها وقيمِها؛ ففقدتْ ريادتَها للمجتمع، فلم تَعُدْ كما كانت تجمعُ أفرادَها قيمُ الترابطِ والتراحم. ومن هنا ظهرت مشكلةُ التفككِ الأسري، التي باتتْ تنذرُ بشرٍّ مستطيرِ إذا لم يسعَ أهلُ الفكرِ والذكرِ والعقلاء إلى وضعِ الحلولِ الناجعة لها، حتى تجتاز الأسرةُ المسلمةُ مرحلةَ التذبذبِ والحيرةِ بين القيمِ الإسلامية والقيمِ الوافدةِ بما تحتويه من أعرافٍ وأفكارٍ ومفاهيمَ غريبةٍ اجتاحتِ الأسرة، وهدّدت كيانها، وعرّتْها عن هويتها وأصالتها الإسلامية؛ لذلك فإنّ من الواجبِ على الشريحةِ المثقفةِ الواعية أنْ تتصدّى لهذا الأمر الخطير، وعليهم أنْ يُسارعوا في إيجادِ الحلولِ والعلاجات الصحيحة التي من شأنِها أنْ تحدَّ من ظاهرةِ التفككِ الأسري. وقبلَ البدء بإيجاد العلاجاتِ لابُدَّ من معرفةِ السببِ الرئيسِ الذي يقفُ وراءَ هذا المرضِ الخطير، ومعرفةِ الأيادي الآثمة التي لعبتْ دورًا كبيرًا في زعزعةِ الكيانِ الأسري الآمن. وحتى نتعرفَ على مُسبباتِ الأمر، وجّهنا السؤالَ التالي إلى شريحةٍ متنوعةٍ من المجتمع لمعرفةِ آرائهم: يُعدُّ التفككُ الأسري من أهمِّ أسبابِ تفكك المجتمع، فمن وجهةِ نظركم من أين ينشأ التفكك الأسري وما هو المُسبِّب الرئيسي له؟ فكانت الإجاباتُ كالتالي: * أوضحتِ الحقوقيةُ المتقاعدةُ في محكمةِ النجف نادية شلاش: أنَّ التفككَ الأسري أساسُه المشاكلُ التي تعاني منها الأسرة، وخصوصًا المُشاحنات التي تقع بين الأبوين، وكذلك تبادل الإهانات والشتائم، وقد تصلُ في بعضِ الأحيان إلى الاعتداء الجسدي من قبل أحد الطرفين؛ مما يؤدي إلى فقدان الاحترام بين أفراد الأسرة، وتجعل الأبناء يهربون من الواقع الذي يعيشون فيه، فيكثرُ التباعدُ وتقلُّ صلاتِ الرحم، وتتشتت العائلة، وتنحلُّ الأواصرُ التي تربطها، وبذلك ينشأ التفكك الأسري. على حين أوضحتِ مدربةُ التنميةِ البشريةِ في كُليةِ الكفيلِ الجامعة الاستاذة سجى الطريحي قائلة: إنّ التفككَ الأسري ينشأُ ويستشري في الأسرة بسببِ عدمِ الوعي الكافي، وانعدامِ الثقافة الأسرية للأب وللأم. ونحنُ في مجالِ التنميةِ البشرية نعملُ على آليةِ اتخاذِ شريكِ الحياة وفقَ معاييرَ معينةٍ توضع في اختيار شريك الحياة؛ فغالبًا ما يغلبُ على الرجلِ عاطفته فيختار وفقَ ميولِه ومشاعره، وبمجردِ حصولِ الارتباط تتلاشى شيئًا فشيئًا، ويبدأ النزاع والصراع بين الزوجين؛ لذلك يتوجبُ أنْ ننتبهَ إلى قضيةٍ مهمةٍ جدًا تُساهمُ بشكلٍ فعّالٍ في إدامةِ الودِّ والمحبةِ في أجواءِ الأسرة، وهي قضيةُ اختيارِ شريكِ الحياة المناسب لتجنب المشاكل الأسرية فيما بعد. أمّا وجهةُ نظرِ الدكتورة آمال آل حيدر رئيسةُ قسمِ ضمانِ الجودةِ والأداء الجامعي في كُليةِ الإمامِ الكاظم (عليه السلام) الجامعة، فكانت: التفككُ الأسري هو تفككٌ للمجتمع؛ حيث إنّ الأسرةَ هي عمادُ المجتمع، وكيفما تكونُ يكون المجتمع، فإن كانت ذات أسسٍ رصينة كان المجتمعُ قويًا متماسكًا يشدُّ بعضُه بعضًا، وإنْ كانت ضعيفةً خاويةً على عروشِها نتجَ عنها مُجتمع يحملُ ذات الصفات. ونرى في الآونةِ الأخيرة شيوعَ ظاهرةِ التفكك الأسري التي نشبت أظفارها في جسدِ الأسرةِ وعاثت فيها فسادًا، ولعلَّ الأسبابَ متعددةٌ لنشوءِ هذه الحالة التي ما برحت طويلًا، حتى أضحت ظاهرةً واضحةً أشدّ الوضوح. ومن أبرزِ أسبابها ادعاءُ الحريةِ الشخصية بدلًا من التكاتفِ والتعاضدِ الأسري، فكُلُّ فردٍ في الأسرة يحرصُ على الحفاظِ على خصوصيتهِ بعدمِ إشراكِ باقي أفرادِ أسرته بما لديه من أفكارٍ ومقترحات. وأخيرًا بيّنتِ الأستاذةُ الكاتبةُ زينبُ النصراوي: إنّ من أهمِّ أسبابِ التفكك الأسري هو غيابُ الوعي الثقافي والديني في كيفيةِ إدارةِ الأسرة، وتخلي أفراد الأسرة عن مسؤولياتهم تجاه بعضهم البعض. وبلا شك أنَّ هناك الكثير من الأسباب والدواعي التي تؤدي إلى ابتعاد أفراد الأسرة عن بعضهم البعض؛ ففقدُ أحد الأبوين عن الأسرة هو أحدُ مسبباتِ التفكك. وليس بالضرورةِ أنْ يكونَ الغيابُ جسديًا، فلربّما يكونُ الغيابُ المعنوي أشدَّ تأثيرًا على الأسرة؛ فهناك الكثير من الآباء الحاضرين الغائبين عن أسرهم. كما أنّ صراع الأدوار بين الرجل والمرأة هو أحدُ المسبباتِ الرئيسية للتشتت الأسري، ولا ننسى أيضًا ثورةُ الاتصالاتِ والتطوّر التكنلوجي الذي ساهمَ مُساهمةً فعًّالة في تفككِ الأواصر الأسرية وبعد الأفراد عن بعضهم البعض. ختامًا أقول: إنّه مهما تعددت أسبابُ التفكك، فإنّ النتيجةَ واحدةٌ وهي خرابُ الأسرة ودمارها وبالتالي خراب المجتمع. وبما أنّ هذه الظاهرة هي مرضٌ خطيرٌ يفتكُ بالروابطِ الأسرية، فلا بُدّ من السعي لإيجاد حلٍ لهذهِ الظاهرة. ولا ننسى دور الأب والأم في أن يسعيا جاهدين لحلِّ النزاعاتِ الأسريةِ خصوصًا التي تحدثُ بينهما؛ لأنّها المدخلُ الأولُ للتفكك. كما يتوجب على الأسرةِ ككُلّ أنْ تكونَ واعيةً لما يحدثُ لها، وأنْ يعمل أفرادُها مجتمعين على تنميةِ روحِ الانتماء فيما بينهم، وأنْ تسعى إلى تهيئةِ الجو الأسري المناسب الذي يُحقِّقُ حياةً سعيدةً وهانئةً وهادئةً لأفرادِها، وأنْ يشاركَ الأبوان لغرسِ بذورِ التعاون والإخاء بين أولادهم ويُروّونها جيدًا لتُعطيَ ثمارًا يانعةً وأزهارًا فوّاحةً يرتوي من عطرها المجتمع بأجمعه.
اخرىبقلم: دعاء الربيعي يعاني المجتمعُ من مجموعةٍ من الظواهرِ السلبيةِ المنتشرة فيه، ومن أهمِّ وأخطرِ هذه الظواهر هي سُرعةُ التأثُر بالمُغرياتِ، والانصياع للرغبات، والانسياق وراءَ الشهوات. وكُلُّ فئةٍ من فئاتِ المُجتمعِ مُعرضةٌ للتأثُّرِ بالمُغريات، لكنّ فئةَ الشبابِ تُعدُّ هي المُتأثِر الأول والأسرع بهذه الظواهر؛ وذلك لأنّ مرحلةَ الشباب تتفرّدُ عن غيرِها من المراحل، ففيها تكونُ الانطلاقةُ الحقيقةُ للفردِ، فهي مرحلةٌ دافقةٌ ومليئةٌ بالحيوية والنشاط، وهي مرحلةٌ متأججةٌ بالاندفاعية والإرادة، مليئةٌ بالطاقاتِ والطموحاتِ والتطلعاتِ. ففي مرحلةِ الشباب يكتملُ نموّ الإنسانِ جسميًا وفكريًا، وتُسمّى الفترةُ الذهبيةُ من حياةِ الإنسان؛ لأنّها مرحلةٌ واقعةٌ بين ضعفِ الطفولةِ والصبا وضعف الشيخوخة. وفي هذه المرحلة العمرية تتبلورُ وتتشكلُ ملامحُ شخصيةِ الفرد من عدّةِ نواحي: وهي الجسدية، والنفسية، والعقلية، والعاطفية؛ لتتجلى فيها الشخصيةُ الحقيقية. ولأنّ مرحلةَ الشباب تختلطُ فيها العواملُ الإيجابيةُ والسلبيةُ والمؤثرات الجيّدةُ والرديئة؛ لذا فإنَّ فئةَ الشبابِ هي الفئةُ المستهدفةُ من بينِ فئاتِ المُجتمعِ الأخرى بالدرجة الأولى، مستهدفة من قبل المُصلحين والمُفسدين؛ لما للشبابِ من أهمية، ولما لهم من سرعةِ تأثرٍ واستجابةٍ وتحوّلٍ وحماس. لذا نجدً أنّ الشبابَ هم الضحيةُ الأولى، وهم المتأثرُ الأولُ بالمغريات من حولهم بغضِّ النظرِ عمّا إذا كانت سلبيةً أو إيجابيةً يُراد بها إفسادهم أو إصلاحهم. ولأنّ شخصيةَ الشبابِ عادةً ما تكونُ سطحيةً خاليةً من التدبر والتأمل نراهم يقعون في حبالِ المُغرياتِ المُفسدة التي تودي بهم إلى الهاوية. وبما أنَّ التأثرَ بالمُغرياتِ له مردوداتٌ سلبيةٌ على الفردِ والمُجتمعِ ككل، توجّبَ علينا أنْ نسلطَ الضوءَ على هذه الموضوعة الحسّاسة والمهمة، ونبحث عن أسبابها والدوافع التي تقفُ وراءَ انتشارِ هذه الظاهرة بين فئةِ الشبابِ، ونسعى لوضعِ حلولٍ ناجعةٍ تُساعدُ على الحدِّ من التأثر السلبي. لذا توجّهنا بالسؤال إلى بعض المختصين وأصحاب الخبرة وسألناهم عن سببِ سرعةِ تأثُّرِ الفردِ الشابِ بالمغرياتِ دون غيره من الفئات الأخرى؟ وكيف يُمكنُ الحدُّ من ذلك؟ وما هي انعكاساتُ وآثارُ هذا التأثّر على حياةِ الشابِ في المستقبل؟ وكانت الإجاباتُ متنوعةً وذاتَ أبعادٍ مختلفة منها: أولًا: العالم الإلكتروني. وهو أهمُّ مسبباتِ التأثر السلبي، هذا ما أكدت عليه أ. م. د. فاطمة كريم رسن، جامعة ابن رشد/ كلية التربية / قسم اللغة العربية، حيث قالت: تتعرضُ فئةُ الشبابِ في عصرِنا الحالي إلى موجةٍ عارمةٍ من التحديات على مستوى التعاطي الفكري والأخلاقي والنفسي في ظلِّ المؤثراتِ السمعية والمرئية التي أتاحتها السوشيل ميديا (العالم الإلكتروني) دون ضابطةٍ تُحدِّدُ منافعَ هذه التقنية من مضارها والمتمثلة بمقاطع الفيديو اللا أخلاقية والمنشورات ذات الأفكار المدسوسة.. إلخ. وكلُّ هذه الأمور بلا شك سوف تهدرُ وقتَ الشابِ على الأمورِ غير النافعةِ التي لا تُسمِنُ ولا تُغني من جوع، ثم إنّ مسار تعاملِ الشبابِ بهذا المستوى وعلى هذه الشاكلة يُعرِّضه إلى إشكاليةِ هدرِ الوقتِ، والفراغِ الفكري، وخواء النفس. ويُساعدُ على ذلك قلّةُ معرفتِه وعدمُ ضبطِ سلوكِه على الأغلب، فيكون الشاب فريسةً سهلةً تطيحُ به تلك المُغريات. وهناك عدةُ مؤشراتٍ يُمكنُها أنْ تتركَ أثرًا كبيرًا في انحرافِ الشباب وهي بذاتِها تُعدُّ من موجباتِ حمايتِه وبنائه بناءً سليمًا لو اشتغلَ عليها على النحوِ الصحيح وهي: الالتزام الأخلاقي، والقرب من الله (تعالى) بالاطلاع ولو بنسبةٍ قليلةٍ على التعاليمِ الإلهية من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودور الوالدين، ومقدار عنايتهم بالأبناء وتحليهم بنسبةٍ وافيةٍ من المعرفةِ النفسيةِ والتربوية في طريقةِ تربيتهم، والبيئة والمحيط، وهو مؤشرٌ ليس باليسيرِ إغفاله؛ فانتشارُ المؤشراتِ السلبية لا يُمكنُ تجاوزوها لذلك هناك أثرٌ كبيرٌ للمجتمعِ في توجيهِ الشبابِ وغيرها الكثير. ولا شكَّ أنّ ضغوطاتِ الحياةِ المختلفة أيضًا تُساهمُ في خلقِ فئةٍ شبابيةٍ مهزوزةٍ من الداخل، ذات وعيٍ منقوصٍ لا يعي خطورة المرحلة التي يعيشها بكُلِّ مؤثراتِها المُتمثلةِ في قتلِ المقدرة العقلية البنائية للشباب المسلم التي تُمكِّنه من بناء مستقبله. وهنا تكمن المشكلة، وغايةُ دولِ الاستكبار من البلدان الإسلامية تحطيمُ الشبابِ معنويًا وفكريًا لصيرورة مجتمعٍ سلبي غير قادرٍ على البناء، ومن ثم يكونُ أداةً سهلةً في عجلةِ الاستكبارِ العالمي الذي غايته الكبرى هو تهديمُ وتدميرُ الدين الإسلامي من خلال ضعف بنيته الشبابية. ثانيًا: التوجيهُ الصحيحُ يُساهمُ في حلِّ مشكلةِ التأثر. هذا ما أوضحته الدكتورة كوثر حسن، جامعة كربلاء/ كلية التربية قسم العلوم الإسلامية؛ إذ أشارت إلى أنّ الشبابَ يمرُّ بمرحلةِ النضجِ الفكري والعقلي والوجداني، مما يؤدي ذلك إلى محاولةِ إشباعِ حاجاتِه النفسية والعقلية والفكرية والمهنية وغيرها؛ فنجدُ الشابَ يخضعُ أحيانًا إلى مغرياتٍ من شأنِها أنْ تُشبعَ هذه الحاجاتِ لكونه يمرُّ بفترةٍ حرجةٍ من حياتِه، فلا بُدَّ من توجيهِ طاقاتهم الخلّاقة وحماستهم التوجيه الصحيح. ويُمكنُ أنْ نحدَّ من سرعةِ تأثرِ الشباب بالمغريات من خلالِ التوجيه والتوعية الدينية وفسح المجال للشباب للتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم واحتوائهم من خلال معرفة متطلباتهم ورغباتهم، ومحاولة الاستجابة لها ومنها: توفير فرص عمل للشباب؛ لتفريغِ الطاقاتِ الكامنة والأفكار البنّاءة، وبذلك نكونُ قد بنينا مجتمعًا صحيحًا متكاملًا وفقَ أسسٍ رصينةٍ وثابتة. ثالثًا: ضعفُ الشعور بالذات من أهمِّ عواملِ التأثر. هذا ما أشارت إليه الأستاذة الحوزوية اعتدال العجمي من دولة عمان/ جامعة المصطفى العالمية، حيث قالت: الإنسانُ عبارةٌ عن مجموعةِ عناصرٍ مادية ومعنوية، حسية وروحية، ولبنائه بناءً سليمًا لا بُدَّ من إشباعِ هذه العناصر والعناية بها؛ لذا يجبُ أنْ يُعدَّ الشبابُ بشكلٍ خاص إعدادًا سليمًا متكاملًا، روحيًا وبدنيًا وفكريًا ونفسيًا وعقليًا وعاطفيًا ووجدانيًا، كلُّ ذلك من مُنطلقاتٍ مُتعددةٍ أساسها العقائد الحقّة، حيثُ يجبُ أنْ يُربّى الشبابُ على الاعتزازِ بدينهم، والتمسك بهويتهم، ويتوجّبُ عليهم أنْ يكونوا أقوياء في أجسامهم وعقولهم وأرواحهم وأخلاقهم، وأن يكونوا مراقبين لسلوكياتهم، مغتنمين مرحلة الشباب بكُلِّ ميزاتها وخصائصها. أما موضوعةُ لهثِ الشبابِ خلفَ المُغرياتِ وانجرارهم نحوها فله عدةُ أسبابٍ منها: الاتكالية، واللامبالاة، وضعف الشعور بالذات، وعدم القدرة على تحمُّلِ المسؤوليات الجسمية؛ حيث يكونون مصدرًا للمتاعب والمشاكل، ويُشكلون عبئًا على الأسرة والمجتمع، عاجزين عن تحمُّلِ زلاتهم وتبعاتها والإدلاء برأيهم في القضايا المصيرية. بالإضافةً إلى الجهل والهمجية وسوء الأخلاق؛ بسبب الابتعاد عن الدين، وضعف الإيمان، والانعزال عن أهلِ العلمِ والصلاحِ، والانغماسِ والغرق في لُججِ الفتن والملذات والأهواء، وتدني مستوى التطلعات، والانشغال بالأماني الفارغة، كلُّ تلك الأمور تُساعدُ وتُساهمُ بشكلٍ فعّالٍ في سرعةِ تأثرِ الشبابِ بالمُغرياتِ، وتكونُ دافعًا أساسيًا لهم في الابتعاد عن الطريق الصحيح والمنهج القويم؛ فتنقلبُ كافةُ الموازين، وتتبدل أغلبُ المضامين فيصعبُ الإصلاحُ، وقد يتعذّر أو يستحيلُ؛ فمن شبَّ على شيءٍ شاب عليه. رابعًا: احتواء الشباب والشعور باحتياجاتهم. وهذا ما بيّنته الأستاذة الحوزوية عبير ياسر الزين من دولة سوريا/ حوزة بنت الهدى، حيث قالت: الشبابُ بطبيعةِ الحالِ يحتاجون إلى من يحتويهم، ويشعرُ ويتفهمُ أفعالهم التي يقومون بها؛ فمثلًا إنْ قلّدوا ظاهرةً ما فيتوجبُ علينا قبلَ أنْ نحكمَ عليهم أو نوبخهم أن نسألهم عن السبب الذي جعلهم يُقلّدون ويحاكون هذه الظاهرة أو تلك، فأحيانًا يجدُ الشابُ نفسَه أو يُحققُ ذاته أو يُثبتُ شخصيته في تقليدِ الآخر في مظهرهِ، كأن يقول: أنا أجد في نفسي حلاوةً عندما أقلِّدُ فلانًا من المشاهير، أو أحاكي تصرفاته، وهذا الشيءُ يجعلُني مقبولًا ومُحببًا بين أقراني! فهنا يتوجّبُ علينا كمُربين أنْ نوعّي الشاب، ونُبيّن له أنّ إيجاد نفسك أو إثبات ذاتك لا يكونُ بمحاكاةِ الآخرين أو تقليد الغير. جِدْ نفسك، وحقِّقْ ذاتك في أمورٍ مُحببةٍ لديك، أنت تنفردُ بها، كأن تكون صاحبَ هوايةٍ أو مهنةٍ مُشرّفةٍ تجعلُ منك إنسانًا ناجحًا يتبعك ويُقلدك الآخرون بدل أنْ تكون أنت مقلداً لهم. وهذا الأمرُ لا يتحققُ بسرعةٍ وبسهولةٍ، إذ يتوجّبُ على المُربين وأولياء الأمور أنْ لا ييأسوا من كثرةِ محاولاتِهم في إقناعِ أولادهم بأمرٍ ما، ونصحهم وتوجيههم نحو السلوك القويم. وبعد أنْ أنهينا الحديث مع المختصات اتجهنا بالسؤال إلى مجموعة من الشباب من فئة الإناث لنأخذ آرائهن حول موضوعة التأثر وكان سؤالنا: من وجهةِ نظرِك ماهي العواملُ التي تساعدُ الشباب على التأثر بالمُغريات والانجرار وراءها دون وعيٍ وإدراك؟ وماهي الرسالة التي تودين توجيهها إلى بناتِ عصرك فيما يخصُّ التأثر السلبي وصيانة النفس من الشهوات والوقوع في المحرمات؟ *هبة الموسوي، طالبة جامعية / 22عاماً قالت: برأيي قوةُ الشخصية لها الأثرُ الفعّال والكبير في ابتعادِ الشبابِ عن المُغريات؛ فالشابُ صاحبُ الشخصية القوية تكون لديه الرؤيا واضحةً ويستطيع أنْ يُميّزَ الأفكار الغريبة الدخيلة فيبتعد عنها ويكونُ بمأمنٍ من مضارِها المادية والمعنوية التي سوف تؤثرُ عليه سلبًا. ورسالتي لأخواتي هي أنْ يبتعدن عن التقليد الأعمى للغرب، وعليهن أن يميزن بين الصح والخطأ قبل أنْ يلجأن إلى التقليد. *غدير خم العارضي، طالبة في كلية الصيدلة/ جامعة الكوفة/ مرحلة ثانية، قالت: برأيي يتوجّبُ أن يكون الشابُ بالمستوى المطلوب، لكن مع الأسف نرى اليومَ أنّ أغلب الشباب ليس لديهم الوعي أو الثقافة المطلوبة فبمجرد أنْ يواجهه خطرٌ ما فإنّه سوف يقعُ فريسةً له؛ لأن ليس لديه أيّ رادعٍ ديني أو مرتكز يُمكنُه من التصدي أو مواجهة ذلك الخطر المحدق به. كذلك رفقاء السوء من وجهة نظري؛ إذ يُعدُّ صديق السوء مؤثراً قوياً وفعالاً في الشاب يجعله يحاكي تصرفاته ويفعل ما يفعلون، وكما تعرفون أنّ المرءَ على دين خليله، والإنسانُ بطبعهِ ميالٌ إلى محاكاة أقرانه وتقلديهم. ومن هنا يتوجّبُ على الشاب أو الشابة أنْ يُحسنا اختيار الصديق، ويبحثا جاهدين عن الخليل المثالي الذي يسلكُ به سبل الخير والفلاح. وأما رسالتي إلى أقراني من الشباب والشابات فهي الاعتناء بالتحصيل العلمي والسعي لتهذيبِ النفس سلوكيًا وأخلاقيًا؛ لأنّ الدراسة شيءٌ مهمٌ؛ فكُلّما كثُرت معلوماتِ الأنسان تنبّه من مواجهةِ الأمورِ المحيطة به بحكمةٍ ووعيٍ أكثر . *بنين عارف الجبوري، طالبة إعدادية/ 18 عاماً، قالت: سهولةُ الحصول على المُغريات برأيي هو عاملٌ أساسيٌ في خرابِ الشاب وتدني مستواه الأخلاقي، فاليومَ مع بالغِ الأسف نشهدُ تطورًا تكنلوجيًا لا مثيل له، وقد دخل البيوت من أوسع أبوابه، وبات موجودًا في كُلِّ غرفةٍ ولدى كل شاب، والشابُ يرى ويسمعُ ويتأثرُ بما يُعرضُ، وبالتالي يُقلدُ ويُحاكي ما يُشاهده وما يسمعه. ورسالتي للفتيات هي الابتعاد عن كُلِّ ما يُسببُ الانحلال الخُلقي والديني من برامجَ تلفزيونية ومواقعَ تواصلٍ إلى غيره من وسائل التكنلوجيا الحديثة. وختامًا، لكُلِّ ما ذُكِر على لسان الأخوات يُمكنُ القولُ: إنّ هناك عدةً من العوامل تؤثرُ في الشبابِ، وأهمها الجهل في الأحكام الشرعية الذي يُعدُّ من أخطرِ عواملِ التأثر السلبي لدى الأفراد بشكلٍ عامٍ، والشباب بشكلٍ خاص، فلو تعرف الشابُ على أحكامِ دينه لعرف ما يتوجّبُ عليه، ولميّزَ في حياتِه بين التأثر السلبي والتأثر الإيجابي؛ فكما هو معروفٌ أنّ هناك نوعين من التأثر؛ فمثلًا من يتأثرُ بشخصيةٍ غربيةٍ نتيجةً لما قدمته من علومٍ أو اختراعاتٍ وأفكارٍ علمية أفادت البشرية، فيتأثر الشابُ المسلمُ بها ويحاولُ أنْ يجتهدَ في الدراسة؛ كي يصلَ إلى ما وصلت إليه تلك الشخصية وهذا التأثر ممدوحٌ ولا بأس به، أمّا التأثر السلبي فهو ذلك الذي يؤدي بصاحبه إلى التشبه بمظهرِ وزي وتصرفاتِ الغرب التي تتعارضُ بطبيعةِ الحال مع قيمِنا وأخلاقِنا والتي غالبًا ما تكونُ مخالفةً للدين والشرع، ومغايرةً للعاداتِ والتقاليدِ السائدة. فيتوجبُ على المربين عامة وأولياء الأمور خاصة أنْ يحذِّروا الشباب من الانجرار وراء التقاليد الغربية؛ لأنّ تلك التقاليد وهذه المحاكاة هي بدايةُ النهاية، فيبدأ الشابُ بالتقليد الأعمى للمظاهر الغربية ثم ينجرُّ وراءَ الأفعال والأقوال إلى أنْ يقع فريسةً سهلةً لحبائلِ الشيطان ومكايده. ولذا تقعُ المسؤوليةُ علينا جميعًا في توعية الشباب توعيةً صالحةً؛ لأنّهم عمادُ الأمة وثورةُ الدولة وصناعُ الحضارة وبُناةُ الأوطان والأمجاد، كما أنّ رعايةَ وإعداد الشباب هي مسؤوليةٌ دينيةٌ ووطنيةٌ واجتماعيةٌ بحتة، ولا بُدّ من تظافرِ جهود جميع الجهات المسؤولة ضمن خططٍ وبرامجَ علميةٍ مدروسةٍ شاملةٍ، تشملُ الأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة والدولة بكلِّ مؤسساتها ومرافقها المعنية بإعداد وتكوين الشباب. وتتضاعف هذه المسؤولية في هذا العصر الذي تزدادُ فيه المُغريات والعولمة والفضائيات يومًا بعد يوم، والتي باتت منتشرةً ومتاحةً للجميع، وكُلّما ازدادت شياعًا ورواجًا في المجتمع ازدادت الضرورة إلى توعيةِ شبابِنا وإرشادهم نحو الطريق الصحيح الذي يؤمّنُ لهم حياةً آمنةً مُطمئنةً بعيدةً كُلِّ البُعدِ عن مُغرياتِ الغربِ التي تؤدي بالإنسان إلى ما لا يُحمَدُ عُقباه.
اخرىبقلم: دعاء الربيعي من بينِ ضحايا كربلاء والعطاشى والسبايا كانت هُناك شفاهٌ ذابلات، ودماءٌ سائلات من نحرٍ صغيرٍ، أعياهُ العطشُ وأنهكتْ بدنَه حرارةُ الشمس، تلقّفَتْه الأيادي الملائكية بعدَ أنْ نبتَ السهمُ اللعينُ في وسطِ نحرِه الصغيرِ، ذاكَ النحرُ الذي لطالَما قبّلَه الإمامُ الحُسينُ (عليه السلام) واستنشقَ عبيرَ عطرِه، لقد حظيَ هذا المولودُ بمكانةٍ خاصّةٍ في قلبِ أبيه، وكيفَ لا يكونُ كذلك وهو أصغرُ الأقمارِ التي أفلَ ضوؤها في كربلاء؛ فقد كانَ نحرُه الصغيرُ هو آخِر قرابينِ العشقِ الإلهي التي قدّمَها الحُسينُ (عليه السلام) يومَ العاشرِ من المُحرّمِ، وبرهنتْ دماؤه الزكيّةُ على بُطلانِ شرعيةِ الحكومةِ الأُمويّة، وساهمتْ في إسقاطِ عرشِ يزيدَ وفسادِ سلطتِه الدموية، وإزالةِ حُكمِه الذي شُيّدَ على الباطل، وثبتتْ دعائمَه على نُكرانِ الفضائلِ لآلِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله) الأصائل. لقد أرادَ الإمامُ الحُسينُ (عليه السلام) أنْ يوصلَ رسالةً هادفةً ذات مضامينِ عالية في الدقةِ مُستعينًا بهذا الشهيد الصغير وبدمِه الطاهر الذي شاءت إرادةُ الباري أنْ لا يُلامسَ الأرضَ لقداستِه وعظمتِه وأخذته السماءُ؛ ليكونَ شاهدًا ودليلًا على طُغيانِ بني أميّة إلى يومِ إحقاقِ الحق، فبريقُ الظمأ في عينِ ذاك الصغير وبراءتُه الذابلةُ التي لا تقوى على البُكاءِ أو التعبيرِ عمّا يجولُ في خاطرِها، وكفّاه الصغيرتان اللتان عجزتا عن ردِّ سهمِ المنيةِ عن عُنُقِهِ، وقلب أُمّهِ الذي تفطّرَ حُرقةً وأسىً على مولودٍ كالقمر، ماهي إلا أدواتٌ وأسلحةٌ فتّاكةٌ حملَها الرضيعُ ليُحارِبَ بها أعداءَ الباطلِ، وليُثبتَ للعالمِ أجمع أنّ الوقوفَ إلى جانبِ داعيةِ الحقِّ ونُصرتِه لا يتوقفُ عندَ حدٍ ولا ينتهي إلى أمدٍ ولا يختصُّ بفردٍ دونَ آخر، بل هو واجبٌ حتميٌ على كُلِّ من اتسمَ بالإنسانيةِ ودانَ بالوحدانية. فسلامٌ على ذلك النجمِ الصغيرِ اللامعِ الذي لا زالَ بريقُه يُنيرُ الدربَ لأحرارِ العالمِ أجمع.
اخرى