Profile Image

Najat Razak

دراسةٌ في عهدِ الإمامِ علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) ج٢

بقلم: نجاة رزاق الفضائلُ الأخلاقيةُ للحاكم: ثانيًا: الفضائلُ الاجتماعية: يتكلمُ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) عن الأخلاقِ الاجتماعيةِ بدليلِ قوله (عليه السلام): "ثم اعلمْ يا مالك، إنّي وجهتُك إلى بلاد …"، ثم يوصيه بالعمل الصالح؛ فإنّ السيرةَ الصالحةَ هي ما يُجريه الله (تعالى) على ألسنِ عبادِه، يقول (عليه السلام): "فَامْلِكْ هَوَاكَ، وَشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الانْصَافُ مِنْهَا فَيَما أَحْبَبْتَ وَكَرِهْتَ. وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالمحبة لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: ‏إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ ،يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَأ، ‏فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الأمر عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! ‏وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ". فقد أمر (عليه السلام) أنْ يكونَ العملُ الصالحُ هو الذخيرةُ ليومِ الآخرة، ولا يكونُ ذلك إلا باتباعِ مجموعةٍ من الصفاتِ الخُلُقية التي منها ما يلي: أولًا: عدمُ اتباع الهوى: إنّ متابعةَ الهوى توردُ الإنسانَ مواردَ الهلكات، وتُبعده عن خالقِه والطاعات، وقد نهى (عز وجل) عن اتباعِ الهوى في آياتٍ كثيرةٍ كقوله (تعالى): "وأما من خافَ مقامَ ربِّه ونهى النفس عن الهوى"(١)، ويقول (تعالى): "فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا"(٢)، وكذلك قوله (تعالى): "فاحكم بين الناس بالحقِّ ولا تتبعِ الهوى فيضلك عن سبيل الله"(٣) كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "أخوفُ ما أخافُ عليكم اتباعُ الهوى وطولُ الأمل" أما الشُح بالنفس فهو البخلُ بها عن الوقوع في المعاصي، (الشح الذي يدعو إليه أميرُ المؤمنين (عليه السلام) هو غيرُ الشحِّ المذموم في قوله (تعالى): "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المهتدون"، (وإنّما المرادُ بالشُحِّ أنْ لا يستجيبَ المرءُ لشهواتِ نفسهِ في كُلِّ ما تطلب ولو بالحرام، وتعدّي حدود الله، والاعتداء على الآخرين)(٤) وهي دعوةٌ بالصبر؛ فالصبرُ صبران؛ صبرٌ على الطاعة، وصبرٌ عن المعصية. ثانيًا: الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم: حيث إنّ الولاةَ على مرِّ التأريخ نراهم يشمخون على الرعية، وينظرون إليهم نظرةً فوقية، يرونَ الناسَ أقلَّ شأنًا منهم بسبب المنصب الذي هم فيه؛ لذا على الحاكم العادل أنْ يُحبَّهم ويحترمَهم ويلطفَ بأحوالهم، ولا يكون عليهم كالسبُع الضاري الجريء على الصيد، الذي ينتهزُ الفرصة لأكلِ أموالهم، وما أجملها من استعارة حين يصفهُ الإمامُ (عليه السلام) بأنّه (يغتنمُ أكلهم). ثم يذكرُ (عليه السلام) سببين من أسبابِ الرحمةِ، فإنّهم إما أخٌ لك في الدين وأراد بذلك المسلمين، أو نظيرٌ لكَ في الخلق، وهو باقي الطوائف والملل. لقد جسَّد هذا العهد وهذا الكلام أروع صورِ العدالةِ والمساواة بين أبناءِ الشعبِ الواحد؛ فإنّهم قد يصدرُ منهم الزلل ويعرضُ لهم الخطأ؛ لعدمِ معرفتِهم بأحكامِ الدين الإسلامي؛ لذلك لابُدّ من العفوِ والصفحِ. كما أنّ المسلمين أيضًا قد يصدرُ منهم السهو والانشغال عن تطبيقِ جميع أوامرِ الوالي؛ لأنّهم غير معصومين، فالأخطاءُ تصدرُ منهم بالعمدِ والخطأ، لذلك على الوالي أنْ يُشعرَهم المحبة والعطف واللطف والصفح. وقد رغّبَ الإمامُ (عليه الصلاة والسلام) باتباعِ هذه الأمور بقوله: "مثل الذي يُعطيه اللهُ من عفوه" فكما إنّك أيّها الحاكم ترغبُ بالرحمةِ والعطفِ واللطفِ منه (تعالى) كذلك هم يأملون ذلك منك؛ لأنّهم يرونكَ فوقهم في الحكم ومالك أمرهم. ____________________________ ١-سورة النازعات :٤٠ ٢- سورة النساء : ١٣٥ ٣-سورة ص : ٢٦ ٤- مع الامام علي في عهده لمالك الاشتر ،محمد باقر الناصري : ٣٦

اخرى
منذ 3 سنوات
590

الشعائرُ الحسينيةُ في الوصايا الرضوية/ حواريةٌ بين الكاتبِ حسين العبودي والكاتبة نجاة رزاق

بقلم: نجاة رزاق ها هو محرمُ الحرام قد نشرَ رداءَه الأسود على بيوتاتِ الشيعة؛ فبينَ راياتٍ تُرفرفُ تحملُ اسم الحسين (عليه السلام) وأخيه صاحب اللواء، وبين مجلسٍ يُقامُ هنا وهناك، وبين مُحبٍّ لاطمٍ على رأسه، وبين باكٍ بدموعٍ حارقة. تتكرّرُ على مسامعي روايةُ الريّان بن شبيب وما فيها من الوصايا الرضوية لمُحبي وأنصار الحسين (عليه السلام) في كُلِّ عصرٍ ومِصرٍ، وتُراودُني بعضُ الأسئلة حولَ تلك الكلمات التي تحتاجُ إلى بحثٍ ودراسة، وهي… السؤال: هل إنَّ الجاهليةَ فعلًا كانوا يعرفون ما هي الأشهر الحرام؟ الجواب: نعم، إنَّ الأشهرَ الأربعةَ التي وردَ ذكرُها في القرآنِ الكريم كانت معروفةً قبلَ الإسلامِ، وهي تعادلُ ربعَ السنةِ، كانوا يضعون فيها السيف، فيأمن العدوُّ. وعندما جاءَ الإسلامُ أقرّها وأوجبَها وأنكرَ على من كانوا يُبدّلون أحدَ الأشهرِ المتوالية بشهرٍ آخر؛ لذلك ترى الإمامَ الرضا (عليه السلام) يذكرُ ذلك للراوي ويقولُ له: إنّ المحرمَ هو الشهرُ الذي كانَ أهلُ الجاهليةِ يُحرِّمون فيه الظلمَ والقتالَ لحرمته. وإلى هذا أشار الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) حين خاطبَ الجيشَ فقال لهم: "إنّ لم يكنْ لكم دينٌ، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارًا في دُنياكم، وارجعوا إلى أحسابِكم إنْ كنتم أعرابا"(١) وهذا دليلٌ واضحٌ يدلُّ على أنَّ هؤلاءِ القومَ لم يلتزموا لا بعربيتهم وتقاليدهم السائدة ولا بدينهم الذي يدّعون أنّهم مسلمون ومؤمنون به. السؤال: إنَّ ديدنَ أهلِ البيت (عليهم السلام) العفو والصفحُ والتسامحُ كما وصفهم (تعالى) في كتابه، لكنّ الإمامَ الرضا (عليه السلام) يدعو في هذا المقام على قتلةِ جدِّه الحسين (عليه السلام)، فكيف يمكن أن نفهم ذلك؟ الجواب: فعلًا إنَّ حياةَ أئمتنا شاهدةٌ على هذهِ السيرة الحسنة من الدعاء بالمغفرة وكظمِ الغيظِ والعفو عمّن ظلمَهم لكنْ ليسَ عن هؤلاء القوم، وذلك لأجل: ١- أنَّ قضيةَ مقتلِ الإمامِ الحسين (عليه السلام) ليست مسألةً شخصيةً، بل هي قضيةُ أمة، قضيةُ مبدأ، قضيةُ دين؛ فالإمامُ الحسين (عليه السلام) لم يخرجْ طالبًا للملك أو الرياسة، بل كان إمامًا مُفترضَ الطاعةِ، نصَّبَه الله تعالى ورسولُه (صلى الله عليه وآله) بالاسم، كما وردَ في أحاديثِ إثباتِ الإمامةِ لعلي (عليه السلام) وأولاده المعصومين. ٢- أنَّ الوقوفَ في الجهةِ المُخالفةِ له وقوفٌ ضدَّ الدينِ، وضدَّ القرآن، وضدَّ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، ووقوفٌ ضدَّ الله (سبحانه وتعالى) الذي ارتضى لهم (عليهم السلام) الخلافةَ ونصّبَهم بأمره على لسان نبيه. ٣- أنَّ محبة الحسين وأهلِ بيته (عليهم السلام) محبةٌ لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، وحُبّهم كان أمرًا إلهيًا، قال (تعالى): "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ"(٢)، ومن يكونُ أقربُ إلى الرسول من ابن الزهراءِ وذريته (عليهم السلام)؟ فضلًا عن الروايات التي فسّرت القربى بهم بأهل البيت (عليهم السلام). ٤- أنَّ لعنَ الفئةِ الظالمةِ كانت سُنةَ الرسولِ (صلى الله عليه وآله)، وأوصى بها، وعمل بها أيضًا، مثلما عمل بها أهلُ البيتِ جميعًا، والرواياتُ مستفيضةٌ عنهم (عليهم السلام). ففي كاملِ الزياراتِ عن العوام مولى قريش قال: "سمعتُ مولاي عمر بن هُبيرة قال: رأيتُ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) والحسن والحسين في حجره، يُقبِّلُ هذا مرةً، ويُقبِّلُ هذا مرةً، ويقولُ للحسين: الويلُ لمن يقتلك"(٣) كما ورد في كتابِ العوالمِ عن داوود الرقي قال الإمامُ الصادق (عليه السلام): "...يا داود لعنَ اللهُ قاتلَ الحُسين (عليه السلام)، فما من عبدٌ شربَ الماءَ فذكَرَ الحُسين، ولعنَ قاتلَه إلا كَتَبَ اللهُ لهُ مائة ألفِ حسنةً، وحطَّ عنه مائةَ ألفِ سيئة، ورفعَ لهُ مائةَ ألفِ درجةً، وكأنّما أعتقَ مائةَ ألفِ نسمةً، وحشرَهُ اللهُ (تعالى) يومَ القيامةِ ثلجَ الفؤاد"(٤) السؤال: ما هي حقيقة بكاء السماء؟ وكيف أمطرت السماء دمًا؟ الجواب: وردت الكثيرُ من الأخبار عن بكاءِ السماء، وأنّها مطرتْ دمًا عبيطًا ونحنُ إذ نقرأُ تلك الرواياتِ ليس لنا إلا التسليم بها؛ وذلك لعظمِ الرزيةِ، وهولِ المصاب، وعظمةِ المقتول، وحُرمةِ المُنتهَك في الشهر الحرام، وبشاعةِ الموقفِ. فلا عَجَبَ أنْ تمطرَ السماءُ دمًا، وأنْ تبكي عليه كما قالتِ البطلةُ المفجوعةُ عندما أفرغتْ عن لسانِ أبيها وأومأت إلى الباكين في سككِ الكوفةِ أنِ اسكتوا، وقالت: أعجبتم أنْ مطرتِ السماءُ دما؟! والظاهرُ من كلامِها أنَّ هذه الظاهرةَ الكونيةَ الغريبةَ والعجيبةَ كان قد شهدها الناسُ، فلم نقرأ أحدًا أنكرَ ذلك عليها، بل إنَّ الناسَ كانوا يبكونَ ويضربونَ رؤوسهم ندمًا! كما ورد في كامل الزيارات عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: إنَّ السماءَ بكتْ على الحُسين بن علي ويحيى بن زكريا، ولم تبكِ على أحدٍ غيرهما، يقولُ الراوي: قلتُ وما بكاؤهما؟ قال: مكثوا أربعينَ يومًا تطلعُ الشمسُ بحمرةٍ، وتغربُ بحمرةٍ، قلتُ: فذاكَ بكاؤها؟ قال: نعم. السؤال: كثيرًا ما يستنكرُ المُشككون البكاءَ على الحُسين بن علي (عليهما السلام)، رغم أنّه مات قبل أكثر من ألفِ سنة، فما فائدة البكاء؟ الجواب: لو كان البكاءُ على الحسين (عليه السلام) كبكاءِ أيّ إنسانٍ على فقدِ عزيزٍ عنده، فلربما كان له الحق في ذلك، ألا ترى أننا فقدنا الكثير من الأحبة وبعد سنواتٍ قليلةٍ -وربما أشهر-أصبحَ الأمرُ هينًا وخفّت لوعةُ فراقهم، أمّا عبرةُ الحُسين (عليه السلام) فلم تهدأ، وحرارةُ فقدهِ لم تبردْ، أفلا يكونُ هنالك سر وراء ذلك؟ إنَّ للدمعةِ على الحُسين (عليه السلام) فلسفةً خاصةً؛ ولذا أوصى أئمتنا (عليهم السلام) شيعتهم بإقامةِ المجالسِ والبكاءِ على جدِّهم الحسين (عليه السلام)، إضافةً إلى الفائدةِ الإيجابيةِ في إثارةِ مكنوناتِ النفسِ البشريةِ من الحزنِ والأسى والشفقة والحب، فالبكاءُ يُشعِرُ الإنسانَ بإنسانيته ويُجرِّده من الكره والتجبُّرِ والتعالي. ولكن لم تقتصر الدعوةُ إلى البكاء وإقامة المجالس على هذا السبب، بل كان لهما الدورُ الكبيرُ على مرِّ التأريخ في حفظِ مدرسةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، ونقلِ الدينِ الإسلامي الصحيح إلى يومِنا هذا، ولم يستطعِ الحكامُ من العصرِ الأولِ إلى عصرِنا الحاضر من تغييرِ هذا الخط، والسيطرة على المنبر الحسيني؛ لأنّه كان بيدِ أهلِه الثقات من علمائنا الأعلام، وبتأييدٍ من الأئمةِ الأطهار (عليهم السلام). ثم إنَّ في إقامةِ المجلسِ واجتماعِ المؤمنين للبكاءِ وندبةِ سيّدِ الشهداءِ أثرًا اجتماعيًا، إذ هو سبب في اجتماعِ المؤمنينِ وتلاقُحِ الأفكارِ، وتشخيصِ الأخطاء ومواساة الضعفاء وإيصالِ المساعداتِ التي كان أئمتنا يرسلونها إلى فقراء الشيعة. أضف إلى ذلك، الرواياتِ التي تُبشِّرُ المؤمنين بالثواب الجزيل أجرًا للبكاء على الحسين (عليه السلام)، فقد وردَ عنهم (عليهم السلام): "...وما من عبدٍ يُحشرُ إلا وعيناه باكيةٌ إلا الباكين على جدي الحسين؛ فإنّه يُحشرُ وعينُه قريرةٌ، والبشارةُ تلقاهُ، والسرورُ بين وجهِه، والخَلقُ في فزعٍ وهم آمنون ..."(٥) السؤال: هل من المعقولِ أنَّ مُجرّدَ فرحي لفرحِ أئمتي وحزني لحُزنِهم وحضور المجالس يجعلني معهم وفي درجتهم؟ الجواب: صرّحَ القرآنُ الكريمُ بذلك في قولِه (تعالى): "لا تَجِدُ قومًا يؤمنون باللهِ واليومِ الآخر يوادّون من حادَّ اللهَ ورسولَه"(٦)، وقال النبي محمد (صلى الله عليه وآله): "من أحبَّ حجرًا حُشِرَ معه"(٧)، وكذلك قوله: "المرءُ مع من أحب"(٨) فالقرآنُ الكريم وحديثُ النبي (صلى الله عليه وآله) صريحان بأنَّ الإنسانَ يُحشَرُ مع من أحبَّ، ولكنّ السؤالَ ما هو الحب؟ هل يعني أنه مجرد القول بأنّي أحِبُّ فلانًا وكفى؟ بلا شك لا، فإنَّ محبةَ الشخصِ لابُدَّ أنْ تتجسدَ بأعمالٍ وأفعالٍ وأقوالٍ، فالمُحِبُّ لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله) لابُدَّ أنْ يتبعَ سُنته، والمُحِبُّ لعلي لابُدّ أنْ يقتديَ بسيرته، والمُحِبُّ لأهلِ البيت (عليهم السلام) لابُدَّ أنْ يتحلى بأخلاقِهم، ويعملَ بوصاياهم، ولا يفعلُ ما يُسيءُ لهم؛ ولا يكون شينًا عليهم، فعندما يقال: إنّك جعفري، فهذهِ الكلمة لها ثقلُها الكبير الذي يقصمُ ظهرَ المُخالفِ لأوامرهم، ورد عنهم (عليهم السلام): "كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم"، وبذلك تكونُ معهم وفي زمرتِهم. وأمّا عن قولِ الإمامِ (عليه السلام): "يا شبيب! إنْ سرّكَ أنْ يكونَ لكَ من الثواب مثلُ لمن استشهد مع الحُسينُ بن علي (عليه السلام)، فقُل متى ما ذكرته: ليتني كنتُ معهم فأفوزَ فوزًا عظيمًا. فـ(ليت) هُنا وإنْ كانت تدلُّ على التمنّي، لكن أيُّ تمني؟ قطعًا التمنّي الذي يجعلُك تفكِّرُ أنَّ مُعسكرَ الحُسينِ أمامك ومُعسكر ابن زياد خلفك، ولا تتردد طرفةَ عينٍ في أنّ معسكر الحسين (عليه السلام) على حق، بل إنّكَ مُستعدٌ لتكونَ عابسًا وبُريرًا وحبيبًا، وتُقتَلُ ألفَ قتلةٍ دونَ سيّدِك ولا تُبالي. نسألُ اللهَ (تعالى) أنْ يُعجِّلَ فرجَ طالبِ الثأر الإمام المُنتظر (عجّل الله فرجه)، ويجعلنا من شيعته وأنصاره والمُستشهدين بين يديه. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ١-بحار الأنوار، المجلسي ج٤٥: ٥١ ٢-سورة الشورى :٢٣ ٣-كامل الزيارات، ابن قولويه:٧٠ ٤- العوالم (الامام الحسين)، عبد الله البحراني :٦٠٢ ٥- كامل الزيارات، ابن قولويه: ١٦٨ ٦-سورة المجادلة :٢٢ ٧- الاثنا عشرية، الحر العاملي: ١٥٤ ٨- المصدر السابق.

اخرى
منذ 3 سنوات
248

المنبرُ الحُسيني بين تحدياتِ الحاضرِ وتطلُّعاتِ المستقبل/ المجلسُ الحُسيني النسوي إنموذجًا

بقلم: نجاة رزاق كانَ وما زالَ للمنبرِ الحُسيني دورٌ مهمٌ في حفظِ الدينِ الإسلامي والمذهب الجعفري من خلالِ الأبحاثِ التي يطرحُها فُضلاءُ الحوزةِ العلميةِ والخُطباء الحُسينيون التي تتناولُ الآياتِ القرآنية الكريمة والرواياتِ الشريفة بالشرحِ والتوضيحِ وربطِها بسيرةِ أهلِ البيت (عليهم السلام) باعتبارِهم عِدلَ القرآنِ الكريم وترجمانه، ثم يستحضرُ الخطيبُ مأساةِ سيّدِ الشهداء وما جرى على أهلِ بيتِه من الظلم والعدوان. وقد حرصَ أهلُ البيتِ (عليهم السلام) على إقامةِ المجالسِ الحسينيةِ وترغيبِ شيعتِهم بالاقتداءِ بهم في هذا الأمر، وبيانِ ما للباكين على سيِّدِ الشهداءِ (عليه السلام) من الثواب والأجرِ، إضافةً إلى الفائدةِ الدُنيوية الاجتماعية والسياسية، فقد قال الإمامُ علي بن الحسين (عليه السلام): "مَن قطُرتْ عيناهُ فينا قطرةً، ودَمِعَتْ عيناهُ فينا دمعةً بوّأهُ اللهُ بها في الجنةِ غُرَفًا يسكنُها أحقابًا"(١) والسؤال: هل أنّ للمجلسِ الحسيني النسوي ذلك الدور؟ وماهي هيكلية هذه المجالس؟ قبل الجوابِ عن هذين السؤالين لا بُدّ أنْ نعرفَ متى بدأ المجلس الحسيني النسوي؟ يُمكِنُ القولُ إنّ أولَ مأتمٍ هو المجلسُ الذي أقامته السيّدةُ زينبُ (عليها السلام) حيث وردَ أنّه: "لما حملوا النساءَ أُسارى مرّوا بهن على الحُسينِ (عليه السلام) وأصحابه وهم صرعى فصِحْنَ النسوةُ وصاحتِ الحوراءُ زينبُ: "يا مُحمّداه صلّى عليكَ مليكُ السماءِ، هذا الحُسينُ مُرمَّلٌ بالدماءِ، مُقطَّعُ الأعضاءِ، وبناتك سبايا، وذُريتُك مُقتّلةٌ..."(٢) وعندما وصلوا بالركبِ إلى الكوفةِ وطافوا بهم في السككِ والطُرُقاتِ خَطَبَتْ عقيلةُ الطالبين خُطبةً عظيمةَ الشأنِ بعدَ أن حمدتِ اللهَ وصلّت على النبي وآله؛ بيّنتْ حقيقةَ المُجتمعِ الكوفي قائلةً: "أمّا بعدُ، يا أهلَ الكوفةِ، يا أهلَ الختل والغدر، ألا فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنة ...ثم ذكرتْ مصيبةَ الإمامِ الحسين قائلةً: "أتدرون أيّ كبدٍ لرسولِ الله فريتم؟ وأيّ كريمةٍ له أبرزتم؟" كما خطبتْ أُمُّ كلثوم ابنةُ أميرِ المؤمنين (عليه السلام) خُطبةً مثل هذه قائلةً: "يا أهلَ الكوفة، مالكم خذلتُم حُسينًا وانتهبتُم أموالَه وورثتموه ..." وخطبتْ بعدَها فاطمةُ الصُغرى بنتُ الإمامِ الحُسين (عليه السلام) قائلةً: "الحمدُ للهِ عددَ الرملِ والحصى، وزِنَةِ العرشِ إلى الثرى، أحمدُه وأؤمنُ به وأتوكلُ عليه، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأنّ مُحمّدًا عبدُه ورسولُه …" فبهذِه الكلماتِ بيّنَتْ حقيقةَ إيمانِهم وأنّهم لم يخرجوا من الدين كما وصفَهم الطغاةُ، ثم ذكرتْ مصيبةَ الإمامِ الحُسين (عليه السلام) قائلةً: "وإنّ أولادَه ذُبِحوا بشطِّ الفُراتِ بغيرِ ذحل ولا تراث ..." ثم بيّنَتْ مكانةَ البيتِ العلوي والكرامةَ التي فضلّهمُ اللهُ بها على سائرِ خلقِه وأنَّ المصائبَ التي ابتلاهم اللهُ (تعالى) بها لا لهوانٍ بهم عليه (سبحانه)، بل إنّ ذلك في كتابٍ واستشهدتْ بقوله (تعالى): "إنّ ذلك على الله يسيرٌ لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يُحِبُّ كُلَّ مُختالٍ فخور"(٣) كما وردَ في بحارِ الأنوار أنّ يزيدَ لمّا أصبحَ وبعدَ رؤيا قصّتها عليه زوجتُه (استدعى بحرم رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) فقال لهن: أيُّما أحبُّ إليكن: المقامُ عندي أو الرجوعُ إلى المدينة؟ ولكم الجائزةُ السنية، قالوا: نُحِبُّ أولًا أنْ ننوحَ على الحُسين، قال: افعلوا ما بدا لكم، ثم أخليَتْ لهن الحُجَرُ والبيوتُ في دمشقَ ولم تبقَ هاشميةٌ ولا قرشيةٌ إلا ولبسِتِ السوادَ على الحُسين، وندبوه على ما نُقِلَ سبعةَ أيامٍ"(4) وبعدَ هذهِ المقدمةِ نعرفُ ما للصوتِ الزينبي من أثرٍ في بقاءِ الصوتِ الحسيني مُدويًا في سماءِ الولاء، ومُزعزِعًا لعروشِ الظالمين في الأرض. وقد قامَ أئمتُنا بإشراكِ النساءِ في المجالسِ التي كانوا يُقيمونها من وراءِ الستار. فقد حدّثَ شاعرُ أهلِ البيتِ الكُميتُ بن زيدٍ الأسدي (رحمه الله) قائلًا: "دخلتُ على أبي عبدِ الله الصادق يومَ عاشوراء فأنشدتُه قصيدةً في جدِّه الحُسين (عليه السلام) فبكا وبكا الحاضرون، وكان قد ضربَ سترًا في المجلسِ وأجلسَ خلفَه الفاطمياتِ فبينما أنا أُنشِدُ والإمامُ يبكي إذ خرجتْ جاريةٌ من وراءِ الستار وعلى يدِها طفلٌ رضيعٌ مُقمّطٌ حتى وضعتْه في حِجرِ الإمامِ الصادق (عليه السلام) فلمّا نظرَ الإمامُ إلى ذلك الطفل اشتدَّ بكاؤه وعلا نحيبُه وكذلك الحاضرون"(٥) وما هذا إلا دليلٌ على شرعيةِ البُكاءِ، وشرعية اشتراكِ النساءِ في العزاء، وأحقيّةِ تمثيلِ الواقعة.. كما يتبيّنُ من هذا ما للصوتِ النسوي من دورٍ حيثُ لم يتوانَ أو يتأخرَ في فترةٍ زمنيةٍ عن قرينِه الصوتِ الرجالي في إقامةِ الشعائرِ على سيّدِ الشهداءِ (عليه السلام). أمّا عن جوابِ السؤال الثاني: فإنّ مراجعةَ الخُطبةِ الزينبية والفاطمية في الكوفةِ يتبيّنُ لنا ما ينبغي اتباعُه في تحقيقِ أهدافِ النهضةِ الحُسينيةِ وذلك عن طريقِ اتباعِ الخطواتِ التالية: 1- البدءُ بذكرِ اللهِ (تعالى) وحمدِه والصلاةِ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ (صلّى اللهُ عليه وآله وسلم). ٢- تلاوةُ آيٍ من الذكرِ الحكيم وانتخابُ الآياتِ التي لها علاقةٌ بأهلِ البيت (عليهم السلام)، أمّا الخاصةُ بإمامةِ أميرِ المؤمنين وأهلِ بيته أو تلك التي تتحدّثُ عن أخلاقِهم (عليهم السلام)، وأخلاق الصفوة من المؤمنين. ٣-بيانُ علاقةِ أهلِ البيتِ بالنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ومحبتِه لهم، واتباعُ توصياتِهم لما له من أهميةٍ في ردِّ الجميل للرسولِ الأعظم ووصلٍ قُرباه الذين هم أهل بيته (عليهم السلام أجمعين). ٤-بيانُ أنّ أخلاقَ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) هي أخلاقُ القرآنِ التي أوصى بها على لسانِ نبيّه الأكرم (صلَى اللهُ عليه وآله). ٥- بيانُ مظلوميةِ سيّدِ الشهداءِ وأهلِ بيتِه من بعدِه والأسباب التي أدّتْ بطاغيةِ عصرِه إلى ارتكابِ فاجعةِ الزمانِ من قتلٍ وتمثيلٍ وسبيٍ وحرقٍ وتشريدٍ لا لشيءٍ سوى لانتمائهم لبيتِ الرسالة! ٦- الفحصُ والتدقيقُ في نقلِ الأخبارِ والرواياتِ بشكلٍ لا يُسيءُ إلى الشعائرِ ولا إلى المذهب. ٧- اتباعُ توصياتِ المرجعيةِ وفتاوي العلماء الأعلام من الالتزامِ بالحجاب، وعدمِ التبرج، وعدمِ استخدامِ مُكبّراتِ الصوتِ زائدا عن الحد المناسب، أو التغنّي بالقصائدِ بحيثُ يكونُ صوتُ المرأةِ فتنةً للسامعين. ٨- يُفضّلُ اجتماعُ النساءِ في حُسينياتٍ أو أحدِ البيوتِ بدلًا من الدوران بينَ البيوتِ المُتعددةِ، ولا يكونُ هدفُ القارئةِ العددَ والكمَّ وليسَ النوع. ٩- قراءةُ الأشعارِ والقصائدِ، وإثارةُ الحُزنِ والبُكاءِ، وإبداءُ اللوعةِ لمصابِ سيّدِ الشهداء، فلا تنس الخطيبة ما لذلك من أثرِ نفسي في هدايةِ الكثيرِ من الشابات. ١٠- عدمُ طردِ الصغيراتِ من المجلسِ بحُجةِ كونِهن صغيرات؛ لأنّ هذه الشعائر سوف يتحمّلُها أولئك الفتيات في المستقبل. وبعدَ هذه التوصيات البسيطةِ، ولضيقِ المقامِ ندعو لجميع الخطيباتِ ونبتهلُ إلى الله (تعالى) أنْ يوفقَنا لمراضيه، ويجعلَنا من خَدَمَةِ سيّدِ الشهداء وأهلِ بيته (عليهم السلام)، وأنْ يُعجِّلَ بظهورِ صاحبِ الثأر الإمامِ المنتظرِ (عجَّل اللهُ فرجه الشريف). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ١-كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه :٢٠٢ ٢- ثمرات الأعواد، علي الهاشمي ج ٢ :٤ نقلا عن مقتل الخوارزمي. ٣- سورة الحديد :٢٣ ٤- بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ٤٥: ١٩٦ 5- مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب، عبد الوهاب الكاشي :١٥٤

اخرى
منذ 3 سنوات
268

الانقلابُ السريع

بقلم: نجاة رزاق قال (تعالى): {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ}(١) القرآنُ الكريمُ هو مُعجزةُ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، أرسله على فترةٍ من الرسل، وتميّزَ هذا الكتاب السماوي بالإعجازِ اللُغوي والعلمي وكذلك الاعجازِ الغيبي؛ فقد أخبر (صلى الله عليه وآله) بالكثيرِ من الأحداثِ والمُغيّبات التي اتضحتْ في حياتِه كفتحِ مكة، وانتشارِ الإسلام في الجزيرة، وغَلَبةِ الروم، وفتحِ بلادِ فارس، ومصارعِ قريش يومَ بدرٍ وغيرها من الغيبيات؛ دليلًا على أنّ هذا القرآن كلامُ الله (تعالى)، وليس من البشر كما اتهمه المُشركون بأنّه يتلقّاه من عبده بن الحضرمي صاحب الكتب. كما اتهموه أنّه قولُ ساحرٍ وكاهنٍ؛ ومن الأحداث التي أخبرَ عنها القرآنُ وحدثت بعد استشهاده (صلى الله عليه وآله) هو الانقلابُ بعدَ انتقاله إلى الرفيق الأعلى. والآيةُ التي بدأنا بها الكلامَ أحدُ مصاديق المُغيّبات؛ وقد يقولُ قائلٌ: إنّ سببَ نزولِ هذه الآية هي معركةُ أُحُدٍ حيثُ انتشرَ بين المُسلمين خبرُ مقتلِ النبي (صلى آلله عليه وآله) واضطراب المسلمين وتركهم موقعهم على جبل أُحُد، يقولُ السيّدُ الطباطبائي (قدسَ اللهُ نفسه): {أخرج ابن جرير عن السدي قال: فشا في يومِ أُحُدٍ أنّ رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد قُتِلَ -فقال بعضُ أصحابِ الصخرة-ليتَ لنا رسولًا إلى عبدِ الله بن أُبي فيأخذ لنا أمانًا من أبي سفيان}(٢) كما يقولُ الشيخُ ناصرُ مُكارم الشيرازي: {جاءَ أنسُ بن النضر إلى ذلك الفريق الذي كان يُفكِّرُ في الفِرارِ وقال لهم: يا قومُ إنْ كان قد قُتِلَ مُحمدٌ فربُّ مُحمّدٍ لم يُقتَلْ، فقاتلوا على ما قاتلَ عليه رسولُ الله (صلى الله عليه وآله)، وموتوا على ما ماتَ عليه، ثم شدَّ بسيفِه وحملَ على الكفار وقاتلَ حتى قُتِلَ، ثم لم يمضِ وقت طويل حتى تبيّنَ أنّ النبيَّ على قيدِ الحياة}(٣) وفي الجواب نقول: توجد قاعدةٌ في علمِ الأصول تقول: إنّ الموردَ لا يُخصِّصُ الوارد. يقولُ الشيخُ باقرُ الأيرواني (حفظه الله (تعالى)): {ولو كان الموردُ يُخصّصُ الواردَ للزم أنّ الكثيرَ من آياتِ القرآنِ الكريم أنْ تكونَ خاصّةً بمواردها وهذا شيءٌ بعيد، وهذا لا أذكره كدليلٍ بل كمنبّهٍ على أنّ الموردَ لا ينبغي أن يكونَ مخصّصًا للوارد}(٤) ونعودُ إلى الآية القرآنية ونبيّنُ ما هو الانقلابُ أي الرجوع إلى الكفر، والذي حدثَ بعدَ استشهادِ النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم)، وهو: أولًا: نكث البيعة: تذكرُ جميعُ كتبِ العامة والخاصة أنّ كُلًا من أبي بكر وعمر بايعا الإمامَ علي (عليه السلام) على الإمامةِ، وقالا: بخٍ بخٍ لكَ يا علي، أصبحتَ مولايَ ومولى كُلِّ مؤمنٍ ومؤمنة. كما أنّ كُلَّ من بايعهما على الخلافة كان قد بايعه (عليه السلام) على الإمامة. ثانيًا: عدمُ الالتحاقِ بجيشِ أُسامة: وهذه الحادثة كانت قُبيلَ انتقالِ الرسولِ الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى جوارِ ربِّه، وكان يُردِّدُ: أنفذوا جيشَ أُسامة، لَعَنَ اللهُ من تخلّفَ عن جيشِ أُسامة، (إنّ تخلفه دونَ عُذرٍ عن جيشِ أسامة بالرغمِ من إصرارِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) على الحملة، وحتى تخلُّفَه رغمَ سماعِه من رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) لعنَ اللهُ من تخلَّفَ عن جيشِ أسامة، تلك اللعنةُ وذلك الأمرُ الذي ما كانَ يستطيعُ إخفاءه وإخفاء أثره للمُخالفةِ الصريحة)(٥) والآيةُ تقول: "فليحذرِ الذين يُخالفون عن أمرِه أنْ تُصيبَهم فتنةٌ أو يُصيبَهم عذابٌ أليم)(٦) ثالثًا: هجومُهم على دارِ الزهراء (صلوات الله عليها) وما جرى عليها من أحداث. فقد وردَ عن السيّدِ بن طاووس عن الإمامِ موسى بن جعفر (عليهما السلام) بعدَ ذكرِ وصيةِ النبي (صلى الله عليه وآله) للأنصار قال: "ألا فاسمعوا ومن حضر، ألا إنَّ فاطمةَ بابُها بابي وبيتُها بيتي، فمن هتكَه فقد هتكَ حجابَ الله"(٧) رابعًا: منعُ الزهراء (عليها السلام) إرثها بحُجّةِ أنَّ الأنبياءَ لا يورثون. خامسًا: منعُ إقامةِ الحدودِ كما في قصةِ خالد بن الوليد وقتله مالك بن نويرة. سادسًا: بدعةُ صلاةِ التراويح، وتحريمُ زواجِ المُتعة. وما هذه النقاط إلا شواهدُ قليلةٌ على الانقلاب على الإسلام وعودةُ القومِ إلى الكفر، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرَ اللهَ شيئًا، وسيجزي اللهُ الشاكرين.. اللهم ثبِّتْنا على دينك، واجعل عاقبتنا إلى خير، وارزقنا حُبَّ مُحمدٍ وآلِ مُحمدٍ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ١- سورة آل عمران: الآية ١٤٤ ٢-تفسير الميزان، الطباطبائي، ج٤، ص67. ٣-تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، ج٢، ص718. ٤-دروس الأصول، باقر الأيراواني، ٧/٨ / ١٤٣٦. ٥-محاكمات الخلفاء وأتباعهم، جواد جعفر الخليلي ص٧٠ ٦-سورة النور:٦٣ ٧-بحار الأنوار، المجلسي، ج٢٢ ، ص ٤٧٦.

اخرى
منذ 3 سنوات
397