Profile Image

أم قنوت

إطلالة إجمالية على التأثيرات السلبية لترجمة العلوم

بقلم: أم قنوت تــعــد الــتــرجــمــة الــفــن الــذي تُــصــاغ فــيــه الــكــلــمــات والـعـبـارات والجـمـل وتـتـحـول مـن لـغـتـهـا الأم الـى لـغـةٍ جـديـدة، ولـيـتـقـن المـتـرجـم هـذه الحـرفـة يـحـتـاج أن يُـحـكـم قـبـضـتـه عـلـى الـنـص المـراد تـرجـمـتـه لـيـعـيـد تـفـكـيـك عـبـاراتـه ويـنـقـلـهـا الـى الـلـغـة المُـتـرجـم لـهـا بـصـورةٍ جـلـيّـة وسـلـسـة وسـلـيـمـة، لـذا فـهـو - أي المـتـرجـم- مُـطـالـب بـفـهـم مـصـدر وثـقـافـة مـوطـن الـلـغـة المـراد تـرجـمـتـهـا ومـن ثـم الاسـتـنـاد عـلـى المـصـادر الـلـغـويـة والـقـوامـيـس المـتـخـصـصـة لـيـخـطّ نـصـاً مـحـكـمـاً سـهـل الـفـهـم يـسـهّـل الـتـعـرف على منشأ الثقافات والعلوم المُترجمة. نـطـلّ في هـذا المـقـال بـصـورة إجـمـالـيـة عـلـى الـتـأثـيـر الـسـلـبـي لـتـرجـمـة الـعـلـوم الـى الـلـغـة الـعـربـيـة، حـيـث يـذكـر مـحـسـن المحــمــدي في مــقــالٍ لــه نُــشــر في جــريــدة الــشــرق الأوســط مــا نــصــه: "إن الــتــرجــمــات الأولــى كــانــت في بــدايــاتــهــا رديــئــة وضـعـيـفـة إلـى درجـة أن بـعـض الـكـلـمـات نـقـلـت كـمـا هـي، وتم الاحـتـفـاظ بـهـا بـأصـلـهـا الأجـنـبـي. لـكـن مـع مـزيـد مـن الـنـضـج في عـمـلـيـات الـتـرجـمـة، تم تـعـويـض بـعـض تـلـك الـكـلـمـات رويــدا رويــدا بــألــفــاظ عــربــيــة خــالــصــة أكــثــر دلالــة ورشــاقــة، بـحـيـث يـسـتـسـيـغـهـا الـلـسـان الـعـربـي. ولـتـوضـيـح الأمـر نـضـرب المـثـال الـتـالـي: أنـالـوتـيـقـا: الـتـحـلـيـل - سـوفـسـتـيـقـا: المـغـالـطـة - كـاتـيـغـوريـاس: المـقـولات - أرتمـاتـيـقـا: الـتـعـالـيـم (الـريـاضـيـات) - يـاري أرمـيـنـيـاس: الـعـبـارة - تـوبـيـكـا: الجـدل - ريـتـوريـكـا: الخـطـابـة - بـولـتـيـكـا: الـسـيـاسـة."*، وعـلـى الـرغـم ممـا ذكـره الأسـتـاذ مـحـسـن في مـقـالـه بـأن عـمـلـيـة الـتـرجـمـة تمـر بمـزيـد مـن الـنـضـج إلاّ أن تـرجـمـة الـعـلـوم مـازالـت تـعـانـي مـن سـلـبـيـات منها مثلاً: ١- الـتـرجـمـة الحـرفـيـة الـنـاتجـة عـن مـتـرجـم غـيـر مـتـخـصـص أو قـلـيـل الـتـدقـيـق والـتـي تـنـتـج نـصـاً جـافـاً خـالـي مـن الـروح والـصـور لا بل أحياناً مليء بالأخطاء والمغالطات. ٢-الافـتـقـار الـى الأمـانـة الـعـلـمـيـة أثـنـاء الـنـقـل والـتـرجـمـة حـيـث يـطـمـس المـتـرجـم مـثـلاً بـعـض المـعـتـقـدات الـتـي لا تـتـمـاشـى مـع رؤيته الخاصة. ٣- كــثــرة المــصــطــلــحــات والألــفــاظ الــغــيــر مــألــوفــة مــع غــيــاب حـلاوة الـتـعـبـيـر جـنـبـاً الـى جـنـب يـلـعـبـان الـدور الـرئـيـس في نـفـور المـتـلـقـي بـسـبـب عـدم فـهـم الـنـص، خـاصـة اذا كـان المـتـلـقـي مـن فئة طلاب العلم. أمـا الـتـأثـيـرات الـسـلـبـيـة لـتـرجـمـة الـعـلـوم فـلا يمـكـن حـصـرهـا جميعاً في هذه الإطلالة السريعة، ولكن نذكر منها الآتي: ١-نـقـل ثـقـافـات تـتـعـارض مـع تـعـالـيـم الـديـن الإسـلامـي أو مـع عـادات المجـتـمـعـات المحـافـظـة وتـسـويـقـهـا بـشـكـل جـذاب ومـؤثر خـاصـة لـفـئـة الـشـبـاب، وادخـالـهـا بـصـورة ممـنـهـجـة وبـالـتـدريـج ممـا يشكل خطراً قد لا يظهر الا بعد حين. ٢-الجــمــود الــفــكــري؛ حــيــث يــتــم الاكــتــفــاء بمــا تُــرجــم لــعــلــم مـعـي بـدون المحـاولـة لـفـهـم نـص الـعـلـم الأصـلـي أو تـرجـمـتـه مـن جـديـد، وبـذلـك يـتـم تـرجـمـة عـلـوم جـديـدة قـد تـكـون مـبـنـيـة على أساس علوم قديمة مغلوطة الترجمة. ٣-نـفـور طـالـب الـعـلـم مـن الـعـلـم المـتـرجـم أثـنـاء الـدراسـة يـؤدي الـى حـفـظ المـادة فـقـط لاجـتـيـاز الامـتـحـان لا لاسـتـخـدامـه لـبـنـاء علوم جديدة أو ممارسته. هناك الكثير من الأفكار المساعدة لحل المشاكل المـذكورة أعــلاه وربمــا مــن الأفــضــل فــرد مــســاحــة مــخــصــصــة لــهــا في المستقبل في مقالٍ مستقّل. ______________________________ مراجع: أثـر الـتـرجـمـة ف الـلـغـة ودرجـة اسـتـيـعـابـهـا، المــغــرب: مــحــســن المحمدي.

اخرى
منذ 4 سنوات
489

ميلادُ عِلمٍ

بقلم: أم قنوت أجهزةٌ جذابةُ الملمس بكبر حجم كف اليد، تلامسها الأصابع بلا انقطاع، نتسمّر أمام شاشاتها بحثاً عن علمٍ، أو عن ما يجلب الندم! إن هذه الأجهزة التي بين أيدينا ستشهد علينا في يوم الحساب، فيا تُرى هل ستكون حجةً لنا أم علينا؟ كبسةُ زرٍ واحدة كفيلةٌ بتعليمنا ما نجهله، وما أكثر ما نجهله!! لقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: "العلمُ أكثرُ من أن يُحاط به فخذوا من كلّ شيء أحسنه" (١). سطورنا هذي تحاول أن تنقلك إلى عالمٍ تقني قد خفي عنك في زحام ضجيج عالم التواصل الاجتماعي، بما يحويه من مشاحنات وصخب... أنتَ، وأنتِ؛ يا من تجلسان في الصفوف الخلفية تتفرجان على موت عِلْمِكما السريري، ما زال الوقت في صالحكما، فأنتما تستطيعان أن تبدآ في أي عمرٍ كان ومن داخل حجرتكما الصغيرة البسيطة، لا تستصعبا الطريق؛ فتحسنٌ بسيط مستمر سيثمر ما يحلو لكما من العواقب. سنقسم العلوم في هذا المقال الى فرعين فقط وهما: العلوم الدينية، وغيرها؛ ويندرج تحت الفرع الأخير مئات التخصصات، وسنستخدم مفهوم التعلّم الذاتي، وهو عملية أخذ المعلومات، ومعالجتها وفَهمها، والاحتفاظ بها، ثم المداومة عليها دون الحاجة إلى شخص يقوم هو بمعالجتها عوضًا عنك وشرحها إليك (٢) لا شك أن أول سؤال سيتبادر إلى ذهن القارئ هو: من أين أبدأ؟ أو ماذا أختار؟ وهنا لكَ ولكِ نصيحة: لا يوجد من هو أعلم منك بنفسك؛ فخلوةٌ صغيرة مع قلمٍ وورقة تُنزل فيها كل ما تتمنى تعلمه على هيئة عصفٍ ذهنّي كافية لتعرف ما تجهله. نعم اكتب واكتب ولا تخجل من جهلك: أريد أن أتفقه في ديني، أن أتعلم القراءة الصحيحة للقرآن الكريم، أن أفهم معانيه، أن أتعلم سيرة أهل البيت (عليهم السلام)... أن أطور من لغتي الإنجليزية، أن أتعلم المحاسبة، أن أتعلم كتابة مقال... اكتب واكتب وستندهش، ثم اهدأ واسترح استراحة المقاتل، ثم أجب عن هذا السؤال: وهل يُعقَل أن تتعلم كل هذا الكم من المعلومات في فترةٍ وجيزة؟ بالطبع لا، راجع ما كتبت مرة ومرتين وثلاثًا، ثم اختر ثلاثة أمور فقط تود أن تتعلمها في فترة وجيزة تحددها أنت، وبعد الانتهاء خذ ثلاثة غيرها، وهكذا... ستجد نفسك قد تعلمت الكثير خلال فترة قصيرة وستجد أن الهمة والنشاط والإنجاز ملازمك على الدوام، فضلاً عن فتح أبواب جديدة لرزقك. الآن، بعد أن حدّدت أولوياتك التعليمية، انطلق متعلمًا بالطريقة التي تحب أن تتعلم بها، استغل كل الأجهزة التي سخرها الله سبحانه وتعالى لك؛ هاتفك وجهازك اللوحي وجهاز الحاسوب وكل ما تملك... اقرأ مقالاً أو كتاباً، اسمع محاضرة، لخّص ولخّص، فرّغ من وقتك وأخلِص، استعن بالمنصات التعليمية المجانية والمدفوعة، فهي تحتوي على دروس في أغلب العلوم، كل ما عليك هو أن تبحث عنها في محرك البحث... أما العلوم الدينية، فاتبع من هو أمين عليها، واطلب النصيحة ولا تخجل، واستعن بالله العلي العظيم قبل البدء بتعلّم أي علم مما سبق ذكره، ثابر وابذل الجهد، كن زيناً لأئمتك، وسفيراً لدينك، فأنت قادر على ذلك، فقط ابدأ اليوم واجعل من يوم ميلاد أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم ميلاد لعلمٍ ينفعك. ___________________ ١- عيون الحكم والمواعظ، علي الواسطي. ٢- https://www.sasapost.com/self-learning/

اخرى
منذ 5 سنوات
548

تسبيحُ العابد

بقلم: أم قنوت يزهدُ بكل ملهيات الدنيا وزخرفها وتتوجهُ جوارحُه بكامل إقبالها لله (سبحانه وتعالى) ليتنافسَ همسه مع دمعِه بالسبق الى مرضات ربه... يتذوقُ حلاوةَ العبادة، وروح العبودية؛ فيتعبّد لله (عزَّ وجلَّ) لا خوفاً من نار ولا شوقاً الى جنة، وإنما فقط لأنه يعرف أنه أهل للعبادة... هو من أولئك العابدين الذين "تتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" (١) ومن أولئك الداعين بـ"الهي هب لي كمال الإنقطاع اليك" (٢). هو الإمام زين العابدين (عليه السلام)؛ هو من فرّغ فؤاده من كل حب سوى حب ربه، هو من أنفقَ من نفسِه فلُقّب بالسجّاد لكثرة سجوده، هو من ناجى ربه بـ"اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ دَأْبُهُمُ الارْتِياحُ إِلَيْكَ وَالحَنِينُ، وَدَهْرُهُمُ الزَّفْرَةُ وَالأَنِينُ" (٣). سيدي يا زين العباد، لا قرطاس يكفي ولا مِداد، عجزَ القلم عن وصف عبادتك.. وماتت الحروف.. وأعلن الإلهام الحِداد، لكنني سأتجرأ بسطورٍ خجلة تذكر جانب التسبيح من عبادتك أثناء السجود، علّني أُوصل بعض المراد.. تتعدد صور العبادة وأوجهها وإن كانت تتخذ "مسلكاً واحداً الى رضوان الله" (٤) عبر آل بيت رسوله (صلى الله عليه وآله)، والتسبيح أحد أوجهها وهو مظهر عبادي راقي الشكل والمضمون. أُردف لفظ التسبيح، وسبحان، وسبّح في القرآن الكريم في آيات عديدة في القرآن الكريم تارةً يذكر فيها القائم بفعل التسبيح وتارةً يذكر التسبيح نفسه، فكلمة السبحان تأتي بمعنى التنزيه لله تعالى والثناء عليه، والتحميد، والتعجب، والتعظيم (٥). تمر علينا الكثير من أوقات الصمت أو الغفلة التي تخلو من الثواب والفائدة، فإذا ما مُلئت بالتسبيح تحوّلت من حالة الركود والسكون الى حالة العبادة والسكينة، فعن سعيد بن المسيب قال: كان القوم لا يخرجون من مكة حتى يخرج علي بن الحسين سيد العابدين عليه السلام، فخرج وخرجت معه، فنزل في بعض المنازل، فصلى ركعتين وسبح في سجوده - يعني بهذا التسبيح - فلم يبق شجر ولا مدر إلا سبح معه، ففزعنا فرفع رأسه، فقال: يا سعيد أفزعت؟ فقلت: نعم يا ابن رسول الله. فقال: هذا التسبيح الأعظم. حدثني أبي عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: " لا تبقى الذنوب مع هذا التسبيح، وإن الله جل جلاله لما خلق جبرئيل ألهمه هذا التسبيح (فسبحت السماوات ومن فيهن كتسبيحه الأعظم) وهو اسم الله الأكبر ". سبحانك اللهم وحنانيك، سبحانك اللهم وتعاليت، سبحانك اللهم والعز إزارك، سبحانك اللهم والعظمة رداؤك، سبحانك اللهم والكبرياء سلطانك، سبحانك من عظيم ما أعظمك، سبحانك سبحت في الملأ الأعلى، سبحانك تسمع وترى ما تحت الثرى، سبحانك أنت شاهد كل نجوى سبحانك، موضع كل شكوى، سبحانك حاضر كل ملأ، سبحانك عظيم الرجاء، سبحانك ترى ما في قعر الماء، سبحانك تسمع أنفاس الحيتان في قعور البحار، سبحانك تعلم وزن السماوات، سبحانك تعلم وزن الأرضين، سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر، سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور، سبحانك تعلم وزن الفيء والهواء، سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ذرة، سبحانك قدوس قدوس قدوس، سبحانك عجبا من عرفك كيف لا يخافك! سبحانك اللهم وبحمدك، سبحان الله العلي العظيم (٦). _____________________ ١-سورة السجدة، الآية ١٦. ٢-المناجاة الشعبانية. ٣-مناجاة المحبين، الصحيفة السجادية. ٤-دعاء الندبة. ٥-مجمع البحرين للطريحي، الربع الثاني (د-ص). ٦-الصحيفة السجادية (أبطحي)، الإمام زين العابدين (عليه السلام).

اخرى
منذ 5 سنوات
7103

دقيقةٌ في حضرةِ إمامٍ غائب

بقلم: أم قنوت تطّلُ النظريات العلمية المتوالية لتبهرنا بقوة العقل البشري بكل خلاياه المتناهية الصغر المتقبلة للبرمجة والتكيّف مع الأوامر، بقاعدةٍ لعلم النفس مُرادفة لما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ما ضَعُفَ بدن عمّا قويت عليه النيّة" (١). يُشير مضمون القاعدة إلى أن ممارسة ما ينوي الشخص اكتسابه من العادات يوميًا لمدة: واحد وعشرين يوماً كفيلٌ بتحويلها إلى عادةٍ ثابتة، وكعادة البحوث العلمية التي تتزاحم بـ "معَ أو ضد" وتتراكم باقتراحاتٍ جديدة، تأتي توصيات أحدث بأرقام ونتائج أكثر واقعية بأن اكتساب العادة الجديدة قد يستغرق مدة أدناها ثمانية عشر يومًا وأقصاها عشرة أسابيع حسب نوعها (٢)، فترك عادة التدخين على سبيل المثال تحتاج مدة أطول من عادة تنظيم ساعة معينة لوجبة طعام، فالأولى تستهلك عوامل مساعدة أكثر من الثانية ويأخذ الجانب النفسي منها حيزًا كبيرًا عند التطبيق. نظريةٌ تدعو إلى التفاؤل... فلو ابتدأ الشخص اليوم بالتنفيذ، فسينتهي بعد عام واحد مكتسباً ما لا يقل عن خمس عادات على أقل تقدير. ولو كانت منها واحدة على الأقل في الجانب الديني فالنتائج ستصبح أكثر إبهاراً، فاستغلال فترة مُستقطعة من اليوم لأداء ما فات من الصلوات لقضائها سيصبح عادة، وقراءة دعاءٍ ما يوميًا سيصبح عادة، وعندها سيُنفَّذ قول الإمام الصادق (عليه السلام) بحذافيره حيث بالفعل لن يضعف البدن عمّا قويت عليه النيّة. ما كانت النيّة أن يكون المقال علميًا جافًا وإن كانت المعلومة المذكورة مفيدة، لذا سافِرْ معي في رحلة روحانية لنطبّق يوم النصف من شعبان، يوم ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) القاعدة المذكورة في دقيقة! نعم! دقيقةٌ واحدة من الوقت نقضيها يوميًا في حضرة إمامٍ غائب... دقيقةٌ واحدة فقط من أربع وعشرين ساعة، تُفرغ فيها ذهنك مما يحمله من فوضى، وترجع لفطرتك البريئة، وتُلقي كل الهموم جانبًا، وتطهر قلبك من الصدأ، وتكفكف دموع قلبك التي أسالتها الهموم، لتستعد لدموع عشق إمام بعيد يسكن من الأرض أخفاها وأقصاها (٣)، ولكنّه قريب يسكن جوف قلبك... دقيقةٌ تتناحر ثوانيها ما بين دعاءٍ له ودعاءٍ لك، نعم سيزهر في قلبك، ستراه وتسمعه، لا بحالته المادية بل بالروحية، فحبه لك أكبر وأعمق من حبك له، فلمَ لا يُشرق ونهار قلبك قد أسفرَ عن نورِه؟ دقيقةٌ من وقتك ستتحول لاحقاً لساعات تُشعرك بالطمأنينة والسلام الداخلي.. دقيقةٌ ترفع عن كاهلك أثقال الحياة وتدفعك للإنجاز اللامتناهي.. دقيقةٌ إحدى ثوانيها تتلو سلامٌ على آل يس، والثانية ترتل دعاء الفرج. _____________________________ ١- الأمالي للشيخ الصدوق. ‏٢- Debate & analysis. Making health habitual, the psychology of “habit-formation” and general practice. Benjamin Gardner, Phillipa Lally, Jane Wardle. ‏http://blogs.ucl.ac.uk/bsh/2012/06/29/busting-the-21-days-habit-formation-myth/ ٣- مكيال المكارم، المجلد الأول، من قول الإمام المهدي عجل الله فرجه:" إن أبي عليه السلام عهد إليّ أن لا أُوطّن من الأرض إلّا أخفاها وأقصاها إسراراً لأمري....".

اخرى
منذ 5 سنوات
720

فصل (قانون الألم)

بقلم: أم قنوت شرعتُ البارحة بقراءة فصل عنوانه "قانون الألم" في كتاب يعتني بتطوير الذات أو ما يسمى بـ "التنمية البشرية"، فثارت مشاعري مثلما فزّت أحاسيسي لزيارة صديق اسمه (الألم) لطالما لازمني منذ الطفولة، لم ينفصل عني اثناء الشباب، ولا حتى عند النضوج. لكنه زارني بحلّة جديدة وبأفكار لم أسمعها منه من قبل، لم يعد مستسلمًا باكيًا كما عهدته، أخبرني أن كل إنسان يحمل تجاربًا سيئة لا يحب أن يمر بها، لكن القليل منهم يقرر أن يجعل منها تجاربًا إيجابية، أبهرني بالتغيير الذي حدثَ له، أنصتُّ له بكل جوارحي لا أحرك ساكنًا، تارة يتكلّم فأتذكّر ماضيه عندما زارني باكيةً محتضنًا إياي بلا عون، وتارةً أتعجّب لتطوره وأغبطه عليه، وفي لحظة انتباه شدّني حزنه بالرغم من قوته، وسواد ملبسه بالرغم من التفاؤل الذي زرعه داخلي... قاطعته بتعجّب: ما لي أراكَ متشّحًا بالسواد؟! هل أحسست بألم رض الضلوع مثلي؟! صفير رياح عاشوراء قادك إليّ؟! لهيبُ نارٍ، أم صرخة يتيمة دوَت في مسمعك ومسمعي؟ هل أتيت تخبرني عن جبلِ صبرٍ حولّ الألم إلى نصرِ؟ عمَّ الصمت... جرَت الدموع... كلانا تذكّر يوم ألمٍ لا يُنسى عشناه سوية... استغثنا فيه ببضعة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأم قتيل العبرات... فجاءنا الغوث محولًّا الضعف إلى قوة، مخبرًا عن شموخ نفسٍ لا تتوانى عن مد يد العون... مزيجٌ من سند أهل البيت (عليهم السلام) لملهوف، وبريقٌ من قوّة النفس؛ يبقى الألم تجربة تربّي السلوك، وتطوّع القسوة، تنمّي النفوس، وتزرع السلوى... ونعم الفصل كان... فصل "قانون الألم".

اخرى
منذ 4 سنوات
767

جسدٌ بالٍ أم غيابُ روح

بقلم: ندى الزيرجاوي/ أم قنوت فراشةٌ منهكة أتعبها جور الزمان وما فعل من فقد الأهل والإخوان، ارتدت روحي السواد تحوم هنا وهناك بين ذاك الجدار وهذا المحراب، لا تعرف كيف تشفي غليل البعد والفراق، شاء القدر أن يجعلني منكسرة القلب، أردت عودتهم كما خرجوا، لكن يبدو أنه لم يكن ذلك مُقدَّراً لي، بقيَتْ حرارة الشوق تلتهم مشاعري لتحرق جسداً بالياً تركوه وراءهم، جسدٌ هدّه المرض، ينتظر عودة الحياة له بعد أن سلبها أنين الفراق، فقد خرجَت روحي مع ركبهم لأبقى وحيدة، أتحدث مع أشباح ترسمها مخيلتي.. هذا أبي.. هذا عمي.. أخي، أختي، وعمتي.. أُمضي بليل أعدُّ نجومهم، أصبّر نفسي لحين اللقاء بهم، أحصي الليالي والأيام.. يا شوق الانتظار، أجسد عليل هذا أم أنا بلا روح؟! تطوّق رأسي آلام العليل، وتخنقه سلاسل السبي.. تارةً تتراءى لي أمهات ثكالى، تارةً تهمس في أذني شفاه ذابلات.. ليت دموعي تسقي مَن طلب الماء من عمي العبّاس.. ما هذه الصور الأليمة التي تمر أمام ناظري؟ ألهذا تركتني يا أبي؟ أبي!! ماذا تقولون؟! لقد عادوا؟! ها قد استعدتُ روحي من جديد، تأهبت للقاء من بفقدهم فقدت روحي.. مالي أرى المحامل خالية من كل غالي؟! لم يبقَ منهم إلّا النساء، والأطفال وأخي.. عمتي أخبريني بما جرى في أرض الطفوف، فكلانا يعاني الآن من جسدٍ بالٍ وغياب روح.

اخرى
منذ 4 سنوات
373

متابعة الأحداث عن كثب...

من أسئلتكم بقلم: أم قنوت السؤال: أعاني كثيرًا من مسألة انصهاري في الأحداث وتفاعلي معها بشكل كبير بحيث أكون دائمة الحزن أفكر كثيرًا لما سيؤول إليه الوضع المتردي، أتألم على الشهداء رحمهم الله وكأنهم أخوتي من أمي وأبي، أبكي كلما خلوت لما يحدث وأقلق كثيرًا لما سيحدث، فكري دائم الانشغال بذلك حتى أنه أثر على نشاطاتي اليومية وعلى عملي، حذفت الفيس بوك لفترة وتركت متابعة الأحداث لأتابع حياتي، فأعادني الشعور بالذنب والإحساس بالتقصير إلى متابعة الأحداث كالسابق وربما أشد لئلا أكون ممن لا يهتم بأمور المسلمين. فكيف أوفق بين الاهتمام بأمور المسلمين وبين متابعة حياتي بشكل ولو يقرب إلى الطبيعي؟ علمًا أنا أقرأ القرآن الكريم والأدعية المباركة وأشعر بالراحة حينها ولكن ما إن أخلو بنفسي أو أتابع الأخبار حتى أتأثر كثيرًا لدرجة أني لا أنتبه إلا عندما يسألني أحدهم عن سبب بكائي لصوت عالٍ. الجواب: تعيش الأخت السائلة أجواءً يشاركها فيها الملايين من البشر، خاصةً وقد انفتح العالم على بعضه وتناثرت الأخبار -الوهمي منها والحقيقي- في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء. إنّ العلاقة بين الشخص وتلك المنصات هي علاقة ثنائية الاتجاه، حيث تمتلئ منصات برامج التواصل الاجتماعي بالأخبار مثلما يمتلئ ذهن المتلقي بالأفكار المُسبقة والآنية، لذا من الطبيعي أن يشعر الشخص بالألم والحزن أو الخوف من تسارع الأحداث، فهو -أي المتلقي- يتعرّض يوميًا إلى عشرات، لا، بل قل: مئات المنشورات المشوشة للفكر والمضللة للحقائق والخالقة للبيئة السلبية الداعية إلى القلق أو الغضب، مثلما يشاهد صورًا لشهداء قضوا في الدفاع عن أوطانهم مثلًا أو لأطفال باتوا بلا مأوى، وغيرها من الأحداث الإنسانية المؤلمة... أوضح الباحثون في هذا المجال أن المتأثرين بالأخبار السيئة تتغير طريقة تفسيرهم للأحداث التي يعيشونها ويزداد قلقهم تجاهها، كما وتختلف نوعية الذكريات التي يجترونها جرّاء كثرة الأخبار السيئة التي تعرضوا لها (١)، ويطرحون نظرية أسموها "شعور ما بعد المشاعر": وهو الشعور الذي يحس به الإنسان تجاه مشاعر معينة، فمثلًا الخوف والحزن جرّاء سماع بعض الأخبار يتبعه شعور آخر كالامتنان والسعادة لشعورنا بآلام الأخرين واستطاعتنا التفاعل مع مشاعرهم (٢). لا بأس بالطبع بذلك التفاعل الناجم عن مشاعر صادقة وأحاسيس مرهفة يُعبَّر عنها بالدمع تارة وبالدعاء تارةً أخرى، إلّا أن الانغماس الشديد الى حد الانصهار المؤدي الى زلزال على الصعيد الشخصي والعائلي هو أمر غير محمود، حيث إن الفرد لبنة أساسية في مجتمع يسير نحو التكامل من أجل التمهيد للظهور المبارك لإمام الزمان (عجّل الله فرجه)، لذا على كل من تتعمق داخله مشاعر الحزن والأسى أن يتخذ موقفًا إيجابيًا من الحدث نفسه وأن يجنّد ما وهبه الله له من أجل خدمة البشرية سواء بقلم، كلمة، فعل، أو توجّه بقلبٍ سليم الى الله تعالى عن طريق الدعاء. هناك طريقتان للسيطرة والحدّ من التأثير السلبي للأخبار الحزينة المؤلمة: أحدهما: على مستوى المشاعر الشخصية. وثانيهما: على صعيدٍ أوسع نطاقًا. يجب على الشخص اتباع أربع خطوات شخصية ليسيطر على مشاعره السيئة (٣): ١- التوقف عن ردود الأفعال غير المفيدة عن طريق العدّ (١-١٠٠) أو ترديد حروف الهجاء بالعكس (ي-أ) لإعطاء فرصة كافية للتفكير الصحيح. ٢- الاعتراف بالمشاعر وتقبلّها وعدم مقاومتها. ٣- التفكير بخطوة تحسّن من المزاج وتقلل من التأثير السلبي للمشاعر السيئة. ٤- بذل الجهد عن طريق مساعدة الشخص لنفسه لتطبيق الخطوة السابقة. أما خطوات التوفيق بين الاهتمام بأمور المسلمين وبين متابعة الأمور الحياتية بشكل يقرب إلى الطبيعي اللازم اتخاذها فهي كالآتي: ١- تحويل بوصلة قراءة الأخبار باتجاه أحداث الماضي، خاصة ما حدث في زمن الغيبة منها، فالاطلاع عليها كفيل بتغيير وجهات نظر وقناعات كثيرة فضلًا عن زرع الطمأنينة الداخلية بأن لكل زمان أحداثاً خطيرة تخصه وضحايا من الأبرياء، وغربلة وتمحيص لتصفية الرديء من الجيد. ٢- بعد الاطلاع على أحداث الماضي وزيادة الوعي، يأتي دور الفرد في نشر روح التوازن بين مجموعته وتدريبهم على تمييز الأخبار الصادق والمزيف منها وكيفية التعامل معها. ٣- تذكّر أن مشاعر القلق والخوف والحزن لا تغير من الواقع شيئاً، ويُقال: إن القلق كالكرسي الهزاز يتحرك كثيراً، ولكنه لا يوصل الى أي مكان! ٤- عدم التخلي عن مخ العبادة قط، حيث يزخر تراثنا بكَمٍّ من الأدعية المناسبة لكل حدث، إلّا أن المهم هو استشعار المعاني لا لقلقة اللسان. ٥- تحويل كل المشاعر السلبية الى طاقة أمل عن طريق التمسك بالعترة الطاهرة سيما بقية الله في أرضه (عجّل الله فرجه الشريف). ____________________ ‏١-The Psychological Effects of TV News ‏Graham C.L. Davey Ph.D. ‏Why We Worry ‏٢- Why It’s Healthy to Cry Over TV Shows AMANDA MACMILLAN February 23, 2017 ‏٣-https://www.mhanational.org/helpful-vs-harmful-ways-manage-emotions

اخرى
منذ 4 سنوات
792

كُن لها مَلكًا، تكن لك أميرة

بقلم: أم قنوت نظرةٌ بسيطة لحال فتياتنا وشبابنا عبر عقود الانفتاح المنصرمة قد توضح مدى انخداعهما بما يُعرض على شاشات التلفاز، أو ما يُطرح عبر قنوات الإعلام، من أفكار سطحية عن مؤسسة الزواج، فما أن تصل إحداهن مثلًا إلى عمر الشباب، إلّا وامتلأت مخيلتها بالفارس القادم على جواده، المهتم بأدق تفاصيل حياتها، يتوّجُها ملكة على قلبها قبل قلبه، يُسكنها القصر العاجي الخالي من المنغِّصات، يُغدق عليها الأموال والهدايا، يملأ حياتها بكل الحب والرومانسية المقروءة والمسموعة والمرئية في جميع وسائل التواصل الحديثة وما يتفرّع عنها.. على الجانب الآخر يداعب حُسن وجه الزوجة المستقبلية وقوامها مخيلة بعض الشباب، تستهوي فراغه الداخلي صاحبة الألوان المبهرجة، غير باحث عن المحتوى الأخلاقي، العقائدي، أو الثقافي.. توقّف! توقفّي! أنتما على أرض الواقع المرير المتقلّب، فلا أحوال الدنيا المتقلبة تسمح لكما بكل ما دار في خيالكما، ولا الزواج كلمة حب فقط، وإنما هو رباط بينكما يواجه تحديات الأيام على مر السنين، ومسؤولية ضخمة تحتاج الى أشخاص ناضجين، لا تنخدعا بذاك المسلسل الذي قضى أبطاله زواجهما بالسفر والهدايا.. لا تنخدعا بمّن روّج عبر وسائل التواصل الاجتماعي لصورة سطحية للزواج مليئة بالترفيه المتواصل.. ليس كل ما يُعرض حقيقة، وإنما هي فقط عندما تعيشان على كوكب الأرض. أيها الرجل! بيتك مملكتك أنت، تذكّر ما ذكره الله (سبحانه وتعالى) في كتابه الكريم :{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء ٣٤]، لذا عامل زوجتك بما يُرضيه بعيدا عن المثاليات المزيفة، فأنتما ستعيشان تحت سقفٍ واحدة لمدة لا يُستهان بطول مدتها، فهل تتصوّر أن تمر الحياة خالية من المطبات أو الروتين أو الابتلاءات؟ زوجتك تحتاج منك الأمان، لتستقّر مشاعرها.. تحب أن تراكَ أباً صالحاً يعيل أسرته بحب، بلا صراخ وبلا مَنٍّ عليها.. زوجتك تحتاجك عند الشدائد رجلاً يقف في ظهرها ويشدُّ من أزرها.. ملكٌ أنت كلمّا ذكرتها بواجباتها الدينية.. ملكٌ أنت حينما تسحبها من اللهو والغفلة وتوصلها الى بر أمان صاحب الزمان (عليه السلام).. أيتها المرأة! لا تعامليه معاملة البنك المتنقّل، بل كوني عوناً له.. زوجكِ يحتاج الاحترام والتقدير لا العناد والنزق.. زوجك يحتاج الى بيت هادئ يقرّ فيه لا إلى بيت مليء بالصراخ والشكوى.. زوجك يحتاج الى أم مربية بحق لأطفاله لا لطفلة حُبست في جسد امرأة.. أميرةٌ أنت عندما تذكرينه بواجباته الدينية.. أميرةٌ أنت عندما تجعلين من بيتك الأرض الثابتة، ومن مشاكلكما البسيطة سحابة عابرة تمر مرور الكرام. بعيداً عن وهم التقنية والإعلام السلبي واغراءاتهما الوهمية.. كن لها ملكاً.. ستصبح لك أميرة.

اخرى
منذ 4 سنوات
2108

انتصار الألم

بقلم: أم قنوت يعتبر الألم بنوعيه: العضوي والنفسي، إحساسًا مزعجًا وتجربة عاطفية هدفها لفت الانتباه لمشكلةٍ ما، تحتاج الى علاج، كما يُعَدّ الألم جزءًا من منظومة السعادة أو النصر؛ فولادة طفل تأتي بعد تحمّل مقدار من الألم، وكذا النجاح في الدراسة أو العمل، وغيرها من الانتصارات الشخصية التي لا تخلو من تحمّل جزء من الألم. يذكر كتاب (١٥ قانونًا لا يُقدَّر بثمن للنمو) لجون ماكسويل: نتمكّن في كل مرة نواجه فيها تجربة مؤلمة من معرفة أنفسنا، فالألم قادر أن يتركنا على ما نحن عليه، أو يُحدث تغييرًا عن طريق اتخّاذ الشخص المتألم قرارات تؤدي إلى النجاح، أما السر في ذلك فهو بالكيفية التي نواجه فيها الألم، فكلّنا يعيش تجربة مؤلمة لا يتمنى أن يمرّ بها، ولكن قلّة منّا مَن يستطيع أن يحوّل الألم الى نصر. تُرى كيف واجهَت السيدة زينب (عليها السلام) ألمها بقوة؟ فقد عاصرَتْ (عليها السلام) يومين؛ يوم ألمٍ حُزَّ فيه نحر النبوّة من القفا، ويوم نصرٍ صدحَت فيه حنجرتها في مجلس يزيد فقالت: فوَ اللهِ ما فَرَيتَ إلاّ جِلْدَك، ولا جَزَزْتَ إلاّ لحمك.. فهي (عليها السلام) شريكة نصر إمام زمانها (عليه السلام) وامتداد للنهضة الحسينية. وإذا ما حاولنا التعرّف على بعض الأسباب التي جعلتها قادرة على تحويل ألمها في كربلاء الى نصر في مجلس يزيد (عليه اللعنة)، فسنجد أن العوامل كثيرة ومتضافرة فيما بينها، أنتجت شخصيةً فذّة بقوة وصلابة السيدة زينب (عليها السلام)، لكننا سنحاول حصرها في عاملين: ١-الوراثة والبيئة المحيطة: فأغلب الصفات تنتقل من الأجداد والآباء، أما بالوراثة المباشرة، أو بخلق الاستعداد والقابلية للاتصاف بهذه الصفة أو تلك، ثم يأتي دور المحيط التربوي ليقرر النتيجة النهائية للشخصية (١)، وما سلوك وأخلاق مَن تنتسب السيدة زينب (عليها السلام) اليهم وتربت في حجورهم بخافٍ على من يملك البصيرة، فقد ضربوا أمثالاً في الصبر والإيثار والخُلُق الحَسَن، حصنّوا الدين بتضحياتهم الجسيمة، وثبّطوا كل مؤامرات الغدر. ٢-الإيمان: سُئلَ أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الإيمان فقال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين والعدل والجهاد... (٢) ليس صبر السيدة زينب (عليها السلام) إلّا مثلاً يُحتذى وعَلَماً يهتدي به المهتدون، وتمثّل يقينها لها بصورة ملكوتية أخرست لسان طاغية زمانها عندما قالت (عليها السلام): ما رأيت إلّا جميلاً، ليرسم عدلها المتمثّل بالعلم والحكمة الربانيّة صورةً مغطاة بحجابٍ خارجي وآخر داخلي يعصمها عن الاقتراب من المعصية، مما جعل منها مجاهدةً في ساحة حرب خالية من صليل السيوف، فكلماتها في مجلس يزيد كانت أحدّ وأدقّ من سهام حرب اخترقت حاجز الظلم، وانغرسَتْ في ذاكرة التاريخ. لذا، وبسبب هذين العاملين وما سواهما ممّا لم يُذكر في هذه العجالة، استطاعت السيدة زينب (عليها السلام) أن تتخذ موقفاً إيجابيًا من الحدَث نفسه، ولم تسمح لألمها أن يثبّط من عزيمتها، فتحملّت مسؤولية الجهاد عن معتقداتها مستغلة فرصة تواجدها في مجلس طاغية زمانها، لتبقى أيقونة لانتصار الألم على مر العصور. ______________ ١-الضبط النفسي للإمام الحسين (عليه السلام) في معركة الطف، أ. د حاتم جاسم عزيز، م. مريم خالد مهدي ٢-نهج البلاغة، الجزء ٤.

اخرى
منذ 4 سنوات
588

صناعةُ العادات في زمن "الواتساب" ليلة رأس السنة الميلادية أنموذجًا

بقلم: أم قنوت أصبحت العادات تُخبز في مطبخ تطبيق "الواتساب" في زمن التقنية! فلا تتعجب إذا استلمتَ يومًا ما رسالة في هاتفك، أو قرأتَ منشورًا في صفحات برامج التواصل الاجتماعي، تحوي قائمة بأعمال عبادية خاصة بليلة رأس السنة الميلادية، فقد حلَّت في بعض من السنوات السابقة متزامنةً مع شهري أحزان أهل البيت (عليهم السلام): محرم أو صفر، فغصَّت حينها مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها برنامج "الواتساب" برسائل معايدة مغايرة للعادة ومصبوغة بصبغةٍ دينية ولائية، مثل: ⁃ كل عام وأنت للحسين (عليه السلام) أقرب. ⁃ عذرًا أيها السيد المسيح، فحزني على إمامي يمنعني من الاحتفال بعيد مولدك. ⁃ في ليلة رأس السنة تطلبون الهدايا من بابا نويل، ونطلبها من صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، وغيرها من الرسائل التي تداولها الكثير كنوع من المعايدة الحزينة. ثم تطورت رسائل الاحتفال الدينية في السنوات اللاحقة، كتلك التي تحث على بدء السنة الجديدة بصلاة ركعتين بنية تعجيل الفرج وغيرها من الأفكار الدينية المبتكرة لليلة لا وجود لها في قاموس احتفالات الأمة الإسلامية. أما آخر ليلة من سنة ٢٠١٨ فقد شهدت قفزة نوعية في صناعة العادة الدينية الجديدة، فقد انتشرت في خانة الحالة في تطبيق الواتساب مقاطع مصورة لعائلة تلتف حول الشموع المضاءة في اجواء روحانية عالية، يقرأ فيها أحدهم حديث الكساء، وكأنه من الأعمال المندوبة لتلك الليلة! هكذا قد يقلّد الأولاد ما وجدوا عليه آباءهم بلا تدقيق؛ ليتم تداول العادة الجديدة وانتشارها بين الأهل وتوارثها جيلًا بعد جيل، لأننا نحيا في زمانٍ يستطيع فيه الجميع أن ينشر ما يحلو له. وما موجة الغزو الثقافي من الغرب الّا جزء من جهل يعيشه أبناء جلدتنا أنفسهم مع أقرانهم أولاً. فلنتسلّح بالمعرفة والعلم، نثقف أنفسنا وأولادنا، نفهم، نفكّر، نعقل، ولا ننقاد لكل ما يُعرض ونسلّم له؛ لنصمد أمام أمواج فتن برامج التواصل الاجتماعي وما تصنعه من عادات مستحدثة بلا أصل أو دليل.

اخرى
منذ 4 سنوات
1478

آية البعوضة!

بقلم: أم قنوت يعتبر البعوض من الحشرات ثنائية الأجنحة التي تتبع رتبة ذات الجناحين، تمتاز الحشرة بوجود أجزاء فم طويلة واضحة على شكل الإبرة لتسهيل امتصاص الدماء من الضحية (١). يذكر الشيخ الطريحي في مجمع البحرين أن البعوضة على خلقة الفيل إلا أنها أكثر أعضاء... إلى أن يقول: وخرطوم الفيل مصمت وخرطومه مجوف، فإذا طعن به جسد الإنسان استسقى الدم وقذف به إلى جوفه فهو له كالبلعوم والحلقوم (٢). يزيد عدد أنواع البعوض عن ٣٠٠٠ نوع، ويبلغ أقل حجم له ٣.١٨ ملمتر، وينقل الكثير من الأمراض (٣). ذكر الله تعالى البعوض في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة ٢٦]، وهي الآية التي روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله فيها: إنما ضرب الله المثل بالبعوضة لأن البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين، فأراد الله سبحانه أن ينبه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعته (٤) وأما سبب النزول فهو الرد على المشككين الساخرين والناقدين لضرب الله تعالى الأمثال بالحشرات كالذباب والبعوض. وهناك رأيان في تفسير (فما فوقها): أحدهما يقصد الصغر لأن المقام مقام بيان صغر المثال، والثاني الكبر أي إن الله يضرب الأمثال بالصغير وبالكبير، حسب مقتضى الحال (٥). قام العالم F.W. Edwards بنشر بحث له عام ١٩٢٢ وصف فيه كائناً طائراً قارصاً لبعض أنواع البعوض يسمى برغش، ومنذ ذلك الحين لم يقم العلماء بالتحقيق في ما طرحه ذلك العالم الى أن قام فريق من العلماء الصينيين بصيد كمية من البعوض لأجل فحصها في المختبر، لتظهر بعوضة من بينهم على سطحها الخلفي يعيش ذلك البرغش ويتمسك بقوة، فصبغوها بصبغة الكلوروفورم وفحصوها تحت المجهر، كما سجّل الفريق مقطعا مصورا يبين كيفية التصاق البرغش بالبعوضة بقوة وتمسّك شديدين حتى في حال طيرانها، كما يوضح استطاعته التخلص من مكانه بعد أن يأخذ كفايته من الغذاء، أي إنه ليس ملتصقاً بالبعوضة على الدوام (٦)، مما يجعل من هذا الاكتشاف إعجازًا علميًا آخر يُضاف الى قائمة الاعجازات العلمية القرآنية، والذي قد يفسر المقصود بعبارة (فما فوقها) بطريقة علمية لا تتنافى أو تتضارب مع باقي أنواع التفاسير المذكورة في شأن هذه الآية. ______________ ١-دليل التدابير البيئية لمكافحة البعوض، منظمة الصحة العالمية. ٢-مجمع البحرين الجزء الأول، الشيخ فخر الدين الطريحي. ‏٣-https://relay.nationalgeographic.com/proxy/distribution/public/amp/animals/invertebrates/group/mosquitoes ٤-بحار الأنوار، الجزء ٩. ٥-الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، المجلد الأول. ‏٦-Mosquitoes Have Flying, Blood-Sucking Parasites of Their Own ‏By Jennifer Frazer on October 6, 2014

النكات العلمية في القرآن الكريم
منذ 4 سنوات
1107

ثورةٌ على ظرفٍ قسرّي

بقلم: أم قنوت سبّب التطور الهائل السريع والإعلام الذي يُسلّط الأضواء أكثر الأحيان على المرأة المنجزة ويتناسى ربات البيوت تغييراً لنظرة المجتمع لهن؛ حيث حصرهنّ في خانة الكسل، وعدم الإنجاز والاتهام بالتقصير تجاه المجتمع، حتى صدقت بعض النساء هذه الأوهام المحبطة وطبقنها بالحذافير، وأصبح بعضهن أسيرات لها وكأن هذه الوظيفة تنحصر في تنظيف البيت ومتابعة الأولاد فقط -مع عِظم المهام المذكورة-. عزيزتي ربة البيت، أدعوكِ لتقدير هذه المهنة الكريمة، فطول فترة العامل الزمني المتاح لربة البيت أضعاف ذلك الذي تعيشه المرأة العاملة، وهذا يعني الكثير؛ مثلًا على الصعيد الديني يعني: حرية في أوقات وكم العبادة، والتخلص من الاختلاط المحرّم لبعض الوظائف، وإعانة الزوج بما يحتاجه من إدارة أمور البيت وهذه عبادة بحد ذاتها إذا ما نويت بها القربة إلى الله، والقدرة على متابعة التكليفات الدينية للأبناء، وحرية القيام بالواجبات الاجتماعية ذات البعد الديني مثل زيارة الأهل، بل حتى على صعيد العائلة فأوقات التنزه والترفيه والسفر تكون أقل تقييدًا، وهذا أمر مهم يساعد على التقرب من الأولاد وسد احتياجاتهم للترفيه المشروع. أما من الناحية الصحية فربة البيت تتعرض لنصف الضغط النفسي الذي تتعرض له غيرها العاملة؛ حيث الأخيرة تتعرض لضغطي العمل والبيت على حد سواء، وحرية الوقت لغير العاملة تسمح بممارسة الرياضة، وطهي الطعام الصحي والتفنن به، وتتيح وقتًا لممارسة الهوايات التي غيّبتها ضغوط الحياة. ما ذُكر من الإيجابيات يواجه كمًا من السلبيات التي يمكن حصرها بعدة أمور منها مثلًا: ١- الروتين: يأتي الروتين والملل في أول قائمة السلبيات عند بعض النساء، والتغلب عليه ليس بالأمر المستحيل فاتبّاع جدول تختلف مهامه بشكل يومي أو أسبوعي كفيل بكسر الروتين، وإضافة توابل للحياة كالاشتراك في دورة مجانية، أو قراءة مواضيع مختلفة، أو متابعة برامج تلفزيونية هادفة، أو متابعة ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي بتعقّل وانتقاء؛ كل ذلك سيكسر الروتين ويوسّع أفق التفكير ويحقق رضا عن الذات. ٢- شهادة أكاديمية غير مستخدمة: تندم بعض النساء وتجّر الحسرة بعد الحسرة على تضييعها أعواماً من عمرها في الدراسة والتحصيل العلمي متناسيةً التكليف الشرعي أولًا بطلب العلم، وحالة الإشباع النفسي الذي يحدثه التعلم ثانيًا، فهذه الشهادة الأكاديمية ذخرٌ أهون استخداماته تدريس الأبناء في مختلف مراحلهم الدراسية. ٣-ضيق ذات اليد: قد يضع هذا الأمر المرأة في موقف البحث عن دخلٍ إضافي يسد احتياجاتها واحتياجات أسرتها، ولكن بطلة هذا المقال ربة بيت بسبب الظرف القسري فهل من سبيل لأي دخلٍ إضافي؟ نعم، لديكِ بعض الخيارات هنا: أما تنمية هواية قديمة والمتاجرة بها من داخل البيت، أو الإلحاح بالدعاء الى الله بتوسعة رزق الزوج، يقول الإمام علي في وصية لابنه الحسن (عليهما السلام): "وأعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفّل لك بالإجابة" (١). وخياركِ الأخير هو تعلم فن الرضا والقناعة لأن "القناعة مالٌ لا ينفذ" (٢). يُذكّر هذا المقال البعض بأن القوة النابعة من الأعماق لتغيير الواقع الذي يقنعنا به الغير على أنه فاشل إلى واقع أفضل وأكثر تصالحًا مع النفس مهمة ممكنة التحقيق، فدور المرأة العظيم في المجتمع يبدأ من بيتها أولًا، فلإنتاج جيل ناجح يجب أن تبدئي بنفسك أولًا وتكوني في حالة رضا عن الذات، فلتكن إذن هذه المهمة حالة ثورة على الظرف القسري. _____________ ١ نهج البلاغة، ج ٣. ٢ نهج البلاغة، ج ٤.

اخرى
منذ 4 سنوات
405