Profile Image

أم قنوت

الطلاق بداية حياة

من أسئلتكم بقلم: حنان الزيرجاوي/ أم قنوت سؤالي هو: ابني وبنتي -وهما مراهقان- أصبحا متمردين بكل تصرفاتهما بعد طلاقي من والدهما، وحتى صلاتهما تركوها وأُحاول جاهدة أن أُعيدهما لطريق الصواب لكن أجد صعوبة بالغة، مما يضطرني للاستعانة بأخي في أزماتهما، وأما بالنسبة لوالدهما فقد تركهما كليًا ولا يأبه لهما مطلقًا. أفيدوني بحل واقعي استطيع مجاراتهم به جزاكم الله خيرًا؟ الجواب: الأخت السائلة، انطلقي من عنوان المقال، وأبدئي رسم ملامح الحياة الجديدة، لتعوضي ما قد فات... ولكن! تربية الأولاد أبداً لم تكن أمرًا سهلًا، فالعملية التربوية هي عملية تكاملية بين الأم والأب، ولكن غياب الأب -قسريًا كان أم إراديًا- يجعل الأم في موضع المسؤولية التربوية الأكبر، فيصبح دورها مزدوجًا. ويعد ذلك من أهم الصعوبات التي تواجهها المرأة المطلقة فهي ترغب بالطبع بتحقيق التوازن داخل عائلتها، وقد يراودها القلق والشك بعدم قدرتها على ذلك، ويزداد الأمر صعوبة خاصة مع انتقال الطفل لمرحلة المراهقة والشباب والتمرد، فقد يحتاج الأمر الشدة والحزم مع أولادها لتعوض النقص الحاصل بسبب غياب الأب، وفي الوقت نفسه عليها أن تمنحهم الكثير من الحنان والحب، إلى جانب متابعة كل شؤونهم من ألفها إلى يائها. الطلاق يُعتبر تجربة قاسية خضتي قبلها صولات وجولات من الخلافات مع زوجك، لاشك أن بعضها -أو قد يكون كلها- أمام أولادكما، فلا تندهشي من تمردهم، فقد كانوا متأرجحين ما بين شجاركما، لا يعلمون لمن يلجؤون، ولمن يساندون، فباتوا في حيرةٍ من أمرهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء... تذكري الحزن والألم الذي رافقك في زواجك... وربما بعد طلاقك... وقارني بين عمر النضوج الذي تعيشينه وبين عمر الصِبا وتقلباته الهرمونية الذي يعيشونه، ثم اشفقي واشفقي على أولادك وانتبهي إلى اللغة الجديدة التي يتحدثون بها إليك؛ تمرد وعناد وترك للصلاة، فهم يحاولون التعبير عن عدم ثقتهم بكل من يحيط بهم، وربما لسان حالهم يتساءل: هل منعت صلاة والداي الخلافات؟ هل هذا هو الدين؟ تساؤلات مشروعة لمراهقين غير ناضجين لم يعيشوا في كنف أب عطوف، فهم بحاجة لك وله. تذكري سطورنا الأولى في هذا المقال: إبدئي برسم ملامح حياة جديدة... فأنتِ أمام تحدي لتنشئة أبناء يعيشون في بيئة صحية يتوفر فيها التوازن على الصعيدين النفسي والوجودي. ستقولين كيف لي ذلك؟ وهل باستطاعتي حماية أولادي من السلوكيات المنحرفة؟ الجواب: نعم أخيتي تستطيعين ذلك؛ تأكدي أن لكل بداية ابتلاء هناك نهاية، لذا اطمئني وتوازني، واتبعي بعض النصائح التي منها: - إيجاد حالة من التوازن؛ فأولادك بحاجة الى حدود ومعايير واضحة أثناء تربيتهم، لذا وازني ما بين الحنان والحب وبين السلطة والسيطرة. - عليك بالنظرة الإيجابية للحياة، وأن تكوني أكثر تعقلًا وأن لا تجعلي من الطلاق نهاية للحياة، فوجود أم متفائلة وشجاعة وعقلانية يعني وجود أبناء متفائلين وناجحين في حياتهم ولديهم نظرة إيجابية للمستقبل. - اجعلي لأولادك أولوية في جدول اهتماماتك لهذه الفترة، فهذا سيشعرهم بالأمان. - استشيري أهل الاختصاص في الأمر، فربما يحتاج أحدهم استشارة شخصية، لذا كوني جاهزة لجميع الاحتمالات، لربما يكون أحدهم غير مستعد أو غير متقبل للوضع الجديد بعد. - قد يحملك الشعور بالذنب على منح الدلال الزائد لأولادك لسد الفراغ الحاصل بسبب غياب الأب، لكن هذا قد لا يعود بالنفع عليهم لذا انتبهي لذلك. - احرصي على تنمية مهارات تربية الأولاد واكتسابها، فذلك أمر صحي لبناء عائلة ناجحة تربويًا، ولا تخجلي من السؤال فكلنا قد يفتقر إلى بعض الجوانب ويحتاج أن يتعلمها. - حاولي شرح أسباب الطلاق بعقلانية لأولادك بدون خلق جو من التوتر، وذلك محاولة للتخفيف من حدة الضغط النفسي الذي يعيشه الأبناء لكي لا يمرون في مرحلة صراع تؤثر فيهم سلبًا. - اسمحي لهم بالاتصال بوالدهم، فوجوده ضروري في حياة أولاده وأن لم يكن حضورًا جسديًا. - استمعي لأبنائك فالاستماع هو الطريق الواصل ما بين العقول والقلوب. -حاولي تجاهل بعض السلبيات وغض بصرك عنها فالزمن كفيل بإخفائها، كما أن التركيز على سلبيات الأولاد وتجاهل إيجابياتهم قد يزيدهم تمردًا. - تحدثي معهم عن السلوكيات غير المقبولة قبل حدوثها منذ بداية السنوات التربوية الأولى للطفل، وبعمر المراهقة، فذلك يعزز لديهم نبذ ذلك السلوك، والوقاية خير من العلاج. - غذي لديهم البعد الديني، وذلك عن طريق اعطاء معلومات دينية وقصص أخلاقية معززة بالآيات والروايات، لأن قوة الدين ستخلق الرادع الداخلي والواعز الذي سيعطيهم الحصانة المانعة للسلوكيات الخاطئة والمنحرفة. - استخدمي لغة الحوار الصحيحة بدلًا من إلقاء الأوامر المنفرة، واجعلي لهم فسحة للتحاور وأبداء الرأي، وكوني على دراية بكيفية إدارة الحوار ومتى يكون الوقت المناسب له. - تجنبي الانتقاد الدائم لما له من أثر سلبي على نفسية المراهق، فإنه يغرس شعورًا بداخله أنه شخص فاشل، وأن أي تصرف منه لن ينال رضاك مهما حاول ذلك. - استوعبي التغيرات التي يمر بها المراهقون وتعاملي معها بشكل صحيح، وتذكري أن المراهق عنيد معتز بنفسه يحب أن يميز شخصيته عن غيره، وأن مقارنته بأقرانه تعد إهانة له حتى وإن كانت صحيحة، فلا تحاولي مقارنته بأصدقائه أو أقاربه أو من هم في نفس عمره. - (إن لم أسيطر على ابني المراهق الآن، سأندم لاحقًا، لأنه سينحرف، يجب أن اضغط عليه لأحميه)؛ هذه فكرة خاطئة استحوذت على أفكار الكثير من الآباء، فانتبهي لخطرها. - اجعلي أمرك بين أمرين؛ لا أفراط ولا تفريط وإنما أمر بينهما، حيث يجب على الأم أن توازن بين الحرية والرقابة وتقديم الإرشاد بدون ضغط، ليستطيع المراهق طلب المساعدة بلا خوف، فلا يكون اطلاقًا كاملًا للحرية ولا كبتًا قاتلًا، وتذكري دائمًا أن "كل ممنوع مرغوب" وما لا يستطيع المراهق عمله أمامك سيقوم به من وراء ظهرك. - لا تجعلي من فشلهم واخفاقهم الدراسي معيارَ تقييمٍ لهم يدل على فشلهم أو انحرافهم، فالتغيرات التي يمرون بها ليست بسيطة. - أظهري مشاعرك وعواطفك لهم بلا خجل، فهم بحاجة ماسة لذلك ولا تتحرجي بأنهم اصبحوا كبارًا ولا يحتاجون لذلك، لا تخجلي من حق ابنك وابنتك عليك، هم بحاجة لمنحهم الحب والحنان، وتذكري أنك بذلك تعلمينهم التعبير الصحيح عن مشاعرهم وعدم الخوف أو الخجل من ذلك. - تذكري أن وجود الأب يؤثر كثيرا على نضوج ووعي المراهق، وخاصة مع الذكور، ويعمل على تعزيز الاشباع العاطفي لديهم، إذ إن غياب أحد أعمدة العائلة التي يستند عليها عاطفيًا واجتماعيًا يجعل من المراهق عرضة للضرر النفسي على المدى البعيد والقريب الذي بدوره يزيدهم ثقة بأنفسهم، لذا شاوريهم بشأن الاستعانة بخالهم، أو استعيني به خلسة في حال رفضهم. - علمّي أبناءك تحمل المسؤولية متكاتفين ومتحدين في مواجهة الصعاب، ووزعي المهام فيما بينهم حسب قدراتهم الإدراكية. عليك أيتها الأخت أن تتحلي بالشجاعة المطلوبة والإيجابية لتكوني قادرة على إدارة شؤون أسرتك وقيادتها لبر الأمان، فشعورك بالإحباط يولد زعزعة في داخل نفوس أبنائك، واجمعي كل ما فات في أمرين: الصبر والصلاة، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة ٤٥]. تذكري أن الدعاء مخ العبادة، فاستعيني بالله وأهل بيت رسوله (صلى الله عليه وآله)، ولن تُخذلي.

اخرى
منذ 5 سنوات
1508

حماةٌ وكنّةٌ

بقلم: أم قنوت امرأتان في حياة رجلٍ واحد، وجودهما جوهري في رحلته نحو القمم، أو في بقائه على الهامش، الأولى أُمّه: أصلُه ومصنعُه، والثانية زوجتُه: نصفه الثاني ومسكنُه. أحد أهم الأدوار الأساسية للأم في حياة أولادها هو التوجيه، دينياً كان أو اجتماعياً أو أخلاقياً، فتستمر بالعطاء الى أن تصل بابنها الى سن النضوج وبرّ الامان، ليُكمل ما تبقى من عُمره مع امرأةٍ جديدة تُكمل المسيرة معه جنباً الى جنب. ليت الواقع مثالي ومُنمّق وصائب كهذه المقدمة، فبعض البيوت جحيمٌ أبدي تُسعر ناره إحدى المذكورتين وتنفخ فيها الأخرى، فيسعى الرجل بين هذه وتلك محاولاً الإخماد بلا جدوى، تدعّي كل منهما حبه، وتزعم أنها الباحثة عن راحته، حتى يصل ذلك المسكين إلى حافة الانهيار، فيتراجعا عندئذ، فلا يكاد ينفض عنه رماد النار القديمة إلّا واستعرت أُخرى. حربٌ بلا هدنة، فصولها متنوعة، غيرةٌ، وحقدٌ، وجهلٌ، وخاتمتها انتقام، إذا كان القصد الانتصار فتدبُّرٌ بسيط يُظهر أنّ المعركة تنتهي لصالح إحداهما ولكّن الحرب مستمرةٌ جولةً بعد جولة. أمٌ صبرت وربّت رجلاً تتمناه كل النساء وتحسدها عليه كل الامهات، لكن يتبخر كل ذلك في غمضة عين حال رؤية ابنها مع زوجته فتتغير كل مبادئها في سبيل الظفر به. زوجةٌ ناضجة تربّت على القيم والاخلاق فإذا بها ترمي ما تربّت عليه جانباً، فإن بدر من زوجها وصالٌ لأمه عاتبته: أنت مقصّرٌ معنا، وإن طلبت الحماة طلباً خفيفاً منها، فذاك أثقل من جبل، أما إذا تهور زوجها وفكر أن يبرّ أمه بمالٍ من رزقه فذلك يوم عسير كعسر قلبها. أيتها الحماة، كُنتِ كنَّةً يوماً ما. أيتها الكنَّة، ستصبحين حماةً يوماً ما. رفقاً بذاك الرجل المنهك، فقد تشتت عقله بتوافه الامور وأصبح مسجوناً في تلك الزاوية، فتنازلاتٌ بسيطةٌ كافية ليعّم الهدوء ويسود الحب، تطبيقاً لقول الله عز وجل﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ ثم ماذا عن مبدأ احترام الكبير والعطف على الصغير؟ لمَ لا يُطبّق في هذا البيت؟ وأين دهاء المرأة الذي تضج به الكتب؟ فطريق قلب الرجل يمر عبر حب واحترام الزوجة لأمه، وهل ينفع التذكير بعمر كليكما لترفق الحماة بزوجة ابنها وتعاملها بلين وعطف، بينما تتحمل الزوجة الصغيرة بعض المسؤولية عند تعاملها مع تلك الكبيرة في السن المريضة أكثر الاحيان؟ فطباعكِ طيّعة بينما تأصلّت طباعها. يروى عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: " إنما المرأة قلادةٌ فانظر ما تتقلّد، وليس لامرأةٍ خطرٌ، لا لصالحتهن ولا لطالحتهن: فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة، هي خيرٌ من الذهب والفضة. وأما طالحتهن فليس خطرها التراب، التراب خيرٌ منها" (٢). رسالةٌ الى من يهمّها الأمر: لكِ الخيار بأن تكوني خيراً من الذهب والفضة أو دون التراب. ______________________ ١- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي ابن بابويه القمي، ص١٤٤.

اخرى
منذ 5 سنوات
1388

هَبَّةُ أسَفٍ

بقلم: أم قنوت هَبّة: أي صرعة جديدة يجري خلفها المرء بلا تعقّل. خليطُ الاختلافاتِ الذي تمر به المرأة منذ نعومة أظافرها الى قمة النضوج مروراً بأيام الصِبا، بات من الماضي في عالمنا المنفتح على الآخر عبر شبكات الإنترنت، وهنا لا يُلام الانفتاح، ولكن تُلام هي اللاهثة وراء أوهامه مُخلّفةً جُلّ مسؤولياتها وأحياناً عقلها معاً، فعصر التطور أدخلنا عالماً مبهماً مخادعاً عبر الهواتف، ولكن للإنصاف إنّ العلّةَ تكمن بالمُستَخدِم لا المُستَخدَم. إحداهن تسافرُ يومياً في رحلةٍ عبر طريقٍ ملتوٍ يمر بها في ذات المتاهة ويُرجعها لمحطة البداية، هي الراحلة بين صورة الانستغرام الى قصة السناب شات الى سطور الفيس بوك الى نقطة الانطلاق مرةً بعد مرة... مراقبةٌ رائعةٌ هي لهذه وتلك، وكأن يومها يدوم ابداً، لاهيةً عن مسؤولياتها وتكاليفها وتطوير ذاتها. أتبحثُ عن هَبّة؟ الهَبّة لا تكلفّها ذاك العناء، فصاحبات العروض المجانية يبعنها لمن يشتري، هي علاقةٌ ثنائية القطب تعيش فيها الأولى فراغاً داخلياً وتنعدم عندها القناعة فتدفع الثمن غالياً بحيث تصبح خصوصيتها وحياتها مشاعاً ضاربةً بعرض الحائط تعاليم الدين وقيم المجتمع، بينما تشتري فيها الاخرى الوهم وتبلع الطعم الذي ترميه لها صاحبة العروض فتنشغل بتوافه الأمور وتقصّر في حق ذاتها وفي حق الآخرين. إحداهّن التي تقرأ هذا المقال، أما آن الأوان أن تفرّي من تلك المصيدة؟، أما آن الأوان أن تركزي على ذاتك وتطوريها لتنهضي ببيتك ومجتمعك، هاتفكِ الذي بين يديكِ مملوءٌ بعالمٍ واسع، خذي منه تسعة فوائد واستمتعي بواحدة من عالم "الهَبّة" لتكتمل العشرة. لا أدعوكِ لمقاطعة أياً من المواقع التي تحبين، ولكن القليل من العقلانية كفيلٌ بقلب أسلوب حياتكِ رأساً على عَقِب، فكفى بكِ حزناً وحسرة بأن من تُرشدكِ الى الهَبّة متنعمةً بالمال الذي تنفقينه على أغراضكِ المتكوّمة، فأصنعي هبّتك، ورتبّي أولوياتك، ثم تابعي بلا أسَف. وأسَف: هي الحروف الأولى لبرامج التواصل الاجتماعي المذكورة في أول المقال. ابدئي من هنا كلما رحلتِ بذات القطار تذكري كلمة أسَف علّها تغير ذاك المسار اخلعي عنك الكسل وفتشي ذاتك باقتدار وإن يئستِ مرةً تضرعّي لله وأهل بيت رسوله الاطهار تجدين يد العون ممدودةً بعطاءٍ كالمطر يُلفت الانظار

اخرى
منذ 5 سنوات
750

(وقالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي١)

بقلم: أم قنوت استوقفتها تلك الآية الكريمة للحظة، وبإلهامٍ خفيّ قررت أن تبحث عن تفسيرها في كتب التفاسير، فقرأت ما كان سبباً لهجرتها وطن السيئات والمعاصي، واللجوء الى وطن الإيمان والنقاءِ: المهاجر من هجر السيئات وترك ما حرّم الله (٢)، وتاب إلى الله (٣). تفكرت في حال المهاجرين وكيف يتركون موطنهم الأم إلى مكانٍ جديد طلبًا للأمن، أو لتعويض النقص الحاصل في بلد المنشأ، فطبقّت كل ما جال في فكرها على موطنها الحالي، فوصلت حال التخبط واللا ثبات واتخذت قرارًا بالهجرة إلى بارئها، فأعدّت العُدّة وتخلصت من حاجياتها القديمة لتعبر بأمان، فطريقها محفوف بالمخاطر؛ فالشيطان، ووسوسة النفس، وذاك الكلام الداخلي المثبط للهمم: لن تعبري... لن تصلي... رحلتكِ صعبة... اختاري الأسهل... لماذا السفر؟ ستمرين باختبارات مريرة.. جسدكِ النحيل لن يقاوم التعب فالرحلة شاقة... أتحسبين أنكِ وِترٌ في هذه الدنيا؟ كيف لغيرك أن يتقبل هذه الهجرة؟ هجرةٌ لا تعرفين نهاية طريقها، وهل تثقين بالوصول؟..و..و..و… كفى! هي لا تريد الإنصات للأصوات الضعيفة المحبطة، مهما اعتراها من أذىً في الطريق، ستتشبث بحلمها وستصل، باتت وبداخلها الصراع، صراع القوة والضعف، أأخرج من فكرة هذا السفر أم أُجازف بالدخول؟ مخيلتها لا تُسعفها بالحلول، تعلم أن الطريقَ وعرٌ ولكن أبت الاستسلام واختارت الوصول. اتخذت أُولى خطواتها في طريق ترك وطن الذنوب، وتطهرت بغسلٍ، وبوضوءٍ تلت فيه: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" (٤). التوابون... تلك هي البداية... صلّت ركعتين لا كغيرهما من الركعات فيهما خشوع مساوٍ لثقل الذنوب المتراكمة، وأعقبتهما بسجدةٍ طويلة ملآى بالبكاء والعويل، والإقرار بالذنوب والإسراف على النفس، تذكرت في دقيقة كل ما اقترفته حواسها من ذنوب... يا الهي! رباه! أيها أذكر وأيها أنسى وكيف أحصيها؟ كيف قضيت عمري مرتعاً للشيطان؟ "إلهِي إنْ كانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْب تَوْبَةً، فَإنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِينَ" (٥)، قوّني يا رب، المدد يا إمامي... ألقت خطاياها عن ظهرها وحلّقت بالعبادات خفيفة الروح يومًا بعد يوم، توشك على السقوط تارةً، وبلطفٍ خفيّ تحلق تارةً أخرى، لم يكن الطريق سهلًا، ولكنها استمدت القوة من القوي (جلّ وعلا)، تعلمت واستزادت، قرأت وتعبدّت، وعشرات المرات للقرآن ختمت، وخصالها المذمومة تركت، وعلى غفلتها القديمة تغلبّت، وإلى موطنها الجديد هاجرت، وللشيطان والنفس الأمارّة بالسوء هزمت، وأن تصبح من أولياء الصالحين قررت، وقول الرسول (صلى الله عليه وآله) طبقّت: "...إن أولياء اللَّه سكتوا فكان سكوتهم فكراً، وتكلموا فكان كلامهم ذكراً، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة، لولا الآجال التي قد كُتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم خوفاً من العذاب وشوقاً إلى الثواب" (٦). __________________________ ١- سورة العنكبوت. ٢- الكافي، الجزء 2، باب المؤمن وعلاماته وصفاته. ٣- تفسير القمي. ٤- وسائل الشيعة، الجزء 1، عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - قال: فإذا توضأت فقل: أشهد أن لا إله إلا الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، والحمد لله رب العالمين. ٥- الصحيفة السجادية، مناجاة التائبين. ٦- مكيال المكارم، المجلد الثاني.

اخرى
منذ 5 سنوات
1561

من مواعظ الإمام الهادي (عليه السلام): شُكر النِعَم

بقلم: أم قنوت يقول الله في كتابه الحكيم: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) (١) ويروى عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) قوله: "ألقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها.." (٢). الشكر: هو تصوّر النعمة وإظهارها، وهو ثلاثة أضرب: شكرٌ بالقلب؛ وهو تصور النعمة، وشكرُ اللسان؛ وهو الثناء على المُنعِم، وشكرٌ بسائر الجوارح؛ وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها (٣) والشكرُ نفسه نعمةٌ من الله تستحق الشكر، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله:" قال الله عز وجل لموسى بن عمران (عليه السلام): يا موسى، أشكرني حق شكري، قال: يارب كيف أشكرك حق شكرك والنعمة منك والشكر عليها نعمة منك؟ فقال الله تبارك وتعالى: إذا عرفت أن ذلك مني فقد شكرتني حق شكري" (٤). لماذا نشكر الله؟ يبدو جواب هذا السؤال بديهيّاً، فهو الخالق المُنعم الكريم الذي خلقنا في أحسن تقويم، والذي أنعم علينا بالصحة والرزق، و..، وغيرها من نِعمه التي لا تُعد ولا تُحصى، والتي أصبحت جزءاً من حياتنا اعتدنا وجودها وبتنا لا نشعر بأهميتها البالغة، بينما يتمناها من حُرِمَ منها ولم يذق طعم حلاوتها، فالله سبحانه وتعالى مستحقٌ للشكر لا فقط لما نلمسه ونحسه من النعم، بل على ما جنَّبنا من بلاءٍ يقاسيه و يعيش الغير آلامه. سنستشهد في السطور القادمة ببعض الأجزاء من دعاءٍ عظيم المنزلة وهو دعاء الجوشن الصغير، حيث ينبهنا هذا الدعاء لعددٍ من البلاءات التي تمر على البشر، لنبقى دائماً "لنعمائه من الشاكرين ولِآلائِه من الذاكرين" فمن رحمة الله بنا أن جعلنا متنعمين بالعطايا وأن رفع عنّا البلايا، فكم مِن مرة قد ردّ الله جل وعلا عنّا شراً من "عدوٍ أضمر المكروه، و باغٍ نصب أشراك مصائده، وحاسدٍ شَرِقَ بحسرته" بلا حول منّا ولا قوة، بل بتدبيره العظيم الخفي؟ وأنعم علينا بالأمان بينما غيرنا "خائفٌ مرعوب، هاربٌ طريد، ينظرُ إلى ما تقشعّر منه الجلود، وتفزع له القلوب"؟ ووهبنا الصحة والسلامة بينما يصبح ويمسي غيرنا" سقيماً موجعاً في أنّةٍ وعويل، عليلاً مريضاً سقيماً"؟ و رزقنا الاستقرار والسكينة والأمن بينما يعاني من اجتاحته "عواصف الرياح والأهوال والأمواج" الخوف والذعر والهلع؟ ومنحنا الحرية بينما يقاسي المظلومون " مضائق الحبوس والسجون وكُرَبِها" فيحتملون "ضراً من العيش، وضنكاً من الحياة" ونحن في " خلوٍ من ذلك كله" بلا إحسان منّا بل "بجود الله وكرمه".. فكيف لا نشكره وهو مَنْ منَّ علينا بالنِعم و جنّبنا المصائب؟ ولكن كيف نشكر الخالق العظيم فنوفيه حق الشكر؟ خاصةً ونحن نناجي الله بما ناجى به الإمام زين العابدين (عليه السلام) ونقول: "فكيف لي بتحصيل الشكر، وشكري إياك يفتقر الى شكر"؟ (٥) و كيف حصلَ النبي نوح (عليه السلام) على لقب: عبدٌ شكورٌ؟ تأتي الإجابة من أبي عبد الله حيث روي عنه (عليه السلام): "إذا أصبحت و أمسيت فقل عشر مرات، (اللهم ما أصبحت بي من نعمة أو عافية من دين و دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضا وبعد الرضا) فإنك إذا قلت ذلك كنت قد أديت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم وفي تلك الليلة" (٦) وقال: "كان نوح عليه السلام يقول ذلك إذا أصبح، فسمي بذلك عبداً شكوراً" (٧). _____________________ ١- سورة الإسراء، آية 3. ٢- بحار الأنوار، الجزء ٧٥. ٣- بحار الأنوار، الجزء68، الباب 61. ٤- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، الطبرسي، الفصل السادس، في الشكر. ٥- مناجاة الشاكرين، الصحيفة السجادية. ٦- الأصول من الكافي، الجزء 2، باب حسن الخلق. ٧- نفس المصدر السابق.

اخرى
منذ 5 سنوات
9911

صديقُ الروح

بقلم: أم قنوت يُروى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قوله: "إنَّ المؤمن لَيسكن إلى المؤمن، كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد" (١). فلسفة الصداقة تبدو بسيطة في ظاهرها لكنها تخفي بداخلها معانٍ عميقة، وحالة سكينة إنسانية فعلاً كحالة سكون الظمآن إلى الماء البارد، فكيف لشخصين جُمعا في مكانٍ وزمانٍ ما، أن تتحول علاقتهما من مرتبة المعرفة السطحية إلى مرتبة أُخوّة؟ بحيث تجمعهما رابطة بقوة رابطة الدم، فتوثق علاقتهما ليصبحا إخواناً، يفهم أحدهما الآخر وكأنه عاش كل تفاصيل حياته، وعاصر كل أفراحه وأتراحه، ويصبح قريبًا لقلبه وعقله، بل أحيانًا أقرب مِمّن يشاركه مسكنه. تتعدد العلاقات الاجتماعية وتختلف باختلاف الظرف والمرحلة العمرية ولكن تبقى علاقة الصداقة رباطًا لا يعرف حدود الاختلافات المنطقية لباقي العلاقات، بحيث تمر علينا علاقة صداقة لصديقين كسرت مثلاً قيود اختلاف العمر، أو التباين بالتحصيل العلمي، أو تفاوت الحالة المادية، بل بعض الصداقات قد تبهرك بقوة تحطيم المسافات، حيث كل من الصديقين يعيش في مكان مترامي الأطراف عن الآخر، بينما تطوي علاقتهما المسافات بثوانٍ، لدرجة أن حروف كلمات رسائلهما المتبادلة لا تحتاج لشرح المشاعر، فعبارة مثل "صباح الخير" كافية لنقل مشاعر حزن... ألم... فرح... شوق... وهكذا... شخصان يعوّض أحدهما نقص الآخر ويكمله، و يتجردان من شوائب القلوب التي تظهر لغيرهما ليصبحا في خندقٍ واحد لا وجود للغيرة فيه، أو للحسد "فحسد الصديق من سقم المودة" (٢)، لا يعرفان للحقد طريقاً، ولا تفرّق بينهما الخلافات السطحية، هل هذه هي كيمياء الجذب التي يتحدث عنها علم النفس وتطوير الذات؟ أم صداقتهم هذه هي مصداق لقول الرسول (صلى الله عليه وآله): "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف" (٣). علاقة التكامل بين الصديقين لا تعلو من مرتبةٍ إلى أخرى إلا بتطبيق قول الإمام الصادق (عليه السلام): "لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ومن لم يكن فيه شيء فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة فأولها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثاني أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال، والرابعة أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته، والخامسة وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات" (٤). ما ذكره الإمام يدعونا لمراجعة علاقاتنا مع الأصدقاء لنضع الأمور في نصابها الصحيح، فنطرد السلبي منها، ونجذب الإيجابي، فمن لا تنطبق عليه أكثر الشروط تدنو مرتبته من مرتبة الصديق إلى أخرى أقل، فعلاقة من هذا النوع لا فقط تتركك في مكانك بلا تقدم، بل تجرك إلى الوراء أحياناً، بينما يترقّى الآخر الذي تبشر خصاله بالخير، ولديه ما ذكر المعصوم (عليه السلام) من الشمائل وتُسقى العلاقة به بالمودة لتُقطف ثمارها لاحقًا باكتساب أخ صديق للروح. ___________________ ١ بحار الأنوار، الجزء 64. ٢ نهج البلاغة، الجزء 3. ٣ التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي. ٤ الكافي، الجزء الثاني.

اخرى
منذ 5 سنوات
1720

تعلمَّي من أم البنين (عليها السلام)

تشكو وتتذمر، تزبد وترعد، تندب حظها العاثر الذي جعل من أبنائها نصيباً لها، فهذا قصَّر في دراسته ولم ينجح بالدرجة الكاملة! وتلك غرفتها المبعثرة تدلُّ على روحِها الخاملة! بعض الأمهات لا شغل لهن غير تصيّد أخطاء أبنائهن.. أختاه مهلاً! هل لاحظتِ كم من الحسنات التي يحملها أولادك؟ لماذا تركزين على الهفوات الصغيرة وتضعينها تحت العدسة المكبرة، بينما لا تعيرين اهتماماً لإنجازاتهم؟ تُرى، هل كانت أم البنين (عليها السلام) تربي أشبالها الذين فدوا إمام زمانهم بالأرواح بنفس الطريقة؟ أم البنين (عليها السلام) هي ليست باباً للحوائج فقط، بل هي مدرسة العطاء والصبر والتربية.. أختاه إن انتظارنا للإمام المهدي (عجل الله فرجه) يجب أن يعمق فينا الإحساس بالمسؤولية الشرعية، فنجمع الطاقات ونشحذ الهمم، ونتداعى إلى نشر دين الله والعمل على تحضير الأجواء الملائمة لظهوره (عليه السلام). يا ترى، هل تعلمنا من أم البنين (عليها السلام) ذلك؟ أخيتي انتبهي! إن الإسلام عندما جعل من المرأة مديرة للأسرة لم يهضم حقها، بل جعل لها مهمة كمهمة الأنبياء، إذ التربية هي مهمة من مهام الأنبياء وهي مهمة جليلة يجب أن تدركيها، وهل هناك أهم من تربية الطفل؟ إنها صناعة الإنسان ، وصناعة الأجيال. أختاه، تغاضي عن هفوات أبنائك قدر الإمكان، وغذي قلوبهم وعقولهم بما غذّت به السيدة أم البنين عقول وقلوب أولادها، حينها فقط تكونين قد أعددتِ الجيل الناصر لإمام زمانك. أم قنوت

اخرى
منذ 5 سنوات
2171

لماذا تنحرف الذريّة؟ (1) استطلاعٌ للرأي حول الأسباب والوقاية والعلاج (الجزء الأول)

بقلم: أم قنوت يمرُّ على مسامعِنا بين الفينة والأخرى انحراف أحد الشباب عن طريق الدين -بنتًا كانت أو ولدًا- رغم انحداره من عائلة معروفة بالاستقامة والأخلاق والدين، فتحار العقول وتتساءل: كيف لأبوين متدينين ومعروفين بالصلاح أن يصل الحال بذريتهما إلى الانحراف عن جادة الطريق؟ ولأن للموضوع احتمالات عدّة وأسباب عميقة، تولّدت فكرة استطلاع للرأي لشريحة مصغرة من المجتمع... على غرار التجارب العلمية، تم اختيار عينّات مدروسة لأربعة وعشرين شخصًا -آباءً وأمهات، شبابًا وفتيات- لنتعمق ونبحث في آرائهم حول الموضوع، تم تقسيمهم إلى مجموعات كل منها تحوي ستة، أعمار الآباء والأمهات تتراوح بين 37-54، وأعمار الشباب والشابات بين 13-22، كل الآباء والأمهات المشتركين من ذوي الشهادات -تبدأ من الدبلوم وتنتهي بالماجستير- في تخصصاتٍ علمية وأدبية ودينية واجتماعية مع استثناءاتٍ فردية. سألنا المشتركين ثلاثة أسئلة: 1. لماذا ينحرف الشاب أو الشابة عن جادة الطريق المستقيم، مع إن والديهم متدينون وذوو أخلاق وهم من أسرة غير مفككة؟ 2. ما هو المطلوب من الأهل ليرجع الشاب عن الطريق المنحرف؟ 3. ما هي الاحتياطات المطلوبة لمنع انحرافهم؟ أفردنا في هذا الجزء إجابات السؤال الأول للمشتركين، ونبدأ بفئة الآباء حيث شرحوا الأسباب حسب وجهة نظرهم الدينية والتربوية والاجتماعية كالآتي: نزعةُ الخير والشر داخل الإنسان موجودة منذ القدم متمثلة بأولاد النبي آدم (عليه السلام) قابيل وهابيل، فالنفس البشرية خاصةً في مرحلة الصبا تكون مقيدة بين هاتين القوتين، والشخص بكامل إرادته يختار أما طريق الخير أو الشر، وغياب القدوة والمَثَل الصالح يعزز الانجراف وراء الشهوات. هذا علاوة على أن الشخص المتدين على نوعين: الأول فاهمٌ لروح الدين ولكنه فاشل في متابعته للأولاد فالتأثير الخارجي في غياب المتابعة والرقابة له كبير الأثر في انحراف الأبناء، والثاني فاقدٌ للأسلوب الذي يتبعه في إيصال المفاهيم الدينية للأولاد؛ فتجده يستخدم طريقة غير مستساغة، لذلك يتمرد الشاب في أول فرصة متاحة له. هذا بالإضافة إلى وجود فجوة بين الدين ومتطلبات العصر واحتياجات واهتمامات الشباب وفي غياب الخطاب الديني المناسب أصبحت الفجوة أكبر. أما من الناحية التربوية فالانحراف سببه عدم التأسيس لحوارٍ صريح بين الآباء وأبنائهم، كما أن بعض الآباء يزجون بأبنائهم في أوساط ومجتمعات فاسدة ويكتفون بإيصال الدين عن طريق المسجد فقط ظنًّا منهم بأن ذلك يكفي، متناسين أن الأولاد يحتاجون إلى استراتيجية وخطة كاملة منذ الولادة إلى حين استقلالهم. أما فئة الأمهات فكان رأيهم كالآتي: الامتحان الإلهي وغياب العاطفة جنبًا إلى جنب مع تأثيرات البيئة الخارجية تؤدي إلى انحراف الشباب. كما أن غياب النموذج الحسن داخل الأسرة وعدم احترام الأب للأم أو العكس يزعزع ثقة الشاب في نفسه فيصبح عرضة للمؤثرات الخارجية خاصةً في حال جهل الأهل للمتغيرات والمستحدثات والتقنية ومدحهم الزائد للانفتاح والغرب حيث التأثير التكنلوجي والتطور الذي تكون له نتائج غير جيدة أحيانًا، سيّما إذا كانت طريقة تعليم الدين بأسلوب غير حضاري مستخدمين الشتيمة والصراخ والتهديد. بالإضافة إلى الإلحاح بقول (هذا عيب، هذا حرام) لكل صغيرة وكبيرة الذي يولّد الكبت عند الأولاد وانطوائهم ويجعلهم غير منفتحين على الأهل. وأسباب أخرى كتأخر سن الزواج والاختلاط مع قلة وعي الأهل والشدة والضغط منهم فيتولّد الانفجار. وللشباب بجنسيه كلمة مهمة في هذا التقرير فهم يتحدثون من قلب الواقع الذي يعيشه أقرانهم، فجاء رأي الشباب بهذا الشكل: بعض الشباب يعيش حالة من الازدواجية؛ مثلًا تجده يحضر المجالس باكيًا بينما هو غارق بالموبقات فيصبح الحضور جسمانيًا لا روحيًا ولا عقلياً، بحيث لا يتأثر أحدهم بما يقول الخطيب فهو هناك فقط لإرضاء أهله وإقناعهم أنه شخص جيد، وهذا ناتج عن غياب المتابعة والتواصل بينهم وبين الأهل والإكثار من التوجيهات على أساس العيب والحرام وإجبار الأولاد على تطبيق الدين بطريقة منفّرة على الرغم من علم الأهل بالتطور والانفتاح على العالم، ووجود وسائل التواصل الاجتماعي وتعلق الشباب الشديد بها مما يؤدي الى انحرافهم بالنتيجة. وللفتيات رأي: العقل غير المكتمل لبعض الشباب يجعله لاهثًا خلف رغباته فاقدًا السيطرة على النفس مما يؤدي للاختيارات الخاطئة خاصةً بوجود أصدقاء السوء وتزمّت الأهل والرغبة بالحرية مع ضغط الأهل عليهم بإعطاء أوامر دينية بقول (هذا حرام) لكل صغيرة وكبيرة وبطريقة منفرّة وغير منفتحة على الواقع. يأتي في الجزء الثاني: - إجابات السؤال الثاني: ما هو المطلوب من الأهل ليرجع الشاب عن الطريق المنحرف؟

اخرى
منذ 5 سنوات
887

لماذا تنحرف الذريّة؟ (2) استطلاعٌ للرأي حول الأسباب والوقاية والعلاج/ الجزء الثاني

بقلم: أم قنوت كُنّا قد طرحنا في الجزء الأول من هذا التقرير ثلاثة أسئلة على أربعةٍ وعشرين مشتركًا من آباء وأمهات وشباب وفتيات، وبينّا جوابهم للسؤال الأول، أما بالنسبة للسؤال الثاني؛ ما هو المطلوب من الأهل ليرجع الشاب عن الطريق المنحرف؟ فقد جاءت إجابة الآباء بهذا الشكل: إذا كانت البذرة صالحة فالزمن كفيل بتغيير مسار حياة المنحرف، خاصةً إذا كانت التجربة الجديدة التي يخوضها الشاب فاشلة، وبصبر الأهل -واتباع سياسة جديدة والبحث عن المسببات ومن ثم تغييرها كأصدقاء السوء مثلاً أو الأموال المفسدة أو الحرمان من العاطفة- كبير الأثر في تغيير مساره الجديد، فاستعادته إلى الطريق الصحيح تكون عن طريق التقرب للشاب والمحاولات المتكررة بالتذكير المستمر والابتعاد عن التهديد والوعيد والعقوبة الشديدة وإعطائه بعض الأمان والحرية بحدود، فيزول حينئذٍ السبب بزوال المسبّب. أما عاطفة الأمهات فاقترحت الآتي: الدعاء لله وبناء علاقة صداقة جديدة مبنية على الصراحة والثقة والتعامل برفق والكثير من الحب وإدخال الدين من باب محبّب لقلوبهم الفتية والاحتواء من جديد وعدم الانشغال الدائم عنهم وعدم الإلحاح عليهم بما يجب أن يفعلوه بطريقة منفرة، كل ذلك له كبير الأثر في إرجاعهم إلى الطريق الصحيح. كان هذا أصعب الأسئلة التي طُرحت على الشباب والبنات، حيث بعضهم أطال التفكير قبل الإجابة، والبعض الآخر لم يمتلك جوابًا من الأساس، فكان رأي الشباب: قطع العلاقات مع الصديق السيء واختيار صداقات جديدة في نفس الوقت، وإعادة جسور التواصل مع الأهل عن طريق دخول الأهل عالم أبنائهم الجديد والتعايش معه لو لزم الأمر، والتذكير الدائم لهم بالأخلاق الحسنة بلين ورفق لردّهم إلى الطريق الصحيح. و للفتيات كلمة: حضور المجالس الخاصة بأهل البيت (عليهم السلام) خصوصًا مجلس الإمام الحسين (عليه السلام) فقصة استشهاده شديدة التأثير على غير المتدين فكيف إذا كان الشاب صالحًا بالأساس ولكنه يمر بفترة إدبار عن الدين فيرق قلبه عندئذ ويرجع إلى طريقه القديم، هذا مع الدعاء الدائم والسياسة والإقناع والإصغاء وتقبُّل الرأي الآخر والمراقبة فيعود حينها إلى الدرب الصحيح تدريجيًا.

اخرى
منذ 5 سنوات
581

لماذا تنحرف الذريّة؟ (3) استطلاعٌ للرأي حول الأسباب والوقاية والعلاج (الجزء الثالث)

بقلم: أم قنوت كُنّا قد انتهينا من وجهات نظر المشتركين للسؤال الثاني في الجزء السابق، أما جواب السؤال الثالث؛ ما هي الاحتياطات المطلوبة لمنع انحرافهم؟ فقد كان متشابهًا بين الآباء والأمهات مع اختلافات بسيطة، حيث اتفقوا على أن الأجواء العائلية الهادئة وتوفير الأمان والعاطفة، واختيار المدرسة والأصدقاء المناسبين كلها عوامل أساسية وجوهرية في تربية الأولاد، وبوجود النموذج القدوة ورسم برنامج حياة مناسب لجميع مراحل الأبناء العمرية، وأخذ التربية على محمل الجد فالوقاية خير من قنطار علاج، والمتابعة لهم بأدق التفاصيل وبأسلوب غير منفّر، وعقد صداقات (خاصةً بين الأب وابنه، والأم وبنتها)، وصقل شخصية الأولاد بأسلوب حضاري وإسلامي وتعليمي في آن واحد، كل ذلك يجعل الشاب أو الشابة متوازنين ومتخذين لقرارات سليمة، فوجود العلم مع الدين (والمال أحيانًا) يُشعر الابن بالاستقرار النفسي الداخلي. و للشباب وجهة نظر: وجود الرادع المغروس داخل الشاب من وجود حساب للآخرة ومعرفة الإمام (عليه السلام) عن طريق تثقيف الأهل أولًا، فالبعض يعاني جهلًا مركبًا ومطبقًا، فاللجوء لأهل الاختصاص لا يعيب أحدًا، هذا كله يؤدي الى تربية صالحة منذ نعومة أظافر الأبناء، والحوار الدائم بين الشاب وأهله وتعزيز ثقته بنفسه عن طريق اشتراك الأولاد برياضة قتالية مثلًا سيجعل الشاب محصنًا من تأثيرات العوامل الخارجية. أما الفتيات فنظرتهم للسؤال هكذا: تقوية أواصر العلاقات بين الأهل وأبنائهم، وعدم المعاقبة المبالغ بها، فهذا يجعلهم ينطوون على أنفسهم ولا يبوحون بأسرارهم خوفًا من العقاب الشديد، فالتزمّت الشديد مع عدم المراقبة يؤدي الى الانحراف، كما أن ترك الأبناء مع هواتفهم لفترات طويلة بدون متابعة لهم له عواقب وخيمة، وعقد الصداقات والحوار الدائم والخروج والسفر سوياً يقرب المسافات ووجهات النظر. رأيٌ ذو أبعادٍ مختلفة عّما طُرح سابقًا -مع التذكير أنه لا يوجد رأي صحيح وآخر خطأ، التقرير فقط لاستطلاع الرأي- أفردنا له مساحة لابتلاء البعض بأكل المال الحرام على وجه الخصوص وهو لسيدة من المشتركات قالت: جوابي للسؤال الأول هو أن بعض المتدينين يأخذهم العُجْب بأنفسهم وبدينهم، ومع زُخرف الدنيا الذي يعيشونه يؤدي بهم ذلك إلى عدم إعطاء الأولاد التربية الصحيحة ظناً منهم بأنهم سيكونون متدينين بالتبعية فينحرفون عندئذ، بالإضافة الى ذلك استحلال المال الحرام لأنفسهم ستظهر نتائجه السيئة على ذريتهم. إجابتها للسؤال الثاني كانت: الأهل يحتاجون إلى صدمة ليفيقوا من أسلوبهم الخاطئ الذي يتعاملون به مع الأبناء، ويجب أن يكونوا قدوة لأبنائهم فلا يجوز أن يقولوا ما لا يفعلون. إجابة السؤال الثالث كانت: الغذاء الفكري والغذاء الروحي؛ فكريًا يجب أن يقدم الآباء لأبنائهم ما يُغني عقولهم، وروحيًا بعدم إدخال المال الحرام الذي يُفسد الروح ومن ثم تكون العاقبة سيئة. مطلبٌ مهمٌ لابد من مناقشته قبل الانتهاء من هذا التقرير؛ أيًّا كان سبب الانحراف، من غير المعقول أن تصبح تصرفات الابن المنحرف وصمة عار لشخص الأب أو الأم، فبعض الأحيان لم يبدر منهم ما أدى إلى وصول ذريتهم الى ذلك الطريق غير المستقيم، ولنا في ملحمة ابنيّ النبي آدم (عليه السلام) التي ذُكرت في القرآن الكريم أسوة، فما آلت إليه الأمور من قتل أحدهما للآخر لم يؤثر مقدار ذرة في عصمة النبي، فذريته أتت غير صالحة بغير تقصير منه. نشير في ختام هذا التقرير أن ما جاء من آراء فيه كان صورة مصغرة جداً لبحث عميق ومفصل، وأنه لم يكن بحثًا إحصائيًا قدر ما كان استطلاعًا للرأي، وكل من اشترك به هو من الجالية العراقية المغتربة في بريطانيا، فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار اختلاف المكان والبيئة المصاحبة لآرائهم. وننوّه على أن الشباب والشابات رأيهم كان أساسيًا ومكملًا لرأي الآباء، وعلى صغر سنهم إلا أن كم العقلانية والتصالح مع عقولهم من حيث فهم المطلب كان مبهرًا، حيث إن الأمهات استبشرن بطريقة ردود أولادهن على أسئلة تشغل بال الكبار ولا تأخذ حيزاً كبيراً من عقل الصغار.

اخرى
منذ 5 سنوات
576

غضبٌ وانتقامٌ

بقلم: أم قنوت رأيتهما رافعين الأكفّ يتضرعان إلى الله سبحانه وتعالى في ليلة الجمعة ويدعوان: "فَكَيْفَ احْتِمالي لِبَلاءِ الاْخِرَةِ وَجَليلِ وُقُوعِ الْمَكارِهِ فيها وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدتُهُ وَيَدُومُ مَقامُهُ وَلا يُخَففُ عَنْ اَهْلِهِ لاَِنَّهُ لا يَكُونُ إلاّ عَنْ غَضَبِكَ وَاْنتِقامِكَ وَسَخَطِكَ.." ، فتعجبتُ كلَّ العجب فهما يطلبان من الله عز وجل ما لا يفعله أحدهما للآخر! لا بل لا يفعله أحدهما لنفسه من الأساس!! لطالما تساءلت: لماذا يتشاجر ويصبُّ والداي غضبهما على بعضهما وينتقمان من شخصهما ومن بعضهما البعض ومنّا نحن بلا رحمة؟! يعتصرُ قلبي الألمُ وينعقدُ لساني في كلِّ مرة أشهدُ فيها شجارهما، فأجواء بيتِنا مشحونةٌ على الدوام بسبب صراعهما البائس لإثبات مَن منهم الذي هو على حق ومَن هو الذي على باطل، وقد مرَّتْ سنواتُ عمري مُحَمَّلةً بالهمومِ، يجول في ذهني أكثر من ألف سؤال يبحثُ عن إجابة، لكنني تجنبّتُ اللجوءَ إليهما خوفاً من إشعال فتيل حرب جديدة، وهرباً من الهجومِ... لذا انطلقت أبحث عن سبب صراعهما الدائم بعيدًا؛ فتيقنت أن كلامَ ربي عن الزواج مليءٌ بالرحمة والمودة، وفتشتُ في كتب سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (سلام الله عليهم)، فما وجدتُ أقل من المودة والرحمة، لا، بل أدهشني إمامي السجاد زين العباد (عليه السلام) بما ذكره في رسالة الحقوق، فما أجمل ما قال: "وأما حق رعيتك بملك النكاح فأن تعلم أن الله جعلها سكنًا ومستراحًا وأنسًا وواقية، وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها.." وبينما أنا أقرأ كلام إمامي (عليه السلام) توجهت لربي قائلًا: رباه!! دلّني أين أبحث لأجد الحل، فما زلت غضًا لا خبرة لي، لا أرى في بيوت أصدقائي ما أراه في بيتِنا، وقد سئمتُ سماعَ صوت الغضب والانتقام هنا، الهي ارحم ضعفي وقلة حيلتي ونجنّي وأخوتي من هذا البلاء فقد طالت مدته ودام مقامه ولم يُخفف عن أهله (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (سورة غافر/٤٤) رسالةٌ إلى والدي المذكور في هذه السطور: رفقاً بهذا الرزق الصالح.

اخرى
منذ 5 سنوات
2025

أنا دائمةُ الشجارِ مع زوجي

بقلم: أم قنوت سألتني سيدةٌ: أنا دائمة الشجار مع زوجي، فهل يعد هذا الأمر طبيعياً؟ فأجبتها: نعم، ولا! الخلاف أمرٌ طبيعي؛ فكلنا يعارضُ شريكَ حياته بين الحين والآخر، فعندما يعبّرُ كلا الشريكين عن أفكارهما ومشاعرهما الحقيقية ستطفو على السطح بعض الخلافات، إذن لنواجه الأمر ونقول: لا يهم كم من الحب والانسجام الذي تحمله لشخصٍ ما، فبالنهاية أنتما شخصان مختلفان يحملُ كلٌّ منكما أفكاره وآراءه الخاصة به؛ وفي الحقيقة هذا كان جزءًا أحببتماه في بداية علاقتكما، لذلك؛ نعم الخلاف والخصام الذي يحدث بين الحين والآخر هو أمرٌ طبيعي. ولكن لسوء الحظ قد تكثر خلافات بعض الأزواج بصورة تفوق خلافات الأزواج الآخرين، ولا يُفترض أن يصبح الأمرُ سيئاً عندما يتحول الخلاف إلى جدل، وإنما تكون المشكلة الحقيقية هي عندما يتحول الخلاف الى شجار، فأنت تقولين: أنا دائمة الشجار مع زوجي، وهذه مشكلة كبيرة؛ فمن الممكن أن يكون الشجار الدائم علامة على وجود مشاكل أكبر في العلاقة نفسها. لقد حضرت هذه السيدة مع زوجها لغرض الاستشارة الزوجية، رأيتهما يتشاجران على كل صغيرة وكبيرة في حياتهما عدا موضوع العمل، أما أي مجال آخر كتربية الأطفال، أو إدارة البيت والمال، أو الاحترام ... فقد كان شعلةً لبداية الجدال واستمراره حتى الموت فقط لإثبات من منهم المحق ومن المخطئ، لذا كان من المنطقي معرفة أن المشكلة التي بين يدي هي ليست إلّا مشكلة لإثبات عنوان "هذا على حق" ضد "هذا على باطل"، ولا عجب أبدًا بأن الزوجين تعيسان في هذا الزواج، فكلاهما -وبحسب كلماتهما- يحملان الكره الشديد لبعضهما البعض. يحطم الشجار الدائم بين الزوجين العلاقة الزوجية، لذا يعد من الضروري تعلّم كيفية إنهاء الشجار وإيقافه في مرحلة الخلاف، أو على الأكثر عند مرحلة الجدل؛ فهذا الأمر جوهري لاستمرار العلاقة الصحية، ويعد الغضب هو الشعور الأصلي ما وراء الجدل الذي يتحول إلى شجار، وهذه مشكلة بحد ذاتها؛ لأن الغضب سيكون هو المتحكم بالتفكير المنطقي وبطريقة المعاملة تجاه الآخر مما يؤدي إلى النطق بكلمات والقيام بأفعال شديدة الضرر على الطرف المقابل، فسيطرة الغضب على التفكير سيبعد الطرفين عن إيجاد حلٍّ للمشكلة، بل سيفتش الطرفان حينها عن أية طريقة يؤذي أحدهما بها الآخر، وتكرار الأمر بهذه الصورة سيحطم العلاقة الزوجية. ذكرتُ في منشورٍ سابقٍ: أن المفتاح لأي علاقة جيدة ليس هو في أن يتجنب الطرفان الخلاف، بل معرفة كيف يتعاملان معه؛ فالعلاقات الزوجية الصحية الناجحة لا تتجنب الصراع والخلاف والخصام المصاحب لهما، وإنما فيها يعلّم الشريكان أنفسهما كيفية التعامل مع الطرف الآخر ويبذلان الجهد بأن لا يتحول هذا الصراع إلى حرب منتجة لإساءاتٍ لفظية، كما يجب أن يعي الزوجان بأنه في حال حدوث ذلك يجب عليهما بذل الجهد لتقليل حدة الصراع، كأن يغادر أحدهما المكان، أو يلتمس بعض الوقت للتهدئة، كما توجد طرق أخرى لترويض الغضب، ويعرف كلا الطرفين في العلاقة الناجحة آلية التهدئة المناسبة لشريك حياته ويحترمان الحاجة لاستخدام هذه الآلية في علاقتهما. نوهّتُ في نفس المنشور المذكور بأنك ستفوز عندما تكون ناضجًا بالشكل الكافي لتختار العلاقة نفسها على أن تختار كونك على حق، ولكن يتخوف بعض الأزواج في حال التزامه بهذه الطريقة أن يظهر على باطل على الدوام، وستطفو معاناة السيطرة أو السلطة على السطح حيث إن كلًا من الزوجين يوّد إثبات كونه الطرف المتحكم. كان هذا التخوّف عقبةً في طريق الزوج المذكور في هذا المقال، حيث توّهم بأنه سيفقد سلطته إذا ما تبع الأسلوب المذكور، وهذا التخوف خاطئ، وسأذكر السر الذي لا يعلمه هذا الزوج: عندما تختار العلاقة نفسها على أن تظهر دائمًا على حق ستجد أن الخلافات ستصبح أقل وكنتيجة لذلك هناك احتمال أن يتبع شريك حياتك نفس الأسلوب ومن ثم ستصلان حال التعادل: فوز لفوز. يحدث الشجار بين الزوجين لأسباب أخرى غير المذكورة في هذا المقال، ولكن العلل النفسية المسببة لهذا الشجار ليست بأهمية معرفة كم يدمر شجاركما العلاقة الزوجية، وسيشعر الجميع بسعادة ورضى، وسيكون أنجح في مجالات أخرى إذا ما تمسك بالحقيقة التي تفرض أن الأشخاص غير الناضجين يختارون الاستبداد بآرائهم حتى لو كلفهم ذلك العلاقة نفسها، بينما يختار الناضجون أن يظهروا مخطئين في سبيل الحفاظ عليها. ماذا ستختار؟ هل ستختار أن تكون ذلك الشخص الناضج في شجارك القادم أو العكس؟ ستختار الفشل أو الفوز؟ جرّب طريق النضج وستفاجئك النتائج الإيجابية والتغييرات التي ستحدث في حياتك وفي علاقتك الزوجية. أصل المقال: https://www.guystuffcounseling.com/counseling-men-blog/bid/91711/i-m-fighting-with-my-husband-constantly _________________________ تقتضي الأمانة العلمية ذكر الآتي: ١- تم حذف أسماء أصحاب الاستشارة المذكورين في هذا المقال. ٢- الترجمة ليست حرفية وتم حذف كل مالا يتناسب مع الثقافة الشرقية وتعاليم الإسلام، وهو عبارة عن فقرة قصيرة وكلمة واحدة. ‏ Dr. kurt Smith, LMFT, LPCC, AFC

اخرى
منذ 5 سنوات
5154