جلس محمد خلف مكتبه الصغير في إحدى غرف المنزل.. وكانت ستائر النوافذ تتحرك بتموج علواً وانحداراً يعبث بها تيار الهواء الداخل عبر النوافذ... رغم أن فتحة النوافذ بسيطة.. إنه مساءٌ من أماسي الشتاء. أمسك محمد قلمه وسحب ورقة من الأوراق الموجودة على يمينه فوق سطح مكتبه .. أراد أن يكتب موضوعاً لموقع (أقلام) الإلكتروني التابع للمعهد الديني ذي الدراسة عن بعد الذي يدرس فيه... فقال في نفسه، ماذا أكتب؟ هل أكتب في السياسة أم في الرياضة أم في مواضيع دينية؟ ثم قال: إذا كتبت في السياسة فالناس انقسموا إلى عدة أطياف سياسية، وعندما أكتب في موضع ما قد يغضب البعض ... وإذا كتبت في الرياضة فالموقع ديني وقد ينتقدني البعض... أما المواضيع الدينية فلا يمكن أن أخوض في أغمارها لأنني مازلت في بداية مراحل دراستي الدينية، وهذا بحر متلاطم أمواجه لا يركبه إلّا من نال نصيباً كبيراً من العلم، وإذا أردت أن أكتب فيه فكتاباتي فيه لا تتعدى أكثر من اقتباسات بسيطة وإذا تصرفت بها تصرفاً بسيطاً قد لا أوفق... ماذا أكتب؟ هل أكتب في الأدب؟ .. تساؤل يدور في ذهن محمد..وبعد برهة من الوقت...وإذا بباب الغرفة يطرق بطرقات خفيفة.. فيلتف محمد إلى الباب وهو يفتح ببطيء.. فيطل منه ابنه الصغير حسين ابن الاربع سنوات حاملاً بيده كأس ماء وهو مبتسم.. فيبتسم له والده.. فيتقدم بخطواته ويقترب من جانب مكتب أبيه .. وإذا بتيارٍ قوي يندفع من النوافذ فيعصف بالستائر وتتبعثر الأوراق من على سطح مكتب محمد.. فيسقط الكأس من بين يد حسين وتتحطم بين قدمي الوالد.. تتشابك خطوات الابن ويكاد أن يسقط بجسده على حطام زجاج الكأس.. فينتفض الوالد ليرفع ولده قبل سقوطه...ويحضن الوالد ولده... هنالك خطوات تقترب مسرعة وإذا بأم حسين تدخل الغرفة وترى الزجاج المحطم وزوجها يحتضن ولده...ففهمت الأمر...و قالت الحمد لله تعالى ولدي بخير واحتضنته.. ثم قالت: الفضل لله تعالى ثم لك يازوجي العزيز.. فلولاك لتمزق جسد ولدي.. تنهد أبا حسين.. ورمق ببصره الصورة المعلقة في إحدى زوايا الغرفة وكانت صورة آية الله العظمى السيد علي السيستاني(دام ظله).. وقال أبو حسين: لله تعالى أولاً ولك يا مولاي.. فعندما هبت الريح الصفراء وجتاحت ثلث بلدي وتحطمت أشياءٌ وأشياء صدح صوتك بفتوى الجهاد فأنقذت الأرض والعباد.. فلولاك ما جلسنا هانئين ولم ندرس مطمئنين.. ثم قال أبو حسين لزوجته: هنّأك الله تعالى بولد وأقر به عينك لكن اعلمي لولا فتوى الجهاد لفقدتي الزوج والولد والدار والسند..ثم قال في نفسه ماذا أكتب فيك ياسيدي فأنت سر أماننا وعنفوان عزنا يحتار الفكر وتتسابق الكلمات ويصمت القلم أي منها يختار فكلها عاجزة أمام عطائك مولاي..فما بي من نعيم الآن سر وجوده بعد مشيئة الله تعالى فتواك سيدي..أبا محمد رضا لو فديناك بعيوننا وفلذات أكبادنا وكل ما نملك لن نفي حقك مولاي......
اخرى