تشغيل الوضع الليلي
إرهاصات كاتب وصورة مرجع............ (قصة قصيرة )
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 1750
جلس محمد خلف مكتبه الصغير في إحدى غرف المنزل.. وكانت ستائر النوافذ تتحرك بتموج علواً وانحداراً يعبث بها تيار الهواء الداخل عبر النوافذ... رغم أن فتحة النوافذ بسيطة.. إنه مساءٌ من أماسي الشتاء. أمسك محمد قلمه وسحب ورقة من الأوراق الموجودة على يمينه فوق سطح مكتبه .. أراد أن يكتب موضوعاً لموقع (أقلام) الإلكتروني التابع للمعهد الديني ذي الدراسة عن بعد الذي يدرس فيه... فقال في نفسه، ماذا أكتب؟ هل أكتب في السياسة أم في الرياضة أم في مواضيع دينية؟ ثم قال: إذا كتبت في السياسة فالناس انقسموا إلى عدة أطياف سياسية، وعندما أكتب في موضع ما قد يغضب البعض ... وإذا كتبت في الرياضة فالموقع ديني وقد ينتقدني البعض... أما المواضيع الدينية فلا يمكن أن أخوض في أغمارها لأنني مازلت في بداية مراحل دراستي الدينية، وهذا بحر متلاطم أمواجه لا يركبه إلّا من نال نصيباً كبيراً من العلم، وإذا أردت أن أكتب فيه فكتاباتي فيه لا تتعدى أكثر من اقتباسات بسيطة وإذا تصرفت بها تصرفاً بسيطاً قد لا أوفق... ماذا أكتب؟ هل أكتب في الأدب؟ .. تساؤل يدور في ذهن محمد..وبعد برهة من الوقت...وإذا بباب الغرفة يطرق بطرقات خفيفة.. فيلتف محمد إلى الباب وهو يفتح ببطيء.. فيطل منه ابنه الصغير حسين ابن الاربع سنوات حاملاً بيده كأس ماء وهو مبتسم.. فيبتسم له والده.. فيتقدم بخطواته ويقترب من جانب مكتب أبيه .. وإذا بتيارٍ قوي يندفع من النوافذ فيعصف بالستائر وتتبعثر الأوراق من على سطح مكتب محمد.. فيسقط الكأس من بين يد حسين وتتحطم بين قدمي الوالد.. تتشابك خطوات الابن ويكاد أن يسقط بجسده على حطام زجاج الكأس.. فينتفض الوالد ليرفع ولده قبل سقوطه...ويحضن الوالد ولده... هنالك خطوات تقترب مسرعة وإذا بأم حسين تدخل الغرفة وترى الزجاج المحطم وزوجها يحتضن ولده...ففهمت الأمر...و قالت الحمد لله تعالى ولدي بخير واحتضنته.. ثم قالت: الفضل لله تعالى ثم لك يازوجي العزيز.. فلولاك لتمزق جسد ولدي.. تنهد أبا حسين.. ورمق ببصره الصورة المعلقة في إحدى زوايا الغرفة وكانت صورة آية الله العظمى السيد علي السيستاني(دام ظله).. وقال أبو حسين: لله تعالى أولاً ولك يا مولاي.. فعندما هبت الريح الصفراء وجتاحت ثلث بلدي وتحطمت أشياءٌ وأشياء صدح صوتك بفتوى الجهاد فأنقذت الأرض والعباد.. فلولاك ما جلسنا هانئين ولم ندرس مطمئنين.. ثم قال أبو حسين لزوجته: هنّأك الله تعالى بولد وأقر به عينك لكن اعلمي لولا فتوى الجهاد لفقدتي الزوج والولد والدار والسند..ثم قال في نفسه ماذا أكتب فيك ياسيدي فأنت سر أماننا وعنفوان عزنا يحتار الفكر وتتسابق الكلمات ويصمت القلم أي منها يختار فكلها عاجزة أمام عطائك مولاي..فما بي من نعيم الآن سر وجوده بعد مشيئة الله تعالى فتواك سيدي..أبا محمد رضا لو فديناك بعيوننا وفلذات أكبادنا وكل ما نملك لن نفي حقك مولاي......
اخترنا لكم
شمعــــــة
بقلم: شفاء طارق الشمري في ليلةٍ باردة، وأصواتُ قطراتِ المطر تقرعُ أبواب النوافذ، لا يوجد ضوء، لا أكاد أرى شيئًا، أخاف أنْ أسقط ... أين هي الشمعة؟ وضعتُها هُنا بالأمس ليومٍ مثل هذا، أخشى أنْ يكون أحد الأولاد قد أخذها وأضاعها .. أخذتْ تحذرُ في المسير مخافةَ أنْ تكسرَ شيئًا، كأنَّ هناك نورًا مُتوهجًا يصدرُ من غرفة الجلوس؟! هكذا تساءلتْ ... فتابعت المسير حتى وصلت إلى الغرفة، وجدت ابنتها قد أشعلتْ الشمعة وأوقدت الجمرَ في المدفأة وقد وضعت الحساء عليها ليسخن ... ابتسمت ابتسامة رضا عن هذه الابنة التي طالما كانت رائعةً، فالابنة الكبرى في المنزل بمثابة الأمّ التي تُدير أمور المنزل ... نادت زهراء أولادها حسناً وزينب وحسيناً، وطلبت منهم غسل أيديهم للجلوس معًا، فلبّى الجميع .. وبعدما أخذوا أماكنهم في غرفة الجلوس قالت لهم: أولادي الأعزاء لقد قامت أختكم فاطمة بإحضار العشاء وأوقدت لكم المدفأة وهيّأت لكم هذا الجو الدافئ والحنون فهيا نشكرها. حسن ، زينب ،حسين بصوت واحد: شكرًا يا فاطمة. ابتسمت فاطمة ابتسامتها الهادئة . وبعدما انتهى الجميع من تناول العشاء، قال حسن: أمّي لماذا أنتِ وفاطمة تتشحان بالسواد؟ قاطعته زينب: أمّي، أمّي .. أودُ أنْ أسالكِ سؤالًا ... حسين: أنا أيضًا... حسن: لكنّي أول من سألت دعوها تُجيبني... زهراء: اهدأوا اهدأوا، سأجيبكم واحدًا تلو الآخر. اسمعوني يا أولاد: هل ترون هذه الشمعة؟ كم هي جميلة وتتوهج بنورٍ رائع، إنَّها تحترقُ وتدمعُ من أجلِ أنْ تُنيرَ هذا المكان، لتنيرَ دروبنا المُظلمة، فحينما نعيش بالظلام ونفتقدُ هذا النور تُرى كيف سيُصبحُ حالنا؟ كيف نستطيع أنْ نُديرَ شؤون وحياتنا؟ ومن منّا يستطيع أنْ يعيش في الظلام؟ ... لا أحد، وهذا مؤكد. كذلك هم الأئمة (عليهم السلام)، فقد تحملوا الكثير من المشاق والتعب من أجلِ حفظِ وصيانةِ الدين والعفة، تحمّلوا العناء واكتووا بنار الظلم والسموم حيثُ كان الأعداءُ يقومون بكلِّ ما يؤذيهم لكنهم (عليهم السلام) مع هذا صبروا واستمروا بالعطاء كالشمعةِ التي تُنير دربَ الإنسانية والحياة، فإنْ بدأنا من الرسول (صلى الله عليه وآله) فقد تحمَّل الكثير من الأذى لنشر الإسلام والدعوة حتى قال (ما أوذي نبيٌّ بمثل ما أوذيت)، والإمام علي (عليه السلام) الذي غُصِبَ حقُّه في الخلافةِ وتألم وعانى من المنافقين مُدّعي الزُهد والتقوى، والسيدة الزهراء التي أحرقوا دارها وأسقطوا جنينها وسلبوا حقها في فدك، ليصل الدور إلى الأبناء كي يتحملوا عبء مسؤولية الحفاظ على الإسلام والدين، فتقطّع كبد الإمام الحسن السبط الأول (عليه السلام) في سبيل ذلك بالسمِّ، وأما الإمام الحسين (عليه السلام) فهو الأكثر مظلوميةً؛ إذْ لم يشهد التاريخ لأحدٍ مصيبةً ورزيةً كرزيّته (عليه السلام)، وامتدتِ المظلومية للرسالة الإسلامية مع امتداد السُلالة العطرة حتى يومنا هذا، حيث غيبة صاحب الزمان إمامنا المهدي (عجل الله فرجه) الذي يعيش بيننا غريبًا مظلومًا. وحتى النساء من أهل بيت العترة (عليهن السلام) لم يسلمن من الظلم والجور وقد شهدن المصائب والرزايا، فها هي عقيلة بني هاشم السيدة زينب (عليها السلام) التي لم يشاهدْ أحدٌ لها ظلًا، ولم يَسمعْ لها صوتًا، تُجَرُّ سبيةً من بلدٍ إلى بلد، هي وبنات الرسالة يتصفح وجوههن الغريب والقريب، ليس لهن من حُماتهن وليٌّ ولا نصير. فحريٌ بنا اليوم أنْ نقتديَ بهم، وأنتم يا أولادي لا يجبُ فقط أنْ تحملوا أسماءهم، بل يجب عليكم أنْ تحملوا أخلاقهم، فأنتم تحملون أسماءً مُقدسة، هذهِ الأسماءُ كانت ولا زالت تُرعبُ الأعداء، فهم يرون بكل اسم من هذه الأسماء جيشًا... وعلى كلِّ حال، فإنَّ سبب ارتدائي للثياب السوداء أنا وفاطمة؛ لكون هذه الليلة ليلةَ وفاةِ سيدة الوفاء سيدة الألم العقيلة زينب (عليها السلام)، وسأذكر لكم قصة عنها... روي عن يحيى المازني أنَّه قال: كنتُ في جوار أمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة مدةً مديدة، وبالقربِ من البيتِ الذي تسكنه زينب (عليها السلام) ابنته، فلا واللهِ ما رأيتُ لها شخصًا، ولا سمعتُ لها صوتًا، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارةِ جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) تخرج ليلًا، والحسن (عليه السلام) عن يمينها، والحسين (عليه السلام) عن شمالها، وأمير المؤمنين (عليه السلام) أمامها، فإذا قَرُبت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن (عليه السلام) مرة عن ذلك؟ فقال: أخشى أنْ ينظرَ أحدٌ إلى شخصِ أختك زينب. (العوالم ج 11 ص 955). كانت السيدة زينب تحمل الروح المحمدية، والشجاعة العلوية، والبلاغة الفاطمية، وقد كانت علاوةً على ذلك أبرز مصاديق العفة والورع والتقوى بعد أمّها السيدة الزهراء (عليها السلام)، كما كانت سندًا لإخوتها في كربلاء، وفي حمل الرسالة وإيصال صوت الحق ودحر كلمة الباطل، فكانت حقًا شمعةً مقتبسةَ من بيت النبوة والأمانة، وهذه الشمعة أنارت الحياة وشقت نهج الظلم وأنارت طريق الحق ليسلكه الناس بعد ما ارتدوا عن معرفة الحقيقة. لقد كانت هذه الشمعة تحترقُ وتتألم لتوصل صوتها، لتنشر نورها؛ لكي تهدي به الأمم حتى أتت مثل هذه الليلة الحزينة حيث أُطفئت هذه الشمعة في ظاهرها لكن بقي نورها مُشعًا إلى يومنا هذا، شعَّت وأنارت طريقًا مهّده لها أخوها الحسين (عليه السلام)، طريق الأحرار الذين لا يهابون الموت أبدًا .. طريق الثوار .. بعد ذلك جمعت الأمُّ أولادها وتوجهوا لزيارة السيدة زينب (عليها السلام) عن بعدٍ في هذه الليلة. فسلام الله عليكِ يوم ولدتِ ويوم استشهدتِ ويوم تبعثين حيّةً...
اخرىظاهــــرة الانـتـحــار
الانتــحار بســم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّدٍ وآله الطاهرين، ونعوذ بك اللّهمّ مِن شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. وبــــعد، يعد الانتحار مِن أخطر المشاكل التي تواجه المجتمع، وأشد الأسى على الاُسر؛ لما يتركه مِن آثار سلبية وخيمة بعد موت المنتحرين. والمنتحر: هو الشخص الذي له نظرة تشاؤمية عن كل موضوع، فيقمع ارادته مِن التحرك والسعي لتحقيق الأهداف، ويحكم عليها بالنفي من الحياة. أســـــباب الانتحار: للانتحار أسبابٌ عديدة, منها: 1- ضعف العقيدة فمن ييأس مِن رحمة الله فهو مِن الخاسرين. 2- الأسباب النفسية كالتوتر الزائد, والاكتئاب, والقلق. 3- المشكلات الشائكة كتراكم الديون, وسوء التدبير. 4- عدم تحقيق الأهداف كعدم تحقيق النجاح, أو الوظيفة, أو الزواج, أو الترقي بالمنصب. 5- تناول الخمر وادمانه. 6- الحسد وكثرة مراقبة الآخرين. 7- الفراغ وانعدام الشخصية. 8- التأثر بالإعلام الهابط. 9- الكفر بالله تعالى. 10- سوء فهم عاقبة الانتحار. طُــرق الانتحار: للانتحار طرق عديدة منها: الشنق, الحرق, الغرق, تناول السموم, تناول المبيدات, قطع الأوردة الدموية, الحوادث المتعمدة المرورية, السقوط مِن مكانٍ شاهق, حبس النفَس, تناول أشرطة الدواء بأكملها, وغيرها من الطرق. مشــكلة اليوم: إنّ ما نواجهه اليوم هو تزايد حالات الانتحار بين أبنائنا عموماً وطلبة الصف السادس خصوصاً نتيجة إخفاقهم في الدراسة, أو عدم حصولهم على المعدل المتوقع, أو لوم الأهل لهم على المستوى العلمي, ومما يؤسف أنه بات البعض يقلّد الآخر حتى تفشت هذه الحالة وإن لم تصل إلى حد الظاهرة. حُـــكم الانتحار: 1-الانتـحار مِن المحرّمات لاشك أنّ الانتحار مِن المحرّمات؛ إذ هو إزهاقٌ للنفس بغير حق, وأنّ الدّين الإسلامي قد حرّم قتل النفس، كما في قوله الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)(1). والنهي هنا بمعنى الانزجار والحرمة, ومن هذه الآية استنبطت الروايات الحكم الشرعي لإزهاق النفس بغير حق. 2- الانتحار مِن الكفر قد عدّ الله تعالى الانتحار مِن الكفر كما قال سبحانه: الله تعالى: ﴿...وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُون)(2). نــعم إنّه مِن الكفر؛ لأنّه تشكيكٌ بقدرة الله تعالى الــلامتناهية, وتوهينٌ مِن علم وهيمنة وسلطنة وتدبير وحكمة الله سبحانه لأمور عباده, فهو الحكيم بتدبير شؤون عباده, العليم بمصالحهم, فيكون يأس الانسان متعرض مع الآية الكريمة: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)(3). 3- المنتحر مصيره النار كما قال تعالى: تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نــَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا﴾(4). عـــلاجُ الانتحار: 1- تعزيز جانب العلاقة بالله تعالى, وقراءة الآيات الكريمة التي تبث روح التفاؤل والنجاح. 2- ضرورة اتخاذ مرشد صالح للتردد عليه وطلب المشورة منه. 3- الابتعاد عن رفقاء السوء. 4-توعية الناس بمخاطر المخدرات وآثارها. 5- العدالة في تقييم مستوى الطلبة واعطاء كلّ ذي حقٍ حقه. 6- القضاء على أوقات الفراغ واستثمار الوقت بما هو نافع. 7- تشخيص الهدف والتأمل بتحقيقه. 8- ضرورة معرفة أنّ من تأخرت عليه استجابة الله تعالى، فهو عبدٌ يحب الله سبحانه سماع صوت دعائه, "روي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَدْعُو فَيَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَكَيْنِ قَدِ اسْتَجَبْتُ لَهُ وَلَكِنِ احْبِسُوهُ بِحَاجَتِهِ فَإِنِّي أُحِــبُّ أَنْ أَسْـمَعَ صَوْتَهُ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَدْعُو فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَجِّلُوا لَهُ حَاجَتَهُ فَإِنِّي أُبْغِضُ صَوْتَهُ"(5). رواية اخرى: "عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ قُلْتُ لأبِي الْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلام) جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ الله حَاجَةً مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً وَقَدْ دَخَلَ قَلْبِي مِنْ إِبْطَائِهَا شَيْءٌ فَقَالَ يَا أَحْمَدُ إِيّــَاكَ وَالشَّيْطَانَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْكَ سَبِيلٌ حَتَّى يُقَنِّطَكَ إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه) كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْأَلُ الله عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةً فَيُؤَخِّرُ عَنْهُ تَعْجِيلَ إِجَابَتِهِ حُبّاً لِصَوْتِهِ وَاسْتِمَاعِ نَحِيبِهِ... فَلا تَمَلَّ الدُّعَاءَ فَإِنَّهُ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ وَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ وَطَلَبِ الْحَلالِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِيَّاكَ وَمُكَاشَفَةَ النَّاسِ فَإِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَصِلُ مَنْ قَطَعَنَا وَنُحْسِنُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْنَا فَنَرَى وَالله فِي ذَلِكَ الْعَاقِبَةَ الْحَسَنَةَ... فَكُنْ بِالله أَوْثَقَ فَإِنَّكَ عَلَى مَوْعِدٍ مِنَ الله أَ لَيْسَ الله عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ وَقَالَ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله وَقَالَ وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً فَكُنْ بِالله عَزَّ وَجَلَّ أَوْثَقَ مِنْكَ بِغَيْرِهِ وَلا تَجْعَلُوا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا خَيْراً فَإِنَّهُ مَغْفُورٌ لَكُمْ"(6). 9- ضرورة مراجعة طبيب نفسي لبعض الحالات. 10- تعزيز الشخصية والثقة بالنفس. خــاتمة روحيّة: دع اليأس وقُل: ها قد جئتُك يا ربّي وليس لي لسان.. وعلى شَفَتَيَّ ألف كلمة.. إلاَّ أنَّ حروفها ممزوجةٌ بأبديَّة لطفك.. حيثُ لا كتفَ للوجود يتكئ عليه فقط أنت يا ربَّ هناك. فقد انسابَت مِنّي كلمَةٌ مِن وراء الرُّوح.. فَخُذني على ظهرٍ مِن محبَّة ألطافِك.. على مدىً فَوق الزَّمَان.. على وطنٍ حيثُ لا مكان.. دُلّني عل نفسي لأنَّ الطِّين سلبَ منّي بقيّة الوجدان وأشعرني بالخذلان. __________________ (1) الاسراء: 33. (2) يوسف: 87. (3) المائدة:120. (4) النساء:30-29. (5) الكافي: ج2, باب مَن أبطأت عنه الاجابة, ح3. (6) المصدر نفسه, ح1. والحمد لله على حسن القضاء، ودفع البلاء، وصلِ اللّهم وسلّم على محمدٍ وآله الأصفياء. علوية الحسيني
اخرىتأويلاتٌ عقائدية من دعاء الجوشن الكبير
بقلم: علوية الحسيني قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا} (1) الآية الكريمة أشارت إلى وجود أسماءٍ حسنى لله تعالى، وأمرتنا بالدعاء بها، وآيات بعض السور عددّت تلك الأسماء، ومن صعب عليه احصاؤها فليرجع إلى السنة النبوية المروية عن محمد وآل محمد (عليهم السلام) حيث يجدها قد أحصيت ودُوّنت. عدد تلك الأسماء لم يتفق عليه علماء الكلام والفلاسفة، فمنهم من قال بأنّها توقيفية -أي لا يمكن تسمية الله تعالى بغير ما سمّى به نفسه- وهم المتكلمون، وخالفهم الحكماء وقالوا بجواز تسميته تعالى بغير ما سمّى به نفسه -مع الحفاظ على قدسية الذات الإلهية وضرورة كون الأسماء لا يوحي بالجسمية بالإضافة إلى اختصاص إطلاق ذلك بأهل الاختصاص العقائدي-، فأسموه بواجب الوجود، وبسيط الحقيقة، وما شابه . وليس كلامنا في اختلافهم، بل في تعدّد الأسماء التي أُطلقت على الله تعالى في دعاء الجوشن، التي يلزم تأويلها؛ لأنّ ظاهرها يدل على أن يكون لله شيء يشبهه، وهذا كفرٌ؛ لأنّه مخالف لصريح الآية الكريمة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء}(2). وعلى ذلك وجبَ تسليط الضوء على أمثال تلك المفردات الواردة في الدعاء، ضمن النقاط التالية: ■النقطة الأولى: مفرداتٌ تدلّ على كون الله تعالى جسمًا جاء في دعاء الجوشن الكبير: "يا اَقَرَبَ مِنْ كُلِّ قَريب" (4) "يا رَفيقَ مَنْ لا رَفيقَ لَه" (5) "يا رَفِيْق" (6) "يَا عَالِي" (7) "يا مَنِ السَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمينِه" (8) ظاهر هذه المعروف أنّها تدل على أنّ الله تعالى جسمٌ كأجسامنا يكون قريبًا علينا كقرب حبل الوريد بل أشد قربًا، أو أنّه تعالى رفيقٌ لنا كالصاحب الذي لا يفارق صاحبه، وأنّ له مكانًا عاليًا، وأن له يدين يطوي بها السماوات والأرض.... وجميع تلك المفردات تؤول؛ حفاظًا على قداسة الذات الإلهية. فبالنسبة إلى الثلاثة فقرات الأولى فيجب تأويلها إلى مصاحبة ومعيّة الرحمة والعناية الإلهية، والقرب منها، لا أن يصاحب العبد، ويكون مع أو قرب الله سبحانه. *وسبب تأويل تلك المفردات هو: لأنّ الله تعالى ليس جسمًا، فالجسم يلازم أن يكون له مكان، ثم ترافقه وتكون معه أو بالقرب منه، إذًا فالجسم محتاج إلى مكانٍ يحلّ به. فلو كان الله تعالى جسمًا لاحتاج إلى مكانٍ يحلّ به، والمحتاج لا يكون إلهًا، والله سبحانه يقول في كتابه العزيز أنّه هو الغني، وليس المحتاج الفقير: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد} (9). وقد ثبت بذلك أنّ الله تعالى لا يحدّه مكان، وبالتالي يكون تأويل مفردات الدعاء: يا من رحمته أقرب من كلّ رحمة، ويا من رحمته مرافقة لنا، ويامن رحمته معنا أينما كنّا؛ فجميعنا محتاج إلى رحمة ربّه حدوثًا وبقاءً -كما يقول المتكلمون-؛ أي منذ أن أخرجنا الله تعالى من كتم العدم إلى ساحة الوجود، وأفاض علينا الحياة فحاجتنا إلى رحمته وعنايته وتدبيره إلى ما لا نهاية، أي في جميع العوالم (ذر، دنيا، برزخ، آخرة). وهكذا بالنسبة للعلو، فالعلو المقصود به هنا ليس العلو المكاني، المشار إليه بالحواس، بل المراد منه علو الشأن والعظمة له سبحانه، ولهذا يجب تأويل هذه المفردة بذلك. وسبب التأويل: لأنّ عالي المكان محتاج إلى المكان، والمحتاج إلى المكان جسم، والله سبحانه غنيٌ كما أثبتنا. وهكذا بالنسبة لإثبات اليدين لله تعالى، ليس المراد بها اليدين الجارحتين، بل المراد منها القدرة الإلهية، ولهذا يجب أن تؤول؛ لأن من كان له يدان فهو جسم وهما جزء من ذلك الجسم، والجسم محتاجٌ إلى أجزائه، والمحتاج ليس إلهًا، فهو الغني عن العالمين فكيف به يحتاج إلى يدين؟! ■النقطة الثانية: مفرداتٌ تدل على اثبات الشعور النفساني لله تعالى جاء في دعاء الجوشن الكبير: " يا مَنْ يُحِبُّ الصّابِرينَ يا مَنْ يُحِبُّ التَّوّابينَ يا مَنْ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرينَ يا مَنْ يُحِبُّ الُْمحْسِنين" (10) "يا اَحَبَّ مِنْ كُلِّ حَبِيْب" (11) "يا حَبيبَ مَنْ لا حَبيبَ" (12) "يا اَنيسَ مَنْ لا اَنيسَ لَه" (13) "يا مُرْتاح" (14) فظاهر هذه المفردات يدلّ على اتصاف الله تعالى بشعورٍ نفساني نتيجة اختلاجاتٍ نفسية حسية تحصل في الدماغ، فيشعر بالحب والارتياح! ويجب تأويل تلك المفردات؛ حفاظًا على قداسة الذات الإلهية، فيؤول الحب باللطف والرحمة، وهما صفتان فعليتان من صفات الله سبحانه. وسبب التأويل هو: لو اتصف الله سبحانه بشعور الحب للزم أن يكون له دماغ يجري فيه عمل الخلايا الدماغية التي تتولى إرسال الإيعازات إلى الدماغ -كما هو الحال عند البشر-، وهذا باطل؛ لأسباب منها: كونه ليس جسمًا حتى يكون له دماغ، كما نفينا عنه الجسمية قبلًا، وعلى فرض عدم تجسيمه فمجرد شعوره هذا فإنّه سبحانه سيكون شبيهًا بمخلوقاته، وهذا باطل أيضًا؛ بدلالة الآية المحكمة: {ليس كمثله شيء}. وهكذا بالنسبة لصفة الارتياح، بالإضافة إلى لزوم أن يكون الله تعالى جسمًا، وهو باطل كما أثبتنا، فكذلك نقول: لو اتصف الله سبحانه بالارتياح للزم ثبوت التعب والإعياء له؛ فالارتياح يأتي بعد تعبٍ وإرهاقٍ وإعياءٍ شديد. وهذا محالٌ عليه تعالى؛ فمن يتصف بتلك الصفات ليس إلهًا؛ لأنّ الإله قادرٌ قدرة مطلقة، يقول للشيء كن فيكون، أو يخلق الخلق بمراحل تدريجية لحكمةٍ هو أعلم بها. ثم إنّه مخالف لصريح الآية الكريمة: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوب} (15)، فاللغوب هو التعب والإعياء، والله تعالى يقول أنّه خلق السماوات والأرض ولم يصبه تعب. ■النقطة الثالثة: مفرداتٌ تدلّ على حلول الله تعالى في مخلوقاته، وحلولهم به جاء في دعاء الجوشن الكبير: "يا مَنْ كُلُّ شَيْء مَوْجُودٌ بِه" (16) "يا مَنْ كُلُّ شَيْء قائِمٌ بِه" (17) فظاهر هذه المفردات هو الحلول، وهذه عقيدة باطلة لم يقل بها محمد وآل محمد (عليهم السلام)، ولهذا وجب تأويلها إلى أنّ كلّ شيءٍ موجودٌ بأمر وفعل الله سبحانه؛ كونه هو العلة التامة التي أوجدت معلولاتها -مخلوقاتها-. وكذلك يؤول إلى كلّ شيءٍ قائم بفعل الله سبحانه وإرادته؛ حفاظًا على قداسة الذات الالهية من أن تكون كالوعاء الذي يحوي مخلوقاته، أو المتحد معهم. وذلك انطلاقًا من الأصل العقلي القائل (إن وحدة حقيقة الوجود تلازم عمومية التأثير)، أي المؤثر واحد وهو الله تعالى، وما سواه هي آثاره وهي مخلوقاته؛ لأنّ الأصالة للوجود، فيكون هو المؤثر، والماهيّات اعتبارية فتقوم بالوجود كقيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي -أي إنّ الحروف جميعها ليس لها معنى مستقل مالم توضع في جملة حتى تعطى معنى، فلو قلنا: (إلى) لا يدل إلاّ على معنى الانتهاء، بينما لو قلنا: (ذهبتُ إلى مكة المكرمة) دلّت الجملة على معنى تام، فالمخلوقات كالمعاني الحرفية. وبذلك يكون كلّ مخلوق موجودًا بفعل الله تعالى فهو قائم بفعل الله تعالى، ومنشأ ذلك هو أصل عقلي أيضًا يقول (بقيام المعلول بالعلة)، فجميع المعلولات -المخلوقات- تحتاج إلى علّتها التامة -خالقها- حدوثًا وبقاءً. وسبب التأويل هو: لأنّه لو اتحد سبحانه مع غيره فإنّ الناتج لا يخرج عن ثلاثة احتمالات: 1- أن يبقى الموجودان موجودَين، وهذا باطل؛ لأنّه خلاف نتيجة الاتحاد. 2- أن يُعدم الموجودان وينتج آخر غيرهما، وهذا باطلٌ؛ لأنّ الناتج أجنبيّ عنهما. 3- أن يُعدم أحدهما ويبقى الآخر، وهذا باطلٌ أيضًا؛ لأنّ المعدوم لا يتحدُ مع الموجود. وكذلك باطل من حيث منافاته مع الآيات القرآنية الدالة على أحدية الله تعالى، منها قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} (16). وبهذا تبقى عقيدة الشيعة الإمامية هي التنزيه، والتوحيد الخالص، وتأويل أي مفردةٍ تؤدي إلى سلب الكمال عن الله (جلّ جلاله). ___________________ (1) الأعراف: 180. (2) الشورى: 11. (3) ف 14 من الدعاء. (4) ف 54 من الدعاء. (5) ف 59 من الدعاء (6) ف 73 من الدعاء. (7) ف 36 من الدعاء. (8) ف 67 من الدعاء. (9) فاطر: 15. (10) ف 72 من الدعاء. (11) ف 45 من الدعاء. (12) ف59 من الدعاء. (13) الفقرة نفسها. (14) ف 65 من الدعاء. (15) ق: 38. والحمد لله الذي هو هكذا، ولا هكذا غيره.
اخرىالتعليقات
بدر جاسم محمد علاوي الحسناوي
منذ 6 سنوات
موفق ان شاء الله
zeinab ali
منذ 4 سنوات
احسنتم
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى
وسن علاء محي عيدان الدراويش
منذ 6 سنوات
موفقين