مراتٍ عديدة نحاول إيجاد المخارج لأنفسنا من المسؤوليّات الشرعيّة الواقعة علينا؛ فنتهرّب من فرضٍ ما، ونلِج في إحدى المحرمات بتعليلات واهية نعلّل بها جرأة دخولنا.. نعرِض الحكم الشرعي أمامنا ونبدأ بتفصيله بما يلائم أمزجتنا.. ثباتنا في ذات الله كمن يمشي على غصنٍ مارٍّ بوادٍ سحيق لا يأمن في أي ساعة قد يقع.. الصبر على الطاعة ضئيل جداً ولا ينير من ظلمة الروح شيئاً.. لكننا لا نعترف بتزلزلنا وضعفنا هذا، بل نرمي بالسبب على نفس التكليف وندّعي أنه يفوق طاقتنا!.. أتوانى عن صلاتي وأبرّر بالتعب، أعقّ رحمي معللاً أنهم لا يذكرونني فأبادلهم عدم الذكر والسؤال، أنظر نظرة محرّمة بحجة أنني شاب وهذه غرائزي، أضع مساحيق التجميل في الجامعة وأستهين بأنه ذنبٌ صغير وإيماني في قلبي.. تنصلاتنا هذه تتوسع في الفروض والمستحبات وحتى الآداب وما يجب أن يكون عليه المسلم والمؤمن بولاية أمير المؤمنين علي [عليه السلام]؛ لنخرج بأفعالنا تلك عن أمر الله تعالى: (وسلّموا تسليما) كما في الآية الكريمة: (إِنَّ اللَّـهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب، ٥٦. الأمر الذي امتثل له حقّ امتثال سيدنا ثقة الحسين وسفيره مسلم بن عقيل [عليه السلام]، في مواطن كثيرة أبرزها الحادثة الشهيرة من امتناعه عن قتل عبيد الله بن زياد بعد أن حلّ ضيفاً عليهم، وملخص الحادثة أنقله من كتاب: (حياة الإمام الحسين، للشيخ باقر شريف القرشي، ج٢/ ص٣٥٦): شريك بن الأعور شخصية إسلامية مهمة في المجتمع يومذاك _ وهو شيعي متستِّر_ حضر من البصرة إلى الكوفة بمعية ابن زياد وذُكر أنه صـحِب ابـن زيـاد ليكون عينا ًعليه وليتعرف على خِطَطِـه، وقـد تمـارض فـي طريـق البـصرة ليعرقـل مسيرة ابن زياد حتى يدخلها الإمام الحسين [عليه السلام] فلم يفلح. مرض مرضاً شديداً بعد وصوله الكوفة _ وكان قد حلّ في دار هانئ _ بلغ ابن زياد خبر مرض شريك فأرسـل إليـه مـن يبلغـه بعزمـه علـى زيارتـه، فانتهز شريك الفرصة، وحاول الاتفاق مع هانئ ومسلم على اغتيـال ابـن زيـاد عنـد حضوره، وأن يتولى مسلم المهمة بنفسه عند إشارة شريك. حضر ابن زياد، وتهيّأت الفرصة، وأصدر شريك الإشارة المتّفق عليها، ولـم يخرج مسلم من مكمنه لاغتيال ابن زياد وتكررت الإشارة حتى فطن ابن زياد إلى أن هناك ما يقتضي خروجه فأسرع بالخروج. وسُئل مسلم عن السر في عدم خروجه وتنفيـذ مـا اتفـق عليـه فـي ابـن زيـاد فكان من ضمن جوابه أنه ورد عن النبي الأعظم [صلى الله عليه وآله] قوله: "الإيمان قيد الفتك" [بحار الأنوار، للعلّامة المجلسي، ج٤٥/ ص٩٧]. إنّ مسلماً يقول: أنا ذو مبدأ، ثابتٌ عليه ولا أعلل لنفسي بأية علّة حتى مع عدوٍ وضيع كابن زياد، حتى لو كانت نهاية حياتي على يديه القذرتين.. وسواءٌ كان الفتك في هذه الحالة محرّماً أو مباحاً كما اختلفت فيه تفسيرات العلماء، لكنه يبقى فعل يراه مسلم بن عقيل _ولو بالعنوان الثانوي_ عملاً غير لائق به كرجلٍ مسلم أولى دينه اهتماماً بالغاً بالضيف، وكسفير لإمامه الحسين وخشيته على هذه السفارة، فلم يكن مسلم بعمله قد حفظ سمعة نفسه وأثبت تدينه، بل سمعة دينه وإمامه، فليس سهلاً عليه أن يقال: انظروا الى هذا الهاشمي حفيد عم النبي يقتل ضيفاً عنده، انظروا الى سفير الحسين بن علي وهو يغدر بعدوّه في البيت بدل أن يواجهه في ساحة القتال.. كان مسلمٌ يدرك قيام الإمام وطلبه للإصلاح بحذافيره، وأنه ما قام إلا ليطبّق شريعة المصطفى فكيف يكون أوّل المخالفين لها؟! فهل راعينا انتماءاتنا الدينيّة وحافظنا عليها وكنا زيناً لها، وهل دقّقنا في ما يصدر منّا وثبتنا على مبادئنا كما فعل مسلم؟! زهراء حسام
اخرىكثيراً ما تتم المطالبة وترتفع الأصوات تنادي باحترام من لا ترتدي الحجاب، ذلك لكونها إنسانة بغض النظر عن انتمائها وملبسها، وجزى الله المطالبين وأدام تعقّلهم لأن نداءهم صحيح جداً ويعكس جنبة الإنسانية في الدين والتي يدعونا لها أئمتنا وعلماؤنا.. فقول الإمام علي في نهج البلاغة: "الناس صنفان، أما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق". لا يخفى على أحد. ومما جاء في إحدى خطب الجمعة للمرجعية الدينية بتأريخ (١٩ / ٥ / ٢٠١٧) : "لا يجوز أن تكون هنالك نظرة استعلاء وازدراء واحتقار للآخر مهما كانت عقيدته ولا يجوز بناء علاقة وفق هذه النظرة، فالجميع من أصل انساني ويجب التعامل معه وفق هذا المبدأ". والكلام للمطالبين بأن مطالباتهم لابد أن تتوسع لتشمل تلك التي ترتدي الحجاب في مجتمع السفور، أو التي ترتدي العباءة في المدن غير المحافظة ويُنظر لها نظرة الدونيّة ويشاح البصر عنها مستعلياً، وتحكم العقول عليها بالتخلف! نحن في سنة 2018 حيث نداء احترام الآخر يصدع كأعلى ما يكون، لكنه لم يشمل الى الآن المرأة المحتشمة! يُطلق ليشمل أناساً دون أناس، حتى تنازل منطلقاً لمجرد مواكبة نداءات الحداثة التي على رأسها نداء حقوق المرأة، ومنهم من هو داخل الوسط [المحافظ] لكنه لم يكلّف نفسه بشمول تلك النسوة المخدّرات في صيحاته! على الجميع أن يعيد النظر في المفاهيم، ويأخذها على معناها الحقيقي؛ إذ إن مفهوم الحق يشمل تلك المرأة التي ترتدي الحجاب في وسط يرى الحجاب تقييداً ورجعية، فالرؤية والاعتقاد شيء يحتفظ به الإنسان لذاته ويطبقه على نفسه، والاحترام والتعايش شيءٌ آخر يفرضه الضمير والإنسانية عليه بإبدائه للآخرين.. فالتي تجيءُ من مدينة محافِظة الى أخرى "منفتحة" يكون حجابها وعباءتها داخلين ضمن الحق الوطني والشرعي، حيث أن العباءة تحمل طابع التراث العراقي أيضاً إضافةً لطابعها الديني وشعارها الزينبي، ولابد أن يتم حفظ هذا الحق، حق ارتدائها لزيها الذي اعتادته. إن كان أحد ينظر لحق المرأة على شكل عري، فهناك من ينظر لحقها على شكل ستر، والبروفيسور، والدكتور وغيرهما في الجامعة ممن يحاربون الطالبة المحجبة في حجابها ويُسمعونها عبارات الانتقاص، أو يستهزؤون بعباءتها، هم في الحقيقة سلبوا حقاً من حقوق المرأة مما يجب أن ينتفض من أجله الجميع ويطالب به. كلمة أخيرة لمن تتنازل عن حجابها لأجل إرضاء الآخرين: من لا يحترمكِ كما أنتِ فهو أولاً يقيّم ظاهركِ دون أن يلتفت لمحتواكِ. فلا تتنازلي لعقلٍ قاصر لم يدرك الى الآن بديهة من بديهيات الإنسانية وهي تقبّل الآخر كيفما يكون.. وقبل كل شيء ثقي بنفسكِ أكثر. زهراء حسام
اخرىهنالك ذكريات تُرغم أفئدتنا على البهجة دون اختيارنا، نشعر بمرورها شعوراً أسطورياً، كمَن مرّت عليه الذكرى المائة لانتصاره على وحشٍ كاسرٍ لا يُهزم، كان قد مرّغ أنفه في التراب بضربةٍ واحدة وهو يقف في منتصف الميدان منتشياً بهتافات المشجعين.. ذلك لأننا حققنا فيها انتصاراً أيضاً على أعتى وحشٍ يمكن أن يقابله الإنسان في حياته، وحش نفسه الأمّارة بالسوء. ذكرى دخولك وتخرجك من الجامعة مثلاً وأنت على حالك لم تغيّرك كل الأجواء المشحونة بالخطأ.. أو لعلّها غيّرتك الى الأفضل فيكون انتصارك مضاعفاً؛ إذ إن هناك من لا يحتمل أن يكون كما الآخرين، مذنباً أو حتى صالحاً متقاعساً، بل أن طموحاته هي أن يبلغ الأفضل فيفتّش في كومة الرذيلة بحثاً عن الفضيلة مدّخراً إياها لنفسه، صاعداً بها سلالم الرقي بعيداً عن المتشابهين. ذكرى إطلاقك أول كلمة، أول مشروع، في الدعوة الى الله تعالى، أو الدفاع عن مقدساتك أو إشاعة الخير؛ فهذا زمن اللامبالاة، زمن قول: (نفسي ثم نفسي ثم نفسي)، زمن التسفيه لمن يحتضن مبدأه ويذود عنه، لمن يتأبط مشاكل أبناء جلدته ويجول دروباً موحشة ودهاليز رطبة طلباً لفكّ عقدها، لكنك شعرت بالمسؤولية وحملتها فوق منكبيك غير مبالٍ إلا برسالتك. ذكرى عقد قرانك أو زواجك وأنت ظفرت بشريكٍ كما تريد ويريد دينك رابحاً بأكبر التجارات التي يمكن أن تتعامل بها، لم يؤثر فيك المجتمع بكافة شرائحه، الذي يسعى إلى أن يحظى بفكك السفلي ليضغط عليه بقوة ويصب في فمك خمرة تعاليمه حتى يفقدك عقلك فتتخبط باحثاً عن مؤهلات المال والجمال والحسب والنسب دون الدين والأخلاق، فتخسر سعادتك وتربية أبنائك، لكنك قاومته ولم ترزخ تحت وطأته. هذه أمثلة، لذكريات تستحق الاحتفال، ولكلٍّ منا انتصار مختلف له ذكرى مبهجة. زهراء حسام
اخرىلماذا يبتدئ حزننا وشعائرنا منذ الأول من شهر محرم الحرام رغم أن الإمام الحسين (عليه السلام) وسائر أخوته وولده وأصحابه استُشهِدوا في العاشر منه؟ هناك أصلان لهذه العادة: أصل سُنَني، وأصل أخلاقي أما الأول: فيعني ما كانت عليه سنة محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله)؛ عن الإمام الرضا (عليه السّلام) قال: كان أبي(صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين(صلوات الله عليه(١). هنا يبين الإمام حزن أبيه الإمام وهو حزنه وحزن سائر آبائه وولده الذي يبدأ من الأول منه حتى يتدرج فتصل ذروته في اليوم العاشر، حيث يوم المصيبة. بل روى بعضهم: أنّ علي بن الحسين (عليه السلام) لم ير ضاحكاً يوماً قط، منذ قتل أبوه)(٢). يعني حتى في غير أيّام شهر محرّم!. وفعل أئمتنا هذا هو بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) لكن هاك انظر الى الحجة الكبرى: رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي يبكي عليه قبل استشهاده بخمسين عاماً! فعن أم سلمة (رضي الله عنها) أنّها قالت: " كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) جالساً ذات يوم في بيتي، فقال: " لا يدخل عليَّ أحد "، فانتظرت فدخل الحسين (عليه السلام)، فسمعت نشيج رسول الله(صلى الله عليه وآله) يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبيّ (صلى الله عليه وآله) يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: " إنّ جبرئيل (عليه السلام) كان معنا في البيت فقال: تحبه؟ قلت: أمّا من الدنيا فنعم، قال: إنّ أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء"(٣). وروى المحب الطبري بسنده عن أسماء بنت عميس أنّها قالت: " عقّ رسول الله عن الحسن يوم سابعه بكبشين أملحين... فلمّا كان بعد حول ولد الحسين فجاء النبيّ (صلى الله عليه وآله) ففعل مثل الأوّل، قالت: وجعله في حجره فبكى (صلى الله عليه وآله)، قلت: فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟! فقال: " ابني هذا يا أسماء، إنّه تقتله الفئة الباغية من أمتي، لا أنالهم الله شفاعتي "(٤). فلا لوم على حزننا بعد وقوع الواقعة العظمى وتردد المقتل على أسماعنا ليقرعها بالمصيبة وما جرى في ذاك اليوم المدمى. أما الأصل الأخلاقي: فإن هذه المصيبة لها حرارة، ومع أنها لا تبرد أبداً لكن رش الدمع على جمرها أهون على المؤمن المفجوع من عدمه، وقد كثر الحث من قبل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على البكاء على الحسين كما في كلام الإمام الرضا (عليه السلام) لابن شبيب: "يَا ابْنَ شَبِيبٍ: إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السَّلام)"(٥) وما للبكاء من تأثير وفوائد على الكيان العقائدي أولاً ثم رفعها لدرجات وإماثتها لذنوب الباكي ثانيا؛ فهذا يتطلب للحصول على هذه النفحات والمغانم واستغلال يوم الاستشهاد وما بعده يتطلّب مقدمات توصل لذروة التفاعل خصوصاً وأن كثيراً من الناس منغمس في مشاغله في الشهور والأيام السابقة لشهر محرم، وهناك من يحتاج الى ترقيق لقلبه كي لا تجف دمعته فيهيئ لكل ذلك من اليوم الأول من محرم.. وفي هذا الحرص شغفٌ واضح لصلة قربى النبي [صلى الله عليه وآله] ومواساته، والولاية للإمام الحسين (عليه السلام). ____________________________ (١) أمالي الصدوق: 190 مجلس27، حديث 199. (٢) تاريخ اليعقوبي 2: 259 أحداث أيّام مروان بن الحكم. (٣) المعجم الكبير للطبراني: (3 / 108 (2819)، وأنظر: مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 189. (٤) ذخائر العقبى للطبري: 119، وأنظر: ينابيع المودة للقندوزي: 2 / 200، مسند زيد بن علي: 468، البحار للمجلسي: 43 / 239. (٥) وسائل الشيعة: 502 / 14. زهراء حسام
اخرىبقلم: زهراء حسام عند كل مناسبة دينيّة الأجدر بنا وبها هو الاستفهام من ضمائرنا، هل نحن في عامّة الأيّام والشهور كنّا في حالة ترجمة لمشروع صاحب هذه المناسبة؟ وكم سيتأكّد السؤال ويصعُب وقعُه عند طرحه في المناسبات الخاصّة بالإمام الثاني عشر، ومَكمن الصعوبة عندما يكون السؤال متعلّقاً بالشريحة التي ينتظرها الإمام للقيام بالأمر المُرتقب، وهم الشباب، وهل أن قاعدتهم بالمستوى الذي يُناسب أمر القيام؟ لو ذهبنا بعيدًا عن المشكلات الأخلاقية والاجتماعية التي تُمنى بها هذه الشريحة، وهي مشكلات معلومة الحلول (وإن تأخروا وتثاقلوا في تطبيقها) الى مشكلات تتعلّق بأصول الدين، تتمثل بالفكر والعقيدة. ما نلاحظه في بعض الطبقات الشبابية الساعية الى التطوير الفكري والثقافي بأن هناك طموحاً لديهم نحو التجديد والحداثة، تجديد يصل في أحيان كثيرة الى مستوى خروج مفهومٍ ما مِن المفاهيم الدينية عن معناه! فيصير غيره لا هو! ما عادوا يريدون ديناً يحظر الاختلاط بين الجنسين، ولا يعطي أهمية للحجاب، يريدون غناءً محللاً وعباداتٍ مألوفة للذوق مما يشتهون. لا مقدّس وإن ارتبط بالله، لا عقيدة غير مستوعَبة لعقولهم وإن نزل بها كتاب مبين، لا يريدون ثابتاً، بل.. لا يريدون حقيقة! يريدون ما يريدون هم فقط.. هكذا، بمعية البعض ممن افترش لهم مائدة الإرادات هذه لينتقوا منها ما لذ وطاب! مثلاً.. وبحكم التواجد في الجامعة أعرف بعض الطّالبات ممن هنّ بعيدات عن الدين وأجوائه ورجالاته، قد استغرقن في المسلسلات والغناء، شُغلهن مراقبة الوقت للتسمّر أمام التلفاز ومشاهدة كل ما لا ينفع.. فجأة تتحول الى مدوّنة تكتب ضد ثوابت وكُبريات الدين، فجأة نسمعها وعند زيارة مرقد سيد الشهداء تقول لزميلاتها: لماذا تُمسكن بالشباك، هذه خرافة! سبحان الله! أ في هذه الحالة من حالات كثيرة مشابهة أأتي وأقول أن المشكلة سببها "رجال الدّين" أو "المؤسسة الدينية" أو "الخطاب الديني" وهي وأمثالها مكانها قصيّ عن الدين برُمّته ولا تلتزم بأصغر مسألة فيه لتأتي وتفنّد وتُخرّف قضيّة عقائدية.. لماذا؟ لأنها قرأت وبحثت؟! كلا ومن أين؟ لأنها جلست في مجلس أحد علماء الدين في الحوزة ولم يقنعها فتبرأت من الدين، أو أنه استخدم أسلوباً جافاً معها فانتبذت الى غير هذه الملة؟ [وهل أن فضاضة الأسلوب مبرر لعقلها ولضميرها خروجها من الدين]؟ هي لم تستمع للمحاضرات فنفرت من رتابتها واستهلاك مواعظها، ولستُ في مقام الدفاع وأعترف أن هناك ركاكة فظيعة لدى بعضهم لا تُشجّع على الاستماع لمقولاتهم فضلاً عن الامتثال لها. هي لم تقرأ أصغر كتاب عقائدي فما الذي حدى بها الى ترك تراثنا الكبير واللجوء الى .....! لا هذا ولا ذاك.. تلك وأمثالها إنما وجدوا رأياً شاذاً لبعض المؤلفين "الكبار" ممن زجّوا بأنفسهم في ميدان الاختصاص وهم غرباء عنه، مؤلفين يرسمون الدين باللون "الوردي" هم بارعون جداً في ميادينهم، لا أدري لماذا يحشرون أنفسهم في غيرها، بل لماذا نأخذ منهم علم الكلام وأساسيّات ديننا؟! لماذا أأخذ منهم "شريعتي" وهناك منابع أصيلة لها؟! وقرأوا رأيًا آخر لشيخ فيسبوكي يخيط العقيدة والفقه بالفصال والموديل الذي يريده المعجبون والمعلّقون! ثم.. رويدًا رويدًا يترك الشاب ثوابته ويرد عليها، ولا تقنعه بديهياتها ثم ينبذ كل شيء ويصير ملحدًا، فينتج عندنا شابٌّ لا يعرف دينًا ولا ربّاً، بل لا يعرف نفسه. لماذا، لماذا لا يجتهد هؤلاء لردّهم لأصولهم؟ لعلوم دينهم التي تديّنا بها وسرنا عليها منذ زمن الأئمة والغيبتين وعلى امتداد الخط العلمائي؟ نعم، فالدين لا يختص بحقبة زمنية ولا بمرجع معيّن حتى نُفرغ عليه غضبنا إذا ما كرهنا زماننا أو اختلفنا مع مرجعيّته! هناك أمر تعوّدناه في الشريعة، نعم في الشريعة ذاتها لا عند المتشرعة فقط حتى نشكك فيه، وهو خفاء بعض أو كثير من علل أوامرها ونواهيها، بل حتى إذا ما لاحظنا سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فهم كثيراً ما اتخذوا مواقف لم يعللوها بعلل، وما صار لهم حواريّون من أصحابهم إلا لشدّة التسليم في تلك المواقف والانقياد دون تمرّد وسؤال.. فهل هناك قاعدة شبابية بهذا المستوى ينهض بها الإمام عند قيامه بالأمر العظيم؟! في هذا المقطع من دعاء زمن الغيبة تشخيص للمشكلة مع سلسلة حلولها: "أَللّهمَّ عرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي".
العقائدبقلم: زهراء حسام أنهت إعداد طعام الإفطار، أخلت ما في يديها، في عشرٍ مضين من شهر رمضان، لم تبقَ إلا دقائق حتى تحين فرحة الصائم الأولى.. تُبادر مجدداً، فقد اعتادت على أن تتخلل أعمالها المنزلية بتعهّد ثمرتها بالعناية والعَطف.. تلج إلى غرفة صغيرتها (طوبى)، افتقدتها من على سريرها، وهي أيضًا ليست على منضدتها التي تتخذها في العادة محلًا لمطالعة قصص أئمة أهل البيت بشغف وشرود.. إنها هناك في ركن الغرفة، تطأ سجادةً بيضاء مطرّزة بخيوطٍ ذهبية، ترتدي إحرام الصلاة، تساوي أطرافه على استحياء، تبذل جهدًا لإخفاء شعر ناصيتها... بقلبٍ انتصف بين شعور الشفقة والحب تطيل الأم نظرها لشفتي الصغيرة وقد بان جفافهما من الصيام، فقد دخلت سن التكليف الشرعي في هذا العام... أحسّت طوبى بوجود والدتها، رفعت رأسها وهي ترسم ابتسامةً تروي ظمأ الصائمين... جلست الأم على مصلاة ابنتها، اتسعت لكليهما رغم صغرها، كأنهما الياقوت والمرجان، قابلت عيناها، تهم بطرح سؤال يخالجها وتخشى أن الشعور الذي تتمنى أن يدبّ في شغاف ابنتها لم يحن بعد.. _بُنيّتي.. سكتت برهة... رمت بسؤالها دفعة واحدة: _ نور عيني هل أحسستِ الآن بالفقراء الذين لا يملكون ما يسد رمقهم؟ رفعت طوبى عينيها الناعستين باستغراب وقالت: أحسستُ بعطش الإمام الحسين يا أمي! هنا... ارتفع أذان المغرب... وطوبى تنتظر ذاك الأذان الذي يرتفع بـ: "ألا يا أهل العالم إن جدّي الحسين قتلوه عطشانًا".
اخرىبقلم: زهراء حسام يَروي التاريخ: «فلمّا ساروا بالسبايا والأساری من آل رسول الله [صلى الله عليه وآله]، ورأس الحسين [عليه السلام] معهم، فكانوا إذا نزلوا منزلاً أخرجوا الرأس من صندوق أعدّوه له، فوضعوه على رمح وحرسوه طول الليل إلى وقت الرحيل ثم يعيدونه إلى الصندوق ويرحلوا». بقِطْعٍ من الليل إذ يوقِفون رَحلًا كان وحدهُ يسير بينما الكَون واقفٌ يَرقبُ بديعَ صُنع الله في أفئدةٍ صابرة.. ليلٌ يمرُّ على زينب وهي آخر ما تراه فيه، وقبل أن تأخذها سِنَةٌ أو نوم، رؤوس أحبّتها المُخضبةِ دماً، المغمضةِ عيناً، لا يكاد يَبين منها رِمشٌ ولا أَمق، قد كُحّلت بالسهام العاديات.. يا تُرى هل كانت هي من تُرتّل آيات الكتاب بعد صلاة لَيلها أم أنها تُصغي لتراتيل رأس أبي عَبد ﷲ (عليه السلام)؟ هل تُخبره كلّما صَدَّق بأَن رَأسَهُ أعجبُ من أصحابِ الكهف والرقيم وقَصص موسى وإسماعيل واليَسع وذا النون؟! هل كانت تُسبّح بتربةٍ من كربلاء، أم بالرماح الباسقات؟ هذا الليل المُدجّى، هل يَطلع فيهِ قَمر؟ أجل، كان يرتفع ليوهِجَ الغَيهَب ولا تخاف سَكينة ورُقية، من بعيد يُرسل خيوطه البيضاء، على استِحياء، كي لا تراه النساء بازغاً وقمرهن العباس آفِلاً! وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا، يدسّ الأعداء الرأس في صندوق، وينادون بالمُضي، فأصبح فؤاد زينب فارغاً، وودّت لو خبّأوه في حُشاشَة قلبها ليؤازرها على المسير.
اخرىبقلم: زهراء حسام قال السيد ابن طاووس: لقد رأيتُ في كتاب المصابیح بإسناده إلى جعفر بن محمد قال: قال لي أبو محمد بن علي: سألتُ أبي عليّ بن الحسين (عليهما السلام) عن حملِ یزید له فقال: حملَني على بعيرٍ يظلع [يعرج] بغير وِطاء ورأس الحسين (عليه السّلام) على عَلَم، ونسوتنا خلفي على بغال أكُفّ، والفارطةُ خلفنا وحولنا بالرماح، إن دمعت من أحدنا عين قُرع رأسه بالرّمح، حتى إذا دخلنا دمشق صاح صائحٌ: يا أهل الشام، هؤلاء سبايا أهل البيت الملعون! ١ هذا الذي يَعذِلنا على البكاء، سيّما مَن هُو مِن مذهبنا، هل سمع المقتل في يوم العاشر من مُحرّم أو في غيرِه مِن أيّام المُصاب؟ هل فطِنَ إلى (كيفيّة واحدة لجِراح الإمام الحُسين (عليه السّلام)؟ هل خَبِرَ جسدَهُ الباقي ثلاثة أيام وهو مُلقى على وَقدَةِ كربلاء.. وبدون رأس؟! ألم يقصُص عليهِ أحدٌ نبأ زينب (عليها السلام)، وبأي صِفةٍ ساقوها وساقوا الإمام زين العابدين (عليه السلام)؟ يزدرِدُ المرءُ ريقهُ لوعةً قبل نُطقها: سبايا! ثم ألا يدري أن كل ذلك على من وقَع؟ واللهِ لو أنّهُ جرى على أبسط خلق الله لما ارتضاه إنسان، فكيف وقَد جرى على الإمام (عليه السلام)؟! بما تحمله هذه المفردة، (إمام) بما يحمله العقل العقائدي والقلب الشيعي من إيمان وشعور للإمام! أجل! كلُّ الضّيم وقع على الإمام (عليه السلام)... من تيبست شفتاه وذَوَت من العطش هو (إمام).. من وقف وحيداً.. وحيداً مجرّداً من صحبه وأخوته، لا يحتَوِشُه إلا أعداؤه، لا يُسمعُ في ساحِه إلا تعجيل الأشرار أن أريحونا من حُسين!.. الواقف بإباء هو الإمام.. الطعنات كانت في جسد (إمام)... السهم في لبّة قلب الإمام.. الحجر يُضرب في جبهة الإمام.. الرأس المرفوع على القنا مُقطّعُ الأوداج هو رأس الإمام! والخيل.. تلك التي انتدبَها عُمر بن سعد عليه لعائنُ الله هي لرَضّ..... غُصّة.. أشِح بوجهِك عنّا، وأفرغ ملامتك في جُبٍّ فارغ، والتمس جواباً من السماء، ما بالها لم تنطو كَمَداً طيَّ السِجِلِ للكتب.. على الإمام؟ وستُجيب: احمرّ وجهي، أمرتُ غيماتي فكان مُزنُهنَّ دماً، وبكيتُه أربعين يوماً، ولولا أمرُ ربي لانشققتُ وكنتُ وردةً كالدِّهان، فلا تستعظِم دمعةً منهمِلة من بشَر! ______________ ١-إقبال الاعمال: 67.
اخرىبقلم: زهراء حسام نحن نستمع لمصيبة مقتل سيد الشهداء (عليه السلام) في كل عام، ونتفجع لمجرياتها المؤلمة، وتتقطع أنفسنا حسرات للأحداث الوحشيّة التي جرت على ابن بنت رسول الله [صلى الله عليه وآله] وأهل بيته، لكننا في كل عام أيضاً نَسأل أنفسنا أو لابد من سؤالها: ماذا جرى على الإمام الحسين؟. ماذا جرى ليكون حال الإمام السّجاد (عليه السّلام) كما روى المحدِّثون "أنه بكى على أبيه الحسين (عليه السلام) عشرين سنة، وما وُضع بين يديه طعام إلاَّ بكى، حتى قال له مولى له: يا ابن رسول الله، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له: ويحك؟ إن يعقوب النبي (عليه السلام) كان له اثنا عشر ابناً، فغيَّب الله عنه واحداً منهم فابيضَّت عيناه من كثرة بكائه عليه، وشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغمّ، وكان ابنه حياً في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟!" ¹ وفي جواب آخر له (عليه السلام) عندما قال له مولى له: "جُعلت فداك يا ابن رسول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة"². كي تبقى الحرارة راتبة متزايدة في أفئدتنا، ويكون جوابنا كجواب إمامنا لمن يلومنا؛ فماذا نصنع إن كان حجم المأساة كبيراً، الحُسين (عليه السلام) ذبح، وذبح أولاده بين يديه، وشهد مصرع أخوته وبني عمومته، وقادوا نساءه سبايا وهنّ ربيبات النجابة؛ فلا يُعقل ولا يتلاءم التفاعل الفاتر مع المصيبة وصولاً إلى المنع من البكاء حتى أو الاستهانة به! كل سنة يتم تناول شعيرة معينة بالنقد الهدّام، حتى وصلوا الى البكاء المُتسالم على استحبابه وعلى قيام الأنبياء وإلى الخاتم (صلى الله عليه وآله) به، وللأسف بعضهم ينعق بكل مادة يصدّرها هؤلاء دون تحريك عقله قليلاً ومراجعة مشروعية فعل البكاء وأنه ورد فيه ما ورد وحث عليه محمد وآله (صلوات الله عليهم) في النصوص المعتبرة، ودون أن يحدّث نفسه بكيفيّة الترويج لما يقلل من أهميته دون دليل، اتّباعاً للهوى والعاطفة؟! عندما أُساءَل غداً أو عندما يُسائلني ضميري بأي مصدر أُثبت له؟ أ أقول: مصدري فلان من الفيس بوك؟! لكن ألا يكون هذا الجواب مخجلاً أمام نفسي فضلاً عن خجلتي أمام أهل البيت (عليهم السلام) بل أمام الله تعالى؟! غير مستبعد في السنين اللاحقة أن تصل المواصيل لا الى التقليل من أهميّة الشعائر فقط، بل إلى تمييع فداحة أحداث الطف ونفي اللقطات المفجعة والخطوب التي جرت [كما حصل ذلك في غير قضية الإمام الحسين (عليه السلام)] وسينعق بها بعضهم تاركين أقوال وأفعال المعصومين (عليهم السلام). _________________ 1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي: 46/63. 2- الخصال، الصدوق: 272 ، الأمالي، الصدوق : 24، بحار الأنوار : 46/108 ح 2.
اخرىبقلم: زهراء حسام لماذا نفهم السياسة فهماً ضيّقاً؟ لماذا لا نراها إلا ببريق السيف؟ ولا نفهمها إلا بصَليلِه وطَعناته؟ لماذا لا نستوعب منها إلا اعتلالاً لدكّات الحُكم؟ لماذا نهض سيّد الشهداء (عليه السلام)؟ أ ليس ليبيّن سُقم عقيدة الأمويين وليأمر بالمعروف الذي طُمس، وينهى عن المُنكر الذي صار يُألف وكأنه واجب لابد من العمل به؟ لماذا اعتبرنا قتل الإمام الحسين (عليه السلام) انتصاراً؟ أ ليس لأن دمه وَضَع فَاصلاً بين الإسلام اللصيق والإسلام الأصيل؟ فمن أولى بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) غير خليفته الإمام علي السجّاد (عليه السلام) تثبيتًا لما حقّقه أبوه وإعلانًا له وصدعًا به؟ أ لسنا نحن وفي هذا العصر نستهجِن من يذكُر الحسين (عليه السلام) وهو لا يصلّي أو يستمع الى الغناء أو حتى مَن يرمي الأوساخ في الشّارع، ونقول: إنه لم يفهم الحسين (عليه السلام) فهماً عميقاً بَعد، لبديهةٍ في أَذهاننا بأن أَوّل الإصلاح يبدأ من هُنا؟ لذلك أَعدّ زين العباد (عليه السلام) بعد الطف مِنهاجاً عمليّاً يُمثل القاعدة والجذر والعَتبة الأولى للإصلاح وحِفظ جهود سيّد الشهداء وقَطف ثِمار دمه مُتمثلًا بخُطبه وأدعيته وبُكائه.. لماذا لا نعتبر الدعاء سياسة؟ الدعاء الذي اشتمل على أجلى مضامين التعريف بمبادئ الإسلام الأصيل، بِدءاً من العقيدة التي تشوهت، كالتوحيد وبيان كماله المنزِّه لله تعالى عن الجسمية، وعدله تعالى، ومقامات محمّدٍ وآله، ومن ثم العلاقة مع الله تعالى ومع النفس والمسلمين، واستنهاض الواعز الديني الميّت.. إلى آخره.. أ ليس في ذلك نسف لما يخطط له الأمويون من القضاء على الإسلام؟ أم أننا لم نقرأ الصحيفة السجّاديّة بعد؟! لماذا لا نَعتبر الدّمع حَرباً وسياسة تهزّ أعواد منابر الطواغيت؟ وهو -البكاء- الذي يعدّ على الأقل أصابع توخز صدور الظالمين بالإشارة الى أنهم مذنبون ليعيش السلطان مع نفسه معيشةً ضنكا، ومع الرعيّة خزي الدنيا؟! بالأصل لماذا نعتقد أن التغيير والإصلاح إما "سياسة" أو يُرفض ولا نعتدّ بجدوائيّته؟!
اخرىبقلم: زهراء حسام تريد أن تكون متحررًا عن الأخلاق والدين، يزعجك صوت المآذن، يغيظك منظر العقال والعمامة، تريد أن ترى الملاهي بدل الحوزات، تريد أن تعمق علاقتك بالمرأة بلا أي حد، تريد أن تعيش في الشارع بدل بيت أبويك، تريد أن ترى الشباب تتراقص في كل أحوالها، تريد أن تكون اللغة المتبادلة بين العوائل هي لغة الشتم والإيحاءات غير الأخلاقية، تريد أن نعيش بلا احترام للكبير، تريد أن تسلب هويتنا بكاملها؟ وماذا تريد بعد؟ هذه أحلام اليقظة، ولابد أن تصحو منها، أنت تريد ومَن على شاكلتك يريد، وتاريخ العراق وأهل العراق ليسوا كما تريد، هوية العراق ولدت معه وتَقوّم بها فكأن القضاء عليها هو قضاء عليه، العراق بهوية وطنية إسلامية، بحكم ديمقراطي يحترم جميع الأقليات. واصل أحلامك، ولا تدعو الناس إليها؛ كي لا تبين الفضيحة أكثر، واصل أحلامك ولكن بدون هاشتاگ. اترك مبررات فساد الأحزاب الإسلامية، فتغري الناس بالتمرد لأنها شوهت الدين، من يتمرد إنما يتمرد على فطرته ولن يضر الحزب بشيء، لن ينخدع الناس بذلك، لذا كان أول السخط على الأحزاب بسبب استغلالها للمقدس، للإسلام والعنوان الإسلامي. لو أردت فقط، لو أردت أن تتعرف على هوية هذا الشعب لنظرت الى الجهة الأخرى، ولو احترت بشأنه وبتماسكه لصوبت نظرك بعيدًا، وسأدلك على بعض العناوين وانظر متى ما أردت: -الزحف البشري من معظم المحافظات العراقية لأداء زيارة الأربعين. -مقاتلو الدفاع الكفائي واستجابتهم وسلوكهم. -اللجوء الشعبي في الأزمات الى العمامة الموجودة في النجف الأشرف. -صدقات العراقيين للمحتاجين والأيتام. وغيرها. كلمة أخيرة: جمهور الفيس بوك وتويتر واليوتيوب، هو جزء قليل لن يفصح لك عن هوية شعب بكامله فلا تغتر.
اخرىبقلم: زهراء حسام درسنا في شروط تفسير القرآن الكريم واستنطاقه وشموله أنّ الانتفاع منه في قضايانا السياسية والاجتماعية يكون باستخراج أحكامها منه وعرضها عليه، وليس العكس؛ فلا يصح إسقاط بعض الظواهر على القرآن وتفسيرها وتبريرها به، وهذا ملاحظ بشدّةٍ عندما يوظَّف النص الديني وتُساق الشخصيات الدينية لخدمة بعض القضايا التي نؤمن بها شخصيًا ونبحث عن مسلك ديني لها لإرضاء ضمائرنا! اليوم يحصل استهلاك في مقولات تجعل السيدة الزهراء (صلوات الله عليها) شخصية سياسية واقتصادية وربما غدًا فيزيائية! والإشارة إلى أنها دخلت معترك السياسية، بما يستتبع تلك المصطلحات من ربط بالتصدي الحالي وتكوّن صورة التصدي المباشر والخوض به كأنها عضو في البرلمان تجوب أروقته، ولا حريجة لكُنّ اليوم أيتها النساء في التصدي السياسي وليُترك أطفالك بيد المربية خِدمةً للقضية! نعم، السيدة الزهراء كانت سياسية لكن متى؟ عندما دافعت عن إمام زمانها وأحكام دينها، وخرجت من بيتها للدفاع متى؟ بعد عزّ وندرة خروج. وبأي هيئة مشَت؟ تطأ أذيالها تحوم حولها النسوة من شدّة الستر. وكيف ظهرت عند خطبتها؟ تضربُ دون المخاطَبين مُلاءة من كثرة التعفف. إنها (عليها السلام) إسلامية قبل أي عنوان آخر، وهل هو عنوانٌ مميز يُترك وتُستجدى عناوين أُخر نوقعها عليه عنوةً؟!
المناسبات الدينية